الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول عصر المؤلف
ويشتمل على ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الناحية السياسية وأثرها في شخصية الجراعي
المطلب الثاني: الناحية الاجتماعية وأثرها في شخصية الجراعي
المطلب الثالث: الناحية العلمية وأثرها في شخصية الجراعي
المطلب الأول: الناحية السياسية وأثرها في شخصية الجراعي
كانت مصر والشام في عصر الجراعي رحمه الله تحت سلطة المماليك الجراكسة، وكان الحاكم في القاهرة، وله نائب في الشام، وقد كانت دولة المماليك من أقوى الدول التي حكمت العالم الإسلامي في تلك الفترة، ولقد مر على السلطة في دولة المماليك في عهد تقي الدين الجراعي عشرة سلاطين من عام (825 هـ) حتى عام (901 هـ) وهم:
1 -
السلطان الأشرف برسباي الدقماقي: (825 هـ- 841 هـ)
وقد امتاز عهده بالاستقرار وقلة الاضطرابات الداخلية،
وكانت أيامه في غاية الحسن، وقد مكن ذلك الاستقرار بمشروع حربي كبير وهو غزو جزيرة قبرص، وإدخالها في نطاق التبعية لسلطنة المماليك، خاصة بعد أن اتخذ القبارصة من جزيرتهم مركزًا للوثوب على الموانئ الإسلامية في شرق البحر المتوسط وتهديدهم لحركة التجارة الإسلامية التي تمر بالقرب من تلك الجزيرة.
وقد طالت مدة الأشرف برسباي في السلطنة، وأحسن في إدارة الدولة، ونالته السعادة بعد أن دانت له الديار المصرية والبلاد الشامية وأهلها، واستمرت مدة سلطنته ست عشرة سنة وثمانية شهور، وهو الذي أنشأ المدرسة الأشرفية في القاهرة والكائنة بين القصرين، كما بنى غيرها مما هو الآن من الآثار الجميلة (1).
2 -
السلطان العزيز يوسف بن الأشرف برسباي: (841 هـ- 842 هـ)
تولى الحكم بعد أبيه سنة: (841 هـ)، وعمره أربع عشرة سنة، ثم خلع بعد ثلاثة أشهر وخمسة أيام (2).
3 -
السلطان الظاهر جقمق العلائي الظاهري: (842 هـ- 857 هـ)
حدث في زمنه عدة اضطرابات، انتهت بالقبض على الأمير
(1) انظر: شذرات الذهب (9/ 349)، بدائع الزهور (2/ 188 - 1899)، والنجوم الزاهرة (15/ 106)، البدر الطالع (1/ 16)، وأخبار الأول ص (122)، مصر في عصر دولة المماليك ص (34).
(2)
انظر: والنجوم الزاهرة (15/ 222)، بدائع الزهور (2/ 190 - 198)، خطط الشام (1/ 189).
قرقماش الشعباني الذي كان ينازعه منصب السلطنة، وبقتل نائب حلب ونائب الشام لما خرجا عن طاعته، وبعدها تفرغ لإصلاح الديار المصرية والبلاد الشامية، وكان معروفًا بالتدين والورع متواضعًا محبًا للعلماء والفقهاء والصالحين، يقوم لمن يدخل عليه منهم، وقد قام بعدة إصلاحات مثل: بناء المساجد والجوامع والقناطر والجسور .. إلخ. ثم مرض سنة: (857 هـ) فتنازل لابنه عثمان، ثم مات في نفس العام (1). ويعتبر من أهم حوادث عهد جقمق تخفيف حدة التوتر بين المغول ومغولة المماليك، ومحاولة فتح رودس للقضاء على بقايا الصليبيين.
4 -
السلطان المنصور عثمان بن الظاهر جقمق: (857 هـ- 857 هـ)
تولى الحكم سنة: (857 هـ)، وعمره تسع عشرة سنة، ثم خلع بعد ثلاثة وأربعين يومًا؛ بسبب ثورة الجيش ضده إثر توزيعه النفقة عليهم من نقوده المعروفة بالمناصرة، نسبة إلى اسمه، وهي دنانير ذهبية ناقصة القيمة. وتولى بعده إينال العلائي (2).
5 -
السلطان الأشرف إينال العلائي (857 هـ- 865 هـ)
وقد عصفت حركات العصيان التي قام بها مماليك الأشرف إينال بملكه، حيث انعدم الأمن والاستقرار، وشاع الخوف
(1) انظر: النجوم الزاهرة (5/ 256 - 465)، بدائع الزهور (2/ 198 - 199)، مصر في عصر دولة المماليك (35)، خطط الشام (1/ 189)، البدر الطالع (1/ 184 - 185).
(2)
انظر: النجوم الزاهرة (16/ 23)، بدائع الزهور (2/ 301)، خطط الشام (1/ 190)، مصر في عصر دولة المماليك ص (35).
والذعر من جراء اعتداءات أولئك المماليك على الخاصة والعامة بعاصمة الخلافة العباسية، ومقر السلطنة بالديار المصرية القاهرة.
ومما يؤكد على الأثر السيئ الذي تركته تلك الحركات من اضطرابات وفساد، أنه في سلطنة الأشرف إينال التي استمرت قرابة ثماني سنوات أعلن المماليك اللأجلال العصيان عليه والخروج من الطاعة سبع مرات.
وقد استمر الأشرف إينال في السلطنة حتى وفاته بعد اشتداد مرضه سنة: (865 هـ) وقيل: إنه خلع نفسه (1).
6 -
السلطان المؤيد أحمد بن الأشرف إينال: (865 هـ- 865 هـ)
بويع بالسلطنة في حياة والده عندما اشتد عليه مرضه، وذلك بإشارة أحد كبار الأمراء المماليك، فوافق الأشرف إينال على ذلك الاقتراح وعهد بالسلطنة لابنه أحمد بحضور الخليفة العباسي والقضاة الأربعة، ويقال: كان كفؤًا للسلطنة وزيادة، وكان عليه مهابة ووقار.
وقد قامت عليه ثورة، فانهزم المؤيد، واختفى في رمضان سنة:(865 هـ).
وقيك خلعه أتابكه خشقدم بعد خمسة أيام، وولي السلطنة الملك الظاهر خشقدم (2).
(1) انظر: النجوم الزاهرة (16/ 57)، بدائع الزهور (2/ 307 - 310)، مصر في عصر دولة المماليك الجراكسة ص (36).
(2)
انظر: النجوم الزاهرة (16/ 218)، بدائع الزهور (2/ 369 - 371)، خطط الشام (1/ 190).
7 -
السلطان الظاهر خشقدم الناصري: (865 هـ- 872 هـ)
وقد اجتمعت عليه كلمة الأمراء المماليك، وامتازت مدة سلطنته بالهدوء، ولم يعكر صفو ذلك الهدوء سوى محاولة الأمير جانم بك نائب الشام لانتزاع منصب السلطنة بناء على دعوة سابقة من المماليك الذين خلعوا أحمد بن إينال، ولكن السلطان خشقدم استطاع بسهولة أن يقضي على تلك المحاولة (1).
8 -
السلطان الظاهر يلباي المؤيدي: (872 هـ- 872 هـ)
اجتمع رأي المماليك الأمراء عليه فبايعوه وهو غير راضٍ وقد كان شخصية ضعيفة إمّعة، ليس له من الأمر شيء، ولعل هذا هو الذي رشحه لمنصب السلطنة، وفي بداية سلطنته حاول التخلص من شر المماليك الأجلاب بحيلة دبرها، ولكنها انقلبت عليه، فاجتمعوا عليه وخلعوه، وكانت سلطنته شهرين ساد فيها الفوضى والفتن (2).
9 -
السلطان الظاهر تمربغا الظاهري: (872 هـ- 873 هـ)
بويع بالسلطنة بعد اتفاق كلمة الأمراء المماليك من سائر الطوائف عليه؛ وبعد تولية السلطنة سلك مع الناس مسالك استجلب بها قلوب الخاص والعام، غير أن المماليك الأجلاب
(1) انظر: النجوم الزاهرة (16/ 253 - 257)، بدائع الزهور (2/ 383)، سمط النجوم العوالي (4/ 41 - 42)، مصر في عصر دولة المماليك الجراكسة ص (36).
(2)
انظر: النجوم الزاهرة (16/ 356 - 357)، بدائع الزهور (2/ 458)، خطط الشام (1/ 190)، سمط النجوم العوالي (4/ 41)، بدر الطالع (1/ 247)، مصر في عصر دولة المماليك الجراكسة ص (36، 37).
الذين تزعمهم الأمير خاير بك أعلنوا خلع السلطان تمربغا بعد أن عجز في كسب رضاهم، وأعلنوا نصب خايربك في السلطنة، إلا أن ذلك التصرف لم يكتب له النجاح بعد أن وقف الأمير قايتباي المحمودي في وجه المماليك الأجلاب وتولى السلطنة، وكانت مدة الظاهر تمربغا في السلطنة قرابة شهرين (1).
10 -
السلطان الأشرف قايتباي المحمودي: (872 هـ- 901 هـ)
طالت مدة الأشرف قايتباي في السلطنة حيث قاربت تسعة وعشرين عامًا، لقي فيها الكثير من الصعوبات، خاصة على نطاق الحدود الشمالية للدولة، فقد غلب عدم الاستقرار على تلك المنطقة بسبب كثرة عصيان القبائل التركمانية، يضاف إلى ذلك الخطر الجديد الذي أصبح يهدد الدولة وهو تعاظم قوة الدولة العثمانية وتزايد نفوذ السلطان العثماني في تلك المنطقة بصفة خاصة وفي أراضي الخلافة العباسية بصفة عامة. وكذا ثورات الجلبان المتكررة التي لم يكن لها هدف سوى الحصول على النفقة دون نظر إلى حالة الدولة المالية أو التزاماتها الحيوية (2).
أثرها على الجراعي ..
من المعلوم أن للحياة السياسية أثرًا على نتاج أبنائها، وكلما كان الوضع السياسي مستقرًا، كانت الحياة العلمية في نمو واتساع،
(1) انظر: النجوم الزاهرة (16/ 373 - 393)، بدائع الزهور (2/ 467 - 473)، سمط النجوم العوالي (4/ 42)، أخبار الأول ص (123).
(2)
انظر: النجوم الزاهرة (16/ 394)، بدائع الزهور (3/ 3 - 5)، مصر في عصر دولة المماليك الجراكسة ص (38).
وكلما كان العصر مليئًا بالفتن والاضطرابات، كان نتاج أبنائه أقل، فلصفاء الذهن بالأمن على النفس والأهل والولد والحياة المعيشية وغيرها أثر على طالب العلم، وعلى عطاء العلماء، وقد كانت دولة المماليك من أفضل وأقوى الدول التي تحكم الدول الإسلامية، فكان لها أثر على الجراعي ومن عاش في عصره.
فالجراعي نشأ بين عام: (825 هـ) وعام: (883 هـ) أي من نهاية سلطنة السلطان الصالح محمد بن الظاهر ططر: (925 هـ) وبداية سلطنة الأشرف برسباي الدقماقي: (825 هـ) إلى السنة الحادية عشرة من حكم السلطان الأشرف قايتباي المحمودي.
وكان أغلب هذه الفترة يسودها الأمن والهدوء، وتقلُّ الاضطرابات الداخلية كما نشطت فيها الحركة العلمية نشاطًا ملحوظًا، فرغم بعض الاضطرابات الداخلية فقد ازداد فيها عدد العلماء، وبنيت فيها المدارس، وألفت فيها المؤلفات، وكثر الإقبال على العلم.
بل كان السلاطين والوزراء أنفسهم يحرصون على وجود حياة علمية، بل ويتفاخرون في إنشاء المدارس ودور العلم، وكانوا يكنون للعلماء كل تقدير واحترام.
وشارك العلماء مشاركة فعلية في إدارة البلاد وشؤون الحكم وولي كثير منهم مناصب هامة في الدولة إلى جانب المناصب المخصصة له كالقضاء والتدريس والإفتاء التي كانت خاصة بالعلماء، وقد تولى تلك المناصب إمامنا الإمام تقي الدين الجراعي وشارك مع من شارك.