الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) - (1502) - بَابُ النِّيَّةِ
(17)
- 4170 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَا: أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ،
===
(4)
- (1502) - (باب النية)
(17)
- 4170 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة متقن، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي مولاهم المصري، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م ق).
(أنبأنا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم المصري، عالم مصر وفقيهها حجة إمام فقيه قرين مالك، من السابعة، مات سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).
كلاهما أي: كل من يزيد وليث (قالا: أنبأنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني أبو سعيد القاضي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(أن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد (التيمي) أبا عبد الله المدني، ثقة له أفراد، من الرابعة، مات سنة عشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(ع).
(أخبره) أي: أخبر يحيى بن سعيد (أنه) أي: أن محمدًا (سمع علقمة بن وقاص) - بتشديد القاف - الليثي المدني، ثقة ثبت، من الثانية، أخطأ من زعم
أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ
===
أن له صحبة، وقيل: إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة عبد الملك. يروي عنه:(ع).
(أنه) أي: أن علقمة (سمع عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه (وهو) أي: والحال أن عمر (يخطب) أي: يعظ (الناس) بالترغيب والترهيب.
وهذان السندان من سداسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات أثبات.
(فقال) عمر في خطبته: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) في خطبته: (إنما الأعمال بالنيات) أي: إنما حصول العمل بالنية بناء على أن الشرط في حصول العمل النية، أو إنما كمال العمل بالنية؛ بناء على أنها ليست بشرط فيه.
قال جماهير العلماء من أهل العربية والأصول وغيرهم؛ كالفقهاء: لفظة: (إنما) موضوعة للحصر، تثبت المذكور، وتنفي ما سواه؛ فتقدير هذا الحديث: إن الأعمال تحسب بنية، ولا تحسب إذا كانت بلا نية، قاله النووي.
والأعمال أعم من أن تكون أقوالًا أو أفعالًا، فرضًا أو نفلًا، قليلة أو كثيرة صادرة من المكلفين المؤمنين.
(بالنيات) بالجمع، وكذا وقع في رواية البخاري في أول "صحيحه" بالجمع. قال الحافظ: وهو من مقابلة الجمع بالجمع؛ أي: كل عمل بنيتِهِ.
وقال الحربي: كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع؛ كما تتنوع الأعمال؛ كمن قصد بعمله وجه الله، أو تحصيل موعوده، أو الاتقاء من وعيده.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ووقع في معظم الروايات - كمسلم - بإفراد النية، ووجه إفراده حينئذ: أن محل النية القلب، وهو متحد، فناسب إفرادها، بخلاف الأعمال؛ فإنها متعلقة بالظواهر، وهي متعددة، فناسب جمعها، ولأن النية ترجع إلى الإخلاص، وهو واحد للواحد الذي لا شريك له.
قال النووي: والنية: القصد؛ وهو عزيمة القلب، وتعقبه الكرماني: بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد.
وقال البيضاوي: النية: عبارة عن انبعاث القلب نَحْوَ ما يراه موافقًا لغرض؛ من جلب نفع، أو دفع ضر، حالًا أو مآلًا.
والشرع خصصه بالإرادة المتوجهةِ نَحْوَ الفعلِ؛ لابتغاء رضاء الله تعالى وامتثال حِكَمِه.
والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي؛ ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر؛ فإنه تفصيل لما أجمل أولًا.
ولفظة: (إنما) موضوعة للحصر، تثبت المذكور وتنفي ما سواه؛ كما مر آنفًا.
فتقدير هذا الحديث: أن الأعمال تحسب إذا كانت بنية، ولا تحسب إذا كانت بلا نية؛ والمعنى: إنما الأعمال تثاب بالنية؛ فلا يثاب الرجل على عمل صالح إلا إذا أراد به وَجْهَ الله تعالى.
والمراد بـ (الأعمال): المشروعةُ؛ كما دل عليه تمثيلها بالهجرة؛ فالأعمال المشروعة، سواء كانت واجبة أو مسنونة أو مباحة .. يؤجر عليها بحسب النية، والأمور المباحة لا ثواب عليها ولا عقاب، ولكن إذا أتى بها الإنسان بنية حسنة .. أثيب عليها؛ مثل أكل الطعام؛ فإنه مباح، ولكن إذا أكل الرجل بنية التقوي
وَلكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ .. فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِه،
===
على الحسنات .. أثيب عليه أيضًا؛ ومقصود الحديث: التأكيد على إخلاص الأعمال الصالحة لله تعالى وتطهيرها من شوائب الرياء والسمعة والأغراض الدنيوية، وقد أطال العلماء رحمهم الله الكلام في بيان حقيقة النية والإخلاص وأحكام ما يشوبها من الشوائب.
(و) إنما (لكل امرئ ما نوى) وكذا لكل امرأة ما نوت؛ لأن النساء شقائق الرجال؛ جزاء ما نواه.
قال النووي: قال العلماء: فائدة ذكره بعد قوله: "إنما الأعمال بالنيات" .. بيان أن تعيين المنوي شرط؛ فلو كان على الإنسان صلاة مقضية .. لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة، بل يشترط أن ينوي كونها ظهرًا أو عصرًا مثلًا، ولولا اللفظ الثاني .. لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين، أو أوهم ذلك. انتهى منه.
وذكر السمعاني في "أماليه" ما يفيد أن اللفظ الأول؛ يعني: قوله: "إنما الأعمال بالنيات" .. ينبئ عن اشتراط الإخلاص في ثواب الطاعات.
واللفظ الثاني؛ يعني: قوله: "وإنما لكل امرئ ما نوى" .. لبيان أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها القربة؛ كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة، وهذا أوضح ما قيل في الفرق بين الجملتين. انتهى "فتح الباري"(1/ 14).
(فمن كانت هجرته) أي: تنقله وتحوله من مكة أو من غيرها من بلاد الكفرة إلى المدينة (إلى الله ورسوله) أي: لطلب رضا الله ورسوله؛ فإلى بمعنى اللام .. (فهجرته) أي: فجزاء هجرته (إلى الله ورسوله) أي: على الله
وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا .. فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيهِ".
===
سبحانه وتعالى بمقتضى وعده تعالى؛ فإلى بمعنى على.
وقال ابن دقيق العيد في تفسير هذه الجملة: أي: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وقصدًا .. فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا، ونحو هذا في التقدير قوله:(ومن كانت هجرته لدنيا) أي: لغرض دُنْيا؛ يريدُ أَنْ (يصيبها) ويَكْتَسِبَها بِالغَنيمةِ أو بعملٍ (أو) لغرضِ نكاحِ (امرأة) يريد أَنْ (يتزوجها .. فـ) جزاء (هجرته إلى ما هاجر إليه) أي: ما هاجر له من الدنيا أو المرأة؛ فـ (إلى) زائدة؛ لئلا يتحد الشرط والجزاء، فلا بد من تغايرهما. انتهى من "القسطلاني".
وقوله: "فهجرته إلى ما هاجر إليه" هذا تفسير يعم كل نوع من النية؛ ليتبين أن حكم كل هجرة بحسب نيتها، ولا يستلزم ذلك أن تكون الهجرة للمرأة موجبة للعقاب، وإنما المراد: أنها لا تستحق الأجر وإن كانت مباحة، ولو كانت النية مخلوطة بالقربة والغرض الدنيوي .. فالعبرة بالباعث القوي، والله أعلم.
وقال ابن دقيق العيد: إنما خصت المرأة بالذكر؛ لكون الحديث ورد في قصة مهاجر أم قيس، وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور، قال:(من هاجر يبتغي شيئًا .. فإنما له ذلك؛ هاجر رجل ليتزوج امرأةً، يقال له: مهاجر أم قيس) رواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: (كان فينا رجل خطب امرأةً يقال لها: أم قيس، فابت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها، فكنا نسميه مهاجر أم قيس).
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 10): وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين،
(18)
- 4171 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
===
لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك، والله أعلم.
فهذا الحديث ورد لبيان الفرق بين النية الفاسدة والصحيحة الصالحة؛ فالأولى مذمومة ضارة، والثانية محمودة نافعة، ولم يرد لبيان ما فيه النية وما ليست فيه، فلم يتعرض لوجود النية وعدمها، ولم يختص بعمل دون عمل، ولا حكم دون حكم؛ كما يشعر به تفاريع الشافعية والحنفية، وقد بسط المعنى المذكور الذي ذكرناه العلامة السندي في تعليقه على البخاري، فارجع إليه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب ما جاء إنما الأعمال بالنيات، وفي كتاب بدء الوحي، وفي مواضع كثيرة، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات"، وأنه يدخل فيها الغزو وغيره من الأعمال، وأبو داوود في كتاب الطلاق، باب فيما عُنِيَ به الطلاق والنيات، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد، باب فيمن يقاتل رياءً، والنسائي في كتاب الطهارة، باب النية في الوضوء.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث عمر بحديث أبي كبشة الأنماري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(18)
- 4171 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي،
وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْد، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ مَالًا
===
ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
كلاهما (قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الأسدي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين، أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن سالم بن أبي الجعد) رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة وكان يرسل كثيرًا، من الثالثة، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين (98 هـ)، وقيل مئة، ولم يثبت أنه جاوز المئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي كبشة الأنماري) اسمه سعيد بن عمرو، أو عمرو بن سعيد، وقيل: عمر أو عامر بن سعد، الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، له حديث واحد. يروي عنه:(د ت ق).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو كبشة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل هذه الأمة) المحمدية؛ أي: صفتهم .. (كمثل أربعة نفر) أي: كصفة أربعة أشخاص (رجل) بالجر بدل مما قبله؛ بدل تفصيل من مجمل، أو بدل بعض من كل، وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف جوازًا؛ تقديره: أحدهم رجل (آتاه الله) سبحانه (مالًا)
وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِه، يُنْفِقُهُ فِي حَقِّه، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا .. عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ،
===
من جهة حل (وعلمًا) شرعيًّا (فهو يعمل بعلمه) الذي آتاه الله عز وجل (في ماله) الذي آتاه الله عز وجل بصرف صدقاته الواجبة منه والمندوبة؛ كما ذكر ذلك بقوله: (ينفقه) أي: ينفق ماله ويصرفه (في حقه) أي: في مصارفه الشرعية؛ كالإنفاق على المحاويج من الفقراء والمساكين والأرامل وفي صلة الأرحام وقرى الضيفان.
(و) ثانيهم: (رجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالًا) ينفقه في سبيل الله (فهو يقول: لو كان لي) من المال (مثل هذا) المال الذي آتاه الله لهذا الرجل المنفق ماله في الخيرات .. (عملت فيه) أي: في ذلك المثل الذي آتاني الله عملًا (مثل) العمل (الذي يعملـ) ـه هذا الرجل المنفق لماله في مصارف الخيرات وهو الرجل الأول؛ أي: يقول فيما بينه وبين ربه، وهذا القول يرجع إلى النية؛ والمراد: أنه على نية الخير، فهو في أصل الأجر أيضًا مساو للمنفق، وإن كان للمنفق زيادة الأضعاف؛ فإن من نوى حسنة .. يكتب له واحدة، لا الأضعاف المزيدة بالإنفاق، وإذا فعلها .. كتبت له عشرة؛ كما في الحديث الصحيح.
فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما) أي: ذاك الأول الذي ينفق ماله، وهذا الثاني الذي نوى الانفاق لو أوتي مالًا (في) أصل (الأجر سواء) أي: مستويان، وإن اختصت زيادة الأضعاف بالأول الذي أنفق ماله.
والمعنى: فأجر من عقد عزمه على أنه لو كان له مال أنفق منه في الخير، وأجر من له مال ينفق .. سواء؛ أي: مستويان في أصل الإنفاق، ويكون أجر العلم زيادة له؛ لأنه أنفق بعلمه.
وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِه، يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّه، وَرَجُلٍ لَمْ يُؤْتِهِ اللهُ عِلْمًا وَلَا مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا .. عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ".
===
(و) ثالثهم: (رجل آتاه الله مالًا، ولم يؤته علمًا) بكيفية الإنفاق في الخير (فهو) أي: فهذا الثالث؛ والفاء فيه بمعنى الواو الحالية (يخبط) من باب ضرب؛ أي: يسرف في ماله بصرفه في الباطل والحرام وشهوات النفس؛ أي: يسرف (في ماله) حالة كونه (ينفقه) ويخرجه (في غير حقه) ومصارفه من شهوات النفس؛ كالزنا والخمر.
(و) رابعهم: (رجل لم يؤته الله) عز وجل (علمًا) بكيفية إنفاق ماله في الخير (ولا مالًا) فهو عكس الرجل الأول؛ والفاء في قوله: (فهو) بمعنى الواو الحالية؛ أي: والحال أنه (يقول: لو كان لي) مال (مثل) الـ (مال) الذي أعطي (هذا) الثالث .. (عملت فيه) أي: في ذلك المال الذي أعطيت (مثل) العمل (الذي يعمل) فيه هذا الثالث؛ من صرفه في غير مصارفه من الخمر والزنا، فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما) أي: ذلك الثالث وهذا الرابع (في) أصل (الوزر) والإثم (سواء) أي: مستويان في مطلق الوزر، وإن كان في الثالث زيادة صرف المال في الوزر.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عمر بن الخطاب.
* * *
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي كبشة رضي الله تعالى عنه، فقال:
(18)
- 4171 - (م) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْد، عَنِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
===
(18)
- 4171 - (م)(حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي (المروزي) ثقة ثبت، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وخمسين ومئتين (251 هـ). يروي عنه:(خ م ت س ق).
(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(ع).
(أنبأنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه (ع).
(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سالم بن أبي الجعد) رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من الثالثة، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين، وقيل: مئة. يروي عنه: (ع).
(عن ابن أبي كبشة) الأنماري، اسمه عبد الله بن سعيد الأنماري، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(ق).
(عن أبيه) أبي كبشة الأنماري، سعيد بن عمرو الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه. يروي عنه:(د ت ق).
(عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، وغرضه: بيان
ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْد، عَنِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
===
متابعة منصور للأعمش في رواية هذا الحديث عن سالم بن أبي الجعد.
(ح وحدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة) الأحمسي - بمهملتين - أبو جعفر السراج، ثقة، من العاشرة، مات سنة ستين ومئتين (260 هـ). يروي عنه:(ت س ق).
(حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي القرشي، ثقة، من التاسعة. يروي عنه:(ع).
(عن مفضل) بن مهلهل السعدي أبي عبد الرحمن الكوفي. روى عن: الأعمش، ومنصور، ويروي عنه: أبو أسامة، قال ابن معين وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال العجلي: كان ثقة ثبتًا صاحب سنة وفضل وفقه، ثبتًا في الحديث، من السابعة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م س ق).
(عن منصور) بن المعتمر، (عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن أبي كبشة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، وغرضه: بيان متابعة مفضل لمعمر بن راشد في رواية هذا الحديث عن منصور، وساق مفضلًا نحوه) أي: نحو حديث معمر بن راشد.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(19)
-4172 - (3) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شَرِيك، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
(19)
- 4172 - (3)(حدثنا أحمد بن سنان) بن أسد بن حبان - بكسر المهملة وتشديد الموحدة - أبو جعفر القطان الواسطي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة تسع وخمسين ومئتين (259 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(خ م د س ق).
(ومحمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري، ثقة حافظ فاضل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(خ عم).
كلاهما (قالا: حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبي عبد الله، صدوق يخطئ كثيرًا، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا، من الثامنة، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومئة (178 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن ليث) بن أبي سليم بن زُنَيْم - بالزاي والنون مصغرًا - اسم أبيه أيمن بن زنيم، وقيل: أنس بن زنيم، صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فترك، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن طاووس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي، ويقال: اسمه ذكوان، وطاووس لقبه، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة ست ومئة (106 هـ)، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ".
(20)
- 4173 - (4) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
===
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه ليث بن أبي سليم، وهو متروك.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يبعث الناس) يوم القيامة (على نياتهم) إن كانت نيتُهم واعتقادُهم خيرًا .. فجزاؤُهم خير؛ وذلك كالإيمان الصادق، وإلا .. فجزاؤهم كالإيمان الكاذب.
وفسَّر في "الصحاح" النية بالعزم.
وقال الخطابي: وهي قصد الشيء، وقيل: هي عزيمة القلب.
وبَعْثُ الإنسان على نيته .. هو عدل من الله بين عباده؛ فهو القاضي الذي يقضي بينهم بالحق سبحانه وتعالى.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن له شاهد من حديث جابر بن عبد الله رواه مسلم في "صحيحه" وغيره، وهو الحديث الذي ذكره ابن ماجه بعد هذا الحديث.
فدرجته: أنه صحيح بغيره، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عمر بن الخطاب، فهذا الحديث: ضعيف السند، صحيح المتن.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عمر بن الخطاب بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(20)
- 4173 - (4)(حدثنا زهير بن محمد) بن قمير - مصغرًا - ابن شعيب المروزي نزيل بغداد، ثم كان مرابطًا بطرسوس، أبو محمد، ويقال:
أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ".
===
أبو عبد الرحمن. روى عن: زكريا بن عدي، ويروي عنه:(ق)، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ).
(أخبرنا زكريا بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى نزيل بغداد، ثقة ثبت فاضل حافظ من كبار العاشرة، مات سنة إحدى عشرة، أو اثنتي عشرة ومئتين (212 هـ). يروي عنه:(خ م ت س ق).
(أنبأنا شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي، صدوق يخطئ كثيرًا تغير حفظه منذ ولي القضاء، من الثامنة، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومئة. يروي عنه:(م عم).
(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين، أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سفيان) عن جابر وعن سهل بن سعد، اسمه طلحة بن نافع الواسطي الإسكاف، نزيل مكة، صدوق، من الرابعة. يروي عنه:(ع).
(عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس على نياتهم) التي ماتوا عليها فيعامل كل بقصده الذي مات عليه من الخير أو الشر.
وفيه أن الأعمال تعتبر بنية العامل إن كانت خيرًا .. فخيرًا، أو كانت شرًّا .. فشرًّا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الإمام مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب الأمر بحسن الظن.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عمر.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: خمسة أحاديث:
الأول للاستدلال، والثالث للمتابعة، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم