المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) - (1501) - باب الثناء الحسن - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌(3) - (1501) - باب الثناء الحسن

(3) - (1501) - بَابُ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ

(11)

- 4164 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ

===

(3)

- (1501) - (باب الثناء الحسن)

(11)

- 4164 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة متقن، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).

(أنبأنا نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل (الجمحي) المكي، ثقة ثبت، من كبار السابعة، مات سنة تسع وستين ومئة (169 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أمية بن صفوان) بن عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي المكي، مقبول، من السادسة. يروي عنه:(م س ق).

قلت: ذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن أبي بكر) اسمه كنيته (ابن أبي زهير الثقفي) اسم أبيه: معاذ بن رباح، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(ق).

(عن أبيه) معاذ بن رباح الثقفي الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، وقيل: اسمه عمارُ بن حُميد، وقيل: عمارة بن رؤيبة. يروي عنه: (ق).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه صفوان بن أمية، وهو مقبول، وأبا بكر بن أبي زهير، وهو مقبول أيضًا، قال البخاري: وأبو زهير

ص: 34

قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالنَّبَاوَةِ أَوْ بِالبَنَاوَة، قَالَ: وَالنَّبَاوَةُ مِنَ الطَّائِف، قَالَ:"يُوشِكُ أَنْ تَعْرِفُوا أَهلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، قَالُوا: بِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:

===

الثقفي سمع النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه معاذ. وليس لأبي زهير هذا عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وليس له رواية في شيء من الأصول الخمسة، وإسناده صحيح رجاله ثقات، فأما ولده أبو بكر بن أبي زهير .. فمن كبار التابعين، وإسناد هذا الحديث صحيح ولم يخرجاه.

(قال) أبو زهير معاذ بن رباح: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: وعظنا بالترغيب والترهيب في موضع يسمى (بالنَّباوَةِ) بتقديم النون على الموحدة (أو) قال الراوي: بموضع يسمى (بالبناوة) بتقديم الموحدة على النون.

(قال) الراوي: (والنباوة) على كلا التقديرين: اسم موضع (من الطائف) أي: اسم بلدة معروفة في الحجاز، من فروع مكة المكرمة قريبة إليها على نحو مرحلتين منها، ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته تلك:(يوشك) أي: يقرب (أن تعرفوا) أنتم أيها الحاضرون سيما (أهل الجنة من) سيما (أهل النار) أي: يوشك معرفتكم سيما أهل الجنة من سيما أهل النار.

وفي نسخة: (توشكوا) على صيغة الجمع مع حذف النون تخفيفًا، وهي كثيرة، وفي نسخة "الزوائد":(تُوشِكُ) بالإفراد؛ أي: تَقْربُ معرفتكُم سِيما كل من الفريقين.

(قالوا) أي: قال الحاضرون عند الرسول صلى الله عليه وسلم: (بم ذاك) أي: بأي شيء يحصلُ لنا معرفة كل من الفريقين من الآخر (يا رسول الله؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم هذا: تعرفون كلًّا

ص: 35

"بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّيء، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ".

===

من الفريقين (بـ) حصول (الثناء الحسن) للفريق الأول (و) بحصول (الثناء السيئ) للفريق الثاني (أنتم) يا أهل الأرض (شهداء الله) في الأرض؛ يشهد (بعضكم) لبعض بالجنة، ويشهد بعضكم (على بعض) آخر بالنار.

قوله: "بالثناء الحسن" أي: فمن أثنيتم عليه ثناءً جميلًا .. فهو من أصحاب الجنة، ومن ذكرتموه بالقبيح .. فهو من أهل النار، قيل: هذا مخصوص بالصحابة، وقيل: فيمن كان على صفتهم في الإيمان، وقيل: هذا إذا كان الثناء مطابقًا لأفعاله.

وقال النووي: الصحيح أنه على عمومه وإطلاقه؛ فكل مسلم مات، فألهم الله الناس أو معظمهم الثناء عليه .. كان ذلك دليلًا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا؛ إذ العقوبة غير واجبة، فإلهام الله الثناء عليه دليل على أنه شاء المغفرة له. انتهى "سندي".

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه؛ لكن رواه الإمام أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة في "مسنديهما" عن يزيد بن هارون به، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والدارقطني في "سننه"، والحاكم في "المستدرك"من طريق نافع عن ابن عمر به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورواه البيهقي في "سننه" عن الحاكم به، وله شواهد أخر غير ما ذكرناه.

فدرجته: أنه حسن بالنظر إلى سند المؤلف، وصحيح بغيره بالنظر إلى شواهده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي زهير بحديث كلثوم الخزاعي رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 36

(12)

- 4165 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ كُلْثُومٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ:

===

(12)

- 4165 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن) سليمان (الأعمش) ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين، أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه (ع).

(عن جامع بن شداد) المحاربي أبي صخرة الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن كلثوم) بن علقمة بن ناجية بن المصطلق (الخزاعي) وقد ينسب إلى جد أبيه المصطلق، فيقال: كلثوم بن المصطلق، ويقال: هما؛ أي: كلثوم والمصطلق اثنان، وهو ثقة، من الثانية، فيكون هذا السند مرسلًا، قال ابن عبد البر في "الاستيعاب": كلثوم بن علقمة بن ناجية بن المصطلق الخزاعي روى عنه: جامع بن شداد، وابنه الحضرمي بن كلثوم، أحاديثه مرسلة؛ لا تصح له صحبة، وسمع ابن مسعود. انتهى.

قلت: والراجح أن كلثوم بن علقمة ثقة، من الثانية، لم تثبت له صحبة ولا سماع، فحكم هذا السند: أنه ضعيف؛ لكونه مرسلًا، ولكن متنه صحيح بما بعده من حديث ابن مسعود؛ لثبوت سماعه منه.

(قال) كلثوم بن علقمة بواسطة ابن مسعود: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) من المسلمين، ولم أر من ذكر اسمه (فقال) ذلك الرجل

ص: 37

يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ أَنِّي قَدْ أَحْسَنْتُ، وإذَا أَسَأْتُ .. أَنِّي قَدْ أَسَأْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا قَالَ جِيرَانُكَ: إِنَّكَ قَدْ أَحْسَنْتَ .. فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا قَالُوا: إِنَّكَ قَدْ أَسَأْتَ .. فَقَدْ أَسَأْتَ".

===

لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ كيف) يثبت (لي) ويحصل (أن أعلم إذا أحسنت) العمل؛ و (إذا) معترضة بين العلم ومفعوله؛ وهو قوله: (أني قد أحسنت) والتقدير: وكيف يحصل لي علم إحسان عملي وقت إحساني إياه؟ وجملة قوله: (وإذا أسأت) عملي فكيف يحصل لي (أني قد أسأت) عملي .. معطوفة على جملة الإحسان؛ أي: وكيف يحصل لي علمي بإساءة عملي وقت إساءتي إياه؟

(فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: في إجابة سؤالي: (إذا قال) لك (جيرانك: إنك قد أحسنت) عملك .. (فقد أحسنت) أي: فقد وفقت إلى إحسان عملك (وإذا قالوا) أي: قال لك جيرانك: (إنك قد أسأت) عملك الآن .. (فقد أسأت) عملك الآن؛ أي: لم توفق إلى إحسانك إياه.

قوله: (كيف لي أن أعلم) أي: كيف يحصل لي العلم بإحساني وإساءتي إذا صدر مني عمل غير معروف حسنه أو قبحه شرعًا.

(إذا قال جيرانك) الذين علموا بعملك .. (فقد أحسنت) وفيه إشارة إلى أن ألسنة الخلق أقلام الحق.

قلت: ينبغي أن يقيد الجيران بكونهم من أهل الحق والإنصاف، وغير مفرطين في المحبة والعداوة؛ كما قالوا مثل ذلك في حديث:"من أثنيتم عليه خيرًا .. وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًّا .. وجبت له النار، أنتم شهداء الله" وذلك ظاهر، ويجوز أن يجعل هذا كنايةً عن الإحسان إلى الجيران.

ص: 38

(13)

- 4166 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاق، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ،

===

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، قال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات، رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" هكذا إلا أنه مرسل كلثوم بن علقمة، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن عبد البر: أحاديثه مرسلة لا تصح له صحبة.

قلت: إسناده ضعيف؛ لكونه مرسلًا، لكن متن الحديث صحيح بما بعده من حديث ابن مسعود، فهذا الحديث: ضعيف السند، صحيح المتن؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي زهير.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي زهير بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(13)

- 4166 - (3)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد الذهلي النيسابوري، ثقة متقن، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئة (158 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري، ثقة، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(ع).

(أنبأنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه (ع).

(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي، ثقة متقن، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 39

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ وَإِذَا أَسَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ: أَنْ قَدْ أَحْسَنْتَ .. فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ قَدْ أَسَأْتَ .. فَقَدْ أَسَأْتَ".

===

(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الكوفي الأسدي، ثقة مخضرم، من الثانية، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) ابن مسعود: (قال رجل) من المسلمين، لم أر من ذكر اسمه (لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف) يحصل (لي أن أعلم) بإحساني العمل (إذا أحسنت) عملي (و) كيف أعلم إساءتي للعمل (إذا أسأت) فيه؟ (قال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال الرجل: (إذا سمعت جيرانك) أي: أهل جوارك في الدار حالة كونهم (يقولون: أن) مفسرة (قد أحسنت) أي: حقًّا أحسنت عملك .. (فقد أحسنت) أي: فقد علمت إحسانك العمل (وإذا سمعتهم) أي: سمعت أهل جوارك في الدار حالة كونهم (يقولون) لك: أن (قد أسأت) عملك؛ أي: حقًّا فعلت عملًا سيئًا .. (فقد أسأت) أي: فقد علمت إساءتك في عملك، وقد تقدم شرح هذا الحديث في شرح الحديث الذي قبله حرفًا بحرف، فلا حاجة إلى العود والإعادة.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه أيضًا، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي زهير.

* * *

ص: 40

(14)

- 4167 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَزَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ قَالَا: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي ثُبَيْتٍ،

===

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي زهير بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(14)

- 4167 - (4)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله الذهلي النيسابوري، ثقة متقن، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(وزيد بن أخزم) - بمعجمتين - الطائي النبهاني أبو طالب البصري، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، استشهد في كائنة الزنج بالبصرة سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(خ عم).

كلاهما (قالا: حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي - بالفاء - أبو عمرو البصري، ثقة مأمون مكثر عمي بأخرة، من صغار التاسعة، مات سنة اثنتين وعشرين ومئتين (222 هـ) وهو أكبر شيخ لأبي داوود. يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبو هلال) محمد بن سليم الراسبي - بمهملة ثم بموحدة - البصري، قيل: كان مكفوفًا، وهو صدوق فيه لين، من السادسة، مات في آخر سبع وستين ومئة (167 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(عم). وهو مولى بني سامة بن لؤي، نزل في بني راسب فنسب إليهم، قال حماد بن سلمة: أبو هلال صدوق، وقال مرة: ليس به باس، وليس بصاحب كتاب، وقال الآجري عن أبي داوود: ثقة، ولم يكن له كتاب، قال ابن سعد: فيه ضعف، فهو مختلف فيه.

(حدثنا عقبة بن أبي ثبيت) - مصغرًا - اسمه سريج الراسبي البصري، وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الحافظ: ثقة، من السادسة. يروي عنه:(ق).

ص: 41

عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ مَلَأَ اللهُ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ خَيْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ،

===

(عن أبي الجوزاء) - بالجيم والزاي - أوس بن عبد الله الربعي - بفتح الموحدة - البصري، ثقة، من الثالثة، يرسل كثيرًا، مات سنة ثلاث وثمانين (83 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا هلال، وهو مختلف فيه.

(قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة) بالرفع مبتدأ، خبره (من) الموصولة في قوله:(من ملأ الله) ولفظ الجلالة بالرفع فاعل (ملأ)(أذنيه) مفعول ملأ، والضمير عائد على (من) الموصولة (من ثناء الناس) لهم متعلق بـ (ملأ) على كونه مفعولًا ثانيًا له (خيرًا) بالنصب على أنه تمييز ثناء، أو بنزع الخافض.

والمعنى: أن أهل الجنة هم الذين ملأ الله عز وجل آذانهم من سماع ثناء الناس لهم بخير، أو من سماع ذكر الناس لهم خيرًا؛ أي: من جهة الخير (وهو) أي: والحال أنه تعالى (يسمع) ثناءهم له بخير.

ويحتمل عود ضمير (أذنيه) إلى أهل الجنة، ولكنه أفرد؛ نظرًا للفظ (من) الموصولة، وكذلك ضمير (وهو يسمع) يعود إلى أهل الجنة، وأفرد الضمير للعلة المذكورة آنفًا.

والمعنى حينئذ: أهل الجنة هم الذين ملأ الله آذانهم من سماع ثناء الناس لهم بخير، والحال أنهم أحياء يسمعون ثناءهم لهم بآذانهم.

ص: 42

وَأَهْلُ النَّارِ مَنْ مَلَأَ اللهُ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ شَرًّا وَهُوَ يَسْمَعُ".

(15)

- 4168 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِت،

===

(وأهل النار) هم (من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس) وذكرهم لهم (شرًّا) أي: بسوء (وهو) أي: والحال أنه سبحانه وتعالى (يسمع) ذكر الناس له بشر وسوء.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن أخرجه الطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي في "الشعب" وبشار عواد في "المسند الجامع".

ودرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لأن له شواهد كثيرة، وإن كان سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به ثالثًا لحديث أبي زهير.

* * *

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي زهير بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(15)

- 4168 - (5)(حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(حدثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري مشهور بكنيته، ثقة، من كبار الرابعة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري، ثقة، من الثالثة، مات دون المئة بعد السبعين. يروي عنه:(م عم).

ص: 43

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ لِلَّهِ فَيُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ: "ذَلِكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ".

===

(عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري الربذي رضي الله تعالى عنه.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو ذر: (قلت له) صلى الله عليه وسلم: (الرجل) منا (يعمل العمل) الصالح (لـ) وجه (الله) عز وجل وطلب رضاه (فـ) بسبب ذلك العمل (يحبه) أي: يحب ذلك الرجل (الناس عليه) أي: على ذلك العمل أو لأجله، فهل على ذلك الرجل العامل مؤاخذة على محبة الناس له على ذلك العمل، فهل يرد عليه ذلك العمل أو يقبل؟ أي: ويحمده الناس على ذلك العمل ويثنونه على ذلك العمل، فهل يؤاخذ بذلك العمل أم لا؟ لأنه ربما يدخل في قلبه الإعجاب فيحبطه.

فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له: لا يؤاخذ به (ذلك) المدح والثناء عليه بسبب ذلك العمل (عاجل بشرى المؤمن) أي: البشارة المعجلة للمؤمن في الدنيا، وهي دليل البشرى المؤجلة المؤخرة له في الآخرة، المذكورة بقوله تعالى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ

} الآية (1).

وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله تعالى عنه ومحبته له، فيحببه إلى الخلق. انتهى "نووي"، ثم يوضع له القبول في الأرض، هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم، وإلا .. فالتعرض منه مذموم.

والحاصل: أن عمل الخير لاستجلاب مدح الناس رياء، وهو حرام، ولكن إذا كان عمله خالصًا لوجه الله تعالى، ولا يريد إظهاره للناس، ثم أثنى عليه

(1) سورة الحديد: (12).

ص: 44

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الناس خيرًا بدون أن يطلب منهم ذلك .. فإنه علامة القبول من الله تعالى، وإن مثل هذا المدح لا يبعثه على الإعجاب بنفسه، وإنما يحمله على شكر الله تعالى حيث ألقى محبته في قلوب الناس وستر عيوبه عن أعينهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قال القرطبي: قوله: (الرجل يعمل العمل الصالح

) إلى آخره؛ يعني: الرجل الذي يعمل الصالح خالصًا ولا يريد إظهاره للناس؛ لأنه لو عمله ليحمده الناس أو يروه .. لكان مرائيًا، ويكون العمل باطلًا فاسدًا، وإنما لله تعالى بلطفه ورحمته وكرمه يعامل المخلصين في الأعمال، الصادقين في الأقوال والأحوال، بأنواع من اللطف، فيقذف في القلوب محبتهم، ويطلق الألسنة بالثناء عليهم؛ ليُنَوِّهَ بذكرهم في الملأ الأعلى؛ ليستغفروا لهم، وينشر طيب ذكرهم في الدنيا؛ ليقتدى بهم، فيعظم أجرهم وترتفع منازلهم، وليجعل ذلك علامة على استقامة أحوالهم، وبشرى بحسن مآلهم وكثير ثوابهم، ولذلك قال:"تلك عاجل بشرى المؤمن"، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى من "المفهم".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى فلا تضره، وابن حبان في "صحيحه".

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي زهير، والله أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي زهير بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 45

(16)

- 4169 - (6) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُودَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي أَعْمَلُ الْعَمَلَ

===

(16)

- 4169 - (6)(حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري.

(حدثنا أبو داوود) الطيالسي سليمان بن داوود بن الجارود البصري، ثقة حافظ غلط في أحاديث، من التاسعة، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا سعيد بن سنان) البرجمي - بضم الموحدة والجيم بينهما راء ساكنة - (أبو سنان الشيباني) الأصغر الكوفي نزيل الري، صدوق له أوهام، من السادسة.

يروي عنه: (م دت س ق)، قال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال الآجري عن أبي داوود: ثقة من رفعاء الناس، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان عابدًا فاضلًا، ووثقه يعقوب بن سفيان.

(عن حبيب بن أبي ثابت) قيس، ويقال: هند بن دينار الأسدي مولاهم أبي يحيى الكوفي، ثقة فقيه فاضل، وكان كثير الإرسال والتدليس، من الثالثة، مات سنة تسع عشرة ومئة (119 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي صالح) ذكوان السمان، كان يجلب الزيت من الشام إلى الكوفة، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه سعيد بن سنان، وهو مختلف فيه.

(قال) أبو هريرة: (قال رجل) من الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم أر من ذكر اسمه:(يا رسول الله؛ إني أعمل العمل) الصالح

ص: 46

فَيُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَيُعْجِبُنِي، قَالَ:"لَكَ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ".

===

سرًّا (فيطلع عليه) - بالبناء للمجهول - أي: فيطلع عليه الناس، فيعملون به (فيعجبني) أي: يحبني ويبشرني عملي بذلك العمل سرًّا، فأظهرت ذلك العمل للناس؛ لأكون قدوة فيه فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لك أجران) على ذلك العمل (أجر) عملك له في (السر) لكون عملك له مخلصًا لله تعالى (و) لك (أجر) عملك له في (العلانية) لكونك قدوة للناس، وفي "التحفة": قوله: (فإذا اطلع) بصيغة المجهول.

وقوله: (الرجل يعمل

) إلى قوله: (أعجبه) إخبار فيه معنى الاستخبار؛ يعني: هل تحكم على هذا أنه رياء أم لا؟

قوله: (فيعجبني ذلك) رجاء أن يرغب فيه أحد، فيقتدي بي في ذلك العمل، فأكون ممن سن سنة حسنة.

قوله: (أجر السر) أي: أجر عملك سرًّا؛ لإخلاصك فيه، ولك أيضًا (أجر العلانية) أي: أجر عملك ثانيًا إظهارًا للناس؛ ليقتدوا بك، فتكون ممن سن سنة حسنة؛ أي: لك أجر العلانية للافتداء بك، أو لفرحك بالطاعة وظهورها منك.

قال الإمام الترمذي: وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث: (إذا اطلع عليه فأعجبه) إنما معناه: أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم شهداء الله في الأرض" فيعجبه ثناء الناس عليه لهذا، فأما إذا أعجبه؛ ليعلم الناس منه الخير ويكرم ويعظم على ذلك .. فهذا رياء.

وقال بعض أهل العلم: إذا اطلع عليه فأعجبه؛ رجاء أن يعمل بعمله، فتكون له مثل أجورهم، فهذا له مذهب أيضًا، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"من سن سنة حسنة .. كان له أجرها وأجر من عمل بها".

ص: 47

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قوله: (فهذا مذهب له) أي: هذا المعنى الثاني أيضًا صحيح يجوز أن يذهب إليه ويختار. انتهى من "تحفة الأحوذي".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب رقم (37)، باب عمل الشر، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.

قلت: ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ كما مر، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي زهير.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ستة أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 48