الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ رَدِّ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [الْقَصَص: 50]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14]، أَيْ: عَلَى عِلْمٍ أَنَّ الْفُرْقَةَ ضَلالَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ فَعَلُوهُ بَغْيًا، أَيْ: لِلْبَغْيِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الْأَعْرَاف: 45]، قِيلَ: الْعِوَجُ فِيمَا لَا شَخْصَ لَهُ، يُقَالُ فِي الأَمْرِ وَالدِّينِ: عِوَجٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَفِي الْجِدَارِ وَالشَّجَرِ: عَوَجٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ.
وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الْأَنْعَام: 159]، هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الْأَنْعَام: 112]، أَيْ: زِينَتَهُ وَحُسْنَهُ بِتَرْقِيشِ الْكَذِبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {
حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} [يُونُس: 24]، أَيْ: تَزَيَّنَتْ بِأَلْوَانِ نَبَاتِهَا، وَالزُّخْرُفُ: كَمَالُ حُسْنِ الشَّيْءِ.
103 -
قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، بِمَرْوَ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا» .
وَرَوَاهُ جَابِرٌ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: «إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا،
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ».
قَوْلُهُ: «أَحْسَنَ الْهَدْيِ» ، أَيْ: أَحْسَنَ الطَّرِيقِ.
وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، وَعَائِشَةُ عَمَّتُهُ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، مَاتَ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَةَ إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَمِائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ: سَنَةَ سِتٍّ، وَيُقَالُ: سَنَةَ سَبْعٍ، وَمَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ، وَلَهُ ابْنَانِ يَرْوِيَانِ عَنْهُ: يَعْقُوبُ، وَسَعْدٌ.
وَعَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدَانُ لَقَبٌ.
104 -
قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَينِ الأَعْيَنُ أَبُو بَكْرٍ، نَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»
وَعُقْبَةُ بْنُ أَوْسٍ فِي الْبَصْرِيِّينَ، وَيُقَالُ: يَعْقُوبُ بْنُ أَوْسٍ السَّدُوسِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
وَثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلا مِلَّةً وَاحِدَةً» قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» .
وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ:«ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مِفْصَلٌ إِلا دَخَلَهُ» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا تَخَافُونَ أَنْ تُعَذَّبُوا أَوْ يُخْسَفَ بِكُمْ، أَنْ تَقُولُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ فُلانٌ.
قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْصِنِي.
قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالاسْتِقَامَةِ، اتَّبِعْ وَلا تَبْتَدِعْ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ.
وَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالا، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلالا بَعِيدًا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ، فَهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ.
105 -
قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا أَبُو النَّضْرِ، نَا الْمَسْعُودِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاخْتَارَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، وَانْتَجَبَهُ بِعِلْمِهِ،
ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بَعْدُ، فَاخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا، فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ، وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ».
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ، نَا بَقِيَّةُ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمَسْعُودِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي» ، أَوْ قَالَ:«أُمَّةُ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ» .
وَتَفْسِيرُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ.
وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْجَمَاعَةِ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ.
فَقِيلَ لَهُ: قَدْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، قَالَ: فَفُلانٌ وَفُلانٌ، قِيلَ: قَدْ مَاتَ فُلانٌ وَفُلانٌ؟ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ جَمَاعَةٌ.
وَدَخَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: اعْهَدْ إِلَيَّ، فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ الْيَقِينُ؟، قَالَ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّي، قَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلالَةَ حَقَّ الضَّلالَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ، وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ.
وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنَّ السُّنَّةَ قَدْ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ، فَاتَّبِعْ وَلا تَبْتَدِعْ، فَإِنَّكَ لَنْ تَضِلَّ مَا أَخَذْتَ بِالأَثَرِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا الرَّأْيُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ إِذَا احْتَجْتَ إِلَيْهَا أَكَلْتَهَا.
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ؟ قَالَ مَالِكٌ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النُّور: 63].
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، الْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لَا يُتَابُ مِنْهَا.
قَالَ الشَّيْخُ: وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الصِّفَاتِ، وَعَلَى الزَّجْرِ عَنِ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ الْكَلامِ وَتَعَلُّمِهِ.
سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ، فَقَالَ: الْزَمْ دِينَ الصَّبِيِّ فِي الْكُتَّابِ وَالأَعْرَابِيِّ، وَالْهَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ.
وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الْبَلاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: إِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ، قِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَمَا الْبِدَعُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبِدَعِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلا يَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ: لَوْ كَانَ الْكَلامُ عِلْمًا، لَتَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، كَمَا تَكَلَّمُوا فِي الأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَكِنَّهُ بَاطِلٌ يَدُلُّ عَلَى بَاطِلٍ.
وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْكَلامِ، فَقَالَ: دَعِ الْبَاطِلَ، أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الْحَقِّ، اتَّبِعِ السُّنَّةَ، وَدَعِ الْبِدْعَةَ.
وَقَالَ: وَجَدْتُ الأَمْرَ الاتِّبَاعَ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِمَا عَلَيْهِ الْجَمَّالُونَ وَالنِّسَاءُ فِي الْبُيُوتِ، وَالصِّبْيَانُ فِي الْكُتَّابِ مِنَ الإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ.
قَالَ الرَّبِيعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: لأَنْ يَلْقَى اللَّهُ الْعَبْدَ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلا الشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الشَّافِعِيِّ: لأَنْ يُبْتَلَى الْمَرْءُ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ خَلا الشِّرْكَ بِاللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَهُ بِالْكَلامِ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: مَا ارْتَدَى أَحَدٌ بِالْكَلامِ، فَأَفْلَحَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاحُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: حُكْمِي فِي أَصْحَابِ الْكَلامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ، وَيُقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَخَذَ فِي الْكَلامِ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَوْ أَنَّ رَجُلا أَوْصَى بِكُتُبِهِ مِنَ الْعِلْمِ لآخَرَ، وَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلامِ، لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعِلْمِ.
وَقَالَ: لَوْ أَوْصَى لأَهْلِ الْعِلْمِ، لَمْ يَدْخُلْ أَهْلُ الْكَلامِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ، يَقُولُ: جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ أَمْرِ الآخِرَةِ فِي كَلِمَةٍ «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» .
وَجَمِيعَ أَمْرِ الدُّنْيَا فِي كَلِمَةٍ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَدْخُلانِ فِي كُلِّ بَابٍ.