الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) - (1510) - بَابُ صِفَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
(72)
- 4225 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَرِدُونَ عَليَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوء،
===
(12)
- (1510) - (باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم
(72)
- 4225 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة ثبت له تصانيف، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني - بسكون الميم - أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وثمانين ومئة (184 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي مالك الأشجعي) سعد بن طارق الكوفي، ثقة، من الرابعة، مات في حدود الأربعين ومئة (140 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي، ثقة، من الثالثة، مات على رأس المئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تردون) أنتم أيتها الأمة المحمدية (عليَّ) يوم القيامة عند الحوض؛ لتشربوه حالة كونكم (غر) الوجوه (محجلين) الأيدي والأرجل (من) آثار ماء (الوضوء).
سِيمَاءُ أُمَّتِي لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهَا".
===
قوله: (غرًا) جمع أغر؛ أي: بيض الوجوه (محجلين) أي: بيض الأيدي والأرجل، تلك (سيماء أمتي) أي: علامات أمتي يتميزون بها عن سائر الأمم (ليسـ) ـت تلك العلامة (لأحد) من الأمم (غيرها) أي: غير أمتي (والسيماء) يمد ويهمز، ويقصر ويترك همزه؛ كما في القران الكريم لغتان فيه، ويقال فيه أيضًا: السيمياء بياء بعد الميم مع المد؛ وهي على كل اللغات: العلامة التي تميز الشيء عن غيره.
وهذ الحديث نص صريح على أن (الغرة) و (التحجيل) من خواص هذه الأمة، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم:"هذا وضوئي ووضوء من قبلي" رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 80) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما؛ لأن الخصوصية بالغرة والتحجيل لا بالوضوء، وهما فضل من الله تعالى يخص به من يشاء من عباده. انتهى من "المفهم"، وعبارة النووي هنا: وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة.
وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًا بهم، وإنما الذي اختصت به هذه الأمة (الغرة) و (التحجيل) واحتجوا بحديث:"هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي".
وأجاب الأولون عن هذا الحديث بجوابين؛ أحدهما: أنه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به على ما قالوا، والثاني: لو صح .. احتمل أن يكون الأنبياء اختصت بالوضوء دون أممهم، إلا هذه الأمة، والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الإمام مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.
(73)
- 4226 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
===
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
قال السندي: قوله: (غرًا) جمع أغر من الغرة؛ وهو بياض الوجه؛ يريد: بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة.
قوله: (محجلين) أي: بيض الأطراف من اليدين والرجلين (من الوضوء) أي: آثار الوضوء أو لأجل الوضوء (سيماء أمتي) السيماء: العلامة التي تميزهم عن غيرهم من الأمم؛ يريد: أن هذا مخصوص بأمته صلى الله عليه وسلم، وقد سبق في حلنا آنفًا ما فيه من الاختلاف بينهم.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(73)
- 4226 - (2)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري، ربيب شعبة الملقب بغندر، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري إمام أئمة الجرح والتعديل، ثقة متقن، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي، ثقة، من
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: "أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ:"أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ "، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛
===
الثالثة، مات سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن عمرو بن ميمون) الأودي أبي عبد الله الكوفي، ثقة عابد مخضرم مشهور، من الثانية. مات سنة أربع وسبعين (74 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) عبد الله: (كنا) معاشر الصحابة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة) من أدم؛ كما هو مصرح به في الرواية الآتية في "مسلم" أي: في خيمة من جلد مدبوغ، قال ابن الكلبي: بيوت العرب ستة أنواع:
قبة من أدم، وأبنية من حجر، وخيمة من شجر، ومظلة من شعر، وبجاد من وبر، وخباء من صوف.
وفي رواية مسلم زيادة: (نحوًا من أربعين رجلًا).
(فقال) رسول صلى الله عليه وسلم: (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ ) قال عبد الله: (قلنا) له صلى الله عليه وسلم في جواب استفهامه: (بلى) ترضى ذلك يا رسول الله، فـ (قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيًا:(أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ ) فـ (قلنا) له: (نعم) نرضى ذلك، فـ (قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيًا:(والذي نفسي بيده؛ إني لأرجو) وأطمع (أن تكونوا نصف أهل الجنة).
وَذَلِكَ أَنَ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَد، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ".
===
قوله: (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة) قال ابن التين: ذكره بلفظ الاستفهام؛ لإرادة تقرير البشارة بذلك، وذكره بالتدريج؛ ليكون أعظم لسرورهم قوله:(قلنا: بلى) وفي رواية لمسلم: (فكبرنا) في الموضعين، وفي حديث أبي سعيد عند البخاري:(فحمدنا الله وكبرنا).
قوله: (أن تكونوا نصف أهل الجنة) لم يقل هذا أولًا، لكون ذلك أوقع في نفوسهم، وأبلغ في إكرامهم؛ فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به، ودوام ملاحظته.
وفيه فائدة أخرى: وهي تكرير البشارة مرة بعد أخرى، وكرة بعد الأولى.
وفيه أيضًا: حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه، ثم إنه قد ثبت في الحديث الآخر أن أهل الجنة عشرون ومئة صف، هذه الأمة منها ثمانون صفًا، وهذا يدل على كونهم ثلثي أهل الجنة، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أولًا بحديث الشطر، ثم تفضل الله تعالى بالزيادة، فأعلم بحديث الصفوف، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة؛ كحديث جماعة الصلاة ونحوه.
(وذلك) أي: سبب طمعي كونكم نصف أهل الجنة (أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة) أي: منقادة لأوامر الشرع ونواهيه (وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء) أي: إلا كنسبة الشعرة البيضاء إلى الشعر الأسود (في جلد الثور الأسود) في القلة (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي: (كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) بدل الأسود؛ والمراد بالأحمر هنا:
(74)
- 4227 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ
===
الأبيض؛ كما في حديث: "بعثت إلى الأحمر والأسود" وفي رواية: (وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة) وفي رواية (ما أنتم فيما سواكم من الأمم) وهذا الحديث نص صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلًا، وهذا النص على عمومه بإجماع المسلمين، وكلمة (أو) في قوله:"أو كالشعرة السوداء" قال القاري: الظاهر أن (أو) للتخيير في التعبير، وتحتمل أن تكون للشك. انتهى.
قال ابن التين: أطلق الشعرة، وليس المراد: حقيقة الواحدة؛ لأنه لا يكون ثور ليس في جلده إلا شعرة واحدة من غير لونه. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، باب الحشر، وفي كتاب الإيمان والنذور، باب كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم في كتاب الأيمان، باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة، والترمذي في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة أهل الجنة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن عمران بن حصين وأبي سعيد الخدري.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(74)
- 4227 - (3)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).
وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ، وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَان، وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلُّ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟ فَيَقُولُ:
===
(وأحمد بن سنان) بن أسد بن حبان - بكسر المهملة بعدها موحدة - أبو جعفر القطان الواسطي، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة تسع وخمسين ومئتين (259 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(خ م د س ق).
كلاهما (قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) سليمان (الأعمش) الكوفي الكاهلي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي صالح) ذكوان السمان القيسي، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء النبي) من أنبياء الله تعالى إلى الموقف (يوم القيامة ومعه الرجل، ويجيء النبي و) الحال أنه (معه الرجلان) من قومه ممن آمن به (ويجيء النبي) الآخر (و) الحال أنه (معه الثلاثة) من قومه ممن آمن به، أ (و) معه (أكثر من ذلك) أي: من الثلاثة، أ (و) معه (أقل) من ذلك (فيقال له) أي: لذلك النبي من جهة الله: (هل بلغت قومك) ما أرسلتك به إليهم؟ (فيقول) ذلك النبي المسؤول:
نَعَمْ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ: هَلَ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيُقَالُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتُدْعَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: وَمَا عِلْمُكُمْ بِذلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا بِذلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا فَصَدَّقْنَاهُ،
===
(نعم) يا رب؛ بلغته إليهم (فيدعى قومه) أي: قوم ذلك النبي (فيقال) لهم من جهة الله: (هل بلغكم) نبيكم ما أرسلته به إليكم؟ (فيقولون) أي: فيقول قومه للرب جل جلاله: (لا) أي: ما بلغه إلينا.
(فيقال) من جهة الله لذلك النبي الذي أنكروه قومه تبليغه إليهم: (من يشهد لك) أيها النبي تبليغك إليهم ما أرسلت به إليهم؟ (فيقول) ذلك النبي الذي أنكروا تبليغه إليهم: يشهد لي يا رب على تبليغي (محمد) صلى الله عليه وسلم (وأمته، فتدعى) عند ذلك (أمة محمد، فيقال): من جهة الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم: (هل بلغ) إلى أمته (هذا) النبي الذي أنكر قومه تبليغه إليهم؟ (فيقولون) أي: فيقول أمة محمد صلى الله عليه وسلم للرب جل جلاله: (نعم) بلغ هذا النبي ما أرسلته به إليهم، فهم كاذبون في إنكارهم تبليغه إليهم.
(فيقول) الرب جل جلاله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم: (وما) سبب (علمكم بذلك) أي: بتبليغه إليهم رسالتي وأنتم متأخرون عنهم في الزمن؟ (فيقولون) أي: فيقول أمة محمد للرب: (أخبرنا نبينا) محمد صلى الله عليه وسلم (بذلك) أي: بتبليغ ذلك النبي إلى أمته ما أمر بتبليغه إليهم.
وقوله: (أن الرسل
…
) إلى آخره .. بدل من اسم الإشارة، بدل كل من بعض، وقد جوزه بعض النحاة؛ أي: أخبرنا نبينا بأن الرسل (قد بلغوا) إلى أممهم ما أمروا بتبليغهم (فصدقناه) أي: فصدقنا نبينا صلى الله عليه وسلم
قَالَ: فَذَلِكُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ".
===
فيما أخبرنا به من تبليغ الرسل إلى أممهم برسالة ربهم.
ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذلكم) أي: فشاهد ذلكم الذي قلته لكم ومصداقه (قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ}) يا أمة محمد ({أُمَّةً وَسَطًا}) أي: أمة عدولًا خيارًا ({لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}) أي: على من قبلكم من الكفار أن رسلهم بلغتهم ما أرسلوا به إليهم ({وَيَكُونَ الرَّسُولُ}) أي: رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم، واللام للعوض عن المضاف، أو اللام للعهد؛ والمراد به: رسول الله صلى الله عليه وسلم ({عَلَيْكُمْ شَهِيدًا})(1) أنه بلغكم والمقصود من هذه الشهادة: إظهار فضلهم بين الأمم، وإلا .. فكفى بالله شهيدًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} (2) وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، في باب {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث رفاعة الجهني رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(1) سورة البقرة: (143).
(2)
سورة هود: (25).
(75)
- 4228 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،
===
(75)
- 4228 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا محمد بن مصعب) بن صدقة القرقساني - بقافين ومهملة - صدوق كثير الغلط، من صغار التاسعة، نزيل بغداد، مات سنة ثمان ومئتين (208 هـ). يروي عنه:(ت ق). قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: لا بأس به، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه، فقال: صدوق، وقال صالح بن محمد: عامة أحاديثه عن الأوزاعي مقلوبة، وقال ابن قانع: ثقة، فهو مختلف فيه، يرد السند من الصحة إلى الحسن.
(عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، ثقة إمام عالم الشام وفقيهها، ثقة، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن هلال بن أبي ميمونة) ويقال له: هلال بن أسامة، ويقال له: هلال بن أبي هلال العامري المدني، وقد ينسب إلى جده، ثقة، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومئة (113 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني، ثقة فاضل صاحب مواعظ
عَنْ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: صَدَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ مَا مِنْ عَبْدٍ يُؤْمِنُ ثُمَّ يُسَدِّدُ .. إِلَّا سُلِكَ بِهِ فِي الْجَنَّة، وَأَرْجُو أَلَّا يَدْخُلُوهَا حَتَّى تَبَوَّءُوا أَنْتُمْ.
===
وعبادة، من صغار الثانية، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ)، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن رفاعة) بن عَرابة - بفتح المهملة والراء والموحدة - (الجهني) المدني صحابي رضي الله تعالى عنه، له حديث واحد وهو هذا الحديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه: عطاء بن يسار، ويروي عنه:(س ق).
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه راويًا مختلفًا فيه، وهو محمد بن مصعب.
(قال) رفاعة: (صدرنا) أي: رجعنا من غزو أو سفر (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده) المقدسة (ما من عبد يؤمن) بالله وبرسوله (ثم يُسدِّدُ) أي: يستقيم على طريق الرشاد؛ فلا يغلو ولا يسرف .. (إلا سُلِك به) وأدخل (في الجنة).
وقوله: (يؤمن) بالبناء للفاعل، وكذا قوله:(ثم يسدد) بالبناء للفاعل، والجملة في الموضعين صفة و (عبد).
وقوله: (سلك) بالبناء للمفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ؛ والتقدير: ما من عبد مؤمن، ثم مستقيم على الطريقة الإسلامية، إلا مسلوك به في مسلك الجنة (وأرجو) أي: وأطمع من الله سبحانه (ألا بدخلوها) أي: ألا يدخل الأمم السابقة الجنة؛ أي: مؤمنوهم الجنة (حتى تبوَّءوا) أي: حتى تتخذوا وتنزلوا (أنتم) يا أمتي منازلكم ومأواكم من الجنة، وتستقروا فيها قبل
وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ذَرَارِيِّكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّة، وَلَقَدْ وَعَدَنِي رَبِّي عز وجل أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ ألْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ".
===
دخولهم الجنة وتزاحُمِهم عليكم؛ أي: حتى تتخذوا (و) يتخذ (من صلح) وآمن (من ذراريكم) وأولادكم (مساكن في الجنة، و) إنما قلت ذلك، لأن الله عز وجل (لقد وعدني) وأخبرني (ربي) وعد الحق (عز) كماله (وجل) ثناؤه (أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب) أي: بغير محاسبتهم على أعمالهم ولا مقدار فيما أعطاهم.
قال البوصيري: هذا إسناد فيه مقال؛ لأن محمد بن مصعب قال فيه صالح بن محمد البغدادي: ضعيف فيما رواه عن الأوزاعي، وعامة أحاديثه عن الأوزاعي مقلوبة.
قلت: لم ينفرد به محمد بن مصعب، وقد رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" عن يحيى بن حمزة عن الأوزاعي، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث رفاعة أيضًا، ورواه أبو داوود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن حبان في "صحيحه" كلهم من طريق يحيى بن أبي كثير، فذكروه مطولًا؛ كما أوردته في "زوائد المسانيد العشرة"، وأخرجه أيضًا ابن خزيمة في "التوحيد" فإسناده: صحيح على شرط الشيخين.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه عن أصحاب الأمهات الخمس، ودرجته: أنه صحيح؛ لأن له شاهدًا صحيحًا، وإن كان سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(76)
- 4229 - (5) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "وَعَدَنِي رَبِّي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ
===
(76)
- 4229 - (5)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ خطيب، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا إسماعيل بن عياش) بن سليم - مصغرًا - العنسي - بالنون - أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومئة (182 هـ). يروي عنه:(عم).
(حدثنا محمد بن زياد الألهاني) - بفتح الهمزة وسكون اللام - أبو سفيان الحمصي، ثقة، من الرابعة. يروي عنه:(خ عم).
(قال) ابن زياد: (سمعت أبا أمامة الباهلي) صُدَيَّ بن عجلان - بضم الصاد المهملة مصغرًا - الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، سكن الشام، ومات بها سنة ست وثمانين (86 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، ولا يقدح فيه إسماعيل بن عياش؛ لأنه روى عن أهل بلده، فهو فيهم ثقة، مخلط في غيرهم.
(يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وعدني ربي سبحانه) وتعالى؛ أي: أخبرني خبرًا سارًا، ووعدني وعدًا صادقًا لا خلف فيه؛ بـ (أن يدخل الجنة) من الإدخال (من أمتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم) ولا مناقشة في أعمالهم (ولا عذاب) على أعمالهم (مع كل ألف) من الألوف المذكورة
سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُ حَثَيَالب مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عز وجل".
(77)
- 4230 - (6) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ الرَّمْلِيُّ
===
(سبعون ألفًا) من غيرهم (وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل.
قوله: (وثلاث حثيات) يحتمل: الرفعُ عطفًا على (سبعون) والنصب على أنه عطف على (سبعين) والأول أقرب لفظًا، وأبلغ معنىً، ولعله إن شاء الله هو المراد، والله أعلم.
وقال السيوطي: قال في "النهاية": هو كناية عن المبالغة في الكثرة، وإلا .. فلا كَفَّ ولا حثي، جل عن ذلك وعز. انتهى.
قلت: وقد جاء: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (1)، فهذه مثل ذلك الحديث، ولا يخفى أن هذه الآية تقتضي أن حثية واحدة تكفي لتمام الأمة، ولعل في تعداد الحثيات تشريفًا للأمة، والله أعلم. انتهى "سندي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (12)، وقال: هذا حديث حسن غريب.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(77)
- 4230 - (6)(حدثنا عيسى بن محمد بن النحاس) بن إسحاق أبو عمير بن النحاس - بمهملتين - (الرملي) ويقال: اسم جده عيسى، ثقة
(1) سورة الزمر: (67).
وَأَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيه، عَنْ جَدِّهِ
===
فاضل، من صغار العاشرة، مات سنة ست وخمسين ومئتين (256 هـ) وقيل بعدها. يروي عنه:(د س ق).
(وأيوب بن محمد) بن زياد الوزان أبو محمد (الرقي) مولى ابن عباس، ثقة، من العاشرة، وذكر الشيرازي أنه هو الذي يلقب بالقُلْب - بضم القاف وسكون اللام - مات سنة تسع وأربعين ومئتين (249 هـ). يروي عنه:(د س ق).
كلاهما (قالا: حدثنا ضمرة بن ربيعة) الفلسطيني أبو عبد الله أصله دمشقي، صدوق يهم قليلًا، من التاسعة، مات سنة اثنتين ومئتين (202 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن) عبد الله (بن شوذب) الخراساني أبي عبد الرحمن، سكن البصرة ثم الشام، صدوق عابد، من السابعة، مات سنة ست أو سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن بهز بن حكيم) بن معاوية القشيري أبي عبد الملك، صدوق، من السادسة، مات قبل الستين ومئة. يروي عنه:(عم).
(عن أبيه) حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، صدوق، من الثالثة. يروي عنه:(عم).
(عن جده) معاوية بن حيدة بن معاوية بن كعب القشيري الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، نزل البصرة ومات بخراسان، وهو جد بهز بن حكيم. يروي عنه:(عم).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: قيل: الحسن؛ لأن فيه ضمرة بن
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نُكْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ أُمَّةً نَحْنُ آخِرُهَا وَخَيْرُهَا".
===
ربيعة، واتفقوا على توثيقه، ولكن خطأه أحمد في حديث واحد؛ وذلك أن ضمرة بن ربيعة روى عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر حديث:(من ملك ذا رحم محرم .. فهو عتيق) فأنكره عليه أحمد ورده ردًّا شديدًا، وقال: لو قال رجل: إن هذا كذب .. لما كان مخطئًا.
وأخرجه الترمذي، وقال: لا يتابع ضمرة على هذا الحديث، وهذا الحديث خطأ عند أهل الحديث، ولذلك قال أهل الحديث: ضمرة مختلف فيه، فيقدح في السند، فيكون حكم هذا السند: الحسن.
وقيل: حكمه: الصحة؛ لأنه وَهْمٌ قليلٌ لا يَقْدَحُ فيه، فيكون السند صحيحًا، والله أعلم.
(قال) معاوية بن حيدة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نُكمل) من الإكمال والتكميل؛ والمراد بالإكمال: الختم، وفي رواية:(أنتم تتمون يا أمتي)(يوم القيامة سبعين أمة) أي: مكملين لها سبعين ومتممين عددها؛ أي: جاعلين إياها سبعين و (نحن آخرها) إيجادًا وخلقًا في الدنيا (وخيرها) أي: أفضلها وأرفعها عند الله منزلة ومرتبة ودرجة عنده تعالى وشرفًا؛ أي: سبق قبلكم في الدنيا تسع وستون أمة؛ كأمة نوح وأمة هود وأمة صالح وأمة موسى، وأنتم آخرها وجودًا وأفضلها منزلة؛ أي: يتم بكم عدد السبعين؛ أي: كنتم خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب التفسير، باب ومن سورة آل عمران.
(78)
- 4231 - (7) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيه، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
===
ودرجته: أنه حسن أو صحيح؛ لكون سنده كذلك؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لمعاوية بن حيدة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(78)
- 4231 - (7)(حدثنا محمد بن خالد بن خداش) المُهَلِّبي - بتشديد اللام المكسورة - أبو بكر البصري نزيل بغداد الضرير، صدوق يغرب، من صغار العاشرة. يروي عنه:(ق).
(حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري، المعروف بي (ابن علية) اسم أمه الأسدية أيضًا، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن بهز بن حكيم) بن معاوية القشيري البصري، صدوق، من السادسة، مات بعد الستين ومئة. يروي عنه:(عم).
(عن أبيه) حكيم بن معاوية القشيري البصري، صدوق، من الثالثة. يروي عنه:(عم).
(عن جده) معاوية بن حيدة الصحابي الفاضل نزيل البصرة رضي الله تعالى وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة، لأن رجاله ثقات.
(قال) معاوية بن حيدة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إِنَّكُمْ وَفَّيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ".
===
إنكم) أيتها الأمة المحمدية (وفيتم) أي: أتممتم وكملتم عدد الأمم التي قبلكم كاملين وافين عددهم مكملين لهم (سبعين أمة) أي: ستكملون عدد فرقهم يوم القيامة سبعين فِرقةً و (أنتم) أي: والحال أنكم أيتها الأمة المحمدية (خيرها) أي: خير تلك السبعين نفعًا لأنفسهم ولغيرهم (وأكرمها) أي: أشرفها (على الله) سبحانه؛ أي: عند الله؛ أي: أرفع تلك السبعين عند الله تعالى من حيث النفع والانتفاع في الدنيا والآخرة.
وفي الحديث دلالة على أن المراد بقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} أمة النبي صلى الله عليه وسلم عامة.
قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم، فقال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: كنتم خير أمة أخرجت للناس، قال:(كنتم خير الناس للناس) أي: تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا الإسلام، وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يعني: خير الناس للناس؛ والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال:{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1).
وروى أحمد في "مسنده"، والنسائي في "سننه"، والحاكم في "مستدركه" عن ابن عباس في قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، قال: هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
والصحيح: أن هذه الآية عامة في جميع الأمة، كل قرن بحسبه، وخير القرون
(1) سورة آل عمران: (110).
(79)
- 4232 - (8) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ
===
الذين بعث فيهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم؛ كما قال في الأخرى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي: خيارًا {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} الآية (1).
إنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم صلوات الله وسلامه عليه؛ فإنه أشرف خلق الله، وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله تعالى بشرع كامل عظيم لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل، فالعمل القليل على سبيله ومنهاجه يقوم؛ أي: يحصل بالقليل منه ثواب ما لا يقوم بالعمل الكثير من أعمال غيرهم. انتهى كلام الحافظ ابن كثير ملخصًا.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، وهو مكرر مع الحديث الذي قبله، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث أبي هريرة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(79)
- 4232 - (8)(حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري) البصري مستملي أبي عاصم، من الحادية عشرة، ويُلَقَّبُ بِدْعَةً - بكسر الموحدة وسكون المهملة - ثقة حافظ، مات سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(عم).
(حدثنا حسين بن حفص) بن الفضل بن يحيى الهمداني - بسكون الميم -
(1) سورة البقرة: (143).
الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ؛ ثَمَانُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ".
===
(الأصبهاني) القاضي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة عشر أو إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(م ق).
(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام حجة، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن علقمة بن مرثد) - بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة - الحضرمي أبي الحارث الكوفي، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(ع).
(عن سليمان بن بريدة) بن الحُصَيْب الأسلمي المروزي قاضيها، ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس ومئة (105 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبيه) بريدة بن الحُصَيْب - بالتصغير فيهما - قيل: اسمه عامر، وبريدة لقبه، أبي سهل الأسلمي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، أسلم قبل بدر، مات سنة ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة عشرون ومئة صف) أي: مقدارها؛ أي: لو جعلوا صفوفًا .. لكانت صفوفهم مقدار هذا العدد (ثمانون) منها؛ أي: من تلك الصفوف كائنون (من هذه الأمة) المحمدية (وأربعون) منها (من سائر الأمم) وباقيها، فتكون هذه الأمة ثلثي أهل الجنة؛ والمقصود: بيان كثرة هذه الأمة في الجنة، وأنهم ثلثان في القسمة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال الطيبي: فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا وبين ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده؛ أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة"، فكبرنا، فقال صلى الله عليه وسلم:"أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة"، فكبرنا، فقال صلى الله عليه وسلم:"أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة".
قلت: يحتمل: أن يكون الثمانون صفًّا مساويًا في العدد لأربعين صفًّا، وأن يكونوا كما زاد على الربع والثلث .. يزيد على النصف؛ كرامة له صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ عبد الحق في "اللمعات": لا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" لأنه يحتمل أن يكون رجاؤه صلى الله عليه وسلم ذلك، ثم زيد وبشر من عند الله بالزيادة بعد ذلك، وأما قول الطيبي:(يحتمل الثمانون صفًّا مساويًا لأربعين صفًّا) .. فبعيد؛ لأن الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة عشرون ومئة صف" .. أن تكون الصفوف متساوية، والله أعلم. انتهى، انتهى "تحفة الأحوذي".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، ومنهم من قال: عن سليمان بن بريدة عن أبيه مرفوعًا، وأحمد في "المسند".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في "جامعه"، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة، وله شواهد أخر؛ منها: حديث ابن مسعود بنحوه وأتم منه، ومنها: حديث ابن عباس؛ كما سيأتي للمؤلف، ومنها: حديث أبي موسى؛ كما سيأتي أيضًا، أخرجهما الطبراني والحاكم؛ كما في "الجامع الصغير" و"التحفة".
(80)
- 4233 - (9) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
===
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثامنًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(80)
- 4233 - (9)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد الذهلي النيسابوري، ثقة متقن، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا أبو سلمة) موسى بن إسماعيل المنقري - بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف - التَّبُوذَكي - بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو - مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومئتين (223 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار البصري أبو سلمة، ثقة ثبت، من أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بأخرة، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن سعيد بن إياس الجريري) - بضم الجيم مصغرًا - أبي مسعود البصري، ثقة، من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي نضرة) - بفتح النون وسكون المعجمة - المنذر بن مالك بن قُطَعة - بضم القاف وفتح المهملة - العبدي العَوَقي - بفتح المهملة والواو ثم
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ؛ يُقَالُ: أَيْنَ الْأُمَّةُ الْأُمِّيَّةُ وَنَبِيُّهَا؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ".
===
قاف - البصري مشهور بكنيته، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومئة (109 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نحن) معاشر الأمة المحمدية (آخر) جميع (الأمم) خلقًا في الدنيا (وأول من يحاسب) على أعماله يوم القيامة؛ لنقدم على سائر الأمم في دخول الجَنَّة فـ (يقال) يوم القيامة من جهة الله عز وجل عند إرادة الله محاسبة الخلائق على أعمالهم؛ ليدخلهم الجَنَّة: (أين الأمة الأمية؟ ) أي: التي لا تقرأ، ولا تكتب الخط؛ لعدم الخط فيها؛ نسبة إلى الأم؛ لكونهم على حالة ولادة الأم.
(و) أين (نبيها) ليشهد لها؟ فإذا عرفتم ما ذكرته لكم .. (فـ) قد عرفتم (نحن) معاشر هذه الأمة (الآخرون) في الخلق والإيجاد في الدنيا (الأولون) في دخول الجَنَّة؛ لكرامة نبينا عند الله عز وجل، فنحن الأمة الأمية المتأخرة المتقدمة، فلله الحمد والشكر على جعلنا من هذه الأمة المشرفة في الدنيا والآخرة، وفيه قال بعضهم:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
…
سواك عند حلول الحادث العممِ
أي مَنْ أتشفَّعُ به إلى ربي؛ وهو مقام الشفاعة العظمى الذي ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز بقوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (1).
(1) سورة الضحى: (5).
(81)
- 4234 - (10) حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّس، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِر، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ
===
قال السندي: (نحن آخر الأمم) أي: وجودًا وبعثًا؛ يعني: وُجِدَ اليهود والنصاري، ثم المسلمون (الأولون)، أي: في الحساب ودخول الجَنَّة. انتهى "سندي".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، فقال:
(81)
- 4234 - (10)(حدثنا جبارة) بضم الجيم وبالموحدة (ابن المغلس) - بضم الميم وبالمعجمة المفتوحة وتشديد اللام المكسورة آخره مهملة - الحِمَّاني - بكسر المهملة وتشديد الميم - أبو محمد الكوفي، ضعيف، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور) الزهري مولاهم - أبو مسعود الجرار - بجيم وراءين - الكوفي نزيل المدائن، متروك كذبه ابن معين، من السابعة، مات بعد الستين ومئة. يروي عنه:(ق).
(عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري، قيل: اسمه الحارث، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة (104 هـ)، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن أبيه) أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي من أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه جبارة بن المغلس،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا جَمَعَ اللهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. أُذِنَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ فِي السُّجُودِ، فَيَسْجُدُونَ لَهُ طَوِيلًا، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ؛ قَدْ جَعَلْنَا عِدَّتَكُمْ فِدَاءَكُمْ مِنَ النَّارِ".
===
وهو متفق على ضعفه، وشيخه عبد الأعلى متروك ليس بحجة، قال البخاري: وهذا الحديث منكر.
(قال) أبو موسى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة) في عرصاتها .. (أذن لأمة محمد) - بضم الهمزة على صيغة المبني للمجهول - أي: أذن الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم (في السجود) لله (فيسجدون له) تعالى سجودًا (طويلًا) لا يعلم قدر طوله إلَّا الله سبحانه وتعالى (ثم) بعد سجودهم سجودًا طويلًا (يقال) لهم من جهة الله تعالى: (ارفعوا رؤوسكم) يا أمة محمد من السجود؛ فإنا (قد جعلنا عدتكم) أي: قدر عددكم من اليهود والنصارى والمشركين (فداءكم) أي: فداءً لكم (من) دخولكم (النار).
ليس المراد: أنهم يدخلون النار بمجرد أنهم فداء هذه الأمة، بل أنهم يدخلونها؛ لاستحقاقهم لذلك الدخول"، ويكتفى بدخولهم عن دخول هذه الأمة، فصاروا فداءً لهم. انتهى "س".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة بهذا اللفظ، ولكن رواه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي بردة أيضًا بغير هذا اللفظ، وقد أعله البخاري، فهذا الحديث انفرد به ابن ماجة.
فدرجته: أنه ضعيف (4)(436)؛ لضعف سنده، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
(82)
- 4235 - (11) حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّس، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَرْحُومَةٌ عَذَابُهَا بأَيْدِيهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ .. دُفِعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيُقَالُ:
===
ثم استشهد المؤلف تاسعًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(82)
- 4235 - (11)(حدثنا جبارة بن المغلس) الحِمَّاني أبو محمد الكوفي، ضعيف، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا كثير بن سليم) - مصغرًا - الضبي، ضعيف، من الخامسة، وهو غير كثير بن عبد الله الأيلي، ووهم ابن حبان فجعلهما واحدًا. يروي عنه:(ق).
(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من ثلاثياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه جبارة بن المغلس وهو متفق على ضعفه؛ كما مر آنفًا، وكذا شيخه كثير بن سليم متروك.
(قال) أنس بن مالك: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة) المحمدية (مرحومة) لشرف نبيها، لا ينزل بها عذاب الاستئصال والإعدام بالكلية، ولو طغت غاية الطغيان؛ إكرامًا لنبيها، بل (عذابها) خاص (بأيديها) أي: بأنفسها، فلا يعذبها الله العذاب العام والاستئصال بالكلية؛ كعذاب الأمم الماضية (فـ) لأجل كونها أمةً مرحومةً (إذا كان) وجاء (يوم القيامة .. دفع) - بالبناء للمفعول - أي: دفع الله عز وجل (إلى كلّ رجل) كائن (من المسلمين رجل) - بالرفع؛ نائب فاعل لدفع - أي: دفع الله تعالى كلّ رجل من المسلمين رجلًا (من المشركين، فيقال) أي: يقول الله سبحانه
هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ".
===
وتعالى لذلك المسلم: (هذا) المشرك الذي دفع إليك (فداؤك من) عذاب (النار).
قال السندي: قوله: (فداؤك) أي: إنه تعالى يعطي منزلك في النار إياه، ويعطي منزله في الجَنَّة إياك.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ولكن له شاهد من حديث أبي موسى الأشعري، أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، ولفظه:(إذا كان يوم القيامة .. دفع الله عز وجل إلى كلّ مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا، فيقول: هذا فكاكك من النار).
ولفظه مع "شرح الكوكب": (قال) أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة .. دفع الله عز وجل إلى كلّ) رجل (مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا، فيقول) الله للمسلم: أيها المسلم (هذا) اليهودي أو النصراني (فكاكك) - بفتح الفاء وكسرها والفتح أفصح وأشهر - أي: فداؤك وخلاصك (من النار) أي: من العذاب.
وظاهر هذا اللفظ: أن الكافر يكون فديةً للمسلم، وهذا الظاهر غير مطابق؛ لما تقرر في قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1)، وتفسيره الصحيح ما ذكره النووي رحمه الله تعالى، قال: ومعنى هذا الحديث: ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (لكل أحد منزل في الجَنَّة ومنزل في النار؛ فالمؤمن إذا دخل الجَنَّة .. خلفه الكافر في النار) لاستحقاقه ذلك بكفره.
ومعنى: (فكاكك من النار) أنك كنت معرضًا لدخول النار، وهذا فكاكك؛
(1) سورة الأنعام: (164).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لأن الله تعالى قدر لها عددًا يملؤها، فإذا أدخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم .. كانوا في معنى الفكاك للمسلمين.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم. انتهى من "الكوكب".
وحديث أنس الذي ذكره ابن ماجة سنده ضعيف؛ لأن فيه جبارة بن المغلس، وشيخه كثير بن سليم، وأما متنه .. فصحيح؛ لأن له شاهدًا من حديث أبي موسى الذي ذكره مسلم، فهذا الحديث: ضعيف السند، صحيح المتن بغيره، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أحد عشر حديثًا:
الأول للاستدلال، والعاشر للاستئناس، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم