المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) - (1500) - باب الورع والتقوى - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌(2) - (1500) - باب الورع والتقوى

(2) - (1500) - بَابُ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى

(5)

- 4158 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ

===

(2)

- (1500) - (باب الورع والتقوى)

والورع: اتقاء الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات.

والتقوى: امتثال المأمورات واجتناب المنهيات؛ لينال الثواب وينجو من العذاب.

* * *

(5)

- 4158 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم الليثي مولاهم البغدادي أبو النضر مشهور بكنيته، ولَقَبُهُ قَيْصَرٌ، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة سبع ومئتين (207 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبو عقيل) - مكبرًا - عبد الله بن عقيل الثقفي الكوفي نزيل بغداد، صدوق، من الثامنة، وذكره ابن حبان في "الثقات". يروي عنه:(عم).

(حدثنا عبد الله بن يزيد) الدمشقي. روى عن: ربيعة بن يزيد، ويروي عنه: أبو عقيل عبد الله بن عقيل، قال الحافظ: ضعيف، من السادسة. يروي عنه:(ت ق)، وذكره ابن حبان في "الثقات" مُفْرِدًا عن ابن ربيعة.

(حدثني ربيعة بن يزيد) الدمشقي أبو شعيب الإيادي القصير، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة إحدى أو ثلاث وعشرين ومئة (123 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 20

وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ".

===

(وعطية بن قيس) الكلابي، وقيل: بالعين المهملة بدل الموحدة، أبو يحيى الشامي ثقة مقرئ، من الثالثة، مات سنة إحدى وعشرين ومئة (121 هـ). يروي عنه:(م عم).

كلاهما (عن عطية) بن عروة (السعدي) نسبة إلى جد عروة بن محمد، مختلف في اسم جده، وربما قيل فيه: عطية بن سعد، الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه. يروي عنه:(د ت ق).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الله بن يزيد، وهو مختلف فيه.

(وكان) عطية بن عروة السعدي (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي: ممن لقي النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه ثلاثة أحاديث (قال) عطية: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبلغ العبد) ولا يصل درجة (أن يكون من المتقين) أي: درجة من يوصف بالتقوى، وهو جمع المتقي؛ وهو في اللغة: اسم فاعل من وقاه فاتقى؛ والتقوى: فرط الصيانة، وفي الشرع: هو الذي يقي نفسه عن تعاطي ما يستحق به العقوبة، من فعل وترك.

(حتى يدع) ويترك (ما لا بأس) ولا مؤاخذة (به) أي: بفعله أو بتركه من بعض الشبهات (حذرًا) أي: تجنبًا وتحرزًا من الوقوع (لما) أي: فيما (به البأس) والمؤاخذة به من فعلٍ أو تركٍ من الحرام.

وقيل: التقوى على ثلاث مراتب:

الأولى: التقوى عن العذاب المخلد بالتبري من الشرك؛ كقوله تعالى:

ص: 21

(6)

- 4159 - (2) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ،

===

{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} (1).

والثانية: التجنب عن كل ما يؤثم به من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم، وهو المتعارف بالتقوى في الشرع، والمعنى بقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} (2).

والثالثة: أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق، ويقبل بشراشره - أي: بكليته - إلى الله تعالى، وهي التقوى الحقيقية المطلوبة بقوله تعالى:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (3).

والحديث وإن استشهد به للمرتبة الثانية؛ فإنه يجوز أن ينزل على المرتبة الثالثة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب رقم (19)، قال أبو عيسى: حديث حسن غريب.

ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث عطية السعدي بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(6)

- 4159 - (2)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ خطيب، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(1) سورة الفتح: (26).

(2)

سورة الأعراف: (96).

(3)

سورة آل عمران: (102).

ص: 22

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيثُ بْنُ سُمَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ وقَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ

===

(حدثنا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي، ثقة رمي بالقدر، من الثامنة، مات سنة ثلاث وثمانين ومئة (183 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا زيد بن واقد) القرشي الدمشقي، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(خ د س ق).

(حدثنا مغيث) - بضم أوله وكسر ثانيه وتحتانية ساكنة آخره ثاء مثلثة - على صيغة اسم الفاعل (ابن سمي) - بمهملة مصغرًا - الأوزاعي أبو أيوب الشامي، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ق).

(عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القرشي السهمي أبي محمد المدني، أحد السابقين المكثرين الحديث من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) عبد الله بن عمرو: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر من ذكر اسم هذا القائل: (أَيُّ) أفراد (الناس أفضل؟ ) أي: أعظم درجة عند الله سبحانه وتعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: أفضلهم (كل مخموم القلب) أي: كل منقى القلب وصَافِيه من الغِل والحسد والبغض؛ أي: نقي القلب من الحسد والغل والبغض والعداوة.

قال في "القاموس": المخموم القلب - بالخاء المعجمة - أي: النقي القلب من حسد الناس وغلهم؛ من خممت البيت؛ إذا كنسته من القمامة، والخمامة كالكناسة وزنًا ومعنىً.

ص: 23

صَدُوقِ اللِّسَانِ"، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ".

(7)

- 4160 - (3) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ،

===

(صدوق اللسان) أي: طاهر اللسان وصافيه من الكذب (قالوا) أي: قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدوق اللسان نعرفه) أي: نعرف معناه (فما) معنى (مخموم القلب؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم: (هو التقي) قلبه بامتثال مأموراته واجتناب منهياته (النقي) أي: الصافي اللسان من الكذب والغيبة والنميمة وغيرها؛ كالشتم الا إثم فيه) أي: في قلبه ولا في لسانه ولا في سائر جوارحه (ولا بغي) أي: لا ظلم للناس عنده (ولا غل) لهم (ولا حسد) لهم عنده.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاسنشهاد به لحديث عطية السعدي.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عطية السعدي بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(7)

- 4160 - (3)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي رجاء) محرز بن عبد الله الجزري مولى هشام بن عبد الملك،

ص: 24

عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَع، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؛ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَغبَدَ النَّاسِ،

===

قال أبو حاتم: شيخ ثقة، وقال أبو داوود: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات" قال: وكان يدلس عن مكحول، وقال الحافظ: صدوق، من السابعة. يروي عنه:(ق).

(عن برد) بضم الموحدة وسكون الراء (بن سنان) - بكسر المهملة وتخفيف النون - أبي العلاء الدمشقي نزيل البصرة، مولى قريش، صدوق رمي بالقدر، من الخامسة. يروي عنه (عم)، قال ابن معين: ثقة، وقال دحيم والنسائي وابن خراش: ثقة، وقال يزيد بن زريع: ما رأيت شاميًا أوثق من برد، وقال عمرو بن علي وخليفة: مات سنة خمس وثلاثين ومئة (135 هـ).

(عن مكحول) أبي عبد الله ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومئة (113 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن واثلة بن الأسقع) - بالقاف - ابن كعب الليثي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، نزل الشام، وعاش إلى سنة خمس وثمانين (85 هـ) وله مئة وخمس سنين. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، وإن كان فيه مكحول وأبو رجاء وهما مدلِّسان وقد عَنْعَنَا هنا؛ لأن له شواهد؛ كما سيأتي.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة؛ كن ورعًا) - بكسر الراء - أي: مجتنبًا من الشبهات .. (تكن أعبد الناس)

ص: 25

وَكُنْ قَنِعًا .. تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاس، وَأَحِبَّ لِلنَاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ .. تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ .. تَكُنْ مُسْلِمًا، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ".

===

أي: أكثر الناس عبادة لربك؛ وذلك لأن العبادة بترك المنهيات والشبهات أهم منها بفعل المأمورات (وكن) في الدنيا (قنعًا) - بكسر النون - أي: مكتفيًا بقدر الحاجة .. (تكن أشكر الناس) فإن من أعظم الشكر .. الرضا بما تيسر لك من الدنيا (وأحب للناس) المؤمنين (ما تحبـ) ـه (لنفسك) من الخيرات الدنيوية والأخروية .. (تكن مؤمنًا) أي: متصفًا بكامل الإيمان؛ فإن ذلك من مراعاة حقوق أخوة الإيمان الكامل، حتى كأن المرء لا ينظر إلى نفسه ولا إلى غيره إلا إلى الإيمان، فلاشتراكه ينظر إلى أهله على السوية، فلا يرجح النفس على الغير.

(وأَحْسِنْ) حقوقَ (جوار من جاورك) في البيت أو المعاملة أو المدارسة .. (تكن مسلمًا) أي: متصفًا بالإسلام الكامل؛ فإن الأخذ بالإسلام يقتضي المسالمة أو السلم، وقد جاء في الحديث الصحيح:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" وأعظمُ ذلك مراعاة الجار (وأَقِلَّ) من الإقلال؛ أي: أَقْلِل (الضحك) والفرح بمتاع الدنيا (فإن كثرة الضحك تُميت القلب) أي: تَنقصُ نُورَ الإيمان من القلب؛ أي: فإن كثرةَ الضحك المُورثةَ للغفلة عن الاستعداد للموت وما بعده من أهوال يوم القيامة .. تميت القلب؛ أي: إن كان قلبه حيًّا بنور الإيمان، ويزيد اسوداده إن كان ميتًا كذا في "المرقاة"(9/ 25).

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه؛ ولكن أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وأبو يعلى، وأبو نعيم في "الحلية".

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح وإن كان سنده حسنًا؛ لعنعنة مكحول

ص: 26

(8)

- 4161 - (4) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ الْمَاضِي بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ،

===

وأبي رجاء، وهما مدلسان؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عطية السعدي، والله أعلم.

* * *

ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه، فقال:

(8)

- 4161 - (4)(حدثنا عبد الله بن محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري، صدوق، من الحادية عشرة، مات قبل أبيه. يروي عنه:(ق). روى عن ابن وهب، مات سنة خمس وخمسين ومئتين (255 هـ) في ربيع الأولى.

(حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة (197 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن الماضي بن محمد) بن مسعود الغافقي أبي مسعود المصري كاتب المصاحف، ضعيف، من التاسعة، مات سنة ثلاث وثمانين ومئة (183 هـ).

يروي عنه: (ق). قال ابن عدي: منكر الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه، ولا أعلم أحدًا روى عنه إلا ابن وهب، وذكره ابن حبان في "الثقات".

قلت: قال مسلمة: كان ثقةً.

(عن علي بن سليمان) شامي مجهول، من السابعة. يروي عنه:(ق). روى عن: القاسم بن محمد، ويروي عنه: الماضي بن محمد، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: علي بن سليمان روى عن: مكحول، ويروي عنه: يزيد بن أبي حبيب، وكذا ذكره البخاري وابن يونس، وزاد: يقال: إنه دمشقي صار إلى مصر.

ص: 27

عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِير، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ".

===

قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكره ابن يونس في "الغرباء"، وقال: صاحب مكحول قدم مصر، وحدث عنه يزيد بن أبي حبيب انتهى "تهذيب".

(عن القاسم بن محمد) روى عن أبي إدريس الخولاني هذا الحديث. يروي عنه: علي بن سليمان، أظن أنه شامي، قال الحافظ: مجهول، من السادسة. يروي عنه:(ق).

(عن أبي إدريس الخولاني) عائذ الله - بتحتانية ومعجمة - ابن عبد الله، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع من كبار الصحابة، ومات سنة ثمانين (80 هـ)، كان عالم أهل الشام بعد موت أبي الدرداء. يروي عنه:(ع).

(عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني الربذي، من متقدمي الصحابة إسلامًا ومتأخريهم هجرة رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين.

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه ماضي بن محمد، وهو ضعيف، وفيه أيضًا علي بن سليمان، وهو مجهول، وفيه القاسم بن محمد، وهو مجهول أيضًا، وباقي الإسناد ثقات.

(قال) أبو ذر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عقل كالتدبير) أي: لا عقل كعقل التدبير؛ أي: كعقل يدبر في عواقب الأمور (ولا ورع كالكف) أي: أن الكف عن المنهيات، هو كإتيان المأمورات، وذلك من الورع (ولا حسب كحسن الخلق) أي: لا شرف للنفس مثل الشرف الحاصل بحسن الخلق.

ص: 28

(9)

- 4162 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ،

===

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف (1)(433)؛ لضعف سنده، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عطية السعدي بحديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(9)

- 4162 - (5)(حدثنا محمد بن خلف) بن عمار أبو نصر (العسقلاني) صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة ستين ومئتين (260 هـ). يروي عنه:(س ق).

(حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، مات سنة سبع ومئتين (207 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا سَلَّامُ) بتشديد اللام (ابن أبي مطيع) اسمه سعد، أبو سعيد

الخزاعي مولاهم البصري، ثقة، صاحب سنة، في روايته عن قتادة ضعف، من السابعة، مات سنة أربع وستين ومئة (164 هـ) وقيل بعدها. يروي عنه:(خ م ت س ق). وقال ابن عدي: لم أر أحدًا من المتقدمين نسبه إلى الضعف، وأكثر ما فيه أن روايته عن قتادة فيها أحاديث ليست بمحفوظة، وهو مع هذا كله عندي لا باس به، وقال البزار في "مسنده": كان من خيار الناس وعقلائهم.

(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن الحسن) بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار - بالتحتانية

ص: 29

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحَسَبُ الْمَالُ، وَالْكَرَمُ التَّقْوَى".

والمهملة - الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن سمرة بن جندب) بن هلال الفزاري حليف الأنصار، الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) سمرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسب) بفتحتين (المال) أي: مال الدنيا به الجاه غالبًا (والكرم) المعتبر في العقبى والآخرة المترتب عليه الإكرام بالدرجات العلا .. هو (التقوى) أي: امتثال مأمورات الشرع واجتناب مناهيه؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1).

قال الطيبي (9/ 141): الكرم: ما يَعُدُّهُ من مآثر آبائه، والكرمُ: الجَمْعُ بين أنواعِ الخير والشرف والفضائل.

وهذا بِحَسبِ اللغة، فردَّهُما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى ما هو المتعارف بين الناس وعند الله تعالى؛ أي: ليس ذُو الحسب عند الناس الفقير؛ حيث لا يُوقَّر ولا يُحتفَلُ به، بل الحسب عندهم: من رزق الثروة ووَقُرَ في العيون، ومنه حديث عمر رضي الله تعالى عنه:(مِن حَسبِ الرجل إِنْقَاء ثَوْبَيهِ) أي: أنه يُوقَّر لذلك من حيثُ إنه دليلُ الثروة وذِي الفَضْلِ والشرفِ عند الناس، ولا يُعدُّ كريمًا عند الله تعالى، وإنما الكريم عنده تعالى من ارتدى برداء التقوى، وأنشد:

كانَتْ مودةُ سَلْمانَ له نسبًا

ولم يكُنْ بَيْنَ نوحٍ وابنهِ رَحِمُ

(1) سورة الحجرات: (13).

ص: 30

(10)

- 4163 - (6) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ

===

وقيل: الحسب: ما يعده الرجل من مفاخر آبائه، والكرم: ضد اللؤم.

فقيل: معناه: الشيء الذي يكون به الرجل عظيم القدر عند الناس؛ وهو المال، والشيء الذي يكون به عظيم القدر عند الله؛ وهو التقوى، والافتخار بالآباء ليس منهما، كذا في "المرقاة"(8/ 641).

قال السندي: قوله: "الحسب المال" أي: الشرف بين أهل الدنيا المال، والكرم بين أهل الدين التقوى، أو الشرف بين الناس المال، والكرم عند الله هو التقوى، وإطلاق الناس بناءً على أن الغالب هم أهل الدنيا، وبالوجهين يندفع التنافي بين هذا الحديث وبين الحديث السابق.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في تفسير سورة الحجرات، والحاكم والدارقطني والبيهقي وأحمد.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عطية السعدي، والله أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عطية السعدي بحديث آخر لأبي ذر رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(10)

- 4163 - (6)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).

(وعثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، أخو أبي بكر بن أبي شيبة إلا أنه أكبر منه بسنتين، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (239 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

ص: 31

قَالَا: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَن، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ ضُرَيْبِ بْنِ نُقَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً - وَقَالَ عُثْمَانُ -: آيَةً لَوْ أَخَذَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِهَا .. لَكَفَتْهُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيَّةُ آيَةٍ؟

===

(قالا: حدثنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن كهمس بن الحسن) التميمي أبي الحسن البصري، ثقة، من الخامسة، مات سنة تسع وأربعين ومئة (149 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي السليل) - مكبرًا - اسمه (ضُريب) مصغرًا آخره موحدة (ابن نُقير) - بنون وقاف - أو نُفير - فاء ونون - كما في "التهذيب" مصغرًا فيهما، القيسي الجُريري - بضم الجيم مصغرًا - ثقة، من السادسة. يروي عنه:(م عم).

(عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني الرَّبَذي رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات، إلا أنه منقطع؛ لأن أبا السليل لم يدرك أبا ذر الغفاري، قاله في "التهذيب"، ولكن له شواهد وتوابع من الأسانيد الموصولة.

(قال) أبو ذر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف) وأعلم (كلمة، وقال عثمان) ابن أبي شيبة في روايته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف (آية) بدل قول هشام بن عمار: (كلمة).

(لو أخذ الناس كلهم) جميعًا (بها) أي: بتلك الكلمة بانفرادها وعملوا بها .. (لكفتهم) تلك الكلمة بانفرادها عن هموم الدنيا والآخرة (قالوا) أي: قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ أية آية؟ ) هي؛ أي:

ص: 32

قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} .

===

تلك الآية، أو أية كلمة تلك الكلمة؛ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم: تلك الكلمة أو تلك الآية الكافية قوله تعالى: ({وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا})(1)؛ أي: طريق خروج من هموم الدنيا والآخرة، ولا شك في كفاية العمل بها في الآخرة؛ لقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2)، ولقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} وإطلاقه يشمل المخرج من مخارج الدنيا والآخرة، وكذا لا شك في كفاية العمل بها في الدنيا لما ذكرنا من أن إطلاق المخرج يشملهما، ولقوله تعالى:{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ، وكذا قوله:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (3) يشمل كفاية الدنيا والآخرة. انتهى "سندي".

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وإن قال الحافظ في "التهذيب": إسناده منقطع؛ لأن له شواهد وتوابع كثيرة، أثبت بعضهم فيها الوصل، وغرضه: الاستشهاد به رابعًا لحديث عطية السعدي.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ستة أحاديث:

الأول للاستدلال، والرابع للاستئناس، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

(1) سورة الطلاق: (2).

(2)

سورة الحجرات: (13).

(3)

سورة الطلاق: (3).

ص: 33