الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (م) ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ، وَلَا السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ إِلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ، وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ (س) ، وَيُكْرَهُ السَّفَاتِجُ.
بَابُ السَّلَمِ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا.
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ إِذَا بَاعَهُ بِجِنْسِهِ إِلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ مِنَ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الشَّاةِ لِيَكُونَ الْفَاضِلُ بِالسَّقْطِ تَحَرُّزًا عَنِ الرِّبَا، وَهُوَ زِيَادَةُ السَّقْطِ وَصَارَ كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ بَاعَ مَوْزُونًا بِعَدَدِيٍّ، وَلَا يُعْرَفُ مَا فِيهِ مِنَ اللَّحْمِ بِالْوَزْنِ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُخَفِّفُ نَفْسَهُ فِي الْمِيزَانِ مَرَّةً وَيُثَقِّلُهَا أُخْرَى بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ فَافْتَرَقَا.
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ) لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ وَالْمِعْيَارِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَالْقُطْنُ بِالْغَزْلِ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِلْمُجَانَسَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ، وَلَا السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ إِلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ) تَحَرُّزًا عَنِ الرِّبَا وَشُبْهَتِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا شَابَهَهُ كَالْعِنَبِ بِدِبْسِهِ وَالْجَوْزِ بِدُهْنِهِ وَأَمْثَالِهِ، وَاللُّحْمَانُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا حَتَّى لَا يُكَمَّلَ نِصَابُ بَعْضِهَا مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا أَنَّ الْبَقَرَ وَالْجَوَامِيسَ جِنْسٌ، وَالْمَعَزَ وَالضَّأْنَ جِنْسٌ، وَالْبَخْتَ وَالْعِرَابَ جِنْسٌ، وَكَذَلِكَ الْأَلْبَانُ وَالشَّحْمُ وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ، وَشَحْمُ الْجَنْبِ لَحْمٌ وَيُعْرَفُ تَمَامُهُ فِي الْأَيْمَانِ.
قَالَ: (وَلَا رِبًا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا الْقِمَارِ لِأَنَّ الرِّبَا وَالْقِمَارَ حَرَامٌ، وَلَا يَحِلُّ فِي دَارِهِمْ كَالْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِنَا. وَلَهُمَا أَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ، إِلَّا أَنَّهُ بِالْأَمَانِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ تَحَرُّزًا عَنِ الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ، فَإِذَا رَضَوْا بِهِ حَلَّ أَخْذُهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ، لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِالْأَمَانِ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ السَّفَاتِجُ) وَهُوَ قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ أَمْنَ الطَّرِيقِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» وَصُورَتُهُ أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضُهَا فِي بَلَدِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَحْمِيَهُ فِي الطَّرِيقِ.
[بَابُ السَّلَمِ]
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: التَّقْدِيمُ وَالتَّسْلِيمُ وَكَذَلِكَ السَّلَفُ.
وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِعَقْدٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الثَّمَنِ عَاجِلًا وَفِي الْمُثَمَّنِ آجِلًا، وَسُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الثَّمَنِ، وَقَالَ
كُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ، وَمَا لَا فَلَا، وَشَرَائِطُهُ: تَسْمِيَةُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْوَصْفِ وَالْأَجَلِ وَالْقَدْرِ وَمَكَانِ الْإِيفَاءِ (سم) إِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمَؤُونَةٌ، وَقَدْرُ (سم) رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ، وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْقُدُورِيُّ: السَّلَمُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ تَعْجِيلَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَتَأْجِيلَ الْآخَرِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ، لَكِنْ لَمَّا اخْتَصَّ بِحُكْمٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ كَالصَّرْفِ لَمَّا اخْتَصَّ بِوُجُوبِ تَعْجِيلِ الْبَدَلَيْنِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ، وَهُوَ عَقْدٌ شُرِعَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ، إِلَّا أَنَّا تَرْكُنَا الْقِيَاسَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَازَ السَّلَمَ وَأَنْزَلَ فِيهِ أَطْوَلَ آيَةٍ فِي كِتَابِهِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَيُسَمَّى بَيْعَ الْمَفَالِيسِ شُرِعَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى رَأْسِ الْمَالِ، لِأَنَّ أَغْلَبَ مَنْ يَعْقِدُهُ مَنْ لَا يَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَبِيعُهُ بِأَوْفَرِ الثَّمَنَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى السَّلَمِ، وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَبِلَفْظِ السَّلَفِ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَبِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ نَوْعُ بَيْعٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ لَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَالَ: (كُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ.
(وَمَا لَا فَلَا) لِأَنَّهُ يَكُونُ مَجْهُولًا فَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يُبْتَنَى عَلَيْهَا أَكْثَرُ مَسَائِلِ السَّلَمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِهَا لِيُعْرَفَ بَاقِيهَا بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا فَنَقُولُ: يَجُوزُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَزْرُوعَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِهِمَا؛ وَلَا فِي الْجَوْهَرِ وَالْخَرَزِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ فِي الطَّسْتِ وَالْقُمْقُمِ وَالْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَجُوزُ فِي الْخُبْزِ لِتَفَاوُتِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِالثَّخَانَةِ وَالرِّقَّةِ وَالنُّضْجِ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَفَاوُتِهِ عَدَدًا مِنْ حَيْثُ الْخِفَّةُ وَالثِّقَلِ، وَوَزْنًا مِنْ حَيْثُ الصَّنْعَةُ. وَعِنْدِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا، لِأَنَّ الْوَزْنَ أَعْدَلُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِهِمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ.
قَالَ: (وَشَرَائِطُهُ تَسْمِيَةُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْوَصْفِ وَالْأَجَلِ وَالْقَدْرِ وَمَكَانِ الْإِيفَاءِ إِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمَؤُونَةٌ، وَقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ، وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ) لِأَنَّ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُنْفَى الْجَهَالَةُ وَتُقْطَعُ الْمُنَازَعَةُ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَجْهُولًا فَتُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ، وَالنَّوْعُ كَالْبَرْنِيِّ، وَالْمَكْتُومُ فِي التَّمْرِ وَفِي الْحِنْطَةِ كَسَهْلِيَّةٍ وَجَبَلِيَّةٍ، وَالْوَصْفُ كَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، وَالْأَجَلُ كَقَوْلِهِ إِلَى شَهْرٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ شَرْطٌ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ شُرِعَ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّأْجِيلِ لِيَقْدِرَ عَلَى التَّحْصِيلِ وَتَقْدِيرُهُ إِلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ، ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ. وَعَنِ الطَّحَاوِيِّ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، رَوَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا بِمُدَّةِ الْخِيَارِ. وَرُوِيَ عَنْهُمْ لَوْ شُرِطَ نِصْفُ يَوْمٍ جَازَ لَأَنَّ أَدْنَى مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا تَتَقَدَّرُ فَكَذَلِكَ أَجَلُ السَّلَمِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ شَهْرٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْآجِلِ وَأَقْصَى الْعَاجِلِ. وَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَوْلُهُ كَذَا قَفِيزًا وَكَذَا رِطْلًا، وَهُوَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ» وَأَمَّا مَكَانُ الْإِيفَاءِ فَقَوْلُنَا فِي مَكَانِ كَذَا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ إِذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمَؤُونَةٌ، وَقَالَا: لَا يَشْتَرِطُ وَيُوَفِّيهِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ، لِأَنَّ مَكَانَ الْعَقْدِ مُتَعَيِّنٌ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَكَمَا فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ. وَلَهُ أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ يَكُونُ عِنْدَ حُلُولِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ مَوْضِعِ الْإِيفَاءِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فِي الْحَالِ، وَلَا مُنَازَعَةَ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْأُجْرَةُ وَالثَّمَنُ إِذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ، وَالْقِسْمَةُ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمَؤُونَةٌ، وَإِذَا شَرَطَ مَكَانًا يَتَعَيَّنُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ؛ وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ حَمْلٌ، وَمَؤُونَةٌ كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَلْ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ؟ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ، وَلَوْ شَرَطَ لَهُ مَكَانًا قِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِلْفَائِدَةِ، لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَنْبَرِ فِي الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي السَّوَادِ، وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ.
وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِهَا وَصَارَ كَالثَّوْبِ إِذَا كَانَ رَأْسَ الْمَالِ. وَلَهُ أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَجِدُ بَعْضَهَا زُيُوفًا وَقَدْ أَنْفَقَ الْبَعْضَ فَيَرُدُّهُ وَلَا يُسْتَبْدَلُ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ يَنْقَسِمُ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فَيَنْتَقِضُ السَّلَمُ بِقَدْرِ مَا رُدَّ، وَلَا يُدْرَى قَدْرُ الْبَاقِي فَيُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَالْمُتَحَقِّقِ لِشَرْعِيَّتِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ، وَعَلَى هَذَا إِذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ أَسْلَمَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ أَحَدِهِمَا. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ الْعَشَرَةَ وَهَذِهِ الدَّنَانِيرَ فِي كَذَا، أَوْ يَقُولُ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ، أَوْ فِي ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَ مِثْلِيٍّ كَالثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قِيمَتُهُ وَذَرْعُهُ، لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى عَدَدِ الذُّرْعَانِ لِتَفَاوُتِهَا فِي الْجَوْدَةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُفِيدُ مَعْرِفَتُهَا فَلَا يُعْتَبَرُ.
وَأَمَّا قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ عَلَى مَا مَرَّ، فَيَجِبُ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ لِيَتَحَقَّقْ مَعْنَى الِاسْمِ، وَلَا يَجِبُ قَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْحَالِ فَيَجِبُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا يَصِيرُ كَالِئًا بِكَالِئٍ وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فَقَدِ افْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِعَيْنٍ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ شَرْطٌ عَمَلًا بِالْخَبَرِ وَمُقْتَضَى لَفْظِ السَّلَمِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ فَيُخِلُّ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضَ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ الْمَشْرُوطِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ قُبِلَ الْإِبْرَاءُ سَقَطَ الْقَبْضُ وَبَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّهُ صَحَّ بِتَرَاضِيهِمَا فَلَا يَبْطُلُ إِلَّا بِتَرَاضِيهِمَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ جِنْسِهِ أَرْدَأَ مِنْهُ وَرَضِيَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ وَإِنْ خَالَفَ فِي الصِّفَةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَعْطَى أَجْوَدَ مِنْهُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْأَخْذِ خِلَافًا لِزُفَرَ.
لَهُ أَنَّهُ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِالْجَوْدَةِ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ. وَلَنَا أَنَّ الْجَوْدَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنِ الْجِنْسِ وَهِيَ غَيْرُ مُنْفَرِدَةٍ عَنِ الْعَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَى إِذَا تَبَرَّعَ بِهَا كَالرُّجْحَانِ فِي الْوَزْنِ.
وَأَمَّا الْمُسْلَمُ فِيهِ فَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» وَعَنِ الصَّحَابَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «لَيْسَ لَكَ إِلَّا سَلَمُكُ أَوْ رَأْسُ مَالِكَ» فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنَ الْجِنْسِ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ جَازَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَشَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ فِي الْبَدَلَيْنِ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا حَتَّى لَا يَجُوزَ إِسْلَامُ الْهَرَوِيِّ فِي الْهَرَوِيِّ وَلَا إِسْلَامُ الْكَيْلِيِّ فِي الْكَيْلِيِّ كَالْحِنْطَةِ فِي الشَّعِيرِ وَلَا الْوَزْنِيِّ فِي الْوَزْنِيِّ كَالْحَدِيدِ فِي الصُّفْرِ أَوْ فِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا خَيْرَ فِي نَسِيئَةٍ» وَهَذَا مُطَّرِدٌ إِلَّا فِي الْأَثْمَانِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إِسْلَامُهَا فِي الْوَزْنِيَّاتِ ضَرُورَةً لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَلِأَنَّ الْأَثْمَانَ تُخَالِفُ غَيْرَهَا مِنَ الْوَزْنِيَّاتِ فِي صِفَةِ الْوَزْنِ، لِأَنَّهَا تُوزَنُ بِصَنْجَاتِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَغَيْرُهَا يُوزَنُ بِالْأَرْطَالِ وَالْأَمْنَانِ، وَالْأَثْمَانُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَغَيْرُهَا يَتَعَيَّنُ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا أَحَدُ وَصْفَيِ الْعِلَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَجَازَ إِسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَلَوْ أَسْلَمَ مَكِيلًا فِي مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَمَا إِذَا أَسْلَمَ كُرَّ حِنْطَةٍ فِي كُرِّ شَعِيرٍ وَعَشَرَةِ أَرْطَالِ زَيْتٍ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَقَالَا: يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْمَوْزُونِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ مَتَى فَسَدَتْ فِي الْبَعْضِ فَسَدَتْ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَفْسَدُ بِقَدْرِ الْمُفْسَدِ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْبَعْضِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ، وَلَهُ أَنَّهُ فَسَادٌ قَوِيٌّ تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيَشِيعُ فِي الْكُلِّ كَمَا إِذَا ظَهَرَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ حُرًّا أَوْ أَحَدُ الدَّنَّيْنِ خَمْرًا، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ بَيْعِهِ لَيْسَ مَجْمَعًا عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ بِهَا يَجُوزُ نَسِيئَةً فَلَا حَاجَةَ إِلَى السَّلَمِ فِيهِمَا، وَهَلْ يَجُوزُ فِي التِّبْرِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَيَجُوزُ
وَلَا يَصِحُّ فِي الْمُنْقَطِعِ وَلَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَلَا فِي الْحَيَوَانِ وَلَحْمِهِ (سم) وَأَطْرَافِهِ وَجُلُودِهِ، وَيَصِحُّ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا، وَلَا يَصِحُّ بِمِكْيَالٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ، وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فِي الْحُلِيِّ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ، وَفِي الْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَدْ مَرَّ.
قَالَ: (وَلَا يَصِحُّ فِي الْمُنْقَطِعِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فِي الْمُدَّةِ، وَفِي مُدَّةِ انْقِطَاعِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى الْعَجْزِ عَنِ التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْمَحَلِّ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا تُسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَالِانْقِطَاعُ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي سُوقِهِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجِدُ فِي الْبُيُوتِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ كَالرُّطَبِ فِي خُرَاسَانَ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَقَالِيمِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنْقَطِعِ، وَلَوْ حَلَّ السَّلَمُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يَبْطُلُ السَّلَمُ، وَقِيلَ إِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ، كَإِبَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ وَتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَالَ: (وَلَا فِي الْجَوَاهِرِ) لِتَفَاوُتِ آحَادُهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا حَتَّى لَوْ لَمْ تَتَفَاوَتْ كَصِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّذِي يُبَاعُ وَزْنًا، قَالُوا: يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَزْنِيٌّ.
قَالَ: (وَلَا فِي الْحَيَوَانِ وَلَحْمِهِ وَأَطْرَافِهِ وَجُلُودِهِ) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ الْبَاطِنَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْمَالِيَّةِ فَيُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ.
وَأَمَّا اللَّحْمُ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا: إِذَا سَمَّى مِنَ اللَّحْمِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ لِأَنَّهُ وَزْنِيٌّ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَيَجُوزُ. وَلَهُ أَنَّهُ يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِكِبَرِ الْعَظْمِ وَصِغَرِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ، وَيَتَفَاوَتُ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَصْلًا وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ، وَلَوِ اسْتَهْلَكَ لَحْمًا ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ بِالْمِثْلِ وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَرْضَ وَالضَّمَانَ يَجِبَانِ حَالًّا فَتَكُونُ صِفَتُهُ مَعْلُومَةً وَلَا كَذَلِكَ السَّلَمُ. وَأَمَّا أَطْرَافُهُ وَجُلُودُهُ فَلِأَنَّهَا عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ تَفَاوُتًا يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَطْرَافِ الرُّؤُوسُ وَالْأَكَارِعُ.
أَمَّا الشُّحُومُ وَالْأَلْيَةُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا لِأَنَّهَا وَزْنِيٌّ مَعْلُومُ الْقَدْرِ والصِّفَةِ.
قَالَ: (وَيَصِحُّ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا) لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَكَذَلِكَ الطَّرِيُّ الصِّغَارُ فِي حِينِهِ.
وَفِي الْكِبَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ السِّمَنَ وَالْهُزَالَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ عَادَةً. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهُ.
قَالَ: (وَلَا يَصِحُّ بِمِكْيَالٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا هَلَكَ الْمِكْيَالُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَعْجِزُ عَنِ التَّسْلِيمِ. وَكَذَا ذِرَاعٌ بِعَيْنِهِ، أَوْ وَزْنُ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ كَالْخَشَبِ وَالْحَدِيدِ لِيَكُونَ مَعْلُومًا فَلَا يُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ. أَمَّا مَا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ كَالْجِرَابِ وَالزِّنْبِيلِ يَزْدَادُ وَيَنْتَقِصُ فَيُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ.
قَالَ: (وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَسْلَمُ