المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ ــ ‌ ‌[الاختيار لتعليل المختار] عَيَّنَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٢

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[ما ينعقد به البيع]

- ‌[شروط صحة البيع]

- ‌[فصل في الإقالة وأحكامها]

- ‌بَابُ الْخِيَارَاتِ

- ‌[خيار الشرط وأحكامه]

- ‌[فَصْلٌ خيار الرؤيا وأحكامه]

- ‌[فصل خِيَارُ الْعَيْبِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ التولية والمرابحة والوضيعة]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌[فصل إِذَا اسْتَصْنَعَ شَيْئًا جَازَ اسْتِحْسَانًا]

- ‌بَابُ الصَّرْفِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[ما تكون فيه الشُّفْعَةِ]

- ‌[متى تجب الشُّفْعَةِ ومتى تستقر ومتى تملك]

- ‌[فصل ما يبطل الشفعة]

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌[فصل أنواع الأجراء وحكم الأجير المشترك]

- ‌[فصل ما تستحق به الأجرة]

- ‌[فصل بيان ما يجب إذا فسِدَت الْإِجَارَةِ]

- ‌[فصل ما تنفسخ به الإجارة]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌[فصل صحة رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ]

- ‌[فصل حكم الرهن إذا باعه الراهن]

- ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌[فصل طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ]

- ‌[فصل ما ينبغي أن يفعله القاسم]

- ‌فَصْلٌالْمُهَايَأَةُ

- ‌كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي

- ‌[من يولى القضاء]

- ‌[قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ]

- ‌[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]

- ‌[فصل إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ قَضَاءُ قَاضٍ]

- ‌[فصل الدليل على وجوب حبس من عليه الدين ومتى يجوز]

- ‌[فصل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة]

- ‌[فصل ما يجوز فيه التحكيم وما لا يجوز]

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌كتاب المأذون

- ‌كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌[شروط الدعوى وحكمها]

- ‌فَصْلٌبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ

- ‌[فصل اخْتِلَافُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في الثمن أو المبيع]

- ‌[فصل بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فصل الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فصل الْإِقْرَارُ حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ]

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فصل يجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ]

- ‌[فصل ردت شهاته لمانع ثم زال هل تقبل شهادته]

- ‌[فصل الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ]

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[ما يضيفه الموكل إلى نفسه وإلى الموكل ومتى ترجع الحقوق إليهما]

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ ــ ‌ ‌[الاختيار لتعليل المختار] عَيَّنَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ

‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

عَيَّنَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الرَّاهِنِ لِلْمُعِيرِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ: وَلَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ نَقَصَ مِنَ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ وَيَضْمَنُهُ لِرَبِّ الْعَارِيَةِ ; وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنَ الدَّيْنِ ضَمِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا ; وَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الْفَكَاكِ لَا يُضَمَّنُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ مِنْهُ.

وَإِذَا أَعْطَى الْمُعِيرُ الدَّيْنَ لِيَأْخُذَ الرَّهْنَ أُجْبِرَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى دَفْعِهِ إِلَيْهِ، وَرَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِي ذَلِكَ لِحَاجَتِهِ إِلَى خَلَاصِ مِلْكِهِ وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ يُسْتَفَادُ، أَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ إِنْكَارَ الْأَصْلِ؟ فَكَذَا الْوَصْفُ.

1 -

فَصْلٌ جِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْمَالِيَّةِ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ حَبْسًا وَاسْتِيفَاءً، وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ مِنَ الدَّيْنِ بِقَدْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَ لَا بِفِعْلِهِ يَسْقُطُ فَبِفِعْلِهِ أَوْلَى، وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَمَالِهِ هَدْرٌ ; وَالْمُرَادُ جِنَايَةٌ تُوجِبُ الْمَالَ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ، وَكَذَلِكَ جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّهَا لَوِ اعْتُبِرَتْ كَانَ عَلَيْهِ تَطْهِيرُهُ مِنْهَا لِحُدُوثِهَا فِي ضَمَانِهِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ الضَّمَانُ، وَعَلَيْهِ الْخَلَاصُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هِيَ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ، وَفِي اعْتِبَارِهَا فَائِدَةٌ وَهِيَ دَفْعُهُ إِلَى الْجِنَايَةِ، وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْمُرْتَهِنُ الْجِنَايَةَ بَقِيَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ جَنَى عَلَى مَالِهِ وَقِيمَتِهِ وَالدَّيْنِ سَوَاءٌ لَا يُعْتَبَرُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ لِجِنَايَةِ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ.

[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

وَهِيَ فِي الْأَصْلِ: رَفْعُ الشُّيُوعِ وَقَطْعُ الشَّرِكَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] أَيْ غَيْرُ شَائِعٍ وَلَا مُشْتَرَكٍ، بَلْ لَهُمْ يَوْمٌ وَلِلنَّاقَةِ يَوْمٌ ; وَمَعْنَى قِسْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَنَائِمَ أَنَّهُ أَفْرَزَهَا وَقَطَعَ الشَّرِكَةَ فِيهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْعِيٌّ فِي التَّبَرُّعِ، إِلَّا أَنَّهُ تَارَةً يَقَعُ إِفْرَزًا وَتَمْيِيزًا لِلْأَنْصِبَاءِ، وَتَارَةً مُبَادَلَةً وَمُعَاوَضَةً عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]- الْآيَةَ، بَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ وَهُوَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ. وَالسُّنَّةِ وَهُوَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَسَمَ الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ، وَقَسَمَ خَيْبَرَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه نَصَّبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى لِيَقْسِمَ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ وَيَأْخُذَ عَلَيْهِ الْأَجْرَ، وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ قَدْ لَا يُمْكِنُهُمَا الِانْتِفَاعُ بِهِ ;

ص: 72

مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ أَظْهَرُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَمْعَنَى الْمُبَادَلَةِ فِيمَا يَتَفَاوَتُ أَظْهَرُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، إِلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ إِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَلَا يُجْبَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوِ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ جَازَ، وَيَقْسِمُ عَلَى الصَّبِيِّ وَصِيُّهُ أَوْ وَلَيُّهُ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ قَاسِمًا عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يُقَدِّرُ لَهُ أَجْرًا يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَهُوَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ (سم) ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْقِسْمَةِ لِيَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ إِلَّا بِالتَّهَايُؤِ فَيَبْطُلُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ، فَكَانَتِ الْقِسْمَةُ مُتَمِّمَةً لِلْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ إِفْرَازًا وَتَكُونُ مُبَادَلَةً فَنَقُولُ:

(مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ أَظْهَرُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ حَتَّى كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ وَمَعَ غَيْبَتِهِ، وَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ مَا حَصَلَ لَهُ كَانَ لَهُ بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ لِشَرِيكِهِ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ وُصُولَ مِثْلِ حَقِّهِ إِلَيْهِ كَوُصُولِ عَيْنِ حَقِّهِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ.

(وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ أَظْهَرُ فِيمَا يَتَفَاوَتُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ) وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ، وَلَوِ اقْتَسَمَا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً، لِأَنَّ مَا أَخَذَ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ.

(إِلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ إِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ) كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تَتْمِيمًا لِلْمَنْفَعَةِ وَتَكْمِيلًا لِثَمَرَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الطَّالِبَ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيُجِيبُهُ الْقَاضِي إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِلْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ، وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْمُبَادَلَةِ جَائِزٌ إِذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ كَالْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ، وَالْمَدْيُونُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مِلْكِهِ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ.

(وَلَا يُجْبَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ) كَالْحَيَوَانِ مَعَ الْعَقَارِ، أَوِ الْبَقَرِ مَعَ الْخَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ فِيهِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَقْصُودِ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا، وَالثَّوْبَانِ إِذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا.

(وَلَوِ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ جَازَ) لِأَنَّهُ بِيعَ وَلَهُمَا ذَلِكَ.

قَالَ: (وَيَقْسِمُ عَلَى الصَّبِيِّ وَصِيُّهُ أَوْ وَلِيُّهُ) كَالْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَبَ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يَقْسِمُ.

قَالَ: (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ قَاسِمًا عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِهِ، وَلَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِهِ إِلَّا بِالْعَدَالَةِ، وَلَا وُثُوقَ إِلَى فِعْلِهِ إِلَّا بِالْأَمَانَةِ، وَلِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ الْقَاضِيَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ.

قَالَ: (يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ الْمُنَازَعَةَ كَالْقَضَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْقَاضِي، وَلِأَنَّهُ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ فَكَانَ أَفْضَلَ، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْعَامَّةِ.

قَالَ: (أَوْ يُقَدِّرُ لَهُ أَجْرًا يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ) لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُمْ وَإِنَّمَا يُقَدِّرُهُ لِئَلَّا يَطْلُبَ زِيَادَةً وَيَشْتَطَّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَجْرِ.

قَالَ: (وَهُوَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ)

ص: 73

وَلَا يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ. جَمَاعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ عَقَارٌ طَلَبُوا مِنَ الْقَاضِي قِسْمَتَهُ، وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ (ف) عَلَى (سم) الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ حَضَرَ وَارِثَانِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَمَعَهُمَا وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا أَنْ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَقَالَا: عَلَى الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهَا مَئُونَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، فَصَارَ كَحَافِرِ بِئْرٍ مُشْتَرَكَةٍ وَنَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَزَاءُ عَمِلِهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ وَالْإِفْرَازُ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ. بَيَانُهُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْأَجْرَ عَلَى الْمِسَاحَةِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْحُدُودِ، حَتَّى لَوِ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِأَرْبَابِ الْمِلْكِ فَلَهُ الْأَجْرُ إِذَا قَسَّمَ وَمَيَّزَ، وَرُبَّمَا يَكْثُرُ عَمَلُهُ فِي الْقَلِيلِ لِأَنَّ الْحِسَابَ إِنَّمَا يَدِقُّ وَيَصْعُبُ عِنْدَ تَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ لَا عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ مُقَابَلَةٌ بِالْعَمَلِ وَهُوَ نَقْلُ التُّرَابِ، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ وَحَاجَةُ صَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ، وَبِخِلَافِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ لِأَنَّهُ أَجْرُ عَمَلِهِ، وَلِهَذَا لَوِ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِأَرْبَابِ الْمِلْكِ لَا أَجْرَ لَهُ، وَكَيْلُ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ مِنْ كَيْلِ الْقَلِيلِ قَطْعًا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى الطَّالِبِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِتَضَرُّرِهِ بِهِ.

قَالَ: (وَلَا يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يُقَدَّرُ أَجْرُهُ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى أَجْرَ مِثْلِهِ وَيَتَحَكَّمُ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ وَأَنَّهُ ضَرَرٌ.

قَالَ: (وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ) لِأَنَّ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ لَا يَخَافُونَ الْفَوْتَ فَيَتَغَالَوْنَ فِي الْأَجْرِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ يَخَافُ الْفَوْتَ بِسَبْقِ غَيْرِهِ فَيُبَادِرُ إِلَى الْعَمَلِ فَيُرَخِّصُ الْأَجْرَ.

قَالَ: (جَمَاعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ عَقَارٌ طَلَبُوا مِنَ الْقَاضِي قِسْمَتَهُ، وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ) وَقَالَا: يَقْسِمُهُ بِاعْتِرَافِهِمْ، وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهُ بِقَوْلِهِمْ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ صِدْقُهُمْ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ كَمَا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ ; وَكَمَا إِذَا ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ الشِّرَاءَ أَوْ مُطْلَقَ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْإِجْمَاعِ ; وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ وَالدَّارُ فِي أَيْدِي الْكِبَارِ الْحُضُورِ يَقْسِمُهَا بِقَوْلِهِمْ، وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوِ الصَّبِيِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِمَا لِئَلَّا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ لِئَلَّا يَتَعَدَّاهُمُ الْحُكْمُ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ الزَّوَائِدَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْهَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهُ دُيُونَهُ وَتُنَفَّذَ وَصَايَاهُ، فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي قَطْعُ حُكْمِ مِلْكِهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْحِفْظِ، فَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحِفْظِ وَالْعَقَارُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ، وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ انْقَطَعَ عَنِ الْمَبِيعِ فَلَمْ تَكُنِ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ، وَكَذَا إِذَا أَطْلَقُوا الْمِلْكَ لِأَنَّهُمْ مَا اعْتَرَفُوا بِهِ لِغَيْرِهِمْ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرْطُ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي الْعَقَارِ، وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إِلَى ثُبُوتِهِ فَاحْتَاجَ إِلَى الْبَيِّنَةِ.

قَالَ: (فَإِنْ حَضَرَ وَارِثَانِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَمَعَهُمَا وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا أَنْ

ص: 74