الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال السيوطي: قوله: (هاذم) بالذال المعجمة؛ أي: قاطعها، ويحتمل أن يكون بالدال المهملة، وعلى كلا التقديرين؛ فالمراد به: الموت؛ لأنه يقطع لذات الدنيا قطعًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت، قال: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
مذيلة
قوله: (هاذم اللذات) بالذال المعجمة؛ بمعنى: قاطعها، أو بالمهملة؛ من هدم البناء؛ والمراد به على كلا التقديرين: الموت، وهو هاذم اللذات؛ إما لأن ذكره يزهد فيها ويقلل الرغبة، أو لأنه إذا جاء .. ما يُبْقِي من لذائذ الدنيا شيئًا.
قال ميرك: وصحح القرطبي بالدال المهملة؛ حيث قال: شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة، ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة، ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهادم؛ لئلا يستمر على الركون إليها، ويشتغل عما يجب عليه من التزود إلى دار القرار. انتهى كلامه.
لكن قال الإسنوي في "المهمات": الهاذم - بالذال المعجمة -: هو القاطع؛ كما قاله الجوهري، وهو المراد هنا.
وقد صرح السهيلي في "الروض الأنف" بأن الرواية: بالذال المعجمة، ذكر ذلك في غزوة أحد، في الكلام على قتل وحشي لحمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الجزري: هادم، يروى بالدال المهملة؛ أي: دافعها أو مخربها،
(49)
- 4202 - (2) حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الله،
===
وبالمعجمة؛ أي: قاطعها، واختاره بعض مشايخنا، وهو الذي لم يصحح الخطابي غيره، وجعل الأول من غلط الرواة، كذا في "المرقاة".
وقال الحافظ في "التلخيص"(152): ذكر السهيلي في "الروض الأنف" أن الرواية فيه بالذال المعجمة؛ ومعناه: القاطع، وأما بالمهملة .. فمعناه: المزيل للشيء، وليس ذلك مرادًا هنا، وفي هذا النفي نظر لا يخفى.
وقال الأمير اليماني: يريد: أن المعنى على الذال المعجمة صحيح؛ فإن الموت يزيل اللذات؛ كما يقطعها، ولكن العمدة الرواية.
والحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يغفل عن ذكر أعظم المواعظ؛ وهو الموت.
(يعني: الموت) أي: اذكروه ولا تنسوه؛ لأنه أزجر عن المعصية، وأدعى إلى الطاعة. انتهى من "الإنجاز".
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(49)
- 4202 - (2)(حدثنا الزبير بن بكار) بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني أبو عبد الله بن أبي بكر قاضي المدينة، ثقة، أخطأ السليماني في تضعيفه، من صغار العاشرة، مات سنة ست وخمسين ومئتين (256 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني، ثقة، من الثامنة، مات سنة مئتين (200 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا نافع بن عبد الله) أو ابن كثير، مجهول، من السابعة. يروي عنه:
عَنْ فَرْوَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَهُ رَجُل مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ
===
(ق)، وفي "التهذيب": يقال له: ابن كثير، حجازي، روى عن فروة بن قيس عن عطاء عن ابن عمر حديثًا في ذكر الموت والاستعداد له وهو هذا الحديث، ويروي عنه: أبو ضمرة أنس بن عياض بهذا الحديث.
قلت: قرأت بخط الذهبي: نافع هذا لا يعرف، وخبره باطل، قاله الذهبي في "الطبقات"، وهو متفق على ضعفه.
(عن فروة بن قيس) حجازي مجهول، من السابعة. يروي عنه:(ق). قال في "التهذيب": روى عن عطاء عن ابن عمر في ذكر الموت. وعنه: نافع بن عبد الله، وقيل: نافع بن كثير شيخ ليحيى بن حمزة، وأنس بن عياض، متفقٌ على ضعفه.
(عن عطاء بن أبي رباح) - بفتح الراء والموحدة - واسم أبي رباح: أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة (114 هـ)، وقيل: إِنَّهُ تغير بأخرة. يروي عنه: (ع).
(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السندُ من سداسياته، وحكمه: الضعفُ؛ لأن فيه نافع بن عبد الله وفروة بن قيس، وهما مجهولان ضعيفان.
(أنه) أي: أن ابن عمر (قال: كنت) جالسًا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه) صلى الله عليه وسلم (رجل من الأنصار) ولم أر من ذكر اسمه (فسلم) ذلك الرجل (على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم) بعد السلام عليه صلى الله عليه وسلم (قال) الرجل: (يا رسول الله؛ أي) أفراد
الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا"، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: "أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولئكَ الْأَكْيَاسُ".
===
(المؤمنين أفضل) وأرفع منزلة ودرجة عند الله تعالى؟ فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل المؤمنين عند الله تعالى ("أحسنهم خلقًا") - بضمتين - أي: الذين يحسنون معاملتهم مع الله تعالى؛ بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومعاملتهم مع الناس بالنصيحة في أمورهم الدينية والدنيوية، والإحسان إليهم بقدر طاقتهم، فيكون هؤلاء المذكورون أفضل الناس عنده تعالى وأكثرهم أجرًا.
ثم (قال) الرجل المذكور: يا رسول الله (فأي) أفراد (المؤمنين أكيس؟ ) أي: أعقل وأحذق وأفطن.
قال السندي: قوله: (أكيس) أي: أكمل عقلًا، وأعرف تدبيرًا، يقال: كاس يكيس كيسًا؛ من باب باع؛ والكيس: العقل. انتهى.
فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال الرجل: أكيس المؤمنين وأحذقهم هم (أكثرهم للموت ذكرأ) أي: أكثر المؤمنين ذِكْرًا للموت بلسانه - بكسر الذال وسكون الكاف - وأكثرهم ذُكْرًا للموت بقلبه - بضم الذال وسكون الكاف - (و) أكيسهم أيضًا: هم (أحسنهم لما بعده استعدادًا) أي: تزودًا للموت بالإكثار من العبادات والأذكار والاستغفار مع الإخلاص فيها (أولئك) الأحسنون أخلاقًا، والأكثرون استعدادًا لما بعد الموت هم (الأكياس) أي: الأحزمون الأحوطون لمصالح الدين والدنيا والآخرة، وفقنا الله وإياكم لسيرة هؤلاء الأكياس بمنه وكرمه عز وجل.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن له شواهد من حديث أنس رواه رزين في "مسنده"، وأبو يعلى الموصلي من حديث ابن عمر وابن أبي الدنيا في
(50)
- 4203 - (3) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
===
كتاب "الموت"، والطبراني في "الصغير" بإسناد حسن، والبيهقي في "الزهد"، فمتنه صحيح بغيره من هذه الشواهد، ومن حديث أبي هريرة المذكور قبله، وإن كان سنده ضعيفًا؛ لما تقدم آنفًا.
فدرجة هذا الحديث: أنه ضعيف السند؛ لما تقدم آنفًا، صحيح المتن بغيره، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث شداد بن أوس رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(50)
- 4203 - (3)(حدثنا هشام بن عبد الملك) بن عمران اليزني - بفتح التحتانية والزاي ثم نون - أبو تَقِيٍّ - بفتح المثناة وكسر القاف - (الحمصي) صدوق ربما وهم، من العاشرة، مات سنة إحدى وخمسين ومئتين (251 هـ). يروي عنه:(دس ق).
(حدثنا بقية بن الوليد) بن صائد بن كعب الكلاعي أبو يحمد الحمصي، صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة سبع وتسعين ومئة (197 هـ). يروي عنه:(م عم). وقال أبو أحمد الحاكم: بقية ثقة فيما روى عن الثقات، ضعيف فيما روى عن الضعفاء، وقال ابن المديني: صالح فيما روى عن الشاميين، ضعيف فيما روى عن أهل الحجاز وأهل العراق والمصريين، وأما إن روى عن الضعفاء وإن كان من أهل الشام .. فضعيف؛ لأن شيخه ابن أبي مريم ضعيف متروك.
قال بقية بن الوليد: (حدثني) أبو بكر بن عبد الله (بن أبي مريم) الغساني
عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْت، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ
===
الشامي، وقد ينتسب إلى جده، قيل: اسمه بكير - مصغرًا - وقيل: عبد السلام، وكان قد سرق بيته فاختلط وترك، من السابعة، مات سنة ست وخمسين ومئة (156 هـ). يروي عنه:(دت ق). قال في "التهذيب": روى عن: حبيب بن ضمرة، وخالد بن معدان، ويروي عنه: بقية بن الوليد، وأبو اليمان.
(عن ضمرة بن حبيب) بن صهيب الزبيدي - بضم الزاي - أبي عتبة الحمصي، ثقة، من الرابعة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن أبي يعلى شداد بن أوس) بن ثابت الأنصاري الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، مات بالشام قبل الستين أو بعدها، وهو ابن أخي حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه بقية بن الوليد وشيخه ابن أبي مريم، وهما ضعيفان.
(قال) شداد بن أوس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكيس) أي: العاقل الحازم المتبصر في الأمور الناظر في العواقب (من دان نفسه) أي: حاسبها وأذلها واستعبدها وقهرها حتى صارت مطيعةً له ومنقادةً في كل ما أراد منها.
وقيل معنى: (من دان نفسه) أي: حاسبها في الدنيا على أعمالها؛ ليتوب من سيئها، ويشكر على حسنها قبل أن يحاسب يوم القيامة.
(وعمل لما بعد الموت) قبل نزوله؛ ليصير على نور من ربه؛ فالموت عاقبة أمر الدنيا، فالكيس من أبصر العاقبة، فقوله:"فالكيس من دان نفسه" مبتدأ وخبر، وكذلك قوله:(والعاجز من أتبع نفسه) مبتدأ وخبر، ومعنى
هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللهِ".
===
قوله: "والعاجز" أي: المقصر في الأمور من أتبع نفسه (هواها) من الإتباع؛ أي: جعلها تابعة لهواها، فلم يكفها عن الشهوات، ولم يمنعها عن مقارفة المحرمات (ثم تمنى على الله) بأنه غفور رحيم، غني عنه وعن عمله، فلا يعاقبه، بل يدخله الجنة، ويعطيه ما يشتهي.
ولفظ "الجامع الصغير": (وتمنى على الله الأماني) فهو مع تفريطه في طاعة ربه واتباع شهواته لا يعتذر، بل يتمنى على الله أن يعفو عنه. انتهى.
قال الطيبي رحمه الله تعالى: والعاجز هو الذي غلبت عليه نفسه، وعمل ما أمرته به نفسه، فصار عاجزًا لنفسه، فأَتْبعَ نفسَه هواها، وأعطاها ما اشتهته، فقُوبل الكيس بالعاجز، والمقابل الحقيقي للكيس: السفيهُ الرأي، وللعاجز: القادر؛ ليؤذن بأن الكيس هو القادر، والعاجز هو السفيه.
(وتمنى على الله) أي: يُذْنِبُ ويتمنَّى الجنةَ من غير الاستغفار والتوبة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي، وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه أحمد والحاكم، وقال: صحيح، وردَّه الذهبي، قاله المناوي، ويشهد له ما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر) أي: استعدوا وتهيؤوا ليوم تعرضون على ربكم للحساب، وإنما يخف - من باب ضرب؛ أي: يصير خفيفًا يسيرًا - الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا.
ويشهد له أيضًا ما يروى عن ميمون بن مهران الجزري، ثقة فقيه، من الرابعة، قال:(لا يكون العبد تقيًّا حتى يحاسب نفسه؛ كما يحاسب شريكه مِن أَيْنَ مَطْعَمُه ومَلْبَسُه)، ويشهد له أيضًا حديث ابن عمر المذكور قبله.
(51)
- 4204 - (4) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
===
ودرجته: أنه صحيح المتن بغيره، ضعيف السند؛ لما تقدم آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(51)
- 4204 - (4)(حدثنا عبد الله بن الحكم بن أبي زياد) القطواني - بفتح القاف والمهملة - وقد ينسب إلى جده أبو عبد الرحمن الكوفي الدهقان، صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وخمسين ومئتين (255 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(حدثنا سيار) - بتحتانية مشددة - ابن حاتم العنزي - بفتح المهملة والنون ثم زاي - أبو سلمة البصري، صدوق له أوهام، من كبار التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ)، أو قبلها. يروي عنه:(ت س ق).
(حدثنا جعفر) بن سليمان الضبعي - بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة - أبو سليمان البصري، صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة، مات سنة ثمان وسبعين ومئة (178 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة ثبت عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومئة (123 هـ). يروي عنه (ع).
(عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه سيارًا، وهو مختلف فيه، وكذا جعفر بن سليمان مختلف فيه.
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ: "كَيْفَ تَجِدُكَ؟ "، قَالَ: أَرْجُو اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ .. إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ "
===.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على) رجل (شاب) أي: على فتىً من المؤمنين (وهو) أي: والحال أن ذلك الشاب (في) سكرة (الموت؛ فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف تجد) نفس (ك) أيها الشاب؟ هل أنت تجد نفسك خفيف المرض أو شديده؟
قال ابن الملك: أي: كيف قلبك أو نفسك في الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؟ أراجيًا رحمة الله تعالى أو خائفًا من غضب الله تعالى؟
(قال) الشاب: (أرجو الله) أي: أجدني أرجو رحمة الله تعالى (يا رسول الله وأخاف ذنوبي) قال الطيبي: علق الرجاء بالله، والخوف بالذنب، وأشار بالفعلية إلى أن الرجاء حدث عند السياق والنزع.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان) أي: الرجاء والخوف (في قلب عبد) وهذا يدل على أنه ينبغي وجود الأمرين على الدوام، حتى في ذلك الوقت؛ وهو زمان سكرات الموت، ومثله كل زمان أشرف فيه على الموت حقيقةً أو حكمًا؛ كوقت المبارزة، وزمان القصاص ونحوهما، فلا يحتاج إلى زيادة لفظ (مثل) في قوله:(في مثل هذا الموطن)، وقال الطيبي:(مثل) زائدة و (الموطن) إما مكان أو زمان؛ كمقتل الحسين رضي الله تعالى عنه.
(إلا أعطاه الله ما يرجو) هـ من الرحمة (وآمنه) أي: إلا سلمه (مما يخاف) من العقوبة بالعفو والمغفرة.
قال السندي: والحديث يدل على أنه ينبغي وجود الأمرين: الرجاء والخوف،
(52)
- 4205 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ،
===
وأنه لا ينبغي أن يغلب الرجاء في ذلك الوقت، بحيث لا يبقى من الخوف شيء. انتهى.
فالحديث مؤيد لقول من قال: لا يهمل عند الإشراف على الموت جانب الخوف أصلًا، بحيث يجزم أنه آمن، وفيه رد على من استحب الاقتصار على الرجاء في ذلك الوقت، والله تعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الجنائز، باب (11)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وقد روى بعضهم هذا الحديث مرسلًا عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أيضًا ابن السني في "اليوم والليلة"، وابن أبي الدنيا في "حسن الظن"، والبيهقي في " الشعب"، والبغوي في "شرح السنة"، وأبو يعلى وأبو نعيم في "الحلية"، وعبد بن حميد في "مسنده".
فدرجة هذا الحديث: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(52)
- 4205 - (5)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، ثقة ثبت صاحب التصانيف الكثيرة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م دس ق).
(حدثنا شبابة) بن سوار المدائني، أصله من خراسان، يقال: اسمه مروان
عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ؛
===
مولى بني فزارة، ثقة حافظ رمي بالإرجاء، من التاسعة، مات سنة أربع أو خمس أو ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) القرشي العامري أبي الحارث المدني، ثقة فقيه فاضل، من السابعة، مات سنة ثمان وخمسين ومئة (158 هـ)، وقيل: سنة تسع. يروي عنه: (ع).
(عن محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي العامري المدني، ثقة، من الثالثة، مات في حدود العشرين ومئة (120 هـ)، ووهم من قال: إن القطان تكلم فيه. يروي عنه: (ع).
(عن سعيد بن يسار) أبي الحباب - بضم المهملة وموحدتين - المدني، اختلف في ولائه لمن هو، ثقة متقن من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة (117 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الميت) أي: جنسهُ؛ والمراد: مَنْ قَرُبَهُ مَوْتُه (تحضره الملائكة) أي: ملائكة الرحمة أو ملائكة العقوبة، قاله ابن حجر، قيل: وهذه الملائكة هم أعوان ملك الموت في قبض الأرواح.
وحاصل الأحاديث في ذلك: أن ملك الموت يقبض الأرواح، والأعوان يكونون معه يعملون معه بأمره، والله تعالى هو الذي يزهق الروح بأمره، وبه يجمع بين الآيات والأحاديث المختلفة التي أضيف التوفي فيها تارةً إلى الله، وتارةً إلى ملك الموت، وتارةً إلى أعوانه من الملائكة؛ فملك الموت يقبض
فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا .. قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّب، اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ،
===
الروح من الجسد بأمره تعالى، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمنًا، وملائكة العذاب إن كافرًا، وعند معاينتهم يعاين ما يصير إليه من رحمة أو عذاب.
(فإذا كان الرجل) أي: الميت (صالحًا) أي: قائمًا بحقوق الله وحقوق العباد بأن كان مؤمنًا طائعًا .. (قالوا) أي: قالت الملائكة: (اخرجي أيتها النفس الطيبة) والروح الصالحة التي (كانت) ساكنة (في الجسد الطيب) والجسم المطيع لله تعالى (اخرجي) من جسدك حميدةً) أي: محمودة عند ربك بطاعتك له، والخطاب فيه للنفس؛ فيستقيم هذا الخطاب مع عموم الميت للذكر والأنثى (أيتها النفس).
قال الطيبي: مقتضى الظاهر أن يقال: (كُنتِ) ليطابق (النداء) و (اخرجي) لكن اعتبر (أل) الموصولة؛ أي: النفس التي طابت كائنةً في الجسد.
ويحتمل أن يكون صفة أخرى للنفس؛ لأن المراد منها ليست نفسًا معينة، بل الجنس مطلقًا. انتهى.
قوله: (اخرجي) فيه دلالة على أن الروح جسم لطيف، يوصف بالدخول والخروج، والصعود والنزول، وهو خطاب ثان، أو تأكيد لقوله:(حميدة) أي: محمودة.
(وأبشري بروح) - بفتح الراء - أي: ملتبسة براحة أو برحمة (وريحان) أي: ملتبسة برزق أو طيب، والتنوين فيهما، للتعظيم والتكثير (و) ملتبسة بملاقاة (رب) أي: بملاقاة رب (غير غضبان) عليك، بعدم الانصراف، وقيل: بالانصراف.
فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلَان، فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَة، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّب، ادْخُلِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللهُ عز وجل، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالَ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ،
===
قال ابن حجر: وعدل إليه عن (راض) رعاية للفاصلة؛ أي: السجع (فلا يزال يقال لها ذلك) أي: ما تقدم من أنواع البشارة؛ زيادةً في سرورها بسماعها ما تَقَرُّ بِه عَيْنها (حتى تخرج ثم يُعْرَج بها) بصيغة المجهول (إلى السماء) أي: إلى سماء الدنيا (فيفتح لها) أي: بعد الاستفتاح أو قبله، وعند أحمد فيستفتح لها (فيقال) أي: يقول ملائكة السماء الدنيا: (من هذا) الذي يستفتح الباب؟ (فيقولون) أي: فيقول ملائكة الرحمة الذين مع الروح: (فلان) أي: هذا المستفتح فلان؛ أي: روحه (فيقال) لها: (مرحبًا) أي: رحَّب فقال: مرحبًا (بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان و) بملاقاة (رب غير غضبان) عليك (فلا يزال يقال لها ذلك) أي: ما ذكر من الأمر بالدخول والبشارة بالصعود من سماء إلى سماء (حتى ينتهى) بالبناء للمجهول؛ أي: يوصل (بها إلى السماء التي) كان (فيها الله عز وجل أي: أمره وحكمه؛ أي: ظهور ملكه؛ وهو العرش، قاله القاري.
وقيل: أي: فيها يُظهِرُ ويُلْقي حكمه، وقيل: أي: قدرته ورحمته الخاصة.
(وإذا كان الرجل) بالرفع، وقيل: بالنصب؛ على أن كان تامة أو ناقصة (السوء) - بفتح السين وضمها - صفة الرجل .. (قال) أي: ملك الموت، أو رئيس ملائكة العذاب، أو كل واحد منهم، فيطابق ما سبق بصيغة الجمع:(اخرجي) من جسدك الخبيث (أيتها النفس الخبيثة) بعمل السوء، التي
كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيث، اخْرُجِي ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٍ،
===
(كانت في الجسد الخبيث) العاصي (اخرجي) منه (ذميمةً) أي: مذمومة مبغوضة عند ربك شديد الانتقام.
(وأبشري) قال الطيبي: استعارة تهكمية؛ كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (1)، أو مبنية على المشاكلة والازدواج و (بحميم وكساق) مقابل (الروح والريحان)، بحميم؛ أي: بماء حار غاية الحرارة، وغساق - بتخفيف وتشديد -: ما يَغْسِقُ؛ أي: يسيل من صديد أهل النار، وقيل: الباردُ المُنْتِنُ.
وقوله: (وآخر) قال القاري: عطف على (حميم) أي: وبعذاب آخر (من شكله) أي: مثل ما ذكر في الحرارة والمرارة (أزواج) بالجر؛ أي: أصناف مختلفة.
قال الطيبي: أي: مذوقات أخر مثل الغساق في الشدة والفظاعة أزواج. انتهى.
ولا وجه لإعادة الضمير إلى الغساق وحده، وإن كان هو أقرب مذكور، فالصحيح ما ذكرناه؛ من أن إفراد الضمير باعتبار ما ذكر.
قال: (وآخر) مجرور بالفتحة عطفًا على (حميم) و (أزواج) صفة لـ (آخر) مجرور بالكسرة، وإن كان مفردًا؛ لأنه في تأويل الضروب والأصناف؛ كقول الشاعر:(مِعىً جياعًا) والظاهر أنه في تأويل النوع والصنف، كذا قال القاري.
وقال السندي: قوله: (وآخر من شكله أزواج) أي: بآخر، و (أزواج) بدل منه؛ أي: وبأوصافه و (من شكله) جار ومجرور وقع حالًا من (أزواج) أي:
(1) سورة آل عمران: (21).
فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاء، فَلَا يُفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَة، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيث، ارْجِعِي ذَمِيمَةً؛ فَإِنَّهَا لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاء، فَيُرْسَلُ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ".
===
وبأصناف كائنة من جنس المذكور من الحميم والغساق.
(فلا يزال) أن (يقال لها ذلك) المذكور من التهكمات (حتى تخرج) من جسدها (ثم يعرج بها) بالبناء للمجهول (إلى السماء) أي: يصعد بتلك الروح الخبيثة إلى السماء، ووقع في "المشكاة": ثم يعرج إلى السماء.
(فلا يفتح لها) أي: لتلك الروح الخبيثة باب السماء - بالبناء للمفعول أيضًا - كما في قوله تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} (1)، (فيقال) أي: يقول بواب السماء: (من هذا) المستفتح؟
(فيقال): أي: فيقول حامل الروح: هذا المستفتح (فلان) أي: روح فلان (فيقال) أي: فيقول بواب السماء: (لا مرحبًا) أي: لا مرحبًا ولا تكرمة (بالنفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث) ويقال لها أيضًا: (ارجعي ذميمةً) أي: مذمومةً إلى الأرض إلى محل قبرك؛ حتى تسجن في سجين (فإنها) أي: فإن القصة (لا تفتح لك أبواب السماء، فيرسل بها) أي: يرد بها (من السماء) إلى الأرض (ثم تصير) وترجع (إلى القبر) أي: المدفن فتسأل سؤال الملكين في القبر، ثم بعد سؤالها تسجن في محبس السجين إلى البعث من القبور؛ كما قال تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (2)، و {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} (3).
(1) سورة الأعراف: (40).
(2)
سورة المطففين: (18).
(3)
سورة المطففين: (7).
(53)
- 4206 - (6) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بْنِ عَبِيدَةَ
===
قوله: (ثم تصير إلى القبر) وتكون محبوسة في أسفل السافلين، بخلاف روح المؤمن؛ فإنها تسرح في الجنة حيث تشاء، ولها تعلق بجسده أيضًا تعلقًا بحيث يتنعم في قبره، وينظر إلى منازله في الجنة، بحسب مرتبته؛ فأمر الروح وأحوال البرزخ والآخرة كلها على خوارق العادات، فلا يشكل شيء منها على المؤمن بالآيات. انتهى من "الإنجاز".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: النسائي في كتاب التفسير، باب سورة (ص) عند قوله تعالى:{وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} (1) عن عمرو بن سواد، وفي كتاب الملائكة عن سليمان بن داوود، كلاهما عن ابن وهب عن ابن أبي ذئب.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(53)
- 4206 - (6)(حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري) نسبة إلى قبيلة جحدرة، أبو بكر البصري، صدوق، من العاشرة، مات بعد الخمسين ومئتين. يروي عنه:(ق). ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات".
(وعمر بن شبة) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة، بوزن حبة (ابن عبيدة) - بفتح المهملة مكبرًا - ابن زيد النميري - مصغرًا بالنون - أبو زيد بن أبي معاذ
(1) سورة ص: (58).
قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا كَانَ أَجَلُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضٍ .. أَوْثَبَتْهُ إِلَيْهَا الْحَاجَةُ، فَإِذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرِهِ .. قَبَضَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ،
===
البصري نزيل بغداد، صدوق له تصانيف، من كبار الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وستين ومئتين (262 هـ). يروي عنه:(ق).
كلاهما (قالا: حدثنا عمر بن علي) بن عطاء بن مقدم - بوزن محمد بقاف - بصري أصله واسطي، ثقة، وكان يدلس كثيرًا، من الثامنة، مات سنة تسعين ومئة (190 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(أخبرني إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وأربعين ومئة (146 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن قيس بن أبي حازم) البجلي أبي عبد الله الكوفي، ثقة مخضرم، من الثانية، ويقال: له رؤية، مات بعد التسعين، أو قبلها. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أجل أحدكم) أيها الناس وموته مقدرًا في علم الله (بأرض) غير وطنه .. (أوثبته) وهيجته وحركته من الإيثاب؛ كأوعد من الإيعاد (إليها) أي: إلى الأرض التي قدر فيها موته (الحاجة) من حوائجه دينية كانت أو دنيوية، وسواء كانت تلك الأرض بعيدة أو قريبة (فإذا بلغ) ووصل ذلك الأحد (أقصى أثره) أي: غاية أجله ونهاية أثره وعمره .. (قبضه) أي: قبض (الله سبحانه) روحه في تلك الأرض التي
فَتَقُولُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَبِّ؛ هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِي".
(54)
- 4207 - (7) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفِ أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ،
===
سافر إليها ولا يموت في وطنه (فتقول) تلك (الأرض) التي مات فيها (يوم القيامة) لربها، يا (رب؛ هذا) العبد الذي بُعِثَ فيَّ .. هو (ما استودعتني) أي: عبد جعلته وديعة عندي واستحفظتني عليه إلى أن بعث من ترابي.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه الحاكم في "المستدرك" في كتاب الإيمان من طريق عمر بن علي المقدمي، ومحمد بن خالد الوهبي، وهشيم، ثلاثتهم عن إسماعيل بن أبي خالد به، ووافقه سفيان بن عيينة.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(54)
- 4207 - (7)(حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي (أبو سلمة) البصري الجوباري - بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة - صدوق، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م دت ق).
(حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى البصري السامي - بالمهملة - أبو محمد، ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس واختلط، من أثبت الناس في قتادة، من السادسة مات سنة ست، وقيل: سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه: (ع).
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ .. أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ،
===
(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن زرارة) بضم أوله (ابن أوفى) العامري الحرشي - بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة - أبي حاجب البصري قاضيها، ثقة عابد، من الثالثة، مات فجأة في الصلاة سنة ثلاث وتسعين (93 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدني، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع)، استشهد بأرض الهند.
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله .. أحب الله لقاءه) أي: المصير إلى الدار الآخرة؛ بمعنى: أن المؤمن عند الغرغرة يبشر برضوان الله تعالى، فيكون موته أحب إليه من حياته، قيل: المراد بالحب هنا: هو الذي يقتضيه الإيمان بالله، والثقة بوعده، دون ما يقتضيه حكم الجبلة.
وقال الخطابي: معنى محبة العبد للقاء الله: إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحب استمرار الإقامة فيها، بل يستعد للارتحال عنها، والكراهة بضد ذلك.
واللقاء على وجوه؛ منها: الرؤية، ومنها: البعث؛ كقوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} (1)؛ أي: بالبعث، ومنها: الموت؛ كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} (2).
(1) سورة الأنعام: (31).
(2)
سورة العنكبوت: (5).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال الجزري في "النهاية": المراد بلقاء الله هنا: المصير إلى الدار الآخرة، وطلب ما عند الله تعالى، وعدم الركون إلى الدنيا، والرضا بحياتها والاطمئنان بها، وليس الغرض به الموت؛ لأن كلًّا يكرهه، فمن ترك الدنيا وأبغضها .. أحب لقاء الله، ومن آثرها وركن إليها .. كره لقاء الله تعالى؛ لأنه إنما يصل إليه بالموت.
وقوله: (دون لقاء الله) يبين أن الموت غير اللقاء، ولكنه معترض دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه ويتحمل مشاقه حتى يصل بعده إلى الفوز باللقاء.
قال الطيبي: يريد: أن قول عائشة: (إنا لنكره الموت) يوهم أن المراد بـ (لقاء الله) في الحديث: (الموت) وليس كذلك؛ لأن لقاء الله غير الموت؛ بدليل قوله في الرواية الأخرى: (والموت دون لقاء الله) فلما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله .. عبر عنه بلقاء الله.
قال الحافظ في "الفتح "(11/ 360): وقد سبق ابن الأثير إلى تفسير لقاء الله بغير الموت .. الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، فقال: ليس وجهه عندي كراهية الموت وشدته؛ لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله تعالى والدار الآخرة، قال: ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قومًا بحب الحياة، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} (1).
قلت: الصواب في معنى الحديث: ما فسره به قائله صلى الله عليه وسلم؛ وهو أن هذه المحبة محمولة على حالة النزع والاحتضار والمعاينة.
(1) سورة يونس: (7).
وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ .. كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَرَاهِيَةُ لِقَاءِ اللهِ فِي كَرَاهِيَةِ لِقَاءِ الْمَوْت، فَكُلُّنَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: "لَا، إِنَّمَا ذَاكَ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَمَغْفِرَتِهِ .. أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ .. كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ".
===
قال النووي: يفسر آخره أوله، ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة:(من أحب لقاء الله، وكره لقاء الله).
ومعنى الحديث: أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فيبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وبما أعد له، ويكشف له عن ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله؛ لينتقلوا إلى ما أعد لهم، ويحب الله لقاءهم؛ أي: فيجزل لهم العطاء.
وأهل الشقاوة يكرهون لقائه؛ لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم؛ أي: يبعدهم عن رحمته وكرامته، ولا يريد ذلك بهم.
(ومن كره لقاء الله) حين يرى ما له من العذاب عند الغرغرة .. (كره الله لقاءه) أي: أبَعْده عن رحمته وأَدْنَاهُ من نقمته (فقيل) أي: فقال بعض من حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواية مسلم: فقالت - أي: عائشة -: (يا رسول الله؛ كراهية لقاء الله في كراهية لقاء الموت) أي: جعلت كراهية لقاء الله في كراهية الموت أم لا، فإن كان الأمر كذلك .. (فكلنا يكره الموت) فلا منجا منه، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا) أي: ليس الأمر كما زعمت من أن كراهية لقاء الله في كراهية الموت (إنما ذاك) أي: محبة لقاء الله وكراهية لقائه (عند موته) أي: إنما هو واقع عند موت الشخص، وذلك أنه (إذا بشر برحمة الله ومغفرته .. أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإذا بشر بعذاب الله .. كره لقاء الله وكره الله لقاءه).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقوله: (فإذا بشر بعذاب الله) فيه: تهكم؛ نحو: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (1)، أو مشاكلة للمقابلة، أو المراد: المعنى اللغوي؛ أي: أخبر (بعذاب الله) في القبر .. (كره لقاء الله، وكره الله لقاءه).
وفي حديث عائشة عند عبد بن حميد مرفوعًا: (إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا .. قيض له قبل موته بعام ملكًا يسدده ويوفقه، حتى يقال: مات بخير ما كان عليه، فإذا حضر ورأى ثوابه .. اشتاقت نفسه، فذلك حين أحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإذا أراد الله بعبدٍ شرًّا .. قيض له قبل موته بعام شيطانًا فأضله وفتنه، حتى يقال: مات بشر ما كان عليه، فإذا حضر ورأى ما أعد له من العذاب .. جزعت نفسه، فذلك حين كره لقاء الله، وكره الله لقاءه).
وفي هذا الحديث فوائد؛ منها: أن المحتضر إذا ظهرت علامات السرور .. كان ذلك دليلًا على أنه بشر بالخير، وكذا بالعكس.
ومنها: أن محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت؛ لأنها ممكنة مع عدم تمني الموت؛ كأن تكون المحبة حاصلة، بحيث لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخره، وأن النهي عن تمني الموت محمول على حالة الحياة المستمرة، وأما عند الاحتضار والمعاينة .. فلا تدخل تحت النهي، بل هي مستحبة.
ومنها: أن في كراهية تمني الموت في حال الصحة تفصيلًا؛ فمن كرهه إيثارًا للحياة على ما بعد الموت من نعيم الآخرة .. كان مذمومًا، ومن كرهه خشية أن يفضي إلى المؤاخذة؛ كأن يكون مقصرًا في العمل لم يستعد له بالأهبة؛ بأن يتخلص من التبعات ويقوم بأمر الله كما يجب .. فهو معذور، لكن ينبغي لمن
(1) سورة آل عمران: (21).
(55)
- 4208 - (8) حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ،
===
وجد ذلك أن يبادر إلى أخذ الأهبة، حتى إذا حضره الموت لا يكرهه، بل يحبه لما يرجو بعده من لقاء الله تعالى، كذا في "المرقاة "(5/ 291).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله .. أحب الله لقاءه، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب من أحب لقاء الله .. أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله .. كره الله لقاءه، والترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله .. أحب الله لقاءه، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في كتاب الجنائز، باب فيمن أحب لقاء الله، والطبراني، وعبد الرزاق في "مصنفه"، وأحمد في "مسنده".
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لأنس رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(55)
- 4208 - (8)(حدثنا عمران بن موسى) القزاز الليثي أبو عمرو البصري، صدوق، من العاشرة، مات بعد الأربعين ومئتين. يروي عنه: (ت س ق؛ .
(حدثنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيدة البصري، ثقة ثبت، رمي بالقدر ولم يثبت عنه، من الثامنة، مات سنة ثمانين ومئة (180 هـ). يروي عنه:(ع).
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ؛ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا الْمَوْتَ .. فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ؛ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي".
===
(حدثنا عبد العزيز بن صهيب) البناني - بموحدة ونونين - البصري ثقة، من الرابعة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم) أيها المسلمون، النفي بمعنى النهي (الموت؛ لضر نزل به) أي: في نفسه أو في أهله أو في ماله، بخلاف ما إذا كان في الدين، فلا يكره التمني لذلك (فإن كان لا بد) له من أن يكون (متمنيًا الموت .. فليقل) أي: فلا يتمنى صريحًا، بل يعدل عنه إلى التعليق بوجود الخير فيه؛ بأن يقول:(اللهم؛ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي) من الإحياء؛ أي: أبقني على الحياة (وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي).
قوله: "لضر نزل به" حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي، فإن وجد الضر الأخروي؛ بأن خشي فتنة في دينه .. لم يدخل في النهي، ويدل عليه حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه أبو داوود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة، وفيه:(وإذا أردت بقوم فتنة .. فتوفني إليك غير مفتون) وعلى هذا يحمل ما روي عن بعض الصحابة في دعاء الوفاة؛ ففي "الموطأ" عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: (اللهم؛ إني كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس، ويقال: عابس الغفاري أنه قال: (يا طاعون؛ خذني، فقال له عليم الكندي: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت؟ ! " فقال: إني سمعته يقول: بادروا بالموت ستًّا: إمرة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم
…
) الحديث، ذكره الحافظ في "فتح الباري"(10/ 128).
قوله: (فليقل: اللهم؛ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي
…
) إلى آخره، قال العراقي: لما كانت الحياة حاصلة، وهو متصف بها .. حسن الإتيان بـ (ما)؛ أي: ما دامت الحياة متصفة بهذا الوصف، ولما كانت الوفاة معدومة في حال التمني .. لم يحسن أن يقول:(ما كانت)، بل أتى بـ (إذا) الشرطية، فقال:(إذا كانت) أي: إذا آل الحال إلى أن تكون الوفاة بهذا الوصف. انتهى "س".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطب، وفي كتاب الدعوات، باب تمني المريض الموت، باب الدعاء بالموت والحياة، ومسلم في كتاب الذكر، باب كراهة تمني الموت؛ لضر نزل به، وأبو داوود في كتاب الجنائز، باب في كراهة تمني الموت مختصرًا، والترمذي في كتاب الجنائز، باب تمني الموت، وأحمد.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثمانية أحاديث:
الأول للاستدلال به على الترجمة، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم