الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ.
وَالْأُجْرَةُ تُسْتَحَقُّ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِتَعْجِيلِهَا، وَإِذَا تَسَلَّمَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا، فَإِنْ غُصِبَتْ مِنْهُ سَقَطَ الْأَجْرُ، وَلِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يُطَالِبَ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ إِذَا صَارَتْ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْعَمَلِ انْتَقَلَ عَمَلُهُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَائِبًا عَنْهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَمَا تَلَفَ مِنْ عَمَلِهِ ضَمَانُهُ عَلَى أُسْتَاذِهِ لِمَا أَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ.
قَالَ: (وَمَنِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ) لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْعَقْدُ إِلَّا بِشَرْطٍ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ فَعَلَيْهِ خِدْمَتُهُ مِنَ السَّحَرِ إِلَى أَنْ يَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ فِي الْخِدْمَةِ، وَعَلَيْهِ خِدْمَةُ الْبَيْتِ وَالضَّيْفِ دُونَ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَالْخِيَاطَةِ وَعَلْفِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَوْ آجَرَ عَبْدَهُ سَنَةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي خِلَالِهَا جَازَ الْعِتْقُ؛ وَالْعَبْدُ إِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَأُجْرَةُ مَا مَضَى لِلسَّيِّدِ وَمَا بَقِيَ لِلْعَبْدِ، لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ بَدَلُهَا، وَإِذَا أَجَازَ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ قَبْضُ الْأُجْرَةِ إِلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى.
[فصل ما تستحق به الأجرة]
فَصْلٌ (وَالْأُجْرَةُ تُسْتَحَقُّ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِتَعْجِيلِهَا) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» وَلَوْ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُهُ إِلَّا بِرِضَاهُ، وَالنَّصُّ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، لِأَنَّ الْعَرَقَ إِنَّمَا يُوجَدُ بِالْعَمَلِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا لِذِي الْعَقْدِ لِأَنَّهَا تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ عَمَلًا بِالْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا اشْتَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ عَجَّلَهَا فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي التَّأْجِيلِ فَيَسْقُطُ.
قَالَ: (وَإِذَا تَسَلَّمَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا) لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَنْفَعَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأُقِيمَ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ مَقَامَهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ.
قَالَ: (فَإِنْ غُصِبَتْ مِنْهُ سَقَطَ الْأَجْرُ) لِأَنَّهُ زَالَ التَّمَكُّنُ فَبَطَلَتْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَوْ غَصَبَهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَلِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يُطَالِبَ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ) وَكَذَا جَمِيعُ الْعَقَارِ، لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ صَارَ مُنْتَفَعًا بِهِ مُدَّةً مَقْصُودَةً، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ الْآخَرُ كَذَلِكَ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ؛ وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ سَاعَةً فَسَاعَةً إِلَّا أَنَّ فِيهِ حَرَجًا عَظِيمًا وَضَرَرًا ظَاهِرًا فَقَدَّرْنَاهُ بِالْيَوْمِ تَيْسِيرًا، وَلِأَنَّا لَا نَعْرِفُ
وَالْجَمَّالِ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ، وَتَمَامُ الْخَبْزِ إِخْرَاجُهُ مِنَ التَّنُّورِ، وَتَمَامُ الطَّبْخِ غَرْفُهُ، وَتَمَامُ ضَرْبِ اللَّبِنِ إِقَامَتُهُ (سم) ، وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ يَحْبِسُهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ، فَإِنْ حَبَسَهَا فَضَاعَتْ لَا شَيْءَ (سم) وَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْغَسَّالِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، - وَإِذَا شُرِطَ عَلَى الصَّانِعِ الْعَمَلُ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
حِصَّةَ كُلِّ سَاعَةٍ.
قَالَ: (وَالْجَمَّالِ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ) لِمَا بَيَّنَّا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا سَارَ ثُلُثَ الطَّرِيقِ أَوْ نِصْفَهُ لَزِمَهُ التَّسْلِيمُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَانْتَهَى السَّفَرُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَطْعُ هَذِهِ الْمَسَافَةِ أَوْ سُكْنَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَلَا يَنْقَسِمُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَالْعَمَلِ، وَكَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَقَامَ الثُّلُثَ أَوِ النِّصْفَ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى أَصْلِهِ، وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا.
قَالَ: (وَتَمَامُ الْخَبْزِ إِخْرَاجُهُ مِنَ التَّنُّورِ) وَكَذَلِكَ الْآجُرُّ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَوِ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ حَيْثُ وَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَهْلَكْ بِفِعْلِهِ.
قَالَ: (وَتَمَامُ الطَّبْخِ غَرْفُهُ) إِنْ كَانَ فِي وَلِيمَةٍ، وَإِنْ طَبَخَ قِدْرَ طَعَامٍ لِصَاحِبِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْغَرْفُ لِلْعُرْفِ.
قَالَ: (وَتَمَامُ ضَرْبِ اللَّبِنِ إِقَامَتُهُ) وَقَالَا: تَشْرِيجُهُ لِأَنَّ بِالتَّشْرِيجِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ، وَهُوَ مِنْ عَمَلِهِ عُرْفًا فَيَلْزَمُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَمَلَ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَالتَّشْرِيجُ فِعْلٌ آخَرُ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. فَمَا لَمْ يَشْرُجْهُ وَيُسَلِّمْهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَهُوَ فِي ضَمَانِهِ.
قَالَ: (وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ يَحْبِسُهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ) لِأَنَّ لَهُ حَبْسَ صَبْغِهِ وَغَيْرِهِ بِحَبْسِ الْمَحَلِّ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ كَالْمَبِيعِ.
(فَإِنْ حَبَسَهَا فَضَاعَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ.
(وَلَا أَجْرَ لَهُ) وَعِنْدَهُمَا هُوَ مَضْمُونٌ بَعْدَ الْحَبْسِ كَقَبْلِهِ، فَإِنْ ضَمِنَهُ مَعْمُولًا فَلَهُ الْأَجْرُ وَغَيْرَ مَعْمُولٍ لَا أَجْرَ لَهُ.
قَالَ: (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْغَسَّالِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ يَحْبِسُهَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ، فَإِنْ حَبَسَهُ فَهُوَ غَاصِبٌ، بِخِلَافِ رَدِّ الْآبِقِ حَيْثُ لَهُ حَبْسُهُ عَلَى الْجُعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ لِأَنَّهُ عُرِفَ نَصًّا، وَلِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ بِالرَّدِّ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ.
قَالَ: (وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْعَمَلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصُّنَّاعِ جَوْدَةً وَرَدَاءَةً، فَكَانَ الشَّرْطُ مُفِيدًا، فَيَتَعَيَّنُ كَمَا تَتَعَيَّنُ الْمَنْفَعَةُ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مُطْلَقُ الْعَمَلِ، وَيُمْكِنُهُ إِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فَافْتَرَقَا.