الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتابُ البيوعِ
البيوع جمعُ بيعٍ، جُمع دلالةً على اختلاف أنواعه، و (أالبيع والشراء أ) يُطلق أحدهما على ما يُطلق عليه الآخر.
قال الأزهري (1): تقول العرب: بعت. بمعنى (ب) ما كنت ملكته.
(جـ وبعت جـ) بمعنى اشتريت. قال: وكذلك شريت بالمعنيين. قال: وكل واحد بيِّع وبائع؛ لأنَّ الثمن والمثمن كل واحد منهما مَبيع. وكذا قال ابن قتيبةَ (2)، تقول: بعت الشيءَ بمعنى بعته، وبمعنى (أاشتريته. وشريت أ) الشيء. بمعنى شريته، بمعنى بعته. وكذا قاله آخرون من أهل اللغة. يقال: بعته أبيعه فهو مبيع ومبيوع. قال الجوهري (3): كما تقول: مَخيط ومَخيوط. حُذف من مبيع واوُ مفعول؛ لأنها زائدة. وقال الأخفش: المحذوفُ عينُ الكلمة. قال [المازني](د): كلاهما حسنٌ، وقول الأخفش
(أ - أ) طمس في: ب.
(ب) في جـ: المعنى.
(جـ- جـ) في ب: اشتريت.
(د) في النسخ: المازري. وبهامش جـ: الماوردي. والمثبت من اللسان 8/ 25، والتاج 20/ 366 مادة (ب ى ع)، وغريب ألفاظ التنبيه ص 175.
_________
(1)
تهذيب اللغة 3/ 237، 15/ 106، والزاهر في غريب ألفاظ الشَّافعي ص 193.
(2)
غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 253.
(3)
الصحاح (ب ي ع).
أقيسُ. والابتياع الاشتراء، وتبايعا وبايعته. ويقال:[استبعته](أ). أي: سألته البيع. و: أبعت الشيء. عرضته للبيع، وبيع الشيء بكسر الباء وضمها، وبُوع لغة. وكذا القول في قيل وكيل (1).
وأجمع المسلمون على جواز البيع، والحكمة تقتضيه (2)؛ وذلك أن الله تعالى حكم ببقاء العالم إلى يوم القيامة، وبقاء النَّفس إلى أجلها إنَّما يقوم بما تقوم به مصالح المعيشة، وإنَّما يُتمكن من ذلك بالمال، فشرَع الله تعالى سبب اكتسابه، وهو التجارة عن تراضٍ. ولذلك إن جماعة من المصنفين ذكروا البيع بعد العبادات، كما فعل المصنف، وأخَّرُوا النكاحَ؛ لأنَّ احتياج النَّاس إلى البيع أَعَمُّ من احتياجهم إلى النكاح، لأنَّه يَعُم الصغيرَ والكبيرَ والذكرَ والأنثى، والبقاءُ بالبيع أقوى من البقاء بالنكاح؛ لأنَّ به تقوم المعيشة التي هي قوام الأجسام (3).
وبعض المصنفين قدَّم النكاح على البيع، كصاحب "الهداية" من الحنفية، وكتب الهدوية كـ:"اللمع" و "التذكرة" و "الأزهار" وغيرها؛
(أ) في النسخ: استبيحته. والمثبت من الصحاح وغريب ألفاظ التنبيه ص 175.
_________
(1)
ينظر غريب ألفاظ التنبيه ص 175.
(2)
المغني 6/ 7.
(3)
مسألة تأخير النكاح عن البيوع أو العكس تختلف باختلاف النظر إليهما؛ فليس أحد يعجز في إبداء وجه تقديم معنى على معنى، فإن كل معنى له خصوصية ليست في الآخر، فالمقدم يعتبر ما لما قدمه، ويسكت عما لما أخره، والعاكس يعكس ذلك النظر، وإنَّما إبداء وجه أولوية تقديم هذا على ذلك هو التحقيق، وهو يستدعي النظر بين الخصوصيتين أيهما يقتضي أو أكثر اقتضاء للتقديم. شرح فتح القدير 3/ 185.
لأنَّ النكاح عبادة، بل هو أفضل من الاشتغال بنفل العبادة، لأنَّه سبب إلى التوحيد بواسطة الولد الموحِّدِ، ولأن فيه قمعَ النفس من دواعي الفساد، والتسببَ إلى ما به [إرادة](أ) الله سبحانه وتعالى، من كثرة هذا النوع الآدمي الذي عليه مدار الأحكام الشرعيّة والمعارف الإلهية والعبادة البدنية، وكان في نفس فعل النكاح ثوابُ قضاء الشهوة من الجانبين، فهو وإن لم يكن واجبًا كان مندوبًا، والإباحة فيه قليلة أو غير موجودة.
والبيع في اللغة هو تمليك مال بمال، وكذا في الشرع، لكن زِيدَ فيه قَيْدُ التراضي؛ لما في التغالب من الفساد، والله لا يحب الفساد.
وقيل (ب) في حَدِّه شرعًا: هو إيجابٌ وقَبُولٌ في مالَينْ ليس فيهما معنى التبرع. فيخرج من هذا المعاطاةُ.
وقيل (جـ): هو مبادلةُ مالٍ بمالٍ لا على وجه التبرع. فيدخل فيه المعاطاة.
وقيل: هو العقد الواقع بين جائزي التصرف المتناول لما يصح تملُّكُه بثمن معلوم، مع تعرِّيه عن سائر وجوه الفساد، بلفظين ماضيين، أو ما في حكمهما، كإشارة الأخرس، والكتابة، وكما يعتاد النَّاس في المحقر. وهذا الحدُّ أَشْمَلُ.
(أ) في الأصل، ب: أراد.
(ب) كتب فوقه في ب: العراقيون.
(جـ) كتب فوقه في الأصل، ب: الخراسانيون.
واعلم أنه ذُكر في حده الإيجاب والقبول، ولابد أن يكونا (أ) على صيغة الجزم لفظًا، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قال:{إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم} (1). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما البيعُ عن تَرَاضٍ". أخرجه ابن حبان وابن ماجه (2).
والرضا أمر خفي لا يُطَّلَعُ عليه، فوجب أن يُناط الحكم بسبب ظاهر يَدُلُّ عليه، وهو الصيغة، ولكنه استثني من ذلك المحقر؛ لجري عادة المسلمين بالدخول فيه من دون لفظ. وقد ذهب إلى ذلك الهدوية، وخُرِّج لابن سُريج من الشافعية، واختاره ابن الصباغ والمتولي والبغوي (3)، وادعى في "شرح القدوري" للحنفية الإجماع على كفاية التعاطي في المحقر، وعند الشافعية لا بد من اللفظين فيه كغيره. والمحقر، قال علي خليل (4) وأبو مضر: هو ما دون ربع لم المثقال. وقال القاضي زيد: قدر قيراط المثقال فما دون. وقال الدميري في "النجم الوهاج": مَثَّلُوا المحقَّرات بالمشابهة من البقول والرطلِ الخبزِ (ب)، ومنهم من مثَّلها بما دون نصاب السرقة، والأشبه اتِّباعُ العرف. انتهى.
(أ) في جـ: يكون.
(ب) في جـ: الخبر.
_________
(1)
الآية 29 من سورة النساء.
(2)
ابن حبان 11/ 340 ح 4967، وابن ماجه 2/ 737 ح 2185.
(3)
ينظر المجموع 9/ 191، وكفاية الأخيار 1/ 456.
(4)
علي بن خليل الطرابلسي الحنفي، علاء الدين أبو الحسن، فقيه، ولي القضاء بالقدس، من تصانيفه "معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام". معجم المؤلفين 7/ 88.
وقال في "الأثمار"(1): المحقَّر وما في حكمه. وأراد بما في حكمه المنقول الذي جرت العادة بعدم (أ) اللفظ فيه.
وأما المعاطاة في (ب) غير المحقر، فمذهب الهدوية والشافعية أنها ليست بيعًا (2)، وعند الهدوية لا تُوجب المِلْكَ، بل تكون إباحةً، وهو وجهٌ للشافعية، ووجه آخر أنه كالمقبوض بعقد فاسد فيجب رده أو بدله إن تلف، ولكل منهما الفسخ، ومذهب المؤيد والخراسانيين من الحنفية أنه ينعقد البيع بالمعاطاة، وهو استحسان، والقياس ألا ينعقد، ولكنه لا يملك فيها إلا بالقبض عند المؤيد.
واختلفت الحنفية أيضًا في المعاطاة، في أنه هل يشترط فيها الإعطاء من الجانبين، أو الإعطاء من أحد الجانبين يكفي؟ فأشار محمد بن الحسن في "الجامع الصغير" إلى أن تسليم البيع يكفي (3)، كذا في "النهاية".
واعلم أنه يُحتاج إلى معرفة سبب البيع وحكمه وشروطه وركنه وأنواعه.
أما سببُه: فتعلق البقاء المقدور بتعاطيه، لأن الله تعالى حكم ببقاء العالم
(أ) في جـ: بهدر.
(ب) في جـ: من.
_________
(1)
هو كتاب "أثمار الأزهار في فقه الأئمة الأطهار" لمؤلفه يحيى بن المهدي، وهو مخطوط بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء. فهرس مخطوطات المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء ص 217.
(2)
ينظر المجموع 9/ 190 - 193.
(3)
ينظر البحر الرائق 5/ 291.