المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"‌ ‌مَسَالِكُ الْعِلَّةِ 1" لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٤

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌باب القياس

- ‌فَصْلٌ""الْعِلَّةُ

- ‌فصل من شروط العلة

- ‌فَصْلٌ""لا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِحُكْمِ الأَصْلِ

- ‌فصل شروط الفرع

- ‌مَسَالِكُ الْعِلَّةِ

- ‌فَائِدَةٌ""أَعَمُّ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْوَصْفِ:

- ‌فَوَائِدُ" تَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَهْلُ الأُصُولِ وَالْجَدَلِ

- ‌فصل: تقسيم القياس ياعتبار قوته وضعفه

- ‌فصل: قوادح العلة

- ‌فصل": فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامِ الْجَدَلِ، وَآدَابِهِ، وَحَدِّهِ، وَصِفَتِهِ

- ‌فصل في عدم الكلام في مجالس الخوف ونحوه

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ فِي الْجَدَلِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْخُصُومِ فِي الْجَدَلِ

- ‌بَابُ الاسْتِدْلالِ

- ‌فَصْلٌ الاسْتِحْسَانُ

- ‌فوائد في قواعد اللغة

- ‌فصل: تجزؤ الإجتهاد وخلاف العلماء فيه

- ‌فصل: لا ينقض حكم الحاكم في مسألة إجتهادية

- ‌فصل: التفويض لنبي أو مجتهد بالحكم

- ‌فَصْلٌ""نَافِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ

- ‌باب التقليد

- ‌فَصْلٌ""لا يُفْتِي إلَاّ مُجْتَهِدٌ

- ‌فصل: للمفتي رد الفتوى

- ‌بَابُ تَرْتِيبِ الأَدِلَّةِ، وَالتَّعَادُلِ، وَالتَّعَارُضِ، وَالتَّرْجِيحِ

- ‌خَاتِمَةٌ

الفصل: "‌ ‌مَسَالِكُ الْعِلَّةِ 1" لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ

"‌

‌مَسَالِكُ الْعِلَّةِ

1"

لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ شَرَعَ2 فِي بَيَانِ الطُّرُقِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِمَسَالِكِ الْعِلَّةِ.

الْمَسْلَكُ الأَوَّلُ "الإِجْمَاعُ"3.

وَقُدِّمَ لِقُوَّتِهِ. سَوَاءٌ كَانَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا، وَأُخِّرَ النَّصُّ لِطُولِ الْكَلامِ عَلَى تَفَاصِيلِهِ4.

1 في د ض: العلة ستة.

2 في ز: وشرع.

3 انظر كلام الأصوليين على هذا المسلك في "التلويح على التوضيح 2/565، مفتاح الأصول ص 148، شفاء الغليل ص 110، مختصر البعلي ص 145، مختصر الطوفي ص 159، روضة الناظر ص 301، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 333، الإحكام للآمدي 3/364، تيسير التحرير 4/39، الوصول إلى مسائل الأصول 2/283، اللمع ص 62، شرح العضد 2/233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/262، المستصفى 2/293، فواتح الرحموت 2/295، نشر البنود 2/154، إرشاد الفحول ص 210، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/49، الإبهاج 3/38، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/213".

4 في ض: تفصيله.

ص: 115

وَالْمُرَادُ بِثُبُوتِ1 الْعِلَّةِ بِالإِجْمَاعِ: أَنْ تُجْمِعَ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عِلَّتُهُ كَذَا. كَإِجْمَاعِهِمْ2 فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ شَغْلُ الْقَلْبِ، وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ الأَخِ مِنْ الأَبَوَيْنِ فِي الإِرْثِ عَلَى الأَخِ لِلأَبِ بِامْتِزَاجِ النَّسَبَيْنِ، أَيْ وُجُودِهِمَا فِيهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ، وَصَلاةِ الْجِنَازَةِ، وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ، وَالْوَصِيَّةِ لأَقْرَبِ الأَقَارِبِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ3.

فَإِنْ قُلْت: إذَا أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَكَيْفَ يَتَّجِهُ4 الْخِلافُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؟

قُلْت: لَعَلَّ مَنْشَأَ الْخِلافِ التَّنَازُعُ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ أَوْ فِي حُصُولِ شَرْطِهَا أَوْ مَانِعِهَا، لا فِي كَوْنِهَا عِلَّةً. قَالَهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَغَيْرُهُ.

وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ الْوِلايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ بِكَوْنِهِ5 صَغِيرًا، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْوِلايَةُ عَلَيْهِ6 فِي النِّكَاحِ.

1 في ض: ثبوت.

2 في ع ز ب: فاجماعهم.

3 ساقطة من ش.

4 في ز: يتوجه.

5 في ع ز ض ب: كونه.

6 ساقطة من ش.

ص: 116

الْمَسْلَكُ "الثَّانِي" مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "النَّصُّ" مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.

"وَمِنْهُ" أَيْ مِنْ النَّصِّ مَا هُوَ "صَرِيحٌ" وَهُوَ مَا وُضِعَ لإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ، بِحَيْثُ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلَّةِ2.

"كَ" أَنْ يُقَالَ "لِعِلَّةِ"3 كَذَا "أَوْ سَبَبِ" كَذَا "أَوْ أَجْلِ" كَذَا "أَوْ مِنْ أَجْلِ كَذَا"4 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} 5 وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم 6 "إنَّمَا جُعِلَ6

1 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/280، المحصول 2/2/ 193، ارشاد الفحول ص 210، البرهان 2/806، اللمع ص 61، المسودة ص 438، المنخول ص 343، الفقيه والمتفقه 1/210، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 325 وما بعدها".

2 انظر: الإحكام للآمدي 3/364، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه 1/210، المعتمد 2/775، مختصر البعلي ص 145، روضة الناظر ص 295، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 157، مفتاح الوصول ص 145، شفاء الغليل ص 23، تيسير التحرير 4/39، الوصول إلى مسائل الأصول 2/281، شرح العضد 2/234، إرشاد الفحول ص 211، نشر البنود 2/155، نهاية السول 3/41، مناهج العقول 3/39، الابهاج 3/30، المستصفى 2/288، فواتح الرحموت 2/295، حاشية البناني 2/263.

3 في ع: العلة، وفي ش: لعلية.

4 في ع ب: ونحوه نحو.

5 الآية 32 من المائدة.

6 ساقطة من ش.

ص: 117

1الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه2ِ وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ - يَعْنِي3 عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ - مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا4" رَوَاهُ مُسْلِمٌ5. أَيْ 6لأَجْلِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ.

وَالدَّافَّةُ: الْقَافِلَةُ السَّائِرَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدَّفِيفِ، وَهُوَ السَّيْرُ اللَّيِّنُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَفَّتْ عَلَيْنَا مِنْ بَنِي فُلانٍ دَافَّةٌ7. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ8.

"أَوْ" يُقَالَ "كَيْ" يَكُونَ كَذَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَرَّدَةً مِنْ "لا" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى:{كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} 9 أَوْ مَقْرُونَةً بِهَا نَحْوَ {لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} 10 {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} 11 فَلا يَحْصُلُ لِلْفُقَرَاءِ شَيْءٌ.

1 ساقطة من ش.

2 صحيح البخاري 7/130، صحيح مسلم 3/1698.

3 ساقطة من ع.

4 في ش: واخزنوا.

5 صحيح مسلم 3/1561.

6 ساقطة من ش.

7 ساقطة من ش.

8 الصحاح للجوهري ط/1360.

9 الآية 40 من طه و13 من القصص.

10 الآية 23 من الحديد.

11 الآية 7 من الحشر

ص: 118

"أَوْ" يُقَالَ "إذًا"، نَحْوَ1 قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ: أَجْعَلُ لَك صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إذًا يَغْفِرُ اللَّهُ2 لَك ذَنْبَك كُلَّهُ" وَفِي رِوَايَةٍ "إذًا يَكْفِيَك اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ 3".

"وَكَذَا" يَكُونُ مِنْ الصَّرِيحِ "إنَّ" الْمَكْسُورَةُ الْهَمْزَةِ الْمُشَدَّدَةُ النُّونِ4 عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالآمِدِيِّ5 وَابْنِ

1 في ش: يكون من الصريح نحو.

2 ساقطة في ش.

3 أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده والطبراني والحاكم في المستدرك وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الهيثمي عن رواية أحمد: وإسناده جيد، وعن رواية الطبراني: واسناده حسن. "انظر عارضة الأحوذي 9/281، مسند أحمد 5/136، مجمع الزوائد 10/160، جلاء الأفهام لابن القيم ص 34، المستدرك 2/421".

قال ابن القيم: وسئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "إن زدت فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير لك.. إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ أي أجعل دعائي كله صلاة عليك قال: إذاً تكفى همك، ويغفر لك ذنبك"، لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه ". "جلاء الأفهام ص 35".

4 في ش: عن.

5 الإحكام في أصول الأحكام 3/365.

ص: 119

الْحَاجِبِ1 وَغَيْرِهِمْ2، نَحْوَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَلْقَى الرَّوْثَةَ أَمَا3 "إنَّهَا رِجْسٌ4" وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْهِرَّةِ "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ" مُعَلِّلاً طَهَارَتَهَا بِذَلِكَ5.

"وَهِيَ" يَعْنِي "إنَّ" الْمُشَدَّدَةَ النُّونِ حَالَ كَوْنِهَا "مُلْحَقَةً بِالْفَاءِ آكَدُ" نَحْوُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ6 " فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا7" وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشُّهَدَاءِ "زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ

1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه العضد 2/234.

2 انظر روضة الناظر ص 297، تيسير التحرير 4/39.

3 ساقطة من ش.

4 أخرجه البخاري "1/47" والترمذي "عارضة الأحوذي 1/43" والنسائي "1/37" وابن ماجه "1/114" وأحمد في مسنده "1/388" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس، واللفظ للبخاري. ولفظ الترمذي وأحمد: إنها ركس، ولفظ ابن ماجة: هي ركس، ولفظ النسائي: هذه ركس.

5 انظر المعتمد 2/777.

6 في ش: ناقته.

7 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى والشافعي في مسنده والدارقطني من حديث ابن عباس مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 275، صحيح مسلم 2/865، عارضة الأحوذي 4/175، بذل المجهود 14/207، سنن النسائي 5/154، مسند أحمد 1/215، سنن البيهقي 3/390، سنن ابن ماجة 2/1030، مسند الشافعي 1/205، سنن الدارقطني 2/296".

ص: 120

الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا1".

وَوَجْهُ كَوْنِهَا مُلْحَقَةً بِالْفَاءِ آكَدَ2 لِدَلالَتِهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ لِلْحُكْمِ قَبْلَهَا.

وَعِنْدَ الْبَيْضَاوِيِّ3 وَابْنِ السُّبْكِيّ4 وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِـ "إنَّ" مِنْ قِسْمِ5 الظَّاهِرِ.

وَعِنْدَ ابْنِ الْبَنَّاءِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِسْمِ6 الإِيمَاءِ.

"وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي قِسْمِ الصَّرِيحِ "الْمَفْعُولَ لَهُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} 7 لأَنَّ {حَذَرَ الْمَوْتِ} عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ.

"وَ" مِنْ النَّصِّ أَيْضًا8 مَا هُوَ "ظَاهِرٌ" وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ9 احْتِمَالاً مَرْجُوحًا "كَاللَاّمِ".

1 أخرجه النسائي "4/65" من حديث عبد الله بن ثعلبة مرفوعاً وأحمد في مسنده "5/431" من حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً، وروى بعضه الشافعي في مسنده "1/205" عن عبد الله بن ثعلبة مرفوعاً، وانظر ارواء الغليل 3/168.

2 ساقطة من ش.

3 منهاج الوصول مع شرحه للأسنوي 3/40.

4 الابهاج 3/31، جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/265.

5 في ع ز ب: قسيم.

6 في ع ز: قسيم.

7 الآية 19 من البقرة.

8 ساقطة من ز.

9 في ز ب ش: العلية.

ص: 121

ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ "ظَاهِرَةً"، أَيْ مَلْفُوظًا بِهَا، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} 1 {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 2 {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} 3 وَهُوَ كَثِيرٌ.

"وَ" تَارَةً تَكُونُ "مُقَدَّرَةً" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ، أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} 4 أَيْ: لأَنْ كَانَ.

وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ5 فِي قِصَّةِ الزُّبَيْرِ مِنْ قَوْلِ الأَنْصَارِيِّ6 لَمَّا خَاصَمَهُ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ7 " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك!

1 الآية الأولى من سورة إبراهيم.

2 الآية 78 من الإسراء.

3 الآية 95 من المائدة.

4 الآيتان 13، 14 من القلم.

5 صحيح البخاري 3/76، صحيح مسلم 4/1830،. وفي ش: الصحيح.

6 اختلف العلماء في الأنصاري الذي نازع الزبير في شراج الحرة فقال الداودي: كان من الأنصار نسباً لا ديناً، لأنه كان منافقاً. وقال القرطبي: ويحتمل أن لا يكون منافقاً، لكنها بادرة وزلة من الشيطان. "إكمال إكمال المعلم 6/146" وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات "2/312":"قال ابن باطيش: هو حاطب بن أبي بلتعة. وقيل: ثعلبة بن حاطب. وقيل: حميد. وقوله في حاطب لا يصح، فإنه ليس أنصارياً، وقد ثبت في صحيح البخاري أن هذا الأنصاري القائل كان بدرياً".

7 جاء في شرح الأبي على صحيح مسلم نقلاً عن القرطبي: "الشِراج: جمع شرجة، وهو مسيل الماء إلى الشجر. والحرّة حرة المدينة، موضع معروف بها، وأضاف الشِرَاج إليها، لأن منها جاء السيل، والمخاصمة في الماء الذي كان يسيل منها". "إكمال إكمال المعلم 6/146".

ص: 122

وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَلامِ: أَنْ كَانَ كَذَا. فَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَاّمِ الْمُقَدَّرَةِ لا مِنْ " أَنْ".

وَيَدْخُلُ فِي هَذَا " إذَا كَانَ " الْوَاقِعُ بَعْدَ1 " أَنْ ": " كَانَ " وَحُذِفَتْ وَاسْمُهَا وَبَقِيَ خَبَرُهَا، وَعُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ " مَا " كَقَوْلِهِ2:

أَبَا خُرَاشَةَ، أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ

فَإِنَّ قَوْمِي لَمْ تَأْكُلْهُمْ الضَّبُعُ3

أَيْ لأَنْ كُنْت ذَا نَفَرٍ؟

وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ اللَاّمُ وَمَا سَيَأْتِي4 بَعْدَهَا مِنْ الصَّرِيحِ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهَا5 لَهُ6 مَعَانٍ غَيْرُ التَّعْلِيلِ.

1 في ش: بعده.

2 في ض: كقول الشاعر.

3 البيت لعباس بن مرداس السلمي الصحابي، نسبه له ابن مالك في شرح الكافية الشافية والسيوطي في شرح شواهد المغني والبغدادي في الخزانة، وهو من شواهد سيبويه والجوهري في الصحاح. وقد قاله الشاعر مع أبيات يخاطب بها خفاف بن ندبة، أبا خراشة في ملاحاة وقعت بينهما، ومعناه: يا أبا خراشة إن كنت كثير القوم، وكنت معتزاً بجماعتك، فإن قومي موفورون كثير العدد، لم تأكلهم السنة الشديدة، ولم يضعفهم الجدب، ولم تنل منهم الأزمات. "انظر خزانة الأدب 2/81، شرح شواهد المغني للسيوطي 1/116، شرح الكافية الشافية 1/418، الكتاب لسيبويه 1/148، أوضح المسالك 1/188، الصحاح 3/1004".

4 في ع: يأتي.

5 في ش ب ع: منهما.

6 ساقطة من ض.

ص: 123

"وَالْبَاءِ" عَطْفٌ عَلَى " كَاللَاّمِ1 " نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 2 أَيْ بِسَبَبِ الرَّحْمَةِ وقَوْله تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 3.

فَهِيَ - وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَعْنَاهَا الإِلْصَاقَ وَلَهَا مَعَانٍ غَيْرُهُ - فَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي التَّعْلِيلِ.

وَ4عِنْدَ الأَصْحَابِ5 وَغَيْرِهِمْ6 "إنْ قَامَ دَلِيلٌ أَنَّهُ" أَيْ إنَّ7 الْمُتَكَلِّمَ "لَمْ يَقْصِدْ" بِكَلامِهِ "التَّعْلِيلَ" فَاسْتِعْمَالُ أَدَاةِ التَّعْلِيلِ فِيمَا لا يَصْلُحُ عِلَّةً "مَجَازٌ"8.

وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ صَلاحِيَّتِهِ عِلَّةً "كَ" أَنْ يُقَالَ لِفَاعِلِ شَيْءٍ9 "لِمَ فَعَلْت؟ فَيَقُولُ: لأَنِّي أَرَدْت" فَإِنَّ هَذَا لا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الاصْطِلاحِ: هُوَ10 الْمُقْتَضِي

1 في ز: اللام.

2 الآية 159 من آل عمران.

3 الآية 82 من التوبة و95 من التوبة.

4 ساقطة من ض.

5 انظر: روضة الناظر ص 296، مختصر البعلي ص 146، مختصر الطوفي ص 157.

6 انظر: الإحكام للآمدي 3/366، المستصفى 2/288.

7 ساقطة من ش.

8 أي تكون مجازاً فيما قصد بها. "الإحكام للآمدي".

9 في ش: شيء.

10 في ش: هي.

ص: 124

الْخَارِجِيُّ لِلْفِعْلِ، أَيْ الْمُقْتَضِي لَهُ مِنْ خَارِجٍ. وَالإِرَادَةُ إمَّا1 مُوجِبَةٌ لِلْفِعْلِ أَوْ مُصَحِّحَةٌ لَهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ "لأَنِّي أَرَدْت" اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ2 فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَيَكُونُ مَجَازًا.

"وَ" مِنْ النَّصِّ أَيْضًا "إيمَاءٌ وَتَنْبِيهٌ" يَعْنِي أَنَّ النَّصَّ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:

الأَوَّلُ: الصَّرِيحُ، وَالثَّانِي: الظَّاهِرُ، وَالثَّالِثُ: الإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ.

وَالإِيمَاءُ: هُوَ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ - أَوْ نَظِيرُهُ - لِلتَّعْلِيلِ لَكَانَ ذَلِكَ الاقْتِرَانُ بَعِيدًا مِنْ فَصَاحَةِ كَلامِ الشَّارِعِ، وَكَانَ إتْيَانُهُ3 بِالأَلْفَاظِ4 فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، مَعَ كَوْنِ كَلامِ الشَّارِعِ مُنَزَّهًا5 عَنْ6 الْحَشْوِ الَّذِي لا فَائِدَةَ فِيهِ7.

وَيَتَنَوَّعُ الإِيمَاءُ إلَى أَنْوَاعٍ أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:

"وَمِنْ أَنْوَاعِهِ: تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَقِبَ وَصْفٍ بِالْفَاءِ، مِنْ كَلامِ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ"8.

1 ساقطة من ش.

2 في ض: للفظ.

3 في ش: اثباته.

4 في ش: الألفاظ.

5 في ش ض ب: منزه.

6 في ع: من.

7 في ز: منه.

8 انظر "مناهج العقول 3/42، نهاية السول 3/44، الابهاج 3/22، المستصفى =

ص: 125

"فَإِنَّهَا" أَيْ الْفَاءَ "لِلتَّعْقِيبِ ظَاهِرًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ السَّبَبِيَّةُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 2 وقَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 3 وَنَحْوَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ4.

فَالْفَاءُ فِي الآيَاتِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْحُكْمِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ مُتَقَدِّمٌ، وَتَقَدُّمُ الْعِلَّةِ ثُمَّ مَجِيءُ الْحُكْمِ بِالْفَاءِ أَقْوَى5 مِنْ عَكْسِهِ.

وَتَارَةً تَأْتِي "الْفَاءُ" فِي غَيْرِ كَلامِ الشَّارِعِ، كَقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ6 رضي الله عنه سَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

= 2/292، فواتح الرحموت 2/296، الإحكام للآمدي 3/367، المعتمد 2/776، التمهيد للآسنوي ص 456، اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص 56، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 297، المنخول ص 343، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 157، مفتاح الوصول ص 148، شفاء الغليل ص 27، تيسير التحرير 4/39، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/283، المحصول 2/2/197، شرح العضد 2/234، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/156".

1 الآية 222 من البقرة.

2 الآية 38 من المائدة.

3 الآية 2 من النور.

4 في ش: ناقته.

5 في ض: أولى.

6 هو الصحابي الجليل عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي، أبو =

ص: 126

فَسَجَدَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَغَيْرُهُ2. زَنَى مَاعِزٌ3 فَرُجِمَ4.

وَلا فَرْقَ فِي الْعَمَلِ بِذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاوِي صَحَابِيًّا أَوْ فَقِيهًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لَكِنْ إذَا كَانَ صَحَابِيًّا5 فَقِيهًا كَانَ أَقْوَى.

فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَالَ الرَّاوِي: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ! أَوْ حَمَلَ

= نُجيد، أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة، وكان من فضلاء الصحابة، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزواته، وبعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة ليفقه أهلها، ثم استقضاء عليها عبد الله بن عامر، فقضى أياماً ثم استعفى، وكان مجاب الدعوة، توفي في البصرة سنة 52هـ.

"انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/36، طرح التثريب 1/90، مشاهير علماء الأمصار ص 37، المطلع للبعلي ص 448، العقد الثمين 6/420، الاستيعاب 3/1208، أسد الغابة 4/137، الكامل لابن الأثير 3/244، سير أعلام النبلاء 2/508، شذرات الذهب 1/58".

1 سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 5/424.

2 أخرجه أيضاً ابن خزيمة "2/134" والبيهقي "2/355" والترمذي "عارضة الأحوذي 2/186" والنسائي "3/22".

3 هو ماعز بن مالك الأسلمي الذي اعترف بالزنا فرجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تائباً. قال ابن عبد البر: هو معدود في المدنيين. كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه. "تهذيب الأسماء واللغات 2/75".

4 أخرجه البخاري "8/22" ومسلم "3/1319" وابو داود "بذل المجهود 17/381" عن جابر بن سمرة، وأخرجه ابن ماجة "2/854" وأبو داود "بذل المجهود 17/385" والترمذي "عارضة الأحوذي 6/202" عن أبي هريرة، وقد روي أيضاً عن بريدة الأسلمي وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ونعيم بن هزال. "انظر المراجع السابقة والمستدرك 4/362، 363، سنن البيهقي 6/83، مسند أحمد 5/217، 1/270".

5 في ش: صحابياً أو.

ص: 127

حَدِيثًا رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، لا يُعْمَلُ بِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ. فَكَيْفَ إذَا قَالَ لِلرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ وَنَحْوُهُ يُعْمَلُ بِهِ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ1؟!

فَالْجَوَابُ2: أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ فَهْمِ الأَلْفَاظِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، لا أَنَّهُ3 يَرْجِعُ لِلاجْتِهَادِ، بِخِلافِ قَوْلِهِ: هَذَا مَنْسُوخٌ وَنَحْوُهُ. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا، أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا: يُعْمَلُ بِهِ، حَمْلاً عَلَى الرَّفْعِ، لا عَلَى الاجْتِهَادِ.

إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَإِذَا رَتَّبَ الشَّارِعُ حُكْمًا عَقِبَ وَصْفٍ بِالْفَاءِ، إذْ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، فَتُفِيدُ تَعْقِيبَ4 حُكْمِ5 الْوَصْفِ، وَأَنَّهُ سَبَبُهُ، إذْ السَّبَبُ مَا ثَبَتَ الْحُكْمُ عَقِبَهُ. وَلِهَذَا تُفْهَمُ السَّبَبِيَّةُ - مَعَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ كَ "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ".

وَالصَّحِيحُ: أَنَّ هَذَا نَوْعٌ6 مِنْ الإِيمَاءِ.

وَقِيلَ: مِنْ أَقْسَامِ الصَّرِيحِ.

وَقِيلَ: مِنْ أَقْسَامِ الظَّاهِرِ.

1 في ش: اجتهاده.

2 في ش: والجواب.

3 في ش: لأنه.

4 في ز: تعقب.

5 في ش: الحكم.

6 في ش: النوع نوع.

ص: 128

"وَ" مِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى وَصْفٍ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ".

نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} 2 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} 3 أَيْ لِتَقْوَاهُ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 "مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا - إلَاّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ - نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ5" وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ. فَإِنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَقَّبُ شَرْطَهُ وَيُلازِمُهُ، وَلا مَعْنَى لِلسَّبَبِ إلَاّ مَا يَسْتَعْقِبُ الْحُكْمَ وَيُوجَدُ بِوُجُودِهِ6.

"وَ" مِنْ أَنْوَاعِهِ أَيْضًا "ذِكْرُ حُكْمٍ جَوَابًا لِسُؤَالٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ"

1 الآية 30 من الأحزاب.

2 الآية 31 من الأحزاب.

3 الآية 2 من الطلاق.

4 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وعبد الرزاق في مصنفه وغيرهم "انظر صحيح مسلم 3/1202، بذل المجهود 13/91، عارضة الأحوذي 6/284، سنن النسائي 7/165، سنن ابن ماجة 2/1069، مصنف عبد الرزاق 10/432"

5 في ض: قيراط.

6 انظر: المستصفى 2/290، المعتمد 2/778، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 298، مختصر الطوفي ص 158، ارشاد الفحول ص 213.

ص: 129

السُّؤَالُ "عِلَّتَهُ1" أَيْ عِلَّةَ الْحُكْمِ2 لَ "كَانَ اقْتِرَانُهُ" أَيْ السُّؤَالِ "بِهِ" أَيْ بِالْحُكْمِ "بَعِيدًا شَرْعًا وَلُغَةً" أَيْ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ "وَلَتَأَخَّرَ الْبَيَانُ" أَيْ وَلَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَأْخِيرُ3 الْبَيَانِ "عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ"4.

"كَقَوْلِ الأَعْرَابِيِّ "وَاقَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً" أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ5. وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ6.

فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كَفِّرْ؛ لِكَوْنِك وَاقَعْت فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَكَانَ الْحَذْفُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ7 الْحُكْمُ لَفْظًا مَوْجُودًا هُنَا. فَيَكُونُ

1 في ض: علة.

2 ساقطة من ش ز.

3 في ش: تأخر.

4 انظر: "الإحكام للآمدي 3/368، المعتمد 2/777، التمهيد للأسنوي ص 458، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 299، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 158، مفتاح الوصول ص 147، شفاء الغليل ص 32، تيسير التحرير 4/41، المحصول 2/2/204، شرح العضد 2/234، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/160، نهاية السول 3/48، مناهج العقول 3/46، الابهاج 3/35، حاشية البناني 2/266، فواتح الرحموت 2/296".

5 انظر صحيح البخاري 2/236، صحيح مسلم 2/782، سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 11/222، سنن الترمذي مع عارضة الأحوذي 3/250، سنن الدارمي 2/11، وانظر سنن البيهقي 4/221، مسند أحمد 2/241، 516، سنن الدارقطني 2/190، الموطأ 1/296.

6 سنن ابن ماجة 1/534.

7 في ش ز ع: به. وفي ب: عنه.

ص: 130

مَوْجُودًا تَقْدِيرًا.

وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ خُلُوُّ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.

"وَيُسَمَّى" هَذَا النَّوْعُ "إنْ حُذِفَ" مِنْهُ "بَعْضُ الأَوْصَافِ" الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْجَوَابُ؛ لِكَوْنِهِ لا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلَّةِ، كَكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا أَوْ زَيْدًا، وَكَوْنِ الْمُجَامَعَةِ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً، أَوْ فِي قُبُلِهَا، وَكَوْنِهِ1 شَهْرَ تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا "تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ".

فَالتَّنْقِيحُ2 لُغَةً: التَّخْلِيصُ3 وَالتَّهْذِيبُ. يُقَالُ: نَقَحْت الْعَظْمَ إذَا اسْتَخْرَجْت مُخَّهُ4.

وَالْمَنَاطُ: مَفْعَلٌ مِنْ نَاطَ نِيَاطًا5 أَيْ عَلَّقَ6.

7وَالْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ.

فَمَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ: الاجْتِهَادُ7 فِي تَحْصِيلِ الْمَنَاطِ الَّذِي رَبَطَ بِهِ الشَّارِعُ الْحُكْمَ، فَيَبْقَى مِنْ الأَوْصَافِ مَا يَصْلُحُ وَيُلْغَى مَا لا

1 في ش: وكونها.

2 في ع: والتنقيح.

3 في ب د ض: التلخيص.

4 أنظر المصباح المنير 2/760، لسان العرب 2/624، الصحاح 1/413.

5 أنظر الصحاح 3/1165، لسان العرب 7/418، المصباح المنير 2/774.

6 ساقطة من ش.

7 ساقطة من ش.

ص: 131

يَصْلُحُ1.

وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ. وَأَجْرَاهُ2 أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ، مَعَ مَنْعِهِ الْقِيَاسَ فِيهَا.

وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ - كَالتَّاجِ3 السُّبْكِيّ وَالْبِرْمَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا - أَنَّهُ أَجْوَدُ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ بِأَنْ يُبَيِّنَ إلْغَاءَ4 الْفَارِقِ.

"وَمِنْهَا" أَيْ وَ5مِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ "تَقْدِيرُ الشَّارِعِ وَصْفًا لَوْ لَمْ يَكُنْ" ذَلِكَ الْوَصْفُ "لِلتَّعْلِيلِ كَانَ" تَقْدِيرُهُ "بَعِيدًا" إذْ "لا فَائِدَةَ فِيهِ" أَيْ فِي التَّقْدِيرِ حِينَئِذٍ6.

1 أنظر معنى تنقيح المناط عند الأصوليين في "المسودة ص 387، مفتاح الوصول ص 147، تيسير التحرير 4/42، ارشاد الفحول ص 221، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/292، الابهاج 3/56، فواتح الرحموت 2/298، المحصول 2/2/315، التلويح على التوضيح 2/580، شفاء الغليل ص 411، روضة الناظر ص 277، نشر البنود 2/204، نهاية السول 3/74، مناهج العقول 3/73".

2 في ش: وقد أجره.

3 أنظر الابهاج للتاج السبكي 3/56.

4 ساقطة من ش.

5 شاقطة من ع.

6 أنظر "الإحكام للآمدي 3/370، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/211، المعتمد 2/776، 778، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 299، التلويح على التوضيح 2/564، مختصر الطوفي ص 158، مفتاح الوصول ص 146، شفاء الغليل ص 39 وما بعدها، المحصول 2/2/206، شرح العضد 2/235، البرهان 2/807، نشر البنود 2/161، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/46، الابهاج 3/36، المستصفى 2/289، فواتح الرحموت 2/298".

ص: 132

وَيَكُونُ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ:

"إمَّا فِي السُّؤَالِ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ – "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ" بِأَنْ قَالَ: "فَلا إذًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَالنَّسَائِيُّ3 وَابْنُ مَاجَهْ4 وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ5.

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُ نُقْصَانِ الرُّطَبِ بِالْجَفَافِ لأَجْلِ التَّعْلِيلِ، لَكَانَ تَقْدِيرُهُ بَعِيدًا، إذْ لا فَائِدَةَ فِيهِ، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ.

"أَوْ" إمَّا "فِي نَظِيرِ مَحَلِّهِ" أَيْ مَحَلِّ السُّؤَالِ6.

"كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلسَّائِلَةِ" وَهُوَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

1 سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 15/17.

2 سنن الترمذي مع شرحه عارضة ألأحوذي 5/233.

3 سنن النسائي 7/236.

4 سنن ابن ماجة 2/761.

5 المستدرك 2/38.

* والحديث رواه أيضاً مالك في الموطأ "2/624" وأحمد في مسنده "1/175" والبيهقي في السنن الكبرى "5/294" والشافعي في مسنده "2/159" والرسالة ص 332، وابن حزم في الإحكام "7/1008"، والخطيب في الفقيه والمتفقه "1/211" والدارقطني "3/49" وعبد الرزاق في مصنفه "8/32" وغيرهم، أنظر تخريج أحاديث المنهاج للعراقي ص 305.

6 أنظر: المستصفى 2/290، شرح العضد 2/235، شفاء الغليل ص 45، روضة الناظر ص 300.

ص: 133

إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ. فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:" حُجِّي1 عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ3: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ الْخَثْعَمِيَّةُ:

1 في د ز ب: فحجي.

2 أخرجه البخاري "2/218" وابن خزيمة "4/343" عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو غير موجود في صحيح مسلم، وقد روى نحوه أحمد في مسنده "1/345" والنسائي "5/87" وابن خزيمة أيضاً "4/346" عن ابن عباس رضي الله عنه أن امرأة نذرت أن تحج، فماتت، فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال:"أرأيت لو كان على أختك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال:"فاقضوا الله، فهو أحق بالوفاء".

3 حديث المرأة الخثعمية رواه أصحاب الكتب الستة بغير هذا السياق الذي ذكره المصنف، ورواياتهم له لا تصلح شاهداً لما ضربه المصنف من مثال "أنظر صحيح البخاري 2/218، صحيح مسلم 3/973، عارضة الأحوذي 4/157، بذل المجهود 9/20، سنن ابن ماجة 2/971" ويؤكد ذلك قول الحافظ ابن كثير في كتابه تحفة الطالب بمعرفة أحاديث ابن الحاجب ص 384 بعد أن ساق الحديث بنفس ألفاظ المصنف: "حديث الخثعمية رواه أهل الكتب الستة ولم أره في شيء منها بهذا السياق".

غير أن النسائي في المجتبى روى نحوه أحاديث تصلح أمثلة وشواهد لما ذكره المؤلف: منها حديث عبد الله بن عباس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على راحلته، فإن شددته خشيت أن يموت! أفأحج عنه؟ قال:"أفرأيت لو كان عليه دين فقضيته أكان مجزئاً؟ " قال: نعم، قال:"فحج عن أبيك". "سنن النسائي 5/89، 8/202" وأخرج نحوه البيهقي في سننه الكبرى "4/329" والنسائي أيضاً "5/89" عن عبد الله بن الزبير. =

ص: 134

إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ وَعَلَيْهِ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، أَيَنْفَعُهُ1 إنْ حَجَجْت عَنْهُ؟ قَالَ:"أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ2، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ.

فَنَظِيرُهُ فِي الْمَسْئُولِ عَنْهُ كَذَلِكَ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الأَصْلِ الَّذِي هُوَ دَيْنُ الآدَمِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْفَرْعِ وَهُوَ الْحَجُّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَالْعِلَّةِ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ، فَقَدْ جَمَعَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم أَرْكَانَ الْقِيَاسِ كُلَّهَا.

"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَفْرِيقُهُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ حُكْمَيْنِ بِصِفَةٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا" أَيْ ذِكْرِ الْحُكْمَيْنِ3.

= ومنها حديث الفضل بن العباس أنّ رجلاً قال: يا رسول الله أمّي عجوز كبيرة، إن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها. فقال صلى الله عليه وسلم:" أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال:"فحج عن أمك". "سنن النسائي 5/91، 8/202".

ومنها حديث عبد الله بن عباس قال قال رجل: يا رسول الله، إنّ أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال:" أرأيت لو كان على أبيك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال:"فدين الله أحق". "سنن النسائي 5/89".

1 في ش: أفينفعه.

2 في ش: فقضيته.

3 أنظر "الإحكام للآمدي 3/374، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/212، المعتمد 2/778، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليل ص 46، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/210، شرح العضد 2/235، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/161، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/47، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/267، المستصفى 2/290، فواتح الرحموت 2/297".

ص: 135

"كَـ: "لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ1".

"أَوْ" مَعَ "ذِكْرِ أَحَدِهِمَا" أَيْ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ "كَ" حَدِيثِ "الْقَاتِلُ لا يَرِثُ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2.

"أَوْ" تَفْرِيقُهُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِشَرْطٍ وَجَزَاءٍ3، نَحْوَ" قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَوْصَافُ4، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا

1 أخرجه أبو داود "بذل المجهود 12/340" من حديث مجمع بن جارية الأنصاري وضعّفه، وهو يفيد أن للفارس سهمين، أحدهما لفرسه والثاني له، وهو مخالف لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن للفارس ثلاثة أسهم، إذ روى البخاري في صحيحه "5/79" عن نافع عن ابن عمر قال "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً". قال نافع: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، وإن لم يكن له فرس فله سهم، وأخرج مسلم في صحيحه "3/1383" والدارقطني "4/102" وأحمد في مسنده "2/2" عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين وللرجل سهماً. وقد بينت روايات البيهقي "6/325" والدارقطني "4/102" وأحمد "2/41" وأبي داود "بذل المجهود 12/333" وابن ماجة "2/952" ذلك المراد إذ جاء فيها عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان وللرجل سهم". وانظر "إرواء الغليل 5/60".

2 سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 8/259، وقد أخرجه أيضاً ابن ماجة "2/883" والبيهقي "6/220" والدارقطني "4/96" عن أبي هريرة مرفوعاً.

3 أنظر "المعتمد 2/778، الإحكام للآمدي 3/374، التلويح على التوضيح 2/564، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235، نشر البنود 2/162، نهاية السول 3/49، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/367، فواتح الرحموت 2/297".

4 كذا في جميع النسخ. وهو تصحيف، والصواب ما جاء في رواية مسلم والدارقطني والبيهقي: الأصناف.

ص: 136

بِيَدٍ1". "أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِغَايَةٍ2 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ3} ".

"أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِاسْتِثْنَاءٍ4 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {إلَاّ أَنْ يَعْفُونَ5} ".

"أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِاسْتِدْرَاكٍ6 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ 7} ".

1 أخرجه بهذا اللفظ مسلم والدارقطني والبيهقي عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. "صحيح مسلم 3/1211، سنن البيهقي 5/282، سنن الدارقطني 3/24".

2 انظر "نشر البنود 2/162، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267، فواتح الرحموت 2/297، المعتمد 2/779، الإحكام للآمدي 3/374، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليل ص 48، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235".

3 الآية 222 من البقرة.

4 انظر "الإحكام للآمدي 3/374، فواتح الرحموت 2/297، المعتمد 2/779، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليلص 48، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235، نشر البنود 2/163، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/267".

5 الآية 237 من البقرة.

6 انظر "المعتمد 2/779، المحصول 2/2/212، شرح العضد 2/236، الإحكام للآمدي 3/374، نشر البنود 2/163، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، نهاية السول 3/49، فواتح الرحموت 2/297، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267".

7 الآية 89 من المائدة.

ص: 137

وَوَجْهُ اسْتِفَادَةِ الْعِلَّةِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ التَّفْرِقَةَ لا بُدَّ لَهَا مِنْ فَائِدَةٍ، وَالأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِ الْمُدَّعَى، وَهُوَ إفَادَةُ كَوْنِ ذَلِكَ عِلَّةً.

"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَعْقِيبُ1 الْكَلامِ" أَيْ تَعْقِيبُ الشَّارِعِ2 الْكَلامَ3 الَّذِي أَنْشَأَهُ لِبَيَانِ حُكْمٍ "أَوْ تَضْمِينُهُ" لَهُ بِ "مَا لَوْ4 لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ" الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ "لَمْ يَنْتَظِمْ" الْكَلامُ، وَلَمْ5 يَكُنْ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ6.

فَالْمُتَعَقِّبُ لِلْكَلامِ "نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ "فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 7".

وَاَلَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلامُ نَحْوَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم

1 في ض: تعقب.

2 في ش: الكلام لشارع.

3 في د ز: للكلام.

4 ساقطة من ش.

5 في ع ب: ولو لم.

6 انظر "الإحكام للآمدي 3/375، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه 1/213، المعتمد 2/779، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 300، ارشاد الفحول ص 212، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/37، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267 وما بعدها، فواح الرحموت 2/296، المستصفى 2/289".

7 الآية 9 من الجمعة.

ص: 138

"لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1 بِلَفْظِ "لا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ، أَوْ لا يَقْضِي [الْقَاضِي2] بَيْنَ اثْنَيْنِ

" وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ3 بِلَفْظِ "لا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ".

فَالآيَةُ إنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ، لا لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ، فَلَوْ لَمْ يُعَلَّلْ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ بِكَوْنِهِ شَاغِلاً عَنْ السَّعْيِ لَكَانَ ذِكْرُهُ لاغِيًا، لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُرْتَبِطٍ بِأَحْكَامِ الْجُمُعَةِ.

وَلَوْ لَمْ يُعَلَّلْ النَّهْيُ عَنْ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْغَضَبِ بِكَوْنِهِ يَتَضَمَّنُ اضْطِرَابَ الْمِزَاجِ4 الْمُقْتَضِي تَشْوِيشَ الْفِكْرِ، الْمُفْضِيَ إلَى الْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ غَالِبًا: لَكَانَ5 ذِكْرُهُ لاغِيًا، إذْ الْبَيْعُ وَالْقَضَاءُ لا يُمْنَعَانِ مُطْلَقًا؛ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي غَيْرِ وَقْتِ النِّدَاءِ، وَالْقَضَاءِ مَعَ عَدَمِ الْغَضَبِ أَوْ مَعَ يَسِيرِهِ، فَلا بُدَّ إذًا مِنْ مَانِعٍ، وَلَيْسَ إلَاّ مَا فُهِمَ مِنْ

1 ترتيب مسند الشافعي 2/177.

2 زيادة من مسند الشافعي.

3 لفظ البخاري والبيهقي: لا يقضينّ حكمُ. ولفظ مسلم والنسائي: لا يحكم أحد. ولفظ الترمذي: لا يحكم الحاكم، ولفظ الدارقطني: لا يقضين القاضي، ولفظ أبي داود: لا يقضي الحكم، ولفظ ابن ماجة ورواية للبيهقي: لا يقضي القاضي. "انظر صحيح البخاري 8/109، صحيح مسلم 3/1343، سنن ابن ماجة 2/776، سنن الدارقطني 4/206، سنن النسائي 8/209، بذل المجهود 15/266، عارضة الأحوذي 6/77، سنن البيهقي 10/105".

4 في ع: المجاز.

5 في ش: كان.

ص: 139

سِيَاقِ النَّصِّ وَمَضْمُونِهِ، مِنْ شَغْلِ الْبَيْعِ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَتَفُوتُ وَاضْطِرَابِ الْفِكْرِ1 لأَجْلِ الْغَضَبِ فَيَقَعُ الْخَطَأُ، فَوَجَبَ إضَافَةُ النَّهْيِ إلَيْهِ.

"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ2"

"كَـ "أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ، وَأَهِنْ الْجُهَّالَ" فَإِنَّ الإِكْرَامَ مُنَاسِبٌ لِلْعِلْمِ، وَالإِهَانَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلْجَهْلِ؛ لأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلاءِ: تَرْتِيبُ الأَحْكَامِ عَلَى الأُمُورِ الْمُنَاسِبَةِ، وَالشَّرْعُ لا يَخْرُجُ عَنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلاءِ، وَلأَنَّهُ قَدْ أُلِفَ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَاتِ دُونَ إلْغَائِهَا. فَإِذَا قَرَنَ بِالْحُكْمِ فِي لَفْظِهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اعْتِبَارُهُ.

"فَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَصْفِ وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ، كَـ {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ3} صِحَّتَهُ4" 5أَيْ الْبَيْعِ وَهِيَ6 "مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ

1 في ع ز ض ب: الفكرة.

2 انظر "الإحكام للآمدي 3/375، التمهيد للأسنوي ص 455، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 300، مختصر الطوفي ص 158، شرح العضد 2/236، نهاية السول 3/46، مناهج العقول 3/45".

3 الآية 275 من البقرة.

4 في ع ز ب: أي صحته.

5 ساقطة من ع ب.

6 ساقطة من ش ز.

ص: 140

حِلِّهِ1"؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حِلِّهِ صِحَّتُهُ "فَ" هُوَ "مُومًى إلَيْهِ"؛ لأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْوَصْفِ إيمَاءٌ إلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ بِهِ.

"وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ" وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ مَذْكُورًا، وَالْوَصْفِ مُسْتَنْبَطًا، وَهَذَا جَارٍ فِي أَكْثَرِ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ "كَحُرِّمَتْ2 الْخَمْرُ" فَ "الْوَصْفُ" هُنَا - وَهُوَ3 الإِسْكَارُ - "مُسْتَنْبَطٌ مِنْ التَّحْرِيمِ"، وَهُوَ الْحُكْمُ، وَكَعِلَّةِ الرِّبَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِهِ.

"وَلا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ الْمُومَى إلَيْهِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ4، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ5.

وَقِيلَ: بَلَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ.

وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الاشْتِرَاطِ6: أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ لَمْ يُفْهَمْ التَّعْلِيلُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ مُنَاسِبٍ، ك " أَهِنْ الْعَالِمَ، وَأَكْرِمْ

1 في ش: حكمه.

2 في ع: كحرمة.

3 ساقطة من د.

4 انظر "الإحكام للآمدي 3/377، شرح تنقيح الفصول ص 390، مختصر البعلي ص 147، مختصر الطوفي ص 157، شفاء الغليل ص 47، تيسير التحرير 4/41، المحصول 2/2/200، شرح العضد 2/236، ارشاد الفحول ص 213، البرهان 2/810، نشر البنود 2/163، نهاية السول 3/45، مناهج العقول 3/43، الإبهاج 3/34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/270، فواتح الرحموت 2/298".

5 في ع: العرف، وفي ز: المعرفه.

6 في ش: بأنه.

ص: 141

الْجَاهِلَ "، وَلَمْ يُلَمْ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْلَكُ "الثَّالِثُ" مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ1 وَهِيَ2 الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ "السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ".

وَهُوَ: حَصْرُ الأَوْصَافِ" فِي الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "وَإِبْطَالُ مَا لا يَصْلُحُ" بِدَلِيلٍ "فَيَتَعَيَّنُ" أَنْ يَكُونَ "الْبَاقِي عِلَّةً"3.

وَالسَّبْرُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الاخْتِبَارُ4، فَالتَّسْمِيَةُ بِمَجْمُوعِ الاسْمَيْنِ وَاضِحَةٌ. وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى " السَّبْرِ " فَقَطْ.

وَالتَّقْسِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ تَعْدَادُ الأَوْصَافِ الَّتِي يُتَوَهَّمُ صَلاحِيَّتُهَا لِلتَّعْلِيلِ ثُمَّ يَسْبُرُهَا5، أَيْ يَخْتَبِرُهَا6 لِيُمَيِّزَ7

1 ساقطة من ش.

2 ساقطة من ش.

3 انظر كلام الأصوليين على السبر والتقسيم في "التلويح على التوضيح 2/579، البرهان 2/815، الإحكام للآمدي 3/380، مختصر البعلي ص 148، مختصر الطوفي ص 161، المنخول ص 350، شرح العضد 2/236، الوصول إلى مسائل الأصول 2/286، المحصول 2/2/299، شرح تنقيح الفصول ص 397، تيسير التحرير 4/46، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/270، المستصفى 2/295، فواتح الرحموت 2/299، نشر البنود 2/164، إرشاد الفحول ص 213، نهاية السول 3/71، مناهج العقول 3/70، الابهاج 3/54".

4 انظر المصباح المنير 1/312، معجم مقاييس اللغة 3/127، الصحاح 2/675.

5 في ش: تسبرها.

6 في ش: تختبرها.

7 في ش: لتميز.

ص: 142

الصَّالِحَ لِلتَّعْلِيلِ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ الأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: التَّقْسِيمُ وَالسَّبْرُ؛ لأَنَّ الْوَاوَ - وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى التَّرْتِيبِ - لَكِنَّ الْبُدَاءَةَ1 بِالْمُقَدَّمِ أَجْوَدُ.

وَأُجِيبُ عَنْهُ: بِأَنَّ السَّبْرَ - وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ التَّقْسِيمِ - فَهُوَ مُتَقَدِّمٌ2 عَلَيْهِ3 أَيْضًا؛ لأَنَّهُ أَوَّلاً يَسْبُرُ الْمَحَلَّ، هَلْ فِيهِ أَوْصَافٌ أَمْ لا؟ ثُمَّ يُقَسِّمُ، ثُمَّ يَسْبُرُ ثَانِيًا، فَقُدِّمَ " السَّبْرُ " فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ السَّبْرِ الأَوَّلِ.

وَأُجِيبُ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي مَعْرِفَةِ الْعِلِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ السَّبْرُ، وَأَمَّا التَّقْسِيمُ: فَإِنَّمَا هُوَ لاحْتِيَاجِ السَّبْرِ إلَى شَيْءٍ يُسْبَرُ.

وَرُبَّمَا سُمِّيَ بِ "التَّقْسِيمِ الْحَاصِرِ4"

"وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ" فِي بَيَانِ الْحَصْرِ إذَا مُنِعَ أَنْ يَقُولَ "بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ" أَيْ غَيْرَ هَذَا الْوَصْفِ "أَوْ" أَنْ يَقُولَ "الأَصْلُ عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ غَيْرِ هَذَا الْوَصْفِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لأَنَّهُ ثِقَةٌ5 أَهْلٌ لِلنَّظَرِ6؛ وَلأَنَّ الأَوْصَافَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ لَوْ كَانَتْ لَمَا خَفِيَتْ

1 في ش: البدء.

2 في ض: مقدم.

3 في ز: على.

4 في ش: الخاص.

5 في ش: ثقة من.

6 في ش: النظر.

ص: 143

عَلَى الْبَاحِثِ عَنْهَا1.

مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَوِيَّةِ: بَحَثْت عَنْ أَوْصَافِ الْبُرِّ، فَمَا وَجَدْت مَا يَصْلُحُ عِلَّةً2 لِلرِّبَوِيَّةِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، إلَاّ الطُّعْمَ أَوْ3 الْقُوتَ أَوْ الْكَيْلَ، لَكِنَّ الطُّعْمَ وَالْقُوتَ لا يَصْلُحُ لِذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، فَيَتَعَيَّنُ الْكَيْلُ4.

أَوْ يَقُولَ: الأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا. فَإِنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الظَّنُّ الْمَقْصُودُ5.

"فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ" غَيْرَ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ "لَزِمَ" الْمُسْتَدِلَّ "إبْطَالُهُ" إذْ لا يَثْبُتُ الْحَصْرُ الَّذِي قَدْ ادَّعَاهُ بِدُونِهِ6.

"وَلا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ" بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى الأَوْصَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ "بَيَانُ صَلاحِيَّتِهِ" أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ "لِلتَّعْلِيلِ"

1 انظر: المسودة ص 426، مختصر البعلي ص 148، روضة الناظر ص 307، شرح العضد 2/236، تيسير التحرير 4/46، المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/271، المستصفى 2/296، نشر البنود 2/166، ارشاد الفحول ص 214، مناهج العقول 3/71.

2 ساقطة من ش ع ز ب.

3 في ض: و.

4 شرح العضد 2/236.

5 شرح العضد 2/236.

6 أنظر: تيسير التحرير 4/46، فواتح الرحموت 2/299، شرح العضد 2/236، نشر البنود 2/168.

ص: 144

وَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ إبْطَالُ صَلاحِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيلِ؛ لأَنَّ دَلِيلَهُ لا يَتِمُّ إلَاّ بِذَلِكَ1.

"وَلا يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ إلَاّ بِعَجْزِهِ عَنْ إبْطَالِهِ" أَيْ إبْطَالِ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْوَصْفِ، لا بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ الْوَصْفَ، وَإِلَاّ كَانَ كُلُّ مَنْعٍ قَطْعًا، وَالاتِّفَاقُ عَلَى خِلافِهِ2.

فَإِذَا3 أَبْطَلَ الْمُسْتَدِلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْوَصْفِ بَطَلَ.

قَالَهُ4 الْعَضُدُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ إذَا أَبْطَلَهُ فَقَدْ سَلِمَ حَصْرُهُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مِمَّا عَلِمْت أَنَّهُ لا يَصْلُحُ، فَلَمْ أُدْخِلْهُ فِي حَصْرِي.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْحَصْرَ قَطْعًا. بَلْ قَالَ: إنِّي مَا5 وَجَدْت، أَوْ6 أَظُنُّ الْعَدَمَ، وَهُوَ فِيهِ صَادِقٌ، فَيَكُونُ كَالْمُجْتَهِدِ7 إذَا ظَهَرَ لَهُ مَا كَانَ خَافِيًا [عَلَيْهِ] 8، وَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ9 اهـ.

1 أنظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271.

2 أنظر: شرح العضد 2/237، تيسير التحرير 4/46، نشر البنود 2/168، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271، فواتح الرحموت 2/299.

3 في ض: فإذ.

4 في ش: قاله.

5 ساقطة من ع.

6 في ش: بل.

7 في ش: المجتهد.

8 زيادة من شرح العضد.

9 شرح العضد 2/237.

ص: 145

"وَالْمُجْتَهِدُ يَعْمَلُ بِظَنِّهِ" يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِظَنِّهِ، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيَكُونُ1 مُؤَاخَذًا بِمَا اقْتَضَاهُ ظَنُّهُ فَيَلْزَمُهُ الأَخْذُ بِهِ، وَلا يُكَابِرُ نَفْسَهُ.

"وَمَتَى كَانَ الْحَصْرُ"2 أَيْ حَصْرُ الأَوْصَافِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَدِلِّ "وَالإِبْطَالُ" مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَرِضِ "قَطْعِيًّا فَالتَّعْلِيلُ" بِذَلِكَ "قَطْعِيٌّ" بِلا خِلافٍ، وَلَكِنَّ هَذَا قَلِيلٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ.

"وَإِلَاّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَصْرُ وَالإِبْطَالُ قَطْعِيًّا، بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا، أَوْ كِلاهُمَا وَهُوَ الأَغْلَبُ "فَ" التَّعْلِيلُ "ظَنِّيٌّ" أَيْ لا يُفِيدُ إلَاّ الظَّنَّ، وَيُعْمَلُ بِهِ فِيمَا لا يُتَعَبَّدُ فِيهِ بِالْقَطْعِ مِنْ الْعَقَائِدِ وَنَحْوِهَا3.

"وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ" يَعْنِي أَنَّ مِنْ طُرُقِ4 إبْطَالِ الْمُسْتَدِلِّ لِمَا5 يَدَّعِيهِ الْمُعْتَرِضُ مِنْ دَعْوَى وَصْفٍ يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ: بِحَذْفِهِ عَنْهُ "الإِلْغَاءُ"6.

1 في ض: فيكون.

2 في ض: للأوصاف.

3 أنظر: فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/166، إرشاد الفحول ص 213، نهاية السول 3/71، الإبهاج 3/54.

4 في ز ض: طرق الحذف.

5 في ش: بما.

6 في ش: وإلغاء.

ص: 146

"وَهُوَ" أَيْ الإِلْغَاءُ "إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِ" الْوَصْفِ "الْبَاقِي فَقَطْ فِي صُورَةٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ دُونَهُ، فَيَظْهَرُ اسْتِقْلالُهُ" وَحْدَهُ. وَيُعْلَمُ أَنَّ الْمَحْذُوفَ لا أَثَرَ لَهُ1.

وَقَالَ الآمِدِيُّ: لا يَكْفِي ذَلِكَ فِي اسْتِقْلالِهِ بِدُونِ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ، وَإِلَاّ لَكَفَى فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي صُورَةِ الإِلْغَاءِ بِالسَّبْرِ فَالأَصْلُ الأَوَّلُ تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ. وَإِنْ بَيَّنَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ، لَزِمَ2 مَحْذُورٌ آخَرُ، وَهُوَ الانْتِقَالُ3.

1 أنظر: شرح العضد 2/237، فواتح الرحموت 2/299، نشر البنود 2/169.

2 في ع: لزمه.

3 الإحكام في أصول الأحكام 3/385 باختصار وتصرف. وتمام عبارة الآمدي فيه: "لكن لقائل أن يقول: دعوى استقلال الوصف المستبقى في صورة الإلغاء بالتعليل من مجرد إثبات الحكم مع وجوده وانتفاء الوصف المحذوف غير صحيحه. فإنه لو كان مجرد ثبوت الحكم مع الوصف في صورة الإلغاء كافياً في التعليل بدون ضميمة ما يدل على استقلاله بطريق من طرق إثبات العلة لكان ذلك كافياً في أصل القياس، ولم يكن إلى البحث والسبر حاجة، وكذا غيره من الطرق. فإذاً لا بد من بيان الاستقلال ببعض طرق إثبات العلة. وعند ذلك إن شرع المستدل في بيان الاستقلال بالاستدلال ببعض طرق إثبات العلة.، فإن بيّن الاستقلال في صورة الإلغاء بالاعتبار، وأمكن أن تكون أصلاً لعلته، وتبينا أنّ الأصل الأول لا حاجة إليه، فإن المصير إلى أصل لا يمكن التمسك به في الاعتبار إلاّ بذكر صورة أخرى مستقلة بالاعتبار يكون تطويلاً بلا فائدة. وإن بين الاستقلال بطريق آخر فيلزمه مع هذا المحذور محذور آخر، وهو الانتقال في إثبات كون الوصف علة من طريقٍ إلى طريق آخر، وهو شنيع في مقام النظر". اهـ.

ص: 147

"وَنَفْيُ الْعَكْسِ كَالإِلْغَاءِ لا عَيْنِهِ" يَعْنِي: أَنَّ نَفْيَ الْعَكْسِ يُشْبِهُ الإِلْغَاءَ. وَلَيْسَ بِإِلْغَاءٍ1؛ لأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي الإِلْغَاءِ لَوْ2 كَانَ الْمَخْذُوفُ عِلَّةً لانْتَفَى عِنْدَ انْتِفَائِهِ، بَلْ قَصَدَ: لَوْ3 أَنَّ الْبَاقِيَ جُزْءُ عِلَّةٍ لَمَا اسْتَقَلَّ4.

"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ "طَرْدُ الْمَحْذُوفِ مُطْلَقًا" أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ "كَطُولٍ وَقِصَرٍ" فَإِنَّهُمَا لَمْ يُعْتَبَرَا فِي الْقِصَاصِ، وَلا الْكَفَّارَةِ، وَلا الإِرْثِ، وَلا الْعِتْقِ، وَلا التَّقْدِيمِ فِي الصَّلاةِ وَلا غَيْرِهَا، فَلا يُعَلَّلُ بِهِمَا حُكْمٌ أَصْلاً.

"أَوْ" لَيْسَ مُطْلَقًا، وَلَكِنْ "بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ" وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي غَيْرِهِ "كَالذُّكُورِيَّةِ فِي" أَحْكَامِ "الْعِتْقِ" إذْ هِيَ مُلْغَاةٌ فِيهِ، مَعَ كَوْنِهَا5 مُعْتَبَرَةً فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَوِلايَةِ النِّكَاحِ وَالإِرْثِ، فَلا يُعَلَّلُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ6.

"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ "عَدَمُ ظُهُورِ مُنَاسَبَةٍ" بِأَنْ لا

1 في ش ز: بالإلغاء.

2 في ع ض ب: ولو.

3 في ع ز ض ب: ولو.

4 أنظر شرح العضد 2/237، فواتح الرحموت 2/299.

5 في ض: بكونها.

6 أنظر: شرح العضد 2/238، تيسير التحرير 4/47، فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/168، حاشية البناني 2/272.

ص: 148

يَظْهَرَ لِلْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ وَجْهُ مُنَاسَبَةٍ1

"وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ" أَنْ يَقُولَ "بَحَثْت" فَلَمْ أَجِدْ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ مُنَاسَبَةً.

"فَلَوْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ: الْبَاقِي كَذَلِكَ" يَعْنِي أَنَّ الْوَصْفَ الْبَاقِيَ أَيْضًا2 لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ مُنَاسَبَةٌ. "فَإِنْ كَانَ" قَوْلُهُ3 ذَلِكَ "بَعْدَ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَتِهِ" أَيْ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ4 "لَمْ يُقْبَلْ" مِنْهُ ذَلِكَ.

"وَقَبْلَهُ" أَيْ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ قَبْلَ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَ "سَبْرُ الْمُسْتَدِلِّ أَرْجَحُ" مِنْ سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ؛ لأَنَّ سَبْرَ الْمُسْتَدِلِّ مُوَافِقٌ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ، وَسَبْرُ الْمُعْتَرِضِ، 5وَهُوَ قَوْلُهُ: إنِّي بَحَثْت فِي الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُنَاسَبَةً قَاصِرٌ6. وَالْعِلَّةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَرْجَحُ مِنْ الْقَاصِرَةِ.

"وَلَيْسَ لَهُ" أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ "بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ" بَيْنَ الْوَصْفِ الْبَاقِي وَالْحُكْمِ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ انْتِقَالٌ مِنْ السَّبْرِ إلَى الْمُنَاسَبَةِ7.

1 أنظر: نشر البنود 2/169، فواتح الرحموت 2/300، حاشية البناني 2/272، شرح العضد 2/238.

2 ساقطة من ز.

3 في ش: قولك.

4 في ش: المستدل وهو قوله إني بحثت في الوصف المستبقى فلم أجد فيه مناسبة.

5 ساقطة من ش.

6 ساقطة من ع. وفي ض: قاصرة.

7 أنظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/272.

ص: 149

"وَالسَّبْرُ الظَّنِّيُّ حُجَّةٌ مُطْلَقًا1 2أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ مُنَاظَرٍ2.

"وَلَوْ أَفْسَدَ حَنْبَلِيٌّ عِلَّةَ شَافِعِيٍّ" فِي الرِّبَا أَوْ غَيْرِهِ "لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِهِ" أَيْ عِلَّةِ الْحَنْبَلِيِّ، كَتَعْلِيلِ3 بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِغَيْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ.

وَلَيْسَ إجْمَاعُهُمَا دَلِيلاً عَلَى مَنْ خَالَفَهُمَا4 "لَكِنَّهُ" أَيْ لَكِنَّ إفْسَادَ عِلَّةِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي هُوَ الْخَصْمُ "طَرِيقٌ لإِبْطَالِ مَذْهَبِ خَصْمِهِ، وَإِلْزَامٌ5 لَهُ" أَيْ لِلشَّافِعِيِّ "صِحَّةَ عِلَّتِهِ" أَيْ عِلَّةَ6 الْحَنْبَلِيِّ.

"وَلِكُلِّ حُكْمٍ عِلَّةٌ تَفَضُّلاً" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَوُجُوبًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالسَّبْرِ وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ

1 أنظر كلام الأصوليين وخلافهم في حجية السبر والتقسيم الطني في "ارشاد الفحول ص 214، التلويح على التوضيح 2/579، مختصر البعلي ص 148، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/286، شرح تنقيح الفصول ص 398، تيسير التحرير 4/48، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271، المستصفى 2/295، فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/167 وما بعدها".

2 ساقطة من ش. وفي ع ض: أي سواء كان. وفي ز: أي سواء كان من المستدل أو المعترض.

3 كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: لتعليل.

4 أنظر روضة الناظر ص 307 وما بعدها.

5 في ع: والزمه.

6 ساقطة من ش.

ص: 150

وَغَيْرِهِمَا كَوْنُ1 الْحُكْمِ لا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ2 لِقَوْلِهِ3 تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 4 وَالظَّاهِرُ مِنْهُ: تَعْمِيمُ الرَّحْمَةِ فِي جَمِيعِ5 مَا جَاءَ بِهِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ تَخْلُ الأَحْكَامُ عَنْ فَائِدَةٍ، وَهِيَ الْعِلَّةُ6.

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: كُلُّهَا مُعَلَّلَةٌ وَتَخْفَى7 نَادِرًا8.

1 في ش: لكون.

2 قال ابن السبكي: "إنا استقرينا أحكام الشرع فوجدناها على وفق مصالح العباد، وذلك من فضل الله تعالى وإحسانه، لا بطريق الوجوب عليه، خلافاً للمعتزلة. فحيث ثبت حكم، وهناك وصف صالح لعليّة ذلك الحكم، ولم يوجد غيره، يحصل ظن أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم، والعمل بالظن واجب.

وقد ادّعى بعضهم الإجماع على أن الأحكام مشروعة لمصالح العباد. قال: وذلك إما بطريق الوجوب عند المعتزلة أو الإحسان عند الفقهاء من أهل السنة. وهذه الدعوى باطلة، لأن المتكلمين لم يقولوا بتعليل الأحكام بالمصالح، لا بطريق الوجوب ولا الجواز، وهو اللائق بأصولهم. وكيف ينعقد الإجماع مع مخالفة جماهير المتكلمين، والمسألة من مسائل علمهم، وقد قالوا: لا يجوز أن تعلل أفعال الله تعالى، لأنّ من فعل فعلاً لغرضٍ، كان حصوله بالنسبة إليه أولى، سواء كان ذلك الغرض يعود إليه أم إلى الغير، وإذا كان كذلك يكون ناقصاً في نفسه، مستكملاً في غيره، ويتعالى الله سبحانه عن ذلك. "الإبهاج 3/43".

3 في ع ب: كقوله.

4 الآية 107 من الأنبياء.

5 في ش ض: كل.

6 قال العضد "2/238": "وظاهر الآية التعميم، أي يفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلها، إذ لو أرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالاً لغير الرحمة، لأنّه تكليف بلا فائدة، مخالف ظاهر العموم".

7 في ش: وتختفي.

8 أي تخفى علينا العلة في النادر منها "المسودة ص 398".

ص: 151

قَالَ الْقَاضِي: التَّعْلِيلُ الأَصْلُ، وَ1تُرِكَ2 نَادِرًا؛ لأَنَّ تَعَقُّلَ الْعِلَّةِ أَقْرَبُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ التَّعَبُّدِ؛ وَلأَنَّهُ3 الْمَأْلُوفُ عُرْفًا. وَالأَصْلُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لَهُ، فَيُحْمَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ4.

"وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِيهَا" أَيْ فِي عِلَلِ الأَحْكَامِ "إجْمَاعًا"5.

وَقِيلَ: الأَصْلُ عَدَمُ التَّعْلِيلِ؛ لأَنَّ الْمُوجِبَ الصِّيغَةُ، وَبِالتَّعْلِيلِ يَنْتَقِلُ حُكْمُهُ إلَى مَعْنَاهُ، فَهُوَ كَالْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ.

" الرَّابِعُ " مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "الْمُنَاسَبَةُ، وَ" يُقَالُ "الإِخَالَةُ"6.

"وَاسْتِخْرَاجُهَا" أَيْ اسْتِخْرَاجُ الْعِلَّةِ بِذَلِكَ "يُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ" لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ مَا نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ، أَيْ عُلِّقَ عَلَيْهِ.

"وَهُوَ" أَيْ تَخْرِيجُ7 الْمَنَاطِ "تَعْيِينُ8 عِلَّةِ الأَصْلِ بِإِبْدَاءِ

1 ساقطة من ب ع ز.

2 في د ض: تركه.

3 في ز: ولأن.

4 انظر المسودة ص 398.

5 انظر شرح العضد 2/238، تيسير التحرير 4/49، الإبهاج 3/43.

6 من خالَ بمعنى ظنّ، وقد سميت مناسبة الوصف بالإخالة، لأنه بالنظر إلى ذاتها يُخال، أي يُظَنُّ عليّة الوصف للحكم. "نشر البنود 2/170".

7 في ع: تعيين تخريج.

8 في ع ض: تعليل.

ص: 152

الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِ الْوَصْفِ"1 يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الأَصْلُ مُشْتَمِلاً عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ، فَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِوُجُودِ تِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ: أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ كَالإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْقِصَاصِ.

"وَالْمُنَاسَبَةُ" هُنَا "لُغَوِيَّةٌ" بِخِلافِ الْمُعَرَّفِ2، وَهُوَ الْمُنَاسَبَةُ، فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ، حَتَّى لا يَكُونَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ.

"وَالْمُنَاسِبُ: مَا تَقَعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ"3.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَمَعْنَى الْمُنَاسِبِ أَنْ يَكُونَ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ عَقِبَهُ4 مَصْلَحَةٌ5.

1 انظر تعريفات الأصوليين لتخريج المناط في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/273، روضة الناظر ص 278، نشر البنود 2/170، تيسير التحرير 4/43، الابهاج 3/58، مختصر الطوفي ص 146، مناهج العقول 3/50، شرح العضد 2/239".

2 في ع ز: العرف.

3 انظر تعريف المناسب في "المحصول 2/2/218، نهاية السول 3/52، مناهج العقول 2/50، مختصر البعلي ص 148، الإبهاج 3/38، مفتاح الوصول ص 149، الإحكام للآمدي 3/388، شرح العضد 2/239، إرشاد الفحول ص 214، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/173، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/274، التلويح على التوضيح 2/553، 565، فواتح الرحموت 2/301، كشف الأسرار 3/352".

4 في الروضة: عقبيه.

5 روضة النظر ص 302.

ص: 153

"وَزِيدَ لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ".

قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الْمُنَاسِبُ: هُوَ مَا تُتَوَقَّعُ1 الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ2 لِرَابِطٍ مَا3 عَقْلِيٍّ4.

وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: اُخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْمُنَاسِبِ، وَاسْتِقْصَاءُ الْقَوْلِ فِيهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ؛ لأَنَّ عَلَيْهِ مَدَارَ5 الشَّرِيعَةِ، بَلْ مَدَارَ الْوُجُودِ، إذْ لا وُجُودَ إلَاّ وَهُوَ6 عَلَى وَفْقِ الْمُنَاسَبَةِ الْعَقْلِيَّةِ، لَكِنَّ أَنْوَاعَ الْمُنَاسَبَةِ تَتَفَاوَتُ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَالْخَفَاءِ7، وَالظُّهُورِ، فَمَا خَفِيَتْ عَنَّا مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ تَعَبُّدًا، وَمَا ظَهَرَتْ مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ مُعَلَّلاً.

فَقَوْلُنَا: الْمُنَاسِبُ8 مَا تُتَوَقَّعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ، أَيْ إذَا وُجِدَ أَوْ إذَا سُمِعَ: أَدْرَكَ الْعَقْلُ السَّلِيمُ كَوْنَ ذَلِكَ الْوَصْفِ سَبَبًا مُفْضِيًا إلَى مَصْلَحَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لِرَابِطٍ9 مَا مِنْ الرَّوَابِطِ الْعَقْلِيَّةِ10 بَيْنَ تِلْكَ

1 في ش ز ع ب: يتوقع.

2 في مختصر الطوفي: عقبيه.

3 ساقطة من ش.

4 مختصر الطوفي ص 159.

5 ساقطة من ض.

6 في ع: فهو. وفي ز: هو.

7 ساقطة من ض.

8 في ز: المناسبة.

9 ساقطة من ش ز.

10 ساقطة من ض.

ص: 154

الْمَصْلَحَةِ وَذَلِكَ الْوَصْفِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِي " لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ ".

مِثَالُهُ: إذَا قِيلَ: الْمُسْكِرُ حَرَامٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ أَنَّ تَحْرِيمَ السُّكْرِ1 مُفْضٍ إلَى مَصْلَحَةٍ2، وَهِيَ حِفْظُ الْعَقْلِ مِنْ الاضْطِرَابِ. وَإِذَا قِيلَ: الْقِصَاصُ مَشْرُوعٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ 3أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْقِصَاصِ سَبَبٌ4 مُفْضٍ5 إلَى مَصْلَحَةٍ، وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ.

ثُمَّ قَالَ قُلْت: لِرَابِطٍ6 عَقْلِيٍّ، أَخْذًا مِنْ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ الْقَرَابَةُ، فَإِنَّ الْمُنَاسِبَ هُنَا7 مُسْتَعَارٌ وَمُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، وَلا شَكَّ أَنَّ الْمُتَنَاسِبَيْنِ فِي بَابِ النَّسَبِ، كَالأَخَوَيْنِ وَابْنَيْ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ، إنَّمَا8 كَانَا مُتَنَاسِبَيْنِ9 لِمَعْنًى رَابِطٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْقَرَابَةُ. فَكَذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ هُنَا لا بُدَّ أَنْ10 يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ

1 في ش: المسكر.

2 في ض ب: المصلحة.

3 ساقطة من ض.

4 في ض: سبباً.

5 في ض: مفضياً.

6 في ش: الرابط.

7 ساقطة من ش. وفي ض: هو.

8 في ش: وانما.

9 في ش: مناسبين.

10 في ش ز ب: وأن.

ص: 155

الْمَصْلَحَةِ رَابِطٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ صَالِحًا لِلإِفْضَاءِ إلَى تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ اهـ.

"وَيَتَحَقَّقُ الاسْتِقْلالُ" عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي أَبْدَاهُ هُوَ الْعِلَّةُ "بِعَدَمِ مَا سِوَاهُ بِ" طَرِيقِ "السَّبْرِ" وَلا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، وَإِلَاّ يَلْزَمْ الاكْتِفَاءُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَلا قَائِلَ بِهِ، بِخِلافِ مَا سَبَقَ فِي طَرِيقِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ؛ لأَنَّ الْمَدَارَ1 هُنَاكَ عَلَى الْحَصْرِ، فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. وَهُنَا عَلَى أَنَّهُ ظَفِرَ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ، فَافْتَرَقَا2.

"وَ" الْمَعْنَى "الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ"3:

"قَدْ يُعْلَمُ حُصُولُهُ" يَقِينًا "كَبَيْعٍ" فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا حَصَلَ مِنْهُ الْمِلْكُ4 الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ.

"أَوْ" قَدْ "يُظَنُّ، كَقِصَاصٍ" فَإِنَّ حُصُولَ الانْزِجَارِ5 عَنْ الْقَتْلِ لَيْسَ قَطْعِيًّا، بِدَلِيلِ وُجُودِ الإِقْدَامِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ

1 في ض: الدار.

2 انظر نشر البنود 2/172، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/274.

3 انظر مراتب إفضاء الحكم إلى المقصود من شرع الحكم واختلافها في "الإحكام للآمدي 3/391، شرح العضد 2/240، ارشاد الفحول ص 215، نشر البنود 2/174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/276".

4 في ش: البيع الملك.

5 في ش: الارجاء.

ص: 156

الْقِصَاصَ مَشْرُوعٌ.

"أَوْ" قَدْ "يُشَكُّ فِيهِ" بِأَنْ يَتَسَاوَى حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَعَدَمُ حُصُولِهِ، فَلا يُوجَدُ يَقِينٌ وَلا ظَنٌّ، بَلْ يَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ.

قَالَ صَاحِبُ1 الْبَدِيعِ: وَلا مِثَالَ لَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ2.

وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ3 مِنْ حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ لِحِفْظِ الْعَقْلِ؛ فَإِنَّ الْمُقْدِمِينَ4 كَثِيرٌ، وَالْمُجْتَنَبِينَ كَثِيرٌ، فَتَسَاوَى الْمَقْصُودُ وَعَدَمُهُ فِيهِ. وَلِهَذَا مَثَّلَهُ فِي الأَصْلِ بِقَوْلِهِ "كَحَدِّ خَمْرٍ".

1 هو أحمد بن علي بن تغلب بن أبي الضياء البعلبكي البغدادي، مظفر الدين، أبو العباس، المعروف بابن الساعاتي لكون أبيه عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية، من كبار فقهاء الحنفية، وأحد مدرسي المستنصرية ببغداد. قال ابن الفوطي:"كان عالماً بالفقه والأصول، عارفاً بالمنقول والمعقول". من مؤلفاته "بديع النظام الجامع بين كتابي البزدوي والإحكام" وهو كتاب مشترك بين أصول الحنفية وأصول المتكلمين، و"مجمع البحرين ولتقى النهرين" في الفروع و"شرحه" و "نهاية الوصول إلى علم الأصول" وغيرها. توفي سنة 694هـ "انظر ترجمته في الفوائد البهية للكنوي ص 26، الجواهر المضية 1/80، كشف الظنون 1/235، هدية العارفين 1/100، الفتح المبين 2/94، تاريخ علماء المستنصرية 1/91، الطبقات السنية 1/462".

2 وقال الآمدي عنه: "فقلما يتفق له في الشرع مثال على التحقيق، بل على طريق التقريب، وذلك كشرع الحدّ على شرب الخمر لحفظ العقل، فإنّ إفضاءه إلى ذلك متردد، حيث انّا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه، لا على وجه الترجيح والغلبة لأحد الفريقين على الآخر في العادة". "الإحكام 3/391".

3 مخصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/240.

4 في ض: المتقدمين.

ص: 157

"أَوْ" قَدْ "يُتَوَهَّمُ" حُصُولُهُ، بِأَنْ يَكُونَ عَدَمُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ أَرْجَحَ مِنْ حُصُولِهِ "كَنِكَاحِ آيِسَةٍ" مِنْ الْحَيْضِ "لِلتَّوَالُدِ"؛ لأَنَّهُ مَعَ إمْكَانِهِ عَقْلاً بَعِيدٌ عَادَةً.

وَقِيلَ: لا يُعَلَّلُ بِمَا قَدْ يُشَكُّ فِيهِ أَوْ يُتَوَهَّمُ.

وَالأَظْهَرُ: بَلَى، اتِّفَاقًا1 إنْ ظَهَرَ الْمَقْصُودُ2. فِي غَالِبِ صُوَرِ الْجِنْسِ، وَإِلَاّ فَلا. لاحْتِمَالِ3 التَّرَتُّبِ وَعَدَمِهِ سَوَاءً، أَوْ عَدَمُهُ أَرْجَحُ.

وَفِي الْفُنُونِ وَغَيْرِهِ: السَّفَرُ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ، وَيَخْتَلِفُ قَدْرُهَا. وَلِذَا4 تَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْجَمِيعِ5، كَالْمَرْضَى6 بِالسَّلامَةِ.

"وَلَوْ فَاتَ" الْمَقْصُودُ "يَقِينًا، كَلُحُوقِ نَسَبِ مَشْرِقِيٍّ بِمَغْرِبِيَّةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ7.

1 انظر الإحكام للآمدي 3/392.

2 ساقطة من ش.

3 في ع: لاحتماله.

4 في ش: وكذا.

5 في ش: بالجميع لقدوم الجميع.

6 في ش: كالرضى.

7 قال الآمدي: "لأنّ المقصود من شرع الأحكام الحِكَم، فشرع الأحكام مع انتفاء الحكمة يقيناً لا يكون مفيداً، فلا يرد به الشرع، خلافاً لأصحاب أبي حنيفة""الإحكام في أصول الأحكام 3/393" وانظر: شرح العضد 2/240، ارشاد الفحول ص 215، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/278.

ص: 158

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، فَيَلْحَقُ عِنْدَهُمْ النَّسَبُ لَوْ تَزَوَّجَ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ مَشْرِقِيٌّ بِمَغْرِبِيَّةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، مَعَ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لاقْتِضَاءِ الزَّوَاجِ ذَلِكَ فِي الأَغْلَبِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ1.

"وَالْمُنَاسِبُ" ثَلاثَةُ أَضْرُبٍ:

الضَّرْبُ الأَوَّلُ "دُنْيَوِيٌّ" وَيَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:

الأَوَّلُ2: "ضَرُورِيٌّ أَصْلاً، وَهُوَ أَعْلَى رُتَبِ الْمُنَاسَبَاتِ" وَهُوَ مَا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ3.

وَيَتَنَوَّعُ إلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ4 الَّتِي رُوعِيَتْ5 فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ "حِفْظُ الدِّينِ، فَ" حِفْظُ "النَّفْسِ، فَـ6" حِفْظُ

1 أقول: إن مذهب الحنفية إلحاق سنب الولد بوالده في حالة تزوج مشرقي بمغربية اكتفاء بقيام الفراش دون تحقق الدخول مبني عندهم على اجتماع أصلين في المسألة "أحدهما" أن الولد لصاحب الفراش للنص. "والثاني" إمكان لقائهما واحتماله بناءً على جواز وقوع خوارق العادات على سبيل الكرامات ونحوها، لا مع القطع بانتفاء اجتماع الزوجين كما عزا المصنف للحنفية! "انظر رد المحتار 2/630، البناية على الهداية 4/818".

2 في ش ز: القسم الأول.

3 أي أنّه لا بد منه في قيام مصالح الدين والدني، بحيث اذا فقد لم تجز مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. قاله الشاطبي "انظر الموافقات 2/8".

4 في ش ز: وهي الخمسة.

5 في ب: وعيت.

6 في ش: و.

ص: 159

"الْعَقْلِ1، فَـ" حِفْظُ "النَّسْلِ2، فَـ" حِفْظُ "الْمَالِ، وَ3" حِفْظُ "الْعِرْضِ"4.

فَأَمَّا حِفْظُ الدِّينِ: فَبِقِتَالِ الْكُفَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} 5 الآيَةَ " وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ" وَقَالَ صلى الله عليه وسلم "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".

1 في ع: النسل.

2 في ع: العقل.

* وهذا المقصد الضروري الرابع اختلف الأصوليون في تسميته، فسماه الغزالي في المستصفى والآمدي في الإحكام والشاطبي في الموافقات وابن الحاجب في المنتهى ومختصره والشوكاني في إرشاد الفحول: حفظ النسل. وتبعهم المصنف في تلك التسمية.. بينما سماه ابن السبكي في جمع الجوامع وابن قدامة في الروضة والطوفي في مختصره والرازي في المحصول والقرافي في تنقيح الفصول وصاحب نشر البنود والبيضاوي في المنهاج وكذا شراحه الأسنوي والبدخشي وابن السبكي: حفظ النسب.

3 في ش ب: ف.

4 انظر كلام الأصوليين على الضروريات الخمس ومكملاتها في " المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/280، ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/240، الموافقات 2/8، روضة الناظر ص 170، مختصر الطوفي ص 144، المستصفى 1/287، مناهج العقول 3/51، الإبهاج 3/38، شفاء الغليل ص 160 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/394، المحصول 2/2/220، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/177 وما بعدها، نهاية السول 3/53، مختصر البعلي ص 163".

5 الآية 29 من التوبة

ص: 160

وَأَمَّا حِفْظُ النَّفْسِ: فَبِمَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 1 وَقَالَ صلى الله عليه وسلم "يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ"2.

وَأَمَّا حِفْظُ الْعَقْلِ: فَبِتَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَنَحْوِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} 3 وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"4.

وَأَمَّا حِفْظُ النَّسْلِ: فَبِوُجُوبِ حَدِّ الزَّانِي5. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

1 الآية 179 من البقرة.

2 أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 3/169، صحيح مسلم 3/1302، سنن النسائي 8/24، سنن ابن ماجة 2/884، مسند أحمد 3/128، 167".

3 الآية 91 من المائدة.

4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك في الموطأ في مسنده عن عائشة رضي الله عنها، وفي الباب عن ابن مسعود ومعاوية وأبي موسى الأشعري وابن عمر وجابر وأبي هريرة وابن عباس وعمر رضي الله عنهم. "انظر صحيح البخاري 6/242، صحيح مسلم 3/1585 وما بعدها، بذل المجهود 16/14 وما بعدها، عارضة الأحوذي 8/57 وما بعدها، سنن النسائي 8/263 وما بعدها، سنن ابن ماجة 2/1123 وما بعدها، الموطأ 2/845، مسند أحمد 1/274، 289، 2/16، 29، 31، 91، 3/66، 112، 4/410، 417، 5/356".

5 في ش ع: الزنا.

ص: 161

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 1 وَقَدْ جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمَ.

وَأَمَّا حِفْظُ الْمَالِ: فَبِقَطْعِ السَّارِقِ وَتَضْمِينِهِ وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} 2 وَقَالَ صلى الله عليه وسلم "3إنَّ أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" 4 وَقَالَ تَعَالَى: 5 {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} .

6وَأَمَّا حِفْظُ الْعِرْضِ7: فَبِحَدِّ الْقَذْفِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ

1 الآية 2 من النور.

2 الآية 38 من المائدة.

3 ساقطة من ز.

4 أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة وأحمد في مسنده بلفظ "إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام" وقد رواه من الصحابة أبو بكر وأبو سعيد الخدري وابن مسعود وجابر بن عبد الله والحارث بن عمرو وأبو الغادية وغيرهم. "انظر صحيح البخاري 1/35، 2/191، صحيح مسلم 2/889، سنن ابن ماجة 2/1297، 1016، 1025، مسند أحمد 2/313، 371، 485، 4/76، 306، 5/30، 49، 68، 411، 412".

5 الآية 188 من البقرة.

6 ساقطة من ز.

7 ذكر في نشر البنود "2/178" أن العِرْضَ –بكسر العين- النفس، وجانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحَسَبه أن ينتقص ويثلب، وسواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره مما هو موضع المدح والذّم أو ما يفتخر به من حسب وشرف، وقد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة إلى غير ذلك.

ص: 162

حَرَامٌ" 1

وَجَعَلَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ2 وَمَنْظُومَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي رُتْبَةِ الْمَالِ، لِعَطْفِهِ3 بِالْوَاوِ. وَتَابَعْنَاهُ، فَيَكُونُ مِنْ أَدْنَى الْكُلِّيَّاتِ4.

"وَ" يَلْحَقُ بِالضَّرُورِيِّ مَا هُوَ "مُكَمِّلٌ لَهُ، كَحِفْظِ الْعَقْلِ بِالْحَدِّ بِقَلِيلٍ مُسْكِرٍ".

وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُكَمِّلاً5 لَهُ: أَنَّهُ6 لا يَسْتَقِلُّ ضَرُورِيًّا7 بِنَفْسِهِ، بَلْ بِطَرِيقِ الانْضِمَامِ، فَلَهُ8 تَأْثِيرٌ فِيهِ، لَكِنْ لا بِنَفْسِهِ؛ فَيَكُونُ فِي

1 أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد في مسنده، وقد رواه من الصحابة أبو بكرة وعمرو بن الأحوص وابن عمر وابن عباس وغيرهم "انظر صحيح البخاري 1/24، 2/191، صحيح مسلم 3/1306، عارضة الأحوذي 9/4، 11/228، سنن ابن ماجة 2/1015، 1016، مسند أحمد 1/230، 4/337، 5/37، 39، 40، 72".

2 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/280.

3 في ش: بعطفه.

4 قال في نشر البنود "2/178": وتسوية العرض والمال مذهب السبكي، لكن الظاهر أنّ يفصّل فيقال: من فوائد حفظ الأعراض صيانة الأنساب عن تطرّق الشك إليها بالقذف، فيلحق بحفظ النسب، فيكون بهذا الاعتبار أرفع من المال، فإنذ حفظهما بتحريم الزنا تارة وبتحريم القذف المفضي إلى الشك في الأنساب أخرى، وحفظ الأنساب مقدم على الأموال. ومن الأعراض ما هو دون جمع الضروريات، وهو دون الأموال لا في رتبتها".

5 في ض: مكمل.

6 في ش: ان.

7 في ش: ضروري.

8 في ع: وله.

ص: 163

حُكْمِ الضَّرُورَةِ مُبَالَغَةً فِي1 مُرَاعَاتِهِ.

فَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الْعَقْلِ: بِالْحَدِّ بِشُرْبِ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ، وَتَقَدَّمَ.

وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الدِّينِ: بِتَحْرِيمِ الْبِدْعَةِ2 وَعُقُوبَةِ الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِي إلَيْهَا.

وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ النَّفْسِ: بِإِجْرَاءِ الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحَاتِ.

وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ النَّسَبِ3: 4ِبتحْرِيمِ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ5 وَالْخَلْوَةِ، وَالتَّعْزِيرِ عَلَيْهِ.

وَالْمُبَالَغَةِ فِي حِفْظِ الْمَالِ بِتَعْزِيرِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ.

وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الْعِرْضِ6: بِتَعْزِيرِ السَّابِّ بِغَيْرِ الْقَذْفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ: الْحَاجِيُّ7 وَهُوَ الَّذِي

1 في ض: و.

2 في ض: البدع.

3 في ش: النسل.

4 ساقطة من ش.

5 في ع ز ض: المس.

6 في ش: النسب.

7 وقد سمّاه البيضاوي في المنهاج بالمصلحي، وتبعه في ذلك شراحه؛ الإسنوي في نهاية السول والبدخشي في مناهج العقول والتاج السبكي في الابهاج.

ص: 164

لا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، بَلْ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ1، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَحَاجِيٌّ".

"كَبَيْعٍ وَنَحْوِهِ" كَإِجَارَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَمُسَاقَاةٍ؛ لأَنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ قَدْ لا يَهَبُهُ، فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ، وَلا يُعِيرُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْجَارِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ ذِي مَالٍ يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَعْمَلُ لَهُ فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَالِكِ شَجَرٍ يُحْسِنُ الْقِيَامَ عَلَى شَجَرِهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُسَاقِيهِ عَلَيْهَا2.

فَهَذِهِ3 الأَشْيَاءُ وَمَا أَشْبَهَهَا لا يَلْزَمُ مِنْ فَوَاتِهَا فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ.

"وَبَعْضُهَا" أَيْ وَبَعْضُ صُوَرِ الْحَاجِيِّ "أَبْلَغُ" مِنْ بَعْضٍ.

"وَقَدْ يَكُونُ" الْحَاجِيُّ "ضَرُورِيًّا" فِي بَعْضِ الصُّوَرِ "كَشِرَاءِ

1 أي أنه يُفتقَر إليه من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم يراغ دَخَل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد الواقع أو المتوقع من فوت الضروريات "انظر الموافقات 2/10".

2 انظر كلام الأصوليين على الحاجيات ومكملاتها في "ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/241، الموافقات 2/10، مختصر الطوفي ص 144، روضة الناظر ص 169، المستصفى 1/289، مناهج العقول 3/52، نهاية السول 3/54، الابهاج 3/39، شفاء الغليل ص 161، الإحكام للآمدي 3/394، المحصول 2/2/222، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/181، حاشية البناني 2/281، مختصر البعلي ص 163".

3 في ش: هذه.

ص: 165

وَلِيِّ" طِفْلٍ "مَا يَحْتَاجُهُ طِفْلٌ" مِنْ مَطْعُومٍ وَمَلْبُوسٍ، حَيْثُ كَانَ فِي مَعْرِضٍ مِنْ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ "وَنَحْوِهِ" أَيْ وَنَحْوِ مَا ذُكِرَ، كَاسْتِئْجَارِ الْوَلِيِّ لِحِفْظِ الطِّفْلِ مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، مَعَ اشْتِغَالِ الْوَلِيِّ عَنْ تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا1.

"وَمُكَمِّلٍ لَهُ" أَيْ لِلْحَاجِيِّ "كَرِعَايَةِ كَفَاءَةٍ، وَ" كَرِعَايَةِ "مَهْرِ، مِثْلٍ فِي2 تَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ" وَكَإِثْبَاتِ خِيَارٍ فِي بَيْعٍ بِأَنْوَاعِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَوِّي، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحَاجَةِ حَاصِلاً بِدُونِهِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ: التَّحْسِينِيُّ3، وَهُوَ مَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَلا حَاجِيًّا، وَلَكِنَّهُ فِي مَحَلِّ التَّحْسِينِ4، وَهُوَ مَا أُشِيرَ

1 انظر شرح العضد 2/241.

2 ساقطة من ش.

3 في ض ز: التحسين.

4 وهو كما قال الشاطبي في الموافقات: "الأخذ بما يليق من محاسن العبادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق". وقال الغزالي في شفاء الغليل: هو "ما لا يرجع إلى ضرورة ولا إلى حاجة، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين والتوسعة والتيسير للمزايا والمراتب ورعاية أحسن المناهج في العبادات والمعاملات والحمل على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات". وقد سماه القرافي في تنقيح الفصول ب" ما هو في محلّ التتمات" وسماه صاحب نشر البنود من المالكيّة ب"التتمة" لأنه تتمة للمصالح، وذكر أنهيقال له تحسيني لأنه مستحسن عادة. انظر كلام الأصوليين على التحسينيات في "الموافقات 2/11، ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/241، مختصر الطوفي ص 144، روضة الناظر ص 169، المستصفى 1/290، مناهج العقول 3/52، نهاية السول 3/54، شفاء الغليل ص 169، الإحكام للآمدي 3/396، المحصول 2/2/222، شرح تنقيح =

ص: 166

إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَتَحْسِينِيٌّ"1.

وَهُوَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: "غَيْرُ مُعَارِضٍ لِلْقَوَاعِدِ" أَيْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ.

"كَتَحْرِيمِ النَّجَاسَةِ2" فَإِنَّ نَفْرَةَ3 الطِّبَاعِ مَعْنًى 4يُنَاسِبُ تَحْرِيمَهَا حَتَّى5 أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّضَمُّخُ6 بِالنَّجَاسَةِ بِلا عُذْرٍ7.

"وَ" كَـ "سَلْبِ الْمَرْأَةِ8 عِبَارَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ" لاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعُقُودِ عَلَى فُرُوجِهِنَّ، لإِشْعَارِهِ بِتَوَقَانِ نُفُوسِهِنَّ إلَى

= الفصول ص 391، نشر البنود 2/177 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/281".

1 في ض: وتحسين.

2 أي تحريم تناولها.

3 في ض: تفرق.

4 في ع ب ض: مناسب لتحريمها.

* وفي هذا المقام يقول السيوطي في كتابه "إتمام الدراية" ص 203: "من وقاعد الشرع أنّ الوازع الطبيعي يغني عن الوازع الشرعي. مثاله: شرب البول حرام، وكذا الخمر، ورتب الحدّ على الثاني دون الأول لنفرة النفوس منه، فوكلت إلى طباعها. والوالد والولد مشتركان في الحقّ، وبالغ الله تعالى في كتابه العزيز في الوصية بالوالدين في مواضع دون الولد، وكولاً إلى الطبع، لأنّه يقضي بالشفقة عليه ضرورة".

5 ساقطة من ش.

6 في ش: الطبخ. وهو تصحيف. والتضمّخ بالشيء في اللغة معناه التلطخ به "الصحاح 1/426".

7 انظر الابهاج شرح المنهاج 3/39.

8 في ش: المادة.

ص: 167

الرِّجَالِ، وَهُوَ غَيْرُ لائِقٍ بِالْمُرُوءَةِ.

وَكَذَا اعْتِبَارُ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِهِ وَتَمْيِيزِهِ1 عَنْ السِّفَاحِ بِالإِعْلامِ2 وَالإِظْهَارِ.

"لا" سَلْبِ "الْعَبْدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ3 عَلَى أَصْلِنَا" لِقَبُولِهَا عِنْدَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْمَذْهَبِ4.

الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ التَّحْسِينِيِّ5: الْمُعَارِضُ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُعَارِضٍ".

1 في ع: وتميزه.

2 في ش: بالإعلان.

3 خلافاً لما ذهب إليه كثيرٌ من الأصوليين حيث قالوا بسلب العبد أهلية الشهادة، وعدوّها من قبيل التحسيني غير المعارض للقواعد، معللين ذلك بأنّها منصب شريف والعبد نازل القدر، والجمع بينهما غير ملائم. قال الشوكاني في ارشاد الفحول ص 217:"وقد استشكل هذا ابن دقيق العيد، لأنّ الحكم بالحقّ بعد ظهور الشاهد وايصالهُ إلى مستحقه ودفع اليد الظالمة عنه من مراتب التحسين، وترك مرتبة الضروة لمرتبة التحسين بعيد جداً. نعم لو وجد لفظ يستند إليه في ردّ شهادته، ويعلل بهذا التعليل لكان له وجه، فأما مع الاستقلال بهذا التعليل ففيه هذا الإشكال، وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي انه لا يعلم لمن ردّ شهادة العبد مستنداً أو وجهاً". "وانظر الإحكام للآمدي 3/396، المحصول 2/2/222، نشر البنود 2/182، المستصفى 1/291، شرح العضد 2/241، نهاية السول 3/54، الابهاج 3/40، شفاء الغليل ص 169، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/282".

4 انظر كشاف القناع 6/420، شرح منتهى الإرادات 3/550.

5 في ض: التحسين.

ص: 168

"كَالْكِتَابَةِ" وَهِيَ بَيْعُ سَيِّدٍ رَقِيقَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ: مُبَاحٍ مَعْلُومٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا1، أَوْ مَنْفَعَةٍ مُؤَجَّلَةٍ.

فَإِنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَكْرُمَةً فِي الْقَاعِدَةِ2 مُسْتَحْسَنَةً3 احْتَمَلَ الشَّرْعُ فِيهَا جَزْمَ4 قَاعِدَةٍ مُمَهِّدَةٍ، وَهِيَ امْتِنَاعُ بَيْعِ الإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَمُعَامَلَةِ عَبْدِهِ.

"وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بِحُجَّةٍ" عِنْدَ الأَكْثَرِ5، خِلافًا لِمَالِكٍ6 وَبَعْضِ7 الشَّافِعِيَّةِ، وَتُسَمَّى8 الْمَصْلَحَةَ الْمُرْسَلَةَ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ9 اهـ.

1 في ش: فأكثر.

2 كذا في جميع النسخ. والأولى أن تكون: في العادة "انظر الابهاج 3/40".

3 في ض: متحسنة.

4 في ش ض: جزم.

5 انظر "المسودة ص 450، الإحكام للآمدي 4/216، مختصر الطوفي ص 144، مختصر البعلي ص 163، المنخول ص 363، فواتح الرّحموت 2/301، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/284، إرشاد الفحول ص 218، التلويح على التوضيح 2/568، نهاية السول 3/136، مناهج العقول 3/135، الابهاج 3/117".

6 انظر شرح تنقيح الفصول ص 393، نشر البنود 2/189 وما بعدها.

7 ساقطة من ع.

8 في ش: ويسمى.

9 روضة الناظر ص 170.

ص: 169

وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ: بِأَنَّا لا نَعْلَمُ مُحَافَظَةَ الشَّرْعِ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ فِي زَوَاجِرِهَا أَبْلَغُ مِمَّا شُرِعَ، كَالْمُثْلَةِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنَّهَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ، وَكَذَا الْقَتْلُ فِي السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُمَا، وَلَمْ يُشْرَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ حُجَّةً لَحَافَظَ الشَّرْعُ عَلَى تَحْصِيلِهَا بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بِفِعْلٍ، فَلا تَكُونُ حُجَّةً، فَإِذًا إثْبَاتُهَا حُجَّةٌ مِنْ بَابِ وَضْعِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ1.

وَاحْتَجَّ مَنْ اعْتَبَرَهَا بِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، لا حَصْرَ2 لَهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَرَائِنِ الأَحْوَالِ وَالأَمَارَاتِ.

وَسَمَّوْهَا مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً، وَلَمْ يُسَمُّوهَا قِيَاسًا؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلافِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّهَا لا تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ رَأَيْنَا الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرِيعَةِ، فَاعْتَبَرْنَاهَا حَيْثُ وُجِدَتْ؛ لِعِلْمِنَا أَنَّ جِنْسَهَا مَقْصُودٌ لَهُ3، وَبِأَنَّ الرُّسُلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ - بُعِثُوا4 لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ،

1 روضة الناظر ص 170

2 في ش: حصولها.

3 ساقطة من ز.

4.

ساقطة من ض.

ص: 170

فَيُعْلَمُ1 ذَلِكَ بِالاسْتِقْرَاءِ، فَمَهْمَا وَجَدْنَا مَصْلَحَةً غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِلشَّرْعِ فَنَعْتَبِرُهَا؛ لأَنَّ الظَّنَّ مَنَاطُ الْعَمَلِ.

"وَ" الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَضْرُبِ الْمُنَاسِبِ "أُخْرَوِيٌّ".

وَذَلِكَ "كَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ" عَنْ الرَّذَائِلِ "وَرِيَاضَتِهَا" وَتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ2 مَنْفَعَةِ ذَلِكَ فِي3 سَعَادَةِ الآخِرَةِ4.

"وَقَدْ يَتَعَلَّقُ" الْمُنَاسِبُ "بِهِمَا" أَيْ بِالدُّنْيَوِيِّ وَالأُخْرَوِيِّ5 "كَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ" بِالْمَالِ فَتَعَلُّقُهُ الدُّنْيَوِيُّ6: مَا يَعُودُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ بِانْتِفَاعِهِمْ بِالْمَالِ، وَتَعَلُّقُهُ بِالأُخْرَوِيِّ7: مَا يَحْصُلُ لِلْمُكَفِّرِ مِنْ الثَّوَابِ8.

"وَ" الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ أَضْرُبِ الْمُنَاسِبِ "إقْنَاعِيٌّ".

وَهُوَ مَا "يَنْتَفِي ظَنُّ مُنَاسَبَتِهِ9 بِتَأَمُّلِهِ" وَذَلِكَ بِأَنْ يُظَنَّ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ مُنَاسِبٌ، ثُمَّ يَزُولُ ذَلِكَ الظَّنُّ بِالتَّأَمُّلِ وَإِمْعَانِ

1 في ش: فعلم.

2 ساقطة من ض.

3 في ع: من.

4 انظر الابهاج 3/41.

5 انظر الابهاج 3/41.

6 في ش: بالدنيوي.

7 في ش: بالأخروي.

8 في ز: بالثواب.

9 في ز ب: مناسبة.

ص: 171

النَّظَرِ فِيهِ، كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيَّةِ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمَيْتَةِ بِنَجَاسَتِهَا، وَقِيَاسِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ1.

"وَإِذَا اشْتَمَلَ وَصْفٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لَمْ تَنْجَرَّ2 مُنَاسَبَتُهُ" عَلَى الأَرْجَحِ3 "وَلِلْمُعَلِّلِ تَرْجِيحُ وَصْفِهِ بِطَرِيقٍ تَفْصِيلِيٍّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الْمَسَائِلِ، وَإِجْمَالِيٍّ، وَهُوَ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُ الْمَصْلَحَةِ ثَبَتَ الْحُكْمُ تَعَبُّدًا" وَهُوَ عَلَى4 خِلافِ الأَصْلِ؛ لأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الأَحْكَامِ التَّعَقُّلُ5 دُونَ التَّعَبُّدِ؛ وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ

1 قال الغزالي في شفاء الغليل ص 174: "ووجه المناسبة في النجاسة أنّ حكم الشرع بنجاسته –أي الكلب- أمرٌ باجتنابه وإشارة إلى استقذاره والتجنب في مخالطته، ففي الإقدام على بيعه ومقابلته بالمال وإيجاب الضمان على متلفه إقامة وزن له يناقض ما علم من خسّته بتنجيس الشرع إيّاه

إلى أن قال: إنّ الحاذق يسلط البحث على هذا الكلام فيقول: هذه ألفاظ جميلة ركبت، وخيّل في مجموعها مناسبة، وإذ جرد النظر إلى المعنى في حقيقته وإلى الحكم انتفت المناسبة، إذ معنى نجاسته أنّ الصلاة لا تصحّ معه، لا المنع من استعماله لنجاسته والكف عن مخامرته، فالانتفاع بالنجاسات جائز بالاتفاق، ومعنى البيع نقل الاختصاص ببدل، ولا مناسبة بين بطلان الصلاة باستصحابه وبين المنع من بيعه، فبهذا ينكشف الغطاء وتنقطع المناسبة، ولا تزال تزداد المناسبة خفاءً واندراساً بالبحث". وانظر الابهاج 3/41، نهاية السول 3/54.

2 في ش: تنجز.

3 انظر خلاف الأصوليين في هذه القضية في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/286، مختصر البعلي ص 149، شرح العضد 2/241، ارشاد الفحول ص 218 وما بعدها، المحصول 2/2/232 وما بعدها، الابهاج 3/45، نهاية السول 3/61، مناهج العقول 3/59، الإحكام للآمدي 3/396، نشر البنود 2/191".

4 ساقطة من ض.

5 في ض: التعلل.

ص: 172

الْحُكْمُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى كَانَ أَقْرَبَ وَأَدْعَى إلَى الْقَبُولِ وَالانْقِيَادِ لَهُ.

"وَالْمُنَاسِبُ" هُوَ الْوَصْفُ الْمُعَلَّلُ بِهِ، وَلا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ مِنْ الشَّارِعِ الْتِفَاتٌ إلَيْهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِتَقْسِيمِ الْمُنَاسِبِ. وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

مُؤَثِّرٌ.

وَمُلائِمٌ.

وَغَرِيبٌ.

وَمُرْسَلٌ. وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: مُرْسَلٌ مُلائِمٌ، وَمُرْسَلٌ غَرِيبٌ، وَمُرْسَلٌ ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ؛ لأَنَّ الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهُ، أَوْ يُعْلَمَ أَنَّهُ أَلْغَاهُ، أَوْ لا يُعْلَمَ أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ وَلا أَلْغَاهُ.

وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا:

فَالْقِسْمُ الأَوَّلُ: "مُؤَثِّرٌ إنْ اُعْتُبِرَ" مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ "بِنَصٍّ" كَتَعْلِيلِ الْحَدَثِ بِمَسِّ الذَّكَرِ "أَوْ" اُعْتُبِرَ بِ "إجْمَاعٍ" كَتَعْلِيلِ وِلايَةِ الْمَالِ بِالصِّغَرِ.

فَالأَوَّلُ: اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْحَدَثُ، لِحَدِيثِ1 "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ".

1 في ش: كحديث.

ص: 173

وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ عَيْنُ الصِّغَرِ فِي عَيْنِ الْوِلايَةِ فِي الْمَالِ بِالإِجْمَاعِ.

وَسُمِّيَ1 هَذَا الْقِسْمُ مُؤَثِّرًا؛ لِحُصُولِ التَّأْثِيرِ فِيهِ عَيْنًا وَجِنْسًا، فَظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الْحُكْمِ.

"وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: "مُلائِمٌ إنْ اُعْتُبِرَ بِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَقَطْ، إنْ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ".

وَسُمِّيَ مُلائِمًا لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمَا اعْتَبَرَهُ2 الشَّارِعُ، وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ.

مِثَالُ مَا اعْتَبَرَ3 الشَّارِعُ عَيْنَ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ مِنْ الْمُلائِمِ: امْتِزَاجُ النَّسَبَيْنِ فِي الأَخِ مِنْ الأَبَوَيْنِ، اعْتَبَرَ تَقْدِيمَهُ عَلَى الأَخِ مِنْ الأَبِ فِي الإِرْثِ، وَقِسْنَا عَلَيْهِ تَقْدِيمَهُ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ الأَحْكَامِ الَّتِي4 قُدِّمَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّارِعُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الأَحْكَامِ - لَكِنْ اعْتَبَرَهُ فِي جِنْسِهَا، وَهُوَ التَّقَدُّمُ فِي الْجُمْلَةِ.

1 في ض: ويسمى.

2 في ع ب: الشرع.

3 في ع: ما اعتبره.

4 في ز: الذي.

ص: 174

وَمِثَالُ مَا اعْتَبَرَ فِيهِ جِنْسَ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ: مِنْهُ1 الْمَشَقَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا فِي عَيْنِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، فَسَقَطَ بِهَا الْقَضَاءُ فِي صَلاةِ الْحَائِضِ قِيَاسًا.

وَإِنَّمَا جُعِلَ الْوَصْفُ هُنَا جِنْسًا، وَالإِسْقَاطُ نَوْعًا؛ لأَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِمَشَقَّةِ الْحَيْضِ. وَأَمَّا السُّقُوطُ: فَأَمْرٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ2 مَحَالُّهُ3.

وَمِثَالُ مَا اُعْتُبِرَ جِنْسُ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ مِنْهُ: مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي شَارِبِ الْخَمْرِ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِي4 أَيْ الْقَاذِفَ.

1 أي من الملائم. وفي ع ب: من. وفي ش: صفة.

2 في ز ع ب ض: اختلف.

3 في ز: محله.

4 أخرجه الدارقطني في سننه والشافعي في مسنده ومالك في الموطأ، وفيها أن عمر بن الخطاب استشاره في الخمر يشربها الرجل، فقال علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى.

"انزر سنن الدارقطني 3/157، الموطأ 2/842، مسند الشافعي 2/90، التلخيص الحبير 4/75".

وقد روى ابن حزم هذا الأثر م نطرق مختلفة وبألفاظ متقاربة ع نعلي رضي الله عنه لا عن عمر، وناقش تلك المرويات بتوسع وردّها وقال:"كل ما ورد في ذلك قد تقصيناه، وكله ساقط لا حجة فيه، مضطرب ينقض بعضه بعضاً""انظر الإحكام لابن حزم 7/1011 وما بعدها".

ص: 175

وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَبُوا حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الشَّارِبِ، لا لِكَوْنِهِ شَرِبَ1، بَلْ لِكَوْنِ الشُّرْبِ مَظِنَّةَ الْقَذْفِ، فَأَقَامُوهُ مَقَامَ الْقَذْفِ قِيَاسًا عَلَى إقَامَةِ الْخَلْوَةِ بِالأَجْنَبِيَّةِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي التَّحْرِيمِ، لِكَوْنِ الْخَلْوَةِ مَظِنَّةً لَهُ، فَظَهَرَ أَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْمَظِنَّةَ الَّتِي هِيَ جِنْسٌ لِمَظِنَّةِ الْوَطْءِ، وَمَظِنَّةِ الْقَذْفِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ جِنْسٌ لإِيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ وَحُرْمَةِ الْوَطْءِ.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: الأَوَّلُ كَالتَّعْلِيلِ بِالصِّغَرِ فِي قِيَاسِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَالِ فِي الْوِلايَةِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ عَيْنَ الصِّغَرِ فِي عَيْنِ وِلايَةِ الْمَالِ بِهِ، مُنَبِّهًا عَلَى الصِّغَرِ، وَثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِ الصِّغَرِ فِي جِنْسِ حُكْمِ الْوِلايَةِ إجْمَاعًا.

وَالثَّانِي: كَالتَّعْلِيلِ بِعُذْرِ الْحَرَجِ فِي قِيَاسِ الْحَضَرِ2 بِعُذْرِ3 الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي الْجَمْعِ. فَجِنْسُ الْحَرَجِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ إجْمَاعًا.

وَالثَّالِثُ: كَالتَّعْلِيلِ بِجِنَايَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي قِيَاسِ الْمُثْقَلِ4 عَلَى الْمُحَدَّدِ فِي الْقِصَاصِ، فَجِنْسُ الْجِنَايَةِ مُعْتَبَرٌ5 فِي

1 في ش: شرباً.

2 في ع ب: الحظر.

3 في ب: بعد.

4 في ز: كالمحدد.

5 في ع ز ب ض: معتبرة.

ص: 176

جِنْسِ قِصَاصِ النَّفْسِ؛ لاشْتِمَالِهِ عَلَى قِصَاصِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا كَالأَطْرَافِ اهـ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْغَرِيبُ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِلَاّ فَغَرِيبٌ" يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَيُسَمَّى غَرِيبًا.

مِثَالُ ذَلِكَ: التَّعْلِيلُ بِالإِسْكَارِ فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ نَصٍّ بِعِلِّيَّةِ الإِسْكَارِ، فَعَيْنُ الإِسْكَارِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ التَّحْرِيمِ بِتَرْتِيبِ1 الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَقَطْ، كَاعْتِبَارِ جِنْسِ الْمَشَقَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي جِنْسِ التَّخْفِيفِ.

وَهَذَا الْمِثَالُ دُونَ مَا قَبْلَهُ؛ لِرُجْحَانِ النَّظَرِ بِاعْتِبَارِ الْخُصُوصِ، لِكَثْرَةِ مَا بِهِ الاخْتِصَاصُ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَالأَصْفَهَانِيّ.

وَسُمِّيَ غَرِيبًا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ غَيْرُ أَصْلِهِ بِالاعْتِبَارِ، كَالطُّعْمِ فِي الرِّبَا، فَإِنَّ نَوْعَ الطُّعْمِ مُؤَثِّرٌ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا، وَلَيْسَ جِنْسُهُ مُؤَثِّرًا فِي جِنْسِهِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.

وَهَذَا التَّشْبِيهُ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوَاعِدِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عِلَّةَ الرِّبَا الطُّعْمُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

1 في ز ض: بترتب.

ص: 177

"وَكُلُّ" قِسْمٍ "مِنْ1" هَؤُلاءِ الأَقْسَامِ "الثَّلاثَةِ2 حُجَّةٌ"3.

وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةُ4 كَوْنَ الْغَرِيبِ حُجَّةً.

"وَإِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ جِنْسَهُ" أَيْ جِنْسَ الْوَصْفِ "الْبَعِيدَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَ "مُرْسَلٌ مُلائِمٌ".

مِثَالُ ذَلِكَ: تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ قَلِيلِ الْخَمْرِ بِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا. فَجِنْسُهُ الْبَعِيدُ مُعْتَبَرٌ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، كَتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا.

"وَلَيْسَ" الْمُرْسَلُ الْمُلائِمُ "بِحُجَّةٍ"5.

"وَإِلَاّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ6 جِنْسَ الْوَصْفِ الْبَعِيدِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَنَوْعَانِ:

1 في ش: قسم.

2 في ش: من الثلاثة.

3 انظر "الإحكام للآمدي 3/407، نشر البنود 2/184، مختصر الطوفي ص 160، مفتاح الوصول ص 149، روضة الناظر ص 302، شفاء الغليل ص 144-158، المستصفى 2/297 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/282، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 217، التلويح على التوضيح 2/575، شرح تنقيح الفصول ص 393، المحصول 2/2/226، الابهاج 3/45، نهاية السول 3/57".

4 انظر: المغني للخبازي ص 306، كشف الأسرار 3/353، فتح الغفار 3/21، تيسير التحرير 4/55.

5 في ش: حجة.

6 في ع ز ب: الشارع جنسه البعيد.

ص: 178

أَحَدُهُمَا: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "فَمُرْسَلٌ غَرِيبٌ".

مِثَالُ ذَلِكَ: التَّعْلِيلُ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي قِيَاسِ بَاتِّ الطَّلاقِ فِي مَرَضِهِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، فَصَارَ1 تَوْرِيثُ الْمَبْتُوتَةِ كَحِرْمَانِ2 الْقَاتِلِ.

وَإِنَّمَا كَانَ "غَرِيبًا مُرْسَلاً"؛ لأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ عَيْنَ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي عَيْنِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ3، 4بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ وَلا جِنْسِهِ فِي عَيْنِهَا، وَلا جِنْسِهِ فِي جِنْسِهَا.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ5.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُرْسَلٌ ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ" وَهُوَ الَّذِي عُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ إلْغَاؤُهُ، مَعَ أَنَّهُ مُسْتَحِيلُ الْمُنَاسَبَةِ.

وَلا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ6 بِهِ7.

1 كذا في د. وفي ع ز ض ب: وصار. وهي ساقطة من ش.

2 في ش: لحرمان.

3 في ز: مقصوده.

4 ساقطة من ش.

5 انظر: مفتاح الوصول للتلمساني ص 150، شفاء الغليل ص 188، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 218، التلويح على الوضيح 2/569.

6 في ع: التعديل.

7 انظر ردّ الأصوليين للعمل بالمرسل الملغي في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية =

ص: 179

وَذَلِكَ كَإِيجَابِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ ابْتِدَاءً فِي الظِّهَارِ، أَوْ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ عَلَى مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ اللَّيْثِيُّ1 صَاحِبُ الإِمَامِ مَالِكٍ إمَامُ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ2 الأَمِيرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ الأُمَوِيَّ، الْمَعْرُوفَ بِالْمُرْتَضَى صَاحِبَ الأَنْدَلُسِ3.

= البناني عليه 2/284، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 218، التلويح على التوضيح 2/569، المحصول 2/2/229، الابهاج 3/44، نهاية السول 3/56، مناهج العقول 3/56، الإحكام للآمدي 3/410، نشر البنود 2/188، مختصر الطوفي ص 144، مفتاح الوصول ص 150، روضة الناظر ص 169، مختصر البعلي ص 162".

1 في ع: الليث.

2 هو يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس الليثي مولاهم، البربري المصمودي الأندلسي القرطبي المالكي، أبو محمد، الإمام الحجة الثبت عالم الأندلس وفقيهها. قال ابن الفرضي: كان إمام وقته وواحد بلده، توفي سنة 234هـ، "انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 10/519، تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 2/179، وفيات الأعيان 6/143، الفكر السامي 2/96، شرف الطالب لابن منقذ ص 42، شذرات الذهب 2/82، تهذيب التهذيب 11/300، طرح التثريب 1/127، شجرة النور الزكيّة ص 63، الديباج المذهب 2/352، ترتيب المدارك 2/534".

3 إذ روي أن عبد الرحمن بن الحكم صاحب الأندلس نظر إلى جارية له في رمضان نهاراً، فلم يملك نفسه أن واقعها، ثم ندم وطلب الفقهاء، وسألهم عن توبته، فقال يحيى بن يحيى: صم شهرين متتابعين. فسكت العلماء. فلمّا خرجوا قالوا ليحيى: مالك لم تفته بمذهبنا عن مالك أنّه مخيّر بين العتق والصوم والإطعام؟ قال: لو فتحنا له هذا الباب لسهل عليه أن كلّ يومٍ ويعتق رقبة. فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود.

والأمير عبد الرحمن بن الحكم ولد بطليطلة سنة 176هـ وتوفي بقرطبة سنة 238هـ. "انظر ترجمته وقصته مع يحيى بن يحيى في سير أعلام النبلاء 8/260، =

ص: 180

"وَهُمَا" أَيْ الْمُرْسَلُ الْغَرِيبُ1، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ "مَرْدُودَانِ" أَمَّا الأَوَّلُ: فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَبِالاتِّفَاقِ.

= 10/521، ترتيب المدارك 2/542، وفيات الأعيان 6/145، العقد الفريد 4/493، نهاية السول 3/57، جذوة المقتبس ص 10، نفح الطيب 1/344، حاشية البناني 2/284، نشر البنود 2/188".

1 في ع: والغريب.

ص: 181