المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَإِنْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لَلْغُرَمَاءِ وَمَا بَقِيَ فَعَلَى الْعَبْدِ، - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٢

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[ما ينعقد به البيع]

- ‌[شروط صحة البيع]

- ‌[فصل في الإقالة وأحكامها]

- ‌بَابُ الْخِيَارَاتِ

- ‌[خيار الشرط وأحكامه]

- ‌[فَصْلٌ خيار الرؤيا وأحكامه]

- ‌[فصل خِيَارُ الْعَيْبِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وأحكامه]

- ‌[بَابُ التولية والمرابحة والوضيعة]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌[فصل إِذَا اسْتَصْنَعَ شَيْئًا جَازَ اسْتِحْسَانًا]

- ‌بَابُ الصَّرْفِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[ما تكون فيه الشُّفْعَةِ]

- ‌[متى تجب الشُّفْعَةِ ومتى تستقر ومتى تملك]

- ‌[فصل ما يبطل الشفعة]

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌[فصل أنواع الأجراء وحكم الأجير المشترك]

- ‌[فصل ما تستحق به الأجرة]

- ‌[فصل بيان ما يجب إذا فسِدَت الْإِجَارَةِ]

- ‌[فصل ما تنفسخ به الإجارة]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌[فصل صحة رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ]

- ‌[فصل حكم الرهن إذا باعه الراهن]

- ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌[فصل طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ]

- ‌[فصل ما ينبغي أن يفعله القاسم]

- ‌فَصْلٌالْمُهَايَأَةُ

- ‌كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي

- ‌[من يولى القضاء]

- ‌[قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ]

- ‌[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]

- ‌[فصل إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ قَضَاءُ قَاضٍ]

- ‌[فصل الدليل على وجوب حبس من عليه الدين ومتى يجوز]

- ‌[فصل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة]

- ‌[فصل ما يجوز فيه التحكيم وما لا يجوز]

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌كتاب المأذون

- ‌كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌[شروط الدعوى وحكمها]

- ‌فَصْلٌبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ

- ‌[فصل اخْتِلَافُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في الثمن أو المبيع]

- ‌[فصل بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فصل الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فصل الْإِقْرَارُ حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ]

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فصل يجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ]

- ‌[فصل ردت شهاته لمانع ثم زال هل تقبل شهادته]

- ‌[فصل الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ]

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[ما يضيفه الموكل إلى نفسه وإلى الموكل ومتى ترجع الحقوق إليهما]

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

الفصل: وَإِنْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لَلْغُرَمَاءِ وَمَا بَقِيَ فَعَلَى الْعَبْدِ،

وَإِنْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لَلْغُرَمَاءِ وَمَا بَقِيَ فَعَلَى الْعَبْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مِنَ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ.

‌كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

وَيُعْتَبَرُ فِيهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى إِيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

إِذَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ، وَالْحَاجَةُ قَائِمَةُ فِي الدَّيْنِ الْمُحِيطِ، وَالْمَأْذُونِ يَمْلِكُهُ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا مُكَلَّفًا لَكِنَّ مِلْكًا مُنْتَقِلًا لَا مُسْتَقِرًّا كَمِلْكِ الْمَقْتُولِ الدِّيَةَ وَالْجَنِينِ الْغُرَّةَ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ حَتَّى يَكُونَ مَوْرُوثًا عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ الدَّيْنِ سِيَّمَا التُّجَّارُ، فَلَوِ اعْتَبَرْنَا الْقَلِيلَ مَانِعًا أَدَّى إِلَى سَدِّ بَابِ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَمْتَنِعُ عَنِ الْإِذْنِ.

قَالَ: (وَإِنْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ.

(وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ، وَمَا بَقِيَ فَعَلَى الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ فَوَّتَهَا بِالْعِتْقِ فَيَغْرَمُ لَهُ قِيمَتَهَا، وَمَا فَضَلَ أَخَذُوهُ مِنَ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنُوا الْمُعْتَقَ جَمِيعَ دُيُونِهِمْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ فَيَضْمَنُهَا وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِيهِ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ) لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِهِ إِذَا كَانَ مَدْيُونًا كَمَا بَيَّنَّا وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْعَبْدِ بِدُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَلَمْ يَقْبِضِ الثَّمَنَ سَقَطَ إِنْ كَانَ دَيْنًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا لَا يَسْقُطُ لِجَوَازِ بَقَاءِ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مِنَ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ) لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا تُهْمَةَ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ بِأَقَلِّ مِنَ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ لِلتُّهْمَةِ، وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَعَيَّبَهُ. فَالْغُرَمَاءُ إِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْبَائِعَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّهُمْ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ بِالشِّرَاءِ وَالتَّعْيِيبِ، وَإِنْ شَاءُوا أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ كَالْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِمَا ضَمِنَ وَعَادَ حَقُّهُمْ إِلَى الْعَبْدِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

ِ وَهُوَ الْإِلْزَامُ وَالْإِجْبَارُ عَلَى مَا يُكْرَهُ الْإِنْسَانُ طَبْعًا أَوْ شَرْعًا، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا عَدِمَ الرِّضَا لِيَدْفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ، ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْهَزْلِ الْمُنَافِي لِلرِّضَا، فَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ كَالطَّلَاقِ وَأَخَوَاتِهِ ; وَقِيلَ: هُوَ مُعْتَبَرٌ بِخِيَارِ الشَّرْطِ الْخَالِي عَنِ الرِّضَا بِمُوجِبِ الْعَقْدِ، فَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّرْطُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ.

قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ فِيهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى إِيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْخَوْفُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ،

ص: 104

وَخَوْفُ الْمُكْرَهِ عَاجِلًا، وَامْتِنَاعُهُ مِنَ الْفِعْلِ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ بِهِ نَفْسًا أَوْ عُضْوًا أَوْ مُوجِبًا غَمًّا يَنْعَدِمُ بِهِ الرِّضَا، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ فَفَعَلَ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ، وَإِنْ قَبَضَ الْعِوَضَ طَوْعًا فَهُوَ إِجَازَةٌ، وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ، وَيَرُدُّهُ إِنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا مِنْ سُلْطَانٍ، فَاخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ.

(وَ) لَا بُدَّ مِنْ. (خَوْفِ الْمُكْرَهِ عَاجِلًا) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ فِعْلَهُ يَكُونُ رَاضِيًا فَلَا يَكُونُ مُكْرَهًا ; لَأَنَّ الْإِكْرَاهَ مَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ اخْتِيَارَهُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ الْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَاخْتَارَ أَحَدَهُمَا، فَإِذَا فَعَلَ بِرِضَاهُ لَا يَكُونُ مُكْرَهًا.

(وَ) لَا بُدَّ مِنْ (امْتِنَاعِهِ مِنَ الْفِعْلِ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا عَلَى فِعْلٍ يَمْتَنِعُ عَنْهُ الْمُكْرَهُ. أَمَّا إِذَا كَانَ بِفِعْلِهِ فَلَا إِكْرَاهَ وَيَكُونُ الِامْتِنَاعُ. (لِحَقِّهِ) كَبَيْعِ مَالِهِ وَالشِّرَاءِ، وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ) كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَنَحْوِهِ. (أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

(وَ) لَا بُدَّ (أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ بِهِ نَفْسًا أَوْ عُضْوًا) كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ. (أَوْ مُوجِبًا غَمًّا يَنْعَدِمُ بِهِ الرِّضَا) كَالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ ; وَأَحْكَامُهُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَتَارَةً يَلْزَمُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَتَارَةً يُبَاحُ لَهُ، وَتَارَةً يُرَخَّصُ، وَتَارَةً يَحْرُمُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ: (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ فَفَعَلَ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ) لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، إِلَّا أَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَ الْحِلِّ وَهُوَ التَّرَاضِي فَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ، حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ كَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِ يَنْفُذُ وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ لِوُجُودِ التَّرَاضِي بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِحَقِّ الشَّرْعِ يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمَا، وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ هَاهُنَا وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، لِأَنَّ الْفَسَادَ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حُقُّ الْعَبْدِ، وَهُنَا أَيْضًا الرَّدُّ حَقُّ الْعَبْدِ، وَهَمَا سَوَاءٌ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِضَرْبِ سَوْطٍ، أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ، أَوْ قِيدَ يَوْمٍ لَا يَكُونُ إِكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَالَى بِهِ عَادَةً، إِلَّا إِذَا كَانَ ذَا مَنْصِبٍ يَسْتَضِرُّ بِهِ، فَيَكُونُ إِكْرَاهًا فِي حَقِّهِ لِزَوَالِ الرِّضَى. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَيْسَ بِسَبَبٍ، لَكِنْ جُعِلَ حُجَّةً لِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْكَذِبِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ.

(وَإِنْ قَبَضَ الْعِوَضَ طَوْعًا فَهُوَ إِجَازَةٌ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ.

(وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ، وَيَرُدُّهُ إِنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي

ص: 105

وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَفَعَلَ وَقَعَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ. وَفِي الطَّلَاقِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ، إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْمُتْعَةِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ إِتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِالْحَبْسِ أَوِ الضَّرْبِ فَلَيْسَ بِمُكْرَهٍ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَالْمَقْبُوضُ فِيهِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ.

(وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ) لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ لَهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَفَعَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ صَارَ كَالْبَائِعِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي نَفَّذَ كُلَّ بَيْعٍ حَصَلَ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ، وَالْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْقَبْضِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ.

قَالَ: (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَفَعَلَ وَقَعَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْهَزْلِ لِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا فِي عَدَمِ الرِّضَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَسْلُبُ الْقَصْدَ، فَقَدْ قُصِدَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ عَلَى مَنْكُوحَتِهِ وَعَبْدِهِ فَيَقَعُ.

(وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فَانْضَافَ إِلَيْهِ فَلَهُ تَضْمِينُهُ.

(وَفِي الطَّلَاقِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْمُتْعَةِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ) لِأَنَّهُ أَكَّدَ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِأَنْ تَجِيءَ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا، فَكَانَ إِتْلَافًا لِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْمَالِ فَيُضَافُ إِلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الدُّخُولِ، لِأَنَّ الْمَهْرَ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ، وَهَكَذَا النَّذْرُ وَالْيَمِينُ وَالظِّهَارُ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَتَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَالْخُلْعُ يَمِينٌ أَوْ طَلَاقٌ وَعَلَيْهَا الْبَدَلُ إِنْ كَانَتْ طَائِعَةً، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَطْلُبُهُ فِيهَا، وَالنِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ عِوَضُ مَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ لِلُزُومِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ فَاتَتْ. وَإِنْ أُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ وَلَا تَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَالزَّوْجُ إِمَّا أَنْ يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ يُفَارِقَهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبِلِهَا حَيْثُ لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ مُكْرَهَةٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا حَيْثُ لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً فَهُوَ رِضًى بِالْمُسَمَّى، وَيَبْقَى الِاعْتِرَاضُ لِلْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ.

قَالَ: (فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ إِتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِالْحَبْسِ أَوِ الضَّرْبِ فَلَيْسَ بِمُكْرَهٍ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ الْمَيْتَةِ وَمَالَ الْغَيْرِ مُبَاحٌ فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ، وَهُوَ خَوْفُ فَوْتِ النَّفْسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

ص: 106

وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِإِتْلَافِ نَفْسِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَبُحْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِكْرَاهِ لَا يُبَاحُ الْكُفْرُ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ جَرِيمَةً وَأَشَدُّ حُرْمَةً وَأَقْبَحُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِالسَّمْعِ وَحُرْمَةُ الْكُفْرِ بِهِ وَبِالْعَقْلِ.

(وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِإِتْلَافِ نَفْسِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ) أَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ فَلِمَا تَلَوْنَا مِنَ النَّصِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ حَالَةَ الضَّرُورَةِ صَارَتْ مُسْتَثْنَاةً مِنَ الْحُرْمَةِ، فَكَانَتِ الْمَيْتَةُ وَالْخَمْرُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَالْخُبْزِ وَالْمَاءِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْإِبَاحَةِ أَثِمَ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَمَّا زَالَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] صَارَ كَالْمُمْتَنِعِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى مَاتَ فَيَأْثَمُ. وَأَمَّا إِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ فَكَذَلِكَ يُبَاحُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ فَزَالَ الْإِثْمُ، وَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ لِمَا مَرَّ.

وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَعَّدُوهُ بِضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ وَلَوْ أُنْمُلَةٍ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَعْضَاءِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَمَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ لَا يُبَاحُ لَهُ قَطْعُ الْعُضْوِ، وَلَوْ خَوَّفُوهُ بِالْجُوعِ لَا يَفْعَلُ حَتَّى يَجُوعَ جُوعًا يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ فَيَصِيرُ كَالْمُضْطَرِّ. وَأَمَّا الْكُفْرُ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ رضي الله عنه أَكْرَهَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْكُفْرِ، فَأَعْطَاهُمْ بِلِسَانِهِ مَا أَرَادُوا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: " مَا وَرَاءَكَ " ; فَقَالَ: شَرٌّ، نِلْتُ مِنْكَ، فَقَالَ: " كَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟ " قَالَ: مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: " مَا لَكَ، إِنْ عَادُوا فَعُدْ» وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَفِيهِ دَلِيلُ الْكِتَابِ ; وَالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ» وَالْأَثَرُ فِعْلُ عَمَّارٍ رضي الله عنه.

(وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا) وَهُوَ الْعَزِيمَةُ «فَإِنَّ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ، وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ: هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ بَذَلَ مُهْجَتَهُ وَجَادَ بِرُوحِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِعْلَاءً لِكَلِمَتِهِ لِئَلَّا يَأْتِيَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، فَكَانَ شَهِيدًا كَمَنْ بَارَزَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَهِيدًا. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ سَبُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَرْكُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَكُلُّ مَا ثَبَتَتْ فَرَضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ ; وَلَوْ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إِسْلَامُهُ، كَمَا لَوْ قُوتِلَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83] سَمَّى الْمُكْرَهَ عَلَى الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا، فَإِنْ رَجَعَ الذِّمِّيُّ لَا يُقْتَلُ لَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يُسْلِمَ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي اعْتِقَادِهِ، فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَيُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ فَيَكُونُ ذِمِّيًا فَلَا يُقْبَلُ، إِلَّا أَنَّا رَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ حَالَةَ الْإِسْلَامِ تَصْحِيحًا لِإِسْلَامِهِ

ص: 107

وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى الْقَتْلِ لَمْ يَفْعَلْ وَيَصْبِرُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَإِنْ قَتَلَ أَثِمَ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (ز س) ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنِ امْرَأَتُهُ مِنْهُ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ (ز)

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لِتَرْجِيحِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفْرِ.

قَالَ: (وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى الْقَتْلِ لَمْ يَفْعَلْ وَيَصْبِرْ حَتَّى يُقْتَلَ) وَكَذَا قَطْعُ الْعُضْوِ، وَسَبُّ الْمُسْلِمِ وَأَذَاهُ، وَضَرْبُ الْوَالِدَيْنِ ضَرْبًا مُبَرِّحًا؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ حَرَامٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، لَا يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ وَلَا بِوَجْهٍ مَا، وَكَذَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ الْبَرِيءِ لَا يُبَاحُ بِوَجْهٍ مَا.

(فَإِنْ قُتِلَ أَثِمَ) لِقِيَامِ الْحُرْمَةِ.

(وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ) لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً وَهُوَ الْقَتْلُ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً فِي الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الدِّينِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يُبَاحُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَنْدَرِئُ بِالشُّبَهَاتِ وَقَدْ تَحَقَّقَتِ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الْمُكْرَهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُكْرِهُ فَلِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَتْلِ وَلِهَذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْإِثْمُ، وَلَهُمَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ آلَةٌ فِيمَا يَصْلُحُ، وَالْقَتْلُ يَصْلُحُ بِأَنْ يُلْقِيَهُ عَلَيْهِ وَصَارَ كَمَنْ أَكْرَهَ مَجُوسِيًّا عَلَى ذَبْحِ شَاةِ مُسْلِمٍ، فَالْفِعْلُ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُكْرَهِ فِي الْإِتْلَافِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَنْتَقِلَ الْحُكْمُ حَتَّى لَا يَحِلَّ أَكْلُهَا.

قَالَ: (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنِ امْرَأَتُهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تُبْتَنَى عَلَى الرِّدَّةِ، وَالرِّدَّةُ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ اعْتِقَادِ الْكُفْرِ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ ; وَلَوِ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ.

قَالَ: (وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَيَأْثَمُ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ صَبَرَ كَانَ مَأْجُورًا كَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُبَاحُ بِوَجْهٍ مَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ: يُحَدُّ لِأَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ. قُلْنَا: وَقَدْ يَكُونُ طَبْعًا وَالشُّبْهَةُ مَوْجُودَةٌ، وَلَوْ أُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ وَسِعَهَا ذَلِكَ وَلَا تَأْثَمُ، نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ الرَّجُلَ دُونَهَا؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ فِعْلُهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقِ الزِّنَا مِنْهَا، لَكِنَّ تَمْكِينَهَا وَسِيلَةٌ إِلَى فِعْلِهِ فَيُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ; وَلَوْ أَمَرَهُ وَلَمْ يُكْرِهْهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إِلَّا أَنَّهُ يَخَافُ الْقَتْلَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ لِأَنَّ الْإِلْجَاءَ بِاعْتِبَارِ الْخَوْفِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ.

ص: 108