الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طويل حاصله أنه حذف ما لا دليل عليه وهو غير جائز وقدّر هو متعلق الأمر الفسق أي أمرناهم بالفسق ففعلوا والأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم افسقوا وهذا لا يكون فبقي أن يكون مجازًا، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبًّا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتّباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إبلاء النعمة فيه وإنما قولهم إياها ليشكروا فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليها القول وهي كلمة العذاب فدمرهم، وأجاب في البحر بأن قوله لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز تعليل لا يصح فيما نحن بسبيله، بل ثم ما يدل على حذفه لأن حذف الشيء تارة يكون لدلالة موافقه عليه ومنه ما مثل به هو في قوله في جملة هذا المبحث أمرته فقام وأمرته فقرأ وتارة يكون لدلالة خلافه أو ضده أو نقيضه فمن ذلك قوله تعالى:{وله ما سكن في الليل والنهار} [الأنعام: 13] أي ما سكن وما تحرّك. و {سرابيل تقيكم الحر} أي والبرد وتقول: أمرته فلم يحسن وهذه الآية من هذا القبيل يستدل على حذف النقيض بإثبات نقيضه ودلالة النقيض على النقيض كدلالة النظير على النظير وهذا الباب مع ما ذكره من قوله: وإذا أردنا الخ. ثابت عن أبي ذر بهامش الفرع هنا وبعد قوله السابق مثبورًا ملعونًا ونبّه محرره ومقابله العلاّمة محمد المزي أنه وجد كذا في الموضعين من اليونينية.
4711 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (أخبرنا منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه أنه (قال: كنا نقول للحي) أي للقبيلة (إذا كثروا في الجاهلية أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم (بنو فلان).
000 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ: أَمِرَ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (وقال) أي الحميدي عن سفيان (أمر) بكسر الميم كالأول كذا في فرعين لليونينية كالأصل وقال الحافظ ابن حجر وغيره: إن الأولى بكسر الميم والثانية بفتحها وهما لغتان وبالفتح قرأ الجمهور الآية وقرأها ابن عباس بالكسر ويعقوب بمدّ الهمزة وفتح الميم ومجاهد بتشديد الميم من الإمارة والحاصل أن سياق المؤلّف لحديث ابن مسعود لينبه على أن معنى أمرنا في الآية كثرنا مترفيها
وهي لغة حكاها أبو حاتم ونقلها الواحدي عن أهل اللغة وقال أبو عبيدة من أنكرها لم يلتفت إليه لثبوتها في اللغة.
5 - باب: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]
(باب) قوله تعالى: ({ذرية من حملنا مع نوح}) بنصب ذرية على الاختصاص أو على البدل من وكيلًا أي لا تتخذوا من دوني وكيلًا ذرية من حملنا مع نوح ({إنه}) أي إن نوحًا ({كان عبدًا شكورًا})[الإسراء: 3] قال الحافظ ابن كثير: وقد ورد في الحديث والأثر عن السلف أن نوحًا عليه السلام كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله فلهذا سمي عبدًا شكورًا، وصحح ابن حبان من حديث سلمان كان نوح إذا طعم أو لبس حمد الله فسمي عبدًا شكورًا، وله شاهد عند ابن مردويه من حديث معاذ بن أنس وفيه تهييج على الشكر على النعم لا سيما نعمة الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم وسقط باب لغير أبي ذر.
4712 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ النَّاسُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عز وجل قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ" فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ "نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟
فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عز وجل ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي أيضًا قال: (أخبرنا أبو حيان) بفتح الحاء المهملة والتحتية المشدّدة يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي) تيم الرباب الكوفي (عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) البجلي الكوفي (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: أُتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولأبي ذر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي (بلحم فرفع إليه الذراع) قال السفاقسي: الصواب فرفعت إليه الذراع (وكانت تعجبه) لزيادة لذتها (فنهس منها نهسة) بالسين المهملة فيهما أي أخذ منها بأطراف أسنانه ولأبي ذر: فنهش منها نهشة بالمعجمة أي بأضراسه أو بجميع أسنانه (ثم قال): إعلامًا لأمته بقدره
عند الله ليؤمنوا به كغيره مما جاء به من الواجبات:
(أنا سيد الناس) آدم وجميع ولده (يوم القيامة) وتخصيصه بالقيامة يلزم منه ثبوت سيادته في الدنيا بطريق الأولوية، ونهيه عن التفضيل على طريق التواضع (وهل تدرون ممّ ذلك) ولأبي ذر: مم ذاك بالألف بدل اللام (يجمع الناس) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وللكشميهني والمستملي يجمع الله الناس (الأولين والآخرين في صعيد واحد) أرض واسعة مستوية (يسمعهم الداعي) بضم الياء من الإسماع (وينفذهم البصر) بفتح الياء وسكون النون والذال المعجمة أي يحيط بهم لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب (وتدنو الشمس).
وفي الزهد لابن المبارك ومصنف ابن أبي شيبة واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال: تعطي الشمس يوم القيامة حرّ عشر سنين، ثم تدنو من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون
حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل. زاد ابن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومنذ مؤمنًا ولا مؤمنة.
(فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟) بفتح همزة ألا وتخفيف لامها في الموضعين وهي للعرض والتخصيص (فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) قال الكرماني: الإضافة إلى الله تعالى لتعظيم المضاف وتشريفه (وأمر الملائكة فسجدوا لك) وزاد في رواية همام في التوحيد وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء (اشفع لنا إلى ربك) حتى يريحنا مما نحن فيه (ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟) بتخفيف لام ألا ترى في الموضعين وتحريك غين بلغنا وسقط للحموي والمستملي لفظة إلى الأخيرة (فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا يغضب (بعده مثله) والمراد من الغضب كما قال الكرماني لازمه وهو إرادة إيصال العذاب وقال النووي: المراد بغضب الله ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم يكن ولا يكون مثلها (وأنه نهاني) ولأبي ذر وأنه قد نهاني (عن الشجرة) أي عن أكلها (فعصيته) وأكلتها (نفسي نفسي نفسي)، كررها ثلاثًا أي هي التي تستحق أن يشفع لها إذ المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه أو نفسي مبتدأ والخبر محذوف (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح) بيان لقوله اذهبوا إلى غيري (فيأتون نوحًا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض).
واستشكلت هذه الأولية بأن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح. وأجيب: بأن الأولية مقيدة بأهل الأرض لأن آدم ومن ذكر معه لم يرسلوا إلى أهل الأرض ويشكل عليه حديث جابر وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة. وأجيب: بأن بعثته إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم لقومه وغيرهم أو الأولية مقيدة بكونه أهلك قومه أو أن الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلًا لكن في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر ما يقتضي أنه كان مرسلًا والتصريح بنزال الصحف على شيث.
(وقد سماك الله) أي في القرآن في سورة بني إسرائيل (عبدًا شكورًا) وهذا موضع الترجمة (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول: إن ربي عز وجل ولأبي ذر فيقول رب عز وجل (قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت) ولأبي ذر قد كان (لي دعوة دعوتها على قومي) هي التي أغرق بها الأرض يعني أن له دعوة واحدة محققة الإجابة، وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشي أن يطلب فلا يجاب، وفي حديث أنس عند الشيخين: ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم، فيحتمل أن يكون اعتذر بأمرين: أحدهما أنه استوفى دعوته المستجابة، وثانيهما:
سؤاله ربه بغير علم بحيث قال: رب إن ابني من
أهلي فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا أي هي التي تستحق أن يشفع لها (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم) زاد في رواية أن خليل الرحمن (فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض) لا ينفي وصف نبينا صلى الله عليه وسلم بمقام الخلة الثابت له على وجه أعلى من إبراهيم (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات) بفتحات (فذكرهن أبو حيان) يحيى بن سعيد التيمي الراوي عن أبي زرعة (في الحديث) واختصرهن من دونه وهي قوله: إني سقيم، وبل فعله كبيرهم، وقوله لسارة هي أختي والحق أنها معاريض لكن لما كانت صورتها صورة كذب سماها به وأشفق منها استقصارًا لنفسه عن مقام الشفاعة مع وقوعها لأن من كان بالله أعرف وأقرب منزلة كان أعظم خطرًا وأشد خشية قاله البيضاوي. (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضّلك الله برسالته) بالإفراد (وبكلامه على الناس) عام مخصوص على ما لا يخفى فقد ثبت أنه تعالى كلّم نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ولا يلزم من قيام وصف التكلم به أن يشتق له منه اسم الكليم كموسى إذ هو وصف غلب على موسى كالحبيب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان شارك الخليل في الخلة على وجه أكمل منه (اشفع لنا إلى ربك ألا) بتخفيف اللام ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني أما بميم مخففة بدل اللام (ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها) بضم الهمزة وسكون الواو يريد قتله القبطي المذكور في آية القصص وإنما استعظمته واعتذر به لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مؤمنًا فيهم فلم يكن له اغتياله ولا يقدح في عصمته لكونه خطأ وعدّه من عمل الشيطان في الآية، وسماه ظلمًا واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى) وفي رواية أبي ذر زيادة ابن مريم (فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم) أي أوصلها إليها وحصلها فيها (وروح منه) أي وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له (وكلمت الناس في المهد) حال كونك (صبيًّا) أي طفلًا والمهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي من مضجعه وسقط صبيًّا لأبي ذر (اشفع لنا) أي إلى ربك حتى يريحنا مما نحن فيه (ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول عيسى: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله) زاد أبو ذر قط (ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبًا) وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس إني اتخذت إلهًا من دون الله، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد وإن يغفر لي اليوم حسبي (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم) زاد في حديث أنس الطويل في الرقاق فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم) سقطت التصلية في الموضعين لأبي ذر (فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) يعني أنه غير مؤاخذ بذنب ولو وقع.
قال في فتح الباري: ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى إني قتلت نفسًا وأن يغفر لي اليوم حسبي مع أن الله غفر له بنص القرآن التفرقة بين من وقع منه شيء ومن لم يقع منه شيء أصلًا، فإن موسى مع وقوع المغفرة له لم يرتفع إشفاقه من المؤاخذة بذلك أو رأى في نفسه تقصيرًا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك كله، ومن ثم احتج عيسى