المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الوديعة الوديعة اسم لعين يضعها مالكها أو نائبه عند آخر - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٦

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌ ‌باب الوديعة الوديعة اسم لعين يضعها مالكها أو نائبه عند آخر

‌باب الوديعة

الوديعة اسم لعين يضعها مالكها أو نائبه عند آخر ليحفظها، مأخوذة من ودَع الشيء يدَع: إذا سكن، فكأنها ساكنة عند المودع، وقيل من قولهم: فلان في دعة. أي في خفض من العيش؛ لأنها غير مبتذلة بالانتفاع. وبالقيود المذكورة تخرج العين في يد الملتقط، والثوب إذا ألقاه طائر في دار آخر، وحكمه يغاير حكم الوديعة. والأصل فيها قوله تعالى:{فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (1). وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (2). وقوله صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". صححه الحاكم (3) على شرط مسلم. ولأن بالناس حاجة بل ضرورة إليها، وقد تكون واجبة إذا لم يكن من يصلح لها غيره وخاف الهلاك عليها إن لم يقبل. ذكره أصحاب الشافعي، وذكره في "البحر" منسوبًا إلى الإمام يحيى. قال ابن الملُقِّن: وهو محمول على أصل القبول دون أن يتلف منفعة نفسه في الحفظ من غير عوض. فعلى هذا يجب عليه أن يقبل بالأجرة، ويلزم على هذا (أ) أن يأخذها وإن لم يرض صاحبها، وعلى أصل الشافعية من دون حكم حاكم، وعلى أصل الهدوية لا يأخذها إلا بحكم، واحتج في "البحر" بقوله صلى الله عليه وسلم:"حرمة مال المؤمن كحرمة دمه"(4). وتكون محرمة

(أ) زاد في الأصل، ب: إذا لم يرض صاحبها بالأجرة.

_________

(1)

الآية 283 من سورة البقرة.

(2)

الآية 58 من سورة النساء.

(3)

الحاكم 2/ 460.

(4)

البزار 5/ 117 ح 1699، والدارقطني 3/ 26 من حديث ابن مسعود.

ص: 551

على من عرف من نفسه العجز عن حفظها؛ لأنه يعرضها للهلاك. وقال صاحب "المهذب"(1) و [الماوردي](أ): وكذا من عرف من نفسه الخيانة ويعجز عن دفعها، ويكره في حق من يقدر على حفظ نفسه من الخيانة مع مسارعة نفسه إلى ذلك؛ إذ لا يأمن عليه نفسه. وقال في "شرح المهذب": منهم من يقول: لا يجوز. ومنهم من يقول: يكره. ولم يرجح واحدًا منهما. وقال النووي في "الروضة"(2): هل يحرم قبولها أو يكره؟ وجهان، قال صاحب "المطلب": ويظهر أن هذا كله فيما إذا رأى قبولها من غير اطلاع المالك على الحال، أما إذا أطلعه فرضي بذلك فلا تحريم ولا كراهة، ويندب إذا أوثق من نفسه الأمانة، لقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (3). وقوله صلى الله عليه وسلم: "الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". أخرجه مسلم (4).

792 -

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أودع وديعة فليس عليه ضمان". أخرجه ابن ماجه وإسناده ضعيف (5).

وباب قسم الصدقات [تقدم](ب) في آخر الزكاة، وباب قسم الفيء والغنيمة يأتي عقيب الجهاد إن شاء الله تعالى.

(أ) في الأصل: المازري.

(ب) في الأصل، ب: مقدم.

_________

(1)

المهذب 1/ 358، 359.

(2)

روضة الطالبين 6/ 324.

(3)

الآية 2 من سورة المائدة.

(4)

مسلم 4/ 2074 ح 2699.

(5)

ابن ماجه، كتاب الصدقات، باب الوديعة 2/ 802 ح 2401.

ص: 552

الحديث في إسناده المثنَّى بن الصباح (1)، وهو متروك، وتابعه ابن لهيعة فيما ذكره البيهقي (2). وأخرج الدراقطني (3) حديث عمرو بن شعيب بلفظ:"ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان". وفي إسناده ضعيفان. قال الدارقطني: وإنما يروى هذا عن شريح غير مرفوع. ورواه (3) من طريق أخرى ضعيفة بلفظ: "لا ضمان على مؤتمن". وفسر المُغِل في رواية الدارقطني بأن المغل هو الخائن. وقيل: هو مدرج. وقيل: إنه المستغل وهو القابض. وفي الباب آثار عن أبي بكر، وعلي، وابن مسعود، وجابر أن الوديعة أمانة. أما أبو بكر فرواه سعيد بن منصور (4) قال: حدثنا أبو شهاب، عن حجاج بن أرطاة، عن أبي الزبير، عن جابر أن أبا بكر قضى في وديعة كانت في جراب فضاعت؛ أن لا ضمان فيها. وإسناده ضعيف.

وأما علي وابن مسعود فرواه الثوري في "جامعه" والبيهقي (2) من طريقه عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن أن عليّا وابن مسعود قالا: ليس على المؤتمن ضمان. وقد تضمن أثر أبي بكر معنى أثر جابر؛ لأن الظاهر في روايته لذلك أنه يقول به ولا يخالف.

الحديث فيه دلالة على أن الوديع لا يضمن الوديعة، وهو حكم مجمع عليه، إلا ما يروى عن الحسن البصري أنه إذا شرط عليه الضمان فإنه يضمن. وقد تؤُول بأنه مع التفريط.

(1) تقدمت ترجمته في 1/ 53.

(2)

البيهقي 6/ 289.

(3)

الدارقطني 3/ 41.

(4)

البيهقي 6/ 289 من طريق سعيد بن منصور به.

ص: 553

واعلم أن الوديعة تثبت بلفظ الموجب: كاستودعتك هذا. أو: استحفطك هذا. أو: [أنبتك](أ) في حفظه. وكذا: خذه أمانة. وما أشبهه من الألفاظ الدالة على الاستحفاظ، ويكفي القبول لفظًا، وكذا ما يقوم مقامها مما يدل على الرضا عرفًا؛ مثل أن يضع في حانوته وهو حاضر ولا يمنعه من ذلك، أو يضع في المسجد عنده وهو غير مصل، أو يقول: أضع عندك؟ فيسكت سكوت رضا، وأما إذا وضع عنده وهو يصلي؛ فلا يكون رضا، لعدم تمكنه من إظهار الكراهة. كذا في كتب الهدوية. وفي كتب الشافعية وجوه ثلاثة؛ الأصح أنه يكفي القبض في العقار والمنقول كما في الوكالة. والثاني: أنه لا يكفي، بل لا بد من القبول بناء على أنها عقد. والثالث: يفصل بين صيغة الأمر كـ: احفظ هذا المال. والعقد كـ: أودعتك. والخلاف كما قال المتولي [ينبنى](ب) على أن العقود هل يعتبر فيها ألفاظها أو معانيها (1)؟ وعندهم في توقف القبول على القبض وجوه ثلاثة؛ جزم البغوي بمنعه، والمتولي بمقابله، وأفتى الغزالي بأنه إن كان الموضع في يده فقال: ضعها هنا. دخل الوديعة في يده لحصوله في الموضع الذي هو في يده، وإن لم يكن بأن قال: انظر إلى متاعي في وكائي. فقال: نعم. لم يكن وديعة، وأما شرائط المودِع والمودَع، وكيفية الرد، فتفصيل ذلك في كتب الفروع.

(أ) في الأصل: نبتك. وفي جـ: اتمنتك.

(ب) في النسخ: يلتفت. والمثبت يقتضيه السياق.

_________

(1)

روضة الطالبين 6/ 324.

ص: 554