المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(16) - (1514) - باب صفة النار - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌(16) - (1514) - باب صفة النار

(16) - (1514) - بَابُ صِفَةِ النَّارِ

(108)

- 4261 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَيَعْلَى قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ نُفَيْعٍ أَبِي دَاوُودَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

===

(16)

- (1514) - (باب صفة النار)

(108)

- 4261 - (1)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).

(و) حدثنا (يعلى) بن عبيد بن أبي أمية الكوفي أبو يوسف الطنافسي، ثقة إلا في حديثه عن الثوري؛ ففي حديثه عنه لين، من كبار التاسعة. روى عن: إسماعيل بن أبي خالد، ويروي عنه: محمد بن عبد الله بن نمير، مات سنة بضع ومئتين (203 هـ) وله تسعون سنة.

كلاهما (قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وأربعين ومئة (146 هـ). يروي عنه:(ع)، واسم أبي خالد: سعيد، وقيل: هرمز، وقيل: كثير، كذا في "خلاصة المفهم على رجال مسلم".

(عن نفيع) بن الحارث (أبي داوود) الأعمى مشهور بكنيته كوفي، ويقال: نافع متروك، وقد كذبه ابن معين، من الخامسة. يروي عنه:(ت ق).

(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.

ص: 333

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَوْلَا أَنَّهَا أُطْفِئَتْ بِالْمَاءِ مَرَّتَيْنِ .. مَا انْتَفَعْتُمْ بِهَا، وَإنَّهَا لَتَدْعُو اللهَ عز وجل أَلَّا يُعِيدَهَا فِيهَا".

===

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لأن فيه أبا داوود الأعمى، وهو متفق على تركه، فلا يحتج بحديثه.

(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ناركم) أي: إن ناركم أيها الناس (هذه) أي: التي تنتفعون بها في الدنيا في مطاعمكم ومشاربكم وفي استدفائكم بعد أن أخذت من جهنم وأطفئت؛ ليزول عنها شدة حرها (جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم) بالنسبة إلى الحرارة (ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين .. ما انتفعتم بها) في المطابخ؛ لشدة حرها، ما أمكن لأحد أن يقربها؛ ليتمكن من الانتفاع بها (وإنها) أي: وإن ناركم هذه (لتدعو الله عز وجل ألا يعيدها فيها) أي: في نار جهنم خوفًا من حرارتها؛ لشدتها بالنسبة إلى حرارتها.

أو المعنى: (ألا يعيدها) أي: ألا يعيد الحرارة المزاولة عنها إليها، وهذا يدل على أن شدة الحرارة مما يؤذي النار نفسها، ويؤيده الحديث الآتي.

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف؛ لضعف سنده، فهذا الحديث: ضعيف جدًّا متنًا وسندًا (8)(440)، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.

وأما ما يقوله بعض أهل عصرنا من تفرقة الحديث الواحد بعضه إلى الصحة وبعضه إلى الضعف بلا شاهد له ومتابع .. فلم يقله أحد من السلف، فلا نقبله.

* * *

ص: 334

(109)

- 4262 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْريسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا

===

ثم استدل المؤلف على الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فقال:

(109)

- 4262 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.

(حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة فقيه عابد، من الثامنة، مات سنة اثنتين وتسعين ومئة (192 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي، ثقة قارئ، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين، أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي صالح) ذكوان السمان، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتكت النار) أي: أخبرت النار الأخروية ضياعها وعدم استيفاء حقوقها (إلى ربها) وخالقها شكاية حقيقية بلسان المقال؛ كما يدل عليه ما بعده، بحياةٍ يخلقها الله فيها، قاله القاضي عياض، أو شكاية مجازية عرفية بلسان الحال عن لسان المقال؛ كقوله:

شكا إلي جملي طول السرى

صبر جميل فكلانا مبتلى

وقرر البيضاوي ذلك، فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكل بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها،

ص: 335

فَقَالَتْ: يَا رَبِّ؛ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ؛ نَفَسٌ فِي الشِّتَاء، وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ،

===

وصوب النووي حملها على الحقيقة، وقال ابن المنير: هو المختار.

وقال القرطبي: والأول أولى؛ لأنه حمل اللفظ على حقيقته، ولا إحالة في شيء من ذلك، وقد ورد مخاطبتها للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بقولها:(جز يا مؤمن؛ فقد أطفأ نورُك لهبي) ويضعف حمل ذلك على المجاز. انتهى من "الكوكب".

قال الحافظ في "الفتح"(2/ 19): وقد اختلف في هذه الشكوى؛ هل هي بلسان المقال أو بلسان الحال؟ واختار كلًّا طائفة من العلماء، وقال ابن عبد البر: لكلا القولين وجه ونظائر، والأول أرجح، وقال عياض: إنه الأظهر، وقال القرطبي: لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته، قال: وإذا أخبر الصادق بأمر جائز .. لم يحتج إلى تأويله، فحَمْلُه على حقيقته أولى. انتهى.

(فقالت) النار في شكواها: (يا رب؛ أكل بعض) أجزائـ (ـي بعضًا) منها، من شدة المزاحمة الحاصلة من الكثرة .. صار كأن البعض يغلب على البعض (فجعل لها) أي: أذن لها في (نفسين) تثنية نفس - بفتح الفاء - وهو ما يخرج من الجوف ويدخل من الهواء.

وفي رواية مسلم: (بنفسين) بزيادة الباء (نفس في الشتاء، ونفس في الصيف) هكذا في النسخ كلها، ويحتمل أن يكون منصوبًا، ولا عبرة بخط المنصوب على لغة ربيعة؛ لأنهم يرسمون المنصوب على صورة المرفوع والمجرور، أو مرفوعًا ووجه الرفع غير خفي. انتهى "سندي".

وعلى رواية مسلم: بجر (نفس) في الموضعين على البدل، ويجوز رفعهما

ص: 336

فَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا، وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ سَمُومِهَا".

===

بتقدير أحدهما، ونصبهما بتقدير؛ أعني:(فشدة ما تجدون من البرد) في فصل الشتاء .. هو (من زمهريرها) أي: من شدة برودتها (وشدة ما تجدون من الحر) في فصل الصيف فـ (من سمومها) أي: من شدة حرارة جهنم، ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النار؛ لأن المراد من النار وهو جهنم، وفيه طبقة زمهريرية، والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على جمع الضدين في محل واحد، وفي الحديث: أن النار مخلوقة موجودة الآن، وهو أمر قطعي للتواتر المعنوي، خلافًا من قال من المعتزلة من أنها تخلق يوم القيامة. انتهى "قسطلاني".

وفي "المصباح": الحَرُّ: خلاف البرد؛ والحَرُورُ: الريحُ الحارة تكون ليلًا ونهارًا، ويقال: إن الحرورَ بالنهار، والسمومَ بالليل، ويعكس. انتهى، قاله القرطبي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الخلق، باب صفة النار، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، والترمذي في كتاب صفة جهنم، باب ما جاء أن للنار نفسين، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استأنس المؤلف للترجمة ثانيًا بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه، فقال:

ص: 337

(110)

- 4263 - (3) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

===

(110)

- 4263 - (3)(حدثنا العباس بن محمد) بن حاتم أبو الفضل الخوارزمي (الدوري) البغدادي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وسبعين ومئتين (271 هـ). يروي عنه:(عم).

(حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نسر - بفتح النون وسكون السين المهملة - الكرماني كوفي الأصل، نزل بغداد، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان أو تسع ومئتين (209 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا شريك) بن عبد الله بن أبي شريك النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي روى عن عاصم بن بهدلة، قال ابن معين: ثقة ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: شريك صدوق ثقة كان مأمونًا ثقة كثير الحديث، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا، من الثامنة، مات سنة سبع أو ثمانٍ وسبعين ومئةٍ (178 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن عاصم) بن أبي النجود بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي أبي بكر المقرئ، صدوق له أوهام حجة في القراءة، وحديثه في "الصحيحين" مقرون، من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي صالح) ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن في رجاله شريك بن

ص: 338

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُوقِدَتِ النَّارُ أَلْفَ سَنَةٍ فَابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَاحْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَاسْوَدَّتْ؛ فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ".

===

عبد الله القاضي النخعي، وهو سيئ الحفظ، وهو علة هذا الحديث، ويؤكد ذلك اضطرابه فيه؛ تارةً يرفعه، وأخرى يوقفه، تارةً يجزم في إسناده، وتارة يقول: عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي، وتارة يقول: عن أبي صالح عن رجل آخر عن أبي هريرة، أو رجل آخر، وذلك من علاماتِ قلة ضبطه وسوء حفظه، ولأن الأصح أيضًا الوَقْفُ لا الرفعُ.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أوقدت النار) الأخروية - بصيغة المبني للمجهول - أي: نار جهنم (ألف سنة فابيضت) أي: بالغت في ابيضاض لهبها؛ لأن صيغة افعلَّ؛ لمبالغة الثلاثي، وكذا ما بعده (ثم أوقدت ألف سنة فاحمرت) أي: احمر لهبها (ثم أوقدت ألف سنة فاسودت) أي: صار لهبها أسود، لشدة حرارتها (فهي سوداء) الآن (كالليل المظلم) أي: ذي الظلام، فاجتمع فيها الشر من الوجوه كلها؛ أي: من الألوان.

وفي رواية الترمذي: (فهي سوداء مظلمة) والقصد بذلك: الإعلام بفظاعتها والتحذير من فعل ما يؤدي إلى الوقوع فيها. انتهى "تحفة".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب صفة جهنم (7) باب منه، قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة الموقوف منه أصح من المرفوع، ولا أعلم أحدًا رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك.

قال المنذري في "الترغيب" بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي في "الشعب" مختصرًا مرفوعًا، قال:(أترونها كناركم هذه؟ ! لهي أشد سوادًا من القار) والقار: الزفت.

ص: 339

(111)

- 4264 - (4) حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ،

===

زاد رزين: (ولو أن أهل النار أصابوا ناركم هذه .. لناموا فيها، أو لقالوا فيها) انتهى، قوله:(لقالوا): من القيلولة.

فدرجة هذا الحديث: أنه ضعيف جدًّا؛ لأن فيه عللًا كثيرة؛ منها: الوقف، وهو أقواها؛ لأنا لم نر أحدًا رفعه إلا يحيى بن أبي بكير عن شريك.

قلت: يحيى هذا ثقة محتج به في "الصحيحين"، فلا بد فيه من الغمز فيه خصوصًا وشيخه شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو كثير الأخطاء سيئ الحفظ، فهو نفسه عِلَّةُ الحديث، ويؤكد ذلك اضطرابه في هذا الحديث؛ فتارةً يرفعه، وأخرى يوقفه؛ وتارةً يجزم في إسناده؛ فيقول: عن أبي صالح، وتارةً يشك فيه؛ فيقول: عن أبي صالح أو عن رجل آخر، وذلك من علامات قلة ضبطه وسوء حفظه، فلا جرم ضعفه أهل العلم والمعرفة برجال الحديث.

فالحديث: ضعيف مرفوعًا وموقوفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، فالحديث: ضعيف متنًا وسندًا (9)(441).

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(111)

- 4264 - (4)(حدثنا الخليل بن عمرو) الثقفي أبو عمرو البزاز البغوي، نزيل بغداد، صدوق، وقد روى عنه أبو داوود في كتاب الزهد، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(ق).

(حدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله الباهلي مولاهم (الحراني) ثقة، من

ص: 340

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، الطَّوِيل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنَ الْكُفَّارِ فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ في النَّارِ غَمْسَة فَيُغْمَسُ فِيهَا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ:

===

التاسعة، مات سنة إحدى وتسعين ومئة (191 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(م عم).

(عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني نزيل العراق إمام المغازي، صدوق يدلس رمي بالتشيع والقدر، بل هو ثقةٌ عارف بالعلم، من صغار الخامسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، ويقال بعدها. يروي عنه:(م عم).

(عن حميد الطويل) ابن أبي حميد، في اسم أبيه أقوالٌ عشر؛ منها: تَيْرٌ أو تَيْرَويه، أبو عبيدة البصري، ثقةٌ مدلس، وعابَه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء، من الخامسة، مات سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى) بالبناء للمفعول؛ أي: يُجَاءُ (يوم القيامة بِأَنْعَمِ) جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل؛ أي: يجاء بأَغْنَى وأَبْسَط (أهل الدنيا) وأوسعهم مالًا وأهلًا، حالة كونه (من الكفار) والمنافقين لا من المؤمنين؛ أي: يؤتى بالذي عاش في الدنيا في الراحة ونَعِم أكثر من كل من سواه، وكان ممن يستحق النار، كافرًا كان أو منافقًا (فيقال) من جهة الله للملائكة؛ أي: يقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي (اغمسوه) أي: أدخلوا يا ملائكتي هذا الأبسط والأوسع (في النار غمسةً) أي: مرة من الغمس والإدخال؛ ليذوق العذاب.

(فيغمس فيها) أي: في النار (ثم يقال له) من جهة الله؛ أي: يقال لذلك

ص: 341

أَيْ فُلَانُ؛ هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا وَبَلَاءً فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ غَمْسَةً في الْجَنَّةِ فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً، فَيُقَالُ: أَيْ فُلَانُ؛ هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أَوْ بَلَاءٌ؟ فَيَقُولُ: مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلَا بَلَاءٌ.

===

الأوسع الذي غمس في النار: (أي فلان) أي: يا فلان (هل أصابك) ونالك (نعيم قط؟ ) أي: في زمن مضى من عمرك، ولفظ:(قط) كلمة مستغرقة لما مضى من الزمان (فيقول) ذلك الأبسط في الدنيا لسائله: إلا ما أصابني) ولا ما نالني (نعيم قط) فيما مضى من عمري.

(ويؤتى بأشد المؤمنين) وأكثرهم (ضرًا وبلاءً) أي: ضررًا وامتحانًا (فيقال) للملائكة: (اغمسوه) أي: اغمسوا هذا الأشد ضررًا وأدخلوه (غمسةً) أي: دخلةً واحدةً (في الجنة، فيغمس فيها) أي: في الجنة (غمسةً، فيقال) له: (أي فلان) أي: يا فلان (هل أصابك ضر قط أو بلاءً؟ فيقول: ما أصابني) ولا ما نالني (قط)؛ أي: في زمن من الأزمنة الماضية (ضر ولا بلاءً) وعطف (البلاء) على (ضر) عطف تفسير.

وقوله: "اغمسوه في الجنة" أي: أدخلوه فيها ساعة، قدر ما يغمس في الماء ونحوه؛ فإطلاق الغمس ها هنا؛ للمشاكلة، ويحتمل أن المراد: الغمس في أنهار الجنة. انتهى "س".

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

ثم استأنس المؤلف للترجمة ثالثًا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، فقال:

ص: 342

(112)

- 4265 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ الْمُخْتَار، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ،

===

(112)

- 4265 - (5)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا بكر بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الأوسي الكوفي، ويقال له: بكر بن عبيد، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة إحدى أو اثنتي عشرة ومئتين، وقيل: تسعة عشرة ومئتين (219 هـ). يروي عنه: (د س ق).

(حدثنا عيسى بن المختار) بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي، ثقةٌ، من التاسعة. يروي عنه:(د س ق). قال ابن سعد: كان سمع "مُصنَّفَ ابن أبي ليلى" منه، وقال ابن شاهين: في الثقات، قال ابن معين: صالح، وقال الدارقطني: ثقةٌ، وقال الذهبي: مُقِلٌّ تفرَّد عنه ابن عمه بكرُ بن عبد الرحمن.

(عن محمد) بن عبد الرحمن (بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الكوفي القاضي أبي عبد الرحمن، صدوق سيئ الحفظ جدًّا، من السابعة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(عم).

(عن عطية) بن سعد بن جنادة (العوفي) الجدلي الكوفي أبي الحسن، صدوق يخطئ كثيرًا، وكان شيعيًّا مدلسًا، من الثالثة، مات سنة إحدى عشرة ومئة (111 هـ). يروي عنه:(د ت ق).

(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لأن فيه عطية العوفي، وهو متفق على ضعفه، والراوي عنه محمد بن عبد الرحمن سيئ الحفظ كثير الخطأ، فهو ضعيف أيضًا.

ص: 343

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْكَافِرَ لَيَعْظُمُ حَتَّى إِنَّ ضِرْسَهُ لَأَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ، وَفَضِيلَةُ جَسَدِهِ عَلَى ضِرْسِهِ كَفَضِيلَةِ جَسَدِ أَحَدِكُمْ عَلَى ضِرْسِهِ".

===

(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر ليعظم) ويكبر جسمه (حتى إن ضرسه) وإحدى طواحين أسنانه (لـ) يكون (أعظم) وأكبر (من) جبل (أحد) - بضمتين - جبل معروف بالمدينة، وهو من أعظم جبالها، قال في "القاموس": الضرس - بالكسر -: السن الطاحن، وقال في "المجمع": الأضراس: الأسنان سوى الثنايا الأربعة.

قوله: "لأعظم من أحد" أي: لأكبر من جبل أحد في المقدار (وفضيلة جسده) أي: وكبر جسم الكافر وزيادته (على ضرسه) الذي كان أكبر من جبل أحد (كـ) نسبة (فضيلة) وزيادة (جسد أحدكم) المعتاد (على ضرسه) المعتاد، والزيادة هنا من باب الانتفاخ.

وقال السندي: والزيادة بمعنى: انتفاح الجسم لا الزيادة من خارج؛ لئلا يلزم تعذيب الأجزاء غير العاصية، وقد يقال: هو سبحانه قادر على أن يحفظ غير العاصي من الأجزاء من العذاب مع وجود الزيادات؛ تقبيحًا في الصورة وتشديدًا في العذاب؛ وذلك بأن يجعل الأجزاء الزائدة طريقًا لوصول العذاب إلى الأصلية مع عدم الوصول إلى الزائدة، فليتأمل. انتهى منه.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف (10)(442)؛ لضعف سنده؛ لما مر آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، والله أعلم.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث الحارث بن أُقَيْشٍ رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 344

(113)

- 4266 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَاوُودَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي بُرْدَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا الْحَارِثُ بْنُ أُقَيْشٍ،

===

(113)

- 4266 - (6)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني أو الطائي أبو علي الأشل المروزي نزيل الكوفة، ثقةٌ له تصانيف، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ). يروي عنه (ع).

(عن داوود بن أبي هند) دينار بن عُذَافِرَ القُشيري مولاهم أبي بكر البصري، ثقةٌ متقن كان يهم بأخرة، من الخامسة، مات سنة أربعين ومئة (140 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).

(حدثنا عبد الله بن قيس) النخعي الكوفي. روى عن: الحارث بن أُقَيْشٍ الصحابي الفاضل، ويروي عنه: داوود بن أبي هند، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال عليُّ بن المديني: عبد الله بن قَيْسٍ الذي روى عنه داوود بن أبي هند .. سمع الحارث بن أُقَيْشٍ. وعنه: داوود بن أبي هند، مجهول لم يرو عنه غير داوود، ليس إسناده بالصافي.

قلت: هو مختلف فيه؛ لأنه وثقه ابن حبان. يروي عنه: (ق).

(قال) عبد الله بن قيس: (كنت عند أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي (ذات ليلة) أي: ذاتًا هي ليلة، أو ليلة من الليالي، فلفظة (ذات) مقحمة (فدخل علينا الحارث بن أُقَيْشٍ) - بضم الهمزة وفتح القاف آخره شين معجمة مصغرًا، وقد تبدل الهمزة واوًا - العكليُّ ثم العوفيُّ، حليفُ الأنصار، الصحابي المُقِلُّ رضي الله تعالى عنه.

ص: 345

فَحَدَّثَنَا الْحَارِثُ لَيْلَتَئِذٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يدخلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا".

===

قال عبدُ الله بن قيس: (فحدثنا الحارث) بن أُقَيْشٍ (ليلتئذ) أي؛ ليلة إذ دخل علينا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال).

فهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الله بن قيس وهو مختلف فيه.

أي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أمتي) يعني: أمة الإجابة (من يدخل الجنة بشفاعته) قوم (أكثر من) قبيلة (مضر) اسم قبيلة (وإن من أمتي) يعني: أمة الدعوة (من يعظم) ويكبر جسمه (للنار) الأخروية؛ أي: لعذاب جهنم (حتى يكون) ذلك الشخص الذي يعظم جسمه للنار، أي: يعظم ويسمن جسمه للنار الأخروي؛ حتى يكون ذلك الشخص الذي يسْمَنُ جسمُه للنار (أحدَ زواياها) أي: أحد زوايا النار وأركانها ويملأه بجسمه الذي سَمَّنَه في الدنيا من المال الحرام.

قال السندي: قوله: "إن من أمتي" تحمل الأمة أولًا على أمة الإجابة، وثانيًا على أمة الدعوة، ويحتمل أن تحمل الأمة في الموضعين على أمة الدعوة؛ بناءً على أنها تَعُم أمة الإجابة، دون العكس. انتهى "سندي".

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، لكن رواه أحمد بن منيع في "مسنده": حدثنا أبو يعلى، حدثنا حماد عن داوود ابن أبي هند، فذكره، وقال: أكثر من ربيع ومضر، ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" من طريق يزيد بن أبيان الرقاشي، حدثنا داوود بن أبي هند، فذكره، وسياقه أتم، ورواه مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد.

ص: 346

(114)

- 4267 - (7) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالكٍ

===

ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

ثم استأنس المؤلف للترجمة رابعًا بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فقال:

(114)

- 4267 - (7)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا محمد بن عبيد) - بغير إضافة - ابن أبي أمية الطنافسي الكوفي الأحدب، ثقةٌ يحفظ، من التاسعة، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عن: الأعمش، ويروي عنه: محمد بن عبد الله بن نمير. يروي عنه: (ع).

(عن) سُلَيْمَانَ بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي، ثقةٌ ثبت، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين، أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن يزيد) بن أبيان (الرقاشي) - بتخفيف القاف ثم معجمة - أبي عمرو البصري القاصِّ - بتشديد المهملة - زاهد ضعيف، من الخامسة، مات قبل العشرين ومئة. يروي عنه:(ت ق).

(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه يزيد بن أبيان الرقاشي، وهو متفق على ضعفه.

ص: 347

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُرْسَلُ الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَيَبْكُونَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ حَتَّى يَصِيرَ في وُجُوهِهِمْ كَهَيْئَةِ الْأُخْدُودِ لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهَا السُّفُنُ .. لَجَرَتْ".

(115)

- 4268 - (8) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ،

===

(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُرْسَلُ البكاءُ على أهل النار) أي: يُسلَّط عليهم البكاءُ ويَبْتَلِيهم الله به ليعذِّبهم به (فيبكون) بكاءً كثيرًا (حتى ينقطع) عنهم (الدموع) أي: ماؤه وينعدم (ثم يبكون الدم حتى يصير) أي: يَجْعَل ويَحْفِرَ ذلك الدم (في وجوههم) حفيرة (كهيئة الأخدود) أي: مثلَ صورة الأخدود؛ والأخدود: الحفرة المستطيلة في الأرض؛ كالخُدَّةِ - بالضم -: الجَدْوَلِ (لو أُرسلت) وأُجريت (فيها) أي: في تلك الحفيرة (السُّفُن .. لجرَتْ) أي: لسَبَحَتْ السفن فيها؛ كما تَسْبَحُ وتجري في البحر والأنهار الكبيرة، والله أعلم.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف (11)(443)؛ لضعف سنده، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(115)

- 4268 - (8)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) وقد ينسب لجده، وقيل: هو إبراهيم أبو عمرو البصري، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة أربع وتسعين ومئة (194 هـ) على الصحيح. يروي عنه (ع).

ص: 348

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ.

===

(عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري، ثقةٌ إمام الأئمة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن سليمان) بن مهران الأعمش الكاهلي الأسدي، ثقةٌ ثبت قارئ، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين، أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن مجاهد) بن جبر أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي، ثقةٌ إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومئة (104 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) ابن عباس: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ})(1).

أي: لا تكونوا على حال سوى حال الإِسلام إذا أدرككم الموت، فمن واظب على هذه الحالة وداوم عليها .. مات مسلمًا، وسلم في الدنيا من الآفات وفي الآخرة من العقوبات، ومن تقاعد عنها وتقاعس .. وقع في العقاب في الآخرة، ومن ثم أتبعه صلى الله عليه وسلم بقوله:(ولو أن قطرة من الزقوم) بوزن التنور؛ من الزقم؛ وهو اللقم الشديد، والشرب المفرط.

قال في "المجمع": الزقوم: شجرة خبيثة مرة كريهة الريح والطعم، يكره أهل النار على تناوله وأكله.

(1) سورة آل عمران: (102).

ص: 349

قَطَرَتْ في الْأَرْضِ .. لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ؟ ! ".

===

(قطرت) بصيغة المعلوم، ويجوز أن يكون على صيغة المجهول، من باب نصر، قال في "القاموس": قطر الماء والدمع، قطرًا وقطورًا وقطرانًا - محركة - وقطَّره الله وأقطره وقطره.

(في الأرض .. لأفسدت على أهل الدنيا) أي: على أهل الأرض (معيشتهم) أي: حياتهم، أي: كدَّرت عليهم حياتهم وأهلكتهم (فكيف بـ) حال (من ليس له طعام غيره) أي: غير الزقوم؟ !

قال في "النهاية": الزقوم: ما وصفه الله في كتابه العزيز بقوله: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} (1).

وهي فعولٌ؛ من الزقم؛ وهو اللقم الشديد والشرب الكثير. انتهى "س".

قوله: "لأفسدت" أي: لمرارتها وعفونتها وحرارتها.

قوله: "معيشتهم" وفي رواية الترمذي: (معايشهم) - بالياء وقد يهمز - جمع معيشة (فكيف بمن يكون) أي: الزقوم (طعامه؟ ! ) بالنصب. انتهى من "التحفة".

قال في "الترغيب" بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، إلا أنه قال:(فكَيْفَ بمن لَيْسَ له طعامٌ غَيْرُهُ؟ ! )، والحاكم إلا أنه قال فيه:(فقال: والذي نفسي بيده؛ لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الأرض .. لأفسدت - أو قال: لأمرَّتْ - على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟ ! ) وقال الحاكم: صحيح على

(1) سورة الصافات: (64 - 65).

ص: 350

(116)

- 4269 - (9) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

===

شرطهما، وروي موقوفًا على ابن عباس. انتهى، ورواه أحمد في "المسند"، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: ودرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:

(116)

- 4269 - (9)(حدثنا محمد بن عبادة) بفتح العين والموحدة المخففة (الواسطي) صدوق فاضل، من الحادية عشرة. يروي عنه:(خ د ق).

(حدثنا يعقوب بن محمد) بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف (الزهريّ) المدني، نزيل بغداد، صدوق كثيرُ الوهمِ والروايةِ عن "الضعفاء" وذكره ابن حبان في "الثقات"، من كبار العاشرة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ). يروي عنه:(ق).

(حدثنا إبراهيم بن سعد" بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ أبو إسحاق المدني نزيل بغداد، ثقةٌ حجة تكلم فيه بلا قادح، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومئة (185 هـ). يروي عنه: (ع).

(عن) محمد بن مسلم ابن شهاب (الزهريّ) المدني، ثقةٌ، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).

ص: 351

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ؛ حَرَّمَ أللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ".

===

(عن عطاء بن يزيد) الليثي المدني، نزيل الشام، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة خمس أو سبع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تأكل النار) أي: تحرق النار الأخروية (ابن آدم إلا أثر السجود) أي: إلا الموضع الذي فيه أثر السجود؛ يعني: أعضاء السجود التي أمرنا بالسجود بها؛ (حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود) ظاهر هذا أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة التي يسجد الإنسان عليها؛ وهي: الجبهة واليدان والركبتان والقدمان، وهكذا قاله بعض أهل العلم، وأنكره عياض، وقال: المراد: الجبهة خاصة، قال النووي؛ والمختار الأول.

وذكر مسلم بعد هذا الحديث مرفوعًا: (أن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات الوجوه) وهؤلاء مخصوصون من جملة القوم الخارجين من النار؛ بأنه لا يسلم منهم من النار إلا تلك الأعضاء، وأما غيرهم .. فيسلم جميع أعضاء السجود منهم؛ عملًا بعموم هذا الحديث، فهذا الحديث عام، وذلك خاص، فيعمل بالعام إلا ما خص، والله أعلم.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

ص: 352

(117)

- 4270 - (10) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّة، فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يُخْرَجُوا

===

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له أيضًا رضي الله تعالى عنه، فقال:

(117)

- 4270 - (10)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي أبو عبد الله الكوفي، ثقةٌ حافظ، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ) على الصحيح. يروي عنه؛ (ع).

(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقةٌ فقيه، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالموت يوم القيامة) على صورة كبش (فيوقف على الصراط، فيقال) من جهة الله؛ أي: تقول الملائكة بأمر الله تعالى: (يا أهل الجنة، فيطلعون) أي: يستشرفون إلى محل المناداة وينظرون إليه حالة كونهم (خائفين) من أن يخرجوا من الجنة، وحالة كونهم (وجلين أن يخرجوا) أي: فزعين من أن

ص: 353

مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيه، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّار، فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيه، فَيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاط، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ: كِلَاهُمَا خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ لَا مَوْتَ فِيهَا أَبَدًا".

===

يحولوا (من مكانهم الذي هم فيه، ثم يقال) وينادى ثانيًا: (يا أهل النار، فيطلعون) أي: يستشرفون إلى محل المناداة (مستبشرين) بما هم فيه من النعيم (فرحين) بـ (أن يخرجوا) ويحولوا (من مكانهم الذي هم فيه) إلى أعلى المقام (فيقال) لهم: (هل تعرفون هذا) مشارًا لهم إلى الموت؟

(قالوا) أي: قال أهل الجنة: (نعم) نعرفه (هذا) الكبش هو (الموت، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيؤمر) من جهة الله (به) أي: بذبحه (فيذبح على الصراط، ثم يقال) من جهة الله (للفريقين كلاهما) لكم: (خلود فيما تجدون) من النعيم والعذاب (لا موت فيها) أي: الجنة أو النار (أبدًا).

قوله: "يؤتى بالموت يوم القيامة" قيل: هو شيء يخلق الله عند ذبحه علمًا ضروريًّا في قلوبهم أنه لا موت بعد ذلك، ولو شاء .. لخلق العلم من غير ذبح أيضًا، لكن لا يسأل عما يفعل، وإلا .. فالموت على تقدير تجسمه وذبحه، لا يوجب ذبحه العلم بعدم الموت بعد ذلك؛ لإمكان خلق مثله، أو إعادته؛ كما أعاد الموتى المذبوحين منهم وغيرهم. انتهى "سندي".

قوله: "فيطلعون خائفين" أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه.

قوله: (فيذبح على الصراط) قال المازري: الموت عند أهل السنة: عرض يضاد الحياة.

وقال بعض المعتزلة: ليس بعرض، بل معناه: عدم الحياة، وهذا خطأ؛ لقوله

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} (1) فأثبت الموت مخلوقًا، وعلى المذهبين ليس الموت بجسمٍ في صورة كبشٍ وغيره، فيتأول الحديث على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم، ثم يذبح مثالًا، كذا قال النووي في "شرح مسلم"(17/ 185).

وفي الباب أحاديث في الصحاح وفي السنن، فيها ذكر الكبش والإضجاع والذبح ومعاينة الفريقين.

قال ابن القيم في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"(289): وذلك حقيقة لا خيال ولا تمثيل، كما أخطأ فيه بعض الناس خطأ قبيحًا، وقال: الموت عرض والعرض لا يتجسم، فضلًا عن أن يذبح، وهذا لا يصح؛ فإن الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح؛ كما ينشئ من الأعمال صورًا معاينة يثاب بها ويعاقب عليها، والله تعالى ينشئ من الأعراض أجسامًا تكون الأعراض مادة لها وينشئ من الأجسام أعراضًا؛ كما ينشئ سبحانه من الأعراض أعراضًا، ومن الأجسام أجسامًا، فالأقسام الأربعة ممكنة مقدورة للرب تعالى، ولا يستلزم جمعًا بين النقيضين، ولا شيئًا من المحال، ولا حاجة إلى تكلف من قال: إن الذبح لِمَلَكِ الموت، فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل، وسببه قلة الفهم لمراد الرسول صلى الله عليه وسلم من كلامه، فظن هذا القائل أن لفظ الحديث دل على أن نفس العرض يذبح، وظَنَّ غالطٌ آخرُ أن العرض يزول ويعدم ويصير مكانه جسم يذبح، ولم يهتد الفريقان إلى هذا القول الذي ذكرناه، وأن الله سبحانه ينشئ من الأعراض أجسامًا يجعلها مادةً لها؛ كما في الصحاح عنه صلى الله عليه وسلم: "تجيء سورتا البقرة وآل عمران يوم القيامة؛ كأنهما

(1) سورة الملك: (2).

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

غمامتان

" الحديث، فهذه هي القراءة التي ينشئها الله سبحانه وتعالى غمامتين.

وكذلك قوله في الحديث الآخر: "إن ما تذكرون من جلال الله؛ من تسبيحه وتحميده وتهليله .. يتعاطفن حول العرش، لهن دوي؛ كدوي النحل، يذكرن بصاحبهن" ذكره أحمد.

وكذلك قوله في حديث عذاب القبر ونعيمه للصورة التي يراها فيقول: (من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، وأنا عملك السيئ) وهذا حقيقة لا خيال، ولكن الله سبحانه أنشأ له من عمله صورةً حسنةً، وصورةً قبيحة. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

قوله: "لا موت فيها" أي: في الجنة أو في النار.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن له شاهد في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: عشرة أحاديث:

واحد للاستدلال، وخمسة للاستشهاد، وأربعة للاستئناس.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 356