الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا.
فَصْلٌ
وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ (سم) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لِيَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا فِي الْخُصُومَاتِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ: (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا)، وَقَالَا: يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالْمَوْلَى يَدَّعِي بَدَلًا زَائِدًا وَالْمُكَاتِبُ يُنْكِرُ، وَالْمُكَاتِبُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ عِنْدَ أَدَاءِ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْقَدْرِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ فَيَتَحَالَفَانِ كَالْبَيْعِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَلَ مُقَابَلٌ فِي الْحَالِ بِفَكِّ الْحَجْرِ وَهُوَ سَالِمٌ لِلْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُقَابِلًا لِلْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، فَكَانَ اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا غَيْرُ، فَلَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ.
[فصل بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ]
فَصْلٌ فِي دَعْوَى النَّسَبِ
اعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى ثَلَاثَةٌ: دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ، وَدَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَهِيَ دَعْوَةُ الْمِلْكِ وَدَعْوَةُ شُبْهَةِ الْمِلْكِ؛ فَالْأُولَى أَنْ يَدَّعِيَ نَسَبَ وَلَدٍ عُلِّقَ فِي مِلْكِهِ يَقِينًا كَمَا إِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَيَصِحُّ فِي الْمِلْكِ وَغَيْرِ الْمِلْكِ كَمَا إِذَا بَاعَهُ، وَيَسْتَنِدُ إِلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ تَصْحِيحًا لِدَعْوَاهُ، وَيُوجِبُ فَسْخَ مَا جَرَى مِنَ الْعُقُودِ كَبَيْعِهِ أُمَّ الْوَلَدِ إِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَحَلًّا لِلنَّسَبِ، وَيُجْعَلُ مُعْتَرِفًا بِالْوَطْءِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ لَا تَتْبَعُ النَّسَبَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثُبُوتُ النَّسَبِ لَا أَمُوَمِيَّةُ الْوَلَدِ وَهُوَ تَبَعٌ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُضَافُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ أُمُّ وَلَدِهِ، وَتَسْتَفِيدُ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَلِهَذَا ثَبَتَتْ لَهُ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَلَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَدَّعِيَ نَسَبَ وَلَدٍ عَلَقَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ فِي الْمِلْكِ خَاصَّةً، وَلَا يَجِبُ فَسْخُ الْعَقْدِ وَيُعْتَقُ إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا.
وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَدَّعِيَ وَلَدَ جَارِيَةِ وَلَدِهِ، فَيَصِحُّ بِنَاءً عَلَى وِلَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إِلَى وَقْتِ الدَّعْوَى، شَرْطُ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى قِيَامُ وِلَايَةِ تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إِلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالِاسْتِيلَادِ مُقْتَضًى لِلْوَطْءِ السَّابِقِ، ثُمَّ الْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إِلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَالثَّانِيَةُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ، وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى مِنَ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ مَتَى صَحَّ مِنَ الِابْنِ بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ لِلتَّمْلِيكِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ.
جِئْنَا إِلَى مَسَائِلِ الْكِتَابِ.
1 -
قَالَ: (وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ دَعْوَاهُ
وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِيهَا، فَإِنْ مَاتَتِ الْأُمُّ ثُمَّ ادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَيُرَدُّ كُلُّ الثَّمَنِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَى سَنَتَيْنِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ وَفُسِخَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ، وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَلَا يُعْتَقُ الْوَلَدُ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بَاطِلَةٌ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ دَلِيلُ عُبُودِيَّةِ الْوَلَدِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ يَقِينًا، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الزِّنَا فَيَكُونُ مِنْهُ، وَمَبْنَى الْعُلُوقِ عَلَى الْخَفَاءِ فَلَا تَنَاقُضَ فَصَحَّتْ دَعَوَاهُ، فَيَسْتَنِدُ إِلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَيَفْسَخُ الْبَيْعَ لِمَا بَيَّنَّا وَيَرُدُّ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى فَسْخِ الْبَيْعِ.
(وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي مَعَهُ) لِسَبْقِهَا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إِلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَلَا كَذَلِكَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي.
قَالَتْ: (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ ثُمَّ ادَّعَاهُ) يَعْنِي الْبَائِعَ. لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِيهَا، فَإِنْ مَاتَتِ الْأُمُّ ثُمَّ ادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ.
قَالَ: (وَيَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ) وَقَالَا: يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ خَاصَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوَّمَةٍ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوَّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا، وَكَذَا لَوِ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ وَبَعْدَ إِعْتَاقِهَا يَصِحُّ؛ لَأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأُمِّ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي الْوَلَدِ كَوَلَدِ الْمَغْرُورِ الْمُسْتَوْلَدِ بِالنِّكَاحِ، وَلَا كَذَلِكَ بِالْعَكْسِ؛ وَإِذَا صَحَّتِ الدَّعْوَةُ بَعْدَ إِعْتَاقِهَا ثَبَتَ النَّسَبُ وَفُسِخَ الْعَقْدُ وَرُدَّ الثَّمَنُ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا كَانَ إِعْتَاقُ الْوَلَدِ مَانِعًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَحَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ فَاسْتَوَيَا؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ مِنَ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةُ الْإِعْتَاقِ، وَالثَّابِتَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الدَّعْوَةِ فِي الْوَلَدِ وَفِي الْأُمِّ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ، فَعَلَى هَذَا لَوِ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ بَعْدَهُ؛ لَأَنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي دَعْوَى تَحْرِيرٍ فَصَارَ كَمَا إِذَا أَعْتَقَهُ، وَالتَّدْبِيرُ كَالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ.
قَالَ: (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَى سَنَتَيْنِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِيَ ثَبَتَ النَّسَبُ وَفُسِخَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يُوجَدِ الْيَقِينُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا صَدَّقَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا إِذَا أَمْكَنَ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا ادَّعَيَاهُ فَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِيهِ.
قَالَ: (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ) لِلتَّيَقُّنِ بِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ، لَكِنْ إِذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ لِتَصَادُقِهِمَا حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاةِ.
(وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَلَا يُعْتَقُ الْوَلَدُ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ مُدَّةُ الْوِلَادَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ إِلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي وَقْتِ الْعُلُوقِ وَتَصِحُّ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْبَائِعِ، وَإِنِ ادَّعَيَاهُ لَا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لِلشَّكِّ، وَالْمُسْلِمُ
وَمَنِ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَالذِّمِّيُّ وَالْحَرْبِيُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنِ ادَّعَى الْبَائِعُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ وُلِدَ حَيًّا صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوِ اشْتَرَاهَا حُبْلَى ثُمَّ بَاعَهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ وَطْئِهَا؛ وَإِنْ حَبِلَتْ أَمَةٌ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا وَتَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى الْأَوَّلِ فَوَلَدَتْ فِي يَدِهِ وَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَبَطَلَتِ الْبُيُوعُ كُلُّهَا وَتَرَاجَعُوا الْأَثْمَانَ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْحَمْلِ عِنْدَهُ لَمْ تَبْطُلِ الْعُقُودُ.
قَالَ: (وَمَنِ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِوَلَدَيْنِ وُلِدَا لَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَاسْتَحَالَ انِعِلَاقُ الثَّانِي مِنْ مَاءٍ آخَرَ، فَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُ أَحَدِهِمَا ثَبَتَ نَسَبُ الْآخَرِ، وَيَبْطُلُ مَا جَرَى فِيهِ مِنَ الْعُقُودِ مِنْ بَيْعٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
1 -
فَصْلٌ
كُلُّ قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ صَدَرَا مِنَ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْحَاكِمِ إِنْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا قُبِلَتِ الدَّعْوَى صِيَانَةً لِكَلَامِهِ عَنِ اللَّغْوِ نَظَرًا إِلَى عَقْلِهِ وَدِينِهِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ، كَمَا إِذَا صَدَرَ مِنَ الشُّهُودِ، وَكُلُّ مَا أَثَّرَ فِي قَدْحِ الشَّهَادَةِ أَثَّرَ فِي مَنْعِ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَى. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَى هَذَا الْحَقِّ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ نَسِيَهَا وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ شَهَادَةٌ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِاحْتِمَالِ النِّسْيَانِ أَيْضًا. وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إِذَا قَالَ لَا شَهَادَةَ لِفُلَانٍ عِنْدِي فِي حَقٍّ بِعَيْنِهِ ثُمَّ جَاءَ وَشَهِدَ لَهُ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيتُ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ لِي حَقًّا، أَوْ لَا أَعْلَمُ لِي حُجَّةً ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا أَوْ جَاءَ بِحُجَّةٍ قُبِلَتْ، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي حَقٌّ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي حُجَّةٌ قُبِلَتْ لِاحْتِمَالِ الْخَفَاءِ فِي الْبَيِّنَةِ دُونَ الْحَقِّ.
وَرَوَى ابْنُ سَمَاعَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ قَضَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ حَقًّا لِأَحَدٍ فَكَانَ سَاقِطًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُلَاعِنَ إِذَا ادَّعَى نَسَبَ الْوَلَدِ صَحَّ لِمَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِهِ بِاللَّعَانِ؟ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ قَالَ لَا حَقَّ لِي بِالرَّيِّ فِي دَارٍ وَلَا أَرْضٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ بِالرَّيِّ قُبِلَتْ، وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ: لَا حَقَّ لِي بِالرَّيِّ فِي رُسْتَاقَ كَذَا فِي يَدِ فُلَانٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: ادْفَعْ إِلَيَّ هَذِهِ الدَّارَ أَسْكُنُهَا، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ أَلْبَسُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَأَبَى ثُمَّ ادَّعَى السَّائِلُ ذَلِكَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّمَا طَلَبَتُهَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ لَا بِالْعَارِيَةِ.
وَفِي الْفَتَاوَى: بَاعَ عَقَارًا وَابْنُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ حَاضِرَانِ وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا أَنَّهُ