الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: للمفتي رد الفتوى
…
"فَصْلٌ"
"لِمُفْتٍ رَدُّهَا" أَيْ: رَدُّ1 الْفُتْيَا "وَ" مَحَلُّهُ إذَا كَانَ "فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ" أَيْ: الرَّادِّ. وَهُوَ "أَهْلٌ لَهَا" أَيْ: لِلْفُتْيَا2 "شَرْعًا" وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ الْفُتْيَا - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - فِي حَقِّهِ سُنَّةٌ.
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ الشَّافِعِيُّ3: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ. لأَنَّهُ بِالسُّؤَالِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ4.
"وَإِلَاّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ "لَزِمَهُ الْجَوَابُ" قَطْعًا،
1 ساقطة من ب.
2 في ض: الفتيا.
3 هو الحسين بن محمد بن حليم، أبو عبد الله الحليمي، الشيخ الإمام القاضي، أحد أئمة الدهر، وشيخ الشافعية فيما وراء النهر، وله وجوهٌ حسنة في المذهب، وهو شيخ المحدثين في عصره، ولي القضاء ببخارى، وصنف كتاب "المنهج في شعب الإيمان" وحدث بنيسابور، وأخذ عند الحافظ أبو عبد الله الحاكم وغيره، توفي سنة 403هـ.
انظرترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 4/333، البداية والنهاية 11/349، التاج المكلل ص 41، وفيات الأعيان 1/403، طبقات الشافعيّة للإسنوي 1/404".
4 انظر: المسودة ص 512، تيسير التحرير 4/242.
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا1.
"إلَاّ عَمَّا2 لَمْ يَقَعْ" فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُهُ3 الْجَوَابُ عَنْهُ4 "وَ" إلَاّ "مَا لا5 يَحْتَمِلُهُ سَائِلٌ6" فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ7 "وَ" إلَاّ "مَا لا يَنْفَعُهُ" أَيْ: يَنْفَعُ السَّائِلَ مِنْ الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُ8، وَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. أَمُسْلِمُونَ هُمْ؟ فَقَالَ لِلسَّائِلِ: أَحْكَمْتَ الْعِلْمَ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ذَا؟ وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي اللِّعَانِ؟ فَقَالَ: سَلْ -رَحِمَك اللَّهُ- عَمَّا اُبْتُلِيتَ بِهِ، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ فَغَضِبَ وَقَالَ: خُذْ -وَيْحَكَ- فِيمَا تَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِيَّاكَ وَ9هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمُحْدَثَةَ10، وَخُذْ
1 انظر: المجموع 1/75، المسودة ص 512، صفة الفتوى ص 6، الفقيه والمتفقه 2/182، تيسير التحرير 4/242، اللمع ص 72، مختصر البعلي ص 168، الفروع 6/433.
2 في ش: ما.
3 في ض: يلزم.
4 انظر: روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/75، مختصر البعلي ص 168، إعلام الموقعين 1/75، 4/203، 282، صفة الفتوى ص 30، سنن الدارمي 1/50، 56، الفقيه والمتفقه 2/7 وما بعدها.
5 في ض ش: لم.
6 في ش ع ب: السؤال.
7 في ب: إجابته له.
8 في ش: يجيب.
9 ساقطة من ب.
10 في ض: الأسئلة.
مَا1 فِيهِ حَدِيثٌ. وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ: لَيْتَ إنَّا2 نُحْسِنُ مَا جَاءَ فِيهِ الأَثَرُ.
وَلأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "لا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ3 "4 وَلَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ عَنْ الصَّحَابَةِ: مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلَاّ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ5.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ6 بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ7 إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاَللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} 8 وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَفِي لَفْظٍ "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ذَلِكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا9. وَفِي حَدِيثِ اللِّعَانِ فَكَرِهَ صَلَّى اللَّهُ
1 في ش ب: فيما.
2 في ش: لنا.
3 ساقطة من ع ب ز.
4 رواه الدارمي في باب "كراهة الفتيا"، ورواه الخطيب البغدادي.
انظر سنن الدارمي 1/50، الفقيه والمتفقه 2/7 وما بعدها.
5 هذا جزء من حديث رواه الدارمي عن ابن عباس موقوفاً.
انظر: سنن الدارمي 1/51 إعلام الموقعين 1/75.
6 انظر: الأم 5/113، الرسالة ص 151 هامش.
7 في ع ب ض ز: أشياء، الآية.
8 الآية 101 من المائدة.
9 صحيح البخاري بحاشية السندي 2/40، صحيح مسلم بشرح النووي 12/10، وسبق تخريجه كاملاً ص 371.
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا1 قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كُرِهَ السُّؤَالُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ كَوْنِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ؛ لأَنَّ الاجْتِهَادَ إنَّمَا يُبَاحُ ضَرُورَةً، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ:"أَيُّهَا النَّاسُ: لا تُعَجِّلُوا بِالْبَلاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ"2 وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلاً: مَعْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعِكْرِمَةَ "مَنْ سَأَلَك عَمَّا لا يَعْنِيهِ3 فَلا تُفْتِهِ" وَسَأَلَ الْمَرْوَزِيُّ4 أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْعَدْلِ5. فَقَالَ: لا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا، فَإِنَّك لا تُدْرِكُهُ6، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ:
1 حديث اللعان صحيح، وسبق تخريجه "3/179، 182"، وهذا الجزء من الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد عن سهل بن سعد الساعدي في قصة عويمر العجلاني.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 3/183، صحيح مسلم بشرح النووي 10/130، سنن أبي داود 1/520، سنن النسائي 6/140، سنن ابن ماجه 1/667، مسند أحمد 334، الموطأ ص 350، الفقيه والمتفقه 2/7.
2 هذا جزء من حديث رواه الدارمي والخطيب البغدادي عن معاذ رضي الله عنه موقوفاً.
انظر: سنن الدارمي 1/56، الفقيه والمتفقه 2/12.
3 في ب: يعني.
4 هو هيدام بن قتيبة، المعروف بالمروزي، روى عن أحمد وجماعة، وكان ثقة عابداً، وروى عنه جماعة، مات سنة 174هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/395، المنهج لأحمد 1/169، تاريخ بغداد 14/96".
وفي ع ز: المروذي.
5 في ش: العدد.
6 في ش: تتركه.
أَنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاءُ عِلْمٍ لا يَحْتَمِلُهُ السَّامِعُ1، لاحْتِمَالِ أَنْ يَفْتِنَهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ لا يَنْبَغِي إلْقَاءُ عِلْمٍ لا يَحْتَمِلُهُ السَّامِعُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ2 عَلِيٌّ3 " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ "4.
وَفِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلَاّ كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ"5.
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْغُلُوطَاتِ 6 رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد7.
قِيلَ8 -بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاحِدُهَا غَلُوطَةٌ- وَهِيَ الْمَسَائِلُ الَّتِي
1 ساقطة من ض ع ب ز.
2 في ع ز: وقال.
3 ساقطة من ز.
4 صحيح البخاري مع حاشية السندي 1/26.
5 صحيح مسلم بشرح النووي 1/76.
6 في ع: الأغلوطات.
7 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والخطيب البغدادي عن معاوية مرفوعاً.
انظر: مسند أحمد 5/435، سنن أبي داود 2/288، الفقيه والمتفقه 2/11.
8 في ض ز: وقيل.
يُغَالَطُ بِهَا، وَقِيلَ: بِضَمِّهَا، وَأَصْلُهَا الأُغْلُوطَاتُ1.
"وَكَانَ السَّلَفُ يَهَابُونَهَا وَيُشَدِّدُونَ فِيهَا2، وَيَتَدَافَعُونَهَا" وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ تَهَجَّمَ3 فِي الْجَوَابِ، وَقَالَ: لا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى فِيهِ4.
"وَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِيهَا وَتَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ" أَيْ: بِالتَّسَاهُلِ؛ لأَنَّ أَمْرَ الْفُتْيَا خَطَرٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَ السَّلَفَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ كَانُوا يَهَابُونَ الْفُتْيَا كَثِيرًا5، وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا لا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ6.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ اكْتَفَى فِي فُتْيَاهُ بِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ7
1 قال الأوزاعي: الغلوطات شداد المسائل وصعابها، وقال آخرون: أراد بذلك المسائل التي يغالط بها العلماء ليزِلّوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة، وذكر الخطيب البغدادي معاني أخرى كثيرة.
انظر سنن أبي داود 2/288 هامش، مسند أحمد 5/435، الفقيه والمتفقه 2/11، إعلام الموقعين 1/73، النهاية في غريب الحديث 3/378.
2 ساقطة من ب.
3 في ب: يتهجم.
4 انظر: صفة الفتوى ص 7، الفقيه والمتفقه 2/12، 15، 155، صحيح البخاري بحاشية السندي 4/175، سنن الدارمي 1/52 وما بعدها، 75، تيسير التحرير 4/242.
5 انظر: صفة الفتوى 31، روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/76، عرف البشام ص 26، إعلام الموقعين 4/282، الفروع 6/428، سنن الدارمي 1/57، 60.
6 في ب ز: يقول.
7 في ش: وجهه.
فِي الْمَسْأَلَةِ، مِنْ1 غَيْرِ نَظَرٍ فِي تَرْجِيحٍ وَلا تَقَيُّدٍ2 بِهِ: فَقَدْ جَهِلَ وَخَرَقَ الإِجْمَاعَ3.
وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ: أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ: أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ. قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا لا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الإِجْمَاعِ.
"وَلا بَأْسَ" لِمَنْ سُئِلَ "أَنْ يَدُلَّ" مَنْ سَأَلَهُ "عَلَى" رَجُلٍ "مُتَّبَعٍ" أَيْ: يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ4.
قِيلَ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: الرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ5، فَأَدُلُّهُ عَلَى إنْسَانٍ. هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: إنْ6 كَانَ رَجُلاً مُتَّبَعًا فَلا بَأْسَ، وَلا يُعْجِبُنِي رَأْيُ أَحَدٍ7.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي وَاضِحِهِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إعْلامُ الْمُسْتَفْتِي بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ إنْ كَانَ أَهْلاً لِلرُّخْصَةِ. كَطَالِبِ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا، فَيَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَرَى التَّحَيُّلَ لِلْخَلاصِ مِنْهُ، وَالْخُلْعِ بِعَدَمِ وُقُوعِ
1 في ب: ب.
2 في ض ع: تقليد.
3 انظر: إعلام الموقعين 4/269.
4 انظر: المسودة ص 513، إعلام الموقعين 4/264، الفقيه والمتفقه 2/194 وما بعدها.
5 في ز: مسألة.
6 في ع: لا إن.
7 انظر: المسودة ص 513.
الطَّلاقِ1. انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُمْ جَاءُوهُ بِفَتْوَى، فَلَمْ تَكُنْ عَلَى مَذْهَبِهِ. فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَلْقَةِ الْمَدَنِيِّينَ. فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ الْمُسْتَفْتِي، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ لَهُ2: أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَهُ فِيهِ رُخْصَةٌ. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَلا يَسَعُ النَّاسَ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ غَيْرُ هَذَا.
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ3: عَجَبًا لِقَوْمٍ عَرَفُوا الإِسْنَادَ وَصِحَّتَهُ، يَدَعُونَهُ وَيَذْهَبُونَ إلَى رَأْيِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى:{فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ4 أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ5 أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 6 الْفِتْنَةُ: الْكُفْرُ.
وَقَالَ رَجُلٌ لأَحْمَدَ: إنَّ7 ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ كَذَا وَكَذَا8.
1 انظر: إعلام الموقعين 4/264، الفقيه والمتفقه 2/194.
2 ساقطة من ض ع ب ز.
3 ساقطة من ض ع ب ز.
4 في ب ض ز: أمره، الآية.
5 في ع: فتنة، الآية.
6 الآية 63 من النور.
7 ساقطة من ض.
8 ساقطة من ش ض ب ز.
قَالَ: ابْنُ الْمُبَارَكِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ السَّمَاءِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مِنْ ضِيقِ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: التَّقْلِيدُ لِلأَكَابِرِ أَفْسَدُ الْعَقَائِدِ، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُنَاظِرَ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ، إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَ الدَّلِيلَ، فَإِنَّ أَحْمَدَ أَخَذَ فِي الْجَدِّ بِقَوْلِ زَيْدٍ، وَخَالَفَ أَبَا بَكْرٍ1 الصِّدِّيقَ2.
وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: مِنْ أَكْبَرِ الآفَاتِ: الإِلْفُ لِمَقَالَةِ مَنْ سَلَفَ، أَوْ السُّكُونُ3 إلَى قَوْلِ مُعَظَّمٍ فِي النَّفْسِ لا بِدَلِيلٍ، فَهُوَ أَعْظَمُ حَائِلٍ عَنْ الْحَقِّ، وَبَلْوَى تَجِبُ مُعَالَجَتُهَا.
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: مَنْ قَالَ فِي مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ: الانْفِرَادُ لَيْسَ بِمَحْمُودٍ، قَالَ: الرَّجُلُ مِمَّنْ يُؤْثِرُ الْوَحْدَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ عَلِيٍّ " اعْرَفْ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ "4 وَانْفِرَادُ الشَّافِعِيِّ، وَصَوَابُ عُمَرَ رضي الله عنه فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَمَنْ يُعَيَّرُ5 بَعْدَ هَذَا بِالْوَحْدَةِ.
1 ساقطة من ض ب ع ز.
2 انظر: الفروع 6/432.
3 في ع: و.
4 انظر: الفروع 6/432.
5 في ش: يعبر.
"فَصْلٌ"
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِآدَابِ1 الْمُسْتَفْتِي وَالْمُفْتِي2. مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كِتَابِهِ3 آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي4.
فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ "يَنْبَغِي حِفْظُ الأَدَبِ5 مَعَ مُفْتٍ وَإِجْلالُهُ" إيَّاهُ "فَلا يَفْعَلُ مَعَهُ مَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَوَامّ بِهِ، كَإِيمَاءٍ بِيَدِهِ فِي وَجْهِهِ، وَلا" يَقُولُ6 لَهُ مَا لا يَنْبَغِي7، وَلا "يُطَالِبُهُ بِالْحُجَّةِ" عَلَى مَا يُفْتِي بِهِ8 "وَلا يُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَ جَوَابُك9 مُوَافِقًا10 فَاكْتُبْ، وَإِلَاّ فَلا" تَكْتُبْ "وَنَحْوَهُ" كَقَوْلِهِ11: مَا مَذْهَبُ إمَامِك
1 في ش: بأدب.
2 انظر آدادب المفتي والمستفتي في "الأنوار 2/398، المجموع 1/93 وما بعدها، عرف البشام ص 5، 9، الفقيه والمتفقه 2/98، 110، 177، الفروع 6/428".
3 في ض: كتاب.
4 صفة الفتوى ص 29 وما بعدها، 57 وما بعدها، 68 وما بعدها.
5 في ب: الآداب.
6 في ب: بقوله.
7 انظر: صفة الفتوى ص 83 بتصرف.
8 انظر: صفة الفتوى ص 84، روضة الطالبين 11/106، المسودة ص 554، الفقيه والمتفقه 2/180.
9 في ع: جوابا.
10 في "صفة الفتوى ص 83": موافقاً لمن أجاب فيها.
11 في ز: وهو كقوله.
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ أَوْ مَا تَحْفَظُ فِي كَذَا؟ أَوْ أَفْتَانِي غَيْرُك بِكَذَا، أَوْ أَفْتَانِي فُلانٌ بِكَذَا1، أَوْ قُلْت أَنَا كَذَا، أَوْ وَقَعَ لِي كَذَا2.
"لَكِنْ إنْ عَلِمَ" الْمُفْتِي "غَرَضَ السَّائِلِ" فِي شَيْءٍ "لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْتُبَ غَيْرَهُ".
وَلا يَسْأَلُهُ3 فِي حَالَةِ ضَجَرٍ، أَوْ هَمٍّ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ4 نَحْوِ ذَلِكَ5.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: لِلْعَامِّيِّ سُؤَالُ الْمُفْتِي عَنْ مَأْخَذِهِ اسْتِرْشَادًا، وَيَلْزَمُ الْعَالِمَ حِينَئِذٍ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ الدَّلِيلَ، إنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ، لا الظَّنِّيَّ؛ لافْتِقَارِهِ إلَى مَا يَقْصُرْ فَهْمُ الْعَامِّيِّ عَنْهُ6.
"وَلا يَجُوزُ" لِلْمُفْتِي "إطْلاقُ الْفُتْيَا فِي اسْمٍ مُشْتَرَكٍ"7.
1 ساقطة من ب.
2 انظر: صفة الفتوى ص 83.
3 ساقطة من ض ب ع ز.
4 في ع: و.
5 انظر: روضة الطالبين 11/106، عرف البشام ص 23.
6 انظر صفة الفتوى ص 66، 84، المسودة ص 554، إعلام الموقعين 4/208، 240، 328، جمع الجوامع 2/397، المجموع 1/86، تيسير التحرير 4/247.
7 انظر: المجموع 1/79، الفقيه والمتفقه 2/190، الفروع 6/435، مختصر البعلي ص 168.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ: إجْمَاعًا. قَالَ: وَمِنْ هُنَا إرْسَالُ أَبِي1 حَنِيفَةَ: مَنْ سَأَلَ أَبَا يُوسُفَ عَمَّنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ، فَقَصَرَهُ وَجَحَدَهُ: هَلْ لَهُ أُجْرَةٌ2 إنْ عَادَ فَسَلَّمَهُ3 لِرَبِّهِ؟ وَقَالَ4: إنْ قَالَ نَعَمْ أَوْ لا، فَقَدْ أَخْطَأَ. فَجَاءَ إلَيْهِ5، فَقَالَ: إنْ كَانَ قَصَرَهُ قَبْلَ جُحُودِهِ: فَلَهُ الأُجْرَةُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ جُحُودِهِ فَلا أُجْرَةَ لَهُ6؛ لأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ7.
وَاخْتَبَرَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَصْحَابًا لَهُ فِي بَيْعِ رِطْلِ تَمْرٍ، بِرِطْلِ تَمْرٍ8، فَأَجَازُوا فَخَطَّأَهُمْ، فَمَنَعُوا فَخَطَّأَهُمْ، فَخَجِلُوا، فَقَالَ: إنْ تَسَاوَيَا كَيْلاً تَجُوزُ9، فَهَذَا يُوَضِّحُ10 خَطَأَ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ مَا احْتَمَلَ التَّفْصِيلَ.
1 في ش: وقد أرسل أبو.
2 في ض ع ز: فهل.
3 في ض ع ب ز: سلمه.
4 في ع: قال.
5 في "الفروع 6/ 435": إليه، ففطن أبو يوسف.
6 ساقطة من ع.
7 انظر تفصيل الفقصة في "الفقيه والمتفقه 2/41، الفروع 6/435".
8 ساقطة من ش.
9 في ش: تجوز. وانظر: الفروع 6/435".
10 في ش: لو صح.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ1، وَيُتَوَجَّهُ عَمَلُ2 بَعْضِ3 أَصْحَابِنَا بِظَاهِرِهِ4.
"وَلا" يَجُوزُ لِلْمُفْتِي "أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ، أَوْ يُوَسِّعَ الأَسْطُرَ" لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ5 غَيْرِهِ بِلا إذْنِهِ وَلا حَاجَةَ، كَمَا لَوْ أَبَاحَهُ قَمِيصَهُ، فَاسْتَعْمَلَهُ فِيمَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ6 بِلا حَاجَةٍ7.
"أَوْ يُكْثِرَ" مِنْ الأَلْفَاظِ8 "إنْ أَمْكَنَهُ اخْتِصَارٌ فِيهَا"9 أَيْ: فِي10 فُتْيَا "وَلا فِي شَهَادَةٍ بِلا إذْنِ مَالِكٍ" قَالَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ.
قَالَ11 فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. لا سِيَّمَا فِي الْفَتَاوَى، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا إذَا كَتَبُوا عَلَيْهَا أَطْنَبُوا، وَزَادُوا عَلَى
1 في ش: قال، لتصرفه في ملك غيره بلا إذنه، ولا حاجة، كما لو أباحه قميصه.
2 في ش: عن.
3 ساقطة من ع.
4 في ش ب ز: بظاهر.
5 في ش ز: ملك.
6 في ش: ليس بالعادة.
7 انظر الفروع 6/425، المجموع 1/80، صفة الفتوى ص 59، مختصر البعلي ص 168.
8 في ع: الألفاظ أو يكثر.
9 انظر: صفة الفتوى ص 60.
10 ساقطة من ع.
11 في ش: قاله.
الْمُرَادِ، بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَيُجِيبُ فِيهَا بِمُجَلَّدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا كَثِيرًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُتَوَجَّهُ مَعَ قَرِينَةٍ: خِلافٌ لَنَا1، يَعْنِي عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ2.
1 في ز: خلافاً.
2 ساقطة من ع ز.