الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) - (1506) - بَابُ ذِكْرِ التَّوْبَةِ
(37)
- 4190 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَاد، عَنِ الْأَعْرَج،
===
(8)
- (1506) - (باب ذكر التوبة)
والتوبة: هي الرجوع إلى الطاعة؛ والمغفرة منه تعالى لعبده: سَتْرُه لذنبه في الدنيا بأن لم يطلع عليه أحدًا، وفي الآخرة بألا يعاقبه عليه.
قال الطيبي: والتوبة في الشرع: ترك الذنب لقبحه، والندم على فعله، والعزم على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتداركه من الأعمال بالإعادة، هذا كلام الراغب.
وزاد النووي، وقال: إن كان الذنب متعلقًا ببني آدم .. فلها شرط آخر؛ وهو رد المظلمة إلى صاحبها، أو تحصيل البراءة. انتهى.
* * *
(37)
- 4190 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شبابة) بن سوار المدائني، أصله من خراسان، يقال: كان اسمه مروان، مولى بني فزارة، ثقة حافظ رمي بالإرجاء، من التاسعة، مات سنة أربع أو خمس أو ست ومئتين. يروي عنه:(ع).
(حدثنا ورقاء) بن عمر اليشكري أبو بشر الكوفي نزيل المدائن، صدوق في حديثه عن منصور لين، من السابعة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم المدني، ثقة، من الخامسة، مات سنة ثلاثين ومئة، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني، ثقة، من
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللهَ عز وجل أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْهُ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا".
(38)
- 4191 - (2) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ الْمَدَنِيُّ،
===
الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة (117 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل أفرح) أي أشد فرحًا (بتوبة أحدكم منه) أي: من فرح أحدكم (بـ) وجدان (ضالته إذا وجدها) أي: إذا وجد ضالته، قال السندي:(لله أفرح بتوبة أحدكم) أي: أنه تعالى يحب توبة أحدكم ويرضى بها فوق ما يحب أحدكم بضالته ويرضى بها. انتهى "س".
أي: إذا ضلت عنه بالفلاة التي لا أنيس فيها ولا ماء، وعليها ماؤه وزاده؛ كما في رواية مسلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الإمام مسلم في كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(38)
- 4191 - (2)(حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب المدني) نزيل
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ، ثُمَّ تُبْتُمْ .. لَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ".
===
مكة، صدوق ربما وهم، من العاشرة، مات سنة أربعين أو إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(ق)، وهو مختلف فيه.
(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا جعفر بن برقان) - بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف - الكلابي أبو عبد الله الرقي، صدوق يهم في حديث الزهري، من السابعة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(م عم).
(عن يزيد بن الأصم) واسمه عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي - بفتح الموحدة والتشديد - أبي عوف الكوفي نزل الرقة، وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين، يقال: له رؤية ولم تثبت، وهو ثقة، من الثالثة، مات سنة ثلاث ومئة (103 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه يعقوب بن حميد، وهو مختلف فيه.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أخطأتم) أي: لو أكثرتم أيها المؤمنون الخطايا والذنوب (حتى تبلغ خطاياكم) في الارتفاع لكثرتها (السماء، ثم) بعد إكثارها (تبتم) إلى الله من تلك الذنوب الكثيرة .. (لتاب الله عليكم) أي: لقبل الله عز وجل توبتكم منها، ولا يَرُدُّ عليكم توبتكم
(39)
-4192 - (3) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
===
منها؛ لأن قِلَّتها وكثرتها سواء عنده تعالى؛ يعني: أن كثرة الذنوب لا تمنع قبول التوبة؛ لسعة رحمته تعالى لعباده والله أعلم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(39)
- 4192 - (3)(حدثنا سفيان بن وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو محمد الكوفي، ولد العالم المشهور، كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بورَّاقِه فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فَنُصح فلم يقبل النصيحة، فسقط حديثه وترك، من العاشرة. يروي عنه:(ت ق)، فهو متروك الحديث.
(حدثنا أبي) وكيع بن الجراح العالم المشهور، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن فضيل) مصغرًا (ابن مرزوق) الأغر - بالمعجمة والراء - الرقاشي الكوفي أبي عبد الرحمن، صدوق يهم ورمي بالتشيع، من السابعة، مات في حدود سنة ستين ومئة (160 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن عطية) بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي - بفتح الجيم والمهملة - أبي الحسن الكوفي، صدوق يخطئ كثيرًا وكان شيعيًّا مدلسًا، من الثالثة، مات سنة إحدى عشرة ومئة (111 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لله أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَالْتَمَسَهَا، حَتَّى إِذَا أَعْيَا .. تَسَجَّى بِثَوْبِه، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ وَجْبَةَ الرَّاحِلَةِ حَيْثُ فَقَدَهَا، فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا هُوَ بِرَاحِلَتِهِ".
===
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه سفيان بن وكيع، وهو ضعيف، وأيضًا فيه عطية العوفي، وهو ضعيف، فحكم هذا السند: أنه ضعيف؛ لما ذكر آنفًا، ولكن حديثه صحيح؛ لأن له شواهد صحيحة؛ كما سيأتي.
(قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله) - بفتح اللام؛ لأنه للابتداء - ولفظ الجلالة مبتدأ، خبره قوله:(أفرح) أي: أشد فرحًا (بتوبة عبده) إليه من ذنبه (من) فرح (رجل أضل) وضيع (راحلته بفلاة) أي: بصحراء لا أنيس فيها ولا ماء؛ أي: بصحراء كائنة (من الأرض فالتمسها) أي: فطلبها طلبًا شديدًا (حتى إذا أعيا) وعجز عن طلبها .. (تسجى) أي: تغطى (بثوبه) وجهه؛ ليموت في ذلك المكان؛ لشدة التعب والحزن على فقدها (فبينا هو كذلك) أي: فبينا أوقات كونه ملازمًا لذلك الحزن والتعب (إذ سمع) أي: فاجأه سماع (وجبة الراحلة) أي: سماع صوت وقعة رجل الراحلة على الأرض (حيث فقدها) أي: فاجأه سماع صوت وقرع رجلها على الأرض في المكان الذي فقدها فيه أولًا، فـ (حيث) ظرف مكان لسماعه صوت وجبتها، و (إذ) حرف فجاءة رابطة لجواب (بينا).
(فـ) لما سمع صوت وجبتها .. (كشف الثوب) الذي غطَّى به وجهه (عن وجهه فإذا هو) راءٍ (براحلته) في المكان الذي ضيعها فيه؛ والفاء: عاطفة و (إذا) فجائية؛ أي: فكشف عن وجهه، ففاجأه رؤية راحلته في المكان الذي ضيعها فيه، ففرح فرحًا شديدًا.
(40)
- 4193 - (4) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ،
===
و(فرح الله بتوبة عبده): صفة ثابتة له تعالى، نثبتها ونعتقدها، لا نمثلها ولا نكيفها ولا نعطلها، ونعتقد أن ظاهرها غير مراد، وأن أثرها الرضا عن عبده، والإقبال عليه بعين الرضا.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه أحمد بن منيع في "مسنده"، بإسناده ومتنه، والإمام أحمد في "مسنده".
ودرجته: أنه صحيح بغيره؛ لأن له شواهد من حديث ابن مسعود ومن حديث البراء، ومن حديث أنس بن مالك أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول، فهذا الحديث: ضعيف السند، صحيح المتن بغيره.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(40)
- 4193 - (4)(حدثنا أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) أبو جعفر السرخسي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين (253 هـ). يروي عنه:(خ م د ت ق).
(حدثنا محمد بن عبد الله) بن محمد بن عبد الملك بن مسلم (الرقاشي) - بقاف خفيفة ثم معجمة - البصري، ثقة من كبار العاشرة، مات سنة تسع عشرة ومئتين (219 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ م س ق).
(حدثنا وهيب) مصغرًا (ابن خالد) بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيم، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ
===
البصري، ثقة ثبت، لكنه تغير قليلًا بأخرة، من السابعة، مات سنة خمس وستين ومئة (165 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه (ع).
(حدثنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة .. شيئًا، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الكريم) بن مالك الجزري - بفتح الجيم وسكون الزاي - أبي سعيد مولى بني أمية، ويقال له: الخضرمي - بالخاء المعجمة المكسورة - نسبة إلى قرية من قرى اليمامة، ثقة متقن، من السادسة، مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ). يروي عنه: معمر. ويروي عن: أبي عبيدة بن عبد الله. يروي عنه: (ع).
(عن أبي عبيدة) مصغرًا (ابن عبد الله) بن مسعود، مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له غيرها، ويقال: اسمه عامر، كوفي، ثقة، من كبار الثالثة، والصحيح: أنه لا يصح سماعه من أبيه، مات قبل المئة بعد سنة ثمانين. يروي عنه:(ع).
(عن أبيه) عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن؛ لأن رجاله ثقات، ولكن في سماع أبي عبيدة عن أبيه خلاف، فالسند مختلف في وصله، ولكن الحديث صحيح بما بعده.
(قال) عبد الله بن مسعود: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب) أي: توبة صحيحة؛ أي: متوفرة شروطها، وإطلاق الذنب يشمل
كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ".
===
الذنوب كلها، فيدل الحديث على أن التوبة مقبولة من أي ذنب كان، وظاهر الحديث يدل على أن التوبة إذا صحت بشرائطها .. فهي مقبولة. انتهى "س".
(كمن لا ذنب له) ظاهره: أن الذنب يرفع من صحف أعماله، ويحتمل أن المراد: التشبيه في عدم العقاب فقط، والله أعلم.
قال الطيبي: هذا من قبيل إلحاق ناقص بكامل؛ مبالغةً؛ كما تقول: زيد كالأسد؛ إذ لا شك أن المشرك التائب ليس كالنبي المعصوم.
وتعقبه ابن حجر بأن المراد بـ (من لا ذنب له): من هو معرض له، لكنه حفظ منه، فخرجت الأنبياء والملائكة، فليسا مقصودين بالتشبيه.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، وحسنه الحاكم، ووافقه الذهبي، وذكر البخاري لهذا الحديث طرقًا كثيرة، يظهر من بعضها أنه رواه بعضهم موقوفًا من قول ابن مسعود، ولا يضر ذلك في الحديث؛ لكثرة من رفعه، ولأن الرفع زيادة من الثقة، وله شواهد أيضًا من حديث أنس المذكور للمؤلف بعد هذا الحديث، أخرجه الحاكم والبزار والبيهقي وابن حبان، ومن حديث وائل بن حجر أخرجه الطبراني، ومن حديث ابن سعد عن أبيه أخرجه الطبراني، ومن حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني في "الصغير"، وذكره صاحب "مجمع الزوائد"، مع الكلام عليه (10/ 199).
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح بغيره من المتابعات والشواهد التي بيناها، وهو صحيح أيضًا بما بعده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(41)
- 4194 - (5) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَاب، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ،
===
(41)
- 4194 - (5)(حدثنا أحمد بن منيع) بن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي نزيل بغداد الأصم، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومئتين (244 هـ). يروي عنه:(ع)، وله أربع وثمانون سنة.
(حدثنا زيد بن الحباب) - بضم المهملة وبموحدتين - أبو الحسين العُكْلي - بضم المهملة وسكون الكاف - أصله من خراسان، وكان بالكوفة، ورحل في طلب الحديث فأكثر منه، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(م عم).
(حدثنا علي بن مسعدة) الباهلي أبو حبيب البصري، صدوق له أوهام، من السابعة. يروي عنه:(ت ق)، ضعفه أبو داوود، ووثقه الطيالسي، وقال البخاري: فيه نظر، وقال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال النسائي: ليس بالقوي.
(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه علي بن مسعدة، وهو مختلف فيه.
(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم) وفي "الترمذي": (كل ابن آدم) هكذا وقع في "الترغيب"(خطاء) - بتشديد الطاء والمد والتنوين - أي: كثير الخطأ، قال السندي: والمراد بالخطأ: المعصية
وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
===
عمدًا أو مطلقًا، بناءً على أنه الخطأ المقابل للصواب دون العمد.
قال القاري في "المرقاة"(5/ 172): أفرد الخبر؛ نظرًا إلى لفظ الكل، وفي رواية:(خطاؤون) نظرًا إلى معنى الكل، قيل: أراد الكل من حيث هو كل أو كل واحد، وأما الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .. فإما مخصوصون عن ذلك، وإما أنهم أصحاب صغائر، والأول أولى؛ فإن ما صدر منهم من باب ترك الأولى، أو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، أو يقال: الزلات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان، وقيل: كل بني آدم خطاء؛ أي: غالبهم كثير الخطأ.
(وخير الخطائين التوابون) أي: الرجاعون إلى الله عز وجل بالتوبة من المعصية؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (1)؛ أي: دون المُصرِّين؛ فإن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، فكيف الإصرار على الكبيرة؟ !
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق، وقال: لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة، ورواه الحاكم في "المستدرك"، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والدارمي في كتاب الرقائق، باب في التوبة، وأحمد في "المسند".
ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(1) سورة البقرة: (222).
(42)
- 4195 - (6) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَبْدِ اللهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "النَّدَمُ
===
(42)
- 4195 - (6)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الكريم) بن مالك (الجزري)، ثقة متقن، من السادسة، مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن زياد بن أبي مريم) الجزري الشامي، اسم أبيه: يزيد، وثقه العجلي، ولم يثبت سماعه من أبي موسى، وجزم أهل بلده أنه غير ابن الجراح، من السادسة. يروي عنه:(ق)، قال العجلي: تابعي ثقة.
(عن) عبد الله (بن معقل) بن مقرن المزني أبي الوليد الكوفي. روى عن: علي وابن مسعود، ويروي عنه: أبو إسحاق السبيعي، وزياد بن أبي مريم، ثقة، من كبار الثالثة، مات دون المئة سنة ثمان وثمانين (88 هـ). يروي عنه:(ع).
(قال) عبد الله بن معقل: (دخلت مع أبي) معقل بن مقرن (على عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
قال عبد الله بن معقل: (فسمعته) أي: سمعت ابن مسعود (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الندم) على ارتكاب المعصية؛ أي: لكونها
تَوْبَةٌ"، فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ"؟ قَالَ: نَعَمْ.
===
معصية، وإلا .. فإذا ندم عليها من جهة أخرى؛ كما إذا ندم على شرب الخمر من جهة صرف المال عليه .. فليس من التوبة في شيء. انتهى "سندي".
(توبة) معناه: أنه معظمها ومستلزم لبقية أجزائها عادةً؛ فإن النادم ينقلع من الذنب في الحال، ويعزم على عدم العود إليه في الاستقبال، وبهذا القدر تتم التوبة إلا في الفرائض التي يجب قضاؤها، فتحتاج التوبة فيها إلى القضاء، وإلا في حقوق العباد، فتحتاج التوبة إلى الاستحلال؛ أي: الرد والندم يعني على كل ذلك؛ كما لا يخفى. انتهى "سندي".
(فقال له) أي: لابن مسعود (أبي) أي: والدي: يا بن مسعود (أنت) يا بن مسعود (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الندم توبة؟ قال) ابن مسعود: (نعم) أي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؛ أي: يقول: "الندم توبة".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الحاكم في "المستدرك" عن محمد بن يعقوب عن أحمد بن سنان عن سفيان بن عيينة به، وقال: هذا إسناد صحيح، وهذا الحديث أخرجه أيضًا البيهقي في "شعب الإيمان"، والطحاوي في "شرح المشكل"، والبخاري في "التاريخ الكبير"، وغيرهم ممن لا يحصون، ولكن في سنده خلاف يسير عن عبد الكريم الجزري، ولكن لا يضر إن شاء الله تعالى، حاصله: أن جماعة رووا الحديث عنه عن زياد بن أبي مريم، ورواه آخرون عنه عن زياد بن الجراح، وهو ثقة أيضًا؛ كما بينه ابن أبي حاتم في "العلل"، والدارقطني في "علله"، والمزي في "تهذيب الكمال".
(43)
- 4196 - (7) حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعِيدٍ الرَّمْلِيُّ، أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ مَكْحُولٍ،
===
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده ولأن له متابعات وشواهد كثيرة لا تحصى، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(43)
- 4196 - (7)(حدثنا راشد بن سعيد) بن راشد القرشي أبو بكر (الرملي) صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(ق).
(أنبأنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الرحمن بن ثابت (بن ثوبان) العنسي - بالنون - الدمشقي الزاهد، صدوق يخطئ، ورمي بالقدر، وتغير بأخرة، من السابعة، مات سنة خمس وستين ومئة (165 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن أبيه) ثابت بن ثوبان العنسي الشامي، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(د ت ق). روى عن: مكحول، والزهري، وابن سيرين، ويروي عنه: ابنه عبد الرحمن، والأوزاعي، قال الغلابي عن ابن معين: أصله خراساني نزل الشام، وقال معاوية بن صالح: ثقة، وقال العجلي: لا بأس به.
(عن مكحول) الشامي أبي عبد الله، ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور، من
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللهَ عز وجل لَيَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ".
===
الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومئة (113 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن جبير بن نفير) - مصغرين - ابن مالك بن عامر الحضرمي الحمصي، ثقة فاضل، من الثانية، مخضرم ولأبيه صحبة، فكأنه هو ما وفد إلا في عهد عمر، مات سنة ثمانين (80 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(م عم).
(عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما.
ووقع عند ابن ماجه: (عن عبد الله بن عمرو) وهو وهم، والصواب: عبد الله بن عمر بن الخطاب؛ كما في "الترمذي".
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه الوليد بن مسلم ومكحولًا الشامي، وهما مختلف فيهما إذا عنعنا؛ لأنهما مدلسان.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل ليقبل توبة العبد) قال القاري: ظاهره الإطلاق، وقيده بعض الحنفية بالكفر، وقال: والظاهر المعول عليه هو الأول.
(ما لم يغرغر) - بغينين معجمتين، الأول مفتوحة، والثانية مكسورة، وبراء مكررة - من الغرغرة؛ أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فتكون بمنزلة الشيء الذي يغرغر به المريض.
والغرغرة: أن يجعل المشروب في الفم، ويردد إلى أصل الحلق ولا يبلع، ويقال لذلك الشيء الذي يتغرغر: الغرور؛ مثل قولهم: لعوق ولدود وسعوط؛ والمقصود: ما لم يعاين أحوال الآخرة.
قال القاري في "المرقاة"(5/ 136): يعني: ما لم يتيقن بالموت؛ فإن
(44)
- 4197 - (8) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ،
===
التوبة بعد التيقن بالموت لم يعتد بها؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} (1).
وأما تفسير ابن عباس: (حضوره) بـ: (معاينة ملك الموت) .. فحكم أغلبي؛ لأن كثيرًا من الناس لا يراه، وكثيرًا يراه قبل الغرغرة. انتهى "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الدعوات، باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله تعالى لعباده، وقال: حديث حسن غريب، وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم، والبيهقي في "شعب الإيمان".
ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(44)
- 4197 - (8)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب) بن الشهيد الحبيبي أبو يعقوب البصري الشهيدي، ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(ت س ق).
(حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من كبار التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ) وقد جاوز الثمانين. يروي عنه:(ع).
(1) سورة النساء: (18).
سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ كَفَّارَتِهَا فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} ،
===
قال: (سمعت أبي) ووالدي سليمان بن طرخان التيمي أبا المعتمر البصري، نزل في التيم، فنسب إليهم، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئة (143 هـ). يروي عنه:(ع).
يقول: (حدثنا أبو عثمان) النهدي - بفتح النون وسكون الهاء - عبد الرحمن بن مل - بتثليث الميم ولام مشددة - مشهور بكنيته، ثقة ثبت عابد مخضرم، مات سنة خمس وتسعين (95 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي رضي الله عنه. يروي عنه: (ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن رجلًا) من المسلمين (أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الرجل اسمه: أبو اليسر على الأصح؛ كما سيأتي (فذكر) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (أنه أصاب من امرأة) أجنبية (قبلة) لفمها (فجعل) الرجل؛ أي: شرع (يسأل) النبي صلى الله عليه وسلم (عن كفارتها) أي: عن كفارة تلك القبلة؛ أي: عما يكفرها ويمحوها عنه (فلم يقل) النبي صلى الله عليه وسلم (له شيئًا) من المكفرات لها؛ أي: لتلك القبلة.
قال ابن مسعود - كما هو مصرح به في رواية مسلم -: (فأنزل الله عز وجل في بيان مكفراتها: ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ})(1).
(1) سورة هود: (114).
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَلِي هَذِهِ؟ فَقَالَ: "هِيَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي".
===
قال ابن مسعود أيضًا: (فقال الرجل) السائل عن كفارة القبلة بناءً على القاعدة: أن النكرة إذا أعيدت معرفة .. كانت عين الأولى: (يا رسول الله؛ ألي هذه) الآية خاصة؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (هي) أي: هذه الآية عامة (لـ) كل (من عمل بها من أمتي) إلى يوم القيامة.
قوله: (أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه أصاب) ونال (من امرأة قبلة) لفمها بفمه، اسم ذلك الرجل أبو اليسر كعب بن عمرو، وقيل: عمرو بن غزية بن عمرو الأنصاري أبو حية التمار، وقيل: ابن متعب رجل من الأنصار، وقيل: أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري، وقيل: نبهان التمار، وقيل: عباد، ولم أر من ذكر اسم المرأة. انتهى "تنبيه المعلم على مبهمات مسلم".
وذكر العيني في "عمدة القاري"(2/ 515) ستة أقوال في تعيين هذا الرجل، ورجح أنه أبو اليسر - بفتح الياء والسين - الأنصاري رضي الله تعالى عنه؛ كما وقع التصريح بذلك في رواية الترمذي، ولفظها: عن أبي اليسر قال: (أتتني امرأة تبتاع تمرًا، فقلت لها: إن في البيت تمرًا أطيب منه، فدَخَلَتْ معي في البيت، فأَهْوَيْتُ إليها فقبَّلْتُها، فأتَيْتُ أبا بكر رضي الله عنه، فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدًا، ولم أصبر حتى أتيت عمر رضي الله تعالى عنه، فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدًا، فلم أصبر حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: أَخَلَّفْتَ غازيًا في سبيلِ الله في أهله؟ قال: فأَطْرقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طويلًا حتى أوحى الله إليه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (1)، قال أبو اليسر: فأتيته، فقرأها عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحابه: يا رسول الله؛ ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل للناس عامة)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وأبو اليسر: هو بفتح الياء والسين، واسمه كعب بن عمرو السلمي، وهو من البدريين.
(أصاب منها قبلة) أي: دون الفاحشة؛ وهي الزنا في الفرج (فأتى) ذلك الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك) الذي أصاب من المرأة (له) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم (قال) ابن مسعود: (فنزلت) هذه الآية في ذلك؛ يعني: قوله تعالى: {وَأَقِمِ} يا محمد أنت وأمتك {الصَّلَاةَ} المفروضة في {طَرَفَيِ النَّهَارِ} أي: جانبيه؛ يعني: في أوله وفي آخره؛ وهما الغداة والعشي؛ كما فسرهما به الثعلبي، وروي عن ابن عباس أنه فسرهما بصلاة الفجر وصلاة المغرب، وفسرهما الضحاك بالفجر والعصر، ومقاتل بالفجر والظهر؛ كما في "عمدة القاري".
{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} أي: وفي ساعات من الليل؛ والزلف - بضم الزاي وفتح اللام - جمع زلفة - بضم الزاي وسكون اللام - كغرف وغرفة؛ وهي ساعة من أول الليل المتصل بالنهار، وفيها المغرب، وساعة من آخر الليل المتصل بالنهار، وفيها العشاء.
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} يعني: أن الحسنات تكون كفارة للصغائر، فإن ارتكب الإنسان صغيرة .. فإن الحسنات التي يأتي بها تكفر هذه الصغيرة، ولا يتعدى هذا الحكم إلى الكبائر؛ لما تقرر في موضعه أن الحسنات إنما تكفر
(1) سورة هود: (114).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الصغائر دون الكبائر؛ لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1).
قال النووي: قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} اختلف العلماء في المراد بالحسنات هنا: فنقل الثعلبي أن أكثر المفسرين على أنها الصلوات الخمس، واختاره ابن جرير وغيره من الأئمة، وقال مجاهد: هي قول العبد: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويحتمل أن المراد بالحسنات مطلقًا. انتهى منه.
أقول: ويؤيد الوجه الأول ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن أنس: (الصلوات كفارة لما بينهن
…
) الحديث.
{ذَلِكَ} المذكور من الآيات السابقة {ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (2) أي: عظة للمتعظين بها؛ أي: تذكر لمن تذكر بها واتعاظ لمن اتعظ بها (قال) ابن مسعود: (فقال) ذلك الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن واقعته: (ألي) خاصة (هذه) الآية (يا رسول الله) أم عامة لجميع الأمة؟ يعني بها: محو السيئات بالحسنات، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي عامة (لمن عمل بها) أي: بهذه الآية؛ بأن فعل الحسنات بعد السيئات (من أمتي) إلى يوم القيامة، وفي رواية للبخاري في المواقيت:(لجميع أمتي كلهم) والمراد: أن كون الحسنات مكفرة للصغائر يعم جميع المسلمين كلهم؛ فإن الله تعالى يغفر لهم سيئاتهم بما فعلوه من الحسنات، والله تعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب المواقيت، باب
(1) سورة النساء: (31).
(2)
سورة هود: (114).
(45)
- 4198 - (9) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ:
===
الصلاة كفارة، ومسلم في كتاب التوبة، باب قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (1)، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب من سورة هود، وقد تقدم للمؤلف هذا الحديث في كتاب إقامة الصلاة، باب الصلاة كفارة.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثامنًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(45)
- 4198 - (9)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد الذهلي النيسابوري، ثقة حافظ فاضل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي، ثقة ثبت، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وخمسين ومئتين. يروي عنه:(خ م ت س ق).
(قالا: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(ع).
(أنبأنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة ثبت، من السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(قال) معمر: (قال) له (الزهري) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن
(1) سورة هود: (114).
أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ؟ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ .. أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مِتُّ .. فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي
===
عبد الله بن شهاب بن زهرة القرشي الزهري أبو بكر الحافظ، المتفق على جلالته وإتقانه المدني، من الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة (125 هـ)، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(ألا أحدثك) يا معمر، ألا حرف عرض؛ وهو الطلب برفق ولين (بحديثين عجيبين) أي: معجبين لسامعهما؛ لاشتمالهما على معان غريبة (أخبرني) بهما (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثانية، مات سنة خمس ومئة (105 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسرف رجل) من بني إسرائيل؛ أي: بالغ وغلا في ارتكاب المعاصي؛ من السرف؛ وهو مجاوزة الحد في الشيء؛ أي: جاوز الحد حالة كونه متعديًا (على نفسه) مضيعًا لحقوقها التي هي طاعة ربه وخالقه (فلما حضره الموت) أي: مقدماته وأسبابه .. (أوصى بنيه) أي: أولاده (فقال) ذلك الرجل لأولاده في إيصائه إليهم: (إذا أنا مت) بضمتين أو بكسر فضم .. (فأحرقوني) بالنار (ثم اسحقوني) أي: دقوا رمادي واطحنوه (ثم ذروني) بتشديد الراء، قال الكرماني: بضم الذال؛ من الذر: وهو التفريق، وبفتحها: من التذرية، وروي:(فاذروه في اليم) بوصل الهمزة، وقيل: بقطعها؛
فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْر، فَوَاللهِ؛ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي .. لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، قَالَ: فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلْأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْت، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتُكَ أَوْ مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ، فَغَفَرَ لَهُ لِذَلِكَ".
===
من أذريته: رميته، والأول أليق بالريح؛ أي: أطارته؛ أي: انسفوا دقيق رمادي وانثروه وطيروه (في الريح في البحر، فوالله) أي: فأقسمت لكم بالإله الذي لا إله غيره (لئن قدر عليَّ ربي) أي: لئن شدد علي ربي في محاسبتي ومناقشتي (ليعذبني عذابًا) شديدًا (ما عذبه أحدًا) من العالمين.
(قال: فـ) لما مات ذلك الرجل .. (فعلوا) أي: فعل أولاده (به ذلك) الذي أوصى بهم من الحرق والإذراء في هواء البحر (فقال) الله عز وجل (للأرض: أدي) أي: ادفعي وردي (ما أخذتـ) ـه من رماد ذلك الرجل (فإذا هو) أي: ذلك الرجل حي (قائم، فقال) الله عز وجل (له) أي: لذلك الرجل: (ما حملك) وبعثك (على ما صنعت) من إيصاء الحرق والإذراء في البحر إلى أولادك؟ (قال) ذلك الرجل في جواب سؤال الرب: (خشيتك) أي: حملني على ذلك مخافتك (أو) قال: حملني على ذلك (مخافتك يا رب، فغفر له) أي: لذلك الرجل (لذلك) أي: لأجل مخافته لربه؛ أي: فقال الرجل في جواب سؤال الرب جل جلاله: حملني على ذلك خشيتك؛ أي: خشية عذابك يا رب، أو مخافتك؛ أي: أو قال الرجل: حملني على ذلك مخافة عقوبتك، والشك من الراوي أو ممن دونه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فغفر) الله سبحانه (له) أي: لذلك الرجل (بذلك) أي: بسبب خشيته من ربه.
فدل الحديث على أن شدة خشية الله هي التي تسببت لمغفرة الله له.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء،
(46)
- 4199 - (10) قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا؛ فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ"،
===
باب رقم (54)، ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، والنسائي في كتاب الجنائز، باب أرواح المؤمنين وغيرهم.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف تاسعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه؛ وهو الحديث الثاني من الحديثين العجيبين من حديثي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فقال:
(46)
- 4199 - (10)(قال الزهري) بالسند السابق: (وحدثني حميد بن عبد الرحمن) بن عوف، (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار) أي: النار الأخروية أي: العذاب؛ أي: امرأة كانت ممن كان قبلكم من الأمم، ولم أر من ذكر اسم المرأة. انتهى "تنبيه المعلم".
(في هرة) أي: بسبب هرة (ربطتها) أي: حبستها ومنعتها من التجول لطلب الهوام لتأكلها (فلا هي) أي: تلك المرأة (أطعمتها) حين حبستها (ولا هي) أي: تلك المرأة (أرسلتها) أي: أرسلت تلك الهرة وأطلقتها، حالة كون الهرة (تأكل من خشاش الأرض) وحشراتها؛ كالفيران والجعلان والطيور والحمام (حتى ماتت) تلك الهرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وفي رواية لمسلم زيادة: (هزلًا) أي: جوعًا؛ غاية لربطتها، عبر عن الجوع بالهزل الذي هو ضد السمن؛ لتلازمها.
قال السندي: (خشاش الأرض) هوامها وحشراتها؛ جمع خشاشة: - بفتح الخاء المعجمة، ويجوز ضمها وكسرها - والمراد: هوام الأرض وحشراتها؛ من فأرة ونحوها.
وحكى النووي: أنه روي بالحاء المهملة؛ والمراد حينئذ: نبات الأرض وحشيشها، قال: وهو ضعيف أو غلط.
قال الحافظ: لم أقف على من ذكر اسمها، ووقع في روايةٍ أنها حميرية، وفي أخرى: أنها من بني إسرائيل، كذا لمسلم.
قلت: لكن لم أجده في "صحيح مسلم"، ولا تضاد بينهما؛ لأن طائفة من حمير كانوا قد دخلوا في اليهودية، فنسبت إلى دينها تارةً، وإلى قبيلتها أخرى، وقد وقع ما يدل على ذلك في كتاب "البعث" للبيهقي، وأبدى عياض احتمالًا آخر، وظاهر الحديث أن المرأة عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس.
قال عياض: يحتمل أن تكون المرأة كافرة، فعذبت بالنار حقيقة، أو بالحساب؛ لأن من نوقش في الحساب .. فقد عذب.
ثم يحتمل أن تكون المرأة كافرة، فعذبت بكفرها، وزيدت عذابًا بسبب ذلك، أو مسلمة وعذبت بسبب ذلك.
قال النووي: الذي يظهر أنها كانت مسلمة، وإنما دخلت النار بهذه المعصية، وفي هذا الحديث جواز اتخاذ الهرة ورباطها، إذا لم يهمل إطعامها وسقيها، ويلتحق غير الهرة بالهرة مما هو في معناها، وأن إطعامه يجب على من حبسه. انتهى.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: لِئَلَّا يَتَّكِلَ رَجُلٌ وَلَا يَيْئَسَ رَجُلٌ.
===
قال معمر بالسند السابق: (قال الزهري): (ذلك) أي: ذكري للحديث الثاني؛ يعني: حديث الهرة بعد حديث الرجلح فاسم الإشارة مبتدأ، خبره: قوله: (لئلا يتكل رجل) أي: كائن؛ لئلا يتكل ويعتمد رجل على سعة رحمته تعالى ويسترسل في المعاصي ويكثر منها؛ اعتمادًا على سعة رحمته وغفرانه، المفهوم من الحديث الأول (و) ذكر الأول منهما؛ لئـ (لا ييئس رجل) ويقنط من رحمته؛ نظرًا إلى ما ذكر في الحديث الثاني من التعذيب.
يعني: أن قصة تعذيب المرأة بسبب الهرة توجب الحذر من التعذيب، فإن الذنب اليسير ربما يكفي لتعذيب الإنسان في الآخرة، فهذه القصة تنفي الاتكال على الرجاء والغفلة عن الخوف، وأما قصة الرجل الذي أوصى بتحريقه .. فإنها تنفي اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى.
فليكن الإنسان دائرًا بين الخوف والرجاء، فلذلك أتبع الزهري حديث الرجل الذي أوصى بتحريقه بحديث الهرة؛ ليستوي الطرفان؛ طرف الرجاء، وطرف الخوف، والله أعلم. انتهى من "الكوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء، ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، وأحمد في "المسند"، وابن الأعرابي في "المعجم".
ودرجته: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول، والله أعلم.
* * *
ثم استشهد المؤلف عاشرًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(47)
- 4200 - (11) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْمُسَيَّبِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ
===
(47)
- 4200 - (11)(حدثنا عبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن موسى بن المسيب الثقفي) أو السائب أبي جعفر الكوفي البزاز، صدوق لا يلتفت إلى الأزدي في تضعيفه، من السادسة. يروي عنه:(س ق).
(عن شهر بن حوشب) الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، صدوق كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومئة (112 هـ). يروي عنه:(م عم)، وقال الترمذي: عن البخاري: شهر حسن الحديث وقَوَّى أَمْرَه، وقال ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين: ثقة، وقال عباس الدوري عن ابن معين: ثبت، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، على أن بعضهم قد طعن فيه، وقال يعقوب بن سفيان: وشهر وإن قال فيه ابن عَوْنٍ: نَزَكُوهُ .. فهو ثقة
…
إلى آخر ما في "التهذيب"، فهو مختلف فيه، ولا يقدح في السند.
(عن عبد الرحمن بن غنم) - بفتح الغين المعجمة وسكون النون - الأشعري مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين، مات سنة ثمان وسبعين (78 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة الربذي رضي الله تعالى عنه.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى يَقُولُ: يَا عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ، فَسَلُونِي الْمَغْفِرَةَ فَأَغْفِرَ لَكُمْ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي بِقُدْرَتِي .. غَفَرْتُ لَهُ، وَكُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ، فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ، وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقْكُمْ،
===
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه شهر بن حوشب، وهو مختلف فيه.
(قال) أبو ذر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك) أي: تزايد بره وإحسانه لعباده مرةً بعد مرة، كرة بعد كرة (وتعالى) أي: ترفع عما لا يليق به في ذاته وصفاته وأفعاله (يقول: يا عبادي؛ كلكم مذنب) أي: عاص (إلا من عافيتـ) ـه وعصمته عن عصياني (فسلوني المغفرة) أي: اطلبوا مغفرة الذنوب مني (فأَغْفِرَ لكم) ذنوبكم (ومَنْ عَلِمَ منكم أنِّي ذو قدرة على المغفرة) أي: على مغفرة ذنوب عبادي (فاستغفرني بقدرتي .. غفرت له) ذنوبه.
(و) يا عبادي (كلكم ضال) عن طريق الرشاد (إلا من هديتـ) ـه ووفقته طريق الرشاد (فسلوني الهدى) أي: فاسْألوني تَوْفِيقكم طريقَ الهدى .. (أهدكم) مجزوم بالطلب السابق؛ أي: أُوفِّقْكُم طريق الهداية (و) يا عبادي (كلكم فقير) أي: محتاج إلى غيره (إلا من أغنيتـ) ـه؛ أي: من سلكته طريق الغنى ووفقته غنى النفس (فسلوني) الرزق .. (أرزقكم) أي: أعطكم من خزائن رزقي.
قوله: (يا عبادي كلكم) من الإنس والجن (مذنب) قال الطيبي في "شرح المشكاة": الخطاب مع الثقلين خاصة؛ لاختصاص التكليف، وتعاقب التقوى والفجور بهم، ولذلك فَصَّلَ المخاطبين بالإنس والجن؛ أي: في رواية: (وإنسكم وجنكم).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ويحتمل أن يكون الخطاب عامًا شاملًا لذوي العلم كلهم من الملائكة والثقلين، ويكون ذكر الملائكة مطويًا مدرجًا في قوله:(وجنكم) لشمول الاجتنان لهم، وتوجه هذا الخطاب نحوهم .. لا يتوقف على صدور الفجور منهم، ولا على إمكانه؛ لأنه كلام صادر على سبيل الفرض والتقدير.
قلت: ويمكن أن يكون الخطاب عامًّا، ولا تدخل الملائكة في الجن؛ لأن الإضافة في (جنكم) تقتضي المغايرة، فلا يكون تفصيلًا، بل إخراجًا للثقلين الذين يصح اتصاف كل منهما بالتقوى والفجور.
قلت: والظاهر هو الاحتمال الأول. انتهى.
قوله: (كلكم مذنب) قيل: أي: كلكم يتصور منه الذنب (إلا من عافيت) أي: من الأنبياء والمرسلين؛ أي: من عصمت وحفظت، وهو يدل على أن العافية هي السلامة من الذنوب، وهي أكمل أفرادها.
وإنما قال: (عافيت) تنبيهًا على أن الذنب مرض ذاتي، وصحته عصمة الله تعالى وحفظه منه، أو كلكم مذنب بالفعل، وذنب كل بحسب مقامه إلا من عافيته بالمغفرة والرحمة والتوبة.
(وكلكم ضال) أي: عار عن الهداية ليس له هداية من ذاته، بل هي من عناية ربه ولطفه، وهذا لا ينافي حديث:"كل مولود يولد على الفطرة" بمعنى: أنه يولد خاليًا عن دواعي الضلالة.
وفيه أن العبد محتاج إلى الله تعالى في كل شيء، وأن أحدًا لا يغني أحدًا من دونه، فحقه أن يَتَبَتَّل إليه بشرَاشِرِه. انتهى "سندي".
وقيل: المراد به: وصفهم بما كانوا عليه قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، لا أنَّهم خُلِقوا في الضلالة، والأظهر: أن يراد: أنهم لو تركوا بما في
وَلَوْ أَنَّ حَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ، وَأَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا فَكَانُوا عَلَى قَلْبِ أَتْقَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي .. لَمْ يَزِدْ فِي مُلْكِي جَنَاحُ بَعُوضَةٍ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا فَكَانُوا عَلَى قَلْبِ أَشْقَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي .. لَمْ يَنْقُصْ مِنْ مُلْكِي
===
طباعهم .. لضلوا، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله خلق الخلق في ظلمة، ثم رَشَّ عليهم من نوره" وهو لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام: "كل مولود يولد على الفطرة" فإن المراد بالفطرة: التوحيد، والمراد بالضلالة: جهالة تفصيل أحكام الإيمان وحدود الإسلام، ومنه قوله تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} (1).
(ولو أن حيكم وميتكم، وأولكم وآخركم) أراد به: الإحاطة والشمول (ورطبكم ويابسكم) أي: شبابكم وشيوخكم، وعالمكم وجاهلكم، أو مطيعكم وعاصيكم، وفي رواية:(وإنسكم وجنكم).
قال الطيبي: هما عبارتان عن الاستيعاب التام؛ كما في قوله: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (2)، والإضافة إلى ضمير المخاطبين تقتضي أن يكون الاستيعاب في نوع الإنسان فيكون تأكيدًا للشمول بعد تأكيد، وتقريرًا بعد تقرير (اجتمعوا) وتوافقوا في الهداية.
(فكانوا) في هدايتهم (على) صفة (قلب أتقى عبد من عبادي) وهو نبينا صلى الله عليه وسلم .. (لم يزد في مُلْكي جناحُ بعوضة) بالرفع فاعل لـ (يزد) أي: لم يزد بسبب اتفاقكم على التقوى قدر جناح بعوضة ومثقاله (ولو اجتمعوا) وتوافقوا؛ أي: كل من ذكر في الشقاوة (فكانوا على) شقاوة (قلب أشقى عبد من عبادي) وهو إبليس اللعين .. (لم ينقص من ملكي) بسبب
(1) سورة الضحى: (7).
(2)
سورة الأنعام: (59).
جَنَاحُ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنَّ حَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ، وَأَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَرَطْبَكُمْ وَيَابسَكُمُ اجْتَمَعُوا فَسَأَلَ كُلُّ سَائِلٍ مِنْهُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ .. مَا نَقَصَ مِنْ مُلْكِي إِلَّا كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِشَفَةِ الْبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهَا إِبْرَةً ثُمَّ نَزَعَهَا؛ ذَلِكَ بِأَنِّي
===
شقاوتهم (جناح بعوضة) أي: قدر جناح بعوضة (ولو أن حيكم وميتكم، وأولكم وآخركم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا) وتوافقوا في سؤالي حوائجهم (فسألـ) ني (كل سائل منهم ما بلغت) ووصلت إليه (أمنيته) أي: نيته وقصده إليه من حوائجهم، فأعطيت كلًّا منهم أمنيته .. (ما نقص) ذلك العطاء (من) خزائن (ملكي إلا كما) أي: إلا مثل الذي تنقص الإبرة من البحر (لو أن أحدكم مر) وجاوز (بشفة البحر) وجانبه (فغمس) أي: أدخل (فيها) أي: في شفة البحر (إبرة) أي: مخيطًا (ثم نزعها) أي: ثم نزع تلك الإبرة من شفة البحر وجانبه؛ أي: ما ينقص عطائي إياهم من خزائن ملكي إلا قدر ما تنقص الإبرة من موج البحر.
قوله: (ما بلغت أمنيته) - بضم الهمزة وكسر النون وتشديد الياء - أي: مشتهاه، وجمعها المنى والأماني؛ يعني: كل حاجة تخطر بباله.
قوله: (بشفة البحر) شفة الشيء: طرفه وجانبه (فغمس) - بفتح الميم - من باب نصر؛ أي: أدخل.
(إبرة) - بكسر الهمزة وسكون الموحدة - قال العلماء: هذا تقريب إلى الأفهام، ومعناه: لا ينقص شيئًا أصلًا؛ لأن ما عند الله لا يدخله نقص.
والمقصود: التقريب إلى الأفهام بما نشاهده؛ فإن (البحر) من أعظم المرئيات عيانًا، و (الإبرة) من أصغر الموجودات، مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء.
(ذلك) أي: عدم نقصان عطائي لهم من خزائن ملكي (بـ) سبب (أني
جَوَادٌ مَاجِدٌ، عَطَائِي كَلَامٌ إِذَا أَرَدْتُ شَيْئًا .. فَإِنَّمَا أَقُولُ لَهُ: كُنْ .. فَيَكُونُ".
===
جواد) أي: كثير العطاء (ماجد) أي: شريف الذات والصفات، هو بمعنى: المجيد؛ كالعالم بمعنى: العليم؛ من المجد؛ وهو سعة الكرم (عطائي كلام) أي: يحصل بكلامي؛ أي: بكلمة: (كن) لأني (إذا أردت شيئًا) من الإيجاد والإعطاء .. (فإنما أقول له: كن .. فيكون) بالنصب وبالرفع؛ أي: فذلك الشيء يكون ويوجد بلا تأخر عن أمري، وهذا تفسير لقوله:(عطائي كلام).
قال القاضي: يعني: ما أريد إيصاله إلى عبدي من نعيم أو عذاب .. لا أفتقر إلى كدٍّ ومزاولة عمل، بل يكفي لحصوله ووصوله إلى عبدي تعلق الإرادة به، ولفظ:(كن) من كان التامة؛ أي: احدث فيحدث.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في أواخر كتاب الزهد، وأحمد في "المسند"، والبخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم في البر والصلة، والحاكم في "المستدرك"، وأبو نعيم في "الحلية".
ودرجته: أنه حسن السند؛ لما تقدم آنفًا، صحيح المتنح لأن له شواهد مما ذكرنا هنا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أحد عشر حديثًا:
الأول منها للاستدلال به على الترجمة، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم