الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سنة: (848 هـ) وقع بالقاهرة الطاعون العظيم، بحيث كان يخرج في اليوم الواحد ما يزيد على الألف (1).
وفي سنة: (851 هـ) وقعت صاعقة ببيت المقدس أثناء شوّالها (2).
أثرها في شخصية الإمام الجراعي:
لا بد للإنسان أن يختلط بغيره من البشر، ويعايش قضاياهم، ويتألم لآلامهم ويصيبه ما يصيبهم من الفرح والسرور أو الحزن والألم.
فكيف بالعلماء الذين يفزع إليهم العامة بعد الله، في حل قضاياهم، أو الشفاعة لهم عند من يستطيع ذلك، والذين يحملون هموم الأمة والدعوة ومشاكلها.
هذا بالنسبة للجانب الفكري والجسدي، أما بالنسبة للجانب المالي فلم يتأثر العلماء كثيرًا لما لهم من مكانة في الدولة، ولما يتقاضونه غالبًا من أجور ومِنَح مقابل تدريسهم في المدارس، خاصة تلك المدارس التي يبنيها الولاة ويتفاخرون بها. والله أعلم.
المطلب الثالث: الناحية العلمية وأثرها في شخصية الجراعي
أحسَّ المماليك أنهم غرباء عن البلاد الشامية والمصرية وعن أهلها، وفي حاجة إلى دعامة يستندون إليها في حكمهم، ويستعينون بها على إرضاء رعيتهم، فلم يجدوا سوى طائفة العلماء، وذلك لما
(1) انظر: الشذرات (9/ 381)، أنباء الغمر (9/ 219 - 220).
(2)
انظر: الشذرات (9/ 392).
للدين وأهله من مكانة وقوة في نفوس المسلمين، فاحترم المماليك العلماء، فكانوا يقومون لهم إذا دخلوا عليهم ويجلسونهم بجوارهم، ويغدقون المنح والمرتبات السخية على أرباب الوظائف من هؤلاء العلماء، لما يعلمون ما لهم من قوة في كسب الرأي العام في البلاد، ومما يؤكد المكانة الرفيعة التي وصل إليها العلماء في هذا العصر أن بعض الأمراء والمماليك السلطانية خافوا من مشاركة العلماء لهم في الوجاهة والرفعة (1).
وكان المماليك أنفسهم يحرصون على وجود حياة علمية، ويتفاخرون في بناء المدارس (2) ودور العلم (3)، وكانت الأوقاف الواسعة توقف للمدارس، ويجلب لها الكتب الكثيرة النافعة، ويمكن من التدريس فيها أهل العلم والفضل، وكانت توفر لطلابها وأساتذتها السكن والعيش والحياة الكريمة، مما سهل على طلاب العلم التفرغ له، وعلى علمائه صرف الأوقات في نشره ومدارسته وتعليمه (4). بل قد شارك بعضهم في هذه النهصة العلمية بالتدريس والتأليف (5).
(1) انظر: الخلافة العباسية في مصر عصر المماليك (352)، مصر في عصر المماليكي (158 - 159).
(2)
ذكر أكثر من سبعين مدرسة في مصر فقط، وأما المدارس التي في دمشق فقيل أكثر من مائة وستة وخمسين مدرسة. انظر: الخطط (2/ 362)، تحقيق رسالة التحبير للقرني (20).
(3)
هذا غير المساجد وحلقاتها وزواياها، فكانت مساجد دمشق أكتر من ثمانين وثلاثمائة مسجدًا، وتكثر حلقاتها، وخاصة الجامع الأموي.
(4)
انظر: رسالة تحقيق التحبير للقرني (9).
(5)
انظر: العصر المملوكي في مصر والشام (341 - 351)، المجتمع المصري في عصر السلاطين المماليك (139 - 151).
لهذا كله ولغيره (1) وجدنا حركة علمية مزدهرة في هذه الفترة، يدل عليها كثرة العلماء كالمرداوي، والسخاوي، والسيوطي وابن الهمام وغيرهم، وكذلك كثرة التراث الذي خلفوه لنا.
أثرها في شخصية الإمام الجراعي:
لا شك أن الإنسان وليد عصره، فالجراعي ممن تأثر بهذه الحركة العلمية الواسعة، فطلب العلم على علمائها، وناله ما نال العلماء من مكانة ومنزلة، وشارك في هذه النهضة بالتدريس والتأليف والقضاء كما سيأتي.
* * *
(1) كوجود المذاهب والفرق، والتعصب بينها مما أدى إلى إثراء للحياة العلمية والفكرية إلا أنه أوجد في المسلمين شيئًا من التفرق والتمزق. حتى خرج مرسوم السلطان إلى أن كل أحد لا يعترض على مذهب غيره، ومن أظهر شيئًا مجمعًا عليه سُمع منه، وسكن الأمر. انظر: شذرات الذهب (9/ 308).