المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) - (1503) - باب الأمل والأجل - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌(5) - (1503) - باب الأمل والأجل

(5) - (1503) - بَابُ الْأَمَلِ وَالْأَجَلِ

(21)

- 4174 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي يَعْلَى،

===

(5)

- (1503) - (باب الأمل والأجل)

والأمل: طول القصد في الحياة، والأجل: مدة أجلها الله لعباده في دار الفناء.

* * *

(21)

- 4174 - (1)(حدثنا أبو بشر بكر بن خلف) البصري ختن المقرئ عبد الله بن يزيد المكي أبي عبد الرحمن، أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة، صدوق، من العاشرة، مات بعد سنة أربعين ومئتين. يروي عنه:(د ق).

(وأبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(م د س ق).

(قالا: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ أبو سعيد القطان البصري التميمي، ثقة حجة من أئمة الجرح والتعديل، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة حجة إمام، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبي) سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة، من السادسة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي يعلى) منذر بن يعلى الثوري - بالمثلثة - الكوفي، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(ع).

ص: 64

عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَطَّ خَطًّا مُرَبَّعًا وَخَطًّا وَسَطَ الْخَطِّ الْمُرَبَّع، وَخُطُوطًا إِلَى جَانِبِ الْخَطِّ الَّذِي وَسَطَ الْخَطِّ الْمُرَبَّع، وَخَطًّا خَارِجًا مِنَ الْخَطِّ الْمُرَبَّعِ فَقَالَ:"أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "هَذَا الْإِنْسَانُ الْخَطُّ الْأَوْسَطُ، وَهَذِهِ الْخُطُوطُ إِلَى جَنْبِهِ الْأَعْرَاضُ

===

(عن الربيع بن خثيم) - بضم المعجمة وفتح المثلثة - ابن عائذ بن عبد الله الثوري أبي يزيد الكوفي، ثقة عابد مخضرم، من الثانية، قال له ابن مسعود: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لأحبك، مات سنة إحدى وستين، وقيل: ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه (خ م ت س ق).

(عن عبد الله بن مسعود) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط) ورسم على الأرض؛ أي: سطر عليها (خطًّا مربعًا) أي: ذا أربع أركان (و) خط؛ أي: سطر أيضًا (خطًّا) آخر (وسط الخط المربع، و) خط (خطوطًا) كثيرة (إلى جانب الخط الذي وسط الخط المربع، و) خط (خطًّا خارجًا من الخط المربع، فقال) لمن عنده: (أتدرون) وتعلمون (ما هذا) الخط؟ (قالوا: الله ورسوله أعلم) ما هذا الخط.

فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا الإنسان الخط الأوسط) فيه تقديم وتأخير؛ لأن قوله: (هذا) مبتدأ (الخط) صفة لاسم الإشارة (الأوسط) صفة للخط (الإنسان) خبر لاسم الإشارة؛ والتقدير: هذا الخط الأوسط هو صورة الإنسان (وهذه الخطوط) الصغار المخطوطة (إلى جنبه) أي: إلى جانب الخط المستطيل في وسط المربع (الأعراض) أي: الحوادث

ص: 65

تَنْهَشُهُ أَوْ تَنْهَسُهُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ؛ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا .. أَصَابَهُ هَذَا، وَالْخَطُّ الْمُرَبَّعُ الْأَجَلُ الْمُحِيطُ، وَالْخَطُّ الْخَارِجُ الْأَمَلُ".

===

التي تحدث للإنسان في مدة حياته؛ من الأمراض والأحوال المتغيرة؛ أي: اللازمة له والأحوال غير اللازمة.

التي (تنهشه) - بالمعجمة - أي: تأكله وتلدغه؛ أي: بغير أسنان (أو) قال الراوي: (تنهسه) - بالسين المهملة - وهو الأخذ بالأسنان (من كل مكان) وفي كل زمان (فإن أخطَأهُ هذا) العارضُ الأول وجاوزه .. (أصابه هذا) العارض الثاني، وأخذه (والخط المربع الأجل المحيط) به (والخط الخارج) من المربع المستطيل .. (الأمل) أي: آماله ومقاصده التي تكون خارج عمره.

وقد رسمه الحافظ ابن حجر في "الفتح" على كيفيات؛ الأُولى منها هذه:

والخطُّ: الرسم والشكل. والمربعُ: المستوي الزوايا. الكيفية الأولى: المستوي الزوايا المستطيلُ:

قيل هكذا:

نهاية الأجل

الأمل الحاصل الأمل الخارج

وقيل هكذا:

الأجل

الأمل

وقيل هكذا:

الأجل

الأمل

الأمل

وقيل هكذا:

الأجل

الأمل الداخل

وقيل هكذا:

الأجل

وقيل هكذا:

الأجل

الإنسان الأمل الأمل

ص: 66

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والرسم الأول منها؛ هو المعتمد؛ فالإشارة بقوله: (هذا الإنسان) إلى النقطة الداخلة.

قوله: "الأعراض": جمع عرض - بفتحتين - وهو ما ينتفع به في الدنيا في الخير وفي الشر؛ والعرض - بالسكون - ضد الطول، ويطلق على ما يقابل النقدين؛ والمراد هنا: الأول.

قال السندي: أي: الأمور التي تعرضه من الأمراض والأحوال المتغيرة والآفات.

(تنهشه أو تنهسه) الأول بالشين المعجمة، والثاني بالمهملة؛ ومعناهما قريب، بل واحد؛ وهو الأخذ بالأسنان.

والمقصود من الحديث: التعجب من حال الإنسان، وأنه لا يفوت الأجل؛ لكونه محيطًا به من الجوانب كلها، وأنه معروض للأعراض قبل ذلك، ومع ذلك يأمل أملًا قد جاوز أجله. انتهى "س".

قال الحافظ في "الفتح"(11/ 238) - والمراد بالأعراض: الآفات العارضة له؛ فإن سلم من هذا .. لم يسلم من هذا، وإن سلم من الجميع ولم تصبه آفة من مرض أو فقد مال أو غير ذلك .. بَغَتَهُ الأجلُ.

والحاصل: أن من لم يمت بسببٍ .. مات بالأجل.

وفي الحديث: إشارة إلى الحض على قصر الأمل والاستعداد لبغتة الأجل، وعبر بالنهش؛ وهو لدغ ذوات السموم؛ مبالغة في الإصابة والإهلاك.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، باب الأمل وطوله، والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقاق والورع، باب منه حدثنا محمد بن بشار، والنسائي في "الكبرى"، والدارمي في "سننه".

ص: 67

(22)

- 4175 - (2) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا ابْنُ آدَمَ، وَهَذَا أَجَلُهُ

===

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث ابن مسعود بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(22)

- 4175 - (2)(حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة ثبت، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وخمسين ومئتين (251 هـ). يروي عنه:(خ م ت س ق).

(حدثنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن النحوي البصري، نزيل مرو، ثقة ثبت، من كبار التاسعة مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(ع).

(أخبرنا حماد بن سلمة) بن دينار البصري، ثقة ثبت، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن عبيد الله بن أبي بكر) بن أنس بن مالك أبي معاذ، ثقة، من الرابعة. يروي عنه:(ع).

(قال) عبيد الله بن أبي بكر: (سمعت أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

حالة كون أنس (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ابن آدم) الظاهر أن هذا إشارة حسية إلى صورة معنوية، وكذا قوله:(وهذا أجله)

ص: 68

عِنْدَ قَفَاهُ"، وَبَسَطَ يَدَهُ أَمَامَهُ، ثُمَّ قَالَ: "وَثَمَّ أَمَلُهُ".

(23)

- 4176 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعُثْمَانِيُّ،

===

وتوضيحه: أنه أشار بيده إلى قدامه في مساحة الأرض، أو في مساحة الهواء بالطول أو العرض، وقال: هذا ابن آدم، ثم أخرها وأوقفها قريبًا مما قبله، وقال: هذا أجله (عند قفاه) أي: في عقب المكان الذي أشار به إلى الأجل (وبسط يده أمامه) أي: قدام القفا (ثم قال: وثم أمله).

والحاصل: إن أجله لقريب، وإن أمله لطويل.

و(ثَمَّ) - بفتح المثلثة وتشديد الميم - أي: هنالك، وأشار بـ (ثَمَّ) إلى بُعْدِ مكانِ ذلك (أَملُه) أي: مأموله؛ هو مبتدأ، خبره: ظرف قدم عليه للاختصاص والاهتمام، كذا شرح القاري هذا الحديث، وقال: هذا ما سنح لي في هذا المقام من توضيح المرام.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في الرقاق، والترمذي في الزهد.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث ابن مسعود.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(23)

- 4176 - (3)(حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان) بن خالد بن الوليد بن عثمان بن عفان رضي الله عنه الأموي (العثماني) المدني، قال أبو حاتم: ثقة، وقال صالح بن محمد الأسدي: ثقة صدوق إلا أنه يروي عن أبيه المناكير، وقال الحافظ: صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(س ق).

ص: 69

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبيه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ فِي حُبِّ اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ".

===

(حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه، من الثامنة، مات سنة أربع وثمانين ومئة (184 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الحُرَقي - بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف - أبي شبل - بكسر المعجمة وسكون الموحدة - المدني، صدوق ربما وهم، من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين ومئة (133 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني مولى الحرقة - بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف - ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(م عم).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو هريرة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلب الشيخ) وهو من جاوز أربعين سنة (شاب) أي: حريص قوي (في حب اثنتين) أي: خصلتين: (في حب الحياة) وطول العمر (و) في حب (كثرة المال) وفي الحديث ذم الأمل والحرص.

وفي "الكوكب": (قلب الشيخ) لا جسمه (شاب) أي: قوي مستمر (على حب اثنتين؛ أي: خصلتين؛ أي: ملازم له؛ يعني: قلب الشيخ كامل الحب لشيئين، وتستمر عليه لا يفارقه حبهما (حب الحياة) وطول العمر (و) حب (كثرة المال) وأخرج البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة بزيادة

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

في أوله قال: (إن ابن آدم يضعف جسمه، وينحل لحمه، وقلبه شاب). انتهى.

والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص، وبعد الأمل الذي في الشاب أكثر وبهم أليق؛ لكثرة الرجاء عادةً في طول أعمارهم، ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا.

قال القرطبي: في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال، وأن ذلك ليس بمحمود.

وقال غيره: الحكمة بالتخصيص بهذين الأمرين: أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه، فهو راغب في بقائها، فأحب لذلك طول العمر، وأحب المال؛ لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبًا طول العمر، فكلما أحس بقرب نفاد ذلك .. اشتد حبه له، ورغبته في دوامه. انتهى "فتح الملهم".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة .. فقد أعذر الله إليه في العمر، ومسلم في كتاب الزكاة، باب كراهة الحرص على الدنيا، والترمذي في كتاب الزهد، باب في قلب الشيخ شاب على اثنتين.

وهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث ابن مسعود.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأنس رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 71

(24)

- 4177 - (4) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَال، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ".

===

(24)

- 4177 - (4)(حدثنا بشر بن معاذ) العقدي - بفتح المهملة والقاف - أبو سهل البصري (الضرير) صدوق، من العاشرة، مات سنة بضع وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(ت س ق).

(حدثنا أبو عوانة) الوضاح - بتشديد المعجمة ثم مهملة - ابن عبد الله اليشكري - بالمعجمة - الواسطي البزاز مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من السابعة، مات سنة خمس أو ست وسبعين ومئة (176 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهرم ابن آدم) - بفتح الراء - لأنه من باب فرح؛ أي: يشيب جسمه ويضعف؛ لكبر سنه (وتشب منه) أي: تَقْوَى (منه) أي: من ابن آدم (اثنتان) أي: خصلتان.

قوله: (تَشِبُّ منه) - بكسر الشين المعجمة وتشديد الموحدة - من باب حَنَّ وعَنَّ؛ أي: ينمو ويقوى من أخلاقه وخصاله اثنتان (الحرص على المال) أي: شدة الرغبة في المال (والحرص على العمر) أي: شدة الرغبة في طول الحياة.

وإنما لم تنكسر منه هاتان الخصلتان؛ لأن الإنسان مجبول على حب الشهوات؛ كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ

} الآية (1).

(1) سورة آل عمران: (14).

ص: 72

(25)

- 4178 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِم، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

===

والشهوة إنما تنال بالمال، وطول العمر، (الحرص على الحياة) هذا يعم غالب الشيوخ؛ لأن الصالح منهم قد جرب نفع الحياة، فهو يريد الآخرة، وغيره لا يريد فراق الدنيا بعد أن استأنس بها مدة مديدة. انتهى "سندي".

(وكثرة المال) هذا لغير الزاهدين أيضًا؛ فإن الشيخ منهم قد جرب منافع المال في أوقات الحاجة، ويصير في معرض الحاجة إليه؛ لأنه يحتاج إلى الخدمة، فلا تتيسر له إلا بالمال، فذلك يحبه حبًّا شديدًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، ومسلم في كتاب الزكاة، والترمذي في كتاب الزهد.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث ابن مسعود.

* * *

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(25)

- 4178 - (5)(حدثنا أبو مروان العثماني) محمد بن عثمان بن خالد الأموي المدني، نزيل مكة صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(س ق).

(حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه، من الثامنة، مات سنة أربع وثمانين ومئة (184 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الحرقي أبي شبل المدني، صدوق

ص: 73

عَنْ أَبِيه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ .. لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ نَفْسَهُ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ".

===

ربما وهم، من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين ومئة (133 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، من الثالثة. يروي عنه:(م عم).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أن لابن آدم واديين) مملوءين (من مال) وفي رواية (من ذهب) وفي أخرى: (من فضة وذهب) ذكره المناوي.

(لأحب) وابتغى وطلب (أن يكون) له (معهما) أي: مع الواديين اللذين أعطيهما واد (ثالث) يضمه إليهما؛ لشدة حرصه على المال.

وفي "المشارق": زيادة لفظة: (إليهما) بعده، وفي رواية:(لابتغى أن يكون له ثالث) وهَلُمَّ جرًّا؛ والابتغاء: هو الطلب.

وجملة قوله: (ولا يملأ نفسه) أي: جوفه (إلا التراب) أي: إلا تراب قبره .. مستأنفة استئنافًا بيانيًا؛ يعني: أنه لا يزال حريصًا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره. انتهى "نواوي".

وها هنا نكتة، وهي أن في ذكر ابن آدم دون الإنسان من المحسنات اللفظية البديعية؛ تلويحًا وإشارةً خفية إلى أنه مخلوق من التراب، ومن طبيعته القبض واليبس، وإزالته ممكنة؛ بأن يمطر الله تعالى عليه من تمام توفيقه؛ كما يدل عليه قوله في الحديث:(ويتوب الله) أي: ويقبل الله (على من تاب)

ص: 74

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أي: يقبل الله توبة من تاب إليه من حرصه؛ فإنه في موضع إلا من عصمه الله تعالى، أفاده ابن الملك.

وقال النووي: معناه: أن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من التائب عن حرصه المذموم، وعن غيره من المذمومات.

وفي بعض الروايات المذكورة في مسلم: (ولن يملأ فاه) وفي أخرى: (ولا يملأ نفس ابن آدم) قال الكرماني: ليس الحقيقة في عضو بعينه؛ بقرينة عدم الانحصار في التراب؛ إذ غيره يملؤه أيضًا، بل هو كناية عن الموت؛ لأنه مستلزم للامتلاء؛ لأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت.

فالغرض من العبارات كلها واحد؛ وهي من التفنن في العبارة.

قلت: وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت .. فهو من تصرف الرواة، كذا في "الفتح".

قوله: "إلا التراب" أي: تراب قبره؛ ففيه تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ على أنَّ البُخْلَ المورث للحرص مركوز في جملة الإنسان.

قال الحافظ: ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكر التراب دون غيره: أن المرء لا ينقضي طمعه حتى يموت، فإذا مات كان من شأنه أن يدفن، فإذا دفن .. صُبَّ عليه التراب، فملأ جوفه وفاه وعينيه، ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره، وأما بالنسبة إلى الفم .. فلكونه الطريق في الوصول إلى الجوف.

قوله: "ويتوب الله على من تاب" أي: إن الله يقبل التوبة من الحريص؛ كما يقبلها من غيره.

قيل: وفيه إشارة إلى ذم الاستكثار من جمع المال، وتمني ذلك، والحرص عليه؛ للإشارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب.

ص: 75

(26)

- 4179 - (6) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

===

ويحتمل: أن يكون تاب بالمعنى اللغوي؛ وهو مطلق الرجوع؛ أي: رجع عن ذلك الفعل والتمني.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه؛ كما في "تحفة الأشراف"، ولكن له شاهد في "الصحيحين" من حديث أنس بن مالك.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شاهدًا من حديث أنس المذكور هنا وفي "الصحيحين"، وغرضه: الاستشهاد به لحديث ابن مسعود.

* * *

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(26)

- 4179 - (6)(حدثنا الحسن بن عرفة) بن يزيد العبدي أبو علي البغدادي، صدوق، من العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(ت س ق).

(حدثني عبد الرحمن بن محمد) بن زياد (المحاربي) أبو محمد الكوفي، لا بأس به، وكان يدلس، قاله أحمد، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

ص: 76

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ".

===

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الرحمن المحاربي، ودرجته: أنه لا بأس به.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): إن (أعمار أمتي) قيل: معناه: آخر عمر أمتي ابتداؤه (ما بين الستين) سنة، وما فوقها (إلى) تمام (السبعين) سنة؛ معناه: ابتداء ذلك الآخر: ستون سنة، وانتهاؤه: سبعون سنة (وأقلهم) أي: قليل منهم (من يجوز) أي: من يجاوز (ذلك) أي: سبعين سنةً.

والعمر: مدة أجلها الله تعالى لعباده في دار الفناء لا ينقص ولا يزيد. انتهى من "المبارق" كما مر.

وقوله: "وأقلهم" خبر مقدم، وقوله:"من يجوز ذلك" مبتدأ مؤخر؛ والمعنى: ومن يجاوز ذلك؛ أي: سبعين سنةً قليل فيهم؛ أي: في أمتي.

وهذا الحديث علم من أعلام النبوة، هذا ما ظهر للفهم السقيم.

وهذا الحديث محمول على الغالب؛ بدليل شهادة الحال، فمنهم من لا يبلغ ستين، ومن يجوز سبعين، ذكره الطيبي (9/ 349).

قال السندي: وفي الحديث حذف؛ تقديره: أعمار المعمر من أمتي ما بين الستين وما فوقها إلى السبعين، ومن يجاوز السبعين قليل فيهم.

ولفظ "الترمذي مع شرحه": (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين) قيل: معناه: آخر عمر المعمر من أمتي ابتداؤه إذا بلغ ستين سنة، وانتهاؤه سبعون سنة، وقل من يجوز سبعين سنة، وهذا محمول على الغالب؛ بدليل شهادة الحال؛ فإن منهم من لا يبلغ ستين سنة، ومنهم من يجاوز سبعين، ذكره الطيبي رحمه الله تعالى.

ص: 77

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا: وفيه أن اعتبار الغلبة في جانب الزيادة على سبعين واضح جدًّا، وأما كون الغالب في آخر عمر الأمة ستين سنة في غاية من الغرابة المخالفة؛ لما هو ظاهر في المشاهدة .. فالظاهر أن المراد به: أن عمر الأمة من سن المحمود الوسط المعتدل الذي مات فيه غالب الأمة .. ما بين العددين؛ أعني: الستين والسبعين؛ منهم: سيد الأنبياء، وأكابر الخلفاء؛ كالصديق والفاروق والمرتضى وغيرهم من العلماء والأولياء، ممن يصعب فيه الاستقصاء. انتهى.

وقال الحافظ في "الفتح" بعد ذكر هذا الحديث: قال بعض الحكماء: الأسنان أربعة: سن الطفولة، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة؛ وهي آخر الأسنان، وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين، فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط، فينبغي له الإقبال على الآخرة بالكلية؛ لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة. انتهى.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قلت: والصواب: أنه حسن لسنده، صحيح بغيره؛ لأن له شواهد من حديث أبي هريرة وغيره، أخرجه أبو يعلى وغيره، وغرضه: الاستشهاد به خامسًا لحديث ابن مسعود.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ستة أحاديث:

الأول منها للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 78