المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ مَنْ تَعَيَّنَ لِتَحَمُّلِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ إِذَا - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٢

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[ما ينعقد به البيع]

- ‌[شروط صحة البيع]

- ‌[فصل في الإقالة وأحكامها]

- ‌بَابُ الْخِيَارَاتِ

- ‌[خيار الشرط وأحكامه]

- ‌[فَصْلٌ خيار الرؤيا وأحكامه]

- ‌[فصل خِيَارُ الْعَيْبِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ التولية والمرابحة والوضيعة]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌[فصل إِذَا اسْتَصْنَعَ شَيْئًا جَازَ اسْتِحْسَانًا]

- ‌بَابُ الصَّرْفِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[ما تكون فيه الشُّفْعَةِ]

- ‌[متى تجب الشُّفْعَةِ ومتى تستقر ومتى تملك]

- ‌[فصل ما يبطل الشفعة]

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌[فصل أنواع الأجراء وحكم الأجير المشترك]

- ‌[فصل ما تستحق به الأجرة]

- ‌[فصل بيان ما يجب إذا فسِدَت الْإِجَارَةِ]

- ‌[فصل ما تنفسخ به الإجارة]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌[فصل صحة رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ]

- ‌[فصل حكم الرهن إذا باعه الراهن]

- ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌[فصل طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ]

- ‌[فصل ما ينبغي أن يفعله القاسم]

- ‌فَصْلٌالْمُهَايَأَةُ

- ‌كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي

- ‌[من يولى القضاء]

- ‌[قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ]

- ‌[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]

- ‌[فصل إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ قَضَاءُ قَاضٍ]

- ‌[فصل الدليل على وجوب حبس من عليه الدين ومتى يجوز]

- ‌[فصل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة]

- ‌[فصل ما يجوز فيه التحكيم وما لا يجوز]

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌كتاب المأذون

- ‌كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌[شروط الدعوى وحكمها]

- ‌فَصْلٌبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ

- ‌[فصل اخْتِلَافُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في الثمن أو المبيع]

- ‌[فصل بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فصل الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فصل الْإِقْرَارُ حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ]

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فصل يجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ]

- ‌[فصل ردت شهاته لمانع ثم زال هل تقبل شهادته]

- ‌[فصل الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ]

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[ما يضيفه الموكل إلى نفسه وإلى الموكل ومتى ترجع الحقوق إليهما]

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ مَنْ تَعَيَّنَ لِتَحَمُّلِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ إِذَا

‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

مَنْ تَعَيَّنَ لِتَحَمُّلِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ إِذَا طُولِبَ، فَإِذَا تَحَمَّلَهَا وَطُلِبَ لِأَدَائِهَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ الْحَقُّ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْحُدُودِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالسَّتْرِ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ، وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ:

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

[كتاب الشهادات]

ِ أَصْلُ الشَّهَادَةِ الْحُضُورُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» أَيْ حَضَرَهَا، وَيُقَالُ: فُلَانٌ شَهِدَ الْحَرْبَ وَقَضِيَّةَ كَذَا إِذَا حَضَرَهَا، وَقَالَ:

إِذَا عَلِمُوا أَنِّي شَهِدْتُ وَغَابُوا.

أَيْ حَضَرْتُ وَلَمْ يَحْضُرُوا، وَالشَّهِيدُ: الَّذِي حَضَرَهُ الْوَفَاةُ فِي الْغَزْوِ حَتَّى لَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ حَيٌّ لَا يُسَمَّى شَهِيدًا؛ لَأَنَّ الْوَفَاةَ لَمْ تَحْضُرْهُ فِي الْغَزْوِ.

وَفِي الشَّرْعِ: الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ حَضَرَهُ الشُّهُودُ وَشَاهَدُوهُ، إِمَّا مُعَايَنَةً كَالْأَفْعَالِ نَحْوِ الْقَتْلِ وَالزِّنَا، أَوْ سَمَاعًا كَالْعُقُودِ وَالْإِقْرَارَاتِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا بِمَا حَضَرَهُ وَعَلِمَهُ عِيَانًا أَوْ سَمَاعًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَذْكُرَ الْحَادِثَةَ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِنْ عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَهِيَ حُجَّةٌ مُظْهِرَةٌ لِلْحَقِّ مَشْرُوعَةٌ، قَالَ تَعَالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَقَالَ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ؛ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَلِكَ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَالْبَيِّنَةُ: الشَّهَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا إِحْيَاءَ حُقُوقِ النَّاسِ، وَصَوْنَ الْعُقُودِ عَنِ التَّجَاحُدِ، وَحِفْظَ الْأَمْوَالِ عَلَى أَرْبَابِهَا، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَكْرِمُوا شُهُودَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَخْرِجُ بِهُمُ الْحُقُوقَ» .

قَالَ: (مَنْ تَعَيَّنَ لِتَحَمُّلِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ إِذَا طُولِبَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّحَرُّزِ عَنِ التَّحَمُّلِ.

(فَإِذَا تَحَمَّلَهَا وَطُلِبَ لِأَدَائِهَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَلِأَنَّهُ إِضَاعَةٌ لِحُقُوقِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ الِامْتِنَاعُ.

(إِلَّا أَنْ يَقُومَ الْحَقُّ بِغَيْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّكِّ سِوَاهُ مَنْ يَقُومُ الْحَقُّ بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الِامْتِنَاعُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَضِيعُ بِامْتِنَاعِهِ؛ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ.

قَالَ: (وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْحُدُودِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالسَّتْرِ) لِأَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ حِسْبَةٌ، وَالسَّتْرُ عَلَى الْمُسْلِمِ حِسْبَةٌ.

(وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقَّنَ مَاعَزًا الرُّجُوعَ وَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ سَتْرًا عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يُرْجَمَ وَيُشْتَهَرَ، وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً؛ وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.

قَالَ: (وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ:

ص: 139

أَخَذَ الْمَالَ، وَلَا يَقُولُ: سَرَقَ؛ وَلَا يُقْبَلُ عَلَى الزِّنَا إِلَّا شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَبَاقِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَمَا سِوَاهُمَا مِنَ الْحُقُوقِ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (ف) ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَخَذَ الْمَالَ) إِحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ.

(وَلَا يَقُولُ: سَرَقَ) إِقَامَةً لِحِسْبَةِ السَّتْرِ.

قَالَ: (وَلَا يُقْبَلُ عَلَى الزِّنَا إِلَّا شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ مِنَ الرِّجَالِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] ؛ وَقَوْلُهُ: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِلَّذِي قَذَفَ زَوْجَتَهُ:«ائْتِنِي بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ وَإِلَّا فَضَرْبٌ فِي ظَهْرِكَ» .

قَالَ: (وَبَاقِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ)، قَالَ تَعَالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «شَاهَدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَلَا تَقْبَلُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.

قَالَ: (وَمَا سِوَاهُمَا مِنَ الْحُقُوقِ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ)، قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ الْمُدَايَنَاتِ بِالْأَجَلِ فَتُقْبَلُ فِيهَا. وَعَنْ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ» وَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِالْآيَةِ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لِوُجُودِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْحِفْظِ وَالْأَدَاءِ كَالرَّجُلِ، وَزِيَادَةُ النِّسْيَانِ تُجْبَرُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] بَقِيَ شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ، فَلِهَذَا قُلْنَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.

قَالَ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةُ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ» وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَلَا يُمْكِنُ الرِّجَالَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا النِّسَاءُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ، وَتُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَبِلَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْوِلَادَةِ» ؛ وَلِأَنَّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ النِّسَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ، وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ، وَالثَّلَاثُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، وَبِالْأَرْبَعِ يُخْرَجُ عَنِ الْخِلَافِ. وَأَحْكَامُ الشَّهَادَةِ فِي الْوِلَادَةِ تُعْرَفُ فِي الطَّلَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْبَكَارَةُ فَإِنَّ الْعِنِّينَ يُؤَجَّلُ سُنَّةً وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَهَا إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا بِكْرٌ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ؟ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ حَقًّا عَلَى الْغَيْرِ فَكَانَتْ شَهَادَةً.

ص: 140

وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِرْثِ (سم) ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْعَدَالَةِ وَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَيُقْتَصَرُ فِي الْمُسْلِمِ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَتِهِ (سم ف) ، إِلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنْ طَعَنَ فِيهِ الْخَصْمُ سَأَلَ عَنْهُ. وَقَالَا: يُسْأَلُ عَنْهُمْ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِرْثِ) أَمَّا الصَّلَاةُ فَبِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَمَذْهَبُهُ. وَقَالَا: تُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتٌ يَكُونُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ، وَتِلْكَ حَالَةٌ لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ لِمَا مَرَّ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ سَمَاعُ صَوْتِهِ، فَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ وَالْمَهْرِ، وَكَذَا لَا يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مَتَى ثَبَتَتْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا زَوَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَإِبْطَالُ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ؛ وَلِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ اطِّلَاعُ الرِّجَالِ عَلَيْهِ فَلَا ضَرُورَةَ.

قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنَ الْعَدَالَةِ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ) أَمَّا الْعَدَالَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وَقَالَ تَعَالَى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَالْفَاسِقُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ؛ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ وَيُنَفِّذُهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْحَاكِمِ الصِّدْقُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْعَدَالَةِ، إِلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا. وَأَمَّا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي طَلَبِ الشَّهَادَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِهَا؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ عَلَى مَا يَأْتِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَيْمَانِ، فَيَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَنْهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ أَكْثَرَ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَنْفِي قَوْلَ الْإِنْسَانِ عَلَى الْغَيْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِلْزَامِهِ، إِلَّا أَنَّا قَبِلْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، وَأَنَّهُ وَرَدَ مَقْرُونًا بِالشَّهَادَةِ. وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ عَلَى غَيْرِهِ؟ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] .

قَالَ: (وَيُقْتَصَرُ فِي الْمُسْلِمِ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَتِهِ إِلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنْ طَعَنَ فِيهِ الْخَصْمُ سَأَلَ عَنْهُ. وَقَالَا: يَسْأَلُ عَنْهُمْ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَحْدُودًا حَقًّا أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ

ص: 141

وَلَوِ اكْتَفَى بِالسِّرِّ جَازَ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي: هُوَ عَدْلٌ (ف) جَائِزُ الشَّهَادَةِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَوْ قَرَابَةٍ؛ وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ هِيَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ وُلِدَ غَيْرَ فَاسِقٍ، وَالْفِسْقُ أَمْرٌ طَارِئٌ مَظْنُونٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْأَصْلِ بِالظَّنِّ، وَلَا يَلْزَمُ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّاهِدِ الْعَدَالَةُ كَذَلِكَ الْأَصْلُ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْعَدَالَةُ، وَالشَّاهِدُ وَصَفَهُ بِالزِّنَا وَالْقَتْلِ فَتَقَابَلَ الْأَصْلَانِ فَرَجَّحْنَا بِالْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنَاهَا عَلَى الْإِسْقَاطِ فَيُسْأَلُ عَنْهُمْ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ أَنْ يَحْتَاطَ فِي حُكْمِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنِ النَّقْضِ وَذَلِكَ بِسُؤَالِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.

(وَلَوِ اكْتَفَى بِالسِّرِّ جَازَ) .

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَفْتَى فِي زَمَانٍ كَانَتِ الْعَدَالَةُ فِيهِ ظَاهِرَةً، وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام عَدَّلَ أَهْلَهُ وَقَالَ:«خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ» وَاكْتَفَى بِتَعْدِيلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي زَمَنِهِمَا فَشَا الْكَذِبُ فَاحْتَاجَا إِلَى السُّؤَالِ، وَلَوْ كَانَا فِي زَمَانِهِ مَا سَأَلَا، وَلَوْ كَانَ فِي زَمَنِهِمَا لَسَأَلَ، فَلِهَذَا قُلْنَا: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَقَدْ تَصَفَّحْتُ كَثِيرًا مِنْ كُتُبِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ فَمَا رَأَيْتُهُ رَجَّحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَ غَيْرِهِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا رَجَّحَ قَوْلَهُمَا لِمَا رَأَى مِنْ فَسَادِ أَهْلِ الزَّمَانِ، وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِمْ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَكَانَ يَقُولُ: يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنَقِّبَ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الشَّاهِدِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ عَدْلٌ غَيْرُ جَائِزِ الشَّهَادَةِ؛ وَقِيلَ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحُرِّيَّةُ تَبَعًا لِلدَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا عِنْدَهُ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَقَدْ كَانُوا يَكْتَفُونَ بِتَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ، ثُمَّ انْضَمَّ إِلَيْهَا تَزْكِيَةُ السِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، ثُمَّ قِيلَ يَكْتَفِي بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ تَحَرُّزًا عَنِ الْفِتْنَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ، ثُمَّ لَا بُدَّ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشَّاهِدِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ. وَتَزْكِيَةُ السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ رُقْعَةً مَخْتُومَةً إِلَى الْمُزَكِّي فِيهَا اسْمُ الشَّاهِدِ وَنَسَبُهُ وَحِلْيَتُهُ وَمُصَلَّاهُ، وَيَرُدُّهَا الْمُزَكِّي كَذَلِكَ سِرًّا، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ لِلْمَسْأَلَةِ عَنِ الشُّهُودِ أَوْثَقَ النَّاسِ وَأَوْرَعَهُمْ دِيَانَةً وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً وَأَكْثَرَهُمْ بِالنَّاسِ خِبْرَةً وَأَعْلَمَهُمْ بِالتَّمْيِيزِ، غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بَيْنَ النَّاسِ لِئَلَّا يُقْصَدُوا بِسُوءٍ أَوْ يُخْدَعُوا، وَيَنْبَغِي لِلْمُزَكِّي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ وَيَتَعَرَّفَهَا مِنْ جِيرَانِهِمْ وَأَهْلِ سُوقِهِمْ، فَإِنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ كَتَبَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الرُّقْعَةِ: هُوَ عَدْلٌ عِنْدِي جَائِزُ الشَّهَادَةِ، وَإِلَّا كَتَبَ: إِنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ، وَخَتَمَ الرُّقْعَةَ وَرَدَّهَا، فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي زِدْ فِي شُهُودِكَ وَلَا يَقُولُ جُرِحُوا، وَيُقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ قَوْلُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ وَالْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَارٌ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّهَا شَهَادَةٌ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَالشُّهُودُ الْكُفَّارُ يُعَدِّلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمُ

ص: 142