الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - كِتَابُ الْعِلْمِ
بَابُ تَبْلِيغِ حَدِيثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَحِفْظِهِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الْحَشْر: 7].
قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: الأَمْرُ عَامٌّ فِي حَقِّ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَلا وُصُولَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ إِلا بِالتَّبْلِيغِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ: «فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» .
112 -
قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي، فَحَفِظَهَا، وَوَعَاهَا، وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، والنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً» مَعْنَاهُ: الدُّعَاءُ لَهُ بِالنَّضَارَةِ، وَهِيَ النِّعْمَةُ وَالْبَهْجَةُ، وَيُقَالُ: نَضَرَهُ اللَّهُ، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ، وَأَجْوَدُهُمَا التَّخْفِيفُ، وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حُسْنِ الْوَجْهِ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ حُسْنُ الْجَاهِ وَالْقَدْرُ فِي الْخَلْقِ.
قَوْلُهُ: «لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ» بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الْغَيْنِ مِنَ الْغِلِّ، وَهُوَ الضِّغْنُ وَالْحِقْدُ، يُرِيدُ: لَا يَدْخُلُهُ حِقْدٌ يُزِيلُهُ عَنِ الْحَقِّ، وَيُرْوَى بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الإِغْلالِ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ كَتَبَ فِي كِتَابِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: «لَا إِغْلالَ وَلا إِسْلالَ» .
فَالإِغْلالُ: الْخِيَانَةُ، وَالإِسْلالُ: السَّرِقَةُ، يُقَالُ: فُلانٌ مُغِلٌّ مُسِلٌّ، أَيْ: خَائِنٌ سَارِقٌ، وَالسِّلَّةُ: السَّرِقَةُ.
فَأَمَّا الْغُلُولُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، سُمِّيَ غُلُولا، لأَنَّ الأَيْدِي مَغْلُولَةٌ عَنْهَا، أَيْ: مَمْنُوعَةٌ، يُقَالُ مِنَ الْغُلُولِ فِي الْغَنِيمَةِ: غَلَّ يَغُلُّ، بِضَمِّ الْغَيْنِ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمرَان: 161] وَيُقَالُ مِنَ الْخِيَانَةِ فِي غَيْرِهَا: أَغَلَّ يُغِلُّ، وَيُقَالُ مِنَ الْحِقْدِ: غَلَّ يَغِلُّ، بِكَسْرِ الْغَيْنِ.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تِكْرَارِ الْحَدِيثِ لِلْحِفْظِ، قَالَ النَّخَعِيُّ: إِنِّي لأَسْمَعُ الْحَدِيثَ، فَأُحَدِّثُ بِهِ الْخَادِمَ أَدُسُّهُ بِهِ فِي نَفْسِي، أَيْ: أُثْبِتُهُ، يُرِيدُ أُحَدِّثُ بِهِ خَادِمِي أَسْتَذْكِرُ بِذَلِكَ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ اخْتِصَارِ الْحَدِيثِ لِمَنْ لَيْسَ بِالْمُتَنَاهِي فِي الْفِقْهِ، لأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَطَعَ طَرِيقَ الاسْتِنْبَاطِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ هُوَ أَفْقَهُ، وَفِي ضِمْنِهِ وُجُوبُ التَّفَقُّهِ، وَالْحَثُّ عَلَى اسْتِنْبَاطِ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَاسْتِخْرَاجُ الْمَكْنُونَ مِنْ سِرِّهِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، فَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، قَالَ وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ: إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَاهُ، فَحَسْبُكُمْ، وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ.
قَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْ عَشَرَةٍ، اللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: انْقُصْ مِنَ الْحَدِيثِ إِنْ شِئْتَ، وَلا تَزِدْ فِيهِ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ قُلْتَ: إِنِّي حَدَّثْتُكُمْ كَمَا سَمِعْتُ فَلا تُصَدِّقُونِي، فَإِنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى.
وَقَالَ وَكِيعٌ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَعْنَى وَاسِعًا، فَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى اتِّبَاعِ اللَّفْظِ، مِنْهُمُ: ابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَوُهَيْبٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ، وَالْعَرْضِ عَلَى الْمُحَدِّثِ، ثُمَّ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ.
وَبَيَانُ الْعَرْضِ أَنْ يَدْفَعَ كِتَابًا إِلَى مُحَدِّثٍ فِيهِ سَمَاعُهُ، فَيَتَأَمَّلَهُ الْمُحَدِّثُ وَيَعْرِفَهُ، فَيَقُولَ لَهُ: هَذِهِ رِوَايَاتِي عَنْ شُيُوخِي، فَحَدِّثْ بِهَا عَنِّي.
وَقَالَ عَاصِمُ الأَحْوَلُ: عَرَضْتُ عَلَى الشَّعْبِيِّ أَحَادِيثَ الْفِقْهِ، فَأَجَازَهَا لِي.
وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: صَحِبْتُ مَالِكًا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا رَأَيْتُهُ قَرَأَ الْمُوَطَّأَ عَلَى أَحَدٍ، وَسَمِعْتُهُ يَأْبَى عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلا السَّمَاعُ، وَيَقُولُ: كَيْفَ لَا يُجْزِئُكَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ، وَيُجْزِئُكَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ؟.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِهِ، أَسَمَاعٌ هُوَ؟ فَقَالَ: مِنْهُ سَمَاعٌ، وَمِنْهُ عَرْضٌ، وَلَيْسَ الْعَرْضُ بِأَدْنَى عِنْدَنَا مِنَ السَّمَاعِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعَرْضَ لَيْسَ بِسَمَاعٍ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ» .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمُحَدِّثِ، هَلْ هُوَ إِخْبَارٌ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ، فَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي، وَكَانَ عِنْدَهُ حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا، وَسَمِعْتُ، وَاحِدًا.
وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ يُقْرَأُ عَلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُونَ: أَشْهَدَنَا فُلانٌ، وَيَقْرَأُ ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَيُقْرَأُ عَلَى الْمُقْرِئِ، فَيَقُولُ: أَقْرَأَنِي فُلانٌ.
وَجَوَّزُوا الْمُنَاوَلَةَ، وَكِتَابَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمَالِكٌ جَائِزًا.
قَالَ شُعْبَةُ: كَتَبَ إِلَيَّ مَنْصُورٌ بِحَدِيثٍ، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ،
فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَدَّثْتُكَ بِهِ، إِذَا كَتَبْتُ إِلَيْكَ، فَقَدْ حَدَّثْتُكَ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَيْثُ كَتَبَ لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا، قَالَ:«لَا تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا»
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَعَهِدْتُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مَشَايِخِي، أَنْ يَقُولَ فِي الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ: حَدَّثَنِي فُلانٌ، وَمَا يَأْخُذُهُ لَفْظًا مَعَ غَيْرِهِ: حَدَّثَنَا فُلانٌ، وَمَا قَرَأَ عَلَى الْمُحَدِّثِ بِنَفْسِهِ أَخْبَرَنِي فُلانٌ، وَمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَهُوَ حَاضِرٌ أَخْبَرَنَا فُلانٌ، وَإِذَا عُرِضَ عَلَى الْمُحَدِّثِ، فَأَجَازَ لَهُ رِوَايَتَهُ شِفَاهًا يَقُولُ: أَنْبَأَنِي فُلانٌ، وَمَا كَتَبَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُشَافِهْهُ بِالإِجَازَةِ يَقُولُ: كَتَبَ إِلَيَّ فُلانٌ.
وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ فِي وَقْتِ سَمَاعِ الصَّغِيرِ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: عَقَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ.
113 -
قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرٍ النَّقَّاشُ، نَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّحَّاكُ الْبَابْلُتِّيُّ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ
وَأَبُو كَبْشَةَ السَّلُولِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ، وَحَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ شَامِيٌّ، وَالأَوْزَاعِيُّ هُوَ أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، شَامِيٌّ، وَالأَوْزَاعُ مِنْ حِمْيَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ، نَزَلَ فِيهِمْ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ.
وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابْلُتِّيُّ أَبُو سَعِيدٍ، مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ، مَوْلًى لِبَنِي أُمَّيَةَ، تَكَلَّمُوا فِيهِ وَهُوَ مُحْتَجٌّ بِهِ فِيمَا يُوَافِقُ الثِّقَاتَ.
قَوْلُهُ: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ» .
لَيْسَ عَلَى مَعْنَى إِبَاحَةِ الْكَذِبِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ مَعْنَاهُ: الرُّخْصَةُ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ عَلَى مَعْنَى الْبَلاغِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ بِنَقْلِ الإِسْنَادِ، لأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تَعَذَّرَ فِي أَخْبَارِهِمْ، لِطُولِ الْمُدَّةِ وَوُقُوعِ الْفَتْرَةِ.
وَفِي إِيجَابِ التَّحَرُّزِ عَنِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِأَنْ لَا يُحَدِّثَ عَنْهُ إِلا بِمَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بِنَقْلِ الإِسْنَادِ، وَالثَّبْتِ فِيهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ عَلَى اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ» .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، لَوْلا الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ.
وَقَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [
الْأَحْقَاف: 4]، قَالَ إِسْنَادَ الْحَدِيثِ.
وَسَمِعَ الزُّهْرِيُّ إِسْحَاقَ بْنَ أَبِي فَرْوَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ أَبِي فَرْوَةَ، مَا أَجْرَأَكَ عَلَى اللَّهِ، أَلا تُسْنِدُ حَدِيثَكَ، تُحَدِّثُنَا بِأَحَادِيثَ لَيْسَ لَهَا خِطَامٌ وَلا أَزِمَّةٌ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرْسَلِ مِنَ الأَحَادِيثِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ التَّابِعِيُّ، أَوْ تَابِعُ التَّابِعِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا، وَلا يَذْكُرُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ، فَاحْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الرِّوَايَةِ عَلَى وَجْهِ التَّدْلِيسِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُحَدِّثُ: قَالَ فُلانٌ، وَلَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنِي فُلانٌ، أَوْ سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ الْقَائِلُ مَشْهُورًا بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ،
أَوْ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: حَدَّثَنَا فُلانٌ، فَصَحَّحَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْحِجَازِ كَالْمَرَاسِيلِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ مُحَدِّثٍ صَحِيحِ السَّمَاعِ، صَحِيحِ الْكِتَابِ، ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ، وَلا يَحْفَظُهُ كَأَكْثَرِ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا، فَاحْتَجَّ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَلا يَرَيَانِ الْحُجَّةَ بِهِ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعَةِ، وَأَهْلِ الأَهْوَاءِ، فَقَبِلَهَا أَكْثَرُ أَهْلِ
الْحَدِيثِ، إِذَا كَانُوا فِيهَا صَادِقِينَ، فَقَدْ حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الرَّوَاجِنِيِّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا الصَّدُوقُ فِي رِوَايَتِهِ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ.
وَاحْتَجَّ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَحَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ الرَّحَبِيِّ، وَقَدِ اشْتَهَرَ عَنْهُمَا النَّصْبُ، وَاتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِأَبِي مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمٍ الضَّرِيرِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَقَدِ اشْتَهَرَ عَنْهُمَا الْغُلُوُّ.
وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَيَقُولُ «لَا يُؤْخَذُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَاحِبِ هَوًى، يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلا مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ فِي حَدِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَتَّهِمُهُ بِأَنْ يَكْذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، ذَكَرَ هَذَا الاخْتِلافَ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ هَؤُلاءِ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ.
وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُكْتَبُ عَنِ الْمُرْجِئِ وَالْقَدَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ يَدْعُو إِلَيْهِ، وَيُكْثِرُ الْكَلامَ فِيهِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ دَاعِيًا، فَلا ".
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَبْلِيغِ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُهَا.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَكْثِرُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهَا سِلاحٌ.
وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلنَّاسِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ فِي أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: هُمْ خَيْرُ أَهْلِ الدُّنْيَا.