المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الغصب 724 - عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٦

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌ ‌باب الغصب 724 - عن سعيد بن زيد رضي الله عنه،

‌باب الغصب

724 -

عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه الله (أ) يوم القيامة إياه من سبع أرَضين". متفق عليه (1).

هذا لفظ مسلم.

قوله: "من اقتطع". الاقتطاع الافتعال من القطع، والمعنى: أخذ لنفسه ذلك تملكًا. وكأنه لما فصله عن ملك صاحبه وجعله لنفسه قطع الملك قِطَعًا وأخذ قطعة لنفسه، وفي لفظ في "الصحيحين" (2) بلفظ:"من أخذ".

وقوله: "شبرًا". أي مقدار شبر، وفي لفظ في "الصحيحين" (3):"قِيد شبر". بكسر القاف، أي قدره، وذكر الشبر تنبيهًا على استواء القليل والكثير في الوعيد.

وقوله: "طوقه الله". وفي رواية: "طُوِّقه". بضم أوله على البناء للمجهول، وفي رواية:"فإنه يُطوِّقه".

وقوله: "من سبع أرضين". بفتح الراء، ويجوز إسكانها في لغة قليلة. كذا قال الجوهري (4).

(أ) زاد في ب، جـ: به، وضرب عليها في الأصل.

_________

(1)

البخاري، كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض 5/ 103 ح 2452، ومسلم، كئاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها 3/ 1230 ح 1610/ 137.

(2)

البخاري 6/ 293 ح 3198، ومسلم 3/ 1230، 1331 ح 1610/ 138 - 140.

(3)

البخاري 5/ 103 ح 2453، 6/ 292 ح 3195، ومسلم 3/ 1231 ح 1612 من حديث عائشة.

(4)

الصحاح للجوهري 3/ 3063 (أرض).

ص: 317

وفي التطويق وجوه؛ أحدها، أن معناه أنَّه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين، أي فيكون كل أرضن في تلك الحالة طوْقًا في عنقه، ويؤيد هذا حديث ابن عمر:"خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين"(1).

والثاني، أنَّه يكلف نقل ما ظلم منها في يوم القيامة إلى المحشر، ويكون كالطوق في عنقه، لا أنَّه طوق حقيقة. وقد روى الطبراني وابن حبان (2) من حديث يعلى بن مرة مرفوعًا:"أيما رجل ظلم شبرًا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتَّى يبلغ آخر سبع أرضين، ثم يطوقه حتَّى يُقضَى بين الناس". ولأبي يعلى (3) بإسناد حسن عن الحكم بن حارث السلمي مرفوعًا: "من أخذ من طريق المسلمين شبرًا جاء يوم القيامة يحمله (أ) من سبع أرضين". ونظير ذلك حديث الغالّ للزكاة في حق من غل بعيرًا: "جاء يوم القيامة يحمله"(4).

والثالث، أن معنى "يطوِّقه": يكلّف أن يجعل له طوقًا ولا يستطيع ذلك فيعذب بذلك. كما جاء في حق من كذب في منامه: "كُلِّف أن يعقد شعيرة"(5).

والرابع، أن يكون التطويق بطريق الإثم، والمراد به أن الظلم المذكور لازم في عنقه [لزوم](ب) إثمه، ومنه قوله تعالى: {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهٌ فِي

(أ) في النسخ: يحمل. وأثبت الصواب فوقها في الأصل.

(ب) ساقط من: النسخ، والمثبت من الفتح 5/ 105.

_________

(1)

البخاري 5/ 103 ح 2454، 6/ 293 ح 3196.

(2)

الطبراني 22/ 270 ح 692، وابن حبان 11/ 567، 568 ح 5164.

(3)

أبو يعلى -كما في المطالب 4/ 21 ح 1577.

(4)

البخاري 5/ 220 ح 2597، 11/ 524 ح 6636، 12/ 348 ح 6979 من حديث أبي حميد الساعدي.

(5)

أحمد 1/ 246، وأبو داود 4/ 307 ح 5024.

ص: 318

عُنُقِهِ} (1).

وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيري (2) وصححه البغوي (3)، ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية، أو ينقسم أصحاب هذه الجناية؛ فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها، وقد روى ابن أبي شيبة (4) بإسناد حسن من حديث أبي مالك الأشعري:"أعظم الغُلول عند الله يوم القيامة ذراع أرض يسرقه رجل، فيطوَّقه من سبع أرضين".

وفي الحديث تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته، وإمكان غصب الأرض، وأنه من الكبائر. قاله القرطبي (2)، وكأنه فرعه على أن الكبيرة ما ورد فيه وعيد شديد.

وأن من ملك أرضًا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض، وله أن يمنع من يحفر تحتها سَرَبًا أو بئرًا بغير رضاه. وفيه أن [من](أ) ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة وأبنية ومعادن وغير ذلك، وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره.

وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض؛ لأنها لو فتقت لاكتفي في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها؛ لانفصالها عما تحتها. أشار إلى ذلك الداودي (2).

(أ) ساقط من: النسخ. والمثبت كما في الفتح 5/ 105.

_________

(1)

الآية 13 من سورة الإسراء.

(2)

الفتح 5/ 105.

(3)

شرح السنة 8/ 229.

(4)

ابن أبي شيبة 6/ 567.

ص: 319

وفيه أن الأرضين السبع طباق كالسماوات، وهو ظاهر قوله تعالى:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثلَهُنَّ} (1). خلافًا لمن قال: إن المراد بقوله: "سبع أرضين". سبعة أقاليم؛ لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرًا من إقليم آخر. قاله ابن التين، وهو والذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان بسببها، وإلا فمع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه.

وفيه دلالة على أن الأرض تصير مغصوبة بالاستيلاء عليها ويجري عليها أحكام الغصب، واختلف العلماء في ضمانها إذا تلفت بعد الاستيلاء؛ فذهب الهادي وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنها لا تضمن بالغصب، قالوا: لقوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتَّى ترد"(2). وهو غير مأخوذ، ولا يقاس ثبوت اليد على النقل في المنقول؛ لافتراقهما في التصرف، وذهب الناصر والمؤيد والإمام يحيى والشافعي ومحمد والجمهور إلى أن الأرض تضمن بالغصب، وهو ثبوت اليد؛ قياسًا على المنقول المتفق عليه أنَّه يضمن بعد النقل، بجامع الاستيلاء الحاصل في نقل المنقول، وفي ثبوت اليد على غير المنقول، وللحديث المذكور في الباب، وهو الأولى. والله أعلم.

725 -

وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمَّها وجعل فيها الطعام وقال:"كلوا". ودفع القصعة الصحيحة للرسول وحبس المكسورة.

(1) الآية 12 من سورة الطلاق.

(2)

تقدم ح 720.

ص: 320

رواه البخاري والترمذي (1) وسمى الضاربة عائشة، وزاد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "طعام بطعام، وإناء بإناء". وصححه.

قوله: بعض نسائه. في رواية الترمذي من طريق سفيان الثوري عن حميد عن أنس بلفظ: فضربت عائشة القصعة بيدها. الحديث. وأخرجه أحمد (2) في ابن أبي عدي ويزيد بن هارون عن حميد قال: وأظنها عائشة. قال الطيبي (أ): إنما أُبهمت عائشة؛ تفخيما لشأنها، وأنه مما لا يخفى ولا يلتبس أنها هي؛ لأن الهدايا إنما كانت تُهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها. والمرسِلة ذكر ابن حزم المالكي (ب) (3) من طريق الليث بن سعد عن جرير بن حازم عن حميد بلفظ: أن زينب بنت جحش أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت عائشة ويومها جَفنة من حيس. الحديث، فصرح بذكر الزوج المرسِلة والطعام المهدَى.

قال المصنف (4): ولم أطلع على اسم الخادم. وقد وقع مثل هذه القصة

(أ) في الأصل، ب: الطيب، وفي جـ: الطيب. والمثبت من الفتح 5/ 124.

(ب) كذا في النسخ، والمعلوم أنَّه ظاهري المذهب، تفقه أولًا للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية واستصحاب الحال. ينظر السير 18/ 186، والبداية والنهاية 15/ 795.

_________

(1)

البخاري، كتاب المظالم، باب إذا كسر قصعة أو شيئًا لغيره 5/ 124 ح 2481، والترمذي، كتاب الأحكام، ما جاء فيمن يكسر له الشيء ما يحكم له من مال الكاسر 3/ 640 ح 1359.

(2)

أحمد 3/ 105.

(3)

المحلى 8/ 575.

(4)

الفتح 5/ 124.

ص: 321

من عائشة في صحفة أم سلمة فيما أخرجه النسائي (1) عن أم سلمة، أنها أتت بطعام في صحفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فِهر (2) ففلقت به الصحفة. الحديث، وقد اختلف فيه على ثابت؛ فقيل: عن أنس. وقيل: عن أم سلمة. وفي الطبراني (3) عن أنس أنهم كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، إذ أُتي بصحفة خبز ولحم من بيت أم سلمة، قال: فوضعنا أيدينا وعائشة تصنع طعامًا عَجِلة، فلما فرغنا جاءت به ورفعت صحفة أم سلمة فكسرتها. الحديث.

وأخرجه الدارقطني (4) من طريق عمران بن خالد عن ثابت عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة معه بعض أصحابه ينتظرون طُعَيما، فسبقتها -قال عمران: أكثر ظني أنها حفصة- بصحفة فيها ثريد فوضعتها، فخرجت عائشة، وذلك قبل أن يحتجبن، فضربت بها فانكسرت. الحديث.

ولم يصب عمران في ظَنِّه أنها حفصة، بل هي أم سلمة كما تقدم، ولكنه وقع لحفصة أيضًا مثل ذلك فيما أخرجه ابن أبي شيبة وابن ماجة (5) من طريق رجل من بني [سُواءة] (أ) غير مسمى عن عائشة قالت: كان رسول الله

(أ) في النسخ: سواده. والمثبت من مصدري التخريج، وينظر التقريب ص 736.

_________

(1)

النسائي 7/ 70، 71.

(2)

الفهر: الحجر ملء الكف. وقيل: هو الحجر مطلقا. النهاية 3/ 481.

(3)

الطبراني في الأوسط 4/ 275 ح 4184.

(4)

الدارقطني 4/ 153 ح 14.

(5)

ابن أبي شيبة 14/ 214، 215، وابن ماجة 2/ 781، 782 ح 2333.

ص: 322

- صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فصنعتُ له طعامًا، وصنعت له حفصة طعامًا، فسبقتني، فقلت للجارية: انطلقي فأكفئي قصعتها. [فأكفأتها](أ) فانكسرت وانتشر الطعام، فجمعه على النطع فأكلوه، ثم بعث بقصعتى إلى حفصة فقال:"خذوا ظرفًا مكان ظرفكم". وبقية رجاله ثقات، وهي قصة أخرى بلا ريب، لأن [في](ب) هذه القصة أن الجارية هي التي كسرت الصحفة، وفي الَّذي تقدم أن عائشة هي التي كسرتها.

ووقع مثل هذه القصة لصفية فيما أخرجه أبو داود والنسائي (1) من طريق جَسْرة -بفتح الجيم وسكون السين المهملة- عن عائشة قالت: ما رأيت صانعة طعامًا مثل صفية، أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناءً فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته، فقلت: يا رسول الله، ما كفارته؟ قال:"إناء كإناء، وطعام كطعام". إسناده حسن. ولأحمد (2) وأبي داود عنها: فلما رأيت الجارية أخذتني رِعدة. فهذه قصة أخرى.

وتحرّر من هذا أن المبهم في الحديث المراد به زينب؛ لمجيء الحديث من مخرجه، وهو حميد عن أنس، وما عدا ذلك فقصص أخرى، فلا يشتبه المبهم بغيرها.

(أ) في النسخ: فأكفتها. وفي مصنف ابن أبي شيبة: فكفأتها. والمثبت من ابن ماجة.

(ب) ساقط من النسخ. والمثبت من فتح الباري 5/ 125.

_________

(1)

أبو داود 3/ 296 ح 3568، والنسائي 7/ 71.

(2)

أحمد 6/ 277.

ص: 323

وقوله: بقصعة. هي بفتح القاف، [إناء من خشب، وقد جاء في البخاري (1) في هذا الحديث في النكاح: بصحفة. وهي قصعة مبسوطة وتكون من غير الخشب.

قوله: فضربت بيدها فكسرت القصعة. زاد أحمد: نصفين. فبين أن كسرها كان نصفين] (أ)، وفي رواية ابن علية: فضربت التي في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت. والفلق بالسكون الشق، فيحمل بأنها انشقت أولًا ثم انفصلت.

قوله: فضمها. في رواية ابن علية: فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الَّذي كان في الصحفة ويقول:"غارت أمكم". ولأحمد (2): فأخذ الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل فيها الطعام. ولأبي داود والنسائي (3) من طريق خالد بن الحارث عن حميد نحوه، وزاد: فأكلوا. بعد قوله: "كلوا".

قوله: ودفع القصعة الصحيحة للرسول. لفظ البخاري: وحبس الرسول والقصعة حتَّى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة. زاد ابن علية: حتَّى أُتي بصحفة من التي هو في بيتها. وزاد ابن علية أيضًا: حتَّى أتى إلى التي

(أ) في النسخ: زاد أحمد نصفين فبين أن كسرها كان نصفين وقد جاء في البخاري في هذا الحديث في النكاح بصحفة وهي قصعة مبسوطة وتكون من غير الخشب قوله فضربت بيدها. وهذا سياق مضطرب، صوبناه من الفتح 5/ 125.

_________

(1)

البخاري 9/ 320 ح 5225.

(2)

أحمد 3/ 105.

(3)

أبو داود ح 3567، والنسائي ح 3965.

ص: 324

كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت. زاد الثوري: وقال: "إناء كإناء، وطعام كطعام".

والحديث فيه دلالة على أن من استهلك على غيره شيئًا كان مضمونًا بمثله، وهو متفق عليه في المثليّ من الحبوب وغيرها، ومختلف فيه في القيميّ؛ فذهب الشافعي والكوفيون إلى أن من استهلك عرْضًا أو حيوانًا فعليه مثل ما استهلك. قالوا: ولا يقضي بالقيمة إلا عند عدم المثل. وذهب مالك إلى وجوب القيمة [مطلقًا](أ)، وعنه في رواية كالأول، وعنه: ما صنعه الآدمي فالمثل، وأما الحيوان فالقيمة. وعنه: ما كان مكيلًا أو موزونًا فالقيمة، والا فالمثل. وهو المشهور عند المالكية، وفي "نهاية المجتهد"(1) حكى عن مالك قولًا واحدًا، وهو أن المثليّ يضمن بمثله والقيمي بقيمته. فتحقق هذه الأقوال، والله أعلم. وما ذهب إليه مالك هو مذهب الهدوية وغيرهم من الأئمة، واحتج مالك (2) بقوله صلى الله عليه وسلم:"من أعتق شِقْصًا (3) من عبد قُوِّم عليه قيمة العدل" الحديث. فلم يلزم المثل ورجع إلى القيمة. وأجيب عنه بالحديث المذكور وبقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (4). فلم يعدل في الجزاء إلى القيمة إلا عند عدم المثل، وهو دليل واضح، وأما حديث القصعة؛ فإن كان من بعض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فالظاهر أنه ليس من باب التضمين الحقيقي؛ لأن المالك للبيت وما فيه هو

(أ) ساقط من: الأصل، جـ.

_________

(1)

بداية المجتهد 8/ 170.

(2)

الموطأ 2/ 772.

(3)

الشقص والشَّقيص: النصيب في العين المشتركة من كل شيء. النهاية 2/ 490.

(4)

الآية 95 من سورة المائدة.

ص: 325

النبي صلى الله عليه وسلم، فالعوض والمعوض عنه ملكه، وإن كان من بيت غيرهن -كما في رواية- فلعلمه بالمسامحة فيما بينهم في ذلك وعدم التقصي، ولكن يخدش فيه عموم قوله:"إناء كإناء، وطعام كطعام". فإن اللفظ لا يقصر على سببه، وأن ذلك هو حكم المتلف مطلقًا، ويتأيد بما وقع في رواية ابن أبي حاتم (1):"من كسر شيئًا فهو له وعليه مثله". زاد في رواية الدارقطني: فصارت قضية. أي من النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يقتضي أن يكون حكمًا عامًّا لكل من وقع له مثل ذلك، فيندفع قول من قال: إنها قضية عين لا عموم فيها.

وفي إمساك المكسورة في بيت التي كَسرت حجة للهدوية والحنفية في أن العين المغصوبة إذا زال بفعل الغاصب اسمها ومعظم منافعها، أنها تصير ملكًا للغاصب ويضمنها.

وقوله: بعض أمهات المؤمنين. إشارة إلى السبب الَّذي حصل به غيرة عائشة؛ وهو أن الهدية من بيت ضَرتها.

وفي قوله في الرواية: "غاربت أمكم". اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لها؛ لئلا يحمل صنيعها على قصد الأذية؛ فإن (أ) ذلك من العادة المتقررة في نفس الضرة من الغيرة بحيث لا تقدر على دفعها.

وفي الحديث دلالة على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وإنصافه وحلمه. قال ابن العربي (2): وكأنه إنما لم يؤدب الكاسرة ولو بالكلام لما وقع منها من التعدي؛

(أ) في ب، جـ: وأن.

_________

(1)

علل ابن أبي حاتم 1/ 466 ح 1400.

(2)

عارضة الأحوذي 6/ 114.

ص: 326

لما فهم من أن التي أهدت أرادت بذلك أذى التي هو في بيتها والمظاهرة عليها، واقتصر على تغريمها القصعة ولم يغرمها المأم؛ لأنه كان مهدًى لهم، فقد خرج عن ملكها بالتخلية. والله سبحانه أعلم.

726 -

وعن رافع بن خَديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته". رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وحسنه الترمذي، ويقال: إن البخاري ضعفه (1).

الحديث نقل الترمذي عن البخاري تحسينه، لكن قال أبو زرعة وغيره (2): لم يسمع عطاء بن أبي رباح من رافع بن خديج. وضعفه الخطابي (3) ونقل تضعيفه عن البخاري، وهو خلاف ما نقله عنه الترمذي، وضعفه البيهقي أيضًا (4)، وكان موسى بن هارون الحمال (أ) ينكر هذا الحديث ويضعفه، ويقول: لم يروه [عن أبي إسحاق](ب) غير شريك، ولا رواه عن

(أ) في ب، جـ: الحمار، وفي معالم السنن: الجمال. وينظر الأنساب 2/ 253، والسير 12/ 116.

(ب) ساقط من النسخ. والمثبت من معالم السنن.

_________

(1)

أحمد 3/ 465، 4/ 141، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها 3/ 259 ح 3403، والترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم 3/ 648 ح 1366، وابن ماجة، كتاب الرهون، باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم 2/ 824 ح 2466.

(2)

المراسيل لابن أبي حاتم ص 155.

(3)

معالم السنن 3/ 96.

(4)

البيهقي 6/ 136.

ص: 327

عطاء غير أبي إسحاق. نقله الخطابي، لكن قيل: إن قيس بن الربيع (1) تابعه، لكنه سيئ الحفظ. كذا ذكره ابن الملقن النحوي رحمه الله تعالى. وأخرجه ابن أبي شيبة والطيالسي وابن ماجة وأبو يعلى والطبراني في "الكبير" والبيهقي وضعفه والضياء (2). ورواه ابن أيمن في "مصنفه" (3) بلفظ: إن رجلًا غصب رجلًا أرضًا فزرع فيها، فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لصاحب الأرض بالزرع، وقضى للغاصب بالنفقة. وأخرج الطبراني في "الكبير"(4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة، فرأى زرعًا في أرض ظُهير فقال:"ما أحسن زرع ظهير! ". فقالوا: ليس لظهير. قال: "أليست أرض ظهير؟ ". قالوا: بلى، ولكنه زرع فلان. قال:"فردوا عليه نفقته وخذوا زرعكم". فرددنا عليه نفقته وأخذنا زرعنا. ومثله أخرج ابن أبي شيبة (5) عن سعيد بن المسيب. وهو وإن لم تكن الأرض مغصوبة إلا أنَّه جعل الزرع تابعًا للأرض، فهو يقوي الحديث المذكور في الغصب.

في الحديث دلالة على أن غاصب الأرض إذا زرع فيها أنَّه لا يملك الزرع وأنه يتبع الأرض، وله ما غرم على الزرع في النفقة والبذر. وهذا ذهب إليه أحمد بن حنبل وإسحاق ومالك، وهو قول أكثر علماء المدينة، وذهب إليه

(1) تقدمت ترجمته في 3/ 122.

(2)

ابن أبي شيبة 7/ 89، 14/ 219، والطيالسي 2/ 265 ح 1002، والطبراني 4/ 339 ح 4437، والبيهقي 6/ 136.

(3)

ابن أيمن -كما في التلخيص الحبير 3/ 54.

(4)

الطبراني 4/ 289 ح 4267.

(5)

ابن أبي شيبة 7/ 90.

ص: 328

القاسم بن إبراهيم. وذهب الأكثر من الأمة إلى أن الزرع لصاحب البذر الغاصب وعليه أجرة الأرض، قالوا: لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق" الحديث الآتي. ولقوله: "الزرع للزارع وإن كان غاصبًا". أخرجه (أ)، فدل ذلك على أنَّه لصاحبه، ووضعه في الأرض (ب) المغصوبة لا يخرجه عن ملكه، والحديث متأول، قال المؤيد بالله: إنه أراد: حيث زرع ببذرهم. قال الإمام المهدي: وبأمرهم أيضًا ولكنه خالف في الأرض المعينة. وقال أبو العباس: بل أراد أنَّه يدفع الزرع بالكراء، ورَدُّ النفقة بمعنى أخْذِه لما زاد على كراء المثل. قال: ويجب عليه أن يتصدق به. وكلا التأويلين بعيد متكلف، وحديث:"ليس لعرق ظالم حق". عموم وحديث رافع خصوص، وحديث:"الزرع للزارع وإن كان غاصبًا" -على فرض استقامة طريقه- غير معارض؛ لأن الظاهر فيه أن الزرع للزارع وإن كان غاصبًا أنَّه غاصب للبذر وبذر به في أرضه، لا أنَّه غاصب للأرض، وهو إذا غصب البذر وبذر به مَلَكه بالاستهلاك. فلا تقوَى (جـ) حجة المذكور (د). والله أعلم.

727 -

وعن عروة بن الزبير قال: قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض، غرس أحدهما فيها نخلًا والأرض للآخر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل يخرج نخله، وقال:"ليس لعرق ظالم حق". رواه

(أ) بعده في النسخ بياض بمقدار ثلاث كلمات. قال الصنعاني في سبل السلام 3/ 92: لم يخرجه أحد، قال في المنار: وقد بحثت عنه فلم أجده. والشارح نقله وبيض لمخرجه. اهـ. وقال الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 383: ولم أقف على هذا الحديث.

(ب) في جـ: أرض.

(جـ) غير منقوطة في الأصل، وفي ب: يقوى.

(د) في جـ: المذكورين.

ص: 329

أبو داود (1)، وإسناده حسن، [وآخره](أ) عند أصحاب "السنن"(2) من رواية عروة عن سعيد بن زيد، واختلف في وصله وإرساله وفي تعيين صحابيه.

الحديث رواه أبو داود مرسلًا من طريق هناد بن السري عن عبدة عن محمد بن إسحاق عن عروة مرسلًا. ورواه (3) من طريق أحمد بن سعيد الدارمي عن وهب عن أبيه عن محمد بن إسحاق بإسناده متصلًا، وقال: فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر ظني أنَّه أبو سعيد الخدري. وفسر هشام (4) العرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره فيستحقها بذلك. وقال مالك: العرق الظالم كل ما أخذ واحتفر وغرس بغير حق. و [علقه](ب) البخاري (5) عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووصله إسحاق بن راهويه (6)، قال: أخبرنا أبو عامر العَقَدي، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، حدثني أبي أن أباه حدثه، أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحيا أرضًا مواتًا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له، وليس لعرق ظالم

(أ) في ب: وأخرج، وفي جـ: وأخرجه.

(ب) في النسخ: علق. والمثبت يقتضيه السياق.

_________

(1)

أبو داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب إحياء الموات 3/ 175، ح 3074.

(2)

أبو داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إحياء الموات 3/ 174، 175 ح 3073، والترمذي، كتاب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات 3/ 662، ح 1378، والنسائي في الكبرى، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد 3/ 405 ح 5761.

(3)

أبو داود 3/ 175 ح 3075.

(4)

أبو داود 3/ 175، 176 ح 3078.

(5)

البخاري 5/ 18 قبل ح 2335.

(6)

إسحاق بن راهويه - ومن طريقه الحافظ في التغليق 3/ 309.

ص: 330

حق". وهو عند الطبراني والبيهقي (1)، وكثير هذا ضعيف (2)، وليس لجده عمرو بن عوف في "البخاري" سوى هذا الحديث وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري.

وفي الباب عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي (2)، وعن سمرة عند أبي داود (أوالبيهقي أ)(3)، وعن عبادة وعبد الله بن عمرو عند الطبراني (4)، وعن أبي أسيد عند يحيى بن آدم في كتاب "الخراج"(5)، وفي أسانيدها مقال، لكن يقوي بعضها بعضًا.

و: "عرق ظالم" يرويه الأكثر بتنوين "عرق"، و"ظالم" نعت له، وقد وصفه بصفة صاحبه من المجاز العقلي، ورواية الإضافة إضافة العرق إلى صاحبه الغاصب، وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم (6)، وبالغ الخطابي (7) فغلط رواية الإضافة (ب). قال ربيعة: العرق

(أ - أ) ساقط من: جـ.

(ب) زاد في جـ: و.

_________

(1)

الطبراني 17/ 13 ح 4، 5، والبيهقي 6/ 142.

(2)

أبو داود الطيالسي 3/ 55، ح 1543.

(3)

أبو داود 3/ 175 ح 3077، والبيهقي 6/ 142.

(4)

حديث عبادة أخرجه الطبراني في الكبير -كما في مجمع الزوائد 4/ 174 - وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه في الأوسط 1/ 190 ح 601.

(5)

الخراج ص 84 ح 276.

(6)

ينظر تهذيب اللغة 1/ 223، ومقاييس اللغة 4/ 285، 26، والفتح 5/ 19.

(7)

إصلاح غلط المحدثين ص 30، وفيه ذكر الوجهين دون ترجيح لأحدهما.

ص: 331

الظالم يكون ظاهرًا ويكون باطنًا؛ فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار (أ)[أو](ب) استخرجه من المعادن، والظاهر ما بناه أو غرسه. وقال غيره: الظالم من غرس أو زرع أو بنى أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة (جـ).

والحديث فيه دلالة على أن الغاصب إذا غرس في أرض الغير كان الغرس للغاصب ولا يخرج عن ملكه (د)، وقد تقدم الكلام في الزرع، والجمع بين هذا الحديث والحديث الَّذي قبله.

728 -

[وعن أبي](هـ) بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر [بمنى] (و):"إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا". متفق عليه (1).

الحديث فيه دلالة على تحريم مال المسلم وأن حرمته كدمه، وهذا إجماع وافق الشرع فيه التحريم العقلي عند من قال به.

(أ) في جـ: الآثار.

(ب) في الأصل: و.

(جـ) في جـ: شبه.

(د) في ب: مملكه.

(هـ) ساقط من: الأصل، وفي ب: عن.

(و) ساقط من: الأصل، جـ.

_________

(1)

البخاري كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ترجعوا بمدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". 13/ 26 ح 7078، ومسلم كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال 3/ 1305، ح 1679/ 29.

ص: 332