الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الإِيمَانِ بِالْقَدَرِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الْأَحْزَاب: 38]، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الْفرْقَان: 2]، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» .
66 -
قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَيُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ".
زَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ: " خَيْرِهِ وَشَرِّهِ،
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ رَجُلٍ، قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ، وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عَلِيٍّ
67 -
قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِ مِائَةٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ كُلِّهَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» ، قَالَ:«وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ
68 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ الْفَقِيهُ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا، وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلامِهِ، وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
69 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ كُتِبَ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ".
،
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» ، «آدَمُ» مَرْفُوعَةُ الْمِيمِ عَلَى مَعْنَى الْفَاعِلِ، وَ «مُوسَى» فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، أَيْ: أَلْزَمَهُ آدَمُ الْحُجَّةَ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا حَجَّهُ آدَمُ فِي دَفْعِ اللَّوْمِ، إِذْ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ الآدَمِيِّينَ أَنْ يَلُومَ أَحَدًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:«انْظُرُوا إِلَى النَّاسِ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ» .
وَأَمَّا حُكْمُ الَّذِي تَنَازَعَاهُ، فَهُمَا فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُسْقِطَ الأَصْلَ الَّذِي هُوَ الْقَدَرُ، وَلا أَنْ يُبْطِلَ الْكَسْبَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، وَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، خَرَجَ عَنِ الْمَقْصَدِ إِلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ إِلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِ، أَوِ الْجَبْرِ.
وَقَوْلُهُ: «أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ» ، يَقُولُ: إِذا جَعَلَكَ اللَّهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مِنَ الاصْطِفَاءِ بِالرِّسَالَةِ وَالْكَلامِ، فَكَيْفَ يَسَعُكَ أَنْ تَلُومَنِي عَلَى الْقَدَرِ الْمَقْدُورِ الَّذِي لَا مَدْفَعَ لَهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» ، وَذَلِكَ أَنَّ الابْتِدَاءَ بِالْمَسْأَلَةِ وَالِاعْتِرَاضَ كَانَ مِنْ مُوسَى، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ آدَمَ إِنْكَارٌ لِمَا اقْتَرَفَهُ مِنَ الذَّنْبِ، إِنَّمَا عَارَضَهُ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهِ دَفْعُ حُجَّةِ مُوسَى الَّتِي أَلْزَمَهُ بِهَا اللَّوْمَ.
70 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ! عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ! مُضْغَةٌ،
فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا، قَالَ: يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ أَشَقِيُّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيَكْتُبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
71 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَخْلَدٍ الأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، بِبَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ» ، أَوْ قَالَ:«يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ، وَعَمَلَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ هِشَامِ
بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الأَعْمَشِ
وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْهَمْدَانِيُّ الْجُهَنِيُّ.
وَيُرْوَى عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، أَنَّهُ قَالَ لِلأَعْمَشِ: مَا يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا، طَارَتْ فِي بَشَرِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفْرٍ وَشَعْرَةٍ، ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ، فَذَلِكَ جَمْعُهَا.
وَقِيلَ لأَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [الْبَقَرَة: 234] الآيَةَ: لأَيِّ شَيْءٍ ضُمَّتْ هَذِهِ الْعَشَرَةُ إِلَى الأَرْبَعَةِ
الأَشْهُرِ؟ قَالَ: لأَنَّهُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فِي الْعَشْرِ.
72 -
قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا عَلَى جِنَازَةٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ بِالْبَقِيعِ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِيَدِهِ مِخْصَرَةٌ، فَجَاءَ فَجَلَسَ، ثُمَّ نَكَتَ بِهَا فِي الأَرْضِ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:«مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا قَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَإِلا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً» ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ قَالَ:«لَا، وَلَكِنِ اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ، وَأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ» ، قَالَ: ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6}
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى {10} } [اللَّيْل: 5 - 10] ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ
وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هُوَ أَبُو الْحَسَنِ الْقُرَشِيُّ، وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمِخْصَرَةُ مَا اخْتَصَرَ الإِنْسَانُ بِيَدِهِ، فَأَمْسَكَهُ مِنْ عَصًا أَوْ عَنْزَةٍ، وَمِنْهُ أَنْ يُمْسِكَ الرَّجُلُ بِيَدِ صَاحِبِهِ، فَيُقَالُ: فُلانٌ مُخَاصِرُ فُلانًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ مُتَخَاصِرِينَ إِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ آخِذًا بِيَدِ بَعْضٍ.
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: التَّخَصُّرُ: إِمْسَاكُ الْقَضِيبِ بِالْيَدِ، وَالْمِخْصَرَةُ ذَلِكَ الْقَضِيبُ، وَجَمْعُهَا مَخَاصِرُ.
قَوْلُهُ: «نَكَتَ بِهَا الأَرْضَ» ، أَيْ: ضَرَبَهَا بِهَا.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ» ، أَيْ: مَوْلُودَةٍ، يُقَالُ:
نُفِسَتِ الْمَرْأَةُ وَنَفِسَتْ: إِذَا وَلَدَتْ، فَإِذَا حَاضَتْ، قُلْتُ: نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ لَا غَيْرَ.
قَوْلُهُ: «مُيَسَّرٌ» ، أَيْ: مُهَيَّأٌ وَمَصْرُوفٌ إِلَيْهِ.
ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ كَلامًا مَعْنَاهُ، قَالَ: قَوْلُهُمْ: «أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ» ؟ مُطَالَبَةً مِنْهُمْ بِأَمْرٍ يُوجِبُ تَعْطِيلَ الْعُبُودِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِخْبَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَابِقِ الْكِتَابِ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْبِ عِلْمِ اللَّهِ سبحانه وتعالى فِيهِمْ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَرَامَ الْقَوْمُ أَنْ يَتَّخِذُوهُ حُجَّةً لأَنْفُسِهِمْ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ، فَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَهُنَا أَمْرَيْنِ لَا يُبْطِلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ: بَاطِنٌ: هُوَ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ فِي حُكْمِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَظَاهِرٌ: هُوَ السِّمَةُ اللازِمَةُ فِي حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَهُوَ أَمَارَةٌ مُخِيلَةٌ غَيْرُ مُفِيدَةٍ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّمَا عُومِلُوا بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ، وَتَعَبَّدُوا بِهَذَا التَّعَبُّدِ، لِيَتَعَلَّقَ خَوْفُهُمْ بِالْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ عَنْهُمْ، وَرَجَاؤُهُمْ بِالظَّاهِرِ الْبَادِي لَهُمْ، وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ مَدْرَجَتَا الْعُبُودِيَّةِ، لِيَسْتَكْمِلُوا بِذَلِكَ صِفَةَ الإِيمَانِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ كُلا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَأَنَّ عَمَلَهُ فِي الْعَاجِلِ دَلِيلُ مَصِيرِهِ فِي الآجِلِ، وَتَلا قَوْلَهُ سبحانه وتعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [اللَّيْل: 5]، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [اللَّيْل: 8] وَهَذِهِ الأُمُورُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ عِلْمُ اللَّهِ عز وجل فِيهِمْ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 23].
وَاطْلُبْ نَظِيرَهُ مِنْ أَمْرَيْنِ: مِنَ الرِّزْقِ الْمَقْسُومِ مَعَ الأَمْرِ بِالْكَسْبِ، وَمِنَ الأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فِي الْعُمْرِ مَعَ الْمُعَالَجَةِ بِالطِّبِّ، فَإِنَّكَ تَجِدُ الْمُغَيَّبَ فِيهِمَا عِلَّةً مُوجِبَةً، وَالظَّاهِرَ الْبَادِيَ سَبَبًا مُخِيلا، وَقَدِ اصْطَلَحَ النَّاسُ خَوَاصُّهُمْ وَعَوَامُّهُمْ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِمَا لَا يُتْرَكُ بِالْبَاطِنِ، هَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ رَحمَه الله تَعَالَى
73 -
قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُونَ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَسَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ، أَوِ الْكَيْسُ وَالْعَجْزُ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ
وَطَاوُسٌ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ طَاوُسُ بْنُ كَيْسَانَ الْهَمْدَانِيُّ الْخَوْلانِيُّ مِنْ أَبْنَاءِ الْفُرْسِ مِنْ تَابِعِي الْيَمَنِ، أَدْرَكَ خَمْسِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، حَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً، مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ.
وَالْكَيْسُ: الْعَقْلُ
74 -
قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،
قَالَ: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الآنَ، أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ، أَلِعَامِنَا هَذِهِ، أَمْ لِلأَبَدِ؟ قَالَ:«بَلْ لِلأَبَدِ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الآنَ، فِيمَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَوْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟ قَالَ:«بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ» ، قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟، قَالَ زُهَيْرٌ: فَقَالَ كَلِمَةً خَفِيَتْ عَلَيَّ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا نَسِيبِي بَعْدُ، فَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهَا، فَقَالَ:«اعْمَلُوا فَإِنَّ كُلا مُيَسَّرٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ
وَأَبُو الزُّبَيْرِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ، مَوْلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ قَبْلَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِسَنَةٍ، وَمَاتَ عَمْرٌو سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ
75 -
قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «
إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ: " فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى
76 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ،
أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَاللِّسَانُ يَزْنِي، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلانِ تَزْنِيَانِ، يُحَقِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَالْعَلاءُ هُوَ الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيُّ، مَوْلَى الْحُرَقَةِ، وَحُرْقَةُ مِنْ جُهَيْنَةَ، يُقَالُ: مَاتَ الْعَلاءُ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ
77 -
قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَخْبَرَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الْأَعْرَاف: 172].
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "
إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ "، فَقَالَ رَجُلٌ: فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بَيْنَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعُمَرَ رَجُلا
الذُّرِّيَّةُ جَمْعُهَا ذَرَارِيُّ مِنَ الذَّرِّ، لأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أَخْرَجَ الْخَلْقَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ كَالذَّرِّ حَتَّى أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، أَيْ: خَلَقَهُمْ، فَتُرِكَ هَمْزُهُ
78 -
قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِالصَّيْرَفِيِّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الْبَلْخِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ الشَّطَوِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَدْرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جِنَازَةَ صَبِيٍّ مِنْ صِبْيَانِ الأَنْصَارِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: طُوبَى لَهُ، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَمَا يُدْرِيكِ؟ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلا، وَهُمْ فِي أَصْلابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ النَّارَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلا، وَهُمْ فِي أَصْلابِ آبَائِهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ
قَالَ الشَّيْخُ، رحمه الله: الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ فَرْضٌ لازِمٌ، وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، كَتَبَهَا عَلَيْهِمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرَّعْد: 16]، وَقَالَ عز وجل:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [الْقَمَر: 49].
فَالإِيمَانُ وَالْكُفْرُ، وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ، كُلُّهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَرْضَى الإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ، وَوَعَدَ عَلَيْهِمَا الثَّوَابَ، وَلا يَرْضَى الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ، وَأَوْعَدَ عَلَيْهِمَا الْعِقَابَ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إِبْرَاهِيم: 27]، وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الْبَقَرَة: 253]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الْحَج: 18]، وَقَالَ عز وجل:{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الْأَنْعَام: 125].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَرَجُ: مَوْضِعُ الشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ لَا تَصِلُ الرَّاعِيَةُ إِلَيْهِ، فَقَلْبُ الْكَافِرِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْحِكْمَةُ، وَكُلُّ ضَيِّقٍ حَرَجٌ وَحَرِجٌ.
وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الْبَقَرَة: 7] أَيْ طَبَعَ عَلَيْهَا، فَلا تَعْقِلُ وَلا تَعِي خَيْرًا، وَمَعْنَى الْخَتْمِ: التَّغْطِيَةُ عَلَى الشَّيْءِ، وَالاسْتِيثَاقُ مِنْهُ حَتَّى لَا يَدْخُلُهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الْإِسْرَاء: 45]، قِيلَ: الْمَسْتُورُ هَهُنَا بِمَعْنَى السَّاتِرِ،
وَالْحِجَابُ: الطَّبْعُ.
وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7].
قَالَ رحمه الله: فَالْعَبْدُ لَهُ كَسْبٌ، وَكَسْبُهُ مَخْلُوقٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ حَالَةَ مَا يَكْسِبُ، وَالْقَدَرُ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلا نَبِيًّا مُرْسَلا، لَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِيهِ، وَالْبَحْثُ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ، بَلْ يُعْتَقَدُ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى خَلَقَ الْخَلْقَ، فَجَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ: أَهْلَ يَمِينٍ خَلَقَهُمْ لِلنَّعِيمِ فَضْلا، وَأَهْلَ شِمَالٍ خَلَقَهُمْ لِلْجَحِيمِ عَدْلا.
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الْأَعْرَاف: 179]، وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [الْأَعْرَاف: 37]، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا قُدِّرَ لَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمِنَ الشِّقْوَةِ وَالسَّعَادَةِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] قَالَ مُجَاهِدٌ: بِمُضِلِّينَ {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] إِلا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الْأَعْرَاف: 29].
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَمَا كَتَبَ عَلَيْكُمْ تَكُونُونَ {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الْأَعْرَاف: 30].
وَقَالَ سبحانه وتعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الْإِنْسَان: 3].
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [الْبَلَد: 10] أَيْ: طَرِيقَ الْخَيْرِ، وَطَرِيقَ الشَّرِّ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى لَمْ يَخْلُقْ إِبْلِيسَ، وَيُرْوَى هَذَا مَرْفُوعًا.
وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السَّجْدَة: 13].
فَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِطِيبِ الْمُكْتَسَبِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ بِفَضْلِهِ.
قَالَ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ: اجْتَنِبُوا الْكَلامَ فِي الْقَدَرِ، فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ فِيهِ يَقُولُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا فَأَبْغَضَهُ، وَمَا أَبْغَضَهُ فَأَحَبَّهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْبُدُ الأَوْثَانَ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَعِيدٌ.