المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ وَلَا تَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٢

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[ما ينعقد به البيع]

- ‌[شروط صحة البيع]

- ‌[فصل في الإقالة وأحكامها]

- ‌بَابُ الْخِيَارَاتِ

- ‌[خيار الشرط وأحكامه]

- ‌[فَصْلٌ خيار الرؤيا وأحكامه]

- ‌[فصل خِيَارُ الْعَيْبِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ التولية والمرابحة والوضيعة]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌[فصل إِذَا اسْتَصْنَعَ شَيْئًا جَازَ اسْتِحْسَانًا]

- ‌بَابُ الصَّرْفِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[ما تكون فيه الشُّفْعَةِ]

- ‌[متى تجب الشُّفْعَةِ ومتى تستقر ومتى تملك]

- ‌[فصل ما يبطل الشفعة]

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌[فصل أنواع الأجراء وحكم الأجير المشترك]

- ‌[فصل ما تستحق به الأجرة]

- ‌[فصل بيان ما يجب إذا فسِدَت الْإِجَارَةِ]

- ‌[فصل ما تنفسخ به الإجارة]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌[فصل صحة رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ]

- ‌[فصل حكم الرهن إذا باعه الراهن]

- ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌[فصل طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ]

- ‌[فصل ما ينبغي أن يفعله القاسم]

- ‌فَصْلٌالْمُهَايَأَةُ

- ‌كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي

- ‌[من يولى القضاء]

- ‌[قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ]

- ‌[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]

- ‌[فصل إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ قَضَاءُ قَاضٍ]

- ‌[فصل الدليل على وجوب حبس من عليه الدين ومتى يجوز]

- ‌[فصل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة]

- ‌[فصل ما يجوز فيه التحكيم وما لا يجوز]

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌كتاب المأذون

- ‌كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌[شروط الدعوى وحكمها]

- ‌فَصْلٌبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ

- ‌[فصل اخْتِلَافُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في الثمن أو المبيع]

- ‌[فصل بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فصل الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فصل الْإِقْرَارُ حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ]

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فصل يجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ]

- ‌[فصل ردت شهاته لمانع ثم زال هل تقبل شهادته]

- ‌[فصل الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ]

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[ما يضيفه الموكل إلى نفسه وإلى الموكل ومتى ترجع الحقوق إليهما]

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ وَلَا تَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ

‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

وَلَا تَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ، وَالْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ، وَكُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

إِنَّمَا يَعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ بِالتَّزْكِيَةِ، فَهِيَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إِلَيْهَا، بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَحْضٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كتاب الوكالة]

وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّفْوِيضِ وَالِاعْتِمَادِ، قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] أَيْ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَفَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَيْهِ كَفَاهُ، وَرَجُلٌ وَكَلٌ إِذَا كَانَ قَلِيلَ الْبَطْشِ ضَعِيفَ الْحَرَكَةِ يَكِلُ أَمْرَهُ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ؛ وَقِيلَ الْوَكَالَةُ فِي اللُّغَةِ: الْحِفْظُ، قَالَ تَعَالَى:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] أَيْ نِعْمَ الْحَافِظُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا قَالَ وَكَّلْتُكَ فِي كَذَا فَهُوَ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهِ بِقَضِيَّةِ اللَّفْظِ، وَلَا يَثْبُتُ مَا زَادَ عَلَيْهِ إِلَّا بِلَفْظٍ آخَرَ، وَأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى إِنْسَانٍ فِي شَيْءٍ وَفَوَّضَ فِيهِ أَمْرَهُ إِلَيْهِ كَانَ آمِرًا بِحِفْظِهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَنْظُرَ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ، وَأَصْلَحُ الْأَشْيَاءِ حِفْظُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ تُبْتَنَى عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَوْجُودَةٌ فِي الْوَكَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى الْوَكِيلِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَوَثِقَ بِرَأْيِهِ لِيَتَصَرَّفَ لَهُ التَّصَرُّفَ الْأَحْسَنَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُبْتَنَى عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] وَبِالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، وَوَكَّلَ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، وَعَلَيْهِ تَعَامُلُ النَّاسِ مِنْ لَدُنِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إِلَى يَوْمِنَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجَزُ عَنْ مُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّوْكِيلِ، فَوَجَبَ أَنْ يُشْرَعَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ.

قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ، وَالْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ اسْتِنَابَةٌ وَاسْتِعَانَةٌ، وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِتَمْلِيكِ الْمُوَكِّلِ، وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِذَلِكَ لِيَصِحَّ تَمْلِيكُهُ، وَالْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهِمَا، فَلَوْ وَكَّلَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ وَكَّلَ صَبِيًّا عَاقِلًا مَأْذُونًا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ جَازَ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَتْ: (وَكُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْحَاجَةِ

ص: 156

فَيَجُوزُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إِلَّا الْحُدُودَ (س) وَالْقِصَاصَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَا يَجُوزُ بِالْخُصُومَةِ إِلَّا بِرِضَاءِ الْخَصْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا، وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إِلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِلَّا الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَيْنِ، فَتَجُوزُ عُقُودُهُمَا، وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِمُوَكِّلِهِمَا

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

(فَيَجُوزُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا) لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ كُلُّ أَحَدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ:«وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» وَعَلِيٌّ رضي الله عنه وَكَّلَ أَخَاهُ عَقِيلًا وَابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ.

قَالَ: (إِلَّا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ ثَابِتٌ لِلنَّدْبِ إِلَيْهِ وَلِلشَّفَقَةِ عَلَى الْجِنْسِ، وَأَنَّهُ شُبْهَةٌ وَأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا حَضَرَ لِانْتِفَاءِ هَذَا الِاحْتِمَالِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهَا نِيَابَةٌ، فَيُتَحَرَّزُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْجِنَايَةَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَالظُّهُورِ يُضَافُ إِلَى الشَّهَادَةِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ، فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بِالْخُصُومَةِ إِلَّا بِرِضَاءِ الْخَصْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا)، وَقَالَا: يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ إِلَّا الْوَكِيلُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِحَقٍّ فَيَجُوزُ كَالتَّوْكِيلِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«يَا عَلِيُّ لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ. وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ» فَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُ أَوِ اسْتِمَاعُ كَلَامِهِ، وَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَالْجَوَابُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْخُصُومَةِ، فَلَعَلَّ الْوَكِيلَ يَكُونُ أَشَدَّ خِصَامًا وَأَكْثَرَ احْتِجَاجًا فَيَتَضَرَّرُ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا بِرِضَاهُ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنِ الْخُصُومَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْحُضُورُ، وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ، لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ السَّفَرَ مَشَقَّةً فَلَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ فَجَازَ لَهُمَا التَّوْكِيلُ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَاسْتَحْسَنَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ مُخَدَّرَةً جَازَ تَوْكِيلُهَا بِغَيْرِ رِضَاءِ الْخَصْمِ لِعَجْزِهَا عَنِ الْخُصُومَةِ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ وَالدَّهْشَةِ.

قَالَ: (وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إِلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ، مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِلَّا الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَيْنِ فَتَجُورُ عُقُودُهُمَا، وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِمُوَكِّلِهِمَا) لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ،

ص: 157

وَإِذَا سُلِّمَ الْمَبِيعُ إِلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَرُدُّهُ الْوَكِيلُ بِعَيْبٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إِلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ جَازَ، وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إِلَى مُوَكِّلِهِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِمُوَكِّلِهِ: كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إِنْكَارٍ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ وَالْإِقْرَاضِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَلَا يَفْتَقِرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ إِلَى ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ، وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ اعْتَمَدَ رُجُوعَ الْحُقُوقِ إِلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ يَتَضَرَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُوَكِّلِ مُفْلِسًا، أَوْ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُطَالَبَتِهِ وَاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْهُ وَأَنَّهُ مُنْتَفٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ وَإِسْنَادِ الْعَقْدِ إِلَيْهِ فَلَا ضَرَرَ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ الرَّسُولُ لِأَنَّهُ يُضِيفُ الْعَقْدَ إِلَى مُرْسِلِهِ، وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً بِكَلَامِهِ، وَحُكْمًا لِعَدَمِ إِضَافَةِ الْعَقْدِ إِلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ أَصْلًا فِي الْحُقُوقِ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوكِّلِ خِلَافَةً نَظَرًا إِلَى التَّوْكِيلِ السَّابِقِ كَالْعَبْدِ يَتَّهِبُ أَوْ يَصْطَادُ. أَمَّا الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَا مَأْذُونَيْنِ جَازَ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ، إِلَّا أَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعَاتِ وَالْتِزَامِ الْعُهْدَةِ لِقُصُورِ أَهْلِيَّةِ الصَّبِيِّ وَلِحَقِّ السَّيِّدِ فَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ عَلِمَ الْعَاقِدُ الْآخَرُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِاعْتِقَادِهِ رُجُوعَ الْحُقُوقِ إِلَى الْعَاقِدِ، وَقَدْ فَاتَهُ فَيَتَخَيَّرُ.

قَالَ: (وَإِذَا سُلِّمَ الْمَبِيعُ إِلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَرُدُّهُ الْوَكِيلُ بِعَيْبٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُوَكِّلِ وَانْتَقَلَ الْمِلْكُ إِلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إِذَا بَاعَهُ مِنْ آخَرَ.

قَالَ: (وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إِلَى الْمُوَكِّلِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحُقُوقَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْوَكِيلِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنَ الْعَقْدِ.

(فَإِنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ جَازَ) لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ حَقُّهُ، وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ لَكِنْ يَضْمَنُهُ لِلْمُوَكِّلِ.

قَالَ: (وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إِلَى مُوَكِّلِهِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِمُوَكِّلِهِ: كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) فَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ، وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمُهَا، وَلَا بَدَلُ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ، وَلِهَذَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ وَإِسْنَادِ الْعَقْدِ إِلَيْهِ، حَتَّى لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إِلَى نَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ وَاقِعًا لَهُ لَا لِمُوَكِّلِهِ كَالرَّسُولِ. وَالْخُلْعُ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إِسْقَاطٌ كَمَا يُوجَدُ يَتَلَاشَى فَلَا يُمْكِنُ صُدُورُهُ مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ.

(وَ) عَلَى هَذَا. (الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالرَّهْنُ وَالْإِقْرَاضُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْقَبْضِ. وَأَنَّهُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْمُوَكِّلِ فَكَانَ

ص: 158