المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(10) - (1508) - باب ذكر القبر والبلى - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌(10) - (1508) - باب ذكر القبر والبلى

(10) - (1508) - بَابُ ذِكْرِ الْقَبْرِ وَالْبِلَى

(56)

-4209 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ،

===

(10)

- (1508) - (باب ذكر القبر والبلى)

(56)

- 4209 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م دس ق).

(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي، ثقة قارئ، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي صالح) ذكوان السمان، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس شيء من) أجزاء (الإنسان إلا يبلى) جملة يبلى خبر ليس؛ أي: ليس شيء من أجزاء الأنسان باقيًا (إلا عظم واحد) فإنه يبقى ولا يفنى، وهي أصلية، والاستثناء الثاني استثناء من الأول، (وهو) أي: ذلك العظم الواحد (عجب الذنب)

ص: 164

وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

===

أي: عظم يسمى بعجب الذنب (ومنه) أي: وعليه (يركب الخلق) أي: خلق الإنسان (يوم القيامة).

قوله: "ليس شيء من الإنسان إلا يبلى

" إلى آخره، القضية جزئية بالنظر إلى أفراد الناس، ضرورة أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.

قوله: (إلا عظم واحد) هكذا في كثير من النسخ بالرفع، والظاهر النصب؛ لكونه استثناء من المثبت؛ والمعنى: يبلى من الإنسان كل شيء إلا عظمًا واحدًا، والظاهر أن يقرأ بالنصب، ولا عبرة بالخط في قراءة الحديث؛ كما صرحوا به (وهو) أي: ذلك العظم الواحد (عجب الذنب) - بفتح المهملة وسكون الجيم - أي: أصل الذنب، وظاهر الحديث: أنه يبقى ولا يفنى، قيل: هو عظم لطيف، هو أول ما يخلق من بني آدم، وآخر ما يبقى منهم؛ ليعاد تركيب الخلق المعاد عليه، وهذا هو الموافق لما روى ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد الخدري:(قيل: يا رسول الله؛ وما هو؟ قال: مثل حبة خردل).

وقال المظهري: أراد بقاءه لا أنه لا يبلى أصلًا؛ لأنه خلاف المحسوس.

وقيل: أمر العجب عجيب؛ فإنه آخر ما يَخْلُق وأول ما يُخْلَق، الأول: بفتح الياء؛ أي: أنه آخر ما يصير خَلَقًا؛ والثاني: بضمها، ومنه يركب الخلق؛ أي: أنه تعالى يبقيه إلى أن يركب الخلق منه تارة أخرى، وعلى ما قاله المظهري: إنه يعيده أولًا؛ ليخلق منه تارةً أخرى. انتهى "سندي".

قال الحافظ في "الفتح"(8/ 552): قوله: "عجب الذنب" - بفتح العين وسكون الجيم -: هو عظم لطيف في أصل الصلب؛ وهو رأس العصعص، وهو مكان رأس الذنب، من ذوات الأربع، وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن أبي الدنيا وأبي داوود والحاكم مرفوعًا:(أنه مثل حبة الخردل).

ص: 165

(57)

- 4210 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ؛

===

قال ابن الجوزي: قال ابن عقيل: لله في هذا سر لا يعلمه إلا الله؛ لأن من أظهر الوجود من العدم لا يحتاج إلى شيء يبني عليه.

ويحتمل أن يكون ذلك جعل علامة للملائكة، على إحياء كل إنسان بجوهره، ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم كل شخص؛ ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها، ولولا إبقاء شيء منها .. لجوزت الملائكة أن الإعادة إلى أمثال الأجساد لا إلى نفس الأجساد.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب التفسير، باب {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} (1)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(57)

- 4210 - (2)(حدثنا محمد بن إسحاق) بن جعفر أبو بكر الصاغاني، نزيل بغداد خراساني الأصل، وكان أحد الحفاظ الرحالين، ثقة ثبت، من الحادية عشرة، مات سنة سبعين ومئتين (270 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثني يحيى بن معين) بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن

(1) سورة الزمر: (68).

ص: 166

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَحِيرٍ، عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ .. يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ:

===

المري الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي إمام الجرح والتعديل، وقال الخطيب: كان إمامًا ربانيًّا عالمًا حافظًا ثبتًا متقنًا، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين ومئتين (233 هـ) بالمدينة المنورة وله بضع وسبعون سنة. يروي عنه:(ع).

(حدثنا هشام بن يوسف) الصنعاني أبو عبد الرحمن القاضي، ثقة، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة (197 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(عن عبد الله بن بحير) - بفتح الموحدة وكسر المهملة - ابن ريسان - بفتح الراء وسكون التحتانية بعدها مهملة - أبي وائل القاص الصنعاني، وثقه ابن معين واضطرب فيه كلام ابن حبان، من الثامنة. يروي عنه:(دت ق).

(عن هانئ مولى عثمان) أبي سعيد البربري، صدوق، من الثالثة. يروي عنه:(د ت ق)، كانت له دار بدمشق عند سوق الأحد، قال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(قال) الهانئ: (كان عثمان بن عفان) ذو النورين رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الله بن بحير وهو مختلف فيه، وكان الهانئ أيضًا مختلفًا فيه.

أي: قال هانئ مولى عثمان: كان عثمان (إذا وقف على قبر) عند تجهيز الميت؛ أي: على رأس قبر أو عنده (يبكي حتى يبل) - بضم الباء الموحدة - من باب شد؛ أي: يبكي بكاء كثيرًا حتى يبل بدموعه (لحيته) بالنصب على المفعولية؛ أي: حتى يجعلها مبلولة من الدموع (فقيل له) أي: لعثمان: أنت

ص: 167

تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ؛ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ .. فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ .. فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ"،

===

(تذكر الجنة والنار ولا تبكي) عند ذكرهما؛ اشتياقًا إلى الجنة وخوفًا من النار (وتبكي من هذا) أي: من القبر؛ أي: من أجل خوفه، قيل: إنما كان عثمان يبكي عند القبر، وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة؛ لأنه لا يلزم من التبشير بالجنة عدم عذاب القبر، بل ولا عدم عذاب النار مطلقًا، مع احتمال أن يكون التبشير مقيدًا بقيد معلوم أو مبهم.

ويحتمل أن ينسى البشارة حينئذٍ؛ لشدة الفظاعة، ويمكن أن يكون خوفًا من ضغطة القبر؛ كما يدل عليه حديث سعد الدال على أنه لم يخلص منه كل سعيد إلا الأنبياء، ذكره القاري في "المرقاة"(1/ 355).

(قال) عثمان: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منازل الآخرة) أي: فهو أقرب شيء إلى الإنسان، ومنها: عرصة القيامة عند العرض، ومنها: الوقوف عند الميزان، ومنها: المرور على الصراط، ومنها: الجنة والنار.

(فإن نجا منه) أي: من عذاب القبر .. (فما بعده) من المنازل (أيسر منه) أي: أسهل من عذاب القبر وأهون؛ لأنه يفسح للناجي من عذاب القبر في قبره مد بصره، وينور له ويفرش له من بسط الجنة، ويلبس من حللها، ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، وكل هذه الأمور مقدمة لتيسير بقية منازل الآخرة (وإن لم ينج منه) أي: من عذاب القبر .. (فما بعده أشد منه) فشدته أمارة للشدائد كلها.

قوله: (وإن لم ينج منه) أي: لم يخلص من عذاب القبر، ولم تُكَفَّر ذنوبه

ص: 168

قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ".

===

وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب عليه .. (فما بعده أشد منه) لأن النار أشد العذاب، فما يحصل للميت في القبر عنوان ما يصير إليه.

(قال) أي: عثمان: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت) في الدنيا (منظرًا) أي: موضعًا ينظر إليه من الشدائد (قط .. إلا والقبر أفظع منه) من فظع - بالضم - ككرم؛ أي: أشد وأشنع وأنكر من ذاك المنظر، قيل: المستثنى جملة حالية، وهو موصوف حذفت صفته فتخصص بها؛ أي: ما رأيت منظرًا فظيعًا على حالة من أحوال الفظاعة قط، إلا في حالة كون القبر أفظع وأقبح منه، فالاستثناء مفرغ. انتهى "إنجاز الحاجة".

قال السندي: وحيث خصصنا بمنظر الدنيا اندفع ما يتوهم أن هذا ينافي قوله: (فما بعده أشد منه) على أنه يمكن الجواب إذا عمم بأنه أفظع من جهة الوحشة والوحدة، وغيرُهُ كالمسألة أشدُّ عذابًا منه، فلا إشكال. انتهى.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب (5) فظاعة القبر وأنه أول منازل الآخرة، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هشام بن يوسف، والحاكم في "المستدرك" في كتاب الجنائز، والبيهقي في "الكبرى" في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند الدفن.

ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:

ص: 169

(58)

- 4211 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

===

(58)

- 4211 - (3)) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م دس ق).

(حدثنا شبابة) بن سوار المدائني الخراساني الأصل، قيل: اسمه مروان الفزاري مولاهم، ثقة حافظ رمي بالإرجاء، من التاسعة، مات سنة أربع أو خمس أو ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) القرشي العامري أبي الحارث المدني، ثقة فقيه فاضل، من السابعة، مات سنة ثمان وخمسين ومئة (158 هـ)، وقيل: سنة تسع وخمسين ومئة. يروي عنه: (ع).

(عن محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي العامري المدني، ثقة، من الثالثة، مات في حدود العشرين ومئة (120 هـ)، وقد وهم من قال: إن القطان قد تكلم فيه. يروي عنه: (ع).

(عن سعيد بن يسار) أبي الحباب - بضم المهملة وموحدتين - المدني، اختلف في ولائه لمن هو، وقيل: سعيد بن مرجانة ولا يصح، ثقة متقن، من الثالثة، مات سنة سبعة عشر ومئة (117 هـ)، وقيل: قبلها بسنة. يروي عنه: (ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

ص: 170

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّ الْمَيِّتَ يَصِيرُ إِلَى الْقَبْر، فَيُجْلَسُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْعُوفٍ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟ فَيَقُول: كُنْتُ فِي الْإِسْلَام، فَيُقَال لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُول: مُحَمَّد رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللهِ

===

(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت) أي: إن جنس الميت؛ فاللام فيه للجنس (يصير) ويرجع (إلى القبر، فيجلس) بالبناء للمفعول؛ من أجلس الرباعي، أو على البناء للفاعل، من جلس الثلاثي (الرجل الصالح) وكذا المرأة الصالحة؛ وهو المراعي لحقوق الله وحقوق العباد.

(في قبره غير فزع) بنصب (غير) على الحالية، وكسر زاي (فزع) أي: حالة كونه غير خائف (ولا مشعوف) من الشعف؛ وهو شدة الفزع حتى يذهب بالقلب (ثم يقال له) أي: لذلك الرجل: (فيم كنت؟ ) أي: في أي دين كنت وعشت في الدنيا؟ (فيقول) الرجل في جواب سؤاله: (كنت) وعشت (في) دين (الإسلام) والتوحيد (فيقال له) ثانيًا: (ما هذا الرجل) المشهور بين أظهركم؟ ولا يلزم منه الحضور، وترك ما يُشْعِرُ بالتعظيم؛ لئلا يصير تلقينًا وهو لا يناسب موضع الاختبار.

و(ما) اسم استفهام مبتدأ، و (هذا الرجل) خبره؛ أي: ما وصفه ونعته، أو ما اعتقادك فيه (فيقول) الرجل في جواب سؤاله: هو؛ أي: إنَّ هذا الرجل المشهور بيننا اسمه العلم: (محمد) لقبه: (رسول الله صلى الله عليه وسلم عمله: أنه (جاءنا بالبينات) والمعجزات الدالة على صدقه (من عند الله) تعالى.

وقوله: (رسول الله) يحتمل أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر، والظاهر: أنه خبر بعد خبر لمبتدأ محذوف؛ كما أشرنا إليه في حلنا، والجملة الاسمية: مقول القول، وهو متضمن للجواب عن وصفه.

ص: 171

فَصَدَّقْنَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ اللهَ؟ فَيَقُولُ: مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللهَ، فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّار، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللهُ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّة، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا

===

وقوله: (جاءنا بالبينات) جملة استئنافية مبينة للجملة الأولى.

(فصدقناه) أي: في جميع ما جاء به من عند الله تعالى.

(فيقال له) أي: لذلك الرجل من جهة الملائكة: (هل رأيت الله) الذي أرسل ذلك الرسول الذي جاءكم بالبينات؟

(فيقول) ذلك الرجل الذي سئل عن الله في جواب سؤاله: (ما ينبغي لأحد) من المخلوق ولا يليق به (أن يرى الله) عز وجل في الدنيا، ويبصره ببصره في الدنيا، أو يحيط بكنهه مطلقًا.

(فيفرج له) من الإفراج بالتخفيف، أو بالتشديد من التفريج، وكلاهما على البناء للمفعول؛ أي: يكشف ويفتح له (فُرْجَة) - بضم الفاء، وقيل: بفتحها - وهو مرفوع على النيابة عن الفاعل؛ أي: يفتح الله له فتحة وكوة (قبل النار) - بكسر القاف وبالنصب على الظرفية - أي: قبلها وجهتها (فينظر إليها) أي: إلى النار، حالة كونها (يحطم) ويكسر ويضرب (بعضها بعضًا) من الحطم؛ وهو الكسر؛ أي: يكسر ويغلب ويأكل بعضها بعضًا؛ لشدة تلهبها واتقادها.

وقوله: (بعضًا) بالنصب على الظرفية المكانية.

(فيقال له) أي: لذلك الرجل من جهة الملائكة: (انظر إلى ما) أي: إلى العذاب الذي (وقاك) وسلمك (الله) منه وحفظك بحفظه إياك من الكفر والمعاصي التي تجرك إليه (ثم يفرج) ويفتح اله قبل الجنة) أي: إلى جهة الجنة (فينظر إلى زهرتها) - بفتح الزاي وسكون الهاء - أي: إلى حسنها

ص: 172

وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ، وَيُقَالُ لَهُ: عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مُتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَيُجْلَسُ الرَّجُلُ السُّوءُ فِي قَبْرِهِ فَزِعًا مَشْعُوفًا، فَيُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، فَيُقَالُ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا فَقُلْتُهُ،

===

وبهجتها (وما فيها) أي: وما في الجنة من الحور والقصور وغيرها من الخير الكثير (فيقال له) أي: لذلك الرجل من جهة الملائكة مشيرين له إلى منزل من منازل الجنة: (هذا) المنزل (مقعدك) ومقرك في العقبى.

وقوله: (ويقال له: على اليقين) متعلق بقوله: (كنت) والجملة مستأنفة متضمنة لتعليل ما قبلها؛ والمعنى: هذا المنزل مقعدك في العقبي؛ لأنك كنت في الدنيا على اليقين في أمر الدين، وتقديم الخبر؛ للاهتمام والاختصاص التام.

(وعليه) أي: وعلى اليقين في أمر دينك (مت) - بضم الميم وكسرها - وهذا يدل: على أن من كان على اليقين في الدنيا .. يموت عليه عادة، وكذا في جانب الشك، قاله السندي.

(وعليه) أي: وعلى اليقين في أمر دينك (تبعث) من قبرك؛ يعني: كما تعيش تموت، وكما تموت تحشر (إن شاء الله) تعالى للتبرك، أو للتحقيق، لا للشك.

(ويجلس الرجل السوء) - بفتح السين وضمها - وهو ضد الصالح؛ أي: الرجل الطالح الفاسد (في قبره فزعًا) أي: حزينًا خائفًا (مشعوفًا) أي: مرعوبًا (فيقال له) أي: لذلك الرجل الطالح: (فيم كنت؟ ) أي: في أي دين عشت؟ (فيقول: لا أدري) ولا أعلم ما كنتُ عليه من الدين؛ أي: أو للهيبة نسي ما كان عليه (فيقال له: ما هذا الرجل) المشهور بين أظهركم؟

(فيقول) في جواب سؤاله: (سمعتُ الناس يقولون) فيه (قولًا فقلتُه) أي:

ص: 173