الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) - (1509) - بَابُ ذِكرِ الْبَعْثِ
(63)
- 4216 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّام، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطِيَّةَ،
===
(11)
- (1509) - (باب ذكر البعث)
والبعث: إثارة الشيء عن جفاء وتحريكه من سكون؛ والمراد هنا: إحياء الأموات وخروجهم من قبورهم ونحوها إلى محكمة يوم القيامة. انتهى "إنجاز".
* * *
(63)
- 4216 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) عبد الله بن محمد العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م دس ق).
(حدثنا عباد) بفتح أوله وتشديد الموحدة (ابن العوام) - بفتحتين وتشديد الواو - ابن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومئة (185 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن حجاج) بن أرطاة - بفتح الهمزة - ابن ثور بن هبيرة النخعي أبي أرطاة الكوفي القاضي، صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(م عم)، وهو كثير الخطأ والإرسال لا يحتج بحديثه.
(عن عطية) بن سعد بن جنادة - بضم الجيم بعدها نون خفيفة - العوفي الجدلي - بفتحتين - الكوفي أبي الحسن، صدوق يخطئ كثيرًا وكان شيعيًّا مدلسًا، من الثالثة، مات سنة إحدى عشرة ومئة (111 هـ). يروي عنه:(دت ق)، وهو ضعيف متفق على ضعفه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ صَاحِبَيِ الصُّورِ بِأَيْدِيهِمَا أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا قَرْنَانِ يُلَاحِظَانِ النَّظَرَ مَتَى يُؤْمَرَانِ".
===
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه، مات سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين، وقيل: سنة أربع وسبعين. يروي عنه: (ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لضعف حجاج بن أرطاة وعطية العوفي.
(قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبي الصور) أي: إن الملكين الموكلين بنفخ الصور (بأيديهما، أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي عنه أو من دونه: (في أيديهما) بفي الظرفية بدل الباء، والجار والمجرور خبر مقدم لقوله:(قرنان) وهو مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية خبر لإن؛ والتقدير: إن لصاحبي الصور قرنين ينفخان فيهما كائنين في أيديهما أو بأيديهما، حالة كونهما (يلاحظان النظر) أي: يلازمان النظر إليهما لا يلتفتان عنهما بأبصارهما، وحالة كونهما يستمعان بآذانهما (متى يؤمران) بالنفخ فيهما.
فهذا الحديث يدل على أن النفختين تكونان في قرنين، ولكل منهما ملك خاص به.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف منكر؛ لما تقدم آنفًا، ولمخالفته نص الكتاب والسنة؛ فالنافخ فيه ملك واحد في المرتين؛ لما فيه من الأحاديث الصحيحة المتواترة، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، فالحديث: ضعيف السند والمتن جميعًا (2)(434).
* * *
(64)
- 4217 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَر، فَرَفَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدَهُ فَلَطَمَهُ قَالَ:
===
ثم استدل المؤلف على الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فقال:
(64)
- 4217 - (2)) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعدما أضر، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال: قال رجل من اليهود بسوق المدينة) زعم ابن بشكوال أن اسمه فنحاص، وعزاه لابن إسحاق، لكن ذكر الحافظ في "الفتح"(6/ 443) أن الذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص قصة أخرى مع أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في لطمه إياه (والذي اصطفى موسى) بن عمران (على البشر، فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه) أي: فلطم ذلك الرجلُ المسلمُ اليهوديَّ القائلَ لما ذكر؛ أي: ضرب وجهه بكفه، فـ (قال) ذلك المسلم لليهودي:
تَقُولُ هَذَا وَفِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ! فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "قَالَ اللهُ عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ؛ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْش، فَلَا أَدْرِي أَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ عز وجل،
===
أ (تقول هذا) الكلام الذي قلته أيها اليهودي؛ من تخيير موسى على البشر (وفينا رسول الله) محمد صلى الله عليه وسلم حيًّا، كذا وقع في غير واحد من الروايات أن الرجل المسلم في هذه القصة كان رجلًا من الأنصار، ولم أر من ذكر اسمه، ولكن وقع في "جامع سفيان بن عيينة"، وكتاب "البعث" لابن أبي الدنيا: عن عمرو بن دينار: التبس عليه قصة أبي بكر الصديق مع فنحاص.
(فذكر ذلك) الذي فعل الأنصاري باليهودي الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (1)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فأكون) أنا (أول من رفع رأسه) ممن ثبت صعقهم جزمًا، فلا ينافي احتمال كون موسى أول من رفع رأسه على تقدير أنه صعق (فإذا أنا) راء (بموسى) والحال أنه (آخذ) أي: ممسك بيده (بقائمة) أي: بعمود واحد (من قوائم العرش) وأعمدتها وأرجلها (فلا أدري) ولا أعلم إذ رأيته (أ) صعق وأفاق و (رفع رأسه من قبل) رفعـ (ي، أو كان) موسى (ممن استثنى الله عز وجل من الصعق بقوله: {إِلَّا مَنْ شَاءَ} فلم يصعق؛ أي: فعلى التقديرين .. فله فضل جزئي على البشر؛ فلا
(1) سورة الزمر: (68).
وَمَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى .. فَقَدْ كَذَبَ".
===
ينبغي المخاصمة مع من يقول مثل قول اليهود؛ لأنه يمكنه تصحيحه بحمله على الفضل الجزئي.
وبالجملة: فقد أراد صلى الله عليه وسلم المنع عن البحث عن أمثال هذه المباحث؛ لئلا يفضي ذلك إلى الإفراط والتفريط في شأن الأنبياء، وأكد ذلك بقوله:(ومن قال) من الأنبياء: (أنا خير) وأفضل (من يونس بن متى) - بفتح الميم وتشديد المثناة مقصورًا بوزن (حتى) اسم لأبيه ووالده - على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ووقع في "تفسير عبد الرزاق": أن متى اسم أمه، وهو مردود بحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى"؛ ونسبه إلى أبيه، فقوله: ونسبه إلى أبيه صريح في أن متَّى أبوه لا أمه. انتهى من "التحفة".
(فقد كذب) أي: خَالفَ الصواب؛ لأن الأنبياء كلهم متساوون في مرتبة النبوة، وإنما التفاضل باعتبار الدرجات، فلفظ:(أنا) واقع موقع (هو) ويكون راجعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد به: نفس القائل، فحينئذ:(كذب) بمعنى: (كفر) كنى به عن الكفر؛ لأن هذا الكذب مساو للكفر، كذا في "المرقاة".
وقال النووي: الضمير في (أنا) قيل: يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: يعود إلى القائل؛ أي: لا يقول ذلك بعض الجاهلين من المجتهدين في عبادة أو علم أو غير ذلك من الفضائل؛ فإنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ .. لم يبلغ درجة النبوة، ويؤيد هذا التأويل المقالة التي قبله؛ وهي قوله صلى الله عليه وسلم:"لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متَّى" انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قلت: وضمير (أنا) إذا عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فالظاهر: أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل الخلق، وأما قول من قال: إنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تواضعًا؛ إن كان قاله بعد أن أعلم أنه أفضل الخلق .. ففيه: أنه لا يناسبه قوله: (فقد كذب) كما في رواية الترمذي هذه.
قيل: خص يونس بالذكر؛ لأنه تعالى وصفه بأوصاف توهم انحطاط رتبته حيث قال: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} (1)، {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (2). انتهى.
قال السندي: فإن قلت: كيف يصح أن يكون موسى مستثنىً من النفخة الأولى، أو لم يكن مستثنىً، مع أنه قد مات قبلها، والنفخة الأولى إنما تدرك الأحياء حينئذ؟
قلت: إن الأنبياء أحياء فيمكن أن تدركهم هذه النفخة، ولهذا الكلام تفصيل، ذكرته في "حاشية الصحيحين"، وفي "الزوائد": هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الزمر.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة، والله أعلم.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(1) سورة الأنبياء: (87).
(2)
سورة الصافات: (140).
(65)
- 4218 - (3) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: "يَأْخُذُ الْجَبَّارُ
===
(65)
- 4218 - (3)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(ومحمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة مئتين وأربعين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
كلاهما (قالا: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه، من الثامنة، مات سنة أربع وثمانين ومئة (184 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(حدثني أبي) أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج الأفزر التمار المدني القاص مولى الأسود بن سفيان، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).
(عن عبيد الله بن مقسم) المدني، ثقة مشهور، من الرابعة. يروي عنه:(خ م د س ق).
(عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) عبد الله بن عمر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم قائم (على المنبر) حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يقول: يأخذ) خالقنا (الجبار) القهار الذي يجبر مخلوقاته على ما
سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدِهِ - وَقَبَضَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا - ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ "،
===
يشاء يوم القيامة؛ أي: يأخذ سبع (سماواته) ويلفها بقدرته من العالم العلوي (و) يقلع سبع (أرضيه) من قعرها وأسفلها (بيده) أي: بقدرته؛ أي: يرفعهما من بين أرض الموقف وبين عرشه العظيم؛ أي: يرفعهما من بين العرش وأرض الموقف ويعدمهما.
وجملة: (وقبض) رسول الله (يده) أي: أصابع يديه إلى كفيه (فجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابع يديه (يقبضها) أي: جعلها مقبوضة إلى كفيه تارة (و) جعل أصابعهما تارةً (يبسطها) أي: جعلها ممدودة بلا قبضها وضمها إلى الكفين، إلى هنا معترضة بين المعطوف عليه؛ وهو (يأخذ الجبار) وبين المعطوف؛ وهو قوله:(ثم يقول الجبار) فهي متعلقة بالرسول.
(ثم يقول) الله سبحانه جل وعلا مخاطبًا لملائكته: (أنا الجبار) الذي يجبر عباده على ما يشاء؛ أي: أنا الذي له الجبر الحقيقي دون غيري (أنا الملك) في كل زمان وفي كل مكان (أين الجبارون؟ ) أي: الجبارون لعبادي في الدنيا على ما شاؤوا من عبادتهم ظلمًا (أين المتكبرون؟ ) أي: أين المترفعون عن عبادتي في الدنيا؛ أي: لا يخضعون لطاعتي بالامتثال والاجتناب.
وترتيب الكلام في الأصل: (قال) ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: يأخذ الجبار (يوم القيامة) سماواته وأرضيه بيده، ثم يقول: أنا الجبار أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون؟ قال: ويتمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
إلى آخره.
وقوله: (وقبض يده
…
) إلى آخره، هذه الجملة في محل النصب على الحالية من فاعل يقول الأول؛ والتقدير: قال ابن عمر: (سمعت رسول الله
قَالَ: وَيَتَمَايَلُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شمَالِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
===
صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر وهو يقول) والحال أنه صلى الله عليه وسلم قبض) وضم أصابع يده الشريفة إلى كفه وضم إليها (فجعل) في قبضها تارةً (يقبضها) أي: يضم أصابعه إلى كفه (و) تارة (يبسطها) أي: يبسط أصابعها بلا قبض إلى الكف؛ كما أشار النساخ إلى أنها أجنبية مما قبلها ومما بعدها؛ بجعلها بين القوسين.
(قال) ابن عمر: (ويتمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله) إلى جهتهما؛ أي: تارة إلى جهة يمينه وتارة إلى يساره، فرأيته يتمايل إلى الجهتين (حتى نظرت إلى المنبر) تحته حالة كون المنبر (يتحرك من أسفل شيء منه) أي: من المنبر إلى أعلاه تحركًا شديدًا (حتى إني لأقول) لنفسي: (أساقط هو) أي: هل هذا المنبر ساقط (برسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا يسقط من تحته؟
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الإمام مسلم في كتاب صفات المنافقين، والبخاري في كتاب التوحيد، باب قوله:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (1)، وأبو داوود في السنة، باب الرد على الجهمية.
فالحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
ولفظ مسلم مع "شرحه الكوكب" في رواية هذا الحديث: عن عبد الله بن مقسم عن ابن عمر، حالة كون ابن عمر (يحكي) ويصف (هيئة رسول الله
(1) سورة ص: (75).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
صلى الله عليه وسلم حين يحدث هذا الحديث لأصحابه (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأخذ الله عز وجل أي: يمسك (سماواته وأرضيه بيديه) اليمنى والشمال (فيقول) الرب جل جلاله: (أنا الله) أي: المعبود بحق.
قوله: (ويقبض) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصابعه) أي: يضمها إلى الكف تارةً (ويبسطها) تارةً؛ أي: ينشرها تارة، حال من فاعل (قال) العائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله: (ثم يقول: أنا الجبار
…
) إلى آخره .. معطوف على (يأخذ الله)، وهو من كلام الجبار؛ وتقدير الكلام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يأخذ سماواته وأرضيه فيقول: أنا الله، أنا الملك، حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض أصابعه تارةً إلى كف ويبسطها أخرى؛ تمثيلًا لأخذ الله سبحانه السماوات والأرضين وجمع ما فيهما في أرض المحشر.
و(الواو) في قوله: (ويقبض أصابعه) زائدة أو حالية (قال) ابن عمر: نظرت إلى اضطراب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمايله على المنبر (حتى نظرت إلى المنبر) تحته، حالة كون المنبر (يتحرك من أسفل شيء منه) أي: من المنبر إلى أعلاه؛ أي: نظرت إلى تحرك المنبر (حتى إني لأقول: أساقط هو) أي: المنبر؛ أي: هل هو ساقط (برسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض أم لا؟
قوله: (ويقبض أصابعه ويبسطها) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبض أصابعه ويبسطها عند هذا الكلام؛ تفهيمًا لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها، وحكى به المبسوط والمقبوض الذي هو السماوات والأرض، وليس إشارةً إلى القبض والبسط الذي هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى؛ لأنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تعالى منزه عن المثال، ولعل ابن عمر حين حدث هذا الحديث قبض أصابعه وبسطها؛ حكاية لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكر ابن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (يتحرك من أسفل شيء منه) أي: من المنبر إلى أعلاه؛ لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى، ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة، ويحتمل أن يكون بنفسه هيبةً لسماعه؛ كما حن الجذع. انتهى "نووي".
قال القاضي: قوله: (يتحرك من أسفل شيء منه) أي: يتحرك من أسفله إلى أعلاه؛ لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى، ثم حركته يحتمل أنها بحركته صلى الله عليه وسلم من فوقه بهذه الإشارة، ويحتمل أنه تحرك من ذاته؛ مساعدة لحركته صلى الله عليه وسلم وهيبة لما سمع من عظمة الله تعالى؛ كما حن له الجذع. انتهى منه.
ثم قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من المَشَاكل والمُشبِّهَات، ونحن نؤمن بالله تعالى وبصفاته التي أثبتها لنفسه، ولا نشبه شيئًا من المخلوق به تعالى، ولا نشبهه بشيء، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه .. فهو حقٌّ وصِدقٌ، وما أدركنا علمه .. فبفضل الله تعالى، وما خفي علينا .. آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به، ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه تعالى عن ظاهره الذي لا يليق به تعالى، وبالله التوفيق. انتهى ما قاله القاضي عياض.
(66)
- 4219 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،
===
وقد روى مسلم هذا الحديث أيضًا عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله عز وجل السماوات) السبع (يوم القيامة) أي: يلفها والطي ضد البسط (ثم يأخذهن) أي: يمسكهن (بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون) الذين يجبرون الخلائق على ما أرادوا ظلمًا؟ (أين المتكبرون) الذين يتكبرون عن امتثال أوامري واجتناب نواهي؛ (ثم يطوي) ويلف (الأرضين) السبع (بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون؟ ).
قلت: والقبض والبسط: صفتان من صفات أفعاله تعالى، نثبتهما ونعتقدهما، لا نكيفهما ولا نمثلهما، وننزه المولى سبحانه وتعالى عن ظاهرهما مما يقتضي التشبيه، والبحث عنهما بدعة.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(66)
- 4219 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حَيَّان الأزدي الكوفي، صدوق يخطئ، من الثامنة، مات سنة تسعين ومئة (190 هـ)، أو قبلها. يروي عنه:(ع).
(عن حاتم بن أبي صغيرة) - بكسر الغين المعجمة - القشيري أبي يونس البصري، وأبو صغيرة اسمه مسلم، وهو جده لأمه، وقيل: زوج أمه، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله (بن أبي مليكة) زهير بن جدعان
عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَيْفَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "حُفَاةً عُرَاةً"،
===
التيمي المدني، أدرك ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة (117 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة أحد الفقهاء بالمدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه، من كبار الثالثة، مات سنة ست ومئة (106 هـ). يروي عنه:(ع).
(قال) القاسم بن محمد: (قالت) لي (عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ كيف يحشر الناس) ويجمع (يوم القيامة) في أرض المحشر؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالها: يحشرون حالة كونهم (حفاة) جمع حاف؛ وهو من ليس في رجليه نعل أو حذاء، وحالة كونهم (عراة) جمع عار؛ وهو من ليس على جسده لباس.
وفي رواية مسلم زيادة: (غرلًا) أي: ويحشرون حالة كونهم غرلًا - بضم الغين المعجمة وسكون الراء -: جمع أغرل؛ وهو الأقلف؛ وهو الذي لم يختن وبقيت غرلته؛ وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر.
قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا، ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد، ومن قطع منه شيء .. يرد إليه، حتى الأقلف.
وقال أبو الوفا بن عقيل: حشفة الأقلف موقاة بالقلفة، فتكون أرق، فلما أزالوا تلك القطعة في الدنيا .. أعادها الله تعالى؛ ليذيقها من حلاوة فضله. انتهى "فتح الباري".
قُلْتُ: وَالنِّسَاءُ؟ قَالَ: "وَالنِّسَاءُ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ فَمَا يُسْتَحْيَا؟ ! قَالَ: "يَا عَائِشَةُ؛ الْأَمْرُ أَهَمُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ".
===
قالت عائشة: (قلت): يا رسول الله (والنساء) تحشر مع الرجال جميعًا؟ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والنساء) تحشر مع الرجال، قالت عائشة:(قلت: يا رسول الله؛ فما يستحيا؟ ! ) أي: فما يوجد الحياء بينهم؛ أي: فما تستحيي النساء من الرجال والرجال من النساء؟ ! فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة الأمر) أي: أمر يوم القيامة وهوله (أهم) أي: أشغل (من أن ينظر بعضهم إلى) عورة (بعض) أي: من نظر بعضهم إلى عورة بعض.
قوله: "عراة" وقد استشكل على هذا الحديث بحديث أخرجه أبو داوود وصححه ابن حبان: أنه لما حضر أبا سعيد الخدري الوفاة .. دعا بثياب جدد فلبسها، وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يبعث يوم القيامة في ثيابه التي مات فيها".
وجمع بعضهم بين الحديثين: بأن بعضهم يحشر عاريًا، وبعضهم يحشر كاسيًا؛ عملًا بالحديثين.
أو بأنهم يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيحشرون عراة.
وحمَلَ بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء، ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد، فحمله على العموم، وقيل غير ذلك.
وهذه التأويلات كُلُّها خلاف الظاهر، ولعلَّ أولاها بالقبول: حَمْلُهُ على الشهداء فقط؛ لأن ما جاء في حديث الباب مُؤيَّد بقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} (1) انتهى "فتح الباري" باختصار (11/ 384).
(1) سورة الأنبياء: (104).
(67)
- 4220 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رِفَاعَةَ،
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، باب الحشر، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، والنسائي في كتاب الجنائز، باب البعث.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استأنس المؤلف للترجمة ثانيًا بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، فقال:
(67)
- 4220 - (5)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة ثبت له تصانيف، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، ثقة ثبت، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن علي بن علي) بن نَجَاب - بنون وجيم خفيفة - (ابن رفاعة) الرفاعي - بفاء - اليشكري - بتحتانية مفتوحة ومعجمة ساكنة - أبي إسماعيل البصري، لا باس به، رمي بالقدر وكان عابدًا، ويقال: كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، من السابعة. يروي عنه:(عم). انتهى "تقريب".
قال عثمان الدارمي عن ابن معين وأبو زرعة: ثقة، وقال وكيع: حدثنا علي بن علي وكان ثقة، وكان حسن الصوت بالقرآن، ووثقه الجمهور. روى عنه: وكيع، ويروي عن: الحسن.
عَنِ الْحَسَن، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ؛ فَأَمَّا عَرْضَتَانِ .. فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ .. فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي فَآخِذٌ
===
(عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس، رأس الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، ورجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي موسى، قاله علي بن المديني وأبو حاتم وأبو زرعة، وروي هذا الحديث أيضًا عن الحسن عن أبي هريرة، ولم يسمع الحسن أيضًا عن أبي هريرة، فحكمه: الضعف؛ لأنه منقطع؛ لعدم سماع الحسن من أبي موسى وأبي هريرة أيضًا.
(قال) أبو موسى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعرض الناس يوم القيامة) على ربِّهم (ثلاث عرضات) أي: ثلاث مرات من العرض (فأما عرضتان) من الثلاث .. (فـ) في إحداهما: (جدال) ونزاع وإنكار لعملهم السيئ (و) في ثانيتهما: (معاذير) أي: اعتذارهم عما وقع منهم من العمل السيئ (وأما) العرضة (الثالثة .. فعند ذلك) أي: فعند وقوع تلك العرضة (تطير الصحف) أي: أوراق صحف أعمال الناس من مكان تحت العرش إن كانت من الحسنات، أو من مكان تحت السجين إن كانت من السيئات، فتقع تلك الصحف (في الأيدي) أي: في أيدي الناس (فـ) منهم (آخذ) تلك الأوراق
بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ".
(68)
- 4221 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ،
===
(بيمينه) إن كانت من الحسنات؛ فآخذ بصيغة اسم الفاعل في الموضعين؛ أي: آخذ بيمينه فرحًا مبيضًا وجهه (و) منهم (آخذ) حزينًا مسودًا وجهه (بشماله) إن كانت من السيئات.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف (3)(435)؛ لانقطاع سنده؛ كما تقدم آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(68)
- 4221 - (6)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني أخو إسرائيل الكوفي، نزل الشام مرابطًا، ثقة، مأمون، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ)، وقيل: سنة إحدى وتسعين ومئة. يروي عنه: (ع).
(وأبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من الثامنة، مات سنة تسعين ومئة، أو قبلها. يروي عنه:(ع).
كلاهما رويا (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان أبي عون البصري، ثقة ثبت فاضل، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قَالَ:"يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ".
===
(عن نافع) مولى ابن عمر، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة، أو بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
أخبر ابن عمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى: ({يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ})(1).
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقوم أحدهم) أي: أحد من أهل الموقف (في رشحه) أي: في عرقه؛ والرشح - بفتح الراء وسكون الشين -: العرق، واصلًا عرقه (إلى أنصاف أذنيه) عدل إلى جمع النصف دون تثنيته؛ نظرًا إلى أفراد الناس، أو فرارًا من ثقل إضافة تثنية إلى تثنية.
قال السندي: في "النهاية": الرشح: العرق؛ لأنه يخرج من البدن شيئًا فشيئًا؛ كما يرشح الإناء المتخلخل الأجزاء. انتهى، .
وهذا من موقف الحشر، وأخرج ابن المبارك في "الزهد"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" واللفظ له بسند جيد عن سلمان رضي الله تعالى عنه:(تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين، ثم تُدْنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين، فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة، ثم ترتفع حتى يُغَرْغِرَ الرجل)، وزاد ابن المبارك في روايته:(ولا يضر حرها يومئذ مؤمنًا ولا مؤمنة).
(1) سورة المطففين: (6).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وسمي العرق رشحًا؛ لأنه يخرج من بدنه شيئًا فشيئًا؛ كما يترشح الإناء المتخلخل الأجزاء.
قال الطبري: العرق؛ هو للزحام، ولدنو الشمس حتى يغلى منها الرأس وحرارة الأنفاس، وحرارة النار التي تحدق بالمحشر، فترشح رطوبة بدن كل أحد، فإن قيل: يلزم أن يسبح الجميع فيه سبحًا واحدًا، ولا يتفاضلون في القدر.
قيل: يزول هذا الاستبعاد؛ بأن يخلق الله في الأرض التي تحت كل أحد ارتفاعًا بقدر عمله، فيرتفع العرق بقدر ذلك.
وفيه جواب ثان: وهو أن يحشر الناس جماعات متفرقة، فيحشر من بلغ كعبيه في جهةٍ، ومن بلغ حِقْوَيه في جهة، وهكذا. انتهى "سنوسي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في تفسير سورة (ويل للمطففين)، باب {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) وفي الرقاق، باب قوله تعالى:{أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} (2)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، والترمذي في تفسير سورة (ويل للمطففين).
فالحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(1) سورة المطففين: (6).
(2)
سورة المطففين: (4).
(69)
- 4222 - (7) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُودَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} ،
===
(69)
- 4222 - (7)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعدما أضر، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن داوود) بن أبي هند، اسمه دينار بن عُذَافر القُشيري مولاهم، أبي بكر البصري، ثقة متقن، كان يهم باخرة، من الخامسة، مات سنة أربعين ومئة (140 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).
(عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة مشهور، من الثالثة، مات بعد المئة. يروي عنه:(ع).
(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني؛ أبي عائشة الوادعي الكوفي، ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وستين. يروي عنه: (ع).
(عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قالت) عائشة: (سألت) أنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: ({يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ})(1).
قال في "فتح البيان" في تفسير هذه الآية: {يَوْمَ} أي: اذكر وارتقب {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ} المشاهدة {غَيْرَ الْأَرْضِ} والتبديل قد يكون في الذات؛ كما في بدلت الدراهم بالدنانير، وقد يكون في الصفات؛ كما في بدلت الحلقة خاتمًا،
(1) سورة إبراهيم: (48).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والآية تحتمل الأمرين، وبالثاني قال الأكثر {وَالسَّمَاوَاتُ} أي: وتبدل السماوات المشاهدة غير السماوات؛ لدلالة ما قبله عليه، على الاختلاف الذي مر آنفًا، وتقديم تبديل الأرض، لقربانها، ولكون تبديلها أعظم أثرًا بالنسبة إليها.
أخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان قال: جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله: "يكونون في الظلمة دون الجسر".
وأخرج مسلم وغيره أيضًا من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، قالت: قلت: أين الناس يومئذ؟ قال: "على الصراط".
والصحيح على هذا: إزالة عين هذه الأرض.
وأخرج البزار وابن المنذر والطبراني في "الأوسط" والبيهقي وابن عساكر وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى - الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} (1)، قال: أرض بيضاء كأنها فضة، لم يسفك عليها دمٌ حرامٌ، ولم يعمل بها خطيئة.
قال البيهقي: والموقوف أصح، وفي الباب روايات، وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في "الصحيحين" من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء؛ كقرصة نقي.
(1) سورة إبراهيم: (48).
فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "عَلَى الصِّرَاطِ".
===
وفيهما أيضًا من حديث: أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده
…
الحديث.
وقد أطال القرطبي في بيان ذلك في "تفسيره" وفي "تذكرته" وحاصله: أن هذه الأحاديث نص في أن الأرض والسماوات تبدل وتزال، ويخلق الله تعالى أرضًا أخرى يكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر؛ وهو الصراط، لا كما قال كثير من الناس: إن تبديل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها وتسوية آكامها ونسف جبالها ومد أرضها.
ثم قال: وذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب "الإفصاح" أنه لا تعارض بين هذه الآثار، وأنهما مبدلتان؛ إحداهما هذه الأولى قبل نفخة الصعق، والثانية إذا وقفوا في المحشر؛ وهي أرض عفراء من فضة لم - يسفك عليها دمٌ حرامٌ، ولا جرى عليها ظلم، ويقوم الناس على الصراط على متن جهنم، ثم ذكر في موضع آخر من "التذكرة" ما يقتضي أن الخلائق وقت تبديل الأرض تكون في أيدي الملائكة رافعين لهم عنها.
قال في "الجمل": فتحصل من مجموعة كلامه أن تبديل هذه الأرض بأرض أخرى من فضة يكون قبل الصراط، وتكون الخلائق إذ ذاك مرفوعة في أيدي الملائكة، وأن تبديل الأرض بأرض أخرى من خبز يكون بعد الصراط، وتكون الخلائق إذ ذاك على الصراط، وهذه الأرض خاصة بالمؤمنين بعد دخولهم الجنة. انتهى ما في "فتح البيان".
قالت: عائشة: (فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: على الصراط) وعند مسلم من حديث ثوبان مرفوعًا: (يكونون في الظلمة دون الجسر).
وجمع بينهما البيهقي: بأن المراد بالجسر: الصراط، وأن في قوله: "على
(70)
- 4223 - (8) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
===
الصراط" مجازًا؛ لكونهم يجاوزونه؛ لأن في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها؛ لثبوتها، وكأن ذلك عند الزجرة التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا إلى أرض الموقف، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} (1)، كذا في "الفتح".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة إبراهيم، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح الإسناد.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(70)
- 4223 - (8)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.
(حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى البصري السامي - بالمهملة - أبو محمد، ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم أبي بكر المدني، نزيل
(1) سورة الفجر: (21 - 23).
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيرَة، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ الْعُتْوَارِيِّ أَحَدِ بَنِي لَيْثٍ قَالَ: وَكَانَ فِي حَجْرِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ؛ يَعْنِي: أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَى جَهَنَّمَ
===
العراق إمام المغازي، صدوق، بل ثقة عارف بالعلوم؛ كما في "التهذيب"، من صغار الخامسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، ويقال بعدها. يروي عنه:(م عم).
(حدثني عبيد الله بن المغيرة) بن معيقيب - بالمهملة والقاف والموحدة مصغرًا - أبو المغيرة السبئي - بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة مقصورة - المصري، صدوق، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ). يروي عنه:(ت ق). وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن سليمان بن عمرو بن عبد) أو عبيد، ويقال: ابن عبدة (العُتْوَارِيِّ) - بضم المهملة وسكون المثناة وراء آخره - نسبة إلى عُتْوَارة (أحد بني ليث) بطن من كنانة أبي الهيثم المصري، روى عن أبي سعيد (قال) عبيد الله:(وكان في حجر أبي سعيد) ويروي عنه: عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال العجلي: تابعي ثقة، من الرابعة. يروي عنه:(عم).
(قال) سليمان بن عمرو العتواري (سمعته؛ يعني) سليمان العتواري بضمير سمعته: (أبا سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه (يقول) أي: أبو سعيد الخدري: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول).
وهذا السند من: سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(يوضع الصراط) يوم القيامة؛ أي: يمد (بين ظهراني جهنم) أي: على ظهر جهنم ومتنها.
عَلَى حَسَكٍ كَحَسَكِ السَّعْدَان، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ؛ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوجٌ بِهِ ثُمَّ نَاجٍ، وَمُحْتَبَسٌ بِهِ وَمَنْكُوسٌ فِيهَا".
===
ولفظ: (بين) بمعنى: على (ظهراني) جيء به على صورة المثنى؛ قصدًا للمبالغة في المعنى؛ لأنه بمعنى: ظهر جهنم (على حسك) وشوك (كحسك السعدان) وشوكته.
قوله: (على حسك) - بفتحتين - قال السيوطي: جمع حسكة؛ وهي شوكة صلبة ملزقة بالشيء مربوطة به لا تفارقه، تعلق ثمرته بصوف الغنم وشعره عند الرعي منها، ورقها كورق الرجلة وأدق منه، وعند ورقه شوك ملزق به صلب ذو ثلاث شعب. انتهى "قاموس".
(السعدان): نبت ذو شوك؛ وهو من أجود مراعي الإبل، تَسْمَنُ منه إذا رعَتْهُ (ثم يستجيز) ويمر عليه (الناس) على حسب أعمالهم (فـ) منهم:(ناج) أي: محفوظ من السقوط في جهنم، (مسلم) - بتشديد اللام المفتوحة - أي: مأمون من التمسك بكلاليبها، (و) منهم:(مخدوج) أي: مقطعة أعضاؤه (به) أي: بالصراط؛ أي: الذي قشر جلده بالصراط (ثم) بعدما قشرت جلدته وتقطعت هو (ناج) من السقوط في جهنم (و) منهم: (محتبس) - بفتح الباء - أي: محبوس (به) أي: بالصراط عليه؛ بإمساك كلاليبه، أو بعجزه عن المرور فوقه (و) منهم:(منكوس) أي: مقلوب ساقط على رأسه منكب (فيها) أي: في النار على وجهه.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن رواه أحمد بن منيع في "مسنده": حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني عبيد الله بن المغيرة عن سليمان بن عمرو بن عبد العتواري، حدثني ليث، فذكره بتمامه، وزاد في آخره زيادة طويلة.
(71)
- 4224 - (9) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ حَفْصَةَ
===
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة بحديث حفصة بنة عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(71)
- 4224 - (9)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي الإسكاف نزيل مكة، صدوق، من الرابعة. يروي عنه:(ع).
(عن جابر) بن عبد الله بن عمرو الأنصاري الخزرجي من فضلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهما.
(عن أم مبشر) الأنصارية امرأة زيد بن حارثة، يقال: اسمها جهمة بنت صيفي بن صخر، صحابية مشهورة رضي الله تعالى عنها؛ وقال في "الإصابة": اسمها حميمة - مصغرًا - بنت صيفي بن صخر. يروي عنها: (م س ق).
(عن حفصة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَأَرْجُو أَلَّا يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبيَةَ"، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} ؟ قَالَ: "أَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}؟ ! ".
===
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات، ومن لطائفه: أن فيه ثلاثة من الصحابة.
(قالت) حفصة: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو) من فضل الله ورحمتها (ألا يدخل النار) بالنصب على الظرفية المكانية (أحد) بالرفع على الفاعلية (إن شاء الله تعالى) جيء بهذه الجملة؛ للتبرك بها، لا للتعليق، والجار والمجرور في قوله:(ممن شهد) وحضر غزوة (بدر) صفة لأحد (و) أحد شهد وحضر بيعة الرضوان يوم (الحديبية) يوم صد المشركين المسلمين من دخول مكة لعمل العمرة.
(قالت) حفصة: (قلت: يا رسول الله) كيف تقول: "إني أرجو ألا يدخل النار أحد ممن شهد بدرًا والحديبية"؟ (أليس قد قال الله) في كتابه: ({وَإِنْ مِنْكُمْ}) أيها الناس ({إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا})(1)، فبين الآيتين تعارض؟
فـ (قال) رسول الله في الجواب عن هذا التعارض: (ألم تسمعيه) أي: ألم تسمعي الله عز وجل يا حفصة (يقول) في كتابه العزيز: ({ثُمَّ}) بعد ورود النار ({نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}) الله بامتثال مأموراته واجتناب منهياته من النار ({وَنَذَرُ}) أي: نترك ({الظَّالِمِينَ}) أنفسهم بالشرك ({فِيهَا}) أي: في النار ({جِثِيًّا})(2)؛ أي: ساقطين في النار؟ !
(1) سورة مريم: (71).
(2)
سورة مريم: (72).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فالورود غير الدخول، وأهل الجنة لا دخول لهم، أو المراد: أن الدخول إنما يضر إذا لم يكن معه نجاة من العذاب ابتداءً، وإلا .. فهو كالدخول. انتهى من "السندي".
وقد اختلف الناس في هذا الورود: فقيل: الورود: الدخول، ويكون على المؤمنين بردًا وسلامًا؛ كما كانت على إبراهيم كذلك.
وقالت فرقة: الورود: هو المرور على الصراط، وقيل: ليس الورود الدخول، إنما هو كما يقول: وردت البصرة ولم أدخلها.
وقد توقف كثير من العلماء عن تحقق هذا الورود، وحمله على ظاهره؛ لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (1)، قالوا: فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده منها، ومما يدل على أن الورود لا يستلزم الدخول .. قوله تعالى:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} (2)؛ فإن المراد: أشرف عليه، لا أنه دخل فيه، ولا يخفى أن القول بأن الورود هو المرور على الصراط، أو الورود على جهنم وهي خامدة .. فيه جمع بين الأدلة من الكتاب والسنة، فينبغي حمل هذه الآية على ذلك؛ لأنه قد حصل الجمع بحمل الورود على دخول النار، مع كون الداخل من المؤمنين مبعدًا من عذابها، أو بحمله على المضي فوق الجسر المنصوب عليها وهو الصراط.
قوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (3) أي: كان ورودهم المذكور أمرًا محتمًا قد قضى الله سبحانه أنه لا بد من وقوعه لا محالة {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} (4)
(1) سورة الأنبياء: (101).
(2)
سورة القصص: (23).
(3)
سورة مريم: (71).
(4)
سورة مريم: (72).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أي: إذا مر الخلائق كلهم على النار وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوو المعاصي بحسبهم .. نجى الله المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم، فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كافت في الدنيا، ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين، فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أكلتهم النار إلا دارات وجوههم؛ وهي مواضع السجود، وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان، فيخرجون أولًا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم الذي يليه، حتى يخرجون من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ثم يخرج الله من النار من قال يومًا من الدهر:(لا إله إلا الله) وإن لم يعمل خيرًا قط، ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود في النار؛ كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قال تعالى:{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (1).
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه؛ كما في "تحفة الأشراف"، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: تسعة أحاديث:
الأول والخامس للاستئناس، والثاني للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم
(1) سورة مريم: (72).