الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ عَلامَاتِ النِّفَاقِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الْبَقَرَة: 10] أَيْ: شَكٌّ وَنِفَاقٌ.
وَقَالَ اللَّهُ عز وجل فِي مُنَافِقِي الْكُفَّارِ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النِّسَاء: 142]، وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التَّوْبَة: 54]، وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} [النِّسَاء: 143] أَيْ: مُتَرَدِّدِينَ، لَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلا إِلَى الْكَافِرِينَ، وَالْمُذَبْذَبُ: الْمُضْطَرِبُ الَّذِي لَا يَبْقَى عَلَى حَالَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ.
وَسُمِّيَ الْمُنَافِقُ مُنَافِقًا، لأَنَّهُ يَسْتُرُ كُفْرَهُ، وَيُغَيِّبُهُ، فَشُبِّهَ بِالَّذِي يَدْخُلُ النَّفَقَ، وَهُوَ السَّرَبُ، فَيَسْتَتِرُ بِهِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ مِنْ نَافِقَاءِ الْيَرْبُوعِ، فَإِنَّ الْيَرْبُوعَ لَهُ حُجْرٌ، يُقَالُ لَهُ: النَّافِقَاءُ،
وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ: الْقَاصِعَاءُ، فَإِذَا طُلِبَ مِنَ الْقَاصِعَاءِ قَصَعَ، فَخَرَجَ مِنَ النَّافِقَاءِ، كَذَا الْمُنَافِقُ يَخْرُجُ مِنَ الإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ.
35 -
قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخِرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ، نَا أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ
36 -
قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ
الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَالِينِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّامِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، فَهُوَ مُنَافِقٌ» ، زَادَ إِبْرَاهِيمُ:«وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» ، قَالا جَمِيعًا:«مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ
وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ حَزْنٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، مِنْ تَابِعِي الْمَدِينَةِ وَفُقَهَائِهَا، أَدْرَكَ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ ثَمَانِ سِنِينَ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ.
37 -
قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَقَالَ:«وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» ، وَلَمْ يَقُلْ: " وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ
وَمَسْرُوقٌ هُوَ ابْنُ الأَجْدَعِ، وَهُوَ مَسْرُوقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو عَائِشَةَ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَيُقَالُ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ، وَكَانَ أَبُوهُ الأَجْدَعُ شَاعِرًا.
38 -
قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا أَبُو هِلالٍ.
ح، قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، نَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو هِلالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا يَغُرَّنَّكَ صَلاةُ امْرِئٍ، وَلا صِيَامُهُ، مَنْ شَاءَ صَلَّى، وَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَلَكِنْ لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ.
39 -
قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَرَاحِيلُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَدِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا»
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا شَبَّهْتُ الْقَارِئَ إِلا بِالدِّرْهَمِ الزَّيْفِ إِذَا كَسَرْتَهُ خَرَجَ مَا فِيهِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى قَوْلِهِ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ» : هَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ الإِنْذَارِ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ، وَالتَّحْذِيرِ لَهُ أَنْ يَعْتَادَ هَذِهِ الْخِصَالَ، فَتُفْضِي بِهِ إِلَى النِّفَاقِ، لَا أَنَّ مَنْ بَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخِصَالُ، أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اعْتِيَادٍ أَنَّهُ مُنَافِقٌ.
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، فَقَالَ: إِنَّ بَنِي يَعْقُوبَ حَدَّثُوا فَكَذَبُوا، وَوَعَدُوا فَأَخْلَفُوا، وَاؤْتُمِنُوا فَخَانُوا.
وَالنِّفَاقُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُظْهِرَ صَاحِبُهُ الإِيمَانَ وَهُوَ مُسِرٌّ لِلْكُفْرِ كَالْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالثَّانِي: تَرْكُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِ أُمُورِ الدِّينِ سِرًّا، وَمُرَاعَاتُهَا عَلَنًا، فَهَذَا يُسَمَّى مُنَافِقًا، وَلَكِنَّهُ نِفَاقٌ دُونَ نِفَاقٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» ، وَإِنَّمَا هُوَ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ.
وَأَمَّا بَنُو يَعْقُوبَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنْهُمْ نَادِرًا، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَيْهِ،
بَلْ تَابُوا وَتَحَلَّلُوا مِمَّنْ جَنَوْا عَلَيْهِ، وَسَأَلُوا أَبَاهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، فَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْهُمْ صِفَةُ النِّفَاقِ.
وَقَوْلُهُ: «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا» .
فَهُوَ أَنْ يَعْتَادَ تَرْكَ الإِخْلاصِ فِي الْعَمَلِ، كَمَا جَاءَ:«التَّاجِرُ فَاجِرٌ» ، وَأَرَادَ: إِذَا اعْتَادَ التَّاجِرُ الْكَذِبَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، لَا أَنَّ نَفْسَ التِّجَارَةِ فُجُورٌ، بَلْ هِيَ أَمْرٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، مُبَاحٌ فِي الشَّرْعِ.