الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْخُصُومِ فِي الْجَدَلِ
.
اعْلَمْ أَنَّهُ لا يَخْلُو الْخَصْمُ فِي الْجَدَلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي طَبَقَةِ خَصْمِهِ، أَوْ أَعْلَى أَوْ أَدْوَنَ1.
فَإِنْ كَانَ فِي طَبَقَتِهِ: كَانَ قَوْلُهُ لَهُ: الْحَقُّ فِي هَذَا كَذَا دُونَ كَذَا مِنْ قِبَلِ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَلأَجْلِ كَذَا وَعَلَى الآخَرِ: أَنْ يَتَحَرَّى لَهُ الْمُوَازَنَةَ فِي الْخِطَابِ. فَذَلِكَ أَسْلَمُ لِلْقُلُوبِ، وَأَبْقَى لِشَغْلِهَا عَنْ تَرْتِيبِ النَّظَرِ فَإِنَّ التَّطْفِيفَ فِي الْخِطَابِ يُعْمِي الْقَلْبَ عَنْ فَهْمِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.
وَإِنْ كَانَ أَعْلَى فَلْيَتَحَرَّ، وَيَجْتَنِبَ2 الْقَوْلَ لَهُ: هَذَا خَطَأٌ، أَوْ3 غَلَطٌ، أَوْ4 لَيْسَ كَمَا تَقُولُ، بَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهُ: أَرَأَيْت إنْ
1 في ش: دون. وانظر طبقات أهل الجدل والنظر في "الكافية في الجدل ص 559".
2 في ض: تجنب.
3 في ض: و.
4 في ب ض ز: و.
قَالَ قَائِلٌ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْت1 كَذَا؟ و2َإِنْ اعْتَرَضَ عَلَى مَا ذَكَرْت مُعْتَرِضٌ بِكَذَا. فَإِنَّ نُفُوسَ الْكِرَامِ الرُّؤَسَاءِ الْمُقَدَّمِينَ3 تَأْبَى خُشُونَةَ الْكَلامِ؛ إذْ لا عَادَةَ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِذَا4 نَفَرَتْ النُّفُوسُ5 عَمِيَتْ الْقُلُوبُ، وَجَمَدَتْ الْخَوَاطِرُ وَانْسَدَّتْ أَبْوَابُ الْفَوَائِدِ، فَحَرُمَتْ كُلُّ6 الْفَوَائِدِ، بِسَفَهِ السَّفِيهِ، وَتَقْصِيرِ الْجَاهِلِ فِي حُقُوقِ الصُّدُورِ، وَقَدْ أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ فِي خِطَابِهِمْ7 لِلرُّؤَسَاءِ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي حَقِّ فِرْعَوْنَ {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا} 8.
سَمِعْت بَعْضَ الْمَشَايِخِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: صِفَةُ هَذَا الْقَوْلِ اللَّيِّنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَك إلَى أَنْ تَزَكَّى} 9 وَمَا ذَاكَ إلَاّ مُرَاعَاةً لِقَلْبِهِ، حَتَّى لا يَنْصَرِفَ10 بِالْقَوْلِ الْخَشِنِ عَنْ فَهْمِ11
1 في ب ض: ذكرته.
2 ساقطة من ب ض ز.
3 في ب ض: المتقدمين.
4 في ب ض: فإذا.
5 ساقطة من ش.
6 في ز: الكل.
7 ساقطة من ض ز.
8 الآية 44 من طه.
9 الآيتان 17-18.
10 في ض: ينظر، وفي ز: ينضر.
11 في ش: عرفهم.
الْخِطَابِ1، فَكَيْفَ بِرَئِيسٍ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ تَطْلُبُ2 فَوَائِدَهُ، وَتَرْجُو3 الْخَيْرَ فِي إيرَادِهِ، وَمَا تَسْنَحُ لَهُ خَوَاطِرُهُ؟ فَأَحْرَى بِنَا أَنْ نُذَلِّلَ لَهُ الْعِبَارَةَ، وَنُوَطِّئَ4 لَهُ جَانِبَ الْجَدَلِ، لِتَنْهَالَ فَوَائِدُهُ انْهِيَالاً.
وَفِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ: الأَدَبُ مِعْيَارُ الْعُقُولِ وَمُعَامَلَةُ5 الْكِرَامِ، وَسُوءُ الأَدَبِ مَقْطَعَةٌ لِلْخَيْرِ وَمَدْمَغَةٌ لِلْجَاهِلِ، فَلا تَتَأَخَّرُ إهَانَتُهُ6، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَاّ هِجْرَانُهُ وَحِرْمَانُهُ.
وَأَمَّا الأَدْوَنُ7 فَيُكَلَّمُ بِكَلامٍ لَطِيفٍ، إلَاّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ، إذَا أَتَى بِالْخَطَإِ: هَذَا خَطَأٌ. وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قِبَلِ كَذَا لِيَذُوقَ مَرَارَةَ سُلُوكِ الْخَطَإِ فَيَجْتَنِبَهُ8، وَحَلاوَةَ الصَّوَابِ فَيَتْبَعَهُ. وَرِيَاضَةُ هَذَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَتَرْكُهُ سُدًى9 مَضَرَّةٌ لَهُ، فَإِنْ عُوِّدَ الإِكْرَامَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الأَعْلَى طَبَقَةً: أَخْلَدَ إلَى خَطَئِهِ، وَلَمْ
1 قال القاسمي: "فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة""محاسن التأويل 11/4181".
وانظر تفسير القرطبي 11/200، تفسير ابن كثير 3/153.
2 في ز: يطلب.
3 في ز: ويرجو.
4 في ض: ونطوي.
5 في ش: ومعالم.
6 في شك تتحر.
7 في ش: وإلا.
8 في ض: فيتجنبه.
9 في ض: نبذاً.
يُزِغْهُ1 عَنْ الْغَلَطِ وَازِعٌ2، وَمَقَامُ التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ تَارَةً بِالْعُنْفِ، وَتَارَةً بِاللُّطْفِ، وَسُلُوكُ أَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ فَائِدَةَ الآخَرِ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} 3 وَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إنَّهُ السَّائِلُ فِي الْعُلُومِ دُونَ سُؤَالِ الْمَالِ، وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِيهِمَا4، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ5.
1 في ش: يزعه.
2 في ش: نزع، وفي ض ز: وازغ.
3 الآية 10 من الضحى.
4 قال القرطبي: "وقيل المراد بالسائل هنا: الذي يسأل عن الدين، أي فلا تنهره بالغلظة والجفوة، وأجبه برفق ولين، قاله سفيان، قال ابن العربي: وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالم على الكفاية، كإعطاء سائل البرسواء""تفسير القرطبي 20/101".
وانظر: محاسن التأويل 17/6185، أحكام القرآن للجصاص 3/582، أحكام القرآن لابن العربي 4/1935، تفسير ابن كثير 4/523.
5 ساقطة من ض، وفي ز: والله سبحانه أعلم.