الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قوله تعالى: ({حتى إذا استيأس الرسل}) ليس في الكلام شيء حتى يكون غاية له فقدروه {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا}
[النحل: 43] فتراخى نصرهم حتى وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام ({وظنوا أنهم قد كذبوا})[يوسف: 110](خفيفة) ذالها المعجمة وهي قراءة الكوفيين على معنى أنه أعاد الضمير من ظنوا وكذبوا على الرسل أي هم ظنوا أن أنفسهم كذبتم ما حدثتهم به من النصرة كما يقال: صدق رجاؤه وكذب رجاؤه أو أعاد الضميرين على الكفار أي: وظن الكفار أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر أو غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام.
قال ابن أبي مليكة: (ذهب بها) أي بهذه الآية ابن عباس (هناك) بغير لام في اليونينية أي فهم منها ما فهمه من آية البقرة من الاستبعاد والاستبطاء (وتلا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه) لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر ({متى نصر الله}) استبطاء لتأخره فقيل لهم: ({ألا إن نصر الله قريب})[البقرة: 214] إسعافًا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر، وهذه الآية كآية سورة يوسف في مجيء النصر بعد اليأس والاستبعاد وفي ذلك إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض اللذات ومكابدة الشدائد والرياضات. قال ابن أبي مليكة:(فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك) المذكور من تخفيف ذال كذبوا.
4525 -
فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَعَاذَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا وَعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَاّ عَلِمَ أَنَّهُ كَائِنٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلِ الْبَلَاءُ بِالرُّسُلِ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَكُونَ مَنْ مَعَهُمْ يُكَذِّبُونَهُمْ، فَكَانَتْ تَقْرَؤُهَا {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا} مُثَقَّلَةً.
(فقال: قالت عائشة): منكرة على ابن عباس (معاذ الله والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت) ظرف للعلم لا للكون (ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم) من المؤمنين (يكذبونهم) وإنكار عائشة على ابن عباس رضي الله تعالى عنهم إنما هو من جهة أن مراده أن الرسل ظنوا أنهم مكذبون من عند الله لا من عند أنفسهم بقرينة الاستشهاد بآية البقرة، ولا يقال لو كان كما قالت عائشة لقيل وتيقنوا أنهم قد كذبوا لأن تكذيب القوم لهم كان متحققًا لأن تكذيب أتباعهم من المؤمنين كان مظنونًا والمتيقن هو تكذيب من لم يؤمن أصلًا. قاله الكرماني، ويأتي زيادة لذلك في آخر سورة يوسف عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى (فكانت تقرؤها {وظنوا أنهم قد كذبوا}، مثقلة) وهي قراءة الباقين غير الكوفيين على معنى: وظن الرسل أن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب والنصرة عليهم فأعاد الضميرين على الرسل.
39 - باب {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 223] الآيَةَ
(باب) قوله تعالى: ({نساؤكم حرث لكم}) مبتدأ وخبر وجاز الإخبار عن الحرث بالمصدر
إما للمبالغة أو على حذف مضاف من الأوّل أي وطء نسائكم حرث أي كحرث أو الثاني أي نساؤكم ذوات حرث ولكم في موضع رفع صفة لحرث متعلق بمحذوف، وأفرد الخبر والمبتدأ جمع لأنه مصدر والأفصح فيه الإفراد والتذكير حينئذٍ.
وقال في الكشاف: حرث لكم مواضع حرث لكم، وهذا مجاز شبهن بالمحارث تشبيهًا لما يلقي في أرحامهن من النطف التي منها الغسل بالبذور.
قال في المصابيح: قوله؛ وهذا مجاز قيل باعتبار إطلاق الحرث على مواضع الحرث، وقيل باعتبار تغير حكم الكلمة في الإعراب من جهة حذف المضاف كما في:{واسأل القرية} [يوسف: 82] وقيل باعتبار حمل المشبه به على المشبه بعد حذف الأداة كما في زيد أسد فكثيرًا ما يقال له المجاز وإن لم يكن له استعارة وكأن التجوّز في ظاهر الحكم بأنه هو، ثم أشار إلى أن هذا التشبيه متفرع على تشبيه النطف الملقاة في أرحامهن بالبذور إذ لولا اعتبار ذلك لم يكن بهذا الحسن، وقيل المراد بالمجاز الاستعارة بالكناية لأن في جعل النساء محارث دلالة على أن النطف بذور على ما أشار إليه بقوله تشبيهًا لما يلقى الخ كما تقول: إن هذا الموضع لمفترس الشجعان.
قال المولى سعد الدين التفتازاني: ولا أرى ذلك جاريًا على القانون إلا أن يقال: التقدير نساؤكم حرث لنطفكم ليكون المشبه مصرحًا والمشبه به مكنيًا انتهى. وقد روي عن مقاتل فروج نسائكم مزرعة للولد.
({فأتوا حرثكم}) أي فأتوهن كما تأتون المحارث ({أنّى شئتم}) أي
كيف شئتم مستقبلين ومستدبرين إذا كان في صمام واحد، وقيل: أنى بمعنى حيث، وقيل: متى ({وقدّموا لأنفسكم})[البقرة: 223](الآية) أي ما يدخر لكم من الثواب وقيل هو طلب الولد وعند ابن جرير عن عطاء. قال: أراه عن ابن عباس {وقدّموا لأنفسكم} قال: يقول بسم الله التسمية عند الجماع، وسقط لأبي ذر قوله:{وقدموا لأنفسكم} .
4526 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ قَالَ: تَدْرِى فِيمَا أُنْزِلَتْ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ مَضَى. [الحديث 4526 - أطرافه في: 4527].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا النضر بن شميل) بالضاد المعجمة وشميل بضم الشين المعجمة وفتح الميم قال: (أخبرنا ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون عبد الله الفقيه المشهور (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلم) بغير القرآن (حتى يفرغ منه فأخدت عليه يومًا) أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب، وعند الدارقطني في غرائب مالك من
رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك علي المصحف يا نافع (فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان) هو قوله: {نساؤكم حرث لكم} (قال: تدري فيما) بألف بعد الميم، ولأبي ذر: فيم (أنزلت) قال نافع: (قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا) أي في إتيان النساء في أدبارهن (ثم مضى) أي في قراءته، وقد ساق المؤلّف هذا الحديث مبهمًا لمكان الآية والتفسير.
وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وتفسيره بالإسناد المذكور هنا هذا الحديث بلفظ: حتى انتهى إلى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: تدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن فبين فيه ما أبهم هنا، ثم عطف المؤلّف على قوله أخبرنا النضر بن شميل قوله:
4527 -
وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قَالَ: يَأْتِيهَا فِي. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
(وعن عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث التنوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الوارث بن سعيد قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه قال: في قوله تعالى: ({فأتوا حرثكم أنى شئتم}) قال: (يأتيها) زوجها (في) بحذف المجرور وهو الظرف أي في الدبر كما وقع التصريح به عند ابن جرير في هذا الحديث من طريق عبد الصمد عن أبيه، قيل: وأسقط المؤلّف ذلك لاستنكاره، وقول الكرماني فيه دليل على جواز حذف المجرور والاكتفاء بالجار، عورض بأن هذا لا يجوز إلا عند بعض النحويين في ضرورة الشعر، وقول الحافظ ابن حجر أنه نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد من نكتة يحسن بسببها استعماله. تعقبه العيني فقال: ليت شعري من قال من أهل صناعة البديع أن حذف المجرور وذكر الجار وحده من أنواع البديع، والاكتفاء إنما يكون في شيئين متضادين يذكر أحدهما ويكتفى به عن الآخر كما في قوله تعالى:{سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أي والبرد. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن ما ذكره العيني هو أحد أنواع الاكتفاء والنوع الثاني: الاكتفاء ببعض الكلام وحذف باقيه، والثالث: أشذ منه وهو حذف بعض الكلمة. قال: وهذا المعترض لا يدري وينكر على من يدري انتهى.
وفي سراج المريدين أن المؤلّف ترك بياضًا بعد في فقال بعضهم: لأنه لما رأى أحاديث تدل للإباحة كحديث ابن عمر وأخرى تدل للمنع ولم يترجح عنده في ذلك شيء بيض له حتى يثبت عنده الترجيح فاخترمته المنية.
(رواه) أي الحديث (محمد بن يحيى بن سعيد) القطان البصري فيما رواه الطبراني في الأوسط (عن أبيه) يحيى بن سعيد بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم
معجمة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر (عن نافع عن ابن عمر) ولفظ الطبراني قال: إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {نساؤكم حرث لكم} [البقرة: 223] رخصة في إتيان الدبر. قال الطبراني: لم يروه عن عبيد الله بن عمر إلَاّ يحيى بن سعيد تفرد به ابنه.
قال في الفتح لم يتفرد به يحيى بن سعيد فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع أيضًا كما عند الدارقطني في غرائب مالك. ورواه الدارقطني أيضًا في الغرائب من طريق الدراوردي عن مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ: نزلت في رجل من
الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك، فنزلت قال فقلت له من دبرها في قبلها. قال: لا إلا في دبرها، لكن قال الحافظ ابن كثير: لا يصح، وقال في الفتح: وتابع نافعًا على روايته زيد بن أسلم عن ابن عمر عند النسائي بإسناد صحيح، وتكلم الأزدي في بعض رواته وردّ عليه ابن عبد البر وأصاب. قال: ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه فغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم. قال ابن أبي حاتم الرازي: لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر لما أولع الناس بنافع، قال ابن كثير: وهذا تعليل منه لهذا الحديث، وقد رواه عن ابن عمر أيضًا ابنه عبد الله كما عند النسائي، وسالم ابنه وسعيد بن يسار كما عند النسائي وابن جرير، ولم يتفرد ابن عمر بذلك بل رواه أيضًا أبو سعيد الخدري كما عند ابن جرير والطحاوي في مشكله بلفظ: إن رجلًا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه فأنزل الله الآية.
وقد نقل إباحة ذلك عن جماعة من السلف لهذه الأحاديث وظاهر الآية ونسبه ابن شعبان لكثير من الصحابة والتابعين ولإمام الأئمة مالك في روايات كثيرة قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن له المشهور عن مالك إباحته وأصحابه ينفون هذه المقالة عنه لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن تندفع بنفيهم عنه انتهى.
لكن روى الخطيب عن مالك من طريق إسرائيل بن روح وقال: سألت مالكًا عن ذلك فقال: ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع لا تعدوا الفرج. قلت: يا أبا عبد الله إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال: يكذبون عليّ يكذبون عليّ، فالظاهر أن أصحابه المتأخرين اعتمدوا على هذه القصة، ولعل مالكًا رجع عن قوله الأول أو كان يرى العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به، وإن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته، ولذا قال بعض المالكية: إن ناقل إباحته عن مالك كاذب مفتر، ونقل عن ابن وهب أنه قال: سألت مالكًا فقلت حكوا عنك أنك تراه. قال: معاذ الله وتلا: {نساؤكم حرث لكم} قال: ولا يكون الحرث إلا موضع الزرع وإنما نسب هذا الكتاب السر هو كتاب مجهول لا يعتمد عليه. قال القرطبي ومالك أجلّ من أن يكون له كتاب سر، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد والجمهور التحريم لورود النهي عن فعله وتعاطيه، ففي حديث خزيمة بن ثابت عند أحمد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي الرجل امرأته في دبرها. وحديث ابن عباس عند الترمذي مرفوعًا: لا
ينظر الله إلى رجل أتى امرأته في دبرها في أحاديث كثيرة يطول ذكرها وحملوا ما ورد عن ابن عمر على أنه يأتيها في قبلها من دبرها. وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن أبي النضر أنه قال لنافع: إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن. قال: كذبوا عليّ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنّا كنا معشر قريش نحني النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} .
وقد روى أبو جعفر الفريابي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن عمر مرفوعًا: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلين. الفاعل والمفعول به وناكح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها والجامع بين المرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره والمؤذي جاره حتى يلعنه".
وأما ما حكاه الطحاوي عن محمد بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال فقال أبو نصر بن الصباغ: كان يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب يعني ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك، فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه انتهى.