المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه] - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٢

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[ما ينعقد به البيع]

- ‌[شروط صحة البيع]

- ‌[فصل في الإقالة وأحكامها]

- ‌بَابُ الْخِيَارَاتِ

- ‌[خيار الشرط وأحكامه]

- ‌[فَصْلٌ خيار الرؤيا وأحكامه]

- ‌[فصل خِيَارُ الْعَيْبِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ التولية والمرابحة والوضيعة]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌[فصل إِذَا اسْتَصْنَعَ شَيْئًا جَازَ اسْتِحْسَانًا]

- ‌بَابُ الصَّرْفِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[ما تكون فيه الشُّفْعَةِ]

- ‌[متى تجب الشُّفْعَةِ ومتى تستقر ومتى تملك]

- ‌[فصل ما يبطل الشفعة]

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌[فصل أنواع الأجراء وحكم الأجير المشترك]

- ‌[فصل ما تستحق به الأجرة]

- ‌[فصل بيان ما يجب إذا فسِدَت الْإِجَارَةِ]

- ‌[فصل ما تنفسخ به الإجارة]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌[فصل صحة رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ]

- ‌[فصل حكم الرهن إذا باعه الراهن]

- ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌[فصل طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ]

- ‌[فصل ما ينبغي أن يفعله القاسم]

- ‌فَصْلٌالْمُهَايَأَةُ

- ‌كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي

- ‌[من يولى القضاء]

- ‌[قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ]

- ‌[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]

- ‌[فصل إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ قَضَاءُ قَاضٍ]

- ‌[فصل الدليل على وجوب حبس من عليه الدين ومتى يجوز]

- ‌[فصل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة]

- ‌[فصل ما يجوز فيه التحكيم وما لا يجوز]

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌كتاب المأذون

- ‌كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌[شروط الدعوى وحكمها]

- ‌فَصْلٌبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ

- ‌[فصل اخْتِلَافُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في الثمن أو المبيع]

- ‌[فصل بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فصل الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فصل الْإِقْرَارُ حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ]

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فصل يجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ]

- ‌[فصل ردت شهاته لمانع ثم زال هل تقبل شهادته]

- ‌[فصل الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ]

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[ما يضيفه الموكل إلى نفسه وإلى الموكل ومتى ترجع الحقوق إليهما]

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

الفصل: ‌[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]

وَلَا يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ، وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَدَاءَ فَرْضِهِ، وَمَنْ تَعَيَّنَ لَهُ تُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ، وَيَجُوزُ التَّقْلِيدُ مِنْ وُلَاةِ الْجَوْرِ.

وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ (ف) فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ.

فَإِذَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ يَطْلُبُ دِيوَانَ الْقَاضِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَيَنْظُرُ فِي خَرَائِطِهِ وَسِجِلَّاتِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَلَّدَ إِنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْجِعُونَ إِلَى فَتْوَاهُ فِي حَوَادِثِهِمْ وَيَقْتَدُونَ بِهِ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى قَوْلِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ ; وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ ; وَقِيلَ يَصْلُحُ لِأَنَّهُ يَتَحَرَّزُ لِئَلَّا يُنْسَبَ إِلَى الْخَطَأِ.

قَالَ: (وَلَا يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا تَسْأَلِ الْوِلَايَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ سَأَلْتَهَا وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنَّ أُعْطِيتَهَا أُعِنْتَ عَلَيْهَا» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ طَلَبَ عَمَلًا فَقَدْ غَلَّ» وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: مَا عَدَلَ مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ.

قَالَ: (وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَحْذُورِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ الدُّخُولُ لِمَنْ يَدْخُلُهُ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» قِيلَ مَعْنَاهُ إِذَا طَلَبَ، وَقِيلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا.

قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَدَاءَ فَرْضِهِ) لِأَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام وَلَّى عَلِيًّا وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا وَلَّاهُ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ; وَقِيلَ الدُّخُولُ فِيهِ رُخْصَةٌ وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

(وَمَنْ تَعَيَّنَ لَهُ تَفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَلَوِ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ; وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ وَامْتَنَعُوا وَالسُّلْطَانُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخُصُومِ لَمْ يَأْثَمُوا، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَثِمُوا، وَإِنِ امْتَنَعُوا حَتَّى قَلَّدَ جَاهِلًا أَثِمَ الْكُلُّ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ التَّقْلِيدُ مِنْ وُلَاةِ الْجَوْرِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَالتَّابِعُونَ تَقَلَّدُوهُ مِنَ الْحَجَّاجِ مَعَ جَوْرِهِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إِقَامَةَ الْحَقِّ وَدَفْعَ الظُّلْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوِلَايَةُ مِنْهُ.

[قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ]

قَالَ: (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ) إِلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُحَادَثَةِ الرِّجَالِ وَمَبْنَى أَمْرِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُتْرَكُ الْقَاضِي عَلَى الْقَضَاءِ إِلَّا حَوْلًا، لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ يَنْسَى الْعِلْمَ فَيَعْزِلُهُ السُّلْطَانُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَيَسْتَبْدِلُ بِهِ حَتَّى يَشْتَغِلَ بِالدَّرْسِ.

[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]

قَالَ: (فَإِذَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُؤْثِرَ طَاعَتَهُ وَيَعْمَلَ لِمَعَادِهِ وَيَقْصِدَ إِلَى الْحَقِّ بِجُهْدِهِ فِيمَا تَقَلَّدَهُ.

وَ (يَطْلُبُ دِيوَانَ الْقَاضِي الَّذِي قَبَلَهُ وَيَنْظُرُ فِي خَرَائِطِهِ وَسِجِلَّاتِهِ)

ص: 84

وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَارْتِفَاعِ الْوُقُوفِ بِمَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ بِاعْتِرَافِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَذِي سَلَّمَهَا إِلَيْهِ، وَيَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْجَامِعِ أَوْلَى، وَيَتَّخِذُ مُتَرْجِمًا وَكَاتِبًا عَدْلًا مُسْلِمًا لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِتَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَتُجْعَلُ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا لِيَعْمَلَ بِهَا.

قَالَ: (وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَارْتِفَاعِ الْوُقُوفِ بِمَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ) لِأَنَّهَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ.

(أَوْ بِاعْتِرَافِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ.

(وَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ) لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا عَمَلَ بِهَا.

قَالَ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي سَلَّمَهَا إِلَيْهِ) لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ فَيَكُونُ أَمِينًا فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ رَجُلَيْنِ مِنْ ثِقَاتِهِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي، فَيَقْبِضَانِ مِنَ الْمَعْزُولِ دِيوَانَهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْخَرَائِطِ وَالسِّجِلَّاتِ، فَيَجْمَعَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ حَتَّى لَا يَشْتَبِهَ عَلَى الْقَاضِي، وَيَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ شَيْئًا فَشَيْئًا لِيَنْكَشِفَ مَا يُشْكِلُ عَلَيْهِمَا وَيَخْتِمَانِ عَلَيْهِ، وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ لِلْإِلْزَامِ بَلْ لِيَنْكَشِفَ بِهِ الْحَالُ، فَإِنْ أَبَى الْمَعْزُولُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمَا النُّسَخَ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنَ الْخُصُومِ لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا فِي يَدِ الْعَامِلِ بِهَا، أَوْ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا، وَيَأْخُذَانِ الْوَدَائِعَ وَأَمْوَالَ الْيَتَامَى وَيَكْتُبَانِ أَسْمَاءَ الْمَحْبُوسِينَ وَيَأْخُذَانِ نُسْخَتَهُمْ مِنَ الْمَعْزُولِ لِيَنْظُرَ الْمَوْلَى فِي أَحْوَالِهِمْ فَمَنِ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أُلْزِمَهُ عَمَلًا بِالْحُجَّةِ، وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِ مَنْ كَانَ يُطَالِبُ فُلَانًا الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ، فَمَنْ حَضَرَ وَادَّعَى عَلَيْهِ اِبْتَدَأَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ، وَيُنَادِي أَيَّامًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَا يُخَلِّيهِ حَتَّى يَسْتَظْهِرَ فِي أَمْرِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ غَائِبٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَعْزُولِ لَا يَكُونُ عَبَثًا.

قَالَ: (وَيَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ) لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، وَدَكَّةُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ إِلَى الْآنَ مَعْرُوفَةٌ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِلْحُكْمِ» وَلِئَلَّا يُشْتَبَهَ عَلَى الْغُرَبَاءِ مَكَانُهُ.

(وَالْجَامِعُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَشْهَرُ، وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءً خَرَجَ الْقَاضِي إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَظَرَ فِي خُصُومَتِهَا أَوْ أَمَرَ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِي دَابَّةٍ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِاسْتِمَاعِ الدَّعْوَى وَالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِنْ جَلَسَ فِي بَيْتٍ جَازَ، وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَكُونُ الْأَعْوَانُ بِالْبُعْدِ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ لِلْخُصُومَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ قَرِيبًا مِنْهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالدِّيَانَةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ وَحْدَهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْقَضَاءِ.

قَالَ: (وَيَتَّخِذُ مُتَرْجِمًا وَكَاتِبًا عَدْلًا مُسْلِمًا لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا

ص: 85

وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ وَالْإِقْبَالِ وَالنَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ، وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلَا يَضْحَكُ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا يُمَازِحُهُمَا، وَلَا أَحَدَهُمَا، وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةَ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يُهْدِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إِلَّا الْعَامَّةَ، وَيَعُودُ الْمَرْضَى، وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ هَمٌّ، أَوْ نُعَاسٌ، أَوْ غَضَبٌ، أَوْ جُوعٌ، أَوْ عَطَشٌ، أَوْ حَاجَةٌ حَيَوَانِيَّةٌ كَفَّ عَنِ الْقَضَاءِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لَا تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْتُبَ مَا لَا تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا لَا يَعْرِفُ كَتَبَةَ السِّجِلَّاتِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَاضِي مِنَ الْأَحْكَامِ، وَيَجْلِسُ نَاحِيَةً عَنْهُ حَيْثُ يَرَاهُ حَتَّى لَا يُخْدَعَ بِالرَّشْوَةِ.

قَالَ: (وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ وَالْإِقْبَالِ وَالنَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ} [النساء: 135] أَيْ بِالْعَدْلِ وَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِذَا ابْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» وَفِي كِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه: آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِكَ وَوَجْهِكَ وَعَدْلِكَ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ فَقَالَ: حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا يَخَافُ ضَعِيفٌ جَوْرَكَ، وَلِأَنَّهُ إِذَا فَضَّلَ أَحَدَهُمَا يَنْكَسِرُ قَلْبُ الْآخَرِ فَلَا يَنْشَرِحُ لِلدَّعْوَى وَالْجَوَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسُوا بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي جُثُوًّا وَلَا يُجْلِسُهُمَا فِي جَانِبٍ، وَلَا أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْخَصْمَانِ إِنْ شَاءَ بَدَأَهُمَا فَقَالَ مَا لَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ حَتَّى يَتَكَلَّمَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ أَحَدُهُمَا أَسْكَتَ الْآخَرَ لِيَفْهَمَ دَعْوَاهُ.

قَالَ: (وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ) لِمَا بَيَّنَّا ; وَلِمَا فِيهِ مِنَ التُّهْمَةِ.

(وَلَا يَضْحَكُ لِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُجَرِّئُهُ عَلَى خَصْمِهِ.

(وَلَا يُمَازِحُهُمَا وَلَا أَحَدَهُمَا) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِهَيْبَةِ الْقَضَاءِ.

(وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ) لِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ.

قَالَ: " وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةَ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يُهْدِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا أَهْدَى لَهُ لِلْقَضَاءِ ظَاهِرًا فَكَانَ آكِلًا بِالْقَضَاءِ فَأَشْبَهَ الرَّشْوَةَ، بِخِلَافِ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِمُهَادَاتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ كَانَ لَهُ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُهَا، وَالْقَرِيبُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.

قَالَ: (وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إِلَّا الْعَامَةَ) كَالْعُرْسِ وَالْخِتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَالْإِجَابَةُ سُنَّةٌ، وَلَا يُجِيبُ الْخَاصَّةَ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْعَشَرَةُ فَمَا دُونَهَا خَاصَّةٌ وَمَا فَوْقَهَا عَامَّةٌ، وَقِيلَ الْخَاصَّةُ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَعْمَلُهَا.

قَالَ: (وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ) لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، وَلَا يُطِيلُ مُكْثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنَ التَّكَلُّمِ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْخُصُومَاتِ.

قَالَ: (فَإِنْ حَدَثَ لَهُ هَمٌّ أَوْ نُعَاسٌ، أَوْ غَضَبٌ أَوْ جُوعٌ، أَوْ عَطَشٌ، أَوْ حَاجَةٌ حَيَوَانِيَّةٌ كَفَّ عَنِ الْقَضَاءِ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ

ص: 86