الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تُقْبَلُ تَزْكِيَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (سم) ، وَتَكْفِي تَزْكِيَةُ الْوَاحِدِ (ف) .
وَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ إِلَّا الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يُشْهِدْهُ (ف) . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ إِلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالدُّخُولَ وَالنِّكَاحَ، وَوِلَايَةَ الْقَاضِي، وَأَصْلَ الْوَقْفِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْمُسْلِمُونَ سَأَلَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ عُدُولِ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ يَسْأَلُ أُولَئِكَ عَنِ الشُّهُودِ.
قَالَ: (وَلَا تُقْبَلُ تَزْكِيَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ هُمْ عُدُولٌ إِلَّا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا، أَمَّا لَوْ قَالَ صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولُ صَدَّقَهُ فَقَدِ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ فَيَقْضِي بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْجُحُودِ؛ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْدِيلُهُ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَالشُّهُودَ يَزْعُمُونَهُ كَاذِبًا فِي إِنْكَارِهِ مُبْطِلًا فِي جُحُودِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَكِّيًا.
قَالَ: (وَتَكْفِي تَزْكِيَةُ الْوَاحِدِ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ اثْنَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ الْمُتَرْجِمُ وَرَسُولُ الْقَاضِي إِلَى الْمُزَكِّينَ. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدَالَةِ وَذَلِكَ بِالتَّزْكِيَةِ، فَيُشْتَرَطُ الْإِتْيَانُ كَالشَّهَادَةِ، وَيُشْتَرَطُ عِنْدَهُ ذُكُورَةُ الْمُزَكِّي فِي الْحُدُودِ وَالْأَرْبَعَةُ فِي شُهُودِ الزِّنَا لِمَا بَيَّنَّا. وَلَهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهَا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْحُكْمِ، وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ تَعْبُّدِيٌّ فَلَا يَتَعَدَّاهَا.
[فصل يجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ]
فَصْلٌ
(وَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ أَوْ أَبْصَرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَلِمَ الْمُوجِبَ وَتَيَقَّنَهُ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنْ عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» وَيَقُولُ أَشْهَدُ بِكَذَا لِأَنَّهُ عَلِمَهُ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي فَإِنَّهُ كَذِبٌ.
قَالَ: (إِلَّا الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يُشْهِدْهُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ مُوجِبَةً إِلَّا بِالنَّقْلِ إِلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّحَمُّلِ، وَلَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ غَيْرَهُ عَلَى شَهَادَتِهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّهُ مَا حَمَّلَهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُخْتَبِئِ، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ الرَّجُلُ بِحَقٍّ وَالشُّهُودُ مُخْتَبِئُونَ فِي بَيْتٍ يَسْمَعُونَ إِقْرَارَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُمُ الشَّهَادَةُ إِذَا كَانُوا يَرَوْنَ وَجْهَهُ وَيَعْرِفُونَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ إِلَّا إِذَا عَلِمُوا أَنْ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُ فَيَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ، وَكَذَا إِذَا سَمِعُوا صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ إِلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالدُّخُولَ وَالنِّكَاحَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي، وَأَصْلَ الْوَقْفِ) ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ وَهِيَ الْمُعَايَنَةُ وَلَمْ تُوجَدْ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُبَاشَرُ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ وَتَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ مُسْتَمِرَّةٌ، فَأُقِيمَتِ الشُّهْرَةُ وَالِاسْتِفَاضَةُ مَقَامَ الْعِيَانِ وَالْمُشَاهَدَةِ كَيْلَا تَتَعَطَّلَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَعَلَى هَذَا النَّاسُ مِنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْهَدُ
وَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِيمَا سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَإِذَا رَأَى الشَّاهِدُ خَطَّهُ لَا يَشْهَدْ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَادِثَةَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ سَائِرُ زَوْجَاتِهِ وَفَاطِمَةُ رضي الله عنها زَوْجَةُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَنَشْهَدُ بِنَسَبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وَنَشْهَدُ بِقَضَاءِ شُرَيْحٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ، وَنَشْهَدُ بِمَوْتِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَالشُّهْرَةُ إِنَّمَا تَكُونُ إِمَّا بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ يَثِقُ بِهِ جَازَ؛ وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ؛ وَقِيلَ يَكْتَفِي فِي الْمَوْتِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَحْضُرُهُ غَيْرُ الْوَاحِدِ، وَإِذَا رَأَى رَجُلًا يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْخُصُومُ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِوِلَايَتِهِ؛ وَكَذَا إِذَا رَأَى رَجُلًا وَامْرَأَةً يَسْكُنَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَيَتَعَاشَرَانِ مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا كَمَا إِذَا رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ.
وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ دُونَ شَرْطِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الَّذِي يُشْتَهَرُ، فَلَوْ لَمْ تَجُزِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ أَدَّى إِلَى اسْتِهْلَاكِ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ، وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي النَّسَبِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِلَالًا مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يُشْتَهَرُ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يُشْتَهَرُ غَالِبًا وَصَارَ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ مِثْلُهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ أَنْ يُطْلِقَ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ فَسَّرَهَا وَقَالَ إِنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ لَا يَقْبَلُهَا، وَكَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْيَدِ لَا يُفَسِّرُهَا.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) إِذَا رَآهُ فِي يَدِهِ.
(فِيمَا سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ) لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَهُوَ الْمَرْجِعُ فِي الْأَسْبَابِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِهَا. وَاشْتَرَطَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ، وَاشْتَرَطَ الْخَصَّافُ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ فَإِنَّ الْيَدَ تَتَنَوَّعُ. قُلْنَا وَالتَّصَرُّفُ أَيْضًا يَتَنَوَّعُ إِلَى أَمَانَةٍ وَمِلْكٍ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ إِذَا عَايَنَ الْمِلْكَ وَالْمَالِكَ، أَوْ عَايَنَ الْمِلْكَ وَحْدَهُ وَعُرِفَ الْمَالِكُ بِالِاشْتِهَارِ بِنَسَبِهِ. أَمَّا إِذَا عَايَنَ الْمَالِكَ وَحْدَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يُسْتَخْدَمُ كَمَا يُسْتَخْدَمُ الْعَبْدُ كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَنَحْوِهِ، فَلَا تَكُونُ الْيَدُ دَلِيلًا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ رَقِيقٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ رِقُّهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُمَا بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ.
قَالَ: (وَإِذَا رَأَى الشَّاهِدُ خَطَّهُ لَا يَشْهَدُ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَادِثَةَ) وَهَكَذَا الْقَاضِي وَالرَّاوِي؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ، قَالُوا: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ هُوَ إِجْمَاعٌ؛ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إِذَا وَجَدَ الْقَاضِي الْقَضِيَّةَ
وَشَاهِدُ الزُّورِ يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ (سم ف) ، وَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى، وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْلَّفْظِ وَالْمَعْنَى (سم) ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ (سم) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فِي دِيوَانِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ، وَكَذَا إِذَا رَأَى الشَّاهِدُ رَقْمَ شَهَادَتِهِ عِنْدَهُ تَحْتَ خَتْمِهِ وَكَذَلِكَ الرَّاوِي فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْحَادِثَةَ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
أَمَّا مَا كَانَ فِي الصَّكِّ بِيَدِ الْخَصْمِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ نُسْخَتُهُ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَادِثَةَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَلَا عِلْمَ مَعَ النِّسْيَانِ، وَشَرْطُ حِلِّ الرِّوَايَةِ عِنْدَهُ أَنْ يَحْفَظَ مِنْ حِينِ سَمِعَ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ، وَلِهَذَا قَلَّتْ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَكَذَا إِذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَادِثَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ مَا لَمْ يَذْكُرْهَا.
قَالَ: (وَشَاهِدُ الزُّورِ يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ) وَقَالَا: يُوجِعُهُ ضَرْبًا وَيَحْبِسُهُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ؛ وَلِأَنَّهَا إِضْرَارٌ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فَيُعَزِّرُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّجْرَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ، وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ أَزْجَرَ لَكِنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الرُّجُوعِ، وَفِعْلُ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ سِيَاسَةً وَلِهَذَا بَلَغَ الْأَرْبَعِينَ وَسَخَّمَ. وَالتَّشْهِيرُ: أَنْ يَبْعَثَهُ الْقَاضِي إِلَى أَهْلِهِ أَوْ سُوقِهِ أَجْمَعَ مَا يَكُونُونَ وَيَقُولُ: الْقَاضِي يُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ وَيَقُولُ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ، مَنْقُولُ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ. وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ الضَّرْبِ.
قَالَ: (وَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى، فَإِنْ لَمْ تُوَافِقْهَا فَقَدِ انْعَدَمَتْ.
(وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ) وَقَالَا: تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَلْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ، وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةٍ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْأَلْفِ، كَذَا هَذَا، وَعَلَى هَذَا الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَيْنِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ وَجَدَ الِاخْتِلَافَ لَفْظًا، وَأَنَّهُ دَلِيلُ الِاخْتِلَافِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَلْفِ غَيْرُ مَعْنَى الْأَلْفَيْنِ، وَهُمَا جُمْلَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ حَصَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلَا يُقْبَلُ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَا، لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى، لِأَنَّهُ عَطَفَ الْخَمْسِمِائَةِ عَلَى الْأَلْفِ، وَالْعَطْفُ يُقَرِّرُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَةُ وَالنِّصْفُ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَطْفٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ. وَالْعِشْرُونَ، وَالْخَمْسُ وَالْعِشْرُونَ نَظِيرُ الْأَلْفِ وَالْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ادَّعَى الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: كَانَ حَقِّي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَقَبَضْتُ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَبْرَأَتُهُ عَنْهَا قَبْلَ التَّوْفِيقِ، وَإِنْ شَهِدَا بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ