المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل من شروط العلة - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٤

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌باب القياس

- ‌فَصْلٌ""الْعِلَّةُ

- ‌فصل من شروط العلة

- ‌فَصْلٌ""لا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِحُكْمِ الأَصْلِ

- ‌فصل شروط الفرع

- ‌مَسَالِكُ الْعِلَّةِ

- ‌فَائِدَةٌ""أَعَمُّ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْوَصْفِ:

- ‌فَوَائِدُ" تَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَهْلُ الأُصُولِ وَالْجَدَلِ

- ‌فصل: تقسيم القياس ياعتبار قوته وضعفه

- ‌فصل: قوادح العلة

- ‌فصل": فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامِ الْجَدَلِ، وَآدَابِهِ، وَحَدِّهِ، وَصِفَتِهِ

- ‌فصل في عدم الكلام في مجالس الخوف ونحوه

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ فِي الْجَدَلِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْخُصُومِ فِي الْجَدَلِ

- ‌بَابُ الاسْتِدْلالِ

- ‌فَصْلٌ الاسْتِحْسَانُ

- ‌فوائد في قواعد اللغة

- ‌فصل: تجزؤ الإجتهاد وخلاف العلماء فيه

- ‌فصل: لا ينقض حكم الحاكم في مسألة إجتهادية

- ‌فصل: التفويض لنبي أو مجتهد بالحكم

- ‌فَصْلٌ""نَافِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ

- ‌باب التقليد

- ‌فَصْلٌ""لا يُفْتِي إلَاّ مُجْتَهِدٌ

- ‌فصل: للمفتي رد الفتوى

- ‌بَابُ تَرْتِيبِ الأَدِلَّةِ، وَالتَّعَادُلِ، وَالتَّعَارُضِ، وَالتَّرْجِيحِ

- ‌خَاتِمَةٌ

الفصل: ‌فصل من شروط العلة

‌فصل من شروط العلة

"فَصْلٌ"

"مِنْ1 شُرُوطِهَا" أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ "أَنْ لا تَكُونَ مَحَلَّ الْحُكْمِ وَلا جُزْأَهُ" أَيْ جُزْءَ مَحَلِّ الْحُكْمِ "الْخَاصِّ" عِنْدَ الأَكْثَرِ2.

وَجَوَّزَ3 قَوْمٌ مِنْ الْعِلَلِ الْقَاصِرَةِ: كَوْنَ الْعِلَّةِ مَحَلَّ الْحُكْمِ أَوْ جُزْءَ مَحَلِّهِ4.

فَمِثَالُ كَوْنِهَا مَحَلَّ الْحُكْمِ: قَوْلُنَا الذَّهَبُ رِبَوِيٌّ، لِكَوْنِهِ ذَهَبًا، وَالْخَمْرُ حَرَامٌ، لأَنَّهُ مُسْكِرٌ مُعْتَصَرٌ مِنْ الْعِنَبِ.

5وَمِثَالُ كَوْنِهَا جُزْءَ مَحَلِّ6 الْحُكْمِ الْخَاصِّ بِهِ: كَالتَّعْلِيلِ بِاعْتِصَارِهِ7 مِنْ الْعِنَبِ فَقَطْ.

وَقَيَّدْنَا الْجُزْءَ بِالْخَاصِّ تَحَرُّزًا مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَحَلِّ وَغَيْرِهِ.

1 في ش: ومن.

2 انظر "شرح العضد 2/217، حاشية البناني 2/242، الآيات البينات 4/44، الإحكام للآمدي 3/288، إرشاد الفحول ص 208".

3 كذا في ش. وفي ض د ع ز: وجوزه. وفي ب: جوزه.

4 المحصول 2/2/386، نهاية السول 3/104، الإبهاج 3/90.

5 ساقطة من ش.

6 في ش: أو محله.

7 في ع: بإعصاره.

ص: 51

فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلَاّ فِي الْمُتَعَدِّيَةِ1، كَتَعْلِيلِ إبَاحَةِ الْبَيْعِ بِكَوْنِهِ2 عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ. فَإِنَّ جُزْأَهُ الْمُشْتَرَكَ3، وَهُوَ "عَقْدُهُ"4 الَّذِي هُوَ شَامِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَغَيْرِهَا لا يُعَلَّلُ بِهِ.

وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ: بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْمَحَلِّ كَانَتْ قَاصِرَةً. لأَنَّهُ لَوْ5 تَحَقَّقَ بِخُصُوصِهِ فِي الْفَرْعِ، اتَّحَدَا. وَكَذَا جُزْؤُهُ.

"وَ" أَنْ "لا" تَكُونَ الْعِلَّةُ "قَاصِرَةً مُسْتَنْبَطَةً" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا6 وَالْحَنَفِيَّةِ7. وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ8.

وَعَنْهُ: يَصِحُّ كَوْنُهَا قَاصِرَةً مُسْتَنْبَطَةً، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ9 أَصْحَابِهِمَا10.

1 في ش: التعدية.

2 في ض: بأنه.

3 في ع: المشترك بين المحل وغيره، فإن ذلك لا يكون إلا في التعدية.

4 في ش: عقد.

5 ساقطة من ش.

6 روضة الناظر ص 320، مختصر الطوفي ص 152، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 16، مختصر البعلي ص 144.

7 تيسير التحرير 4/5، فواتح الرحموت 2/276، أصول السرخسي 2/158، فتح الغفار 3/15، 28، التلويح على التوضيح 2/558، كشف الأسرار 3/389.

8 انظر المسودة ص 411.

9 في ش: أصحابنا.

10 انظر "الآيات البينات 4/43، الإحكام للآمدي 3/311، مفتاح الوصول ص 143، شفاء الغليل ص 537، نشر البنود 2/138، نهاية السول =

ص: 52

وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ الثَّابِتَةُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ: فَأَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا1، وَأَنَّ الْخِلافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ.

"وَفَائِدَةُ ثُبُوتِ قَاصِرَةبنص أو إجماع مَعْرِفَةُ الْمُنَاسَبَةِ، وَمَنْعُ الإِلْحَاقِ، وَ2تَقْوِيَةُ النَّصِّ3".

= 3/110، البرهان 2/1080، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 47، التبصرة ص 452، اللمع ص 60، الإشارات للباجي ص 110، المعتمد 2/801 وما بعدها، الوصول إلى مسائل الأصول 2/273، شرح العضد 2/217، المحصول 2/2/423، شرح تنقيح الفصول ص 409، مناهج العقول 3/110، الإبهاج 3/93، المستصفى 2/345، حاشية البناني 2/241".

1 انظر: نهاية السول 3/110، الإبهاج 3/93، الإحكام للآمدي 3/311، إرشاد الفحول ص 208، التلويح على التوضيح 2/558، وقد ذكر العلامة المحلي والشوكاني وغيرهم أن دعوى الاتفاق على جواز التعليل بالعلة القاصرة الثابتة بنص أو إجماع معترضة بحكاية القاضي عبد الوهاب الخلاف فيه.

"المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/241، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/138".

وعلق التاج السبكي في "الإبهاج" على حكاية القاضي عبد الوهاب هذه فقال: "وأغرب القاضي عبد الوهاب في الملخص، فحكى مذهباً ثالثاً أنها لا تصح على الإطلاق فيه، سواء كانت منصوصة أم مستنبطة، وقال: هو قول أكثر فقهاء العراق. وهذا يصادم ما نقلناه من وقوع الاتفاق في المنصوصة. ولم أر هذا القول في شيء مما وقفت عليه من كتب الأصول سوى هذا". "الإبهاج 3/94".

2 ساقطة من ش.

3 في ش: النفس.

انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/241، روضة الناظر ص 320 وما بعدها، الآيات البينات 4/43، الإحكام للآمدي 3/314، نشر البنود 2/139، نهاية السول 3/111، مناهج العقول 3/111، الإبهاج 3/94".

ص: 53

الْحُكْمِ، لا لِمَا ذُكِرَ.

وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لا يُنَافِي الإِعْلامَ1 طَلَبُ الانْقِيَادِ لِحُكْمِهِ2.

وَمِنْهَا3: إفَادَةُ الْمَنْعِ لإِلْحَاقِ فَرْعٍ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْجَامِعِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ فِي الأَصْلِ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ وَمَوْضُوعِ الْقِيَاسِ. فَأَيْنَ الْفَائِدَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ4؟!

وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ وَصْفٌ آخَرُ مُتَعَدٍّ لا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ بِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، بِخِلافِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ5 سِوَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ. فَإِنَّهُ لا يَفْتَقِرُ الإِلْحَاقُ بِهَا إلَى دَلِيلٍ عَلَى تَرْجِيحٍ.

وَمِنْهَا: أَنَّ النَّصَّ يَزْدَادُ قُوَّةً بِهَا. فَيَصِيرَانِ كَدَلِيلَيْنِ، يَتَقَوَّى كُلٌّ مِنْهُمَا بِالآخَرِ. قَالَهُ ابْنُ6 الْبَاقِلَاّنِيِّ. وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا يَكُونُ دَلِيلُ الْحُكْمِ فِيهِ ظَنِّيًّا. أَمَّا الْقَطْعِيُّ: فَلا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيَةٍ. نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي7.

1 في ش: الإعلان.

2 في ز ض ب: لحكمته.

3 في ض: وأما.

4 في ش: المتحددة.

5 في ش: يكون.

6 ساقطة من ش ض.

7 البرهان 2/1085.

ص: 55

وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ1: أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَزْدَادُ أَجْرًا بِانْقِيَادِهِ لِلْحُكْمِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمَقْصُودَةِ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِهِ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرٌ فِي امْتِثَالِ2 النَّصِّ، وَأَجْرٌ بِامْتِثَالِ الْمَعْنَى فِيهِ3.

"وَالنَّقْضُ، وَيُسَمَّى تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ" هُوَ "عَدَمُ اطِّرَادِهَا" وَعَدَمُ اطِّرَادِ الْعِلَّةِ "بِأَنْ تُوجَدَ" الْعِلَّةُ "بِلا حُكْمٍ"4.

مِثَالُهُ: أَنْ يُقَالَ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ: صَوْمٌ عَرِيَ أَوَّلُهُ عَنْ النِّيَّةِ فَلا يَصِحُّ، كَالصَّلاةِ، فَتَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ - وَهُوَ الْعُرْيُ فِي أَوَّلِهِ - بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَبْيِيتِ نِيَّةٍ.

1 المقصود بالسبكي هنا الإمام تقيّ الدين علي بن عبد الكافي السبكي والد صاحب جمع الجوامع.

2 في ش: امتثاله.

3 انظر: جمع الجوامع مع شرحه للمحلي وحاشية البناني عليه 2/242، الإبهاج 3/94، الآيات البينات 4/43.

4 انظر تعريف النقض في "الإبهاج 3/59، المستصفى 2/336، فتنح الغفار 3/38، الوصول إلى مسائل الأصول 2/302، نهاية السول 3/76، الإحكام للآمدي 4/118، مفتاح الوصول ص 141، شفاء الغليل ص 458، شرح تنقيح الفصول ص 399، حاشية البناني 2/294، شرح العضد 2/218، المحصول 2/2/323، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 354، الكافية للجويني ص 69، البرهان 2/977، الحدود للباجي ص 76، العدة 1/177، المنهاج للباجي ص 14، التعريفات للجرجاني ص 128، المنخول ص 404، مختصر الطوفي ص 167، الجدل لابن عقيل ص 56، المعتمد ص/821، 835، 1041".

ص: 56

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْوَصْفِ1 إمَّا فِي وَصْفٍ ثَبَتَتْ2 عِلَّتُهُ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ أَوْ بِاسْتِنْبَاطٍ. وَالتَّخَلُّفُ إمَّا لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ3 شَرْطٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَهِيَ تِسْعَةٌ، مِنْ ضَرْبِ ثَلاثَةٍ فِي ثَلاثَةٍ.

"وَ" قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ النَّقْضِ قَادِحًا فِي الْعِلَّةِ، وَفِي بَقَائِهَا حُجَّةً بَعْدَ النَّقْضِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ4:

أَحَدُهَا: أَنَّ النَّقْضَ "لا يَقْدَحُ مُطْلَقًا، وَيَكُونُ حُجَّةً فِي5 غَيْرِ

1 في ش: علته.

2 في ز: تثبت.

3 في ش: لفقد.

4 انظر تحقيق المسألة في "الوصول إلى مسائل الأصول 2/303 وما بعدها، نهاية السول 3/78، تيسير التحرير 4/9، 17، فواتح الرحموت 2/278، أصول السرخسي 2/208، فتح الغفار 3/38، شرح تنقيح الفصول ص 399 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/294 وما بعدها، شرح العضد 2/218، المحصول 2/2/323، أدب القاضي للماوردي 1/541 وما بعدها، المسودة ص 412، البرهان 2/855 وما بعدها، روضة الناظر ص 323، التبصرة ص 460، 466، الإبهاج 3/59، شفاء الغليل ص 458، كشف الأسرار 3/365 وما بعدها، المستصفى 2/336، اللمع ص 64، المنخول ص 404، الإحكام للآمدي 3/315، 4/118، مختصر الطوفي ص 153، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/167 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 17، 18، المعتمد 2/822، مفتاح الوصول ص 141، 142، إرشاد الفحول ص 207، مختصر البعلي ص 144".

5 في ع ض ب: لغير.

ص: 57

مَا خُصَّ" كَالْعَامِّ إذَا خُصَّ بِهِ وَهَذَا1 قَوْلُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَحَكَاهُ الآمِدِيُّ2 عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.

قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ3 وَالْمَالِكِيَّةِ، وَشُهْرَتُهُ عَنْ4 الْحَنَفِيَّةِ أَكْثَرُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ مَا سَمَحُوا بِتَسْمِيَتِهِ نَقْضًا، وَسَمَّوْهُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَقْدَحُ. اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: ابْنُ حَامِدٍ وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، فَيَكُونُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلانِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاخْتَارَهُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَقَالَ: تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ بَاطِلٌ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِهَا فَقَدْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالسَّفَهِ وَالْعَبَثِ5، فَأَيُّ فَائِدَةٍ مِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَلا حُكْمَ؟!

فَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ تَخْصِيصُهَا6 نَقْضٌ7 لَهَا، وَنَقْضُهَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَهَا.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ جَوَازِ تَخْصِيصِ

1 في ش: وهو.

2 الإحكام في أصول الأحكام 3/315.

3 انظر: تيسير التحرير 4/9، فواتح الرحموت 2/278.

4 ساقطة من ض.

5 في ض: البعث.

6 في ش: بتخصيصها. وفي ب: فتخصيصها.

7 في ش: نقضاً.

ص: 58

الْعُمُومِ، وَيَبْقَى فِي الْبَاقِي حُجَّةً عَلَى الْمُرَجَّحِ: أَنَّ الْعَامَّ يَجُوزُ إطْلاقُهُ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ، فَإِذَا خُصَّ فَلا مَحْذُورَ فِيهِ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ: فَهِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْحُكْمِ، فَلا يَتَخَلَّفُ مُقْتَضَاهَا عَنْهَا، فَشُرِطَ فِيهَا الاطِّرَادُ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَقْدَحُ1 فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ إلَاّ لِمَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، وَلا يَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ.

مِثَالُ الْقَدْحِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: تَعْلِيلُ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، مَعَ انْتِفَائِهِ فِي قَتْلِ الأَبِ، وَعَدَمِ الْقَدْحِ فِي الْمَنْصُوصَةِ: كَقَوْلِهِ2 صلى الله عليه وسلم "إنَّمَا ذَلِكَ3 عِرْقٌ 4" مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ5 بِالْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ عَلَى رَأْيٍ.

وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ فِي الرَّوْضَةِ6.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: عَكْسُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ الْقَدْحُ فِي

1 في ش: يبطل في المطردة ويقدح.

2 في ش: بقوله.

3 في ش: ذاك.

4 الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها. "صحيح البخاري 1/79، صحيح مسلم 1/262، بذل المجهود 2/342، عارضة الأحوذي 1/207، سنن النسائي 1/148، سنن ابن ماجة 1/205".

5 في ش: النقض له.

6 روضة الناظر ص 324 وما بعدها

ص: 59

الْمَنْصُوصَةِ وَعَدَمُهُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ، إلَاّ إذَا كَانَ لِمَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ.

قَيَّدَهُ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ: وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ حَصَلَ فِي كَلامِ مُخْتَصَرِ1 ابْنِ الْحَاجِبِ التَّكْرَارُ.

وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: يَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ إلَاّ إذَا كَانَ بِظَاهِرٍ عَامٍّ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِقَاطِعٍ: لَمْ يَتَخَلَّفْ الْحُكْمُ وَإِذَا2 كَانَ خَاصًّا بِمَحَلِّ3 الْحُكْمِ لَمْ يَثْبُتْ التَّخَلُّفُ، وَهُوَ خِلافُ الْفَرْضِ4.

وَأَمَّا فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: فَيَجُوزُ فِيمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ، وَيَقْدَحُ5 فِيمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ دُونَهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ6 ابْنِ الْحَاجِبِ7، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً لَمْ يَجُزْ إلَاّ لِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ، لأَنَّهَا لا تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهَا8 إلَاّ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا؛ 9لأَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ10 مَانِعًا لِعَدَمِ

1 ساقطة من ش.

2 في ش: وإن.

3 في ش: بمجمل.

4 في ز د ب: الغرض وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، إذ المفروض منافاة التخلّف للعلية. "شرح العضد 2/219".

5 في ش: فيقدح.

6 في ب: مختار.

7 ساقطة من ب.

8 في ش: علتها.

9 في ض: لانتفاء.

10 ساقطة من د ض ب.

ص: 60

الْمُقْتَضِي. وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِظَاهِرٍ عَامٍّ: فَيَجِبُ تَخْصِيصُهُ كَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَيَجِبُ1 تَقْدِيرُ الْمَانِعِ2 اهـ.

قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَحَاصِلُ3 هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ مَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ، لَكِنْ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ يَجِبُ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ. وَإِلَاّ لَمْ تُظَنَّ الْعِلِّيَّةُ، وَفِي الْمَنْصُوصَةِ: لا يَجِبُ، وَيَكْفِي فِي ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ تَقْدِيرُهُ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ لا تَبْطُلُ الْعِلِّيَّةُ بِالتَّخَلُّفِ4 اهـ.

وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: الْمَنْعُ5 فِي الْمَنْصُوصَةِ، أَوْ مَا اُسْتُثْنِيَ6 مِنْ الْقَوَاعِدِ كَالْمُصَرَّاةِ وَالْعَاقِلَةِ. اخْتَارَهُ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ مِنْ أَصْحَابِنَا.

وَالْقَوْلُ السَّابِعُ: الْقَدْحُ مُطْلَقًا، إلَاّ أَنْ يَرِدَ عَلَى سَبِيلِ الاسْتِثْنَاءِ7. وَيَعْتَرِضُ عَلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ كَالْعَرَايَا8. حَكَاهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ9 عَنْ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ.

1 في مختصر ابن الحاجب: ووجب.

2 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/218.

3 في ش: وظاهر.

4 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/218.

5 في ب: المانع.

6 في ز: انتشي.

7 في ض ب: أو.

8 قال المحلي: وهو بيع الرطب والعنب قبل القطع بتمر أو زبيب، فإنّ جوازه وارد على كل قول في علة حرمة الربا من الطعم والقوت والكيل والمال، فلا يقدح. "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/297".

9 جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/297".

ص: 61

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ حَكَاهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ قَوْمٍ، وَاقْتَضَى كَلامُهُ مُوَافَقَتَهُمْ1.

وَقَالَ فِي الْحَاصِلِ: إنَّهُ الأَصَحُّ.

وَالْقَوْلُ الثَّامِنُ: يَقْدَحُ إلَاّ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ. وَبِهِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ2 وَالْهِنْدِيُّ.

وَالْقَوْلُ التَّاسِعُ: إنْ كَانَتْ عِلَّةَ حَظْرٍ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهَا، وَإِلَاّ جَازَ. حَكَاهُ الْبَاقِلَاّنِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ.

وَالْقَوْلُ الْعَاشِرُ: إنْ كَانَ التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ، أَوْ فِي مَعْرِضِ الاسْتِثْنَاءِ، أَوْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِمَا لا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ: لَمْ يَقْدَحْ، وَإِلَاّ قَدَحَ.

وَلَيْسَ الْخِلافُ لَفْظِيًّا، خِلافًا لأَبِي الْمَعَالِي3 وَابْنِ الْحَاجِبِ4.

وَتَأْتِي أَحْكَامُ النَّقْضِ فِي الْقَوَادِحِ.

"وَالتَّعْلِيلُ لِجَوَازِ5 الْحُكْمِ لا يَنْتَقِضُ بِأَعْيَانِ الْمَسَائِلِ"6 كَـ

1 انظر المحصول 2/2/352.

2 انظر المنهاج للبيضاوي مع شرحه للأسنوي 3/77، 79، الإبهاج 3/59.

3 انظر البرهان 2/1000 وما بعدها.

4 انظر مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/219.

5 في ش: بجواز.

6 انظر "المسودة ص 416، 431، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 188، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 59".

ص: 62

الصَّبِيِّ حُرٌّ 1، فَجَازَ أَنْ تَجِبَ زَكَاةُ مَالِهِ كَبَالِغٍ، فَلا يَنْتَقِضُ2 بِغَيْرِ الزَّكَوِيِّ 3.

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ إذَا كَانَ لَهُ مَعْلُوفَةٌ أَوْ عَوَامِلُ، أَوْ مَالُهُ دُونَ نِصَابٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَقْضٍ؛ لأَنَّ الْمُعَلِّلَ4 أَثْبَتَ بِالْجَوَازِ حَالَةً وَاحِدَةً، وَانْتِفَاءُ الزَّكَاةِ فِي حَالَةٍ لا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا فِي حَالَةٍ أُخْرَى5.

"وَ" التَّعْلِيلُ "بِنَوْعِهِ" أَيْ نَوْعِ الْحُكْمِ "لا يَنْتَقِضُ بِعَيْنِ6 مَسْأَلَةٍ"7 كَالنَّقْضِ بِلَحْمِ الإِبِلِ نَوْعُ عِبَادَةٍ تَفْسُدُ بِالْحَدَثِ فَتَفْسُدُ بِالأَكْلِ كَالصَّلاةِ.

قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: فَنَقُولُ: فَيَنْتَقِضُ8 بِالطَّوَافِ، فَإِنَّهُ نَوْعٌ يَفْسُدُ بِالْحَدَثِ، وَلا يَفْسُدُ بِالأَكْلِ، فَقَالُوا: عَلَّلْنَا نَوْعَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالْحَدَثِ، فَلا يَنْتَقِضُ9 بِأَعْيَانِ الْمَسَائِلِ؛ لأَنَّ الطَّوَافَ

1 ساقطة من ش.

2 في ض ب: تنتقض.

3 في ش: الذكرى.

4 في ش: المعلل إذا كان له معلوفة أو عوامل. وهي ساقطة من ض.

5 في ز: الأخرى.

6 في ش: بغير.

7 انظر المنهاج في ترتيب الحجاج ص 189.

8 في ش: ينتقض.

9 في ز: تنتقض.

ص: 63

بَعْضُ نَوْعِهَا، فَإِذَا1 لَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ فِيهِ وُجِدَ فِي بَقِيَّةِ الْفَرْعِ.

"وَالْكَسْرُ" وَهُوَ "وُجُودُ الْحِكْمَةِ بِلا حُكْمٍ"2 كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ فِي عَاصٍ بِسَفَرِهِ: سَافَرَ، فَيَتَرَخَّصُ كَغَيْرِ الْعَاصِي، ثُمَّ يُبَيِّنُ مُنَاسَبَةَ السَّفَرِ بِالْمَشَقَّةِ، فَيُعْتَرَضُ بِمَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ حَضَرًا لا يَتَرَخَّصُ إجْمَاعًا. "وَالنَّقْضُ الْمَكْسُورُ نَقْضُ بَعْضِ الأَوْصَافِ".

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: قَالَ أَكْثَرُ الأُصُولِيِّينَ وَالْجَدَلِيِّينَ: إنَّهُ إسْقَاطُ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ، وَإِخْرَاجُهُ مِنْ الاعْتِبَارِ بِبَيَانِ أَنَّهُ لا أَثَرَ لَهُ3.

وَلَهُ صُورَتَانِ4:

إحْدَاهُمَا: أَنْ يُبَدِّلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ الْخَاصَّ الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّهُ

1 في ز: فإن.

2 انظر تعريف الكسر في "شرح العضد 2/211، الوصول إلى مسائل الأصول 2/312، المحصول 2/2/353، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/303 وما بعدها، الحدود للباجي ص 77، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 14، اللمع ص 64، مختصر الطوفي ص 168، المعتمد 2/821، 1043، الإحكام للآمدي 3/331، فواتح الرحموت 2/281".

3 انظر تعريف النقض المكسور في "الإحكام للآمدي 3/336، فواتح الرحموت 2/282، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/304، 305، اللمع ص 64، شرح العضد 2/223".

4 انظر الوصول إلى مسائل الأصول 2/316 وما بعدها، اللمع ص 64.

ص: 64

لُغَوِيٌّ1 بِوَصْفٍ أَعَمَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْقُضُهُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ، كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي إثْبَاتِ صَلاةِ الْخَوْفِ: صَلاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا، فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا، كَصَلاةِ الأَمْنِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: خُصُوصُ2 كَوْنِهَا صَلاةً مُلْغًى، لا أَثَرَ لَهُ؛ لأَنَّ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ إلَاّ الْوَصْفُ الْعَامُّ، وَهُوَ كَوْنُهَا عِبَادَةً. فَيَنْقُضُهُ3 عَلَيْهِ بِصَوْمِ الْحَائِضِ، فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَلا يَجِبُ أَدَاؤُهَا، بَلْ يَحْرُمُ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لا يُبَدِّلَ خُصُوصَ الصَّلاةِ، فَلا يَبْقَى عِلَّةٌ لِلْمُسْتَدِلِّ إلَاّ قَوْلَهُ: يَجِبُ قَضَاؤُهَا، فَيُقَالُ عَلَيْهِ: وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ يُؤَدَّى. دَلِيلُهُ: الْحَائِضُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ أَدَائِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُلَخَّصِ4: وَهُوَ سُؤَالٌ مَلِيحٌ، وَالاشْتِغَالُ بِهِ يَنْتَهِي إلَى بَيَانِ الْفِقْهِ وَتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ، وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِفْسَادِ الْعِلَّةِ بِهِ، وَيُسَمُّونَهُ النَّقْضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالإِلْزَامَ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ اهـ.

1 في ش: لغو.

2 في ش: وخصوص.

3 في ض: فينقضها.

4 هو كتاب "الملخص في الجدل".

ص: 65

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: أَنْ1 يَقُولَ شَافِعِيٌّ فِي بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي: بَيْعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ2. فَلا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك عَبْدًا3.

فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ يَنْكَسِرُ بِمَا إذَا نَكَحَ امْرَأَةً لَمْ يَرَهَا. فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِهَا مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ.

فَهَذَا كَسْرٌ، لأَنَّهُ نَقْضٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، إذْ النِّكَاحُ فِي الْجَهَالَةِ كَالْبَيْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْجَهْلَ بِالْعَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، فَوَصْفُ كَوْنِهِ4 مَبِيعًا مُلْغًى، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّهْنَ وَنَحْوَهُ كَذَلِكَ، وَيَبْقَى عَدَمُ الرُّؤْيَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِنِكَاحِ مَنْ لَمْ5 يَرَهَا6.

وَإِنْ نَزَّلْتَهُ7 عَلَى الصُّورَةِ الأُولَى - وَهِيَ الإِبْدَالُ بِالأَعَمِّ - فَتَقُولُ8: عَقَدَ عَلَى9 مَنْ لَمْ يَرَهُ الْعَاقِدُ، فَيَنْتَقِضُ بِالنِّكَاحِ10.

1 في ض: بأن.

2 أي حال العقد. "شرح العضد 2/223".

3 أي من غير تعيين. "شرح العضد 2/223".

4 في ض: بكونه.

5 ساقطة من ش.

6 في ش: يراها.

7 في ش: تركته.

8 في ب ش: فنقول. وفي ز: فيقول.

9 في ش: علم.

10 انظر: الجدل على طريقة الفقهاء ص 65، الإحكام للآمدي 3/336.

ص: 66

"وَ" الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرُ: أَنَّ الْكَسْرَ وَالنَّقْضَ الْمَكْسُورَ "لا يُبْطِلانِهَا1" أَيْ الْعِلَّةَ2.

وَاسْتُدِلَّ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ أَنَّ3 الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ الأَوْصَافِ، وَلَمْ يَنْقُضَاهَا4.

فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ بِأَنَّهُ5 لا أَثَرَ لَهُ لِكَوْنِهِ6 مَبِيعًا، فَإِنْ أَصَرَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفَيْنِ بَطَلَ مَا عَلَّلَ بِهِ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ لا7 بِالنَّقْضِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصْفِ الْمَنْقُوضِ بَطَلَ بِالنَّقْضِ؛ لأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى كُلِّ الْعِلَّةِ. وَإِنْ أَتَى بِوَصْفٍ لا أَثَرَ لَهُ فِي الأَصْلِ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ النَّقْضِ لَمْ يَجُزْ.

"وَالْعَكْسُ8، وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ شَرْطٌ" فِي

1 في ش: لا يبطلاها.

2 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/331، 336، فواتح الرحموت 2/281، 282، اللمع ص 64، المسودة ص 429، أدب القاضي للماوردي 1/541، المحصول 2/2/353، شرح العضد 2/221، 223، حاشية البناني 2/305، الوصول إلى مسائل الأصول 2/313".

3 في ش: بأن.

4 في ش ز: ينقضها.

5 في ش: أنه.

6 في ز: ككونه.

7 في ش: إلا.

8 انظر تعريف العكس في "المعتمد 2/1044، الإحكام للآمدي 3/338، مفتاح الوصول ص 142، تيسير التحرير 4/22، المستصفى 2/336، فواتح الرحموت 2/282، فتح الغفار 3/47، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني =

ص: 67

صِحَّةِ الْعِلَّةِ "إنْ كَانَ التَّعْلِيلُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ،" وَ "لا" يَكُونُ شَرْطًا "إنْ كَانَ" التَّعْلِيلُ"لِنَوْعِهِ" أَيْ نَوْعِ الْحُكْمِ1.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: اشْتِرَاطُهُ2 مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، فَمَنْ مَنَعَ3 اشْتِرَاطَهُ4 كَعَدَمِ5 الْحُكْمِ لِعَدَمِ دَلِيلِهِ.

وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْحُكْمِ: عَدَمُ الظَّنِّ أَوْ الْعِلْمِ6 بِهِ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي الدَّلِيلِ، وَلا دَلِيلَ، وَإِلَاّ فَالصَّنْعَةُ7 دَلِيلُ وُجُودِ الصَّانِعِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ.

وَمَنْ جَوَّزَهُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ.

= عليه 2/305، شرح تنقيح الفصول ص 401، شرح العضد 2/223، المحصول 2/2/355، الكافية للجويني ص 66، الحدود للباجي ص 75، العدة 1/177، المنهاج للباجي ص 14، التعريفات للجرجاني ص 82".

1 انظر تحقيق المسألة في "كشف الأسرار 3/307، شرح تنقيح الفصول ص 401، شرح العضد 2/223، أدب القاضي للماوردي 1/544، وما بعدها، المسودة ص 424، البرهان 2/842، اللمع ص 64، الجدل لابن عقيل ص 17، المعتمد 2/790، الإحكام للآمدي 3/338، مفتاح الوصول ص 143، شفاء الغليل ص 535، تيسير التحرير 4/22، المستصفى 2/344".

2 في ش: اشتراط.

3 في ش: منع.

4 في ش ض: اشتراطه.

5 في ش ع: العدم.

6 ساقطة من ش، وفي ع: الظن.

7 في ع: فالصفة.

ص: 68

هَذَا إنْ كَانَ التَّعْلِيلُ لِنَوْعِ الْحُكْمِ، نَحْوَ: الرِّدَّةُ1 عِلَّةٌ لإِبَاحَةِ الدَّمِ. فَأَمَّا2 جِنْسُهُ: فَالْعَكْسُ شَرْطٌ، نَحْوَ: الرِّدَّةُ3 عِلَّةٌ لِجِنْسِ إبَاحَةِ الدَّمِ، فَلا يَصِحُّ لِفَوَاتِ الْعَكْسِ.

وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: أَنَّ الْخِلافَ فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مَعًا، وَ4عَلَى الْبَدَلِ اهـ.

قَالَ الْعَضُدُ: شَرَطَ قَوْمٌ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الأَصْلِ الانْعِكَاسَ، وَهُوَ أَنَّهُ كُلَّمَا عُدِمَ الْوَصْفُ عُدِمَ الْحُكْمُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ آخَرُونَ.

وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ [الْوَاحِدِ] 5 بِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ؛ لأَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَنْتَفِيَ الْوَصْفُ وَلا يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِ [الْوَصْفِ] 6 الآخَرِ وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ7.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجُزْ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ دُونَ الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً لَهُ وَأَمَارَةً عَلَيْهِ، وَإِلَاّ لانْتَفَى الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ؛ لِوُجُوبِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِهِ. وَنَعْنِي بِذَلِكَ: انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوْ

1 في ع: الرد.

2 في ش: وأما.

3 في ع: الرد.

4 ساقطة من ز.

5 زيادة من شرح العضد.

6 زيادة من شرح العضد.

7 ساقطة من ش.

ص: 69

الظَّنِّ1، لا انْتِفَاءَ2 نَفْسِ الْحُكْمِ3، إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ دَلِيلِ الشَّيْءِ انْتِفَاؤُهُ، وَإِلَاّ لَزِمَ مِنْ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى الصَّانِعِ 4انْتِفَاءُ الصَّانِعِ تَعَالَى، وَإِنَّهُ بَاطِلٌ.

نَعَمْ! يَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالصَّانِعِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الصَّانِعَ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَخْلُقْ الْعَالَمَ، أَوْ لَوْ لَمْ يَخْلُقْ فِيهِ الدَّلالَةَ، لَمَا لَزِمَ انْتِفَاؤُهُ قَطْعًا.

هَذَا بِنَاءً عَلَى رَأْيِنَا، يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ وَبَعْضُهُمْ مُخْطِئٌ. وَأَمَّا عِنْدَ الْمُصَوِّبَةِ: فَلا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْعُذْرِ؛ لأَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ: الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ، فَإِذَا انْتَفَيَا5 انْتَفَى الْحُكْمُ6 اهـ.

"وَيَجُوزُ تَعْلِيلُ حُكْمٍ" وَاحِدٍ7 "بِعِلَلٍ" مُتَعَدِّدَةٍ "كُلُّ صُورَةٍ بِعِلَّةٍ" بِحَسَبِ تَعَدُّدِ صُوَرِهِ8 بِالنَّوْعِ إذَا كَانَ لَهُ صُوَرٌ

1 في ع ض ب: أو الظن به، وفي ز: والظن.

2 في ز ض: لانتفاء

3 في د ض: الحكم بانتفائه.

4 ساقطة من ض.

5 في ش: انتفى.

6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/223.

7 في ش: واحد بالنوع إذا كان له صور.

8 ساقطة من ش. وفي ض: بالنوع إذا كان له صور. وفي ع: بالنوع إذا كان له صورة.

ص: 70

اتِّفَاقًا1، كَتَعْلِيلِ قَتْلِ زَيْدٍ بِرِدَّتِهِ، وَقَتْلِ عَمْرٍو بِالْقِصَاصِ، وَقَتْلِ بَكْرٍ بِالزِّنَا، وَقَتْلِ خَالِدٍ بِتَرْكِ الصَّلاةِ2. "وَ" يَجُوزُ تَعْلِيلُ "صُورَةٍ" وَاحِدَةٍ "بِعِلَّتَيْنِ، وَبِعِلَلٍ3 مُسْتَقِلَّةٍ" عَلَى الصَّحِيحِ، كَتَعْلِيلِ تَحْرِيمِ وَطْءِ هِنْدٍ - مَثَلاً - بِحَيْضِهَا وَإِحْرَامِهَا وَوَاجِبِ صَوْمِهَا، وَكَتَعْلِيلِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ فَرْجٍ، وَزَوَالِ عَقْلٍ وَمَسِّ فَرْجٍ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَدِّدِينَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ4 مُسْتَقِلاًّ5.

وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لأَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ6، وَلا يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْمُعَرِّفِ؛ لأَنَّ7 مِنْ شَأْنِ كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُعْرَفَ، لا الَّذِي

1 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، شرح العضد 2/224، روضة الناظر ص 333، الآيات البينات 4/46، شفاء الغليل ص 514، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/145، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269".

2 انظر "المسودة ص 416، البرهان 2/820، اللمع ص 59، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/167 وما بعدها، المعتمد 2/799، الإحكام للآمدي 3/340، شفاء الغليل ص 514، نشر البنود 2/146، مختصر البعلي ص 144، المستصفى 2/342، فواتح الرحموت 2/282".

3 في ش: وعلة.

4 في ش: الحكم به.

5 انظر "التمهيد للأسنوي ص 467، إرشاد الفحول ص 208، المسودة ص 416، اللمع ص 59، الإحكام للآمدي 3/340، نشر البنود 2/146".

6 في ع: العرف.

7 في ز: ولأنَّ.

ص: 71

وُجِدَ بِهِ التَّعْرِيفُ، حَتَّى تَكُونَ الْوَاحِدَةُ إذَا عُرِفَتْ فَلا تُعْرَفُ1 الأُخْرَى؛ لأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَقْتَضِيهِ قَوْلُ2 أَحْمَدَ فِي خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ3، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْوُقُوعِ يَعُودُ إلَى الْقِسْمِ الأَوَّلِ فَقَطْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعَلَّلَ بِهَا وَاحِدٌ بِالنَّوْعِ. وَأَمَّا الشَّخْصُ فَمُتَعَذِّرٌ4.

فَالْقَتْلُ بِأَسْبَابِ أَشْخَاصِ الْقَتْلِ مُتَعَدِّدَةٌ5 وَالنَّوْعُ وَاحِدٌ فِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ. فَأَمَّا6 الْقَتْلُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَمُحَالٌ تَعَدُّدُهُ، إذْ هُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ، وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ الْحَدَثِ: إنَّمَا هِيَ أَحْدَاثٌ7 فِي مَحَلٍّ، لا حَدَثٌ وَاحِدٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ دُونَ

1 في ع: تعرف في.

2 في ش ز: كلام.

3 انظر "شرح المعضد 2/224، التمهيد للِأسنوي ص 467، الإحكام للآمدي 3/341، إرشاد الفحول ص 209".

4 في ع: فمتعدد.

5 في ش: متعدد.

6 في ض: وأما.

7 في ش: أحداث بسبب.

ص: 72

الْمُسْتَنْبَطَةِ1؛ لأَنَّ الْمَنْصُوصَةَ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَعَدُّدِهَا، فَكَانَتْ أَمَارَاتٌ. وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطَةُ: فَمَا فَائِدَةُ اسْتِخْرَاجِهَا عِلَّةً؟ إلَاّ أَنَّهُ لا عِلَّةَ غَيْرُهَا تُتَخَيَّلُ.

وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَمَارَاتٍ فَاسْتُنْبِطَتْ مُتَعَدِّدَةً فَلا فَرْقَ.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إنَّ ذَلِكَ [جَائِزٌ] فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ2.

وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إنَّ الْمُتَعَدِّدَ جَائِزٌ عَقْلاً وَ3مُمْتَنِعٌ شَرْعًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرْعِ، لا عَلَى4 مَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى مَنْعِهِ5.

وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ، بِأَنْ يُعَلَّلَ

1 انظر "المحصول 2/2/356، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، شرح تنقيح الفصول ص 404، شرح العضد 2/224، التمهيد للأسنوي ص 467، فواتح الرحموت 2/282، الآيات البينات 4/47، الإحكام للآمدي 3/341، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 144".

2 انظر شرح العضد 2/224، فواتح الرحموت 2/282، الآيات البينات 4/47، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 144".

3 ساقطة من ش.

4 في ش ب ز: على معنى.

5 انظر "البرهان 2/820، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، الآيات البينات 4/47، فواتح الرحموت 2/282".

ص: 73

بِإِحْدَاهُمَا فِي وَقْتٍ وَالأُخْرَى1 فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَلا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ2. وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِأَنَّ وُقُوعَهُ فِي الْخَارِجِ دَلِيلُ جَوَازِهِ، وَقَدْ وَقَعَ. فَلِلْحَدَثِ عِلَلٌ3 مُسْتَقِلَّةٌ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ، وَكَذَا لِلْقَتْلِ لِلْقَتْلِ وَغَيْرِهِ4.

وَاعْتَرَضَ الآمِدِيُّ5 بِأَنَّ الْحُكْمَ أَيْضًا مُتَعَدِّدٌ شَخْصًا مُتَّحِدٌ نَوْعًا. وَلِهَذَا يَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِإِسْلامِهِ. وَيَبْقَى الْقِصَاصُ، وَيَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالْقِصَاصِ قَبْلَ إسْلامِهِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ، وَيَبْقَى الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ، وَإِبَاحَةُ الْقَتْلِ6 بِجِهَةِ الْقِصَاصِ حَقٌّ لِلآدَمِيِّ، وَبِجِهَةِ الرِّدَّةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَيُقَدَّمُ الآدَمِيُّ فِي الاسْتِيفَاءِ7. وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو الْمَعَالِي8.

1 في ض: والآخر، وفي ش: وبالأخرى.

2 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، الآيات البينات 4/47.

3 في ع: علة.

4 في ش: علل وغيره، وفي د: وغيره علل.

5 الإحكام في أصول الأحكام 3/343.

6 في ض: الدم، وفي ش: القتل بالقصاص قبل إسلامه بعفو الولي، ويبقى القتل بالردة، وإباحة القتل بالقصاص قبل.

7 وذلك لأن حقه مبني على الشح والمضايقة، وحق الله تعالى مبني على المسامحة والمساهلة، من حيث إنّ الآدمي يتضرر بفوات حقه دون الباري جل وعلا. "إحكام الأحكام للآمدي 3/343".

8 البرهان 2/829.

ص: 74

وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَعَلَيْهِ نَصَّ الأَئِمَّةُ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا، مِثْلُ: خِنْزِيرٌ مَيِّتٌ حَرَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ1، فَأَثْبَتَ تَحْرِيمَيْنِ.

وَحِلُّ الدَّمِ مُتَعَدِّدٌ لَكِنْ ضَاقَ الْمَحَلُّ، وَلِهَذَا يَزُولُ وَاحِدٌ، وَيَبْقَى الآخَرُ. وَلَوْ اتَّحَدَ الْحِلُّ بَقِيَ بَعْضُ حِلٍّ، فَلا يُبِيحُ2.

وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: وَتَتَدَاخَلُ هَذِهِ الأَحْكَامُ، هُوَ دَلِيلُ تَعَدُّدِهَا، وَإِلَاّ فَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لا يُعْقَلُ فِيهِ تَدَاخُلٌ.

قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ الأَحْدَاثِ: إذَا نَوَى أَحَدَهَا3 ارْتَفَعَ وَحْدَهُ، يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَالأَشْهَرُ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ: يَرْتَفِعُ الْجَمِيعُ. وَقَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْءَ لا يَتَعَدَّدُ فِي نَفْسِهِ بِتَعَدُّدِ إضَافَاتِهِ، وَإِلَاّ غَايَرَ حَدَثُ الْبَوْلِ حَدَثَ الْغَائِطِ، وَتَعَدُّدُهُ بِاخْتِلافِ الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ، فَدَعْوَى خَاصِّيَّتِهِ4 لا يُفِيدُهُ5. وَأَيْضًا فَالْعِلَّةُ دَلِيلٌ، فَجَازَ تَعَدُّدُهَا كَبَقِيَّةِ الأَدِلَّةِ.

"وَ" عَلَى الْجَوَازِ فَ "كُلُّ وَاحِدَةٍ" مِنْ الْعِلَلِ "عِلَّةٌ" كَامِلَةٌ "لا جُزْءُ عِلَّةٍ" عِنْدَ الأَكْثَرِ6.

1 في ض د: جهتين.

2 في ع ض: يبح.

3 في ش: أحدهما.

4 في ض: خاصة، وفي ب: خاصته.

5 في ش: لا تفيد، وفي ز: لا بقيده، وفي ض: لا يفيد.

6 انظر: شرح العضد 2/227، فواتح الرحموت 2/286، مختصر البعلي ص 144.

ص: 75

وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: جُزْءُ عِلَّةٍ1.

وَقِيلَ: الْعِلَّةُ إحْدَاهَا لا بِعَيْنِهَا2.

وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِقْلالُ كُلٍّ مِنْهَا3 مُنْفَرِدَةً. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً لامْتَنَعَ اجْتِمَاعُ الأَدِلَّةِ؛ لأَنَّ الْعِلَلَ أَدِلَّةٌ.

"وَ" يَجُوزُ تَعْلِيلُ "حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ" وَاحِدَةٍ، بِمَعْنَى الأَمَارَةِ اتِّفَاقًا4؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ إنْ فُسِّرَتْ بِالْمُعَرَّفِ5، فَجَوَازُهُ6 ظَاهِرٌ7؛ إذْ لا يَمْتَنِعُ عَقْلاً وَلا شَرْعًا نَصْبُ أَمَارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.

بَلْ قَالَ الآمِدِيُّ8: لا نَعْرِفُ فِي ذَلِكَ خِلافًا، كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: جَعَلْت طُلُوعَ الْهِلالِ أَمَارَةً عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ، أَوْ طُلُوعَ فَجْرِ رَمَضَانَ أَمَارَةً لِوُجُوبِ الإِمْسَاكِ وَصَلاةِ

1 انظر مختصر البعلي ص 144.

2 انظر مختصر البعلي ص 144.

3 في ع ض ب: منهما.

4 انظر "مناهج العقول 3/115، الإبهاج 3/99، نهاية السول 3/117، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، حاشية البناني 2/246، شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/48، الإحكام للآمدي 3/344، نشر البنود 2/147، مختصر البعلي ص 145".

5 في ش ع: بالعرف.

6 في ش: فجوازه على حكمين.

7 في ش ز: ظاهراً.

8 الإحكام في أصول الأحكام 3/344 بتصرف.

ص: 76

الصُّبْحِ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ1 فِي الإِثْبَاتِ أَوْ فِي النَّفْيِ.

وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إثْبَانًا وَنَفْيًا"2

فَمِنْ الإِثْبَاتِ: السَّرِقَةُ؛ فَإِنَّهَا عِلَّةٌ فِي الْقَطْعِ لِمُنَاسَبَةِ زَجْرِ السَّارِقِ، حَتَّى لا يَعُودَ، وَفِي3 غَرَامَةِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ لِصَاحِبِهِ لِمُنَاسَبَتِهِ4 لِجَبْرِهِ5.

وَمِنْ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ: الْحَيْضُ، فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِمَنْعِ الصَّلاةِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْمَنْعِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ.

وَلا يُعَدُّ فِي مُنَاسَبَةٍ6 وَصْفٌ وَاحِدٌ لِعَدَدٍ مِنْ الأَحْكَامِ.

وَذَهَبَ جَمْعٌ يَسِيرٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَصْفُ اسْتَوْفَاهُ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ7.

1 في ش: ذلك الإمساك وصلاة الصبح، وسواء كان ذلك.

2 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/246، الآيات البينات 4/48، نشر البنود 2/147.

3 ساقطة من ش.

4 في د: مناسبته، وفي ب: لمناسبة، وفي ش: مناسبة.

5 في ب: تجبره.

6 في ز ض ب: مناسبته.

7 انظر نشر البنود 2/148.

ص: 77

وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الْمَقْصُودُ عَلَيْهِمَا، فَلا يَحْصُلُ جَمِيعُهَا إلَاّ بِهِمَا1، أَوْ2 يَحْصُلُ لِلْحُكْمِ3 الثَّانِي حِكْمَةٌ أُخْرَى فَتَتَعَدَّدُ4 الْحِكْمَةُ، وَالْوَصْفُ ضَابِطٌ لأَحَدِهِمَا5.

وَيَدْخُلُ فِي إطْلاقِهِمْ جَوَازُ تَعْلِيلِ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ تَضَادٌّ، وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، كَالْجِسْمِ يَكُونُ عِلَّةً لِلسُّكُونِ بِشَرْطِ الْبَقَاءِ فِي الْحَيِّزِ، وَعِلَّةً لِلْحَرَكَةِ بِشَرْطِ الانْتِقَالِ عَنْهُ.

وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الشَّرْطَانِ؛ لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ اقْتِضَاءُ6 الْعِلَّةِ لَهُمَا بِدُونِ7 ذَلِكَ؛ لِئَلَاّ يَلْزَمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَهُوَ مُحَالٌّ.

وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّضَادُّ فِي الشَّرْطَيْنِ؛ لأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا، كَالْبَقَاءِ فِي الْحَيِّزِ مَعَ الانْتِقَالِ مَثَلاً، فَعِنْدَ حُصُولِ ذَيْنِك الشَّرْطَيْنِ إنْ حَصَلَ الْحُكْمَانِ - أَعْنِي السُّكُونَ وَالْحَرَكَةَ - لَزِمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ، وَإِنْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآخَرِ: لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلا

1 في ع: بها.

2 في د ض: و.

3 في ع: الحكم.

4 في ع ز: فتعدد.

5 انظر تحقيق المسألة في: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/246، الآيات البينات 4/47.

6 في ض: انتفاء.

7 ساقطة من ش.

ص: 78

مُرَجِّحٍ، وَإِنْ حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَرَجَتْ الْعِلَّةُ عَنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً، فَتَعَيَّنَ التَّضَادُّ فِي الشَّرْطَيْنِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُفَصَّلٌ، وَهُوَ الْجَوَازُ إنْ لَمْ يَتَضَادَّا، كَالْحَيْضِ لِتَحْرِيمِ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ، وَالْمَنْعُ إنْ تَضَادَّا، كَأَنْ يَكُونَ مُبْطِلاً لِبَعْضِ الْعُقُودِ مُصَحِّحًا لِبَعْضِهَا، كَالتَّأْبِيدِ يُصَحِّحُ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُ الإِجَارَةَ 1.

"وَ" مِنْ شُرُوطِ2 الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَتَأَخَّرَ عِلَّةُ الأَصْلِ عَنْ حُكْمِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ3 يُشْتَرَطُ أَنْ لا يَكُونَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ4.

كَمَا لَوْ قِيلَ فِيمَنْ أَصَابَهُ عَرَقُ الْكَلْبِ: أَصَابَهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ نَجِسٍ، فَكَانَ نَجِسًا كَلُعَابِهِ، فَيَمْنَعُ السَّائِلُ كَوْنَ عَرَقِ الْكَلْبِ نَجِسًا.

1 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، حاشية البناني 2/247، الآيات البينات 4/48، نشر البنود 2/148".

2 في ع ض: شرط.

3 ساقطة من ع ب.

4 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/247، شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/48، الإحكام للآمدي 3/349، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145، تيسير التحرير 4/30، فواتح الرحموت 2/289".

ص: 79

فَيَقُولُ1 الْمُسْتَدِلُّ: لأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا، أَيْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُ. فَكَانَ نَجِسًا كَبَوْلِهِ.

فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ ثُبُوتُهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حُكْمِ الأَصْلِ؛ فَتَكُونُ فَاسِدَةً؛ لأَنَّ حُكْمَ الأَصْلِ - وَهُوَ نَجَاسَتُهُ - يَجِبُ أَنْ تَكُونَ سَابِقَةً عَلَى اسْتِقْذَارِهِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ بِاسْتِقْذَارِهِ إنَّمَا هُوَ مُرَتَّبٌ2 عَلَى ثُبُوتِ نَجَاسَتِهِ. وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَاسِدَةً لِتَأَخُّرِهَا عَنْ حُكْمِ الأَصْلِ فَمَا3 يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ 4مِنْ غَيْرِ بَاعِثٍ، عَلَى تَقْدِيرِ تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْبَاعِثِ. وَقَدْ فَرَضْنَا تَأَخُّرَهَا عَنْ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُحَالٌ؛ لأَنَّ الْفَرْضَ5: أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عُرِفَ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ6 لَكِنْ إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ مَعْنَى الْمُعَرِّفِ: الَّذِي يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِهِ7. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ: فَلا لِذَلِكَ8.

"وَ" مِنْ شُرُوطِ9 الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَرْجِعَ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ "بِإِبْطَالٍ" حَتَّى لَوْ اُسْتُنْبِطَتْ مِنْ

1 في ش: ويقول.

2 في ش: مترتب.

3 في ش: فيما.

4 في ش ز: بغير.

5 في د ع ض: الغرض.

6 في ش: الحكمة.

7 ساقطة من ش، وفي ز: به التعريف.

8 في د: كذلك.

9 في ش ع ض: شرط.

ص: 80

نَصٍّ، وَكَانَتْ تُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا، وَذَلِكَ؛ لأَنَّ الأَصْلَ مَنْشَؤُهَا1، فَإِبْطَالُهَا لَهُ إبْطَالٌ لَهَا؛ لأَنَّهَا فَرْعُهُ، وَالْفَرْعُ لا يُبْطِلُ أَصْلَهُ؛ إذْ لَوْ أَبْطَلَ2 أَصْلَهُ لأَبْطَلَ نَفْسَهُ3.

كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَ الشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ: بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهُ مُجَوِّزٌ لإِخْرَاجِ قِيمَةِ الشَّاةِ، فَيَتَخَيَّرُ4 عَلَى ذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا، وَهُوَ مُفْضٍ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا.

وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ تَجْوِيزِكُمْ الاسْتِنْجَاءَ بِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ، اسْتِنْبَاطًا مِنْ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الاسْتِنْجَاءِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ5؟ فَإِنَّكُمْ أَبْطَلْتُمْ هَذَا التَّوْسِيعَ6 بِغَيْرِ7 الأَحْجَارِ الْمَأْمُورِ بِهَا!!

لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا8 فَهِمْنَا إبْطَالَ تَعْيِينِهَا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

1 في ش ز: منشأها.

2 في ض: بطل.

3 انظر "شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/51، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/247، نهاية السول 3/117، تيسير التحرير 4/31، فواتح الرحموت 2/289، أصول السرخسي 2/165".

4 في ش: فيتخير بين هذا وبين تجويزكم الاستنجاء، وفي ض: فيخير.

5 سبق تخريجه في ج 3 ص 465.

6 في ش: التوسع.

7 في ش زب: بعين.

8 في ش: إنْ.

ص: 81

وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا أَمَرَهُ بِالاسْتِنْجَاءِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ "وَلا يَسْتَنْجِي1 بِرَجِيعٍ وَلا عَظْمٍ2" فَدَلَّ عَلَى3 أَنَّهُ أَرَادَ أَوَّلاً4: الأَحْجَارَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَإِلَاّ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْ الرَّجِيعِ وَالْعَظْمِ فَائِدَةٌ.

"وَفِي قَوْلٍ: وَلا بِتَخْصِيصٍ" يَعْنِي أَنَّهُ هَلْ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ: أَنْ لا تَعُودَ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ بِتَخْصِيصٍ، أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهَا؟

لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلانِ5.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: حَدِيثُ 6النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ7 فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ - وَهُوَ8

1 في ش: تستنج.

2 أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن سلمان الفارسي مرفوعاً.

"صحيح مسلم 1/223، سنن النسائي 1/35، عارضة الأحوذي 1/32، بذل المجهود 1/20".

3 ساقطة من ض.

4 ساقطة من ش.

5 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/354، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/248، الآيات البينات 4/51".

6 ساقطة من ش.

7 أخرجه مالك في الموطأ 2/655، والبيهقي في سننه 5/296، والحاكم في المستدرك 2/35، والدارقطني 3/71، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وأخرجه البيهقي في سننه أيضاً 5/296 من طريق الحسن عن سمرة مرفوعاً ثم قال: هذا إسناد صحيح. ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عدّه موصولاً، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب والقاسم ابن أبي بزة وقول أبي بكر الصديق.

8 في ش: وهي.

ص: 82

مَعْنَى الرِّبَا - تَقْتَضِي1 تَخْصِيصَهُ بِالْمَأْكُولِ2؛ لأَنَّهُ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِأَصْلِهِ. فَمَا لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ لا مَدْخَلَ لَهُ فِي النَّهْيِ، فَقَدْ عَادَتْ الْعِلَّةُ عَلَى3 أَصْلِهَا بِالتَّخْصِيصِ.

فَلِذَلِكَ جَرَى لِلشَّافِعِيِّ قَوْلانِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، مَأْخَذُهُمَا ذَلِكَ4.

وَلأَصْحَابِنَا أَيْضًا5 فِي ذَلِكَ قَوْلانِ6، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا: صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مُطْلَقًا7. وَأَمَّا عَوْدُ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ بِالتَّعْمِيمِ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ8 بِغَيْرِ خِلافٍ، كَمَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" 9 أَنَّ الْعِلَّةَ: تَشْوِيشُ الْفِكْرِ، فَيَتَعَدَّى إلَى كُلِّ

1 في ع ض ب: يقتضي.

2 ساقطة من ض.

3 في ش: من.

4 انظر: المهذب 1/284، التنبيه ص 65، تكملة المجموع 11/213 وما بعدها، فتح العزيز 8/188.

5 ساقطة من ع.

6 أي في بيع اللحم بالحيوان غير مأكول اللحم. "انظر المبدع 4/135".

7 أقول: تصحيح المصنف صحة بيع اللحم بالحيوان مطلقاً غير موافق لمذهب الحنابلة، إذا الصحيح المعتمد عند الحنابلة صحة بيع اللحم بالحيوان إذا كان الحيوان غير مأكول اللحم أو كان مأكول اللحم لكن من غير جنس اللحم. أما بيع اللحم بالحيوان مأكول اللحم من جنسه فلا خلاف في مذهبهم في عدم صحته. "انظر كشاف القناع 3/243، شرح منتهى الإرادات 2/195، المبدع 4/135، المغني 4/37، المحرر 1/320".

8 في ش: بخلاف.

9 سبق تخريجه في ج 3 ص 466.

ص: 83

مُشَوِّشٍ مِنْ شِدَّةِ فَرَحٍ وَنَحْوِهِ.

"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا يَكُونَ لِلْمُسْتَنْبَطَةِ1 مُعَارِضٌ فِي الأَصْلِ"2.

يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً: أَنْ لا تَكُونَ مُعَارَضَةً بِمُعَارِضٍ مُنَافٍ مَوْجُودٍ فِي الأَصْلِ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ، وَلَيْسَ3 مَوْجُودًا فِي الْفَرْعِ؛ لأَنَّهُ4 مَتَى كَانَ فِي الأَصْلِ وَصْفَانِ مُتَنَافِيَانِ5 يَقْتَضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقِيضَ الآخَرِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا عِلَّةً6 إلَاّ بِمُرَجِّحٍ7.

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ8 فِي9 صَوْمِ الْفَرْضِ " صَوْمُ مُعَيَّنٍ " فَيَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ.

1 في ع: للمستنبط.

2 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/249، شرح العضد 2/228، أدب القاضي للماوردي 1/541، الآيات البينات 4، 52، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 207، تيسير التحرير 4/31، فواتح الرحموت 2/290".

3 في ز: فليس.

4 في ض: كأنه.

5 في ض: متناقضان.

6 ساقطة من ع.

7 في ش: بلا مرجح.

8 في ش: الحنفي لبعضها فيصح نكاحها و.

9 ساقطة من د.

ص: 84

فَيُقَالُ لَهُ: صَوْمُ فَرْضٍ، فَيُحْتَاطُ فِيهِ وَلا يُبْنَى عَلَى السُّهُولَةِ.

"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تُخَالِفَ نَصًّا وَلا إجْمَاعًا"؛ لأَنَّ النَّصَّ وَالإِجْمَاعَ لا يُقَاوِمُهُمَا الْقِيَاسُ، بَلْ يَكُونُ إذَا خَالَفَهُمَا بَاطِلاً1.

مِثَالُ مُخَالَفَةِ النَّصِّ: أَنْ يَقُولَ حَنَفِيٌّ: امْرَأَةٌ مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا، فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، كَبَيْعِهَا سِلْعَتَهَا.

فَيُقَالُ لَهُ: هَذِهِ عِلَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا2 بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ"3.

وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ: أَنْ يَقُولَ مُسَافِرٌ فَلا تَجِبُ4 عَلَيْهِ الصَّلاةُ فِي السَّفَرِ، قِيَاسًا عَلَى صَوْمِهِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي السَّفَرِ، بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ.

1 انظر "شرح العضد 2/229، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 207، مختصر البعلي ص 145، تيسير التحرير 4/32، المستصفى 2/348، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/250، فواتح الرحموت 2/289، أدب القاضي للماوردي 1/541، الآيات البينات 4/55".

2 ساقطة من ش.

3 سبق تخريجه في ج 2 ص 541.

4 في ش: يجب.

ص: 85

فَيُقَالُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ مُخَالِفَةٌ لِلإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَشَقَّةِ فِي الصَّلاةِ، وَوُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَى الْمُسَافِرِ مَعَ وُجُودِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ1.

وَمِثَالٌ آخَرُ لَوْ قِيلَ: إنَّ الْمِلْكَ لا يُعْتَقُ فِي الْكَفَّارَةِ لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ، بَلْ يَصُومُ، وَهُوَ يَصْلُحُ مِثَالاً لَهُمَا. قَالَهُ الْعَضُدُ2.

"وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ لا تَتَضَمَّنَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ" أَيْ حُكْمًا فِي الأَصْلِ غَيْرَ مَا أَثْبَتَهُ النَّصُّ3؛ لأَنَّهَا4 إنَّمَا تُعْلَمُ مِمَّا أُثْبِتَ فِيهِ.

مِثَالُهُ "لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَاّ يَدًا بِيَدٍ5 سَوَاءً بِسَوَاءٍ" فَتُعَلَّلُ الْحُرْمَةُ6 بِأَنَّهُ7 رِبًا فِيمَا يُوزَنُ كَالنَّقْدَيْنِ، فَيَلْزَمُ التَّقَابُضُ، مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ.

وَقَالَ الآمِدِيُّ8: لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، إلَاّ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ

1 في ض ب: المشقة للسفر.

2 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/229.

3 انظر "إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي 145، تيسير التحرير 4/33، شرح العضد 2/229، فواتح الرحموت 2/289".

4 في ز: فإنها.

5 ساقطة من ش ض.

6 في ش: العلة.

7 في ش: بأنها.

8 الإحكام في أصول الأحكام 3/355.

ص: 86

مُنَافِيَةً لِلنَّصِّ؛ لأَنَّهَا إذَا لَمْ تُنَافِ1 لَمْ2 يَضُرَّ وُجُودُهَا.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ3.

4"وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ يَكُونَ دَلِيلُهَا شَرْعِيًّا 5" وَذَلِكَ؛ لأَنَّ دَلِيلَهَا لَوْ كَانَ غَيْرَ شَرْعِيٍّ لَلَزِمَ أَنْ لا يَكُونَ الْقِيَاسُ شَرْعِيًّا.

"وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ لا يَعُمُّ دَلِيلُهَا حُكْمَ الْفَرْعِ" يَعْنِي أَنْ6 لا يَكُونَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ7 شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ "بِعُمُومِهِ" كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ، فَيُقَالُ: الْعِلَّةُ دَلِيلُهَا حَدِيثُ "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ8 "أَوْ بِخُصُوصِهِ9" كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ

1 في ع: تتلف.

2 في ع ض ب: لا.

3 وكذا اختاره التاج السبكي في جمع الجوامع. "جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/251، الآيات البينات 4/55".

4 ساقطة من ع.

5 انظر "شرح العضد 2/219، الإحكام للآمدي 3/355، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145".

6 في ض: انه.

7 في ش: العلة حكماً.

8 صحيح مسلم 3/1214.

9 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/252، شرح العضد 2/229، الآيات البينات 4/60، إرشاد الفحول ص 208، نهاية السول 3/117، تيسير التحرير 4/33، فواتح الرحموت 2/290".

ص: 87

فَلْيَتَوَضَّأْ" 1 وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا، لَكِنْ يُذْكَرُ لِلتَّمْثِيلِ.

فَلَوْ قِيلَ فِي الْقَيْءِ: خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، فَيَنْقُضُ كَالْخَارِجِ مِنْهُمَا. ثُمَّ اُسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا يُنْقَضُ بِهَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يَصِحَّ؛ لأَنَّهُ تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ، بَلْ فِي الثَّانِي - مَعَ كَوْنِهِ تَطْوِيلاً - رُجُوعٌ عَنْ الْقِيَاسِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ2 بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ، لا بِنَفْسِ الْعِلَّةِ، فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ.

قَالَ الْعَضُدُ: لَنَا3 أَنَّهُ يُمْكِنُ4 إثْبَاتُ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ، كَمَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الأَصْلِ بِهِ. فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى إثْبَاتِ الأَصْلِ، ثُمَّ الْعِلَّةِ، ثُمَّ بَيَانِ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ، ثُمَّ بَيَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا: تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ. وَأَيْضًا 5فَإِنَّهُ رُجُوعٌ مِنْ الْقِيَاسِ إلَى

1 أخرجه البيهقي والدارقطني وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً، كما أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن جريج عن أبيه مرسلاً، وفي إسناده في الروايتين إسماعيل بن عياش. قال الحافظ بن حجر: وروايته عن غير الشاميين ضعيفة، وهذا منها. وقال أيضاً: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند الدارقطني وإسناده أضعف من الأول، وأخرجه أيضاً ابن عباس نحوه، وفي إسناده سليمان بن أرقم. "انظر سنن البيهقي 1/142 وما بعدها، سنن الدارقطني 1/153 وما بعدها، سنن ابن ماجة 1/386، الدراية في تخريح أحاديث الهداية 1/30 وما بعدها".

2 في ز: ثبت.

3 ساقطة من د ض.

4 في ش: ممكن.

5 في ش: أن تكون فائدة.

ص: 88

النَّصِّ1.

"وَأَنْ تَتَعَيَّنَ" يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا: أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً لا مُبْهَمَةً2، بِمَعْنَى شَائِعَةٍ، خِلافًا لِمَنْ اكْتَفَى بِذَلِكَ، مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه " اعْرِفْ الأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ، وَقِسْ الأُمُورَ3 بِرَأْيِك "4 فَيَكْفِي عِنْدَهُمْ كَوْنُ الشَّيْءِ مُشْبَهًا لِلشَّيْءِ شَبَهًا مَا.

قَالَ الْهِنْدِيُّ: لَكِنْ أَطْبَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى فَسَادِهِ؛ لأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ وَالْمُجْتَهِدَ سَوَاءٌ فِي إثْبَاتِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْحَوَادِثِ، إذْ مَا مِنْ عَامِّيٍّ إلَاّ وَعِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَصْلٌ مِنْ الأُصُولِ عَامٌّ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ.

1 شرح المعضد على مختصر ابن الحاجب 2/230.

2 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/251، التبصرة للشيرازي ص 458، اللمع ص 59، تيسير التحرير 4/53، فواتح الرحموت 2/301، الآيات البينات 4/57، إرشاد الفحول ص 208، نشر البنود 2/150، إعلام الموقعين 1/148، المسودة ص 389، الوصول إلى مسائل الأصول 2/252، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 15".

3 ساقطة من ض.

4 هذا جزء من كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري في أصول القضاء، وقد أخرجه الدارقطني والبيهقي وغيرهم. قال العلامة ابن القيم:"هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه". "انظر إعلام الموقعين 1/86، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/200، سنن الدارقطني 4/206 وما بعدها، إرواء الغليل 8/241" وقد حاول ابن حزم الطعن في صحته وسعى في إبطاله سنداً ومتناً في كتابه الإحكام في أصول الأحكام 7/1003 وما بعدها، فتأمل!

ص: 89

وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهُ لا بُدَّ فِي الإِلْحَاقِ مِنْ الاشْتِرَاكِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّفُونَ فِي الْحَوَادِثِ1 لا يُلْحِقُونَهَا بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ بَعْدَ عَجْزِهِمْ عَنْ إلْحَاقِهَا بِمَا يُشَارِكُهَا فِي وَصْفٍ خَاصٍّ.

أَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْصُورِ: فَلا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ مَسَّ الرَّجُلُ مِنْ الْخُنْثَى فَرْجَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْخُنْثَى فَرْجَ النِّسَاءِ بِشَهْوَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَاسِّينَ؛ لأَنَّهُ إمَّا مَسُّ فَرْجٍ أَوْ مَسٌّ لِشَهْوَةٍ.

"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَكُونَ وَصْفًا مُقَدَّرًا2" غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، أَيْ مَفْرُوضًا لا حَقِيقَةَ لَهُ3، كَتَعْلِيلِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ4

1 في ز: الحادث.

2 المراد بالتقدير في هذا المقام: إعطاء المعدوم حكم الموجود. "قواعد الأحكام 2/112" وللتقدير معانٍ أخرى عند الفقهاء والأصوليين، منها: إعطاء الموجود حكم المعدوم. ومنها: إعطاء المتأخر حكم المتقدم. ومنها: إعطاء الآثار والصفات حكم الأعيان والموجودات.

"انظر هذه الإطلاقات وأمثلتها بصورة مفصلة في قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/112-117".

3 انظر تحقيق المسألة في "المستصفى 2/336، نشر البنود 2/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/251، شرح تنقيح الفصول ص 410، الآيات البينات 4/59، إرشاد الفحول ص 208".

4 في ش: الصرف.

ص: 90

بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْمِلْكِ1.

قَالَ الرَّازِيّ2: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالصِّفَاتِ الْمُقَدَّرَةِ، خِلافًا 3 لِلْفُقَهَاءِ الْبَصْرِيِّينَ.

قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ: أَنْكَرَ الإِمَامُ وَجَمْعٌ تَصْوِيرَ التَّقْدِيرِ فِي الشَّرْعِ، فَضْلاً عَنْ التَّعْلِيلِ بِهِ4.

قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ5: قُلْت: الْفُرُوعُ الْفِقْهِيَّةُ كَثِيرَةٌ بِالتَّعْلِيلِ6 بِالأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ، لا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلافٌ، وَكَأَنَّهَا7 عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ التَّحْقِيقِيَّاتِ. أَلا تَرَى أَنَّ الْحَدَثَ عِنْدَهُمْ وَصْفٌ وُجُودِيٌّ مُقَدَّرٌ قِيَامُهُ8 9بِالأَعْضَاءِ يَرْفَعُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، وَلا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ9!!

1 باعتبار أن الملك عند الفقهاء هو معنى شرعي مقدر في المحل، أثره إطلاق التصرفات. "انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/252، نشر البنود 2/151".

2 المحصول 2/2/431.

3 كذا في سائر الأصول الخطية. وفي المحصول: لبعض الفقهاء المعاصرين.

4 شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 410، 411. غير أن الإمام القرافي بعد أن حكى رأي الإمام الرازي في إنكار المقدرات وعدم صحة التعليل بها ناقشه وردّه، ثم قال: "فإنكار الإمام منكر، والحق التعليل بالمقدرات".

5 ساقطة من ض.

6 في ش: التعليل.

7 في ع: فكأنها.

8 في ش ض: قياسه.

9 ساقطة من ع.

ص: 91

1"وَقَدْ تَكُونُ" الْعِلَّةُ "حُكْمًا شَرْعِيًّا" عِنْدَ الأَكْثَرِ2.

وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ3 أَصْحَابِنَا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمَارَةٌ.

وَالْعِلَّةُ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا فِي الأَصْلِ الْمُتَعَدِّيَةُ إلَى الْفَرْعِ.

وَأَيْضًا قَدْ يَدُورُ حُكْمٌ مَعَ حُكْمٍ، وَالدَّوَرَانُ عِلَّةٌ كَمَا يَأْتِي. وَمَنَعَهُ آخَرُونَ.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقَوْلِنَا: مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ عَلَى أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الأُصُولِيِّينَ.

وَقِيلَ: لا يَجُوزُ، وَ4يُعْزَى إلَى بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْمُنَى.

1 ساقطة من ع.

2 انظر "حاشية البناني 2/234، شرح تنقيح الأصول ص 408، شرح العضد 2/230، المسودة ص 411، 466، روضة الناظر ص 319، اللمع ص 59، المعتمد 2/805، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/301، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 145، نهاية السول 3/109، شرح البدخشي 3/108، الإبهاج 3/92، تيسير التحرير 4/34، المستصفى 2/335، فواتح الرحموت 2/290، فتح الغفار 3/20، كشف الأسرار 3/347، الوصول إلى مسائل الأصول 2/277".

3 في ز: من. وفي ض: عند.

4 ساقطة من ش.

ص: 92

وَقِيلَ: يَجُوزُ كَوْنُهُ عِلَّةً، بِمَعْنَى الأَمَارَةِ، لا فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ تَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، لا بِمَعْنَى الأَمَارَةِ. اهـ

"وَتَكُونُ1 صِفَةُ الاتِّفَاقِ" فِي مَسْأَلَةٍ "وَ" صِفَةُ "الاخْتِلافِ" فِي أُخْرَى "عِلَّةً" لِلْحُكْمِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ2، كَالإِجْمَاعِ حَادِثٌ، وَهُوَ دَلِيلٌ، وَالاخْتِلافُ يَتَضَمَّنُ خِفَّةَ حُكْمِهِ، وَعَكْسُهُ الاتِّفَاقُ، كَقَوْلِنَا فِي3 الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ: مُتَوَلِّدٌ مِنْ4 أَصْلَيْنِ يُزَكَّى أَحَدُهُمَا إجْمَاعًا، فَوَجَبَ فِيهِ، كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ. وَقَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْكَلْبِ: مُخْتَلَفٌ فِي حِلِّ لَحْمِهِ، فَلَمْ يَجِبْ فِي وُلُوغِهِ عَدَدٌ كَالسَّبُعِ.

وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ لِحُدُوثِهَا بَعْدَ الأَحْكَامِ.

وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ ضِمْنَ مَسْأَلَةِ النَّبِيذِ

لَنَا "وَيَتَعَدَّدُ الْوَصْفُ وَيَقَعُ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّدِ 5عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ6، وَيُسَمَّى الْوَصْفَ الْمُرَكَّبَ؛ لأَنَّ

1 في ع ض ب: وقد يكون حكماً شرعياً وتكون.

2 انظر المسودة ص 409، 410.

3 ساقطة من ع.

4 في ش: بين.

5 في ع: للتعدد.

6 انظر "حاشية البناني 3/234، فواتح الرحموت 2/291، كشف الأسرار 3/348، شرح تنقيح الفصول ص 409، شرح العضد 2/230، المحصول 2/2/413، روضة الناظر ص 319، اللمع ص 60، المعتمد 2/789، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/306، نشر البنود 2/134، =

ص: 93

الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُفْرَدَةِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْعِلَّةِ1 الْمُرَكَّبَةِ، فَهُمَا سَوَاءٌ. وَذَلِكَ كَمَا نَقُولُ2 فِي قِصَاصِ النَّفْسِ: قَتْلٌ مَحْضٌ عُدْوَانٌ.

وَقِيلَ: لا؛ لأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمُرَكَّبِ يُؤَدِّي إلَى مُحَالٍ. فَإِنَّهُ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ تَنْتَفِي عِلِّيَّتُهُ، فَبِانْتِفَاءِ3 آخَرَ يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لأَنَّ انْتِفَاءَ الْجُزْءِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ4.

رُدَّ لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عِلَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمُ شَرْطٍ، فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ شَرْطٌ لِلْعِلِّيَّةِ5. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ عِلَّةٌ، فَحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ إلَى انْتِفَاءِ 6جُزْءٍ آخَرَ، كَمَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ7.

"وَمَا حَكَمَ بِهِ الشَّارِعُ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عَيْنٍ، أَوْ فَعَلَهُ" الشَّارِعُ "أَوْ أَقَرَّهُ" أَيْ أَقَرَّ الشَّارِعُ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِهِ "لا يُعَلَّلُ بِمُخْتَصَّةٍ" أَيْ

= مختصر البعلي ص 145، نهاية السول 3/112، مناهج العقول 3/112، الإبهاج 3/96، تيسير التحرير 4/34، المستصفى 2/336".

1 ساقطة من ش. وفي ض: المنفردة يستدل به على العلة.

2 في ش: تقول.

3 في ع: فانتفاء.

4 في ع ض: العلة.

5 في ع: للعلة.

6 في ش: أجزاء أخر.

7 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/235، الآيات البينات 4/39.

ص: 94

بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ "بِذَلِكَ الْوَقْتِ؛ بِحَيْثُ يَزُولُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا" بِزَوَالِهَا1.

"وَقَدْ تَزُولُ الْعِلَّةُ وَيَبْقَى الْحُكْمُ كَالرَّمَلِ"2

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - وَعَنَى بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - مَا حَكَمَ بِهِ الشَّارِعُ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عَيْنٍ، أَوْ فَعَلَهُ، أَوْ أَقَرَّهُ: هَلْ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، بِحَيْثُ يَزُولُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا؟ جَوَّزَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ.

ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْلِيلِ، وَذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي حُكْمِهِ بِتَضْعِيفِ الْغُرْمِ عَلَى سَارِقِ الثَّمَرِ3 الْمُعَلَّقِ، وَالضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ4، وَمَانِعِ الزَّكَاةِ، وَتَحْرِيقِ مَتَاعِ الْغَالِّ وَهُوَ شُبْهَتُهُمْ أَنَّ5 حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ انْقَطَعَ.

وَمَنَعَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ.

1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 18.

2 الرَّمَل: هو الإسراع في المشي وهزّ المنكب. وقد شرع رَمَل الطواف في عمرة القضاء ليرى المشركون قوة المسلمين حيث قالوا: وهنتهم حمى يثرب. وقيل: الرمَل إسراع المشي مع تقارب الخطى، وهو الخبب. "مجمع بحار الأنوار 2/380 وما بعدها".

3 ساقطة من ض.

4 في ش: المكتوبة.

5 في ش: في أن.

ص: 95

ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ - يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ أَيْضًا - قَدْ تَزُولُ الْعِلَّةُ وَيَبْقَى الْحُكْمُ، كَالرَّمَلِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النُّطْقُ حُكْمٌ مُطْلَقٌ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا1 فَقَدْ2 ثَبَتَتْ3 الْعِلَّةُ مُطْلَقًا.

وَهَذَانِ جَوَابَانِ لا حَاجَةَ إلَيْهِمَا.

وَاحْتُجَّ بِأَنَّ هَذَا رَأْيٌ مُجَرَّدٌ، وَبِتَمَسُّكِ الصَّحَابَةِ بِـ"نَهْيِهِ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ " فِي الْعَامِ الْقَابِلِ4.

وَمُرَادُهُ: أَنَّهُ صَحَّ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ6، وَقَوْلِ جَابِرٍ "كُنَّا لا نَأْكُلُ، فَرَخَّصَ

1 في ش: خاص.

2 ساقطة من د.

3 في ع: تثبت، وفي ش: أثبتت.

4 حيث روى البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ضحّى منكم فلا يُصبِحَنَّ بعد ثالثة وفي بيته منه شي"، فلما كان العام المقبل، قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال:"كلوا وأطعموا وادّخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تُعينوا فيها". "رواه البخاري 6/239، صحيح مسلم 3/1563".

5 أي صحّ عنهم جواز ادّخارها.

6 هو الصحابي الجليل قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الظَّفَري الأنصاري الأوسي، أبو عبد الله، من فضلاء الصحابة، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وأحُداً وبدراً والخندق وسائر المشاهد، وقلعت عينه يوم أحد، فردّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أحسن عينيه. توفي بالمدينة سنة 23 هـ وهو ابن خمس وستين سنة. "انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد =

ص: 96

لَنَا"1.

"وَتَعْلِيلُهُ" أَيْ الْحُكْمِ "بِعِلَّةٍ زَالَتْ. وَإِذَا عَادَتْ" الْعِلَّةُ عَادَ الْحُكْمُ "فِيهِ نَظَرٌ"

"وَعَكْسُهُ" أَيْ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ تَعْلِيلُ حُكْمٍ نَاسِخٍ بِمُخْتَصَّةٍ أَيْ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الزَّمَنِ، بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ 2تِلْكَ الْعِلَّةُ "زَالَ" الْحُكْمُ.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَالْحُكْمُ هُنَا أَقْسَامٌ:

أَعْلاهَا: أَنْ يَكُونَ3 بِخِطَابٍ مُطْلَقٍ4.

الثَّانِي: أَنْ يَثْبُتُ فِي أَعْيَانٍ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِعْلاً أَوْ إقْرَارًا.

= 2/3/25، الاستيعاب 3/1274، أسد الغابة 4/195، الإصابة 3/225، الكامل لابن الأثير 3/40، تهذيب الأسماء واللغات 2/58، مشاهير علماء الأمصار ص 27، سير أعلام النبلاء 2/331، شذرات الذهب 1/34". وحديث قتادة بن النعمان في جواز أكل الأضاحي وادخارها أخرجه الحاكم في المستدرك 4/232 وقال عنه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

1 أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده، ولفظ الشيخين "كنا لا نأكل من لحوم بُدننا فوق ثلاث منى، فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا وتزوَّدوا". "صحيح البخاري 2/178، صحيح مسلم 3/1562، سنن النسائي 7/206، الموطأ 2/484، مسند أحمد 3/317" وأخرج نحوه ابن ماجة عن نُبَيْشة مرفوعاً "سنن ابن ماجة 2/1055".

2 ساقطة من ش ز.

3 في ع ض ب: تكون.

4 في ع ب: مطلقاً.

ص: 97

فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ1 مُطْلَقًا، فَهَلْ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ قَدْ زَالَتْ؟ لَكِنْ إذَا عَادَتْ يَعُودُ. فَهَذَا أَخَفُّ2 مِنْ الأَوَّلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.

قُلْت: نَظِيرُهُ3 قَوْلُ مَنْ قَالَ4 بِانْقِطَاعِ نَصِيبِ الْمُؤَلَّفَةِ عِنْدَ عَدَمِ الاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. فَإِنْ وُجِدَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّأْلِيفِ عَادَ جَوَازُ الدَّفْعِ لِعَوْدِ الْعِلَّةِ. اهـ.

أَمَّا تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ زَالَتْ، لَكِنْ إذَا عَادَتْ فَفِيهِ نَظَرٌ!

وَعَكْسُهُ: تَعْلِيلُ النَّاسِخِ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الزَّمَنِ، بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ زَالَ، وَيَقَعُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ كَثِيرًا.

"وَوُقُوعُهُ" أَيْ وُقُوعُ هَذَا التَّعْلِيلِ "فِي خِطَابٍ عَامٍّ فِيهِ نَظَرٌ"!

وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: أَلْحَقَ الْحَنَفِيَّةُ النَّسْخَ بِزَوَالِ الْعِلَّةِ، كَالْخَمْرِ حُرِّمَتْ أَوَّلاً وَأَلِفُوا5 شُرْبَهَا، فَنُهِيَ عَنْ تَخْلِيلِهَا6 تَغْلِيظًا، وَزَالَتْ بِاعْتِيَادِ التَّرْكِ، فَزَالَ الْحُكْمُ، ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِأَنَّهُ7 نَسْخٌ بِالاحْتِمَالِ كَمَنْعِهِ فِي حَدٍّ وَفِسْقٍ وَنَجَاسَتِهَا.

1 في ش: الفعل.

2 في د ض: أحق.

3 في ش: نظره.

4 في ش ز: يقول.

5 في ش ض: وألغوا.

6 في ش: تحليلها.

7 في ش: بأن.

ص: 98