المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الرد على الجهمية - شرح السنة للبغوي - جـ ١

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌بَابُ بَيَانِ أَعْمَالِ الإِسْلامِ وَثَوَابِ إِقَامَتِهَا

- ‌بَابُ بَيَانِ أَنَّ الأَعْمَالَ مِنَ الإِيمَانِ وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ

- ‌بَابُ حَلاوَةِ الإِيمَانِ وَحُبِّ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

- ‌بَابُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَا سَلَفَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ

- ‌بَابُ الْبَيْعَةِ عَلَى الإِسْلامِ وَشَرَائِعِهِ وَالْقِتَالِ مَعَ مَنْ أَبَى

- ‌بَابُ عَلامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌بَابُ الْكَبَائِرِ

- ‌بَابُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا

- ‌بَابُ الْعَفْوِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ

- ‌بَابُ رَدِّ الْوَسْوَسَةِ

- ‌بَابٌ: الإِسْلامُ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ

- ‌بَابُ الإِيمَانِ بِالْقَدَرِ

- ‌بَابُ الأُمُورِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى

- ‌بَابُ الأَعْمَالِ بِالْخَوَاتِيمِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ الْقَدَرِيَّةِ

- ‌بَابُ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى

- ‌بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ

- ‌بَابُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ

- ‌بَابُ الاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ

- ‌بَابُ رَدِّ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ

- ‌بَابُ مُجَانَبَةِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى أَوْ أَحْيَا سُنَّةً وَإِثْمِ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً أَوْ دَعَا إِلَيْهَا

- ‌2 - كِتَابُ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ تَبْلِيغِ حَدِيثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَحِفْظِهِ

- ‌بَابُ إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ

- ‌بَابُ الْخُصُومَةِ فِي الْقُرْآنِ

- ‌بَابُ مَنْ رَوَى حَدِيثًا يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ

- ‌بَابُ حَدِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ

- ‌بَابُ كِتْبَةِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ التَّحَاسُدِ فِي الْعِلْمِ

- ‌بَابُ مَنْ تَرَكَ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بِهِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ

- ‌بَابُ إِعَادَةِ الْكَلامِ لِيُفْهَمَ

- ‌بَابُ التَّوَقِّي عَنِ الْفُتْيَا

- ‌بَابُ طَرْحِ الْمَسأَلَةِ عَلَى الأَصْحَابِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ التَّخَوُّلِ بِالْمَوْعِظَةِ

- ‌بَابُ قَبْضِ الْعِلْمِ

- ‌3 - كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لَمْسِ الْمَرْأَةِ

- ‌بَابُ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ

- ‌بَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنَ اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ

- ‌بَابُ مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ

- ‌بَابُ أَدَبِ الْخَلاءِ

- ‌بَابُ الاسْتِتَارِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْكَلامِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌بَابُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهَا

- ‌بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌بَابُ الْبَوْلِ فِي الإِنَاءِ

- ‌بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ

- ‌بَابُ السِّوَاكِ

- ‌بَابُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ

- ‌بَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ

- ‌بَابُ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ

- ‌بَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِمَا وَتَخْلِيلِ الأَصَابِعِ

- ‌بَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ

- ‌بَابُ الْبَدَاءَةِ بِالْمَيَامِنِ

- ‌بَابُ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ

- ‌بَابُ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ

- ‌بَابُ صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالأُذُنَيْنِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ ثَلاثًا ثَلاثًا

- ‌بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ

- ‌بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابُ التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ

الفصل: ‌باب الرد على الجهمية

‌بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ

قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [الْقَصَص: 88]، سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ شَيْئًا.

وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الْأَنْعَام: 19].

وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ شَيْئًا، فَقَالَ لِرَجُلٍ:«أَمَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ» ؟ قَالَ: نَعَمْ.

91 -

قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ

ص: 172

إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ الْخَوَارِزْمِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهَا لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَقَالَ:«يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ» ، وَقَالَ:«حِجَابُهُ النَّارُ» ، وَزَادَ: ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النَّمْل: 8]

ص: 173

وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَمَلِيُّ، كُوفِيٌّ مُرَادِيٌّ، وَكَانَ أَعْمَى.

وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، يُقَالُ: اسْمُهُ عَامِرٌ، وَيُقَالُ: لَا اسْمَ لَهُ ".

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ» ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمِيزَانَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الْأَنْبِيَاء: 47] أَيْ: ذَوَاتِ الْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ، وَسُمِّيَ الْمِيزَانُ قِسْطًا، لأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْقِسْمَةِ يَقَعُ بِهِ، وَأَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يَخْفِضُ الْمِيزَانَ وَيَرْفَعُهُ بِمَا يُوزَنُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ الْمَرْفُوعَةِ إِلَيْهِ، وَبِمَا يُوزَنُ مِنْ أَرْزَاقِهِمُ النَّازِلَةِ مِنْ عِنْدِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الْحجر: 21] وَهَذَا مَثَلٌ فِيمَا يُدَبِّرُهُ مِنْ أَمْرِ الْخَلْقِ، وَيُنْشِئُهُ مِنْ حُكْمِهِ فِيهِمْ، يَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ، وَهُوَ الْخَافِضُ الرَّافِعُ، الْحَكَمُ الْعَدْلُ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْقِسْطِ: الرِّزْقَ الَّذِي هُوَ قِسْطُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، يَخْفِضُهُ مَرَّةً فَيُقْتِرُهُ، وَيَرْفَعُهُ مَرَّةً فَيَبْسُطُهُ، يُرِيدُ أَنَّهُ مُقَدِّرُ الرِّزْقِ وَقَاسِمُهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرَّعْد: 26].

وَقَوْلُهُ: «سُبُحَاتِ وَجْهِهِ» ، أَيْ: نُورُ وَجْهِهِ، وَيُقَالُ: جَلالُ وَجْهِهِ، وَمِنْهَا قِيلَ:«سُبْحَانَ اللَّهِ» ، إِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمٌ لَهُ وَتَنْزِيهٌ، وَقَوْلُ:«سُبْحَانَكَ» ، أَيْ: أُنَزِّهُكَ يَا رَبِّ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

ص: 174

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمَعْنَى الْكَلامِ أَنَّهُ لَمْ يُطْلِعِ الْخَلْقَ مِنْ جَلالِ عَظَمَتِهِ إِلا عَلَى مِقْدَارِ مَا تُطِيقُهُ قُلُوبُهُمْ، وَتَحْتَمِلُهُ قُوَاهُمْ، وَلَوْ أَطْلَعَهُمْ عَلَى كُنْهِ عَظَمَتِهِ، لانْخَلَعَتْ أَفْئِدَتُهُمْ، وَزَهَقَتْ أَنْفُسُهُمْ، وَلَوْ سَلَّطَ نُورَهُ عَلَى الأَرْضِ وَالْجِبَالِ، لاحْتَرَقَتْ وَذَابَتْ، كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الْأَعْرَاف: 143].

92 -

قَالَ

الشَّيْخُ

الْحُسَيْنُ

بْنُ

مَسْعُودٍ

: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا خَالُ وَالِدِي أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُهِكَتِ الأَنْفُسُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، وَهَلَكَتِ الأَمْوَالُ، فَاسْتَسْقِ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، وَبِكَ عَلَى اللَّهِ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ» .

فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ! أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟، إِنَّ شَأْنَهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، إِنَّهُ لَفَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنَّهُ عَلَيْهِ

ص: 175

لَهَكَذَا».

وَأَشَارَ وَهْبٌ بِيَدِهِ، مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَأَشَارَ أَبُو الأَزْهَرِ أَيْضًا» ، إِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ

وَجُبَيْرٌ هُوَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدٌ، وَابْنُهُ جُبَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حِجَازِيُّونَ.

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا حَدِيثٌ أَوْرَدَهُ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، بِإِسْنَادِ أَبِي الأَزْهَرِ وَمَعْنَاهُ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ لَهَكَذَا» أَوْ قَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ، «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» .

قَالَ رضي الله عنه: وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: «وَإِنَّهُ عَلَيْهِ لَهَكَذَا» فِي رِوَايَةِ أَبِي الأَزْهَرِ.

وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ الْكَيْفِيَّةَ عَنِ اللَّهِ، وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلامُ تَقْرِيبٍ أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيرُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلالِهِ مِنْ حَيْثُ يُدْرِكُهُ فَهْمُ السَّائِلِ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟» مَعْنَاهُ: أَتَدْرِي مَا عَظَمَةُ اللَّهِ وَجَلالُهُ؟.

ص: 176

وَقَوْلُهُ: «إِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ» مَعْنَاهُ: لَيَعْجَزُ عَنْ جَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ حَتَّى يَئِطَّ بِهِ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِقُوَّةِ مَا فَوْقَهُ، وَلِعَجْزِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ «، وَمَنْ» بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّمْثِيلِ عِنْدَهُ مَعْنَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلالِهِ، وَارْتِفَاعِ عَرْشِهِ، لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِعُلُوِّ الشَّأْنِ، وَجَلالَةِ الْقَدْرِ لَا يُجْعَلُ شَفِيعًا إِلَى مَا هُوَ دُونَهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِشَيْءٍ، أَوْ مُكَيَّفًا بِصُورَةِ خَلْقٍ، أَوْ مُدْرَكًا بِحَدٍّ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

قَالَ الشَّيْخُ، رحمه الله: وَالْوَاجِبُ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِه الإِيمَانُ بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَالتَّسْلِيمُ، وَتَرْكُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْعَقْلِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَقَالَ رحمه الله: وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى عَظِيمٌ لَهُ عَظَمَةٌ، كَبِيرٌ لَهُ كِبْرِيَاءُ، عَزِيزٌ لَهُ عِزَّةٌ، حَيٌّ لَهُ حَيَاةٌ، بَاقٍ لَهُ بَقَاءٌ، عَالِمٌ وَلَهُ عِلْمٌ، وَمُتَكَلِّمٌ وَلَهُ كَلامٌ، قَوِيٌّ لَهُ قُوَّةٌ، وَقَادِرٌ وَلَهُ قُدْرَةٌ، وَسَمِيعٌ وَلَهُ سَمْعٌ، بَصِيرٌ لَهُ بَصَرٌ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الْوَاقِعَة: 74]، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الْحَج: 62]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجاثية: 37]،

ص: 177

وَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النِّسَاء: 158]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10].

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ اللَّهِ عز وجل:" وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ".

وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} [غَافِر: 65]، {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111].

وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرَّحْمَن: 27]، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [الْقَصَص: 88]، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سبأ: 3]، وَقَالَ عز وجل:{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النِّسَاء: 17]، وَقَالَ تبارك وتعالى:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النِّسَاء: 166]، وَقَالَ عز وجل:{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11]، وَقَالَ عز وجل:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [الْبَقَرَة: 255]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّسَاء: 164]، وَقَالَ عز وجل:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الْفَتْح: 15]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الْحَج: 40]، وَقَالَ عز وجل:{ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [

ص: 178

الذاريات: 58]، وَقَالَ عز وجل:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} [الْأَنْعَام: 65]، وَقَالَ سبحانه وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْبَقَرَة: 20]، وَقَالَ عز وجل:{عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [الْقَمَر: 55]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النِّسَاء: 134]، وَقَالَ تَعَالَى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]، وَقَالَ عز وجل:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46].

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهَا لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» .

وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ اسْمُهُ قَدِيمٌ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، لَا يَجُوزُ لَهُ اسْمٌ حَادِثٌ، وَلا صِفَةٌ حَادِثَةٌ، كَانَ اللَّهُ خَالِقًا وَلا مَخْلُوقَ، وَرَبًّا وَلا مَرْبُوبَ، وَمَالِكًا وَلا مَمْلُوكَ، كَمَا هُوَ الآخِرُ قَبْلَ فَنَاءِ الْعَالَمِ، وَالْوَارِثُ قَبْلَ فَنَاءِ الْخَلْقِ، وَالْبَاعِثُ قَبْلَ مَجِيءِ الْبَعْثِ، وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُشْبِهُ أَسْمَاءَ الْعِبَادِ، لأَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَأَسْمَاءَ الْعِبَادِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللَّهُ سبحانه وتعالى: «أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي» :

ص: 179

فَبَيَّنَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُحْدَثَ لَهُ اسْمٌ بِحُدُوثِ فِعْلِهِ، وَلا يُعْتَقَدُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهَا هُوَ وَلا غَيْرُهُ، بَلْ هِيَ صِفَاتٌ لَهُ أَزَلِيَّةٌ، لَمْ يَزَلْ جَلَّ ذِكْرُهُ، وَلا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلا يَبْلُغُ الْوَاصِفُونَ كُنْهَ عَظَمَتِهِ، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

ص: 180