الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحوالة والضمان
الحوالة بفتح الحاء وقد تكسر، مشتقة من التحويل أو من الحِوَل (أ)، تقول: حال عن العهد. إذا انتقل عنه، حِوَلًا. وهي عند الفقهاء: نقل دين من ذمة إلى ذمة. واختلفوا هل هي بيع دين بدين رخص (ب) فيه واستثني من النَّهي عن بيع الدين بالدين، أو هي استيفاء؟ وقيل: هي عقد إرفاق مستقل، ويشترط في صحتها لفظها ورضا المحيل بلا خلاف، والمحتال عند الأكثر، والمحال عليه عند البعض، ويشترط أيضًا تماثل الحقين في الصفات، وأن يكون في شيء معلوم، ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في الطَّعام، لأنَّه بيع طعام قبل أن يستوفى.
707 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم، فإذا أُتْبع أحدكم على مَلِيء فليتْبع". متَّفقٌ عليه (1).
وفي رواية لأحمد (2): "فليحتل".
قوله: "مطل الغني ظلم". عند النَّسائيّ وابن ماجه (3) من حديث ابن
(أ) في جـ: حول.
(ب) في جـ: أرخص.
_________
(1)
البُخاريّ، كتاب الحوالة، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة 4/ 464 ح 2287، ومسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة واستحباب قبولها
…
3/ 1197 ح 1564/ 33.
(2)
أحمد 2/ 463.
(3)
النَّسائيّ 7/ 316، وابن ماجه 2/ 803 ح 2403.
عيينة عن أبي الزناد: "والظلم مطل الغني". والمعنى أنَّه من الظلم، ولكنه بولغ في التنفير عنه. وقد رواه الجوزقي (1) من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ:"إن من الظلم مطل الغني". وهو (أ) تفسير الذي قبله. وأصل المطل: المد. قال ابن فارس (2): مطلت الحديدة أمطلها مطلًا إذا أمددتها لتطول. وقال الأزهري (3): المطل المدافعة. والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه لغير عذر، والمراد هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيرًا (5). وهل يتصف بالمطل مَن قدر على تحصيله بالتكسب؟ أطلق أكثر الشَّافعية وهو قول الهدوية أنَّه لا يجب عليه التكسب ولا يتصف بالمطل، وصرح بعضهم بوجوب ذلك عليه، وفصل بعضهم بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يقضي به فيجب وإلا فلا. ومطل الغني من إضافة المصدر إلى الفاعل عند الجمهور، والمعنى أنَّه يحرم على الغني القادر أن (جـ) يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز.
وقيل: هو من إضافة المصدر إلى المفعول، والمعنى أنَّه يجب وفاء الدين ولو كان مستحقه غنيًّا، ولا يكون غناه سببًا لتأخير حقه، وإذا كان كذلك في حق الغني فهو في حق الفقير أولى. ولا يخفى بعده.
وقوله: "فإذا أُتْبع أحدكم على مليءٍ فلْيتْبع". المشهور في اللغة كما
(أ) في جـ: وهذا.
(ب) كاتب فوقها في جـ: يشترط.
(جـ) في جـ: أنَّه.
_________
(1)
ينظر الفتح 4/ 465، والحديث بهذا الإسناد والمتن في مصنف عبد الرَّزاق 8/ 316 ح 15355، وسنن النَّسائيّ 6/ 70.
(2)
معجم مقاييس اللغة 5/ 331.
(3)
تهذيب اللغة 13/ 361.
قال النووي (1) إسكان التاء المثناة في اللفظين، وهما على البناء للمجهول، تقول تبَعِت (أ) الرجل بحقي أَتْبعه تَباعة بالفتح إذا طلبته. وقال القرطبي (2): أما "أتبع" فبضم الهمزة وبسكون التاء مبنيًّا للمجهول عند الجميع، وأمَّا "فليتبع" فالأكثر على التخفيف، وقيّده بعضهم بالتشديد، والأول أجود. انتهى. ودعوى الاتفاق على "أتبع" يرده قول الخطابي (3): إن أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء، والصّواب التخفيف. ومعنى ذلك إذا أحيل فليحتل، وقد رواه بهذا اللفظ أحمد (4)[عن](ب) وكيع عن سفيان الثوري عن أبي الزناد. وأخرج البيهقي (5) مثله من طريق [معلى](جـ) بن منصور عن ابن (د) أبي الزناد عن أبيه، وأشار إلى تفرد معلى به، ولم ينفرد كما ترى، ورواه ابن ماجه (6) من حديث ابن عمر بلفظ:"فإذا أحلت على مليء فاتَّبعه". وهذا بتشديد التاء بلا خلاف.
(أ) في ب: أتبعت.
(ب) في النسخ: و. والمثبت من مصدر التخريج، والفتح 4/ 464.
(جـ) في النسخ: يعلى. وكذا وقع في الفتح، وسيأتي على الصواب بعده، وينظر تهذيب الكمال 28/ 291.
(د) ساقط من: جـ، والفتح.
_________
(1)
شرح صحيح مسلم 10/ 228.
(2)
ينظر الفتح 4/ 465.
(3)
غريب الحديث للخطابي 1/ 87، وينظر إصلاح غلط المحدثين له أيضًا 54.
(4)
تقدم تخريجه ص 277.
(5)
البيهقي 6/ 70.
(6)
ابن ماجه 2/ 803 ح 2404.
والمليء بالهمز: مأخوذ من الملْء. يقال: ملؤ الرجل بالضم: أي صار مليئًا، وقال الكرماني (1): الملي كالغني لفظًا ومعنى. فهو بغير همزة. وقال الخطابي (2): هو في الأصل بالهمز لكنَّه خفف. والأمر في قوله: "فليتبع" للاستحباب عند الجمهور، ووهم من نقل الإجماع عليه، وقيل: هو أمر إباحة وإرشاد. وهو شاذ، وحمله أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وأهل الظاهر على ظاهره وهو الوجوب.
والحديث فيه دلالة على أن مطل الغني ظلم يجب الاحتراز عنه، واختلف هل يعد إذا كان عمدًا كبيرة أم لا؟ فالجمهور علم أن فاعله يفسق، لكن هل يثبت فسقه بمطله مرَّة واحدة أو لا؟ قال النووي (3): مقتضى مذهبنا [اشتراط التكرار. ورده السبكي في "شرح المنهاج" بأن مقتضى مذهبنا](1) عدمه، واستدل بأنه منع الحق بعد طلبه، وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب، وتسميته ظلمًا يشعر بكونه كبيرة، والكبيرة لا يشترط فيها التكرار، نعم لا يحكم عليه بذلك إلَّا بعد أن يظهر عدم عذره. انتهى. واختلفوا هل يفسق قبل الطّلب أو لا بد منه؟ والذي يشعر به الحديث هو أنه لا بد من الطّلب؛ لأنَّ المطل لا يكون إلَّا معه.
ويشمل المطل كل من لزمه حق؛ كالزوج لزوجته والسيد في نفقة عبده. ومفهوم الحديث أن مطل العاجز عن الأداء لا يدخل في الظلم، وهو بطريق مفهوم المخالفة، ومن لم يقل بالمفهوم يقول: العاجز
(أ) ساقط من النسخ، والمثبت من الفتح 4/ 466.
_________
(1)
صحيح البُخاريّ بشرح الكرمانيّ 5/ 118.
(2)
الفتح 4/ 465.
(3)
شرح مسلم 10/ 227.
لا يسمى ماطلًا، والغني الذي ماله غائب عنه حكمه حكم المعدم؛ بدليل أن له سهمًا في الزكاة، وإن كان عند الهدوية يختص بالمنقطع عن وطنه فقط، ويؤخذ من هذا أن المعسر لا يحبس ولا يطالب حتَّى يوسر. قال الشَّافعي: لو جازت مؤاخذته لكان ظالمًا والفرض أنَّه ليس بظالم؛ لعجزه. وقال بعضهم: له أن يحبسه. وبعضهم قال: يلازمه.
ويؤخذ منه أنَّه إذا تعذر على المحال عليه التسليم لفقر لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل؛ لأنَّه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغِنَى فائدة، فلما شُرط علم أنَّه انتقل انتقالًا لا رجوع له، كما لو عوض عن دينه بعوض ثم تلف العوض يزيد صاحب الدين. وقالت الحنفية: يرجع عند التعذر؛ وشبهوا الحوالة بالضمان، وأمَّا إذا جهل الإفلاس حال الحوالة فله الرجوع. وأعلم أن قوله:"فإذا اتبع". بالفاء وقع في "صحيح البُخاريّ" في باب الحوالة، والكلام عليه جملة واحدة، لأنَّه متفرع على كون المطل ظلمًا؛ أي إذا كان المطل ظلمًا فليقبل من يحال بدينه عليه، فإن المؤمن من شأنه أن يحترز عن الظلم، فلا يمطل الغريم بسبب عدم قبول الحوالة فيكون سببًا في ظلمه. وفي رواية مسلم بالواو وكذا في البُخاريّ (1) في الباب الثَّاني بلفظ:"ومن أتبع". ومناسبة (أالجملة للتي أ) قبلها، لأنَّه لما دل على أن مطل الغني ظلم عقبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء، لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، فإنَّه قد تكون مطالبته بالمال عليه سهلة على المحال عليه دون المحيل، ففي قبول الحوالة إعانة على كفه عن الظلم.
708 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: توفي رجل منا، فغسلناه
(أ - أ) في ب: الجملة التي، وفي جـ: للجملة التي.
_________
(1)
البخاري 4/ 465 ح 2288.
وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطى، ثم قال:"أعليه دين؟ ". قلنا: ديناران. فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق الغريم، وبريءٌ منهما الميت". قال: نعم، فصلَّى عليه، رواه أحمد وأبو داود والنَّسائيُّ وصححه ابن حبان والحاكم (1).
الحديث أخرجه البُخاريّ (2) من حديث سلمة بن الأكوع.
وقوله: توفي رجل منا. قال المصنف رحمه الله (3): لم أقف على اسم هذا الرجل.
وفي رواية الحاكم زيادة بعد قوله: وحنطناه. وهي: ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: فقال: "هل عليه دين؟ ". في حديث أبي هريرة الآتي عند البُخاريّ (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: "هل ترك لدينه قضاء؟ ". فإن حدث أنَّه ترك لدينه وفاء صَلَّى عليه، وإلا قال للمسلمين:"صلوا على صاحبكم" الحديث.
وقوله: ديناران. في حديث سلمة: ثلاثة دنانير. وكذا أخرجه أبو داود (5) من وجه آخر من حديث جابر، وكذا أخرجه الطّبرانيّ (6) من حديث
(1) أحمد 3/ 330، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في التشديد في الدين 3/ 244 ح 3343، والنَّسائيُّ، كتاب الجنائز، باب الصَّلاة على من عليه دين 4/ 65، وابن حبان، كتاب الجنائز، باب فضل الصَّلاة على الجنازة 7/ 334 ح 3064، والحاكم، كتاب البيوع 2/ 58.
(2)
البُخاريّ 4/ 466 ح 2289.
(3)
الفتح 2/ 467.
(4)
سيأتي ح 709.
(5)
أبو داود 3/ 137 ح 2954، 2956.
(6)
الطّبرانيّ 24/ 184 ح 466.
أسماء بنت يزيد، ويُجمع بينهما بأنهما كانا دينارين وشطرًا، فمن قال: ثلاثة. جبر الكسر، ومن قال: ديناران. ألغاه. أو كان الأصل ثلاثة فوفَّى قبل موته دينارًا وبقى عليه ديناران، فمن قال: ثلاثة. فباعتبار الأصل، ومن قال: ديناران. فباعتبار الباقي. ووقع عند ابن ماجه (1) من حديث أبي قتادة: ثمانية عشر درهمًا. وهذا دون دينارين، وفي "مختصر المزني" (2) من حديث أبي سعيد الخدري: درهمين. ويجمع بينها إن ثبت فيما لا يمكن فيه التأويل الأول بالتعدد.
وقوله: فقال أبو قتادة. إلخ، في البُخاريّ في حديث سلمة: فقال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله (أ) وعلي دينه. فصلَّى عليه. وفي رواية ابن ماجه من حديث أبي قتادة نفسه: فقال أبو قتادة: أنا أتكفل به. ولفظ الحاكم في حديث جابر فقال: "هما عليك وفي [مالِكَ] (ب) والميت منهما بريء؟ " قال: نعم. فصلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة يقول:"ما صنعَتِ الديناران؟ ". حتَّى كان آخر ذلك أن قال: [قد قضيتهما](جـ) يا رسول الله. قال: "الآن حين بردت عليه جلده". وروى الدارقطني (3) من حديث علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتي بجنازة
(أ) زاد في الأصل: صَلَّى الله عليك.
(ب) في النسخ: رواية. والمثبت من المستدرك. وينظر الفتح 4/ 468.
(جـ) في النسخ: أرضيتهما. والمثبت من المستدرك. وينظر الفتح 4/ 465.
_________
(1)
ابن ماجه 2/ 804 ح 2407.
(2)
مختصر المزني ص 108.
(3)
الدارقطني 3/ 46، 47 ح 194.
لم يسأل عن شيء من عمل الرجل [و](أ) يسأل عن دَينه؛ فإن قيل: عليه دين. كفّ، وإن قيل: ليس عليه دين. صلَّى، فأتي بجنازة، فلما قام ليكبر، سأل:"هل عليه دين؟ ". فقالوا: ديناران. فعدل عنه، فقال علي: هما علي يا رسول الله وهو بريء منهما. فصلَّى عليه، ثم قال:"جزاك الله خيرًا وفك الله رهانك". الحديث.
قال ابن بطال (1): ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة عن الميت، ولا رجوع له في مال الميت، وعن مالك: له أن يرجع إن قال: إنَّما ضمنت لأرجع. فإذا لم يكن للميت مال وعلم الضامن (ب) بذلك فلا رجوع له عن الضمانة، وعن أبي حنيفة إن ترك الميت وفاء جاز الضمان بقدر ما ترك، وإن لم يترك وفاء لم يصح ذلك.
وفي الحديث دلالة على صعوبة الدين، وأنه يصح أن يتحمل الواجبَ غيرُ من وجب عليه وينفعه ذلك. وعلى أن صلاة الجنازة واجبة، وأن ترك النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاة على المدين؛ لأنَّ صلاته شفاعة مقبولة لا ترد، والدين لا يسقط إلَّا بالتأدية، والله أعلم.
وقوله: "حقَّ الغريم" منصوب على المصدر، مؤكِّد (جـ) لمضمون قوله: الديناران علي. بفعل مضمر محذوف وجوبًا؛ أي: حق عليك الحق وثبت
(أ) في النسخ: أو. والمثبت من الدارقطني. وينظر الفتح 4/ 468.
(ب) في جـ: أيضًا من.
(جـ) في جـ: مؤكدًا.
_________
(1)
شرح صحيح البُخاريّ لابن بطال 6/ 426.
عليك، وكنت غريمًا (أ). أو العامل فيه مضمون الجملة كما ذهب إليه سيبويه (ب).
وفيه دلالة على أن لزوم الحق للغير لا يكتفى فيه بالمحتمل من اللفظ، وأنه لا بد للحاكم في إلزام الحق من تحقيق ألفاظ العقود والإقرارات، وأنه إذا ادعى من عليه الحكومة أنَّه قصد باللفظ معنى يحتمله -وإن بعد الاحتمال- لم يحكم عليه بظاهر اللفظ، وعطْف:"وبريء منهما الميت" على ذلك ممَّا يؤيد هذا المستنبط، والله أعلم.
709 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: "هل ترك لدينه من قضاء؟ " فإن حُدِّث أنَّه ترك وفاءً صلَّى عليه، وإلا قال:"صلوا على صاحبكم". فلما فتح الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه". معلَّق عليه، وفي رواية البُخاريّ:"فمن مات ولم يترك وفاء"(1).
الحديث فيه دلالة على (جـ) أنَّه كان من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في أول الأمر ترك الصَّلاة على من لم يخلِّف الوفاء، ثم نسخ الحكم وتحمل الدين من بعد. قال العلماء (2) رحمهم الله تعالى: كأن الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك
(أ) بهامش الأصل: لا يلزم معنى اللفظ إلَّا بعد تحقيقه.
(ب) رسمت في ب هكذا: سَ.
(جـ) ساقط من: ب.
_________
(1)
البُخاريّ، كتاب الكفالة، باب الدين 4/ 477 ح 2298، ومسلم، كتاب الفرائض، باب من ترك مالًا فلورثته 3/ 1237 ح 1619/ 24.
(2)
ينظر الفتح 4/ 478.
الصَّلاة على من عليه دين ليحرض النَّاس على قضاء الديون في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منها؛ لئلا تفوتهم صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهل كانت صلاته على من عليه دين محرمة أو جائزة؟ وجهان، قال النووي (1): الصواب الجزم بجوازه (أ) مع وجود الضامن. وحكى القرطبي (2) أنَّه ربما كان يمتنع من الصَّلاة على من ادّان دينًا غير جائز، وأمَّا من استدان لأمر جائز فما كان يمتنع. وفيه نظر؛ لأنَّ في الحديث المذكور ما يدل على امتناعه مطلقًا؛ إلَّا أنَّه جاء من حديث ابن عباس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصَّلاة على من عليه دين، جاءه جبريل فقال: إن الله تعالى يقول: إنَّما الظالم في الديون التي حملت في البغي والإسراف والمعصية، فأمَّا المتعفف ذو العيال فأنا ضامن أن أؤدي عنه. فصلَّى عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:"من ترك ضياعًا أو دينًا فإلي وعلي، ومن ترك ميراثًا فلأهله". وصلى عليهم (2). قال الحازِمي (3): هذا الحديث بهذا السياق غير محفوظ، وهو جيد في باب المتابعات. إلَّا أنَّه ليس فيه التفصيل المذكور كان مستمرًّا، وإنَّما طرأ بعد ذلك، وقضاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لذلك من مال المصالح، وقيل: بل كان يقضيه من خالص نفسه. وهل كان القضاء واجبًا عليه أم لا؟ فيه وجهان. وقال ابن بطال (4):
(أ) في جـ: لجوازه.
_________
(1)
روضة الطالبين 7/ 6.
(2)
الفتح 4/ 478.
(3)
الحازمي في الاعتبار ص 98.
(4)
شرح صحيح البُخاريّ لابن بطال 6/ 457.
قوله: "من ترك دينًا فعلي". ناسخ لترك الصَّلاة على من مات وعليه دين.
وقوله: "فعلي قضاؤه". أي ممَّا يفيء الله عليه من الغنائم والصدقات.
قال: وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله فيمن مات وعليه دين، فإن لم يفعل، فالإثم عليه إن كان حق الميت (أ) في بيت المال يفي بقدر ما عليه من الدين، وإلا فبقسطه.
وقد ذكر الرافعي في آخر الحديث: قيل: يا رسول الله، وعلى كل إمام بعدك؟ قال:"وعلى كل إمام بعدي". وسبقه إلى ذكره القاضي حسين والجويني والغزّالي (1)، وقد وقع معناه في "الطّبرانيّ الكبير" (2) من حديث زاذان عن سلمان قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفدي سبايا المسلمين ونعطي سائلهم، ثم قال (5):"من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك دينًا فعليّ وعلى الولاة من بعدي من بيت مال (جـ) المسلمين". وفيه [عبد الغفور](د) بن سعيد الأنصاري (3) متروك ومتَّهم أيضًا، والله أعلم.
710 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا كفالة في حد". رواه البيهقي بإسناد ضعيف (4).
(أ) في جـ: للميت.
(ب) ساقط من: ب.
(جـ) ساقط من: جـ.
(د) في النسخ: عبد الله، وفي التلخيص 3/ 49: عبد الرحمن. والمثبت من مصدر التخريج. وينظر مجمع الزوائد 5/ 332، وتاريخ بغداد 11/ 130، وميزان الاعتدال 2/ 641.
_________
(1)
ينظر خلاصة البدر المنير 2/ 92، والتلخيص الحبير 3/ 48.
(2)
الطّبرانيّ 6/ 294 ح 6103.
(3)
عبد الغفور بن سعيد، وقيل: عبد الغفور بن عبد العزيز، أبو الصباح الواسطيِّ، قال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث. تاريخ ابن معين (برواية الدُّوريِّ) 3/ 468، والمجروحين 2/ 148.
(4)
البيهقي كتاب الضمان، باب ما جاء في الكفالة ببدن من عليه حق 6/ 77.
وأخرجه ابن عدي، وبيض له الديلمي، وقال البيهقي وابن عدي: منكر. وأخرجه الخطيب وابن عساكر (1).
الحديث فيه دلالة على أنَّه لا يصح أن يكفل أحد على من عليه حد بإقامة الحد عليه في وقت، سواء كان في مجلس الحكم عليه بالحدار في مجلس آخر، وقد ذهب إلى هذا الهدوية وأبو حنيفة والشّافعيّ؛ للحديث، ولأنه لا يمكن الاستيفاء من الكفيل، وكذا القصاص، قالوا: إلَّا أن يتبرع مَن عليه الحق بالكفالة ببدنه وأنه يصح منه ذلك، وذلك لجواز أن يُدعى عليه حد (أ) غير الحد، أو قدر مجلس الحكم في حد القذف؛ وهو ما بين قعود الحاكم للحكم في الوقت الذي يعتاد القعود فيه للحكم إلى أن يقوم من ذلك المجلس. ذكره الإمام يَحْيَى والحنفية، وذلك لأنَّ حد القذف يشبه الأموال باعتبار أنَّه حق لآدمي، وكذا حد السرقة والقصاص. وذهب أبو يوسف ومحمد إلى صحة الكفالة بالحد والقصاص، وأشار إلى صحة ذلك البُخاريّ وبوب عليه بباب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها (2)؛ أي غير الأموال. وقال بعده (3): وقال أبو الزناد عن محمد بن حمزة بن [عمرٍو](ب) الأسلمي عن أبيه، أن عمر بعثه مصدقًا، فوقع رجل على جارية امرأته، فأخذ حمزة من الرجل كُفَلاء حتَّى قدم على عمر، وكان عمر قد جلده
(أ) في جـ: حق.
(ب) في النسخ: عمر. والمثبت من مصدر التخريج.
_________
(1)
ابن عدي في الكامل 5/ 1681، والديلمي في الفردوس 5/ 200 ح 7946، والخطيب في تاريخ بغداد 3/ 391، وابن عساكر 45/ 311، وعنده: كفارة. بدل: كفالة.
(2)
البخاري 4/ 469.
(3)
البخاري 4/ 469 ح 2290.
مائةً، فصدَقهم وعذره بالجهالة. وصدقهم بالتخفيف؛ أي اعترف بما وقع، لكن اعتذر بأنه لم يكن عالمًا، أو صدَّق عمر الكفلاء فيما كانوا يدعونه أنَّه قد جلده مرَّة لذلك، ولم يرجمه عمر؛ لأنَّه ربما لم يكن قد أصاب امرأته. كذا في الكرماني (1). وقال المصنف في "الفتح" (2): إن الجلد هنا المذكور إنَّما هو تعزير له من عمر بهذه الفعلة، وهو حجة لمالك في جواز أن يتجاوز التعزير حدًّا، أو كأن مذهبه أن المحصن الجاهل لا يرجم والعالم يرجم. ثم قال البُخاريّ (3): وقال جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود في المرتدين: استتبهم وكفِّلْهم. [فتابوا وكفلهم](أ) عشائرهم. وهذا في قصة ابن النواحة، أخرجها البيهقي (4) بطولها من طريق [أبي] (ب) إسحاق عن حارثة بن [مُضَرِّب] (جـ) قال: صليت الغداة مع عبد الله بن مسعود، فلما سلم قام رجل فأخبره أنَّه انتهى إلى مسجد بني حنيفة، فسمع مؤذنه عبد الله بن النواحة يشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال عبد الله: علي بابن النواحة وأصحابه. فجيء بهم، فأمر قرظة بن كعب بضرب عنق ابن النواحة، ثم استشار النَّاس في أولئك النفر، فأشار إليه عدي بن حاتم بقتلهم، فقام جرير والأشعث
(أ) ساقط من: النسخ. والمثبت من مصدر التخريج.
(ب) في النسخ: ابن. والمثبت من مصدر التخريج. وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي. ينظر تهذيب الكمال 22/ 103.
(جـ) في النسخ: مصرف. والمثبت من مصدر التخريج. وينظر تهذيب الكمال 5/ 317.
_________
(1)
صحيح البُخاريّ بشرح الكرماني 5/ 120.
(2)
الفتح 4/ 470.
(3)
البُخاريّ 4/ 469 عقب ح 2290.
(4)
السنن الكبرى 8/ 206.
فقالا: بل استتبهم وكفِّلْهم عشائرهم. وروى ابن أبي شيبة (1) من طريق قيس بن أبي حازم، أن عدة المذكورين كانت مائة وسبعين رجلًا.
فالقصة الأولى صريحة في الكفالة بالحد، والقصة الثَّانية متضمنة لذلك؛ لأنَّ التكفيل عنهم بأنهم إذا عادوا إلى الردة أقيم عليهم الحد، والفائدة في الكفالة في الحدود مثل الكفالة بالوجه، أنَّه يجب على الكفيل إحضار المكفول عليه لإقامة الحد عليه والقصاص؛ للإجماع من القائلين بها أنَّه لا يقام الحد والقصاص على الكفيل نفسه إذا غاب المكفول عليه (أ) أو مات. والحديث إما على القول بضعفه فهذه الآثار العمل بها أرجح، أو ربما يُدَّعَى الإجماع السكوتي من الصّحابة والقياس أيضًا على الكفالة في الأموال، وإذا فرض صحة العمل به فالتأويل ممكن بأنه لا كفالة في الحدود على وجه يقام الحد على الكفيل، كما في المال يسلمه الكفيل. والله أعلم.
(أ) في ب، جـ: عنه.
_________
(1)
ابن أبي شيبة 12/ 269.