الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الاسْتِتَارِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ
183 -
أخبرنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رحمه الله، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ
قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ:«كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ» ، وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرَةٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ
وَالْجَرِيدَةُ: السَّعَفَةُ، وَجَمْعُهَا جَرِيدٌ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ.
قَوْلُهُ: «وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرَةٍ» مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا لَمْ يُعَذَّبَا فِي أَمْرٍ كَانَ يَكْبُرُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا الاحْتِرَازُ عَنْهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشُقُّ عَلَيْهِمَا الاسْتِتَارُ عِنْدَ الْبَوْلِ، وَتَرْكُ النَّمِيمَةِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الأَمْرَ فِيهِمَا هَيِّنٌ غَيْرُ كَبِيرٍ فِي أَمْرِ الدِّينِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:«وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ» .
وَبَعْضُهُمْ
يَرْوِي «لَمْ يَكُنْ يَسْتَنْتِرُ مِنَ الْبَوْلِ» ، وَالاسْتِنْتَارُ مِنَ الْبَوْلِ، وَالاسْتِنْثَارُ كَالاجْتِذَابِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، يَعْنِي: الاسْتِبْرَاءَ، وَالنَّتْرُ: الْجَذْبُ بِالْعُنْفِ.
وَقَوْلُهُ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فَإِنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ التَّبَرُّكِ بِأَثَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَدُعَائِهِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا، فَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ مُدَّةَ بَقَاءِ النَّدَاوَةِ فِيهِمَا حَدًّا لِمَا وَقَعَتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ فِي الْجَرِيدِ الرَّطْبِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِسِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الرَّطْبَ مِنْهُ يُسَبِّحُ.
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ: هَلْ يُسَبِّحُ هَذَا الْخَشَبُ؟ قَالَ: كَانَ يُسَبِّحُ، فَأَمَّا الآنَ فَلا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ، لأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بَرَكَةً وَثَوَابًا.
وَفِي الْحَدِيثِ وُجُوبُ الاسْتِتَارِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.
184 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ، قَالَ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ:«ائْتِنِي بِوَضُوءٍ» قَالَ: فَجِئْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: «أَبْعَدَ» أَيْ: أَمْعَنَ فِي الذَّهَابِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لِمَوْضِعِ الْغَائِطِ: الْخَلاءُ، وَالْمَذْهَبُ، وَالْمِرْفَقُ، وَالْمِرْحَاضُ.
185 -
أَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ «إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ»
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ، فَلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ» ، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ، لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ» ، يَرْوِيهِ الأَعْمَشُ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنِ ابْنِ
عُمَرَ، وَكُلٌّ مُرْسَلٌ، لأَنَّ الأَعْمَشَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ نَظَرَ إِلَى أَنَسٍ.
وَفِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى: «كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَبْوَالَ كُلَّهَا نَجِسَةٌ، وَالاحْتِرَازُ عَنْهَا وَاجِبٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ، فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ:«إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ» .
يَعْنِي: لِيَطْلُبْ مَكَانًا سَهْلا، حَتَّى لَا يَرْتَدَّ إِلَيْهِ الْبَوْلُ.
وَالدَّمِثُ: الْمَكَانُ اللَّيِّنُ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ «يَرْتَادُ لِبَوْلِهِ مَكَانًا كَمَا يَرْتَادُ مَنْزِلا» .