المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الهبة الهبة بكسر الهاء مصدر وهب محذوف الفاء معوض عنه - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٦

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌ ‌باب الهبة الهبة بكسر الهاء مصدر وهب محذوف الفاء معوض عنه

‌باب الهبة

الهبة بكسر الهاء مصدر وهب محذوف الفاء معوض عنه الهاء قياسًا، ويطلق على الشيء الموهوب، وهي في الشرع تمليك عين بعقد على غير عوض معلوم في الحياة، وقد تطلق بالمعنى الأعم على الإبراء من الدين والصدقة، وهي هبة ما يتمحض به طلب الثواب في الآخرة. والهدية وهي ما يلزم (أ) المهدي له عوضه حسب العرف، وزيادة لفظ: في الحياة. لإخراج الوصية، وهي تكون أيضًا بالأنواع الثلاثة، وظاهر ما ذكره المصنف هنا في هذا الباب أنه قصد بالهبة المعنى الأعم.

757 -

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ ". فقال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فارجعه". وفي لفظ: فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال:"أفعلت هذا بولدك كلهم؟ ". قال: لا. قال: "اتقو االله واعدلوا بين أولادكم". فرجع أبي فرد تلك الصدقة. متفق عليه، وفي رواية لسلم: قال: "فأشهد على هذا غيري". ثم قال: "أيَسُرُّك أن يكونوا لك في البر سواء". قال: بلى. قال: "فلا إذن"(1).

(أ) زاد في جـ: من.

_________

(1)

البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة للولد 5/ 210، 211 ح 2586، وباب الإشهاد في الهبة 5/ 211 ح 2587، وكتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد 5/ 258 ح 2650، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفصيل بعض الأولاد في الهبة 3/ 1241 - 1244 ح 1623/ 9 - 19.

ص: 415

الحديث مروي عن النعمان بن بشير من رواية أصحاب الزهري، وأخرجه النسائي (1) من طريق الأوزاعي عن الزهري، أن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن [حدثا](أ) عن بشير بن [سعد](5) والد النعمان. وقد شذَّ بذلك، والمحفوظ أنه عنهما عن النعمان.

وبشير والد النعمان هو ابن سعد بن ثعلبة بن الجلاس -بضم الجيم وتخفيف اللام- الخزرجي، صحابي شهير من أهل بدر، وشهد غيرها، ومات في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة، ويقال: إنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار، وقيل: عاش إلى خلافة عمر (2).

وقد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كبير من التابعين؛ منهم عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود (3)، وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي (4)، والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي (5)، وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد (6)، وعون ابن عبد الله عند أبي عوانة (7)، والشعبي في "الصحيحين" وأبي داود وأحمد

(أ) في الأصل، ب: حدثنا.

(ب) في الأصل، جـ: سعيد.

_________

(1)

النسائي 6/ 258، 259.

(2)

أسد الغابة 1/ 231.

(3)

مسلم 3/ 1242 ح 1623/ 12، والنسائي 6/ 259، وأبو داود 3/ 291 ح 3543.

(4)

النسائي 6/ 261، 262، وابن حبان 11/ 498 ح 5098، 5099، وأحمد 4/ 268، 276، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 86.

(5)

أحمد 4/ 275، 278، وأبو داود 3/ 291 ح 3544، والنسائي 6/ 262.

(6)

أحمد 4/ 276.

(7)

أبو عوانة 3/ 455، 456 ح 5674، 5676.

ص: 416

والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم (1)، ورواه عن الشعبي عدد كبير أيضًا (2).

قوله: أن أباه أتى (أبه إلى أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا في رواية الزهري، وفي رواية الشعبي بلفظ: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة عطة. وفي رواية للبخاري في الشهادات عن الشعبي بلفظ: سألت أبي بعض الموهبة من ماله. زاد مسلم من هذا الوجه: فالتوى بها سنة. أي: مطلها. وفي رواية ابن حبان من هذا الوجه: بعد حولين. ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنتين، فذكر الكثير تارة، وتارة ذكر القليل وهو السنة، قال: ثم بدا له فوهبها لي، فقالت له: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم. فأخذ بيدي وأنا غلام. ولمسلم من طريق الشعبي أيضًا: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشى معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه، أو عبَّر باستتباعه أباه بالحمل.

وقوله: نَحَلت. بفتح النون والهملة؛ أي أعطيت. والنحلة بكسر النون وسكون المهملة: العطية بغير عوض.

وقوله: غلامًا كان لي. هكذا في رواية الزهري، وفي رواية الشعبي في البخاري: عطية. بدل: غلامًا. وفي رواية ابن حبان وأبي داود عن

(أ- أ) ساقط من: جـ.

_________

(1)

البخاري 5/ 258 ح 2650، ومسلم 3/ 1242 - 1344 ح 1623/ 13 - 18، وأبو داود 3/ 290 ح 3542، وأحمد 4/ 270، والنسائي 6/ 26، وابن ماجه 2/ 795 ح 2375، وابن حبان 11/ 501 - 506 ح 5102 - 5107.

(2)

ينظر الفتح 5/ 212.

ص: 417

الشعبي بلفظ: غلام. ولمسلم في رواية عروة وجابر معًا، ووقع في رواية أبي حريز -بمهملة وراء وزاي بوزن عظيم- عند ابن حبان والطبراني (1) عن الشعبي، أن النعمان خطب بالكوفة فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عمرة بنت رواحة نُفِست بغلام، وإني سميته النعمان، وإنها أبت أن تُربيه حتى جعلْتُ له حديقة من أفضل مال هو لي، وإنها قالت: أشهِدْ على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أشهد على جور". وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين؛ إحداهما عند ولادة النعمان، وكانت العطية حديقة، والأخرى بعد أن كبر النعمان، وكانت العطية عبدًا، وهو جمع لا بأس به، إلا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيستشهده (أ) على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى:"لا أشهد على جور". وجوز ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم. وقال غيره: يحتمل أن يكون حمل النهي الأول على كراهة التنزيه، أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد؛ لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد. قال المصنف رحمه الله تعالى (2): وظهر لي وجه آخر حاصله أنه وهب الحديقة تطييبًا لخاطر عمرة، وارتجعها لأنها لم تخرج من يده، ثم طالبته بعد ذلك فمطلها سنة أو سنتين، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا ورضيت عمرة بذلك؛ إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضًا، فأمرته أن يشهد

(أ) في جـ: فيشهده.

_________

(1)

الطبراني 24/ 338 ح 845.

(2)

الفتح 5/ 212 ، 213.

ص: 418

على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتأمن رجوعه فيها، ويكون مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الأخيرة فقط، واختلاف الرواة لجواز أنه حفظ البعض ما لم يحفظ البعض، أو أن النعمان كان يقتصر في قصص القضية على بعض الواقع، فيقص في وقت بعضًا وفي وقت آخر بعضًا آخر.

وعمرة هذه هي أخت عبد الله بن رواحة الصحابي المشهور، ووقع عند أبي عوانة من طريق [عون بن عبد الله](أ) أنها بنت عبد الله بن رواحة، والصحيح الأول، وهي ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم من النساء.

قوله: فقال: "أكل ولدك نحلت؟ ". زاد في رواية [أبي حيان](ب): فقال: "ألك ولد سواه؟ ". قال: نعم. وقال مسلم لما رواه من طريق الزهري: أما يونس ومعمر فقالا: "أكل بنيك؟ ". وأما الليث وابن عيينة فقالا: "أكل ولدك؟ ". ولا منافاة بينهما؛ لأن لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورًا وإناثًا، ولفظ البنين يختص بالذكور، إلا أنه إذا كان فيهم إناث فيحمل على تغليب الذكور على الإناث، وقد ذكِر له بنت (1).

وقوله: "نحلت مثله". في رواية أبي حيان عند مسلم فقال: "أكلهم وهبت له مثل هذا؟ ". قال: لا. وله من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي: فقال: "ألك بنون سواه؟ ". قال: نعم. قال: "فكلهم أعطت مثل هذا؟ ". قال: لا. وفي رواية ابن القاسم في "الموطآت" للدارقطني عن مالك قال: لا والله يا رسول الله.

قوله: قال: "فارجعه". ولمسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب: قال: "فاردده". وله وللنسائي من طريق عروة مثله. وفي رواية

(أ) في النسخ: ابن عون. والمثبت من الفتح 5/ 213. وينظر ما تقدم ص 416.

(ب) في النسخ: ابن حبان. والمثبت من الفتح 5/ 213 وينظر ما سيأتي.

_________

(1)

ذكرها ابن سعد في الطبقات 8/ 362 واسمها أُبَية. وينظر الفتح 5/ 213.

ص: 419

الشعبي في الباب الذي يليه (1) قال: فرجع فرد عطيته. ولمسلم: فرد تلك الصدقة. زاد في رواية أبي حيان في الشهادات قال: "لا تشهدني على جور". ومثله لمسلم في (أ) رواية عاصم عن الشعبي. وفي رواية أبي حريز: "لا أشهد على جور". وقد علق منها البخاري (5) هذا القدر في الشهادات. ومثله لمسلم من طريق إسماعيل عن الشعبي. وله في رواية أبي حيان: فقال: "فلا تشهدني إذنْ، فإني لا أشهد على جور". وله (جـ) في رواية المغيرة عن الشعبي: "فإني لا أشهد على جور، أشهِدْ على هذا غيري". وله وللنسائي في رواية داود بن أبي هند قال: "فأشهد على هذا غيري". وفي حديث جابر (2): "فليس يصلح هذا، واني لا أشهد إلا على حق". ولعبد الرزاق (3) من طريق طاوس مرسلًا: "لا أشهد إلا على الحق، لا أشهد". وفي رواية عروة عند النسائي: فكره أن يشهد له. وفي رواية [المغيرة](د) عن الشعبي عند مسلم: "اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر". وفي رواية مجالد عن الشعبي عند أحمد (4): "إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، فلا تشهدني على جور، أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ ". قال:

(أ) في ب، جـ: من.

(ب) زاد في النسخ: على. والمثبت من الفتح 5/ 213.

(جـ) كذا في النسخ، والفتح 5/ 213 وهو خطأ؛ فإن مسلما لم يخرج هذا الحديث من طريق مغيرة عن الشعبي، وقد أخرجه من هذا الطريق أحمد 4/ 270، وأبو داود 3/ 290 ح 3542، وابن حبان 11/ 503 ح 5104، والنسائي في الكبرى 3/ 493 ح 6023. وينظر تحفة الأشراف 9/ 23.

(د) في النسخ: لغيره، والمثبت من الفتح.

_________

(1)

يقصد باب الإشهاد في الهبة عند البخاري 5/ 211.

(2)

مسلم 3/ 244 ح 19 - 1624.

(3)

عبد الرزاق 9/ 98 ح 16496.

(4)

أحمد 4/ 269.

ص: 420

بلى. قال: "فلا إذن". ولأبي داود من هذا الوجه: "إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن [لك] (أ) عليهم من الحق أن يبروك".

وللنسائي من طريق أبي الضحى: "ألا سويت بينهم؟ ". وله ولابن حبان من هذا الوجه: "سو بينهم". واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد، فليس ذلك من الاضطراب القادح في الرواية.

والحديث فيه دلالة على أن الهبة لا تحتاج إلى قبول، إذ لم يذكر في رواية أنه قبل لولده، وقد ذهب إلى هذا المؤيد بالله في أحد قوليه وبعض الحنفية، أو أن القبض يغني عن القبول في حق الأب إذا وهب لولده الصغير شيئًا تحت يده؛ لقوة ولايته، كما نسبه الإمام يحيى لمذهب الهدوية، وذهب إليه أبو حنيفة، وذهب الناصر والشافعي إلى أنه لا يغني عن القبول كالبيع، وقواه الإمام المهدي، ويجاب عن الحديث أن سؤال عمرة الهبة لولدها قائم مقام القبول، وقد ذهب إلى هذا الهدوية والشافعي، قالوا: كالنكاح. والخلاف لأبي حنيفة وأصحابه، فلا بد من لفظين ماضيين كالبيع، وأجيب بأن البيع معاوضة فافترقا. قال الإمام يحيى: اتفقوا في النكاح والخلع والصلح أنه كاف، إذ ليس بمعاوضة، واختلفوا في البيع والإجارة والكتابة؛ فقال الشافعي: إن السؤال كاف. وقالت الهدوية والحنفية: إنه ليس بكاف.

وأنه تجب المساواة بين الأولاد في الهبة. وقد صرح به البخاري، وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق، وقال به بعض المالكية، والشهور عن هؤلاء أنها باطلة، وعن أحمد: تصح، ويجب أن يرجع. وعنه: يجوز التفاضل إن كان له سبب؛ كأن يحتاج

(أ) في الأصل، ب: لكم.

ص: 421

الولد لزمانته (1) أو دَينه أو نحو ذلك دون الباقين. وقال أبو يوسف: تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار.

وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة، فإن فضل بعضًا صح وكره، وقد ذهب إليه العترة جميعًا، واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع، فحملوا الأمر على الندب، والنهي على التنزيه، وأجاب الموجبون أنه مقدمة الواجب؛ لأن قطع الرحم والعقوق محرمان، فما يؤدي إليهما محرم، وأيضًا فإن الأمر ظاهر في الوجوب، والنهي في التحريم، إلا لقرينة تصرفه، و [التفضيل](أ)[مما](ب) يؤدي إليه من التسبيب إلى المعصية يؤيد بقاءه على ظاهره.

وأجاب الجمهور عن ذلك بعشرة أجوبة؛ أولها: أن الموهوب للنعمان جميع المال، فلا تقوم حجة على منع التفضيل. حكاه ابن عبد البر (2) عن مالك. أجاب القرطبي (3) أن الموهوب هو الغلام كما هو صريح في الحديث لما سألته والدته، وفي رواية الشعبي (جـ) تصريح بذلك حيث قال: سألت أبي بعض الموهبة لي من ماله. قال: وهذا يعلم منه قطعًا أنه كان له مال غيره. والمانع من هبة جميع المال سحنون من المالكية.

ثانيها: أن العطية لم تكن قد وقعت، وإنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشير، فأشار عليه بألا يفعل، فترك.

(أ) في النسخ: والتعليل. والمثبت من الفتح 5/ 214.

(ب) في الأصل: بما.

(جـ) ساقط من: ب.

_________

(1)

الزمانة: العاهة. اللسان (ز م ن).

(2)

التمهيد 7/ 225.

(3)

الفتح 5/ 214.

ص: 422

حكاه الطحاوي (1). ويجاب عنه بأن ألفاظ الرواة تدل على أنها قد وقعت.

ثالثها: أن النعمان كان كبيرًا ولم يكن قبض الوهوب، فجاز لأبيه الرجوع. ذكره الطحاوي (2). ويجاب عنه أن في قوله:"ارجعه". ما يدل على القبض، والذي تظاهرت عليه الروايات أنه كان صغيرًا، وكان أبوه قابضًا له لصغره، فأمره برد العطية المذكورة بعد ما كانت في حكم المقبوضة.

رابعها: أن قوله "ارجعه". دليل على الصحة، ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع، وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك، لكن استحباب التسوية رجح على ذلك، فلذلك أمره به. ويجاب عنه بأن قوله:"ارجعه". يحتمل أن يكون معناه: لا تمض الهبة المذكورة. ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة.

خامسها: أن قوله "أشهد على هذا غيري". إذنٌ بالإشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام، وكأنه قال: لا أشهد؛ لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد، وإنما من شأنه أن يحكم. حكاه الطحاوي أيضًا، وارتضاه ابن القصار. وأجيب بأنه وإن كان الإمام من شأنه الحكم، فلا يمتنع أن يتحمل الشهادة ويؤديها عند بعض [نوّابه] (أ) أو يحكم بعلمه. وقوله:"أشهد على هذا غيري". لا يكون إذنا بالشهادة، بل الأمر للتهديد، والمراد به (ب) نفي الجواز، وهو كقوله لعائشة:"اشترطي لهم الولاء"(3).

(أ) في الأصل: قومه. وفي ب، جـ: قوامه. والمثبت مما سيأتي ص 428، وينظر الفتح 5/ 216.

(ب) في ب: بها.

_________

(1)

شرح معاني الآثار 4/ 87.

(2)

شرح معاني الآثار 4/ 85.

(3)

تقدم ح 626.

ص: 423

سادسها: التمسك بقوله: "ألا سويت بينهم؟ ". على أن المراد بالأمر الاستحباب، وبالنهي التنزيه. وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة، ولا سيما أن تلك الرواية بعينها وردت بصيغة الأمر أيضًا، حيث قال "سوِّ بينهم".

سابعها: وقع عند مسلم عن ابن سيرين ما يدل على أن المحفوظ في حديث النعمان: "قاربوا بين أولادكم". لا: سوُّوا. وتُعُقب بأن المخالفين لا يوجبون المقاربة كما لا يوجبون التسوية.

ثامنها: في التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة تدل على أن الأمر للندب، لكن إطلاق الجور على عدم التسوية بعيد، وكذا قوله:"لا أشهد إلا على حق". يدل على أن ذلك خلاف الحق، وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه، قال:"فلا إذن".

تاسعها: عمل الخليفتين أبي بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم[على](أ) عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب؛ فأما أبو بكر فرواه في "الموطأ"(1) بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن أبا بكر قال لها في مرض موته: إني كنت نحلتك جداد عضرين وسقًا من أرضي التي [بالغابة](ب)، وأنت لو كنت حزتيه كان لك، فإذ لم تفعلي فإنما هو للوارث، وإنما هو أخواك (جـ) وأختاك. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" وابن سعد وابن أبي شيبة (2). وأما عمر فذكر

(أ) في ب: في.

(ب) في النسخ: بالعالية. والمثبت من الموطأ، والغابة: موضع قريب من المدينة من عواليها، وبها أموال لأهلها. النهاية 3/ 399.

(جـ) زاد في الأصل: هما أسماء والحمل الذي كان في بطن زوجته بنت خارجة.

_________

(1)

الموطأ 2/ 752 ح 40.

(2)

لم أجده في الشعب وهو في السنن 6/ 170، 178، وابن سعد 3/ 194، وابن أبي شيبة 6/ 43.

ص: 424

الطحاوي وغيره أنه نحل ابنه عاصمًا دون سائر ولده. وقد أجاب عروة عن قصة عائشة رضي الله عنها بأن إخوتها كانوا راضين بذلك، ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم.

عاشرها: أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده، فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله بتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده بتمليك البعض. ذكر ذلك ابن عبد البر (1)، ولا يخفى ضعفه؛ لأنه قياس مع مصادمة النص. وحكى ابن التين عن الداودي (2) أن بعض المالكية احتج بالإجماع على خلاف ظاهر حديث النعمان، ثم رد عليه.

واختلف القائلون بوجوب التسوية أو ندبها (أفي كيفية التسوية أ)؛ فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية وهو قول الهدوية: إن التسوية تكون على حسب التوريث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين. قالوا: لأن المال لو بقي لكان لها ذلك ميراثًا. وقال غيرهم: يسوى بين الذكر والأنثى. وظاهر الأمر بالتسوية يشهد بذلك، واستأنسوا بحديث ابن عباس رضي الله عنه رفعه:"سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء". أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي (3) من طريقه وإسناده حسن.

واستُدل بالحديث على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه، وظاهره ولو

(أ- أ) ساقط من: ب.

_________

(1)

التمهيد 7/ 230.

(2)

ينظر الفتح 5/ 215.

(3)

البيهقي 6/ 177.

ص: 425

كان الولد كبيرًا، وخص الهدوية الحكم بالطفل، ولعلهم نظروا إلى حديث النعمان وهو كان صغيرًا، ولكنه قد ورد من حديث ابن عباس وحديث ابن عمر مرفوعًا:"لا يحل لرجل يعطي عطة أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده". أخرجه أبو داود وابن ماجه (1) بهذا اللفظ، ورجاله ثقات. فهذا لفظ عام للصغير والكبير، ويعم الهبة وغيرها من الصدقة والنذر، ومن العلماء من فرق بين الصدقة والهبة، فلا يرجع في الصدقة ويرجع في الهبة؛ لأن الصدقة يراد بها ثواب الآخرة. وقالت المالكية: للأب الرجوع إذا كان الولد لم ينكح ولا ادَّان دَيْنًا. وقال بذلك إسحاق، ولعلهم احتجوا بما روي عن عمر أنه قال: يعتصر (2) الرجل من ولده ما أعطاه من ماله ما لم يمت، أو يستهلكه، أو يقوم فيه دين. أخرجه عبد الرزاق والبيهقي (3). وعند مالك والشافعي والمنصور بالله أن حكم ابن الابن حكم الابن في صحة الرجوع فيما وهبه له جده، وهل يتناوله لفظ الابن حقيقة أو مجازًا؟ فيه خلاف عندهم، وعند الهدوية أنه ليس له الرجوع فيما وهبه لابن ابنه مطلقًا، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا.

والأم حكمها حكم الأب في قول أكثر العلماء، إلا أن المالكية قالوا: لها الرجوع ما دام الأب حيًّا دون ما إذا مات. وقال أحمد: لا يحل للواهب أن يرجع في هبته ولو أبًا، وذلك لعموم الأحاديث الواردة في تقبيح الرجوع

(1) أبو داود 3/ 289 ح 3539، وابن ماجه 2/ 795 ح 2377.

(2)

يعتصره: أي يحبسه عن الإعطاء ويمنعه منه. وكل شيء حبسته ومنعته فقد اعتصرته. وقيل: يعتصر: يرتجع. واعتصر العطية إذا ارتجعها. والمعنى أن الوالد إذا أعطى ولده شيئًا فله أن يأخذه منه. النهاية 3/ 247.

(3)

عبد الرزاق 9/ 129 ح 16622، والبيهقي 6/ 179.

ص: 426

وتمثيله بالكلب يرجع في قيئه. وقال الكوفيون: إن كان الموهوب له صغيرًا لم يكن للأب الرجوع، وكذا إن كان كبيرًا وقبضها. قالوا: وإن كانت الهبة لزوج من زوجه أو بالعكس أو لذي رحم محرم لم يجز الرجوع في شيء من ذلك. وخص الهادي ما وهبته الزوجة لزوجها من صداقها، أنه ليس لها الرجوع في ذلك، وعلق البخاري أثرين، قال (1): قال إبراهيم -يعني النخعي: هي جائزة. يعني لا رجوع فيها. وقال: قال عمر ابن عبد العزيز: لا يرجعان. وقال: قال الزهري فيمن قال لامرأته: هبي لي بعض صداقك أو كله. ثم لم يمكث إلا يسيرًا حتى طلقها فرجعت فيه. قال: يرد إليها إن كان خلبها -أي خدعها- وإن كانت أعطته عن (أ)[طيب](ب) نفس ليس في شيء من أمره خديعة، جاز، قال الله عز وجل:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} (2) انتهى. وأخرج عبد الرزاق (3) عن عمر بسند منقطع أن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيَّما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت.

وفي الحديث دلالة على أنه يندب التأليف بين الإخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء ويورث العقوق للآباء. وأن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا تحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض، وقيل: إن كانت العطية ذهبًا أو فضة فلا بد من عزلها وإفرادها. وفيه كراهة تحمل الشهادة فيما ليس بمباح، وأن الإشهاد في الهبة مشروع وليس بواجب. وفيه

(أ) في جـ: من.

(ب) في الأصل، جـ: طيبة.

_________

(1)

الفتح 5/ 216.

(2)

الآية 4 من سورة النساء.

(3)

عبد الرزاق 9/ 115 ح 16562.

ص: 427

جواز الميل إلى بعض الأولاد والزوجات دون بعض وإن وجبت التسوية بينهم في غير ذلك. وفيه أن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة، وفائدتها إما للحكم بذلك عند من يجيز للحاكم أن يحكم بعلمه، أو يؤديها عند بعض نوابه. وفيه مشروعية استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال؛ لقوله:"ألك ولد غيره؟ ". فلما قال: نعم. قال: "أوكلهم أعطيت مثله؟ ". فلما قال: لا. قال: "لا أشهد". فيفهم منه أنه لو قال: نعم. لشهد. وفيه جواز تسمية الهبة صدقة، وأن للأم (أ) نظرًا في مصلحة الولد والمبادرة إلى قبول الحق، وأمر الحاكم والمفتي بتقوى الله في كل حال. وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع؛ لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده ما رجع فيه، فلما اشتد حرصها في سبب ذلك أفضى إلى بطلانه. وقال المهلب (1): فيه أن للإمام أن يرد الهبة والوصية ممن يعرف منه. هربًا عن بعض الورثة.

758 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قَيْئه". متفق عليه (2). وفي رواية للبخاري (3): "ليس لنا مَثَل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه".

(أ) في حاشية الأصل والفتح 5/ 216: للإمام.

_________

(1)

الفتح 5/ 216.

(2)

البخاري، كتاب الهبة، باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها، وباب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، وكتاب الحيل، باب في الهبة والشفعة 5/ 216، 234، 12/ 345 ح 2589، 2621، 6975، ومسلم، كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة

3/ 1241 ح 622 - 1/ 8.

(3)

البخاري، كتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته 5/ 234، 235 ح 2622.

ص: 428

الحديث فيه دلالة على كراهة الرجوع في الهبة، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك، وأما تحريم الرجوع فذهب الجمهور من العلماء إلى أنه يحرم الرجوع، وبوب البخاري بقوله: باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته. وإنما جزم بذلك لقوة الدليل عنده فيها، وأورد الحديث المذكور، وأخرجه أبو داود (1) وقال في آخره: قال همام: قال قتادة: ولا أعلم القيء إلا حرامًا. واستثنى الجمهور هبة الوالد لولده؛ جمعًا بين هذا الحديث وحديث النعمان الماضي (2). وذهب أبو حنيفة والهدوية إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة إلا إذا حصل مانع من الرجوع؛ كالهبة لذي الرحم، والزيادة في الموهوب، ونحو ذلك، كما فصل ذلك في الفروع، وأجابوا عن الحديث بأن المراد بذلك التغليظ في الكراهة. قال الطحاوي (3): قوله: "كالعائد في قيئه". وإن اقتضي التحريم لكون القيء حرامًا، لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله:"كالكلب". يدل على عدم التحريم؛ لأن الكلب غير متعبَّد، فالقيء ليس حرامًا عليه، والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب. وتعقب باستبعاد التأويل ومنافرة سياق الحديث له، وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر؛ كقوله:"من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير"(4). ويجاب عنه بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ويأكل قيئه".

(1) أبو داود 3/ 289 ح 3538.

(2)

تقدم ح 757.

(3)

شرح معاني الآثار 4/ 77، 78.

(4)

أحمد 5/ 352، ومسلم 4/ 1770 ح 2260، وأبو داود 4/ 286 ح 4939، وابن ماجه 2/ 1238 ح 3763 من حديث بريدة الأسلمي.

ص: 429

أخرجه الطبراني في "الكبير"(1) عن ابن عباس. يدل على جواز الرجوع، فاقتضى ذلك الجمع بين الأحاديث بحمل حديث النهي على الكراهة دون التحريم، لا سيما مع ذكر التشبيه في هذه الرواية بعد ذكر الأحقية.

وأخرج الحديث مالك والبيهقي عن ابن عمر (2) من دون التشبيه.

وقوله: "ليس لنا مثل السوء". أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها، قال الله تعالى:{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} (3). وهذا أبلغ في الزجر مما لو قال مَثَلًا: لا تعودوا في الهبة. ولكن ذلك محمول على الكراهة الشديدة؛ تحبيبًا للمسلمين في الاتصاف بمحاسن الأخلاق وأعالي الصفات وهي الجود، وتنزيهًا لهم من الارتباك في رذيلة الشح التي جبلت النفوس عليها وأعمى بصيرتها عن التأمل لحقارة الدنيا وقبح الإخلاد إليها.

759 -

وعن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده". رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم (4).

(1) الطبراني 11/ 147 ح 11317.

(2)

الموطأ 2/ 754 ح 42 من قول عمر، والبيهقي 6/ 180، 181 من حديث ابن عمر مرفوعًا.

(3)

الآية 60 من سورة النحل.

(4)

أحمد 1/ 237، 2/ 27، 78، وأبو داود، كتاب البيوع، باب الرجوع في الهبة 3/ 289 ح 3539، والترمذي، كتاب الولاء والهبة، باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة 4/ 384 ح 2132، وابن ماجه، كتاب الهبات، باب من أعطى ولده ثم رجع فيه 2/ 795 ح 2377، والنسائي، كتاب الهبة، باب رجوع الوالد فيما يعطي ولده

، وباب ذكر الاختلاف لخبر عبد الله بن عباس فيه، وباب ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته 6/ 265، 267، 268، وابن حبان، كتاب الهبة، باب ذكر البيان بأن هذا الزجر الذي أطلق بلفظ العموم لم يرد به كل الهبات

11/ 524 ح 5123، والحاكم، كتاب البيوع 2/ 46.

ص: 430

الحديث رواه الشافعي (1) بلفظ: "لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب، إلا الوالد فإنه يرجع فيما وهب لولده". عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس مرسلًا، وقال: لو اتصل لقلت به. انتهى. وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم من حديث طاوس عن ابن عباس، وهو عنده من رواية عمرو بن شعيب عن طاوس، وقد اختلف عليه فيه، فقيل: عن أبيه عن جده. رواه النسائي وغيره بلفظ: "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومَثَل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه"(2).

قوله: "لا يحل". ظاهر في التحريم، ويجاب بأنه مجاز عن الكراهة الشديدة، جمعًا بينه وبين ما مر من جواز الرجوع. قال الطحاوي (3): قوله: "لا يحل". لا يستلزم التحريم، وهو كقوله:"لا تحل الصدقة لغني"(4). وإنما معناه: لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة. وأراد بذلك التغليظ في الكراهة، والله أعلم.

760 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها. رواه البخاري (5).

(1) الشافعي 2/ 351 ح 585 - شفاء العي، واختلاف الحديث ص 160، 162.

(2)

ينظر التلخيص الحبير 3/ 72.

(3)

شرح معاني الآثار 4/ 79.

(4)

تقدم ح 490.

(5)

البخاري، كتاب الهبة، باب المكافأة في الهبة 5/ 210 ح 2585.

ص: 431

الحديث فيه دلالة على أنه كان عادته صلى الله عليه وسلم قبول الهدية والمكافأة عليها، لأن قولها: ويثيب عليها. أي يُهدي بدلها، والمراد بالثواب المجازاة، وقد ورد في رواية ابن أبي شيبة (1) بلفظ: ويثيب ما هو خير منها. وقد يستدل بهذا على وجوب المكافأة؛ لأن كون مثل ذلك عادة مستمرة يقضي بلزومه، ويحتمل أن تَعَوُّده صلى الله عليه وسلم لذلك إنما هو لما كان عليه من مكارم الأخلاق وسماحة النفس ببذل الإحسان، فلا يدل على الوجوب، وقد ذهب إلى القول بالوجوب الهدوية؛ فقالوا: يجب تعويضها حسب العرف. واستدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب الثواب على الهدية إذا أطلق (أ) الواهب وكان ممن يطلب مثله الثواب كالفقير للغني، بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى، ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم، ومن حيث التعليل أن الذي أهدى قصد أن يُعْطَى أكثر مما أهدى، فلا أقل من أن يعوض بالمثل، وبه قال الشافعي في القديم، وذهب إليه أيضًا الهدوية فقالوا: الأصل في الأعيان الأعواض. وقال الشافعي في الجديد كالحنفية: الهبة للثواب باطلة لا تنعقد؛ لأنها بيع بثمن مجهول، ولأن موضوع الهبة التبرع، فلو أوجبناه (ب) لكان في معنى المعاوضة، وقد فرق الشرع والعرف بين البيع والهبة؛ فما استحق العوض أطلق عليه لفظ البيع بخلاف الهبة. وقال ابن رشد المالكي (2): وأما هبة الثواب فأجازها مالك وأبو حنيفة ومنعها الشافعي، وبه قال داود وأبو ثور، وسبب الخلاف هل هو بيع مجهول الثمن أم ليس ببيع مجهول الثمن؟

(أ) زاد في ب: على.

(ب) في فتح الباري 5/ 210: أبطلناه.

_________

(1)

ابن أبي شيبة -كما في تغليق التعليق 3/ 355.

(2)

بداية المجتهد 8/ 210.

ص: 432

فمن رآه بيعًا مجهول الثمن قال: هو من بيوع الغرر التي لا تجوز. ومن لم ير أنها بيع مجهول قال: يجوز. وكأن مالكًا جعل العرف فيها بمنزلة الشروط، وهو ثواب مثلها، وكذلك اختلف القول عندهم إذا لم يرض الواهب بالثواب (أما الحكم أ)؟ فقيل: تلزمه الهبة إذا أعطاه الموهوب له القيمة. وقيل: لا يلزم إلا أن يرضيه. وهو قول عمر، فإذا اشترط فيه (5) الرضا فليس هنالك بيع انعقد، والأول هو المشهور عند مالك، وأما إذا ألزم القيمة فهنالك بيع انعقد، وإنما يحمل مالك الهبة على الثواب إذا اختلفوا في ذلك إذا دلت قرينة الحال على ذلك؛ مثل أن يهب الفقير للغني أو نحو ذلك. انتهى. وقال الإمام المهدي في "البحر": ويجب تعويضها حسب العرف. الإمام يحيى: بل المثلي مثله والقيمي قيمته، ويجب الإيصاء بها كالدين، ويعمل بظه ويحتاط بالزيادة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم في قضاء ديونه. انتهى. وقد تُعُقِّب بأن الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة التفضل كما جبل عليه من الخلق الكريم وبذل من لا يخشى إملاقًا. والله أعلم.

761 -

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: وهب رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة فأثابه عليها، فقال:"رضيت؟ ". قال: لا. فزاده، فقال:"رضيت؟ ". فقال: لا. فزاده، فقال:"رضيت؟ ". فقال: نعم. رواه أحمد وصححه ابن حبان (1).

(أ- أ) في جـ: بالحكم.

(ب) في ب: فيها.

_________

(1)

أحمد 5/ 295، وابن حبان، كتاب التاريخ، باب ذكر إرادة المصطفى صلى الله عليه وسلم ترك قبول الهدية 14/ 296 ح 6384.

ص: 433

وروى أصل الحديث أبو داود (1) من حديث أبي هريرة، وطوله الترمذي ورواه من وجه آخر (2)، وبيّن أن الثواب كان ست بَكْرات. وكذا رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم (3). وتمام الحديث قال:"لقد هممت أن ألا أَتَّهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي". وإنما استثنى هؤلاء، لأنهم أكرم العرب، وقيل: لأنهم ليس فيهم غلظ البدو لأنهم حاضرة.

762 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَى لمن وُهبت له". متفق عليه (4). ولمسلم (5): "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها؛ فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيًّا وميتًا ولعقبه". وفي لفظ: إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك. فأما إذا قال: هي لك ما عشت. فإنها ترجع إلى عاحبها (6). ولأبي داود والنسائي (7): "لا تُرقِبوا ولا تُعمِروا، فمن أرقب شيئًا أو أعمر شيئًا فهو لورثته".

العُمرى بضم المهملة وسكون الميم، وحكي فتح العين مع السكون، وحكي ضم الميم مع ضم أوله، مأخوذة من العُمر، والرُّقْبى بوزن العُمْرى مأخوذة من المراقبة؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، فيعطي الرجل

(1) أبو داود 3/ 289 ح 3537.

(2)

الترمذي 5/ 686 ح 3945.

(3)

الحاكم 2/ 62، 63.

(4)

البخاري، كتاب الهبة، باب ما قيل في العمرى والرقبى 5/ 238 ح 2625، ومسلم، كتاب الهبات، باب العمرى 3/ 1246 ح 1625/ 25.

(5)

مسلم، كتاب الهبات، باب العمرى 3/ 1246، 1247 ح 2625/ 16.

(6)

مسلم، كتاب الهبات، باب العمرى 3/ 1246 ح 1625/ 23.

(7)

أبو داود 3/ 293 ح 3556، والنسائي 6/ 273.

ص: 434

الدار ويقول له: أعمرتك إياها. أي: أبحتها لك مدة عمرك. فقيل لها عمرى لذلك، وكذا قيل لها رقبى؛ لأن كلًّا منهما يَرقب متى يموت الآخر لترجع إليه. وكذا ورثته يقومون مقامه في ذلك. هذا أصلها لغة.

قوله: "العُمرى لمن وُهبت له" الحديث. فيه دلالة على شرعية العُمْرى وأنها مُمَلَّكة لمن وهبت له، وصحتها. وقد ذهب إلى هذا العلماء قاطبة إلا ما حكاه الطبري عن بعض الناس، والماوردي عن داود الظاهري وطائفة، لكن ابن حزم قال بصحتها وهو شيخ الظاهرية، ثم اختلف القائلون بصحتها إلى ما يتوجه التمليك؛ فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات، حتى لو كان المعمَر عبدًا فأعتقه الموهوب له نفذ، بخلاف الواهب. وقيل: يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة. وهو قول مالك والشافعي في القديم. وهل يسلك به مسلك العاريَّة أو الوقف؟ روايتان عند المالكية، وعند الحنفية التمليك في العُمْرى يتوجه إلى الرقبة وفي الرُّقْبى إلى المنفعة، وعنهم أنها باطلة (1).

وهي على ثلاثة أقسام؛ إما أن تكون مؤبدة بأن يقول: أبدًا. أو نحو ذلك؛ بأن يقول: لك ولعقبك. فهذه لها حكم الهبة عند العترة والحنفية والشافعية، ولا ترجع إلى الواهب، إلا أن مالكًا يقول: إذا انقرضوا رجعت إلى الواهب؛ لأن لها حكم الوقف. في رواية.

وإما أن تكون مطلقة عن التقييد، فلها عند الهدوية والناصر وأبي حنيفة والقول الجديد للشافعي ومالك حكم المؤبدة. وقال الشافعي في القديم: العقد باطل من أصله؛ لأنه تمليك عين قدر مدة عمره، فأشبه ما إذا قال: سَنَة. وعنه كقول مالك، وقيل: القديم للشافعي كالجديد. ويحتج للقول الأول بحديث الباب؛ فإن قوله: "العمرى لمن وهبت له". على إطلاقه،

(1) ينظر الفتح 5/ 238، 239.

ص: 435

وكذا ما أخرجه مسلم (1)، الحديث المذكور، وهو من طريق أبي الزبير عن جابر قال: جعل الأنصار يُعْمِرون المهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أُعْمِرها حيًّا وميتًا [ولعقبه] (أ) ". ولا يعارضه ما جاء في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر عند مسلم (2): "أيما رجل أُعْمر عُمْرى له ولعقبه، فإنها للذي أُعطيَها، لا ترجع إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث". هذا لفظه من طريق مالك عن الزهري، وله نحوه من طريق ابن جريج عن الزهري (3)، وله من طريق الليث عنه (4):"فقد قطع قوله حقه فيها، وهي لمن أُعْمِر ولعقبه". ولم يذكر التعليل الذي في آخره، وله من طريق معمر عنه (5): إنما العُمْرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك. فأما إذا قال: هي لك ما عشت. فإنها ترجع إلى صاحبها. قال معمر: كان الزهري يفتي به. ولم يذكر التعليل أيضًا؛ لأن التقييد في رواية بالزيادة المذكورة لا يقيد بها الرواية الأخرى المطلقة؛ لاحتمال أنهما واقعتان، والخاص الموافق للعام في الحكم لا يقيد العام ولا يخصصه إلا عند أبي ثور.

والقسم الثالث: أن تكون مقيدة؛ بأن يقول: ما عشتَ، فإذا متَّ رجَعتْ إلى. أو يقول: مدة عُمُرك. فهذه عاريَّة مؤقتة، وقد دل على هذا

(أ) في النسخ: لعقبه. والمثبت من صحيح مسلم.

_________

(1)

مسلم 3/ 1246، 1247 ح 1625/ 26، 27.

(2)

مسلم 3/ 1245 ح 1625/ 20.

(3)

مسلم 3/ 1245 ح 1625/ 22.

(4)

مسلم 3/ 1245 ح 1625/ 21.

(5)

مسلم 3/ 1246 ح 1625/ 23.

ص: 436

ما في رواية معمر، وقد ذهب إلى هذا الهدوية. وقال النووي في "شرح مسلم" (1): في صحته خلات عند أصحابنا، منهم من أبطله، والأصح عندهم صحته، ويكون له حكم الحال الأول، واعتمدوا على الأحاديث الصحيحة المطلقة، وهي:"العُمْرى جائزة"(2). وعدلوا به عن قياس الشروط الفاسدة، والأصح الصحة في جميع الأحوال، وأن الموهوب له يملكها ملكًا تامًّا يتصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات. هذا مذهبنا. وقال أحمد: تصح العمرى المطلقة دون المؤقتة. وقال مالك في أشهر الروايات عنه: العُمْرى في جميع الأحوال تمليك لمنافع الدار مثلًا، ولا يملك فيها رقبة الدار بحال. وقال أبو حنيفة بالصحة كنحو مذهبنا، وبه قال الثوري والحسن بن صالح وأبو عبيد رحمهم الله، وحجة الشافعي [ومُوافقيه](أ) هذه الأحاديث الصحيحة. انتهى كلامه.

وأجاب الإمام المهدي في "البحر" بأن الأحاديث إنما تدل على العمرى المطلقة لا المقيدة، فإن التقييد يدل على أنه لم يخرجها عن ملكه بل أعارها. وقد يجاب عنه بأن الإطلاق في الأحاديث يتناول المقيدة، لوجود المطلق عند وجود المقيد، وفي ذلك مخالفة لما كان عليه الجاهلية من اعتبار التقييد، فجاء الإسلام على إبطاله، وتكون فائدة النهي بقوله:"لا تفسدوا أموالكم". فإنهم كان في ظنهم بقاء الحكم الجاهلي، فقيل لهم: الإسلام بخلافه. والله أعلم. وأما العمرى المقيدة بشهر أو سنة فعاريَّة إجماعًا، وأما

(أ) في الأصل، ب: موافقته، وفي جـ: وموافقته. والمثبت من شرح مسلم.

_________

(1)

شرح مسلم 11/ 71.

(2)

مسلم 3/ 1247، 1248 ح 1625/ 30 من حديث جابر بن عبد الله.

ص: 437

المقيدة بعُمر الرقبة المعمرة فلها حكم المطلقة. ذكر ذلك الإمام المهدي في "البحر"، وهو قوي.

وقوله: "أمسكوا عليكم أموالكم" الحديث. المراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكًا تامًّا لا [يعود](أ) إلى الواهب أبدًا، فإذا علموا ذلك فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة ومن شاء ترك؛ لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية يرجع فيها، وهذا ظاهر في مذهب الشافعي.

قوله: ولعقبك. العقب بفتح العين المهملة وكسر القاف، ويجوز سكونها، والمراد به أولاد الإنسان ما تناسلوا، وأصله أن كلما رفع عَمرٌو عَقِبا وضع زيد قدما. ثم كثر حتى قيل (ب): جاء عقبه. ثم كثر حتى استعمل بمعنى المتابعة.

قوله: فإنها ترجع إلى صاحبها. ظاهر هذا الحديث حجة للهدوية وأحد أقوال الشافعي؛ أن التقييد بقوله: ما عشتَ. يخرجها إلى حكم العاريّة ولا يكون لها حكم الهبة، ولعل المخالفين يجيبون عن ذلك بأن يكون المراد بذلك هو ما إذا قصد بقوله: ما عشت. أن تعود إلى الواهب بعد موته فيكون لها حكم ما إذا صرح بذلك الشرط، فكأنه قال: ما عشتَ. أي مدة حياتك وبعد ذلك تعود إلي. والمؤنس بهذا التقييد هو ورود الأحاديث المطلقة في العُمْرى، مع أن في لفظ العُمْرى ما يدل على معنى قوله: ما عشت. فإن العُمْرى مأخوذة من العمر، وكان ذلك مع الإطلاق محتملا

(أ) في الأصل: تعود، وغير منقوطة في ب.

(ب) زاد في جـ: قد.

ص: 438

لهذا القصد، وهو متفق عليه.

وقوله: "لا تُرقِبوا". الرُّقْبى في معنى العُمْرى كما تقدم في الاشتقاق، وقد فسرها عطاء لمّا قال له عبد الكريم: ما الرقْبى؟ قال: يقول الرجل للرجل: هي لك حياتك. فإن فعلتم فهو جائز. هكذا أخرجه النسائي مرسلًا (1). وأحكام الرُّقْبى أحكام العُمْرى. واختلف العلماء في توجيه النهي في قوله: "لا تُرقِبوا"(2). فالأظهر أنه يتوجه إلى الحكم، وقيل: يتوجه إلى اللفظ الجاهلي والحكم المنسوخ، وقيل: النهي وإن توجه إلى الحكم فلا يمنع الصحة إذا كان صحة المنهي عنه ضررًا (أ) على مرتكبه كالطلاق في زمن الحيض، وصحة الرقبى والعمرى ضرر على المُرْقِب والمُعْمِر، لأن مِلكه يزول بغير عوض، وهذا إذا حمل النهي على التحريم، وإن حمل على الكراهة أو الإرشاد لم يحتج إلى ذلك، وهو الظاهر، لوجود القرينة الصارفة إلى ذلك، وهو ما ذكر في آخر الحديث من بيان الحكم.

وقوله: "العُمْرى جائزة لأهلها، والرُّقْبَى جائزة لأهلها". أخرجه الترمذي (3). وقال بعض المحققين: العُمْرى والرُّقْبَى بعيدتان عن قياس الأصول، ولكن الحديث معمول به، ولو قيل بتحريمهما للنهي وصحتهما للحديث [لم يبعد](ب)، وكأنَّ النهي لأمر خارج وهو حفظ الأموال، ولو

(أ) في جـ: ضرارا.

(ب) ساقط من النسخ. والمثبت من الفتح 5/ 240.

_________

(1)

النسائي 6/ 273.

(2)

ينظر الفتح 5/ 240.

(3)

الترمذي 3/ 633، 634 ح 1351.

ص: 439

كان المراد فيهما المنفعة كما قال مالك لم ينه عنهما، والظاهر أنه ما كان مقصود العرب بهما إلا تمليك الرقبة بالشرط المذكور، فجاء الشرع بمراغمتهم، فصحح العقد على طريقة الهبة وأبطل الشرط المضاد لذلك، فإنه يشبه الرجوع في الهبة، وقد صح النهي عنه، وشبه بالكلب يعود في قيئه (1)، وقد روى النسائي (2) من طريق أبي الزبير عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه:"العُمْرى لمن أعمرها والرُّقْبَى لمن أرقبها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه". فشرط الرجوع المقارن للعقد مثل الرجوع الطارئ بعده، فنهى عن ذلك وأمر صاحب المال أن يبقيه مطلقًا أو يخرجه مطلقًا، فإن أخرجه على خلاف ذلك بطل الشرط وصحّ العقد مراغمة له، وهو مثل شرط الولاء.

763 -

وعن عمر رضي الله عنه قال: حمَلت على فرس في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فظننت أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم" الحديث. متفق عليه (3).

تمامه: "فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه".

قوله: حملت. أي: جعلته له ملكًا ليجاهد عليه. ولم يرد أنه وقفه للجهاد؛ إذ لو كان حملَ تَحبيس لم يجز بيعه، ويدل على ذلك قوله: برخص. فلو كان محبَّسًا لما رغب إلى أخذه، ولو جاز بيع الوقف إذا بطل

(1) تقدم ح 758.

(2)

النسائي 6/ 269، 270.

(3)

البخاري، كتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته 5/ 235 ح 2623، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه 3/ 1239 ح 1620.

ص: 440

نفعه في المقصود لإضاعته كما قد قيل هنا، لكنه لا يسوّغ شراءه إلا بالقيمة الوافرة، وليس له أن يسامح منها بشيء ولو كان المشتري هو المحبس، وقد استشكله الإسماعيلي (1) وقال: إذا كان شرط الوقف ما تقدم ذكره في حديث ابن عمر في وقف عمر لا يباع أصله ولا يوهب، فكيف يجوز أن يباع الفرس الموهوب وكيف لا ينهى بائعه أو يمنع من بيعه؟ وأجاب بأنه لعل معناه أن عمر جعله صدقة يعطها من يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعطاءه، فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المذكور، فجرى منه ما ذكر، ويستفاد من التعليل المذكور أيضًا أنه لو وجده مثلًا يباع بأعلى من ثمنه لم يتناوله النهي. انتهى. وفي الجواب بُعد. وهذا الفرس يسمي الورد، أهداه تميم الداري للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاه عمر، فحمل عليه عمر في سبيل الله. أخرجه ابن سعد (2) عن الواقدي. وأخرج مسلم وساقه أبو عوانة (3) في "مستخرجه" عن ابن عمر، أن عمر حمل على فرس في سبيل الله، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا. وهذا لا يعارض ما ذكر وإن كان مناسبًا لتأويل الإسماعيلي؛ لأنه يُحمَل على أن عمر لما أراد أن يتصدق به فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار من يتصدق به عليه، واستشاره في ذلك، فأشار إليه بتعيين الرجل المملَّك، فنسب العطية إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: فأضاعه. أي لم يحسن القيام عليه وقصَّر في مؤنته وخدمته. وقيل: أي لم يعرف مقداره، فأراد بيعه بدون قيمته. وقيل: معناه: استعمله في غير ما جعل له. والأول أظهر، ويؤيده رواية مسلم (4) عن زيد بن أسلم:

(1) ينظر الفتح 5/ 236.

(2)

الطبقات الكبرى 1/ 490.

(3)

مسلم 3/ 1240 ح 1621، وأبو عوانة 3/ 451 ح 5656.

(4)

مسلم 3/ 1239 ح 1620/ 2.

ص: 441

فوجده قد أضاعه، وكان قليل المال. فأشار إلى علة ذلك وإلى العذر المذكور في إرادة بيعه.

وقوله: "لا تبتعه". أي: لا تشتره. وفي رواية البخاري: "ولا تعد في صدقتك". وسمى الشراء عودًا في الصدقة؛ لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري، فأطلق على القدر الذي تسامح به رجوعًا، وأشار إلى الرُّخص بقوله:"وإن أعطاكه بدرهم". وظاهر النهي التحريم، وقد ذهب إليه قوم، والجمهور حملوا النهي على التنزيه، قال القرطبي (1) رحمه الله تعالى: وهو الظاهر. ثم الزجر المذكور مخصوص بصورة الشراء وما أشبهها لا ما رجع بالميراث، ولعل ضابط ذلك ما رجع الملك إليه بالاختيار. قال الطبري (2): يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب، ومن كان الواهب الوالد لولده، والهبة التي لم تقبض، والتي ردها الميراث إلى الواهب، لثبوت الأخبار باستثناء ذلك، وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير، ونحو من يصل رحمه، فلا رجوع لهؤلاء. قال: ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة، وإنما ذكر عمر مثل هذا العمل الصالح مع أن الكتم أفضل؛ لأمنه من الرياء، ولأن في ذلك بيان حكم شرعي، والتصريح بنسبته إلى نفسه؛ ليكون في روايته تحقيق القصة وتثبيت الحكم.

764 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تهادَوا

(1) ينظر الفتح 5/ 237، ويعني بقوله: وهو الظاهر. التحريم فقد جاءت العبارة في الفتح هكذا: حمل الجمهور هذا النهي في صورة الشراء على التنزيه، وحمله قوم على التحريم قال القرطبي وغيره: وهو الظاهر. وينظر سبل السلام 3/ 136.

(2)

ينظر الفتح 5/ 237.

ص: 442

تحابوا". رواه البخاري في "الأدب المفرد" وأبو يعلى بإسناد حسن (1).

وأخرجه البيهقي وأورده ابن طاهر (2) في "مسند الشهاب" من طريق محمد بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة، وإسناده حسن، وقد اختلف فيه على ضمام؛ فقيل: عنه عن أبي قبيل، عن [عبد الله بن عمرو. أورده](أ) ابن طاهر، ورواه في "مسند الشهاب" من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ:"تهادَوا تزدادوا حبًّا". وإسناده غريب، فيه محمد بن سليمان (3)، قال ابن طاهر: لا أعرفه. وأورده أيضًا من وجه آخر عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية، وقال ابن طاهر: إسناده أيضًا غريب وليس بحجة. وروى مالك في "الموطأ"(4) عن عطاء الخراساني رفعه: "تصافحوا يذهب الغلّ، وتهادَوا تحابوا وتذهب الشحناء". ذكره في أواخر الكتاب، وفي "الأوسط" للطبراني (5) من حديث عائشة رفعه:"تهادوا تحابوا، وهاجروا تورثوا أولادكم مجدًا، وأقيلوا الكرام عثراتهم". وفي إسناده نظر.

765 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تهادَوا؛ فإن الهدية تسلُّ السخيمة". رواه البزار بإسناد ضعيف (6).

(أ- أ) في الأصل، ب: عبيد الله بن عمر ورده. وفي جـ: عبد الله بن عمر ورده. والمثبت من مسند الشهاب ح 657، والتلخيص الحبير 3/ 70. وينظر تهذيب الكمال 7/ 491، 15/ 357.

_________

(1)

البخاري في الأدب المفرد، باب قبول الهدية 2/ 50 ح 594، وأبو يعلى 11/ 9 ح 6148.

(2)

البيهقي 6/ 169، وابن طاهر -كما في التلخيص الحبير 3/ 69، 70.

(3)

محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني، أبو عبد الله المعروف ببومة، قال النسائي: لا بأس به. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال الحافظ: صدوق. الجرح والتعديل 7/ 267، تهذيب الكمال 25/ 303، والتقريب ص 481.

(4)

الموطأ 2/ 908 ح 16.

(5)

الأوسط 7/ 190 ح 7240.

(6)

البزار -كما في جامع العلوم والحكم 3/ 83، ومجمع الزوائد 4/ 146.

ص: 443

ورواه ابن حبان في "الضعفاء"(1) من طريق بكر بن بكار عن عائذ بن شريح عن أنس بلفظ: "تهادَوا؛ فإن الهدية قلَّت أو كثرت تذهب السخيمة". وضعفه بعائذ، قال ابن طاهر: تفرد به عائذ، وقد رواه عنه جماعة من الثقات والضعفاء. قال: ورواه كوثر بن حكيم (2) عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وكوثر متروك. وروي الترمذي (3) من حديث أبي هريرة:"تهادوا؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدور (4) ". وفي إسناده أبو معشر المدني (5)، وتفرد به، وهو ضعيف، ورواه ابن طاهر في "أحاديث الشهاب" من طريق عصمة بن مالك بلفظ:"الهدية تذهب بالسمع والبصر". ورواه ابن حبان في "الضعفاء"(6) من حديث ابن عمر بلفظ: "تهادَوا؛ فإن الهدية تذهب الغل". ورواه محمد ابن [أبي](أ) الزُّعَيزِعة وقال: لا يجوز الاحتجاج به. وقال فيه البخاري (7): منكَر الحديث. وروى أبو موسى المديني في "الذيل"(8) في ترجمة زَعْبل، بالزاي والباء بعد العين المهفلة، يرفعه:"تزاوروا وتهادَوا؛ فإن الزيارة تثبت الود، والهدية تذهب السخيمة". وهو مرسل؛ وليس لزعبل صحبة.

766 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا

(أ) ساقط من النسخ، والمثبت من التلخيص الحبير 3/ 69. وينظر الضعفاء لابن الجوزي 3/ 59، وميزان الاعتدال 3/ 548.

_________

(1)

المجروحين لابن حبان 2/ 194 ليس فيه بكر بن بكار. وينظر التلخيص 3/ 69.

(2)

ستأتي ترجمته في شرح الحديث 993.

(3)

الترمذي 4/ 383 ح 2130.

(4)

وحر الصدر: الحقد والعداوة. النهاية 5/ 160.

(5)

تقدمت ترجمته في 4/ 349.

(6)

المجروحين 2/ 288.

(7)

التاريخ الكبير 1/ 88.

(8)

كما في أسد الغابة 2/ 258.

ص: 444

نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرْسِن شاة". متفق عليه (1).

قوله: "يا نساء". قال القاضي عياض (2): الأصح الأشهر نصب النساء على أنه منادى مضاف إلى المسلمات، وهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته كـ: مسجد الجامع. وقد أجازه الكوفيون اكتفاءً بمغايرة اللفظ بين المضاف والمضاف إليه، والبصريون يتأولون ذلك بتقدير المضاف إليه محذوفًا، وهو موصوف بالصفة المذكورة، ولكنه أقيم الصفة مقام الموصوف بعد حذفه، وتقديره الأنفس والطوائف. قال ابن بطال (3): والمراد بالأنفس والطوائف الرجال. واستبعده لأنه يصير مدرجا للرجال، وهو صلى الله عليه وسلم إنما خاطب النساء وحدهن. ولكنه يجاب عنه بأن ذلك لا يصيِّر الرجال مخاطبين، إنما المخاطب المضاف، والمضاف إليه ليس بمخاطب، كما في قولك: يا غلام زيد. وقيل: إنه عنى بالنساء الفاضلات، فتقديره: يا فاضلات المسلمات. كما يقال: هؤلاء رجال القوم. أي: أفاضلهم. وقال ابن [رُشيد](أ): إن الخطاب لنساء بأعيانهن، فكأنه قال: يا خيّرات المسلمات. وتعقب بأنه لم يخصهن بالحكم؛ لأن غيرهن شاركهن في الحكم. وأجيب بأن المشاركة إنما كانت بطريق الإلحاق، والخطاب لمعيّن.

(أ) في النسخ: رشد. والمثبت من فتح الباري 5/ 198، وهو محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن رُشَيد أبو عبد الله الفهري السبتي، توفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وينظر الدرر الكامنة 4/ 229.

_________

(1)

البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها 5/ 197 ح 2566، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بقليل

2/ 714 ح 1030/ 90.

(2)

ينظر شرح صحيح مسلم 7/ 120، والفتح 5/ 197.

(3)

شرح ابن بطال على صحيح البخاري 7/ 87.

ص: 445

وأنكر ابن عبد البرّ (1) رواية الإضافة، وردّه ابن السيد بأنها قد صحت نقلًا واستقامت من حيث المعنى. وقال السهيلي وغيره: جاء برفع الهمزة في النساء على أنه منادى مفرد، ويجوز في المسلمات الرفع على اللفظ والنصب على المحل. وقد رواه الطبراني (2) من حديث عائشة:"يا نساء المؤمنين".

قوله: "لجارتها". كذا في رواية الأكثر. ولأبي ذر: "لجارة". من دون إضافة.

وقوله: "ولو فرسن". لا بد من تقدير متعلق لقوله: "تَحقِرنَّ". وهو: هدية مهداة. والفِرسن بكسر الفاء والمهملة بينهما راء ساكنة وآخره نون، وهو عظم قليل اللحم، وهو للبعير موضع الحافر من الفرس، ويطلق على الشاة مجازًا، ونونه زائدة، وقيل: أصلية. والمراد المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا حقيقة الفرسن؛ لأنها لم تجر العادة بإهدائه، والمعنى أن الجارة لا تمنع هدية ما عندها وإن حقرت، وهو خير من العدم، هذا إذا كان النهي للمهدي، ويحتمل أن يكون للمُهدَى إليها، والمعنى أنها لا تحتقر (أ) ما أهدي إليها وإن كان قليلًا، وحمله على الأعم من ذلك أولى، ولعل تخصيص النساء بذلك لما كان النساء بحسب الأغلب إنما يتصرفن فيما يملكه الزوج، فنبهن بالمهاداة بالشيء اليسير الذي تطيب نفوس الأزواج بإهدائه من أموالهم من متاع البيت.

وفي الحديث الحث على التهادي ولو باليسير؛ لأن الكثير قد لا يتيسر، وإذا تواصل اليسير عاد كثيرًا مع الاجتماع. وفيه استجلاب المودة وإسقاط التكلف.

767 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من

(أ) في ب: تحقر.

_________

(1)

الاستذكار 26/ 317، وقال في 27/ 405: الرواية الشهورة في هذا: يا نساء المؤمنات. على نصب النداء وجر المؤمنات على معنى قول النحويين: مسجد الجامع.

(2)

في الأوسط 6/ 106 ح 5941.

ص: 446

وهب هبة فهو أحق بها ما لم يُثَب عليها". رواه الحاكم وصححه (1).

والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر قوله.

الحديث رواه مالك (2) عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان [بن طريف](أ) أن عمر قاله وأتم منه. ورواه البيهقي (3) من حديث ابن وهب، عن حنظلة، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر نحوه. قال: ورواه [عبيد الله](ب) بن موسى، عن حنظلة مرفوعًا، وهو وهم. قال المصنف رحمه الله (4): صححه الحاكم وابن حزم، قال ابن حزم (5): وقيل عن عبيد الله بن موسى، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة مرفوعًا:"الواهب أحق بهبته ما لم يُثَب منها". قال المصنف رحمه الله: رواه ابن ماجه (6) من هذا الوجه، والمحفوظ عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر. قال البخاري: هذا أصح. ورواه الدارقطني (7) من هذا الوجه، ورواه الحاكم (8) من حديث الحسن عن سمرة مرفوعًا:"إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع". ورواه الدارقطني (9)

(أ) في النسخ: من طريق. والمثبت من الموطأ.

(ب) في النسخ: عبد الله. والمثبت من سنن البيهقي، وينظر تهذيب الكمال 19/ 164.

_________

(1)

الحاكم، كتاب البيوع 2/ 52.

(2)

الموطأ 2/ 754 ح 42.

(3)

البيهقي 6/ 180 ، 181.

(4)

التلخيص الحبير 3/ 73.

(5)

المحلى 10/ 94.

(6)

ابن ماجه 2/ 798 ح 2387.

(7)

الدارقطني 3/ 44 ح 184.

(8)

الحاكم 2/ 52.

(9)

الدارقطني 3/ 44 ح 185.

ص: 447

من حديث ابن عباس، وسنده ضعيف. انتهى. وقال ابن الجوزي (1): حديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة كلها ضعيفة وليس منها ما يصح.

الحديث فيه دلالة على جواز رجوع الواهب في هبته، وقد تقدم الكلام في ذلك (2)، ومفهوم قوله:"ما لم يثب عليها". أنه لا يصح الرجوع في الهبة التي أثاب الواهبَ الموهوبُ له، وقد قال بهذا من العلماء من ذهب إلى صحة الهبة لقصد الثواب، وقد تقدم الخلاف في صحتها (3)، ومقتضى قول من قال: إنها لا تصح وإنها حكم البيع الباطل - صحةُ الرجوع. ولكن مفهوم هذا الحديث ينابذ قوله. والله أعلم.

(1) التحقيق في أحاديث الخلاف 2/ 231.

(2)

تقدم 429 - 431.

(3)

تقدم ص 432، 433.

ص: 448