الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»
[حَدِيثٌ شَرِيفٌ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتَابُ الْبُيُوعِ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[كتاب البيوع]
[ما ينعقد به البيع]
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْبُيُوعِ الْبَيْعُ فِي اللُّغَةِ: مُطْلَقُ الْمُبَادَلَةِ، وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ، سَوَاءً كَانَتْ فِي مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111] وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} [البقرة: 175] .
وَفِي الشَّرْعِ: مُبَادَلَةُ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ بِالْمَالِ الْمُتَقَوَّمِ تَمْلِيكًا وَتَمَلُّكًا، فَإِنْ وُجِدَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْمَنَافِعِ فَهُوَ إِجَارَةٌ أَوْ نِكَاحٌ، وَإِنْ وُجِدَ مَجَّانًا فَهُوَ هِبَةٌ، وَهُوَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ. ثَبَتَتْ شَرْعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَقَالَ: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ «فَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَاعَ عليه الصلاة والسلام وَاشْتَرَى مُبَاشَرَةً وَتَوْكِيلًا» ، وَعَلَى شَرْعِيَّتِهِ الْإِجْمَاعُ.
وَالْمَعْقُولُ وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَى شَرْعِيَّتِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إِلَى الْأَعْوَاضِ وَالسِّلَعِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي فِي أَيْدِي بَعْضِهِمْ، وَلَا طَرِيقَ لَهُمْ إِلَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَإِنَّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الطِّبَاعُ مِنَ الشُّحِّ وَالضِّنَةِ وَحُبِّ الْمَالِ يَمْنَعُهُمْ مِنْ إِخْرَاجِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَاحْتَاجُوا إِلَى الْمُعَاوَضَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُشْرَعَ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ.
الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيِ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ: بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَبِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُمَا وَبِالتَّعَاطِي (ف) وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَالْآخَرُ إِنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، وَأَيُّهُمَا قَامَ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى الرِّضَا الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهِمَا. وَشَرَطُهُ: أَهْلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ.
وَمَحَلُّهُ: الْمَالُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْهُ شَرْعًا. وَحُكْمُهُ: ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ، وَالْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ إِذَا كَانَ بَاتًّا، وَعِنْدَ الْإِجَازَةِ إِذَا كَانَ مَوْقُوفًا.
قَالَ: (الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيِ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ: بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ) لِأَنَّهُ إِنْشَاءٌ، وَالشَّرْعُ قَدِ اعْتَبَرَ الْإِخْبَارَ إِنْشَاءً فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْمَاضِيَ إِيجَابٌ وَقَطْعٌ، وَالْمُسْتَقْبَلُ عِدَةٌ أَوْ أَمْرٌ وَتَوْكِيلٌ، فَلِهَذَا انْعَقَدَ بِالْمَاضِي.
قَالَ: (وَبِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُمَا) كَقَوْلِهِ أَعْطَيْتُكَ بِكَذَا، أَوْ خُذْهُ بِكَذَا، أَوْ مَلَّكْتُكَ بِكَذَا، فَقَالَ: أَخَذْتُ، أَوْ قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، أَوْ أَمْضَيْتُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْقَبُولِ وَالرِّضَى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: رَضِيتُ، أَوْ أَمْضَيْتُ، أَوْ أَجَزْتُ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: (وَبِالتَّعَاطِي) فِي الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ وَالنَّفِيسَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا الْمَقْصُودِ مِنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي فِي الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَا يَنْعَقِدُ فِيمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ؛ وَلَوْ قَالَ بِعْنِي، فَقَالَ بِعْتُ، أَوْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي، فَقَالَ اشْتَرَيْتُ، لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَقُولَ اشْتَرَيْتُ أَوْ بِعْتُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْنِي وَاشْتَرِ لَيْسَ بِإِيجَابٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ، فَإِذَا قَالَ بِعْتُ أَوِ اشْتَرَيْتُ فَقَدْ وُجِدَ شَطْرُ الْعَقْدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْآخَرِ لِيَتِمَّ.
وَقِيلَ إِذَا نَوَى الْإِيجَابَ فِي الْحَالِ انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا أَبِيعُكَ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ أُعْطِيكَهُ، فَيَقُولُ الْآخَرُ أَشْتَرِيهِ أَوْ أَقْبَلُهُ أَوْ آخُذُهُ إِنْ نَوَى الْأَصَحَّ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ: (وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَالْآخَرُ إِنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ) لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ غَيْرُ مُجْبَرٍ فَيَخْتَارُ أَيُّهُمَا شَاءَ، وَهَذَا خِيَارُ الْقَبُولِ، وَيَمْتَدُّ فِي الْمَجْلِسِ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّفَكُّرِ وَالتَّرَوِّي وَالْمَجْلِسُ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ، وَيَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَلِلْمُوجِبِ الرُّجُوعَ لِعَدَمِ إِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْقَبُولُ فِي الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَأَنَّهُ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ضَمَّ الرَّدِيءِ إِلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ، فَلَوْ صَحَّ التَّفْرِيقُ يَزُولُ الْجَيِّدُ عَنْ مِلْكِهِ فَيَبْقَى الرَّدِيءُ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي يَرْغَبُ فِي الْجَمِيعِ، فَإِذَا فَرَّقَ الْبَائِعُ الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ يَتَضَرَّرُ.
(وَأَيُّهُمَا قَامَ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَعَدَمِ الرِّضَا وَلَهُ ذَلِكَ
فَإِذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَهُمَا الْبَيْعُ بِلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ (ف) ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ مَعْرِفَةً نَافِيَةً لِلْجَهَالَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فَهُوَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ كَيْلًا وَوَزْنًا وَمُجَازَفَةً؛ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ (سم) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ كَمَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَبَلَغَهُ فَقَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا إِذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَعَلَى هَذَا الْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالنِّكَاحُ؛ وَلَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ إِنْ لَمْ يَفْصِلَا بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا بِسَكْتَةٍ انْعَقَدَ الْبَيْعُ، وَإِنْ فَصَلَا لَمْ يَنْعَقِدْ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِالْأَبْدَانِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَالَ: (فَإِذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَهُمَا الْبَيْعُ بِلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ) لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ، فَخِيَارُ أَحَدِهِمَا الْفَسْخَ إِضْرَارٌ بِالْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّهِ، وَالنَّصُّ يَنْفِيهِ؛ وَمَا رُوِيَ مِنَ الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ، هَكَذَا قَالَهُ النَّخَعِيُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ " الْمُتَبَايِعَانِ " يَقْتَضِي حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ، وَقَوْلُهُ:" مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " أَيْ بِالْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا.
قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ مَعْرِفَةً نَافِيَةً لِلْجَهَالَةِ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَيَكْتَفِي بِالْمُبَاشَرَةِ، لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلتَّعْرِيفِ قَاطِعَةٌ لِلْمُنَازَعَةِ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْأُنْمُوذَجِ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَرُؤْيَةُ الْأُنْمُوذَجِ كَرُؤْيَةِ الْجَمِيعِ، إِلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ فَيَكُونَ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ مَا لَا يُعْرَفُ بِالْأُنْمُوذَجِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ فَيَذْكُرُ لَهُ جَمِيعَ الْأَوْصَافِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَيَكُونُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ.
قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ لِتُعَيِّنَهُ.
(وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فَهُوَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) لِلتَّعَارُفِ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ هَذَا الدَّارَ بِعَشَرَةٍ، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ، أَوْ هَذَا الْبِطِّيخَ بِعَشَرَةٍ وَهُوَ فِي بَلَدٍ يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ، انْصَرَفَ فِي الدَّارِ إِلَى الدَّنَانِيرِ، وَفِي الثَّوْبِ إِلَى الدَّرَاهِمِ، وَفِي الْبِطِّيخِ إِلَى الْفُلُوسِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَامَلُوا بِهَا يَنْصَرِفْ إِلَى الْمُعْتَادِ عِنْدَهُمْ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ كَيْلًا وَوَزْنًا وَمُجَازَفَةً) وَمُرَادُهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَلِأَنَّهُ لَا رِبًا إِلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ إِلَّا فِيهِ.
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنْ يُعْرَفَ جُمْلَةُ قُفْزَانِهَا، إِمَّا بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ. وَقَالَا: يَجُوزُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ زَوَالَ الْجَهَالَةِ بِيَدِهَا وَلَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إِلَى الْجَمِيعِ لِلْجَهَالَةِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيُصْرَفُ إِلَى الْأَقَلِّ.
وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (سم ف) ، وَالثِّيَابُ كَالْغَنَمِ، فَإِنْ سَمَّى جُمْلَةَ الْقُفْزَانِ وَالذُّرْعَانِ وَالْغَنَمِ جَازَ فِي الْجَمِيعِ؛ وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ مَفَاتِيحُهَا وَبِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ صَلَاحِهَا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَهُوَ الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. فَإِذَا زَالَتِ الْجَهَالَةُ جَازَ فِي الْجَمِيعِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ فِي الْوَاحِدِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَالثِّيَابُ) وَالْمَعْدُودُ التَّفَاوُتُ (كَالْغَنَمِ) وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ لِمَا مَرَّ. وَلَهُ أَنَّ قَضِيَّةَ مَا ذَكَرْنَا الْجَوَازُ فِي وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَفَاوَتُ فَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فَصَارَ كَالْمَجْهُولِ فَلَا يَجُوزُ.
قَالَ: (فَإِنْ سَمَّى جُمْلَةَ الْقُفْزَانِ وَالذُّرْعَانِ وَالْغَنَمِ جَازَ فِي الْجَمِيعِ) لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ.
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ مَفَاتِيحُهَا وَبِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ) لِأَنَّ الْمَفَاتِيحَ تَبَعٌ لِلْأَبْوَابِ، وَالْأَبْوَابُ مُتَّصِلَةٌ بِالْبِنَاءِ لِلْبَقَاءِ، وَالْبِنَاءُ مُتَّصِلٌ بِالْعَرْصَةِ اتِّصَالَ قَرَارٍ، فَصَارَتْ كَالْجُزْءِ مِنْهَا فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ وَالْبِنَاءِ فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ.
(وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ) لِأَنَّ اتِّصَالَهُ كَاتِّصَالِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ، لِأَنَّ اتِّصَالَهُمَا لَيْسَ لِلْقَرَارِ فَصَارَ كَالْمَتَاعِ، وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ: اقْطَعِ الثَّمَرَةَ وَاقْلَعِ الزَّرْعَ وَسَلِّمِ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْبَيْعِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّفْرِيقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَهُمَا دَخَلَا فِي الْبَيْعِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ.
قَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنِ اشْتَرَى نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَلَوِ اشْتَرَى دَارًا وَذَكَرَ حُدُودَهَا دَخَلَ السُّفْلُ وَالْعُلُوُّ وَالْإِصْطَبْلُ وَالْكَنِيفُ وَالْأَشْجَارُ، لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَأَنَّهُ يَدُورُ عَلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ وَالْبُسْتَانُ إِذَا كَانَ خَارِجَ الدَّارِ إِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا دَخَلَ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهَا أَوْ أَكْبَرَ لَا يَدْخُلُ إِلَّا بِالشَّرْطِ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْحُدُودِ؛ وَتَدْخُلُ الظُّلَّةُ عِنْدَهُمَا إِذَا كَانَ مَفْتَحُهَا إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ تُعَدُّ مِنَ الدَّارِ عُرْفًا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَدْخُلُ، لِأَنَّ أَحَدَ طَرَفَيْهَا عَلَى حَائِطِ الدَّارِ فَيَتْبَعُهَا، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ عَلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ فَلَا تَتْبَعُهَا، فَلَا تَدْخُلُ بِالشَّكِّ حَتَّى تُذْكَرَ الْحُقُوقُ، وَالظُّلَّةُ: هِيَ الَّتِي عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ وَهُوَ السَّابَاطُ، وَيَدْخُلُ الطَّرِيقُ إِلَى السِّكَّةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَلَوِ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ لَا يَدْخُلُ إِلَّا أَنْ تُذْكَرَ الْحُقُوقُ أَوْ كُلُّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، لِأَنَّ الْمَنْزِلَ اسْمٌ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى. لِأَنَّهُ مِنَ النُّزُولِ وَهُوَ السُّكْنَى، وَالْعُلُوُّ مِثْلُ السُّفْلِ فِي السُّكْنَى مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَيَكُونُ تَبَعًا مِنْ وَجْهٍ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوِ اشْتَرَى بَيْتًا لَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْبَيْتَ مَا يُبَاتُ فِيهِ، وَعُلُوُّهُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْتُوتَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إِلَّا بِالشَّرْطِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ صَلَاحِهَا) وَالْمُرَادُ إِذَا كَانَتْ يُنْتَفَعُ