المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل الشهادة على الشهادة وصفة الإشهاد] - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٢

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[ما ينعقد به البيع]

- ‌[شروط صحة البيع]

- ‌[فصل في الإقالة وأحكامها]

- ‌بَابُ الْخِيَارَاتِ

- ‌[خيار الشرط وأحكامه]

- ‌[فَصْلٌ خيار الرؤيا وأحكامه]

- ‌[فصل خِيَارُ الْعَيْبِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ التولية والمرابحة والوضيعة]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌[فصل إِذَا اسْتَصْنَعَ شَيْئًا جَازَ اسْتِحْسَانًا]

- ‌بَابُ الصَّرْفِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[ما تكون فيه الشُّفْعَةِ]

- ‌[متى تجب الشُّفْعَةِ ومتى تستقر ومتى تملك]

- ‌[فصل ما يبطل الشفعة]

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌[فصل أنواع الأجراء وحكم الأجير المشترك]

- ‌[فصل ما تستحق به الأجرة]

- ‌[فصل بيان ما يجب إذا فسِدَت الْإِجَارَةِ]

- ‌[فصل ما تنفسخ به الإجارة]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌[فصل صحة رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ]

- ‌[فصل حكم الرهن إذا باعه الراهن]

- ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌[فصل طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ]

- ‌[فصل ما ينبغي أن يفعله القاسم]

- ‌فَصْلٌالْمُهَايَأَةُ

- ‌كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي

- ‌[من يولى القضاء]

- ‌[قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ]

- ‌[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]

- ‌[فصل إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ قَضَاءُ قَاضٍ]

- ‌[فصل الدليل على وجوب حبس من عليه الدين ومتى يجوز]

- ‌[فصل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة]

- ‌[فصل ما يجوز فيه التحكيم وما لا يجوز]

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌كتاب المأذون

- ‌كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌[شروط الدعوى وحكمها]

- ‌فَصْلٌبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ

- ‌[فصل اخْتِلَافُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في الثمن أو المبيع]

- ‌[فصل بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فصل الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فصل الْإِقْرَارُ حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ]

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فصل يجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ]

- ‌[فصل ردت شهاته لمانع ثم زال هل تقبل شهادته]

- ‌[فصل الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ]

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[ما يضيفه الموكل إلى نفسه وإلى الموكل ومتى ترجع الحقوق إليهما]

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

الفصل: ‌[فصل الشهادة على الشهادة وصفة الإشهاد]

فَصْلٌ

تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ (ف) بِالشُّبْهَةِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

هَتْكَ السِّتْرِ، صَحِيحَ الْمُعَامَلَةِ، فِي الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، مُؤَدِّيًا لِلْأَمَانَةِ، قَلِيلَ اللَّهْوِ وَالْهَذَيَانِ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا يَغُرَّنَّكُمْ طَنْطَنَةُ الرَّجُلِ فِي صِلَاتِهِ، وَانْظُرُوا إِلَى حَالِهِ عِنْدَ دِرْهَمِهِ وَدِينَارِهِ. أَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَتِهِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، لِمَا فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ سَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ.

1 -

فَصْلٌ

اعْلَمْ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ، لِأَنَّ الْجَارِحَ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْعِيَانُ لِارْتِكَابِهِ مَحْظُورَ دِينِهِ، وَالْمُعَدِّلُ شَهِدَ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى دَلِيلٍ، وَلَوْ عَدَّلَهُ وَاحِدٌ وَجَرَحَهُ آخَرُ فَالْجَرْحُ أَوْلَى، فَإِنْ عَدَّلَهُ آخَرُ فَالتَّعْدِيلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ، وَلَوْ عَدَّلَهُ جَمَاعَةٌ وَجَرَحَهُ اثْنَانِ فَالْجَرْحُ أَوْلَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَدِ لَا تُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ قَصْدًا وَلَا يَحْكُمُ بِهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْإِلْزَامِ وَأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ هَتْكَهُ، وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى إِقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ سَمِعَهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّهَا عَلَى الْجَرْحِ خَاصَّةً، إِذْ لَا خَصْمَ فِي إِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرَهُمْ بِدَرَاهِمَ وَدَفَعَهَا إِلَيْهِمْ مِنْ مَالِي الَّذِي فِي يَدِهِ قُبِلَتْ لِأَنَّهُ خَصْمٌ، ثُمَّ يُثْبِتُ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: صَالَحْتُهُمْ عَلَى مَالٍ دَفَعْتُهُ إِلَيْهِمْ لِئَلَّا يَشْهَدُوا بِهَذَا الْبَاطِلِ وَطَالَبَهُمْ بِرَدِّ ذَلِكَ الْمَالِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ قَالَ: لَمْ أُسَلِّمِ الْمَالَ إِلَيْهِمْ لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَرِيكُ الْمُدَّعِي أَوْ أَجِيرُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ حَقَّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْحُدُودُ أَوْ حَقُّ الْعَبْدِ.

قَالَ الْخَصَّافُ: وَأَسْبَابُ الْجَرْحِ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا الرُّكُوبُ فِي الْبَحْرِ، وَالتِّجَارَةُ إِلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ، وَفِي قُرَى فَارِسَ وَأَشْبَاهِهِ؛ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ حَيْثُ سَكَنَ دَارَ الْحَرْبِ وَكَثَّرَ سَوَادَهُمْ لِيَنَالَ بِذَلِكَ مَالًا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ بِأَخْذِ الْمَالِ وَقُرَى فَارِسَ يُطْعِمُونَهُمُ الرِّبَا وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

[فصل الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ]

فَصْلٌ

(تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى

ص: 150

وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا، وَيَقُولُ الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا، وَقَالَ لِي: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

ذَلِكَ وَاحْتِيَاجُ النَّاسِ إِلَى إِحْيَاءِ الْحُقُوقِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ عَنِ الْأَدَاءِ لِمَرَضٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ سَفَرٍ، فَلَوْلَا ذَلِكَ لَبَطَلَ حُقُوقُ النَّاسِ، وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ بَعُدَ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ نُقِلَ خَبَرٌ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْمُدَّعِي فَيَجُوزُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَالدَّرْءِ، وَفِي ذَلِكَ احْتِيَالٌ لِلثُّبُوتِ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةً لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ أَوِ الْبَدَلِيَّةِ، وَالْحُدُودُ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَتُقْبَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَمَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْبَلُ، لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، لِمَا رُوِيَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَالْحَبْسُ تَعْزِيرٌ.

قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ) لِأَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بُدَّ مِنَ النِّصَابِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: لَا تَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إِلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَوَّلًا، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ أَصْلٍ حَقٌّ فَصَارَ كَمَا إِذَا شَهِدَا بِحَقَّيْنِ.

(وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) لِأَنَّ الْفَرْعَ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّحْمِيلِ لِمَا بَيَّنَّا، فَيَشْهَدُ كَمَا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهَا إِلَيْهِ.

قَالَ: (وَيَقُولُ الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا، وَقَالَ لِيَ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شَهَادَتِهِ وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَالتَّحْمِيلِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ ثَمَانِي مَرَّاتٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَأَشْهَدَهُ عَلَى إِقْرَارِهِ، وَقَالَ لِيَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي وَأَنَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنِ اكْتَفَى بِخَمْسٍ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَرْبَعٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي، وَقَالَ لِي: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا قَالَ لِيَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَوْ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ. وَالْأَحْسَنُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَالْأَحْوَطُ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحَرُّزًا عَنِ اخْتِلَافٍ كَثِيرٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ يَصْغُرُ كِتَابُنَا عَنِ اسْتِيعَابِهِ.

ص: 151

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ حُضُورُ الْأُصُولِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ. فَإِنْ عَدَّلَهُمْ شُهُودُ الْفَرْعِ جَازَ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُمْ جَازَ، وَإِذَا أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ، وَالتَّعْرِيفُ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ أَوِ الْفَخِذِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ حُضُورُ الْأُصُولِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الرَّجُلِ الثَّانِي نَظَرًا إِلَى قَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ الرَّجُلِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ هَذَا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ مَعَ حَضْرَةِ الْأُصُولِ؛ وَلِأَنَّ الْفُرُوعَ أَبَدَالٌ، وَلَا حُكْمَ لِلْبَدَلِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ كَمَا فِي النَّظَائِرِ، وَشَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ لَيْسَتْ بَدَلِيَّةً؛ لِأَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ لِلْحُكَّامِ، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ فَاطْلُبُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَاءَ رَجُلُ وَامْرَأَتَانِ تَرْضَوْنَهُمْ فَاقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ. وَالْعُذْرُ مَوْتٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ عِنْدَ تَعَذُّرِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا.

أَمَّا الْمَوْتُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَالْمُرَادُ بِهِ مَرَضٌ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا السَّفَرُ فَمُقَدَّرٌ بِمُدَّةِ السَّفَرِ، لِأَنَّ بُعْدَ الْمَسَافَةِ عُذْرٌ، وَالشَّرْعُ قَدِ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الْمُدَّةَ حَتَّى رَتَّبَ عَلَيْهَا كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ وَيَعُودَ إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَهُوَ عُذْرٌ، لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ مَشَقَّةٌ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ.

قَالَ: (فَإِنْ عَدَّلَهُمْ شُهُودُ الْفَرْعِ جَازَ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ، وَمِثْلُهُ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فَزَكَّى أَحَدُهُمَا الْآخَرُ جَازَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تُهْمَةً فِي حَقِّهِ حَيْثُ إِنَّهُ سَبَبُ قَبُولِ قَوْلِهِ: فَإِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي إِقَامَةِ شَهَادَتِهِ؟ (وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُمْ جَازَ) وَيَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهُمُ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ، فَإِذَا نَقَلُوهَا يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي الْعَدَالَةَ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَعْتَمِدُ الْعَدَالَةَ فَإِذَا سَكَتُوا صَارُوا شَاكِّينَ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ فَلَا تُقْبَلُ.

قَالَ: (وَإِذَا أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا التَّحْمِيلَ وَقَدْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ؛ وَلَوِ ارْتَدَّ شَاهِدَا الْأَصْلِ ثُمَّ أَسْلَمَا، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ بِالرِّدَّةِ بَطَلَ الْإِشْهَادُ؛ وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ لِتُهْمَةٍ فِي الْأُصُولِ، ثُمَّ تَابَ الْأُصُولُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ وَلَا الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ، فَالْمَرْدُودُ شَهَادَةُ الْأُصُولِ؛ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَبِ، لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِابْنِهِ فِي ذَلِكَ.

قَالَ: (وَالتَّعْرِيفُ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ أَوِ الْفَخِذِ) لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ النِّسْبَةَ إِلَى الْقَبِيلَةِ كَبَنِي تَمِيمٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعْرِيفِ بِالْفَخْذِ وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ،

ص: 152