المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجلد الرابع ‌ ‌باب القياس … باب القياس "القياس لغة: التقدير والمساواة"1 2 لما فرغنا من - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٤

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌باب القياس

- ‌فَصْلٌ""الْعِلَّةُ

- ‌فصل من شروط العلة

- ‌فَصْلٌ""لا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِحُكْمِ الأَصْلِ

- ‌فصل شروط الفرع

- ‌مَسَالِكُ الْعِلَّةِ

- ‌فَائِدَةٌ""أَعَمُّ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْوَصْفِ:

- ‌فَوَائِدُ" تَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَهْلُ الأُصُولِ وَالْجَدَلِ

- ‌فصل: تقسيم القياس ياعتبار قوته وضعفه

- ‌فصل: قوادح العلة

- ‌فصل": فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامِ الْجَدَلِ، وَآدَابِهِ، وَحَدِّهِ، وَصِفَتِهِ

- ‌فصل في عدم الكلام في مجالس الخوف ونحوه

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ فِي الْجَدَلِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْخُصُومِ فِي الْجَدَلِ

- ‌بَابُ الاسْتِدْلالِ

- ‌فَصْلٌ الاسْتِحْسَانُ

- ‌فوائد في قواعد اللغة

- ‌فصل: تجزؤ الإجتهاد وخلاف العلماء فيه

- ‌فصل: لا ينقض حكم الحاكم في مسألة إجتهادية

- ‌فصل: التفويض لنبي أو مجتهد بالحكم

- ‌فَصْلٌ""نَافِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ

- ‌باب التقليد

- ‌فَصْلٌ""لا يُفْتِي إلَاّ مُجْتَهِدٌ

- ‌فصل: للمفتي رد الفتوى

- ‌بَابُ تَرْتِيبِ الأَدِلَّةِ، وَالتَّعَادُلِ، وَالتَّعَارُضِ، وَالتَّرْجِيحِ

- ‌خَاتِمَةٌ

الفصل: ‌ ‌المجلد الرابع ‌ ‌باب القياس … باب القياس "القياس لغة: التقدير والمساواة"1 2 لما فرغنا من

‌المجلد الرابع

‌باب القياس

باب القياس

"القياس لغة: التقدير والمساواة"1

2 لما فرغنا من المباحث المتعلقة بالكتاب والسنة والإجماع شرعنا في القياس ومباحثه، وهو ميزان العقول، قَالَ الله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} 3

فالقياس في اللغة يدل على معنى التسوية على العموم؛ لأنه نسبة وإضافة بين شيئين، ولهذا يقال: فلان يقاس بفلان، ولا يقاس بفلان، أي يساوي فلانا، ولا يساوي فلانا.

1 انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 5/40، لسان العرب 6/187، الصحاح للجوهري 3/967.

2 ساقطة من ع ض.

3 الآية 25 من الحديد.

ص: 5

"و" أما القياس "شرعا" أي في عرف الشرع1 فهو: "تسوية فرع بأصل في حكم. من باب تخصيص الشيء ببعض مسمياته" فهو حقيقةٌ عرفية، مجازٌ لغويٌّ. قاله الطوفي في شرحه وغيرُه.

"و" القياس "اصطلاحا" أي في اصطلاح الأصوليين2 علماءِ الشريعة: "ردُّ فرع إلى أصل3 بعلة جامعة"4.

قاله القاضي5 وأبو الخطاب وابن البنَّاء.

وفي التمهيد أيضا: تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم. واختاره أبو الحسين البصري 6.

قَالَ ابن مفلح: ومرادُه تحصيلُ مثل حكم الأصل. ومعناه في "الواضح" وقال: إنه أَسَدُّ ما رآه.

قَالَ ابن مفلح: لكنْ هو نتيجةُ القياس لا نفسُه. اهـ.

وذلك كردِّ النبيذ على الخمر في التحريم بعلة الإسكار، ونعني بالرد: الإلحاقَ والتسويةَ بينهما في الحكم.

1 في ض: أهل الشرع.

2 ساقطة من ش.

3 في ش: أصله.

4 في العدّة: جامعة بينهما. وفي الجدل لابن عقيل: تجمعهما.

5 العدة 1/174.

6 المعتمد للبصري 2/697

ص: 6

وللقياس تعاريفُ أخرى غيرُ ما ذُكِرَ أضربْنا عن ذكرها خشية الإطالة1.

"ولم يَرِدْ بالحدِّ قياسُ الدلالة وهو: الجمعُ بين أصل وفرع بدليل العلة"2 كالجمع بين الخمر والنبيذ بالرائحة الدالة على الشدَّة الْمُطْرِبَةِ.

1 انظر تعريفات الأصوليين للقياس في "العدة 1/174، المعتمد 2/697، 1031، البرهان 2/745، الكافية للجويني ص 59، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 10، اللمع ص 53، إرشاد الفحول ص 198، مختصر الطوفي ص 145، شرح العضد 2/204، الإبهاج 3/2، شفاء الغليل للغزالي ص 18، مختصر البعلي ص 142، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/202، المستصفى 2/228، فواتح الرحموت 2/246، شرح تنقيح الفصول ص 383، روضة الناظر ص 275، الآيات البينات 4/2، المنخول ص 323، تيسير التحرير 3/264، كشف الأسرار 3/268، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/178، نهاية السول 3/3، المنهاج للباجي ص 13، المحصول 2/2/9، فتح الغفار 3/8، مناهج العقول 3/3، التعريفات للجرجاني ص 95، الحدود للباجي ص 69، الإشارات للباجي ص 95، التلويح على التوضيح 2/526، الإحكام للآمدي 3/262 وما بعدها، نشر البنود 2/104، أصول الشاشي ص 325، أصول السرخسي 2/143، أدب القاضي للماوردي 1/555، مفتاح الوصول للتلمساني ص 129، الوصول إلى مسائل الأصول للشيرازي 2/211".

2 انظر تعريف قياس الدلالة وكلام الأصوليين عليه في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/341، فواتح الرحموت 2/320، الآيات البينات 4/173، الجدل لابن عقيل ص 13، البرهان 2/867، اللمع ص 56، شرح العضد 2/205، تيسير التحرير 3/275، روضة الناظر ص 314، مختصر الطوفي ص 164، الوصول إلى مسائل الأصول 2/247 وما بعدها، إعلام الموقعين 1/139".

ص: 7

"ولا قياسُ العكس، وهو: تحصيلُ نقيضِ حكمِ المعلوم في غيره، لافتراقهما في علةِ الحكم"1 مثل أن يقال: لما وجب الصوم في الاعتكاف بالنذر وجب بغير نذر، عكسه الصلاة، لما لم تجب فيه بالنذر لم تجب بغير نذر.

وقيل: بلى.

وقيل: ليس بقياسٍ.

قَالَ ابن حمدان في "المقنع" وغيرُه: المحدودُ هنا هو قياس الطرد فقط.

وقال القاضي عضدُ الدين وغيرُه: القياس المحدود هو قياس العلة 2.

وقال البرماوي: في حجية 3 قياس العكس خلاف، وكلام الشيخ أبي حامد يقتضي المنعَ، لكنَّ الجمهورَ على خلافه.

قَالَ4 أبو إسحاق الشيرازي في "الملخص": اختلف أصحابنا في الاستدلال به على وجهين، أصحهما - وهو المذهب -

1 انظر تعريف قياس العكس وكلام الأصوليين عليه في "الإحكام للآمدي 3/262، مفتاح الوصول ص 159، المسودة ص 425، المعتمد 2/699، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/343، الآيات البينات 4/175، فواتح الرحموت 2/247، تيسير التحرير 3/271".

2 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/205.

3 في ض: الحجة.

4 في ز: قال قال.

ص: 8

أنه يصحُّ، استدل به الشافعي في عدة مواضع.

والدليل عَلَيْهِ1 أن الاستدلال بالعكس استدلالٌ2 بقياسٍ مدلولٌ على صحتِهِ بالعكس. وإذا صح القياسُ3 في الطرد - وهو غيرُ مدلول على صحته - فلأَنْ يصحَّ الاستدلالُ بالعكس - وهو قياس مدلول على صحته - أولى.

قَالَ البرماوي: ويدل عَلَيْهِ أن الاستدلال به وقع في القرآن والسنة وفعل الصحابة:

فأما القرآنُ، فنحو قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 4 فدل على أنه ليس إلهٌ إلا اللهُ، لعدم فسادِ السماوات والأرض.

وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} 5 ولا اختلافَ فيه فدل على أن القرآن من عند الله بمقتضى قياسِ العكس.

وأما السنة، فكحديث: يأتي أحدُنا شهوته ويؤجر6؟ قَالَ:

1 ساقطة من ش.

2 ساقطة من ش.

3 ساقطة من ض.

4 الآية 22 من الأنبياء.

5 الآية 82 من النساء.

6 في ض: فيؤجر.

ص: 9

"أرأيتم لو وضعها في حرام؟ يعني أكان يعاقب؟ قالوا: نعم، قَالَ: فمه! 1". فقياس وضعها في حلال فيؤجر2 على وضعها في حرا م فيؤزر بنقيض العلة 3.

وأما الصحابة ففي "الصحيحين"4 عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " من مات يشرك بالله شيئا دخل النار". وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.

وفي بعض أصول مسلم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم 5: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة". قَالَ: وقلت أنا: من6 مات يشرك بالله شيئا دخل النار7.

ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عَلَيْهِ.

1 أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر صحيح مسلم 2/698، بذل المجهود 20/185، مسند أحمد 5/154، 167، 168، 178".

2 في ش: ويؤجر.

3 في ش: العدة.

4 صحيح البخاري 2/69، صحيح مسلم 1/94.

5 ساقطة من ش.

6 في ض د: ومن.

7 أخرجه أبو عوانة الاسفراييني في مسنده 1/17 وابن مندة في الإيمان 1/215 عن ابن مسعود رضي الله عنه.

ص: 10

لكن رواهما مسلم عن جابر مرفوعا1، فلا حاجة إلى القياس.

ويُجْمَعُ بين الروايتين أنه2 عند ذكر كل لفظ كان ناسيا للآخَر3، كما جمع به النووي 4.

وظهر بذلك5 كلِّه أنه حجة، إلا أنَّه هل يُسمَّى قياسا حقيقةً6 أو مجازًا، أو لا يُسَمَّى قياسًا أصْلا؟

ثلاثةُ أقوالٍ، أرجحُها الثاني 7.

"وَأَرْكَانُهُ"8 أَيْ الْقِيَاسِ أَرْبَعَةٌ "أَصْلٌ، وَفَرْعٌ، وَعِلَّةٌ،

1 صحيح مسلم 1/94.

2 في ش: بأنه وهي ساقطة من ب.

3 في ش ز: للأخرى.

4 قال النووي: "الجيد أن يقال: سمع ابن مسعود اللفظتين من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه في وقت حَفِظ إحداهما وتيقنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ الأخرى، فرفع المحفوظة، وضم الأخرى إليها. وفي وقت آخر حفظ الأخرى، ولم يحفظ الأولى مرفوعة، فرفع المحفوظة، وضم الأخرى إليها. فهذا جمعٌ ظاهر بين روايتي ابن مسعود، وفيه موافقة لرواية غيره في رفع اللفظتين، والله أعلم". "شرح النووي على صحيح مسلم 2/97".

5 في ش: بهذا.

6 في ش: حقيقة.

7 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/265، المعتمد 2/699، فواتح الرحموت 2/248، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/343، الآيات البينات 4/175، تيسير التحرير 3/272، المسودة ص 425، المحصول 2/2/22".

8 في ز: أي أركان.

ص: 11

وَحُكْمٌ"1

وَالْمُرَادُ بِالأَرْكَانِ هُنَا: مَا لا يَتِمُّ الْقِيَاسُ إلَاّ بِهِ، فَتَكُونُ2 مَجَازًا؛ لأَنَّ أَرْكَانَ الشَّيْءِ حَقِيقَةً: هِيَ أَجْزَاؤُهُ الَّتِي يَتَأَلَّفُ مِنْهَا، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلاةِ إلَاّ أَنْ يَعْنِيَ بِالْقِيَاسِ مَجْمُوعَ هَذِهِ الأُمُورِ الأَرْبَعَةِ مَعَ الْحَمْلِ3 تَغْلِيبًا فَتَصِيرُ الأَرْبَعَةُ شَطْرًا لِلْقِيَاسِ4.

وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، فَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هُوَ قَوْلُ مَنْ خَلَطَ الاجْتِهَادَ بِالْقِيَاسِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْقِيَاسَ نَوْعٌ مِنْ الاجْتِهَادِ وَاَلَّذِي لا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ: هُوَ مَا سِوَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ الاجْتِهَادِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَلا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ الْمَنْطِقِيِّ الْمُؤَلَّفِ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ؛ لأَنَّ قَوْلَنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، فَكَانَ حَرَامًا كَالْخَمْرِ مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَلَيْسَ فِي الأَوَّلِ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّانِي، إلَاّ ذِكْرَ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ عَلَى جِهَةِ التَّنْظِيرِ بِهِ وَالتَّأَنُّسِ.

1 انظر كشف الأسرار 3/344، العدة 1/175.

2 في ش ز: فيكون.

3 في ع: الجمل.

4 في ش ع: شطراً للقياس.

ص: 12

وَلِهَذَا لَوْ قُلْنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ فَهُوَ حَرَامٌ، لَحَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِذَا ثَبَتَ1 أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ رَاجِعٌ إلَى الْعَقْلِيِّ، لَزِمَ2 فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي الْعَقْلِيِّ، مِنْ كَوْنِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ.

وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَالنَّتِيجَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ، مِنْ بَيْنِ مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ فَسَقَطَ مِنْهَا بِالتَّكْرَارِ جُزْآنِ، وَهُوَ الْحَدُّ الأَوْسَطُ، يَبْقَى أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ هِيَ أَرْكَانُ الْمَقْصُودِ. وَهِيَ الَّتِي يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ فِي أَقْيِسَتِهِمْ.

مِثَالُهُ: قَوْلُنَا النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، جُزْآنِ: مَوْضُوعٌ وَهُوَ النَّبِيذُ، وَمَحْمُولٌ وَهُوَ مُسْكِرٌ ثُمَّ نَقُولُ3: وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. فَهَذَانِ جُزْآنِ. وَيَلْزَمُ عَنْ 4 ذَلِكَ: النَّبِيذُ حَرَامٌ وَهُمَا5 جُزْآنِ آخَرَانِ صَارَتْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ، هَكَذَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَالنَّبِيذُ حَرَامٌ، يَسْقُطُ مِنْهَا لَفْظُ "مُسْكِرٍ" مَرَّتَيْنِ؛ لأَنَّهُ مَحْمُولٌ فِي الْمُقَدِّمَةِ الأُولَى مَوْضُوعٌ فِي الثَّانِيَةِ، يَبْقَى هَكَذَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، فَهُوَ 6حَرَامٌ، وَهُوَ صُورَةُ قِيَاسِ الْفُقَهَاءِ.

1 في ش: حصل ثبت.

2 في ش: لازم.

3 في ع ض ب: يقول.

4 في ز: من.

5 في ض: وهو.

6 في ش: وكل مسكر.

ص: 13

"فَالأَصْلُ1 مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ2" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَالْخَمْرِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ، لافْتِقَارِ الْحُكْمِ وَالنَّصِّ إلَيْهِ3.

وَقِيلَ:4 إنَّ الأَصْلَ دَلِيلُ الْحُكْمِ، وَحُكِيَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُعْتَزِلَةِ. فَيَكُونُ فِي الْمِثَالِ فِي قَوْله تَعَالَى:{فَاجْتَنِبُوهُ} 5 وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ.

وَقِيلَ: إنَّ الأَصْلَ نَفْسُ حُكْمِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ الَّذِي فِي الأَصْلِ، كَالتَّحْرِيمِ فِي الْمِثَالِ؛ لأَنَّهُ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ، لِصِحَّةِ إطْلاقِ

1 في ش: والأصل.

2 ساقطة من ض.

3 انظر معنى الأصل عند علماء الأصول في "العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 57، مختصر البعلي ص 142، الجدل لابن عقيل ص 10، المنهاج للباجي ص 13، الكافي للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 2/273، الحدود للباجي ص 70، المحصول 2/2/24، شرح العضد 2/208، تيسير التحرير 3/275، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/212، الآيات البينات 4/11، فواتح الرحموت 2/248، نشر البنود 2/115، المعتمد للبصري 2/700، كشف الأسرار 3/301، الإبهاج 3/27، فتح الغفار 3/14، الوصول إلى مسائل الأصول 2/260".

4 ساقطة من ش.

5 الآية 90 من المائدة.

ص: 14

الأَصْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا1.

وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ 2.

"وَالْفَرْعُ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ" كَالنَّبِيذِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ، حَكَاهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ عَنْهُمْ 3

وَقِيلَ: إنَّهُ حُكْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَهُوَ الأَصَحُّ،

وَإِنَّمَا قَدَّمَ تَعْرِيفَ الْفَرْعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ لِمُقَابَلَتِهِ لِلأَصْلِ، فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ4 لِمَا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، مِنْ اللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ،

"وَالْعِلَّةُ فَرْعٌ لِلأَصْلِ 5وَأَصْلٌ لِلْفَرْعِ6" اتِّفَاقًا، لِبِنَاءِ

1 في ش: منها.

2 الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 10.

3 انظر معنى الفرع عند الأصوليين في "الجدل لابن عقيل ص 10، الكافية للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 3/276، الحدود للباجي ص 71، المحصول 2/2/27، العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 57، مختصر البعلي ص 142، المنهاج للباجي ص 13، شرح العضد 2/208، تيسير التحرير 3/276، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/222، الآيات البينات 4/20، فواتح الرحموت 2/248، نشر البنود 2/123، المعتمد 2/703، كشف الأسرار 3/301، فتح الغفار 3/14".

4 في ش: المبين للضدين.

5 وذلك لاستنباطها من حكمه. "مختصر البعلي ص 142".

6 وذلك لثبوت الحكم فيه بها. "مختصر البعلي ص 142".

ص: 15

حُكْمِهِ عَلَيْهِ1.

"وَالْحُكْمُ" الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْقِيَاسِ هُوَ "الْمُعَلَّلُ" لا الْمَحْكُومُ فِيهِ2،

1 قال ابن عقيل: "العلة: هي التي ثبت الحكم لأجلها في الفرع والأصل. وقيل: الموجبة للحكم. وقيل: أمارة الحكم ودلالته. وقيل: المعنى الجالب للحكم. والجميع متقارب". "الجدل على طريقة الفقهاء ص 11.

وانظر تعريفات الأصوليين للعلة في "العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 207، اللمع ص 58، المنهاج للباجي ص 14، الكافي للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 3/276، الحدود للباجي ص 72، نهاية السول 3/39، منهاج العقول 3/37، الوصول إلى مسائل الأصول 2/267، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/231، الآيات البينات 4/33، روضة الناظر ص 276، الإبهاج 3/28، فواتح الرحموت 2/249، الجدل لابن عقيل ص 9، نشر البنود 2/129، المعتمد 2/704، كشف الأسرار 3/293، فتح الغفار 3/19، التلويح على التوضيح 2/551، المحصول 2/2/179، المستصفى 2/230، تيسير التحرير 3/302، شرح العضد 2/209، المسودة ص 385، أصول السرخسي 2/174، مختصر البعلي ص 143".

2 قال القاضي أبو يعلى: "وأما الحكم: فما جلبته العلة، أو ما اقتضته العلة من تحريم وتحليل وصحة وفساد ووجوب وانتفاء وجوب وما أشبه ذلك". "العدة 1/176". وقال ابن عقيل: "وأما المعلول، فقد اختلف أهل العلم فيه، فقال بعضهم: هو الحكم. وعليه الأكثرون. وهو مذهبنا، ولا شك أن وجهه هو أن ما تعلقت العلة عليه فهو المعلول، وذلك الحكم. وقال أبو علي الطبري: هو المحكوم فيه؛ وهي الأعيان التي تتعلق عليها الأحكام. مثل الكلب الذي يعلل لنجاسته أو طهارته. والأول هو المعوّل عليه". "الجدل على طريقة الفقهاء ص 9".

وانظر تعريفات الأصوليين للحكم في "إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 61، المنهاج للباجي ص 14، الوصول إلى مسائل الأصول 2/278، تيسير التحرير 3/277، المحصول 2/2/25، المعتمد 2/705".

ص: 16

خِلافًا1 لأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ2 الشَّافِعِيِّ3.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ أَرْكَانِهِ شَرَعَ فِي شُرُوطِ صِحَّتِهِ، فَقَالَ:

"وَشَرْطُ حُكْمِ الأَصْلِ: كَوْنُهُ شَرْعِيًّا إنْ اسْتَلْحَقَ شَرْعِيًّا"4 وَذَلِكَ؛ لأَنَّهُ الْقَصْدُ مِنْ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ. وَلأَنَّ الْقِيَاسَ لا يَجْرِي فِي اللُّغَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَلا يَكُونُ قِيَاسًا. وَالْكَلامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِيهِمَا صَحِيحٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقِيَاسِ تَسْمِيَةِ

1 ساقطة من ش.

2 هو الحسين بن القاسم، أبو علي الطبري، نسبة إلى طبرستان، الإمام البارع المتفق على جلالته، شيخ الشافعية ببغداد، أول من صنف في الخلاف المجرد، تفقه على أبي علي بن أبي هريرة. من مؤلفاته "المحرر" و"الإفصاح في المذهب" و"أصول الفقه" وغيرها. توفي ببغداد سنة 35هـ "انظر ترجمته في تاريخ بغداد 8/87، طبقات الشافعية للأسنوي 2/154، طبقات الشافعية للسبكي 3/280، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/100، شذرات الذهب 3/3، تهذيب الأسماء واللغات 2/261".

3 في ش: والشافعي.

4 انظر "شرح العضد 2/209، نشر البنود 2/116، مختصر البعلي ص 142، شفاء الغليل للغزالي ص 635، مفتاح الوصول ص 155، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/313، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/215، الآيات البينات 4/13، الإبهاج 3/101، شرح البدخشي 3/117، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/285، التلويح على التوضيح 2/541، المستصفى 2/325، 347، فواتح الرحموت 2/252، المحصول 2/2/483، روضة الناظر ص 318، مختصر الطوفي ص 152، أصول السرخسي 2/150".

ص: 17

اللَاّئِطِ زَانِيًا، وَالنَّبَّاشِ سَارِقًا، وَالنَّبِيذِ خَمْرًا، لِيَثْبُتَ الْحَدُّ وَالْقَطْعُ وَالتَّحْرِيمُ.

فَإِذَا قِيلَ: بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِلْحَاقِ نَفْسِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَلا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ شَرْعِيًّا.

"وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ: كَوْنُهُ "غَيْرَ مَنْسُوخٍ"1؛ لأَنَّ الْمَنْسُوخَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وُجُودٌ فِي الشَّرْعِ2، فَيُلْحِقَ بِهِ الأَحْكَامَ بِقِيَاسٍ وَلا غَيْرِهِ

"وَ" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ "لا" يَكُونَ3 "شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ"4 إذْ لَوْ كَانَ شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ لَمْ يَكُنْ5 جَعْلُ

1 انظر "حاشية البناني 2/210، الآيات البينات 4/10، مناهج العقول 3/119، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/287، الوصول إلى مسائل الأصول 2/266، التلويح على التوضيح 2/541، مفتاح الوصول ص 130، المستصفى 2/347، شرح العضد 2/209، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/303، اللمع ص 58، مختصر البعلي ص 142"

2 في ش: الشرط. وفي ض: الشرعي.

3 أي دليل حكم الأصل. "شرح العضد 2/213".

4 انظر "فواتح الرحموت 2/353، المحصول 2/2/486، نهاية السول 3/120، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/286، المستصفى 2/326، شرح العضد 2/213، نشر البنود 2/119، مختصر البعلي ص 143، شفاء الغليل ص 639، الإحكام للآمدي 3/286، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/218، الآيات البينات 4/15، الإبهاج 3/102، مناهج العقول 3/118".

5 في ش: يمكن.

ص: 18

أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ1 أَصْلاً وَالآخَرِ فَرْعًا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَلَكَانَ الْقِيَاسُ ضَائِعًا2 وَتَطْوِيلاً بِلا طَائِلٍ.

مِثَالُهُ فِي الذُّرَةِ مَطْعُومٌ فَلا يَجُوزُ3 بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، فَيُمْنَعَ4 فِي الْبُرِّ فَنَقُولُ5 قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَاّ يَدًا بِيَدٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ" 6 فَإِنَّ الطَّعَامَ يَتَنَاوَلُ الذُّرَةَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْبُرَّ.

وَأَنْتَ تَعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ دَلِيلَ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ نَصًّا وَجَبَ أَلَاّ يَتَنَاوَلَ الْفَرْعَ بِلَفْظِهِ، مِثْلَ أَنْ تَقُولَ7: النَّبَّاشُ يُقْطَعُ؛ لأَنَّهُ سَارِقٌ كَالسَّارِقِ مِنْ الْحَيِّ [فَيُقَالَ: وَلِمَ قُلْتَ إنَّ السَّارِقَ مِنْ الْحَيِّ] 8 إنَّمَا يُقْطَعُ؛ لأَنَّهُ سَارِقٌ؟ فَنَقُولَ9 لِقَوْلِهِ تَعَالَى

1 ساقطة من ش

2 في ش: ضياعاً.

3 ساقطة من ض.

4 في ع: فنمنع.

5 في ش ز ع: فنقول.

6 الحديث بلفظ "الطعام بالطعام" محل الاستشهاد أخرجه مسلم والبيهقي وأحمد عن معمر بن عبد الله مرفوعاً، وليس فيه "يداً بيد".

"صحيح مسلم 3/1214، سنن البيهقي 5/285، مسند أحمد 6/400".

7 في ش: تقول. وفي ض ب: يكون.

8 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق.

9 في ش: فنقول.

ص: 19

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} 1 رَتَّبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُقْتَضِي2 لِلْقَطْعِ.

فَيُقَالُ: [فَهَذَا] 3 يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِالنَّصِّ. فَإِنَّ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَلا مُخَلِّصَ لِلْمُسْتَدِلِّ إلَاّ مَنْعُ كَوْنِهِ عَامًّا4.

"وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا: أَنْ "لا" يَكُونَ "مَعْدُولاً بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ" 5أَيْ عَنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ، لِتَعَذُّرِ التَّعْدِيَةِ حِينَئِذٍ.

1 الآية 38 من المائدة.

2 ساقطة من ز.

3 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق.

4 كلام المصنف على هذا الشرط منقول كله حرفياً من شرح العضد 2/213 فانظره.

5 انظر "تيسير التحرير 3/278، التلويح على التوضيح 2/539، المستصفى 2/326، فواتح الرحموت 2/250، مفتاح الوصول ص 131، المحصول 2/2/489، شرح العضد 2/211، نشر البنود 2/118، أصول السرخسي 2/149، مختصر البعلي ص 143، شفاء الغليل ص 650 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/282، كشف الأسرار 3/302، 304، 305، روضة الناظر ص 329، اللمع ص 57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/218، الآيات البينات 4/15، الإبهاج 3/104، مناهج العقول 3/121، نهاية السول 3/122، إرشاد الفحول ص 206، فتح الغفار 3/15، الوصول إلى مسائل الأصول 2/262".

ص: 20

وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِكَوْنِهِ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ، إمَّا لِكَوْنِهِ اُسْتُثْنِيَ مِنْ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ كَالْعَمَلِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فِيمَا لا1 تُقْبَلُ2 فِيهِ3 شَهَادَةُ الْوَاحِدِ، أَوْ لَمْ يُسْتَثْنَ "كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ" وَتَقْدِيرِ نِصَابِ الزَّكَاةِ4 وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا عُقِلَ مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ لا نَظِيرَ لَهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ لا نَظِيرَ لَهُ" وَسَوَاءٌ كَانَ "لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ" كَرُخَصِ السَّفَرِ5 "أَوْ لا" مَعْنَى لَهُ ظَاهِرٌ، كَالْقَسَامَةِ6. كَذَا مَثَّلَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ تَبَعًا لابْنِ الْحَاجِبِ7 وَغَيْرِهِ 8.

1 في ض: لم.

2 في ش: تقبل.

3 في ع: به.

4 في ع ز: الزكوات.

5 حيث إن علتها السفر، وهو معنى مناسب للرخصة لما فيه من المشقة، ولكنّ هذا الوصف لم يوجد في موضع آخر. "انظر شرح العضد 2/211".

6 وهي تحليف مدعي القتل مع اللوث خمسين قسماً، وصورتها أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف قاتله ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة، وتوجد قرينة تُشعِر بتصديق الولي في دعواه، فيحلف الولي خمسين يميناً، ويثبت القتل، فتجب الدية لا القصاص. "تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/92" ومعناه: التغليظ في حقن الدماء، وإلا لم يتعذر للأعداء القتل بغير مشهد الشاهدين، ولا للأشرار الذين لا يزعهم وازع التقوى الحلف عليه حلفةً واحدةً، فروعي فيه المصلحتان. ولا نظير له. "شرح العضد 2/211".

7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/211.

8 الإحكام للآمدي 3/282.

ص: 21

قَالَ1 الْبِرْمَاوِيُّ: لَكِنْ2 فِي جَعْلِهِ الْقَسَامَةَ غَيْرَ3 مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى، وَهُوَ خَفِيٌّ بِخِلافِ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ: نَظَرٌ ظَاهِرٌ.

"وَمَا خُصَّ مِنْ الْقِيَاسِ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَ" يَجُوزُ "قِيَاسُهُ عَلَى غَيْرِهِ"4

قَالَ أَبُو يَعْلَى: الْمَخْصُوصُ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيُقَاسُ عَلَى غَيْرِهِ. أَمَّا الأَوَّلُ: فَلأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ: يَفْدِي نَفْسَهُ بِكَبْشٍ5 فَقَاسَ مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ عَلَى6 مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ. انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ

1 في ش: قاله.

2 في ب: لكنه.

3 ساقطة من ش.

4 انظر تحقيق المسألة في "المحصول 2/2/489، القياس لابن تيمية ص 35، مفتاح الوصول ص 131، الوصول إلى مسائل الأصول 2/262، التمهيد للأسنوي ص 449، التبصرة للشيرازي ص 448، المعتمد 2/791، شرح تنقيح الفصول ص 415، المسودة ص 399 وما بعدها، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 183، أصول السرخسي 2/149، كشف الأسرار 3/311، 312، المستصفى 2/328، روضة الناظر ص 329، اللمع ص 57، المنخول ص 387، الإبهاج 3/104، التلويح على التوضيح 2/539".

5 ساقطة من ش.

6 في ض: عن.

ص: 22

وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيِّ1؛ لأَنَّ الظَّنَّ الْخَاصَّ أَرْجَحُ. وَمَنَعَ ذَلِكَ2 أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، إلَاّ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلاً، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ" 3 أَوْ مُجْمَعًا عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، كَالتَّحَالُفِ4 فِي الإِجَارَةِ 5 كَالْبَيْعِ.

وَلَنَا وَجْهٌ، كَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: وَلِهَذَا لا نَقِيسُ عَلَى لَحْمِ الإِبِلِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِنَا.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ.

ثُمَّ 6 قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِعَدَمِ فَهْمِ الْمَعْنَى، أَوْ مُسَاوَاتِهِ وَلِهَذَا

1 هو القاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي، أبو إسحاق، شيخ المالكية في وقته، وناشر مذهب مالك في العراق، وقاضي بغداد. قال الباجي: لم تحصل درجة الاجتهاد بعد مالك إلا له. من مؤلّفاته "أحكام القرآن" و"المبسوط" في الفقه و"الأموال والمغازي" و"الأصول" و"الاحتجاج بالقرآن" وغيرها. توفي سنة 282هـ. "انظر ترجمته في تاريخ بغداد 6/284، الديباج المذهب 1/282، شذرات الذهب 2/178، المعيار المعرب للونشريسي 2/170، الفتح المبين 1/162، شجرة النور الزكية 1/65.

2 في ش: من ذلك.

3 في ز: الطوافين عليكم.

والحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي ومالك في الموطأ وغيرهم عن أبي قتادة رضي الله عنه مرفوعاً، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. "انظر الموطأ 1/23، بذل المجهود 1/196، غارضة الأحوذي 1/137، سنن ابن ماجة 1/131، سنن النسائي 1/48، سنن الدارقطني 1/70، سنن البيهقي 1/254".

4 في ش ض: التخالف.

5 في ش: الإجازة.

6 ساقطة من ش.

ص: 23

نَقِيسُ1 فِي الأَشْهَرِ الْعِنَبَ عَلَى الْعَرَايَا2. وَقَدْ قَاسَ الْحَنَفِيَّةُ الْمُقَدَّرَ، كَالْمُوضِحَةِ3 عَلَى4 دِيَةِ النَّفْسِ فِي حَمْلِ الْعَاقِلَةِ

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لَنَا أَنَّ الاعْتِبَارَ بِوُجُودِ: الْقِيَاسِ بِشُرُوطِهِ، وَكَوْنِهِ مَخْصُوصًا لا يَمْنَعُ إلْحَاقَ مَا فِي مَعْنَاهُ

قَالُوا: لا نَظِيرَ.

قُلْنَا: لا يَخْلُو مِنْ نَظِيرٍ.

"وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا "كَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ"5

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَمِنْهُ كَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ، اخْتَارَهُ

1 في ز د: لا نقيس.

2 العرايا: هو بيع الرطب في رؤوس نخله بالتمر على الأرض كيلاً. "المطلع للبعلي ص 241، المهذب 1/281، التنبيه ص 65".

3 المُوضِحة: هي الشجة التي تكشف العظم وتُبدي وضَحَه، أي بياضه. "المصباح المنير 2/827، المطلع 367، النظم المستعذب 2/179".

4 في ش: في.

5 انظر "تيسير التحرير 3/287، التلويح على التوضيح 2/541، المستصفى 2/325، 347، مفتاح الوصول ص 136، فواتح الرحموت 2/253، الوصول إلى مسائل الأصول 2/264، المحصول 2/2/484، الجدل لابن عقيل ص 73، شرح العضد 2/264، مختصر البعلي ص 143، التبصرة ص 450، شفاء الغليل ص 636، المسودة ص 394، 397، 398، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/303، روضة الناظر ص 315، اللمع ص 58، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/215، الآيات البينات 4/13، الإبهاج 3/101، مناهج العقول 3/117، نهاية السول 3/119، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16".

ص: 24

الْقَاضِي فِي مُقَدِّمَةِ الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ

وَقِيلَ لَهُ: يَقِيسُ الرَّجُلُ بِالرَّأْيِ؟ فَقَالَ: لا. هُوَ أَنْ يَسْمَعَ1 الْحَدِيثَ فَيَقِيسَ عَلَيْهِ2ِ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ الْفَرْعِ الْمُتَوَسِّطِ عِلَّةٌ لَيْسَتْ فِي الأَصْلِ وَيُقَاسَ عَلَيْه.

وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْقِيَاسِ جَوَازَ كَوْنِ الشَّيْءِ أَصْلاً لِغَيْرِهِ فِي حُكْمٍ، وَفَرْعًا لِغَيْرِهِ فِي حُكْمٍ آخَرَ، لا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ3.

وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ مِنَّا4، وَقَالَ: لأَنَّهُ لا يُخِلُّ بِنُظُمِ الْقِيَاسِ وَحَقِيقَتِهِ5، وَكَذَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنَعَهُ أَيْضًا.

ثمَّ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَالْمَنْعُ قَالَهُ الْكَرْخِيُّ وَالآمِدِيُّ6، وَذَكَرَهُ

1 في ش: تسمع.

2 في ش: فتقيس.

3 انظر المسودة ص 395.

4 ساقطة من ش ع ز.

5 كما جوزه ابن عقيل فقال: "يجوز القياس على ما ثبت بالقياس، مثل حمل الذرة على الأرز، خلافاً لبعضهم وهو أبو الحسن الكرخي وبعض أصحاب الشافعي: لا يجوز ذلك. لنا: هو أن الفرع لما ثبت الحكم فيه بالقياس صار أصلاً في نفسه، فجاز أن يُستنبط منه معنىً ويقاس عليه، كالأصل الثابت بالنص". "الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 16".

6 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/278.

ص: 25

عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ، وَالْجَوَازُ قَالَهُ الرَّازِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ1 وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: يَجُوزُ عِنْدَنَا، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالصَّيْرَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ: تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ. اهـ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: مُتَرْجَمَةٌ بِمَنْعِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْقِيَاسِ

وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْعِلَّةَ إنْ اتَّحَدَتْ فَالْوَسَطُ لَغْوٌ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ2: السَّفَرْجَلُ مَطْعُومٌ فَيَكُونُ رِبَوِيًّا كَالتُّفَّاحِ، ثُمَّ يَقِيسُ التُّفَّاحَ عَلَى الْبُرِّ،

وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ3 فَسَدَ الْقِيَاسُ. لأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْفَرْعِ الأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ لَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ؛ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ الأَوَّلِ بِدُونِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمُتَوَسِّطِ وَأَصْلِهِ لَيْسَ فِي فَرْعِهِ، كَقَوْلِ

1 المنسوبون لجرجان من العلماء كثيرون، ويغلب على الظن أن المراد به في هذا الموطن: محمد بن يحيى بن مهدي، أبو عبد الله، الجرجاني الحنفي من أعلام الحنفية، ومن أصحاب التخريج في مذهبهم، تفقه على أبي بكر الرازي، وتفقه عليه أبو الحسن أحمد القدوري وأحمد بن محمد الناطفي، له كتاب في أصول الفقه، وله كتاب "ترجيح مذهب أبي حنيفة" و"القول المنصور في زيارة سيد القبور" وغيرها، توفي سنة 398هـ.

"انظر ترجمته في الفوائد البهية ص 202، 240، الجواهر المضية 2/143، كشف الظنون 1/280، الأعلام للزركلي 8/5".

2 في ش ض ب: شافعي.

3 في ش: يتحد.

ص: 26

الشَّافِعِيِّ1: الْجُذَامُ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَذَا النِّكَاحُ، كَالرَّتْقِ2 ثُمَّ يَقِيسُ الرَّتْقَ عَلَى الْجَبِّ3 بِفَوَاتِ الاسْتِمْتَاعِ.

وَهَذَا الْمِثَالُ: مَثَّلَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ تَبَعًا لابْنِ الْحَاجِبِ4.

لَكِنْ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ: هُوَ عَلَى سَبِيلِ5 ضَرْبِ الْمِثَالِ، وَإِلَاّ فَرَدُّ الْمَجْبُوبِ عِنْدَنَا إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ عَيْنِ الْمَبِيعِ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لا لِفَوَاتِ6 الاسْتِمْتَاعِ. وَأَمَّا إثْبَاتُ الْفَسْخِ بِالْجَبِّ فِي النِّكَاحِ فَلِفَوَاتِ الاسْتِمْتَاعِ، فَالْعِلَّتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ7.

"وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا. كَوْنُهُ "مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ" فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَمْنَعُهُ، فَلا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ فِيهِ8.

1 في ش ض ب: شافعي.

2 الرَّتَق: مصدر رَتِقَتْ المرأة رتقاً: إذا استدّ مدخل الذكر من فرجها، فلا يستطاع جماعها. "المصباح المنير 1/259، المطلع ص 323، النظم العذب 2/49".

3 الجَبّ: هو استئصال المذاكير. ومنه المجبوب: وهو المقطوع الذكر والأنثيين. "المصباح المنير 1/109، النظم المستعذب 2/50".

4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/210.

5 ساقطة من ش.

6 في ش: كفوات.

7 الإبهاج شرح المنهاج 3/101 بتصرف.

8 انظر "شرح البنود 2/119، المسودة ص 396، الإحكام للآمدي 3/282، روضة الناظر ص 315، مختصر البعلي ص 143، حاشية البناني 2/220، الآيات البينات 4/16، مناهج العقول 3/115، نهاية السول 3/116، الإبهاج 3/98".

ص: 27

وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ؛ لِئَلَاّ يَحْتَاجَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْمَنْعِ إلَى إثْبَاتِهِ فَيَكُونَ انْتِقَالاً مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَى1 أُخْرَى

"لا" أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ "الأُمَّةِ" لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَقَطْ. وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ2

وَاشْتَرَطَ قَوْمٌ 3اتِّفَاقَ الأُمَّةِ عَلَى الأَصْلِ، وَمَنَعُوا الْقِيَاسَ عَلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِنَقْلِ الْكَلامِ إلَى التَّسَلْسُلِ 4. وَضَعَّفَهُ الْمُوَفَّقُ كَغَيْرِهِ لِنُدْرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. وَلأَنَّ كُلاًّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مُقَلِّدٌ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ حُكْمٍ ثَبَتَ مَذْهَبًا لإِمَامِهِ؛ لأَنَّهُ لا يَعْلَمُ مَأْخَذَهُ ثُمَّ لا يَلْزَمُ مِنْ عَجْزِهِ عَجْزُهُ، ثُمَّ لا يَتَمَكَّنُ أَحَدُهُمَا مِنْ إلْزَامِ مَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ5.

"وَلا" يُشْتَرَطُ - مَعَ كَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الأُمَّةِ - أَنْ

1 ساقطة من ض.

2 انظر "حاشية البناني 2/213، 220، الآيات البينات 4/16، إرشاد الفحول ص 205، الوصول إلى مسائل الأصول 2/261، مختصر البعلي ص 143، نشر البنود 2/119، الإحكام للآمدي 3/283، اللمع ص 58، روضة الناظر ص 315".

3 ساقطة من ض.

4 نهاية السول 3/119.

5 روضة الناظر ص 316، الإحكام للآمدي 3/283.

ص: 28

يَكُونَ ذَلِكَ "مَعَ اخْتِلافِهِمَا"1

وَقِيلَ: بَلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الآمِدِيِّ 2

"وَلَوْ""لَمْ يَتَّفِقَا" يَعْنِي الْخَصْمَيْنِ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ، وَلَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ "فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمَهُ" أَيْ حُكْمَ الأَصْلِ بِنَصٍّ "ثُمَّ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ" بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهَا، مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ، أَوْ سَبْرٍ أَوْ إخَالَةٍ "قُبِلَ"3 مِنْهُ اسْتِدْلالُهُ فِي الأَصَحِّ، وَنَهَضَ دَلِيلُهُ عَلَى خَصْمِهِ4.

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ5 فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ، إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً: مُتَبَايِعَانِ تَخَالَفَا، فَيَتَحَالَفَانِ وَيُتَرَادَّانِ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، فَلْيَتَحَالَفَا وَلْيَتَرَادَّا" 6 فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالنَّصِّ وَعِلَّتِهِ، وَهِيَ التَّحَالُفُ

1 في ش: اختلافهما. انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/220، الآيات البينات 4/16".

2 انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/268.

3 في ض ب: قبله.

4 شرح العضد 2/213.

5 في ش: تقول.

6 لم نعثر في دواوين السنة على الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه المطابق، والمروي فيها ما أخرج النسائي والدارقطني والبيهقي وأحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً:"إذا اختلف البيعان، ولا شهادة بينهما، استحلف البائع، ثم كان المبتاع بالخيار: إن شاء أخذ، وإن شاء ترك""انظر سنن النسائي 7/266، سنن الدارقطني 3/18، سنن البيهقي 5/333، مسند أحمد 1/466".

وما أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي والحاكم وأحمد عن =

ص: 29

بِالأَيْمَانِ 1

وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ ذَلِكَ2 مِنْ الْمُسْتَدِلِّ حَتَّى يَكُونَ حُكْمُ الأَصْلِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَوْ 3يَتَوَافَقَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ.

وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ4 فِي الْمُنَاظَرَةِ مُقَدِّمَةٌ تَقْبَلُ الْمَنْعَ، وَاللَاّزِمُ بَاطِلٌ،

بَيَانُ الْمُلازَمَةِ: أَنَّ مَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيَشْتَرِطُ فِي حُكْمِ5 الأَصْلِ الاتِّفَاقَ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَاّ يَحْصُلَ الانْتِقَالُ مِنْ مَطْلُوبٍ إلَى آخَرَ. وَانْتِشَارُ كَلامٍ 6 يُوجِبُ تَسَلْسُلَ الْبَحْثِ، وَيَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِ الْمُنَاظَرَةِ وَهَذَا لا يَخْتَصُّ بِحُكْمِ الأَصْلِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مُقَدِّمَةٍ تَقْبَلُ الْمَنْعَ 7.

قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ

= ابن مسعود مرفوعاً: "إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان""انظر سنن النسائي 7/266، بذل المجهود 15/189، سنن الدارقطني 3/20، سنن البيهقي 5/332، المستدرك 2/45، مسند أحمد 1/466، سنن ابن ماجة 2/737".

1 شرح العضد 2/213.

2 في ش: ذلك منه لم يقبل.

3 في ع ب: و.

4 في ش: يقبل.

5 ساقطة من ض.

6 في ز: الكلام.

7 شرح العضد ص/213.

ص: 30

مِثْلُ الأَوَّلِ، يَسْتَدْعِي مَا يَسْتَدْعِيهِ، بِخِلافِ الْمُقَدِّمَاتِ الأُخَرِ1.

"وَإِنْ" كَانَ الْخَصْمُ يَقُولُ بِحُكْمِ الأَصْلِ وَ 2"لَمْ يَقُلْ بِحُكْمِ أَصْلِهِ الْمُسْتَدَلِّ فَ 3" هُوَ قِيَاسٌ "فَاسِدٌ" 4

مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ: أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَصِحُّ، كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ، وَهُوَ لا يَقُولُ بِصِحَّةِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، بَلْ خَصْمُهُ هُوَ الْقَائِلُ بِهِ.

وَوَجْهُ فَسَادِهِ: كَوْنُهُ اعْتَرَفَ5 ضِمْنًا بِخَطَئِهِ فِي الأَصْلِ، وَهُوَ إثْبَاتُ الصِّحَّةِ فِي فَرِيضَةِ الْحَجِّ وَالاعْتِرَافُ بِبُطْلانِ إحْدَى6 مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ7، اعْتَرَفَ بِبُطْلانِ دَلِيلِهِ وَلا يُسْمَعُ مِنْ الْمُدَّعِي مَا هُوَ مُعْتَرَفٌ بِبُطْلانِهِ، وَلا يُمَكَّنُ مِنْ دَعْوَاهُ

فَإِنْ قِيلَ: فَذَلِكَ يَصْلُحُ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ؛ إذْ لَوْ لَزِمَهُ8 لَزِمَ الْمَقْصُودُ، وَإِلَاّ كَانَ مُنَاقِضًا فِي مَذْهَبِهِ. لِعَمَلِهِ9 بِالْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ!

1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/213.

2 ساقطة من ش.

3 في ش: و.

4 انظر شرح العضد 2/210.

5 في ش: اعتراف.

6 في ب: أحد.

7 ساقطة من ش.

8 في ض: لزم. وفي شرح العضد: التزمه.

9 في ش: كعمله.

ص: 31

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الإِلْزَامَ مُنْدَفِعٌ بِوَجْهَيْنِ

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ1: الْعِلَّةُ2 فِي الأَصْلِ عِنْدِي غَيْرُ ذَلِكَ، وَلا يَجِبُ ذِكْرِي لَهَا.

الثَّانِي: بِأَنْ3 يَقُولَ 4: يَلْزَمُ مِنْهُ خَطَئِي فِي الأَصْلِ أَوْ5 فِي الْفَرْعِ وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ الْخَطَأُ فِي الْفَرْعِ مُعَيَّنًا وَهُوَ مَطْلُوبُك، وَرُبَّمَا أَعْتَرِفُ بِخَطَئِي6 فِي الأَصْلِ وَلا يَضُرُّنِي7 ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ. قَالَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ8 وَغَيْرُهُ.

"وَمَا اتَّفَقَا" يَعْنِي الْخَصْمَيْنِ "عَلَيْهِ" مِنْ حُكْمِ أَصْلٍ، لَكِنْ "لِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ" فَهُوَ قِيَاسٌ مُرَكَّبٌ "وَيُسَمَّى" هَذَا "مُرَكَّبَ الأَصْلِ" سُمِّيَ بِذَلِكَ لاخْتِلافِهِمَا فِي تَرْكِيبِ الْحُكْمِ فَالْمُسْتَدِلُّ يُرَكِّبُ الْعِلَّةَ عَلَى الْحُكْمِ، وَالْخَصْمُ بِخِلافِهِ9.

1 في ش: تقول.

2 ساقطة من ع.

3 في ش وشرح العضد: أن.

4 في ش: تقول.

5 في ض: و.

6 كذا في شرح العضد. وفي سائر النسخ: بخطئه.

7 في ش: ولا يضر.

8 شرح العضد 2/210 وما بعدها.

9 انظر "شرح البنود 2/120، الإحكام للآمدي 3/283، المنخول ص 395، حاشية البناني 2/220، الآيات البينات 4/18، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير 3/289، فواتح الرحموت 2/254، البرهان 2/1100، مفتاح الوصول ص 137، مختصر البعلي ص 143".

ص: 32

قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ1 مُرَكَّبًا لإِثْبَاتِهِمَا الْحُكْمَ كُلٌّ 2بِقِيَاسٍ، فَقَدْ اجْتَمَعَ قِيَاسَاهُمَا3 ثُمَّ إنَّ4 الأَوَّلَ اتَّفَقَا فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ الأَصْلُ بِالاصْطِلاحِ5 دُونَ الْوَصْفِ الَّذِي يُعَلِّلُ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ فَسُمِّيَ مُرَكَّبَ الأَصْلِ"6.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: "قِيلَ: سُمِّيَ مُرَكَّبًا لاخْتِلافِهِمَا فِي عِلَّتِهِ وَقِيلَ: فِي تَرْكِيبِهِ7 الْحُكْمَ عَلَيْهَا فِي الأَصْلِ فَعِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ: هِيَ فَرْعٌ لَهُ، وَالْمُعْتَرِضُ بِالْعَكْسِ وَسُمِّيَ مُرَكَّبَ الأَصْلِ لِلنَّظَرِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ اهـ.

وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ مُوَافِقًا عَلَى الْعِلَّةِ، وَلَكِنْ يَمْنَعُ وُجُودَهَا فِي الأَصْلِ وَذَلِكَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ لِعِلَّةٍ يَمْنَعُ الْخَصْمُ وُجُودَهَا فِي الأَصْلِ وَ" هَذَا8 "يُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ" سُمِّيَ بِذَلِكَ لاخْتِلافِهِمَا فِي نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ9.

1 في شرح العضد: يسمى.

2 في ع: كله.

3 في ب وشرح العضد: قياسهما.

4 في ع ز: إن كان.

5 في شرح العضد: باصطلاح.

6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/212.

7 في ش: تركيبه.

8 ساقطة من ش.

9 انظر "الآيات البينات 4/18، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير =

ص: 33

مِثَالُ الأَوَّلِ -وَهُوَ مُرَكَّبُ الأَصْلِ- قَوْلُ الْحَنْبَلِيِّ، فِيمَا إذَا قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا1: الْمَقْتُولُ عَبْدٌ، فَلا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ، كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا مَعَ الْمَوْلَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ2 هُنَا: إنَّهُ لا قِصَاصَ، فَيَلْحَقُ الْعَبْدُ بِهِ هُنَا، بِجَامِعِ الرِّقِّ، فَلا يَحْتَاجُ الْحَنْبَلِيُّ فِيهِ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِمُوَافَقَةِ خَصْمِهِ،

فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ فِي مَنْعِ ذَلِكَ: إنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ3، لا الرِّقُّ؛ لأَنَّ السَّيِّدَ وَالْوَارِثَ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ لا يَزُولُ الاشْتِبَاهُ؛ لاخْتِلافِ الصَّحَابَةِ فِي مُكَاتَبٍ يَمُوتُ4 عَنْ وَفَاءٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَمُوتُ عَبْدًا، وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُؤَدَّى الْكِتَابَةُ مِنْ

= 3/289، فواتح الرحموت 2/255، البرهان 2/1103، نشر البنود 2/121، الإحكام للآمدي 3/284، المنخول ص 396، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221".

1 في ض: العبد.

2 في ض: يكون.

3 وذلك لاحتمال أن يبقى عبداً بعجزه عن أداء النجوم، فيستحقه السيد، وأن يصير حرّاً بأدائها، فيستحقه الورثة. وجهالة المستحق لم تثبت في العبد، فإن صحت هذه العلة بطل إلحاق العبد به في الحكم لعدم مشاركته له في العلة، وإن بطلت فيمنع حكم الأصل، ويقول: يقتل الحرّ بالمكاتب لعدم المانع. "شرح العضد 2/212".

4 في ش: مات.

ص: 34

أَكْسَابِهِ1، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ2 فَقَدْ اشْتَبَهَ الْوَلِيُّ مَعَ هَذَا الاخْتِلافِ، فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ 3.

فَإِنْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّكُمْ لا بُدَّ أَنْ تَحْكُمُوا4 فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، إمَّا5 بِمَوْتِهِ عَبْدًا أَوْ حُرًّا وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمُسْتَحَقُّ6 مَعْلُومٌ

فَيَقُولُ7 الْحَنَفِيُّ8: نَحْنُ نَحْكُمُ بِمَوْتِهِ حُرًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُورَثُ، لا بِمَعْنَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى قَاتِلِهِ الْحُرِّ؛ لأَنَّ حُكْمَنَا بِمَوْتِهِ حُرًّا ظَنِّيٌّ؛ لاخْتِلافِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَالْقِصَاصُ يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ. فَهَذِهِ جَهَالَةٌ تَصْلُحُ لِدَرْءِ الْقِصَاصِ، وَلا يَمْتَنِعُ عِلْمُنَا9 بِمُسْتَحِقِّ10 الإِرْثِ.

وَمِثَالُ الثَّانِي -وَهُوَ مُرَكَّبُ الْوَصْفِ- أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ

1 في ض: اكتسابه.

2 في ش: أجزائه.

3 انظر شرح العضد 2/212، التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/562.

4 في ع: تحكموا عليه.

5 في ش: أو.

6 في ع: والمستحق. وفي ب: المستحق.

7 في ش: فنقول.

8 في ش: للحنفي.

9 في ض: علمها. وفي ب: على.

10 في ب: المستحق.

ص: 35

الطَّلاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلطَّلاقِ، فَلا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ.

فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ كَوْنُهُ تَعْلِيقًا مَفْقُودَةٌ فِي الأَصْلِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ1: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ تَنْجِيزٌ لا تَعْلِيقٌ

فَإِنْ صَحَّ هَذَا: بَطَلَ إلْحَاقُ التَّعْلِيقِ بِهِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ؛ وَإِلَاّ2 مُنِعَ حُكْمُ الأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي قَوْلِهِ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ؛ لأَنِّي إنَّمَا مَنَعْت الْوُقُوعَ؛ لأَنَّهُ تَنْجِيزٌ 3، فَلَوْ كَانَ تَعْلِيقًا لَقُلْت بِهِ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْخَصْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ ثَابِتًا فِيهِ، أَوْ مُنِعَ حُكْمُ الأَصْلِ، كَمَا إذَا كَانَ ثَابِتًا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: لا يَتِمُّ الْقِصَاصُ 4

وَقَوْلُهُ "لَيْسَ بِحُجَّةٍ" خَبَرٌ لِقَوْلِهِ "وَمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ".

وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْقِيَاسَ الْمُسَمَّى5 مُرَكَّبَ الأَصْلِ، وَالْقِيَاسَ الْمُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ، لَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ

1 في ض ب: قول.

2 في ش: ولا أمنع.

3 في ش: تنجيز لا تعليق.

4 شرح العضد 2/212.

5 في ش: النسبي.

ص: 36

الأَكْثَرِ1.

أَمَّا الأَوَّلُ: فَلأَنَّ الْخَصْمَ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ 2الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ فَلا يَتِمُّ الْقِيَاسُ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلأَنَّهُ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ الأَصْلِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ ثَابِتًا فِيهِ، أَوْ مَنْعِ حُكْمِ الأَصْلِ إذَا كَانَ ثَابِتًا.

وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: لا يَتِمُّ الْقِيَاسُ3.

"وَ" قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ4 وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ "لَوْ سَلَّمَهَا" أَيْ سَلَّمَ الْخَصْمُ الْعِلَّةَ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنَّهَا5 الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ "فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهَا" فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ "أَوْ سَلَّمَهُ" أَيْ سَلَّمَ وُجُودَهَا "الْخَصْمُ" حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِيهِ "انْتَهَضَ الدَّلِيلُ" عَلَيْهِ، لِتَسْلِيمِهِ فِي الثَّانِي، وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فِي الأَوَّلِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا،

1 انظر "شرح العضد 2/211، نشر البنود 2/122، المنخول ص 397، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221، الآيات البينات 4/19، نهاية السول 3/119، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير 3/289، فواتح الرحموت 2/245، المسودة ص 399".

2 ساقطة من ش.

3 ومعنى عدم تمام القياس أنه غير ناهض على الخصم. أما مجرد ثبوت الحكم في حق القائس ومقلديه، فيكفي فيه ثبوت حكم الأصل وعلته بطريق صحيح عنده. "نشر البنود 2/122".

4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/211 وما بعدها.

5 في ش: التي ذكرها.

ص: 37

أَوْ غَلَبَ1 عَلَى ظَنِّهِ صِحَّةُ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لا يُكَابِرُ نَفْسَهُ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ2.

"وَيُقَاسُ عَلَى عَامٍّ خُصَّ، كَلائِطٍ وَآتٍ بَهِيمَةً عَلَى زَانٍ".

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ الأَصَحُّ، لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ3.

وَقِيلَ: لا؛ لِضَعْفِ مَعْنَاهُ لِلْخِلافِ فِيهِ.

1 في ض: وغلب.

2 انظر: نشر البنود 2/122، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221، الآيات البينات 4/19.

3 انظر: التبصرة للشيرازي ص 448.

ص: 38