المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال أبو العباس (1): "وحقيقة المسألة أن مخالفة الظاهر لفظ - شرح مختصر أصول الفقه للجراعي - جـ ٢

[الجراعي]

فهرس الكتاب

- ‌«من بداية الخبر إلى نهاية الخاص»

- ‌ملخص الرسالة

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌دوافع اختيار الموضوع

- ‌الفصل الأول عصر المؤلف وحياته وفيه مبحثان:

- ‌المبحث الأول عصر المؤلف

- ‌المطلب الأول: الناحية السياسية وأثرها في شخصية الجراعي

- ‌المطلب الثاني: الناحية الاجتماعية وأثرها في شخصية الجراعي

- ‌الآداب الشرعية

- ‌الطواعين والأوبئة والكوارث:

- ‌المطلب الثالث: الناحية العلمية وأثرها في شخصية الجراعي

- ‌المبحث الثاني: حياة المؤلف

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه ولقبه

- ‌المطلب الثاني: تاريخ ومحل ولادته

- ‌المطلب الثالث: نشأته وطلبه للعلم

- ‌أولًا: نشأته:

- ‌ثانيًا: طلبه للعلم ورحلاته

- ‌المطلب الرابع: عقيدته ومذهبه الفقهي

- ‌أولًا: عقيدته:

- ‌ثانيًا: مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب الخامس: شيوخه وتلاميذه

- ‌أولًا: شيوخه:

- ‌ثانيًا: تلاميذه:

- ‌المطلب السادس: المناصب التي تولاها

- ‌المطلب السابع: أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌المطلب الثامن: مصنفاته

- ‌المطلب التاسع: وفاته

- ‌المطلب العاشر: ترجمة مؤلف المختصر

- ‌الفصل الثاني دراسة كتابه

- ‌المبحث الأول: عنوان الكتاب ونسبته إلى مؤلفه، وسبب تأليفه

- ‌أولًا: عنوان الكتاب:

- ‌ثانيًا: نسبة الكتاب إلى المؤلف

- ‌ثالثًا: سبب تأليفه

- ‌المبحث الثاني: موضوعات الكتاب

- ‌المبحث الثالث: منهج المؤلف في الكتاب

- ‌أولًا: بدأ المؤلف كتابه بمقدمة ذكر فيها أمورًا

- ‌ثانيًا: سار في ترتيب الموضوعات كما سار القاضي علاء الدين ابن اللحام في مختصره، دون تقديم أو تأخير

- ‌ثالثًا: التعريفات

- ‌رابعًا: المسائل الخلافية

- ‌خامسًا: الأدلة

- ‌سادسًا: قد يذكر المؤلف وجه الاستدلال

- ‌سابعًا: مناقشة الأدلة

- ‌ثامنًا: ذكر ثمرة الخلاف

- ‌تاسعًا: ما يتعلق بالأعلام

- ‌عاشرًا: جوانب أخرى من منهج المؤلف:

- ‌المبحث الرابع: مصادر ومراجع المؤلف في الكتاب

- ‌المبحث الخامس: "أهمية الكتاب وقيمته العلمية

- ‌المبحث السادس: "نقد الكتاب

- ‌أولًا: الأقوال

- ‌ثانيًا: الأدلة

- ‌ثالثًا: الإعلام

- ‌رابعًا: جوانب أخرى يمكن أن تؤخذ عن المؤلف

- ‌المبحث السابع: "وصف المخطوطة

- ‌المبحث الثامن: "منهجي في التحقيق

- ‌الخبر

- ‌ الأمر

- ‌ النهي

- ‌المراجع والمصادر

الفصل: قال أبو العباس (1): "وحقيقة المسألة أن مخالفة الظاهر لفظ

قال أبو العباس (1): "وحقيقة المسألة أن مخالفة الظاهر لفظ الخطاب لا يقتضي مخالفة الظاهر في فحواه، وهو يشبه نسخ اللفظ، هل يكون نسخًا للفحوى؟ وهكذا يجيء في جميع دلالات الالتزام، وقول المخالف متوجه، وسرها هل هو بمنزلة أمرين، أو أمر بفعلين، أو أمر بفعل واحد، ولوازمه جاءت ضرورة، وهو يستمد من الأمر بالشيء، هل هو نهي عن أضداده.

قوله (2):‌

‌ النهي

(3) مقابل الأمر (4)، فما قيل في حد الأمر وأن له صيغة تخصه، وما في مسائله من صحيح وضعيف فمثله هنا.

(1) انظر: المسودة ص (59).

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (103).

(3)

النهي لغة: نهيته عن الشيء نهيًا فانتهى عنه، ونهوته نهوًا، ونهى الله تعالى، أي: حرم.

واصطلاحًا: لفظ طُلب به الكف عن الفعل جزمًا على جهة الاستعلاء بغير لفظ كف ونحوه.

انظر: المصباح المنير (2/ 629)، والقاموس المحيط (1728).

وانظر: العدة (1/ 159)، تيسير التحرير (1/ 374)، اللمع ص (13)، المستصفى (2/ 293).

(4)

قال الطوفي في شرح المختصر (2/ 430): "مثاله: في حدهما أن الأمر: اقتضاء فعل، والنهي: اقتضاء كف عن فعل، والأمر ظاهر في الوجوب، مع احتمال الندب، والنهي ظاهر في التحريم مع احتمال الكراهة، وصيغة الأمر: افعل، وصيغة النهي: لا تفعل، والنهي يلزمه التكرار، والفور، والأمر يلزمانه على خلاف فيه، والأمر يقتضي صحة المأمور به، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وكما يخرج المكلف عن عهدة المأمور به بفعله، كذلك يخرج عن عهدة المنهي عنه بتركه، فهذا معنى الموازنة من الأمر والنهي". أ. هـ.

ص: 391

صيغة النهي: لا تفعل، وهل يشترط معها العلو والاستعلاء، أو لا أو الأول فقط (1)[](2).

واعتبر المعتزلة (3) إرادة الترك.

وقالت الأشعرية (4): لا صيغة له، بل هو قائم في النفس، كما قالوا في الأمر، وقد تقدمت المباحث في الأمر (5).

قوله (6): وصيغة "لا تفعل" وإن احتملت تحقيرًا، كقوله:{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} (7) وبيان العاقبة: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (8) والدعاء {لَا تُؤَاخِذْنَا} (9) واليأس {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} (10) والإرشاد {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} (11) .. فهي حقيقة في طلب الامتناع.

ذكر المصنف أن صيغة "لا تفعل" ترد لخمسة أشياء، وهي

(1) انظر: العدة (2/ 425)، المسودة ص (80)، القواعد والفوائد الأصولية ص (190).

(2)

كلمتان لم أستطع قراءتهما.

(3)

انظر: المعتمد (1/ 168).

(4)

انظر: شرح اللمع (1/ 294)، البحر المحيط (2/ 426).

(5)

انظر: ص (129).

(6)

انظر: المختصر لابن اللحام ص (103).

(7)

آية (88) من سورة الحجر.

(8)

آية (42) من سورة إبراهيم.

(9)

آية (286) من سورة البقرة.

(10)

آية (7) من سورة التحريم.

(11)

آية (101) من سورة المائدة.

ص: 392

مع ذلك حقيقة في طلب الامتناع، وهو متابع في ذلك ابن مفلح (1).

وترد للتحريم: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (2) وللكراهة {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} (3) وذكر في المحصول (4): أنها ترد للخبر: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (5) وللتهديد، كقولك لمن لا يمتثل لأمرك:" [أنت] (6) لا تمتثل أمري"(7)، وللإباحة، وذلك في النهي بعد الإيجاب، فإنه إباحة للترك، ذكره في الروضة (8)، كقوله صلى الله عليه وسلم:(ولا توضؤوا من لحوم الغنم)(9)، ثم سلم: أنه للتحريم.

وكذا اختار ابن عقيل (10): يقتضي إسقاط ما أوجبه الأمر، وأنه وزان الإباحة بعد الحظر (11).

(1) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 726).

(2)

آية (32) من سورة الإسراء.

(3)

آية (267) من سورة البقرة.

(4)

انظر: المحصول (2/ 35).

(5)

آية (79) من سورة الواقعة. قال الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 81): "وهذا مثال للخبر بمعنى النهي، لا للنهي بمعنى الخبر".

(6)

ما بين معقوفين ليس في المخطوط والإكمال من شرح الكوكب (3/ 81).

(7)

قال الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 81): والذي يظهر أن (لا) هنا نافية، وإن لم تخرج عن معنى التهديد، والأولى تمثيله بقول السيد لعبده.

(8)

انظر: روضة الناظر (2/ 615).

(9)

من حديث أسيد بن خضير ونصه: "توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم" رواه أحمد (4/ 352).

(10)

انظر: الواضح لابن عقيل (2/ 529 - 530).

(11)

لإخراجهما عن جميع أقسام الأمر والنهي، فأقسام الأمر: إيجاب وندب، =

ص: 393

وجزم أبو الفرج المقدسي (1) أنه للكراهة، وقاله القاضي (2)، وأبو الخطاب (3)، ثم سلما: أنه للتحريم؛ لأنه آكد، واختاره الحلواني (4).

وذكر أبو إسحاق الإسفرائيني (5): التحريم إجماعًا، قال أبو المعالي:"ما أرى (6) المخالفين في الأمر بعد الحظر يسلمون ذلك".

واختار (7) أبو المعالي: الوقف.

وترد للالتماس (8): كقولك لنظيرك: "لا تفعل هذا".

وكونها حقيقة في التحريم، والكراهة - وهو وجه لنا (9)، مع

= أما الإطلاق والإباحة فليسا من أقسامه: وأقسام النهي: تحريم وتتريه، أما الإسقاط فليس من أقسامه.

(1)

انظر: المسودة ص (17)، وقال ابن مفلح في أصوله (2/ 727):"وتقدم الوجوب قرينة في أن النهي بعده للكراهة، جزم به أبو الفرج المقدسي".

(2)

قال: "يحتمل أن يقال أنها تقتضي التخيير دون التحريم". انظر: العدة (1/ 262).

(3)

انظر: التمهيد (1/ 164 - 165، 362).

(4)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية (192)، شرح الكوكب (3/ 64)، المسودة ص (84).

(5)

انظر: سلاسل الذهب ص (208).

(6)

انظر: البرهان (1/ 88).

(7)

المصدر السابق.

(8)

قال الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 78 - 82): "وهذا عند من يقول: إن صيغة الأمر لها ثلاث صفات".

(9)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 726).

ص: 394

أن الإمام أحمد (1) قال: "أخاف على قائل هذا أنه صاحب بدعة"

أو مشتركة (2)، أو موقوفة (3)، فعلى ما سبق في الأمر (4).

قوله (5): وتختص به مسألتان. إحداهما: إطلاق النهي (6) عن الشيء لعينه يقتضي فساد المنهي عنه عند الأكثر (7) شرعًا، وقيل (8): لغة.

وقال بعض الفقهاء والمتكلمين (9): لا يقتضي فساده.

وعند أبي الحسين (10): يقتضي العبادات فقط.

(1) المصدر السابق.

(2)

قيل: تكون مشتركة بين التحريم، والكراهة، فتكون حقيقة في كل منهما.

انظر: شرح الكوكب المنير (3/ 83)، القواعد والفوائد الأصولية ص (190).

(3)

انظر: شرح اللمع (1/ 296). وهو قول الأشعرية.

(4)

في مسألة الأمر بعد الحظر. انظر: ص (141 - 142).

(5)

انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (103 - 104).

(6)

احترازًا عن النهي المقيد المقترن بقرينة تدل على الفساد، أو تدل على عدمه، فليس من محل الخلاف.

انظر: تشنيف المسامع (2/ 634).

(7)

انظر: العدة (2/ 432)، التمهيد (1/ 369 - 370)، بديع النظام (1/ 433)، تيسير التحرير (1/ 376)، الإشارة للباجي (181)، التبصرة (100)، الإحكام (2/ 407).

(8)

المصادر السابقة.

(9)

انظر: المحصول (2/ 291)، الإحكام للآمدي (2/ 209).

(10)

انظر: المعتمد (1/ 171).

ص: 395

وجه الأول: حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من

عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" متفق عليه (1).

ولأحمد (2): "من صنع أمرًا على غير أمرنا فهو مردود".

واعترض: آحاد، ثم: المراد لا يثاب عليه.

والجواب: تلقته الأمة بالقبول، فهو كالمتواتر.

ثم: هذا من مسائل الاجتهاد، فهو كالفروع (3)، ولأن الصحابة والأئمة لم تزل تستدل على الفساد بالنهي، والأصل عدم قرينة، وعادة المحتج بيان الدليل (4)، ولنقلت (5)؛ لئلا يضيع الشرع.

القائل: لغة لخبر عائشة (6).

(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جور فالصلح مردود برقم (2550) بلفظ:"من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور برقم (1718).

(2)

انظر: المسند (6/ 146)، ووجه الدلالة فيهما كما في شرح الكوكب (3/ 87):"أن الرد إذا أضيف إلى العبادات اقتضى عدم الاعتداد بها وإن أضيف إلى العقود اقتضى فسادها".

(3)

فيثبت بخبر الواحد.

(4)

أي: لو كان الدليل لا يتم إلا بقرينة لبيّنوها، لأن عادة المحتج بيان الدليل.

(5)

أي: القرينة.

(6)

لأن فيه لفظة "فهو رد" أي: مردود كما في الرواية الأخرى، ففيها ما يدل لغة على سلب أحكام المنهي عنه.

ص: 396

رد: لا حجة فيه (1)، ثم: لقوله: (فهو رد)(2).

ولاستدلال العلماء.

رد: لم يقولوا: لغة بل يفهم شرعا.

القائل لا يدل على الفساد مطلقًا: لأنه لا دليل عليه. ولأن الشارع إذا قال: "نهيتك عن هذا لعينه فإن فعلت ثبت حكمه" صح (3) ولا تناقض، ولو دل النهي تناقض.

رد: بمنع لزوم التناقض، لأنه يدل ظاهرًا (4)، والصريح أقوى (5).

(1) لأن معنى النهي في اللغة اقتضاء الامتناع عن الفعل، وسلب الأحكام لا يكون عينه ولا جزءا ولا لازمًا له من حيث اللغة، لأنه لو قال واحد: لا تبع غلامك فإنك لو بعت ثبت حكم البيع، وهو ثبوت الملك للمشتري - لم يكن مخطئًا لغة. فلو كان سلب الحكم لازمًا لمعنى النهي لغة لكان مخطئًا لغة.

(2)

أي: أصبح الدليل شرعيًّا لا لغويًّا، لأن معنى كونه "رد" أي مردود بمعنى غير مقبول، وما لا يكون مقبولًا هو الذي لا يكون مثابًا عليه ولا يلزم من كونه غير مثاب عليه أن لا يكون سببًا لترتب أحكامه الخاصة به عليه.

قال الآمدي في الإحكام (2/ 213): "ولو سلمنا دلالته على النهي فليس في ذلك ما يدل على أن الفساد من مقتضيات النهي بل من دليل آخر، وهو قوله "فهو رد" ونحن لا ننكر ذلك".

(3)

مثاله لو قال الشارع: نهيتك عن الربا لعينه ولو فعلت ثبت الملك لصح من غير تناقض بحسب اللغة والشرع، ولو كان النهي يقتضي الفساد لتناقض تصريح الشارع بالصحة - ثبوت الملك - مع القول بأنه يقتضي الفساد.

(4)

أي: لأن النهي يدل على الفساد ظاهرًا.

(5)

من الظاهر، وهو قوله "ثبت حكمه".

ص: 397

القائل يدل على صحة غير العبادات: لو لم يدل (1) كان المنهي عنه غير شرعي (2)؛ لأنه لو كان شرعيًّا كان صحيحًا.

رد: الشرعي صحيح وفاسد (3)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للحائض (دعي الصلاة)(4)(5).

قالوا: لو لم يكن المنهي عنه الشرعي صحيحًا كان ممتنعًا فلم يُمنع منه لعدم فائدته (6).

رد: امتنع للنهي لا لذاته (7). ثم: صلاة الحائض، ونكاح

(1) أي: النهي على صحة المنهي عنه شرعًا.

(2)

بيان ذلك كما في بيان المختصر (2/ 95): أنه لو كان المنهي عنه شرعيًّا، لكان صحيحًا، إذ الشرعي هو الصحيح المعتبر في نظر الشرع، فما لا يكون صحيحًا معتبرًا في نظر الشارع، لا يكون شرعيًّا. كصوم يوم النحر والصلاة في الأوقات المكروهة، فإنهما لما لم يكونا صحيحين معتبرين في نظر الشارع، لم يكونا شرعيين.

(3)

أي: ليس الشرعي معناه المعتبر في نظر الشارع، بل ما عرف حكمه من جهة الشرع، لأن الشرعي قد يكون صحيحًا وقد يكون فاسدًا.

(4)

رواه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة برقم:(125).

(5)

وجه الدلالة: أن الصلاة المأمور بتركها هي الصلاة الشرعية، لأن اللغوية لا يؤمر بتركها، والصلاة المأمور بتركها فاسدة غير معتبرة في نظر الشارع.

انظر: بيان المختصر (2/ 96).

(6)

توضيح ذلك كما في بيان المختصر (2/ 96): "لو لم يكن المنهي عنه الشرعي صحيحًا لكان ممتنعًا ولو كان ممتنعًا، لم يمنع منه، لأن الممتنع غير مقدور، وغير المقدور لا ينهى عنه إذ لا فائدة فيه، فيلزم من الشرطين أنه لو لم يكن المنهي عنه الشرعي صحيحًا، لم يمنع عنه".

(7)

أي: لذات المنهي عنه، لأن النهي تعلق به، فصار ممتنعًا، والممتنع إنما لم يمنع إذا لم يكن امتناعه بسبب المنع منه.

ص: 398

مشركة (1) ممتنعان، وقد منعا (2).

فإن حملا على اللغة لم يصح (3) في الحائض، لعدم منعها من الدعاء، والنكاح لغة: الوطء، فيكون الممتنع شرعًا امتنع.

قوله (4): وكذا المنهي عن الشيء بوصفه، عند أصحابنا (5)، والشافعية (6).

وعند الحنفية (7)، وأبي الخطاب (8): يقتضي صحة الشيء وفساد وصفه، كصوم يوم العيد، فالمحرم عندهم وقوع الصوم في العيد لا الواقع، فهو حسن؛ لأنه صوم قبيح لوقوعه في العيد، فهو طاعة فيصح النذر به، ووصف قبحه لازم للفعل (9) لا للاسم (10).

وجه الأول: ما سبق، واستدلال الصحابة بالنهي في صوم العيد وغيره من غير فرق.

(1) وذلك كما في قوله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} .

(2)

هذا رد على قولهم "الممتنع لا يمنع".

(3)

وهذا أيضًا رد على قولهم "الممتنع لا يمنع".

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (104).

(5)

انظر: العدة (2/ 441)، الروضة (2/ 652)، المسودة ص (82، 83).

(6)

انظر: التبصرة ص (100)، الإبهاج (2/ 68).

(7)

انظر: تيسير التحرير (1/ 376، 377)، فواتح الرحموت (1/ 296).

(8)

يرى أبو الخطاب: فساد المنهي عنه بوصفه إلا إذا قام دليل بصحتها.

انظر: التمهيد (1/ 369، 376).

(9)

أي: لوقوع الصوم يوم العيد.

(10)

أي: لا لاسم الصوم.

ص: 399

وعند الحنفية (1): لو باع بخمر صح بأصله لا وصفه، ولو باع خمرًا بعبد لم يصح؛ لأن الثمن تابع غير مقصود، بخلاف المثمن كذا قالوا.

وقيل لأبي الخطاب في الانتصار (2) في نذر صوم يوم العيد: نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم العيد (3) يدل على الفساد؟ فقال: هو حجتنا؛ لأن النهي عما لا يكون محال، كنهي الأعمى عن النظر، فلو لم يصح لما نهى عنه.

قوله (4): وكذا المعنى في غير المنهي عنه، كالبيع بعد النداء للجمعة، عند أحمد، وأكثر أصحابه (5)، والظاهرية (6) خلافًا للأكثرين (7).

فإن كان النهي عن غير العقد، كتلقي الركبان، والنجش (8)،

(1) انظر: تيسير التحرير (1/ 376، 377)، فواتح الرحموت (1/ 396).

(2)

ليس في القسم المطبوع، أما القسم المخطوط فلم أقف عليه.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب صوم يوم الفطر برقم:(1990)(1991).

ومسلم في كتاب الصوم، باب تحريم صوم يومي العيد برقم:(1137)(1138).

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (104).

(5)

انظر: العدة (2/ 441)، المسودة ص (83).

(6)

انظر: الإحكام لابن الحزم (3/ 307 - 308).

(7)

قال الآمدي في الإحكام (2/ 210 - 211): "لا نعرف خلافًا في أن ما نهى عنه لغيره أنه لا يفسد كالنهي عن البيع في وقت النداء يوم الجمعة، إلا ما نقل عن مذهب مالك وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه.

(8)

النجش: "أن يزيد في السلعة من غير إرادة شرائها ليقتدي به المستام، =

ص: 400

والسوم على سوم أخيه، والخطبة على خطبة أخيه، والتدليس، فلا يقتضي فساد العقد على الأصح (1).

إذا كان النهي لمعنى في غير المنهي عنه، كما مثّل المصنف، فالدليل، والاعتراض، والجواب، كما سبق.

وأما إن كان النهي عن غير العقد، كما مثل، فإن الصحيح عندنا (2)، وعند الأكثر (3)، الصحة، لإثبات الشارع الخيار في التلقي (4)، وعللوه بما سبق، وفي الفروع مسائل، كبيع

= فيظن أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا وهي تساويه، فيغتر بذلك". انظر: المغني (6/ 304).

(1)

انظر: الإنصاف للمرداوي (4/ 333).

(2)

قال ابن مفلح في أصوله (2/ 744): "وحيث قال أصحابنا باقتضاء النهي الفساد، فمرادهم ما لم يكن النهي لحق آدمي يمكن استدراكه، فإن كان ولا مانع، كتلقي الركبان والنجش، فإنهما يصحان على الأصح عندنا وعند الأكثر، لإثبات الشارع الخيار في التلقي وعللوه بما سبق في الفروع

الخ" كما عند المصنف.

(3)

انظر: العدة (1/ 441)، المسودة ص (83)، تيسير التحرير (1/ 376 - 377)، فواتح الرحموت (1/ 401)، شرح تنقيح الفصول ص (173)، الإحكام (2/ 210 - 211).

(4)

تلقي الركبان: "أن يتلقى الرجل من جلب متاعًا إلى البلد فيشتري منه الأمتعة قبل وصوله إلى السوق، فربما غبنه غبنًا بينًا فيضره. انظر: المغني (6/ 312 - 313).

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار". أخرجه مسلم في كتاب البيوع، باب: تحريم تلقي الجلب، برقم:(1519).

ص: 401

الفضولي (1)، والمجهول (2)، وغيرها، لها أدلة خاصة هناك.

قوله (3): الثانية: النهي يقتضي الفور، والدوام، عند الأكثرين (4)، خلافًا لابن الباقلاني (5)، وصاحب المحصول (6).

فإن قال: "لا تفعل هذا مرة"، فيقتضي الكف مرة فإذا ترك مرة سقط النهي، ذكره القاضي (7)، وقال غيره يقتضي تكرار الترك. والله أعلم.

وجه الأول: أنه إذا نهى عن فعل بلا قرينة، وفعله أي وقت فعله، فإنه يعد مخالفًا لغة، وعرفًا، ولهذا لم تزل العلماء تستدل به من غير نكير.

والنهي يقتضي قبح المنهي عنه، ذكره في التمهيد (8).

(1) الفضولي: من يبيع ملك غيره بلا إذنه. انظر: المغني (6/ 296).

(2)

الذي لا يعرف صفته عند العاقد، أو مقداره، كبيع البيض في الدجاج والنوى في التمر. انظر: المغني (6/ 301، 303).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (105).

(4)

قال الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 97)، وحكاه أبو حامد وابن برهان وأبو زيد الدبوسي إجماعًا.

وقال الآمدي: إنه اتفاق العقلاء، إلا من شذ.

وجزم به الشيرازي فقال: يقتضي التكرار والدوام وجهًا واحدًا.

انظر: العدة (2/ 428)، المسودة ص (81)، تيسير التحرير (1/ 306)، شرح التنقيح (168)، الإحكام (2/ 215).

(5)

انظر: التقريب والإرشاد (2/ 126، 318).

(6)

انظر: المحصول (2/ 282).

(7)

انظر: العدة (1/ 268).

(8)

انظر: التمهيد (1/ 364).

ص: 402

قالوا: منقسم إلى الدوام وغيره، كالزنا، والحائض عن الصلاة، فكان للقدر المشترك، دفعًا للاشتراك، والمجاز.

وعدم (1) الدوام، لقرينة، هي تقييده بالحيض وكونه حقيقة للدوام أولى من المرات؛ لدليلنا؛ ولإمكان التجوز به عن بعضه لاستلزامه له بخلاف العكس.

فإن قال: "لا تفعل هذا مرة" فقال القاضي (2): لا يعم، فلو ترك مرة، سقط النهي لقبح المنهي عنه في وقت، وحسنه في آخر.

وقال غيره (3): يعم، ويكون معنى المرة أبدًا (4).

قوله (5): العام (6) والخاص (7) أجود حدوده: "اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلوله" والخاص بخلافه.

(1) هذا رد على قولهم: ينقسم إلى الدوام وغيره

إلخ.

(2)

انظر: العدة (1/ 268).

(3)

انظر: المسودة ص (81)، أصول الفقه لابن مفلح (2/ 746).

(4)

قال الشيخ بخيت: إن الخلاف لفظي وإن النهي يكون للدوام مدة العمر في المطلق ومدة القيد في المقيد.

انظر: حاشية نهاية السول (2/ 294 - 296).

(5)

انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (105).

(6)

العام في اللغة: الشامل. وفي الاصطلاح: ذكر المصنف تعاريف عدة وتكلم عليها.

انظر: الصحاح (5/ 1993)، القاموس المحيط (4/ 194).

(7)

الخاص في اللغة: المنفرد، مأخوذ من خصصته بكذا: إذا جعلته له دون غيره، واختص فلان بالأمر: إذا انفرد به. وفي الاصطلاح: لفظ وضع لمعنى واحد على سبيل الانفراد.

انظر: لسان العرب (4/ 109)، المصباح المنير (1/ 171)، القاموس المحيط (2/ 300)، المعتمد (1/ 234)، المسودة ص (571)، التعريفات للجرجاني ص (69).

ص: 403

اختلفوا في حد العام فقال أبو الحسين (1) وبعض الأشعرية (2) واختاره في التمهيد (3) اللفظ العام المستغرق لما يصلح له.

فقيل: ليس بمانع لدخول كل نكرة من أسماء الأعداد كعشرة، ونحو ضرب زيد عمرًا.

قال بعضهم (4): "وفيه نظر؛ لأنه إن أريد بما يصلح أفراد مسمى اللفظ لم تدخل النكرة، وإن فسر: "ما يصلح" بأجزاء مسمى اللفظ لا بجزئياته فالعشرة مستغرقة أجزائها أي: وحداتها، ونحو ضرب زيد عمرًا إن استغرق لما يصلح من أفراد "ضرب زيد عمرًا فعام، وإلا لم يدخل".

وأبطله الآمدي (5): بأنه عرف العام: بالمستغرق، وهما مترادفان (6)، وليس القصد شرح اسم العام ليكون الحد لفظيًّا (7)،

(1) انظر. المعتمد (1/ 189).

(2)

انظر: الإحكام (2/ 217).

(3)

انظر: التمهيد (2/ 5).

(4)

القائل ابن مفلح في أصوله. انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 747).

(5)

انظر: الإحكام (2/ 217).

(6)

الألفاظ المترادفة: هي الألفاظ المتعددة الدالة على معنى واحد، كقولك: ليث، وأسد، وهزبر.

انظر: الإيضاح لقوانين الاصطلاح لأبي محمد الجوزي ص (15).

(7)

الحد اللفظي: هو تبديل اللفظ بلفظ أشهر منه، كما إذا قال: ما الغضنفر؟ فقلت: الأسد. انظر: الإيضاح ص (14).

ص: 404

بل مسماه بحد حقيقي (1) أو رسمي (2)(3).

وفي الروضة (4): "اللفظ الواحد الدال على شيئين فصاعدًا مطلقًا". وهو أجود من حد الغزالي، لأنه قال (5):"اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة، على شيئين فصاعدًا". وليس بجامع لخروج "المعدوم" و"المستحيل" لأن مدلولهما ليس بشيء، والموصول؛ ليس بلفظ واحد لأنه؛ لا يتم إلا بصلته.

قال الآمدي (6): "والحق في ذلك أن يقال: العام: هو اللفظ الواحد الدال على مسميين فصاعدًا مطلقًا معًا". فيرد عليه: الموصول أيضًا.

وقيل: "ما دل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقًا". فدخل فيه المعاني وفيها خلاف يأتي (7).

وأما الحد الذي ذكره المصنف فإنه تابع فيه الطوفي (8) فإنه قال: "وقيل اللفظ إن دل على الماهية من حيث هي هي فهو:

(1) الحد الحقيقي: ما تضمن جنس المحدود وفصله، كقولك - في حد الإنسان -: حيوان ناطق. انظر المصدر السابق.

(2)

الحد الرسمي: ما تضمن جنس المحدود وبعض خواصه، كقولك - في حد الإنسان -: حيوان ضاحك. انظر: المصدر السابق.

(3)

قال الآمدي في الإحكام (2/ 217): "وما ذكره خارج عن القسمين".

(4)

انظر: روضة الناظر (2/ 662).

(5)

انظر: المستصفى (2/ 106).

(6)

انظر: الإحكام (2/ 218).

(7)

انظر: ص (184).

(8)

انظر: مختصر الروضة مع شرحها للطوفي (2/ 448).

ص: 405

المطلق، أو على وحدة معينة، كزيد فهو العَلَم، أو غير معينة، كرجل فهو: النكرة، أو على وحدات متعددة، فهي إما: بعض وحدات الماهية، فهو اسم العدد، كعشرين رجلًا، أو جميعها، فهو: العام، فإذن هو اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلولها، وهو أجودها".

"والخاص بخلافه" أي: ما دل وليس بعام، فلا يرد المهمل.

قوله (1): وينقسم اللفظ إلى ما لا أعم منه كالمعلوم والشئ ويسمى العام المطلق، وقيل ليس بموجود، وإلى ما لا أخص منه كزيد وعمرو، وإلى ما بينهما كالموجود والجوهر والجسم والنامي والحيوان والإنسان، فيسمى عامًا وخاصًا إضافيًّا، أي هو خاص بالإضافة إلى ما فوقه، عام بالإضافة إلى ما تحته.

هذا تقسيم العام والخاص بحسب المراتب علوًا ونزولًا وتوسطًا، فاللفظ إما عام مطلق وهو ما ليس فوقه أعم منه، أو خاص مطلق، وهو ما ليس تحته أخص منه، أو عام وخاص إضافي.

مثال العام المطلق: المعلوم، لأنه يتناول الجميع القديم، والمحدث، والموجود، والمعدوم، لتعلق العلم بذلك كله، ومثله بعضهم: بالمتصور (2). وبعضهم: بالمذكور.

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (105، 106).

(2)

أي: لا أعم من شيء يمكن تخيل صورته في الذهن فيتناول المعلوم والمجهول والموجود والمعدوم. انظر: شرح الكوكب (3/ 104).

ص: 406

قال ابن حمدان: "ولا أعم من معلوم ومسمى ومذكور"، ومثّله في العدة (1) بمعلوم ومذكور.

والمصنف جعل الشيء من مثال العام المطلق، وهو تابع فيه الطوفي في مختصره (2) إلا أنه قال:"أو الشيء". والشيخ موفق الدين (3): حكاه قولًا فقال: "وقيل الشيء".

وقد نبه الطوفي في شرحه (4) على أن الشيء أخص من المعلوم، وهو كذلك؛ لأن الشيء يتناول القديم والمحدث، والجوهر (5) والعرض (6)، ويتناول وسائر الموجودات، ولا يتناول المعدوم، خلافًا للمعتزلة (7) حيث قالوا: المعدوم شيء.

ولعل صاحب هذا القول إنما فر من المعلوم لشموله المعدوم والعدم (8)، لأنهما معنيان يحتاجان إلى ما يقومان به،

(1) انظر: العدة (1/ 187).

(2)

انظر: مختصر الروضة مع شرحها للطوفي (2/ 461).

(3)

انظر: روضة الناظر (2/ 663).

(4)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (2/ 461).

(5)

الجوهر عند المتكلمين: هو المتحيز بالذات، والمتحيز بالذات هو القابل للإشارة الحسية بالذات بأنه هنا أو هناك، ويقابله العرض.

انظر: كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 302).

(6)

العرض: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع، أي محل، يقوم به، كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به.

انظر: التعريفات ص (106).

(7)

انظر: المعتمد (1/ 192).

(8)

قال الطوفي في شرحه (2/ 462): "وهو لا يتصف بالعموم والخصوص".

ص: 407

وذلك يجب أن يكون شيئًا، لأن الشيء هو الموجود، لأن المشيئة مع القدرة أثرت فيه، أما المعدوم، فلا يصح قيام المعاني به، والعموم والخصوص معنيان لا يقومان به.

قال الطوفي (1): "وإنما ذكرتهما بلفظ "أو" تنبيهًا على الخلاف المذكور يعني الذي في الروضة وإن كان تنبيهًا خفيًّا لأن الخطب في هذا يسير".

وقيل: ليس العام المطلق بموجود، وكذا حكاه في الروضة (2)؛ لأن "الشيء" لا يتناول المعدوم، و "المعلوم" لا يتناول المجهول. وهذا القول لم يحكه الغزالي مطلقًا. وإنما حكاه من وجه فقال (3):"واعلم أن اللفظ: إما خاص في ذاته مطلقًا، نحو: زيد، وهذا الرجل، وإما عام مطلقًا كالمذكور، والمعلوم؛ إذ لا يخرج منه موجود ولا معدوم. وإما عام بالإضافة كلفظ "المؤمنين"، فإنه عام بالإضافة إلى آحاد المؤمنين؛ خاص بالإضافة إلى جملتهم، إذ يتناولهم دون المشركين، فكأنه يسمى عامًا من حيث شموله للآحاد، خاصًا من حيث اقتصاره على ما شمله، وقصوره عن ما لم يشمله، ومن هذا الوجه يمكن أن يقال: ليس في الألفاظ عام مطلق، لأن [لفظ] (4) المعلوم لا يتناول المجهول، والمذكور لا يتناول المسكوت عنه"(5).

(1) انظر: المصدر السابق.

(2)

انظر: روضة الناظر (2/ 663).

(3)

انظر: المستصفى (2/ 106).

(4)

في المخطوط [اللفظ] والتصويب من المستصفى.

(5)

قال الطوفي في شرح مختصره (2/ 463): "قلت: فحاصل قوله: إن كل =

ص: 408

ومثال الخاص المطلق، وهو ما لا أخص منه أسماء الأشخاص كزيد وعمرو، إذ لا يوجد أخص من ذلك يعرف به ولهذا كانت الأعلام أعرف المعارف عند بعض النحويين (1).

ومثال العام والخاص الإضافي، هو ما وقع بين العام المطلق والخاص المطلق، كالموجود، فإنه خاص بالنسبة إلى المعلوم، عام بالنسبة إلى الجوهر. لأن المعلوم يشمل الموجود والمعدوم فهو أعم من الموجود، والموجود يشمل الجوهر والعرض فهو أعم من الجوهر، والجوهر عام بالنسبة إلى الجسم من جهة أن الجسم يستلزم الجوهر ضرورة تركبه من الجواهر، والجوهر لا يستلزم الجسم لجواز أن يكون جوهرًا فردًا، أو هو الجزء الذي لا يتجزأ، فالجسم إذًا خاص بالنسبة إلى الجوهر عام بالنسبة إلى النامي، إذ كل نام جسم وليس كل جسم ناميًا، والنامي عام بالنسبة إلى الحيوان، إذ كل حيوان نام، وليس كل نام حيوانًا، بدليل النبات؛ هو نام وليس بحيوان، والحيوان عام بالنسبة إلى الإنسان إذ كل إنسان حيوان، وليس كل حيوان إنسانًا، بدليل الفرس، ونحوه.

= لفظ فهو بالنظر إلى شموله أفراد ما تحته عام، وبالنظر إلى اقتصاره على مدلوله خاص، وبهذا التفسير لا يبقى لنا عام مطلق، لكن هذا غير تفسيرنا العام المطلق بما لا أعم منه، لأن من الألفاظ ما يكون عامًا لا أعم منه، مع أنه مقصور الدلالة على ما تحته، فيكون حينئذ عامًا مطلقًا لا عامًا مطلقًا باعتبارين، كما ذكر من التفسيرين، لكن مثل هذا لا ينبغي أن يحكي قولًا مطلقًا كما فعل الشيخ أبو محمد، لئلا يوهم أن في وجود العام المطلق بتفسير واحد قولين، وليس كذلك، بل نذكر ذلك بتفسيرين كما فعل الغزالي رحمهما الله تعالى".

(1)

انظر: همع الهوامع للسيوطي (1/ 55).

ص: 409

تنبيه: لفظ العموم والخصوص ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع عليًّا رضي الله عنه يدعو: (يا علي عُمّ فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض). وفي قوله: (فعليك بخويصة (1) نفسك وإياك وعوامّهم)، وقوله:(إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)(2). وجاء لفظ الخصوص في القرآن في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (3) ولم يأت لفظ العموم وتكلم بهما في الأدلة الأئمة (4) كالشافعي وأحمد.

قوله (5): مسألة: العموم من عوارض الألفاظ حقيقة، وأما في المعاني (6) فثالثها: الصحيح كذلك.

(1) رواه أحمد في المسند (2/ 162) واللفظ له.

وعند أبي داود بلفظ "فعليك - يعني بنفسك - ودع عنك العوام" في كتاب الملاحم باب الأمر والنهي برقم: (4341).

وعند الترمذي بلفظ "فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام" في كتاب تفسير القرآن باب من سورة المائدة برقم: (3058).

وورد عند ابن ماجه بلفظ "فعليك خويصة نفسك" في حديث طويل في كتاب الفتن باب قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} برقم: (4014).

(2)

رواه الترمذي بلفظ "إذا رأوا الظالم" في كتاب الفتن، باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر، برقم:(2168) وقال: حديث صحيح. وابن ماجه في كتاب الفتن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم:(4005).

(3)

آية (25) من سورة الأنفال.

(4)

انظر: المسودة ص (90).

(5)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (106).

(6)

الخلاف في المعاني المستقلة كالمقتضى والمفهوم، أما المعاني التابعة للألفاظ فلا خلاف في عمومها لأن لفظها عام.

انظر: تشنيف المسامع (2/ 649)، شرح الكوكب (3/ 108).

ص: 410

معنى قوله: "من عوارض الألفاظ" أي: مما يعرض للألفاظ ويلحقها، فهو في الحقيقة يعرض لصيغة لفظية، كالمسلمين والمشركين ونحو ذلك، من صيغه، وليس المراد بوصف اللفظ بالعام هو وصفه به مجردًا عن المعنى، فإن ذلك لا وجه له، بل المراد وصفه به باعتبار معناه الشامل للكثرة. وهو في اللفظ حقيقة، قال بعضهم (1): إجماعًا.

وأما إذا أضفنا العموم إلى المعاني كقولنا: هذا حكم عام. وخصب أو جدب عام وبلاء أو رخاء عام، وهذه مصلحة عامة، فاختلفوا فيه على مذاهب:

أحدها: أنه ليس من عوارضها لا حقيقة ولا مجازًا (2). قال بعضهم (3): وفي ثبوته نظر، مع أنه ظاهر كلام أبي الخطاب.

الثاني: من عوارضها مجازًا.

وعزاه الهندي (4) للجمهور؛ لأنه لا يتصور انتظامها تحت لفظ واحد، إلا إذا اختلفت في أنفسها، وإذا اختلفت تدافعت، وقولهم:"عمهم الخصب والرخاء" متعدد؛ فإن ما خص هذه البقعة غير ما خص الأخرى.

(1) منهم ابن مفلح في أصوله (2/ 749)، والفتوحي في شرح الكوكب (3/ 106).

(2)

قال عبد العلي محمد نظام الأنصاري رحمه الله: "وهذا مما لم يعلم قائله ممن يعتد بهم".

انظر: فواتح الرحموت (1/ 258).

(3)

القائل: بدر الدين الزركشي. انظر: تشنيف المسامع (2/ 648).

(4)

انظر: نهاية الوصول للهندي (3/ 228)، الإحكام (2/ 220).

ص: 411

الثالث: أنه يعرض لها حقيقة كما يعرض للفظ (1). وقو قول القاضي أبي يعلى (2) وصححه في المسودة (3) وكذا المصنف (4) وابن الحاجب (5).

الرابع: من عوارض المعنى الذهني. نسبه في المسودة (6) للشيخ موفق الدين (7) والغزالي (8).

وفي الروضة (9): من عوارض الألفاظ، مجاز في غيرها.

قال (10): "وأما الذي في الأذهان من معنى "الرجل" يسمى

(1) فيكون العموم موضوعًا للقدر المشترك بينهما بالتواطؤ. انظر: إتحاف الأنام ص (28).

(2)

انظر: العدة (2/ 511، 513).

قال في المسودة ص (97): "إنه مقتضى كلام القاضي فإنه قال: قال المخالف: العموم مأخوذ من الخصوص، ومنه قولهم "مطر عام" فأجاب: بأن العموم مأخوذ من قولهم: عممت الشيء أعمه عمومًا، وعمهم العدل والرخص والغلاء، وقوله "بأنه يصح ادعاء العموم في المعاني والمضمرات "يؤيد ذلك".

(3)

انظر: المسودة ص (97).

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (106).

(5)

انظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد (2/ 101).

(6)

انظر: المسودة ص (97).

(7)

و (8) الصحيح من مذهبهما أنهما من الجمهور. وقد نقل الجراعي عبارة الروضة المأخوذة في الأصل من المستصفى.

انظر: روضة الناظر (2/ 661، 662)، المستصفى (2/ 107).

(9)

انظر: روضة الناظر (2/ 660).

(10)

انظر: روضة الناظر (2/ 661، 662)، وهي مأخوذة من المستصفى (2/ 107).

ص: 412

"كليًّا"، فإن العقل يأخذ من مشاهدة زيد "حقيقة الإنسان"، و"حقيقة الرجل" فإذا رأى عمرًا: لم يأخذ منه صورة أخرى، وكان من أخذه من قبل، نسبته إلى عمرو الحادث كنسبته إلى زيد الذي عهده أولًا. فإن سمي عاما بهذا المعنى: فلا بأس".

وجه ما صححه المصنف أن حقيقة العام لغة: شمول أمر لمتعدد، وهو في المعاني، كعم المطر والخصب، وفي المعنى الكلي، لشموله لمعاني الحركات.

واعترض: المراد أمر واحد شامل، وعموم المطر شمول متعدد لمتعدد؛ لأن كل جزء من الأرض يختص بجزء من المطر. وليس هذا بشرط العموم لغة. ولو سلم بعموم الصوت باعتبار واحد شاملًا للأصوات المتعددة الحاصلة لسامعيه، وعموم الأمر والنهي باعتبار واحد وهو الطلب الشامل لكل طلب تعلق بكل مكلف وكذا المعنى الكلي الذهني.

قال الطوفي (1): "والتحقيق من حيث النظر أن العموم حقيقة في الأجسام، لا في الألفاظ، ولا في المعاني، لأن العموم في اللغة الشمول، يقال: هذا الكساء يعم من تحته، أي: يشملهم وإذا كان العموم هو الشمول، فالشمول معنى إضافي لا بد فيه من شامل ومشمول، فإذًا الكساء شامل ومن تحته مشمول. فالعموم حقيقة في الأجسام الشاملة وهو في الألفاظ والمعاني مجاز لوجهين:

أحدهما: أن الأصل عدم مشاركتهما الأجسام في معنى الشمول.

(1) انظر: شرح مختصر الروضة (2/ 454).

ص: 413

الثاني: أن الشمول في الألفاظ ليس محسوسًا، بل معقولًا، وهذا أيضًا ليس في قوة شمول الأجسام لما تحتها، والشمول في المعاني، أضعف من شمول الألفاظ" (1).

قوله (2): مسألة: للعموم صيغة عند الأئمة الأربعة خلافًا للأشعرية فهي حقيقة في العموم مجاز في الخصوص. وقيل عكسه، وقيل مشتركة وقيل بالوقف في الأخبار لا الأمر والنهي. والوقف إما على معنى لا ندري وإما نعلم أنه وضع ولا ندري أحقيقة أم مجاز.

مذهب الأئمة الأربعة (3)، والظاهرية (4)، وعامة المتكلمين (5): للعموم صيغة موضوعة له خاصة به.

وقال ابن عقيل (6): "العموم صيغة" كما سبق في الأمر (7) والخبر (8).

(1) قال الطوفي: "لاختصاص بعض محال المعنى ببعضه، وتمايز أجزائه بتمايز محاله".

انظر: المصدر السابق.

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (106).

(3)

انظر: العدة (2/ 485، 489)، المسودة ص (89)، الإبهاج (2/ 108).

(4)

انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/ 338).

(5)

انظر: العدة (2/ 485)، المسودة ص (89)، أصول ابن مفلح (2/ 369)، التبصرة ص (105)، الإحكام (2/ 222)، المعتمد (1/ 209).

(6)

انظر: الواضح (3/ 313).

(7)

انظر: ص (128).

(8)

انظر: ص (2).

ص: 414

وقالت المرجئة (1)(2): لا صيغة له وذكره التميمي (3) عن بعض علمائنا، وكذا قاله الأشعري وأصحابه (4).

ثم: لهم ولجماعة من الأصوليين قولان: أحدهما: الاشتراك بين العموم والخصوص. والثاني: الوقف، فقيل: لا ندري (5)، وقيل: ندري ونجهل: أحقيقة في العموم أم مجاز؟

وقيل (6): الأمر والنهي للعموم، والوقف في الأخبار.

وعند أرباب الخصوص: هي حقيقة فيه، واختاره

(1) الإرجاء: إما مأخوذ من التأخير أو الرجاء. والمرجئة اثنتا عشرة فرقة، من أعظم مقالاتهم: إنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. ومعظمهم لا يدخل العمل في الإيمان.

انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 213)، الفرق بين الفرق ص (202).

(2)

انظر: المسودة ص (89)، الوصول إلى الأصول (1/ 207)، الإحكام (2/ 222)، ونسبه في المعتمد (1/ 194) إلى بعض المرجئة.

(3)

انظر: المسودة ص (89).

(4)

انظر: شرح اللمع (2/ 319)، الإمام أبو الحسن الأشعري وآراؤه الأصولية (34)، ونقل عن الأشعري قولًا آخر، وهو: أن للعموم صيغة تخصه، نقله عنه ابن برهان في كتابه الوصول إلى الأصول (1/ 206)، بصيغة التضعيف. قلت: معلوم أن نفي الصيغة بناء على نفي الكلام وإثبات الكلام النفسي، وقد شهر عن الشيخ أنه قال: إن الكلام والأمر صيغٌ تدل على معناه. فلعل ما نقل عنه مرجوع عنه.

انظر: هامش (3) ص (129) من قسم الأمر والنهي من هذه الرسالة.

(5)

أي: لا ندري هل وضع للعموم صيغة؟ انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (194)، بيان المختصر (2/ 113).

(6)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 752).

ص: 415

الآمدي (1). وتوقف فيما زاد.

وعند محمد بن شجاع (2)(3) وأبي هاشم وجماعة من المعتزلة (4): لفظ [الجمع](5)(6) واسم الجنس لثلاثة، ويوقف فيما زاد.

وجه الأول: وهو أنه حقيقة في العموم: القطع في "لا تضرب أحدًا" بالعموم.

ولمسلم (7) من حديث أبي هريرة: قالوا: فالخمر

(1) الإحكام (2/ 222).

(2)

هو أبو عبد الله، محمد بن شجاع الثلجي الحنفي، من أصحاب الحسن بن زياد، فقيه العراق في وقته، توفي سنة:(266 هـ)، اتهم بالوضع وبالكذب. قال فيه أحمد: مبتدع صاحب هوى.

انظر: تاريخ بغداد (5/ 350)، المغني في الضعفاء (2/ 591)، الشذرات (2/ 151)، تاج التراجم في طبقات الحنفية ص (55).

(3)

انظر: فواتح الرحموت (1/ 260)، تيسير التحرير (1/ 197).

(4)

انظر: المعتمد (1/ 229).

(5)

في المخطوط [الجميع]، والصواب ما أثبتناه.

انظر: المعتمد (1/ 229).

(6)

محل النزاع: في اللفظ المعبر عنه بالجمع، نحو الزيدين ورجال، لا في لفظ (ج، م، ع) فإنه يطلق على الاثنين بلا خلاف لأن مدلوله ضم شيء إلى شيء، ولا في لفظ الجماعة أيضًا فإن أقله ثلاثة.

انظر: الإحكام (2/ 242)، منتهى الوصول والأمل ص (105)، التمهيد للأسنوي ص (316).

(7)

الحديث متفق عليه - رواه البخاري في عدة مواضع منها ما رواه في كتاب التفسير، باب (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره) برقم:(4963). ورواه مسلم في كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة برقم:(987).

ص: 416

يا رسول الله؟ قال: (ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية (1) الجامعة الفاذة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} ).

وعن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الأحزاب قال: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة). فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد ذلك منا. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف واحدًا منهم" متفق عليه (2).

وأجنب عمرو بن العاص (3) في غزوة ذات السلاسل (4)،

(1) قال ابن التين: "والمراد أن الآية دلت على أن من عمل في اقتناء الخير طاعة رأى ثواب ذلك، وإن عمل معصية رأى عقاب ذلك". انظر: فتح الباري (6/ 81).

ووجه الاستدلال بها أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفها بأنها جامعة، وقد وردت بصيغة من صيغ العموم وهي "من".

(2)

متفق عليه رواه البخاري في كتاب: أبواب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماء برقم:(946)، وفي المغازي، باب رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة برقم:(4119).

ومسلم بلفظ "لا يصلين أحد الظهر" في كتاب الجهاد والسير برقم: (1770).

(3)

هو الصحابي: أبو عبد الله ويقال: أبو محمد - القرشي السهمي، أسلم سنة (8 هـ)، واشتهر بالدهاء والشجاعة، وتوفي سنة:(43 هـ).

انظر: الاستيعاب (4/ 1184)، الإصابة (5/ 73).

(4)

وقعت سنة: (8 هـ): والسلاسل: اسم ماء بأرض جذام على مشارف الشام.

انظر: تاريخ الأمم والملوك (3/ 104)، البداية والنهاية (4/ 273)، معجم البلدان (3/ 233).

ص: 417

فصلى بأصحابه ولم يغتسل لخوفه، وتأول قوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1){وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (2)، وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فضحك ولم يقل شيئًا". رواه أحمد (3) وأبو داود (4) والحاكم (5)، وقال: على شرط البخاري ومسلم.

ولأن نوحًا عليه السلام تمسك بقوله تعالى {وَأَهْلَكَ} (6) بأن ابنه من أهله وأقره الله تعالى، وبيّن المانع.

واستدلال الصحابة والأئمة على كل سارق وزان بقوله: {وَالسَّارِقُ} (7)، {وَالزَّانِي} (8).

واعترض: فهم بالقرائن (9)، ثم أخبار آحاد.

ردّ: الأصل عدم قرينة، ثم: لنقلت، ثم (10): ينسد باب

(1) آية (195) من سورة البقرة.

(2)

آية (29) من سورة النساء.

(3)

وقد ورد في البخاري مثله في كتاب التيمم باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت. المسند (4/ 203 - 204).

(4)

رواه أبو داود. كتاب الطهارة: باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ برقم: (334).

(5)

انظر: المستدرك (1/ 177 - 178).

(6)

آية (40) من سورة هود.

(7)

آية (38) من سورة المائدة.

(8)

آية (2) من سورة النور.

(9)

أي: فهم العموم بالقرائن لا بظاهر اللفظ.

(10)

أي: إن تجويز الفهم بالقرائن يؤدي إلى أن لا يثبت اللفظ مدلول ظاهر، إذ ما من لفظ ظاهر إلا ويجوز أن يقال: إنما فهم مدلوله بسبب القرينة لا بدلالة اللفظ عليه. انظر: بيان المختصر (2/ 117).

ص: 418

الفهم لظاهر من لفظ لجوازه من قرينة، ثم: حديث أبي هريرة صريح. وهي متواترة معنى، وتلقتها الأمة بالقبول، ثم: الظن كاف.

وأيضًا: صحة الاستثناء في "أكرم الناس إلا الفساق" وهو: "إخراج ما لولاه لدخل". وأيضًا: "من دخل من عبيدي حر ومن نسائي طوالق" يعم اتفاقًا، أو "فأكرمه" يتوجه اللوم بترك واحد.

القائل بالخصوص: الخصوص متيقن، لأن الصيغة إن كانت له فمراد، وإن كانت للعموم فداخل في المراد والتقدير من عدم ثبوته بخلاف العموم فإنه مشكوك فيه.

رد: إثبات للغة بالترجيح، وليس بطريق لها (1). وأيضًا العموم أحوط فكان أولى.

القائل: "مشتركة" قد أطلقت الصيغة للعموم والخصوص. والأصل في الإطلاق الحقيقة فتكون حقيقة فيهما. وهو معنى الاشتراك.

الجواب: الاشتراك خلاف الأصل فيحمل على المجاز في أحدهما لأنه أولى من الاشتراك.

القائل بالفرق: الإجماع على تكليف المكلفين (2) لأجل العام بالأمر والنهي فتجب إفادتهما للعموم.

(1) وطريقها النقل.

(2)

أي: إن الإجماع منعقد على أن التكليف لعامة المكلفين، والتكليف إنما يتصور بالأوامر والنواهي، فلو لم يكن الأمر والنهي للعموم لما كان التكليف عامًا أو كان تكليفًا بما لا يطاق، وهو محال. انظر: إتحاف الأنام بتخصيص العام ص (77).

ص: 419

رد: مثله الخبر الذي يقع التكليف العام بمعرفته نحو: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1) وعموم الوعد والوعيد (2).

قوله (3): ومدلوله كلية أي: محكوم فيه على كل فرد مطابقة، إثباتًا، وسلبًا، لا كلي، ولا كل.

هذا يتوقف على معرفة الفرق بين الكلية والكلي والكل.

أما الكل فهو: المجموع الذي لا يبقى بعده فرد (4)، والحكم فيه على المجموع من حيث هو مجموع، لا على الأفراد (5)، كأسماء العدد (6)، ويقابله الجزء، وهو ما تركب منه ومن غيره كل، كالخمسة مع العشرة.

وأما الكلي فهو الذي يشترك في مفهومه كثيرون، كمفهوم

(1) آية (29) من سورة البقرة.

(2)

لأن المكلف مكلف بمعرفتهما لتحقيق المقصود من الوعد وهو الانقياد والامتثال، وليتحقق المقصود من الوعيد وهو الانزجار والبعد عن المعاصي خوفًا من العقاب. انظر: إتحاف الأنام بتخصيص العام (77).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (106).

(4)

عرفه الشيخ محمد الأمين اصطلاحًا، بأنه: ما تركب من جزأين فصاعدًا.

انظر في آداب البحث والمناظرة ص (21).

(5)

قال الشيخ محمد الأمين: وإيضاحه إن الحكم يقع عليه في حال كونه مجتمعًا، فإذا فرضت تفرقة أجزائه لم يتبع الحكم كل واحد منها بانفراده وإنما يقع عليها مجموعة.

انظر: المصدر السابق.

(6)

فإن قلنا: ليس عنده عشرة. لا يلزم نفي جميع الأفراد لاحتمال أن يكون عند خمسة أو ثلاثة.

ص: 420

الحيوان في أنواعه، والإنسان في أنواعه فإنه صادق على جميع أنواعه (1)، ويقابله الجزئي كزيد، فهو: الكلي مع قيد زائد، وهو تشخيصه.

وأما الكلية فهي التي يكون فيها الحكم على كل فرد بحيث لا يبقى فرد، كقولنا: كل رجل يشبعه رغيفان غالبًا، [فإنه يصدق باعتبار الكلية، أي: كل رجل على حدته يشبعه رغيفان غالبًا](2) ولا يصدق باعتبار الكل أي المجموع من حيث هو مجموع، فإنه لا يكفيه رغيفان، ولا قناطير متعددة، لأن الكل والكلية مدرج فيهما الأشخاص الحاضرة والماضية والمستقبلة، وجميع ما في مادة الإمكان، وإنما الفرق بينهما: أن الكل يصدق من حيث المجموع، والكلية من حيثما الجميع، وفرق بين المجموع والجميع، فإن المجموع الحكم على الهيئة الاجتماعية، لا على الأفراد، والجميع على كل فرد فرد، ويقابلها الجزئية وهي الحكم على أفراد حقيقة من غير تعيين، كقولك: بعض الحيوان إنسان، فالجزئية بعض الكلية، إذا عرف هذا فمسمى العموم كلية؛ لأجل الاستدلال به على ثبوت الحكم للفرد المعين في الإثبات سواء كان خبرًا أو أمرًا، وفي السلب كان نفيًا أو نهيًا نحو إن جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم ولا تهنهم.

(1) أي: من غير نظر إلى الأفراد، نحو: الرجل خير من المرأة، أي: حقيقته أفضل من حقيقتها، وكثيرًا ما يفضل بعض أفرادها بعض أفراده؛ لأن النظر في العام إلى الأفراد.

انظر: شرح المحلى مع حاشية البناني (1/ 407).

(2)

ما بين معقوفين ليست في المخطوط والإكمال من تشنيف المسامع (2/ 651).

ص: 421

وقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (1) دال على تحريم قتل كل فرد من أفراد النفوس بالإجماع، وليس معناه: ولا تقتلوا مجموع النفوس، وإلا لم يدل على فرد فرد، فلا يكون عاصيًا بقتل الواحد؛ لأنه لم يقتل المجموع وبهذا يزول الإشكال الذي شغب به القرافي (2)، فإنه قال: دلالة العموم على كل فرد من أفراده نحو: زيد المشرك مثلًا من المشركين، لا يمكن أن يكون بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام، وإذا بطل أن يدل لفظ العموم على زيد مطابقة وتضمنًا والتزمًا بطل أن يدل لفظ العموم مطلقًا؛ لانحصار الدلالة في الأقسام الثلاثة [وإنما قلنا: لا يدل عليه بطريق المطابقة؛ لانتهاء دلالة اللفظ على مسماه بكماله. ولفظ العموم لم يوضع لزيد فقط حتى تكون الدلالة عليه مطابقة] (3) وإنما قلنا لا يدل عليه بالالتزام لأن دلالة الالتزام هي: دلالة اللفظ على لازم مسماه، ولازم المسمى لا بد وأن يكون خارجًا على المسمى، وزيد ليس بخارج عن مسمى العموم، لأنه لو خرج فخرج عمرو وخالد، وحينئذ لا يبقى في المسمى شيء (4). وإنما قلنا لا يدل بالتضمن، لأنها دلالة اللفظ على جزء مسماه، والجزء إنما يصدق

(1) آية (151) من سورة الأنعام.

(2)

انظر: نفائس الأصول للقرافي (4/ 1733).

(3)

ما بين معقوفين سقط من المخطوط والإكمال من نفائس الأصول (4/ 1733)، وتشنيف المسامع (2/ 652) واللفظ له، والإبهاج (2/ 84).

(4)

من هنا إلى قوله "فلا يدل عليه تضمنًا" ليست في التشنيف وهي موجودة في النفائس والإبهاج. انظر: المصادر السابقة.

ص: 422

إذا كان المسمى كلًّا لأنه مقابله (1). ومدلول لفظ العموم ليس كلًّا كما عرفت فلا يكون زيد جزءًا. فلا يدل عليه تضمنًا.

وأجاب عنه الشيخ شمس الدين الأصفهاني (2) شارح المحصول (3) بأنا حيث قلنا بدلالة اللفظ على الثلاث، إنما هو في لفظ مفرد دال على معنى، ليس ذلك المعنى هو نسبة بين مفردين، وذلك لا يتأتى هنا، فلا ينبغي أن يطلب ذلك، وحينئذ "اقتلوا المشركين"(4) في قوة جملة من القضايا، وذلك لأن مدلوله اقتتل هذا المشرك إلى آخر الأفراد، وهذه الصيغ إذا اعتبرت بجملتها فهي لا تدل على قتل زيد المشرك ولكنها تتضمن ما يدل على قتل زيد جملة من القضايا، وذلك لأن مدلوله اقتل هذا المشرك إلى آخر الأفراد، وهذه الصيغ إذا اعتبرت بجملتها فهي لا تدل على قتل زيد المشرك ولكنها تتضمن ما يدل على قتل زيد المشرك، لا بخصوص زيد بل لعموم كونه فردًا ضرورة تضمنه اقتل زيدًا المشرك فإنه من جملة هذه القضايا وهي جزء من مجموع تلك القضايا، فتكون دلالة هذه الصيغة على وجهين،

(1) لفظة [مقابله] ليست في النفائس.

(2)

هو: شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني، فقيه شافعي مفسر أصولي، توفي سنة:(749 هـ)، من مؤلفاته:"بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب" و"شرح منهاج الوصول" و"الكاشف عن المحصول" وغيرها.

انظر: طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 172)، طبقات الشافعية لابن السبكي (10/ 394).

(3)

انظر: الكاشف عن المحصول للأصفهاني (4/ 213 - 214).

(4)

إن أراد الآية فهي بالفاء {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} .

ص: 423

قتل زيد المشرك، لتضمنها ما يدل على ذلك الوجوب، والذي هو في ضمن ذلك المجموع هو دال على ذلك مطابقة، قال:"فافهم ما ذكرناه فإنه من دقيق الكلام، وليس ذلك من قبيل دلالة التضمن، بل هو من قبيل دلالة المطابقة".

قوله (1): ودلالته على أصل المعنى قطعية، وقاله الشافعي (2)، وعلى كل فرد بخصوصه ظنية عند الأكثر.

وقال ابن عقيل والفخر إسماعيل (3)(4) وحكى رواية عن أحمد (5) ونقله الأنباري عن الشافعي قطعية.

للعام دلالتان إحداهما: على أصل المعنى، وهي قطعية بلا خلاف (6).

والثانية: على استغراق الأفراد، أي على كل فرد بخصوصه، وهل هي ظنية أو قطعية؟

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (106).

(2)

انظر: جمع الجوامع مع شرحه التشنيف (2/ 653).

(3)

هو: إسماعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي الحنبلي، الفقيه الأصولي النظار المتكلم، الملقب بفخر الدين، المشهور بغلام ابن المني، له تصانيف في الخلاف والجدل منها "التعليقة" المشهورة و"المفردات" و"جنة الناظر وجُنة المناظر: في الجدل توفي سنة: (610 هـ). انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 66)، شذرات الذهب (5/ 41).

(4)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية (233).

(5)

انظر: العدة (2/ 525 - 526)، المسودة ص (109).

(6)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 653)، شرح الكوكب المنير (3/ 114).

ص: 424

الأول: قال به الأكثر (1) لأن هذه الألفاظ تستعمل تارة للاستغراق، وتارة للبعض، فامتنع القطع.

وأيضًا: لولا أنها ظنية لما جاز تأكيدها، إذ لا فائدة فيه، وقد قال تعالى {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)} (2).

والثاني: ونسب إلى جمهور الحنفية (3) أيضًا، وعزاه الأبياري (4) في شرح البرهان (5) إلى المعتزلة (6) وأن مأخذهم فيه اعتقادهم استحالة تأخير البيان عن مورد الخطاب، فلو كان المراد به غير ما هو ظاهر فيه للزم تأخير البيان.

(1) انظر: المسودة ص (109)، شرح الكوكب (3/ 114)، فواتح الرحموت (1/ 265)، شرح اللمع (1/ 326)، الإبهاج (2/ 91).

(2)

آية (73) من سورة ص.

(3)

انظر: بديع النظام (1/ 446)، تيسير التحرير (1/ 267).

(4)

هو: علي بن إسماعيل بن علي بن حسن بن عطية الأبياري، كان أحد أئمة الإسلام المحققين، برع في علوم شتى، كالفقه وأصوله وعلم الكلام، من مصنفاته: شرح البرهان، سفينة النجاة، تهذيب المدونة، توفي سنة:(616 هـ).

انظر: الديباج المذهب ص (213)، شجرة النور الزكية ص (166)، معجم المؤلفين (7/ 37).

(5)

انظر: التحقيق والبيان في شرح البرهان للأبياري (ورقة 92 / أ) وكذا عزاه الأصبهاني شارح المحصول.

(6)

وهو ظاهر كلام القاضي عبد الجبار وأبي علي الجبائي وأبي هذيل والشحام من المعتزلة، وخالفهم من المعتزلة أبو إسحاق النظام وأبو هاشم وأبو الحسن البصري.

انظر: المغني (17/ 71)، المعتمد (1/ 331)، آراء المعتزلة الأصولية ص (552 - 555).

ص: 425

والذي حكاه المصنف عن ابن عقيل، فإنه لم يصرح به لكن كلامه يدل عليه فإنه ذكر في الواضح (1): إذا تعارضت دلالة العام والخاص في شيء واحد أنهما يتساويان، ومحل الخلاف فيما إذا تجرد عن القرائن، وإلا فما ثبت أنه غير محتمل للتخصيص بدليل فإن دلالته على الأفراد قطعية بلا خلاف، لقوله تعالى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2){لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (3){وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (4) ونحوه. وكذلك ما لا يحتمل أجزاؤه على العموم، فإنه خارج عن محل الخلاف، لقوله تعالى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (5) ومن فوائد الخلاف في هذه المسألة وجوب اعتقاد العموم فيه وتخصيصه بالقياس، وخبر الواحد وغيرها من المظنونات.

قوله (6): وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والبقاع عند الأكثر خلافًا للقرافي (7) وأبي العباس وغيرهما.

(1) قال ابن عقيل في الواضح (3/ 434): إذا تعارض آيتان أو خبران، وكان أحدهما عامًا والآخر خاصًا، فإنه يقضي بالخاص على العام إذا كان بينهما تناف، سواء تقدم العام على الخاص، أو تأخر عنه، أو جهل التأريخ رأسًا، فلم يعلم أيهما تقدم".

وسوى بينهم إذا كان كل واحد منهما عامًا من وجه وخاصًا من وجه آخر.

انظر: الواضح (3/ 440).

(2)

آية (282) من سورة البقرة.

(3)

آية (284) من سورة البقرة.

(4)

آية (6) من سورة هود.

(5)

آية (25) من سورة الأحقاف.

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (106).

(7)

انظر: شرح التنقيح ص (200).

ص: 426

قال أبو العباس (1) ومن وافقه: العام في الأشخاص، مطلق باعتبار الأحوال، والأزمنة، والبقاع. وقالوا: لا يدخلها العموم إلا بصيغة وضعت لها، فإذا قال:"اقتلوا المشركين"(2) عم كل مشترك بحيث لا يبقى فرد، ولا يعم الأحوال، حتى لا يقتل في حال الهدنة، والذمة، ولا خصوص المكان، حتى يدل على المشركين في أرض الهند مثلًا، ولا الزمان، حتى يدل على يوم السبت، أو يوم الأحد مثلًا، والأكثر على الأول (3).

قال ابن دقيق العيد (4)(5): "أولع بعض أهل العصر وما قرب منه بأن قالوا: صيغة العموم إذا وردت على الذوات مثلًا أو على الأفعال كانت عامة في ذلك مطلقة في الزمان والمكان والأحوال والمتعلقات، ثم يقال: المطلق يكفي في العمل به صورة واحدة، فلا يكون حجة فيما عداه، وأكثروا من هذا السؤال فيما لا يحصى كثرة من ألفاظ الكتاب والسنة وصار ذلك ديدنًا لهم في الجدال".

(1) انظر: المسودة ص (49)، القواعد والفوائد ص (236).

(2)

الآية {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} آية (5) من سورة التوبة.

(3)

انظر: شرح الكوكب (3/ 115)، القواعد والفوائد الأصولية ص (236).

(4)

هو: محمد بن علي بن وهب المعروف بتقي الدين بن دقيق العيد المالكي الشافعي، أتقن المذهبين، وكان يفتي فيهما، عالم بالمعقول والمنقول، من تأليفه "شرح العنوان في الأصول" و"الإلمام في الحديث" و"إحكام الأحكام"، توفي سنة:(702 هـ).

انظر: الديباج المذهب (2/ 318)، شجرة النور ص (189).

(5)

انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 94 - 95).

ص: 427

قال: "وهذا عندنا باطل، بل الواجب أن ما دل على العموم في الذوات مثلًا، يكون دالًّا على ثبوت الحكم في كل ذات تناولها اللفظ، ولا يخرج عنها ذات إلا بدليل يخصها، فمن أخرج شيئًا من تلك الذوات فقد خالف مقتضى العموم، مثال ذلك، إذا قال من دخل داري فأعطه درهمًا، فتقتضي الصيغة العموم في كل ذات صدق عليها أنها الداخلة، فإذا قال قائل: هو مطلق في الأزمان فأعمل به في الذوات الداخلة الدار في أول النهار مثلًا، ولا أعمل به في غير ذلك الوقت، لأنه مطلق في الزمان، وقد عملت به مرة فلا يلزم أن أعمل به أخرى، لعدم عموم المطلق".

"قلنا: لما دلت الصيغة على العموم في كل ذات دخلت الدار، ومن جملتها الذوات الداخلة في آخر النهار فإذا أخرجت بعض تلك الذوات فقد أخرجت ما دلت الصيغة على دخوله وهي كل ذات.

وقول (1) أبي أيوب الأنصاري (2): "فقدمنا الشام فوجدنا

(1) متفق عليه، ونصه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا) قال أبو أيوب: فقدمنا الشام

الحديث.

انظر: البخاري في كتاب الصلاة، باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق برقم:(394).

ومسلم في كتاب الطهارة، باب الاستطابة برقم:(264).

(2)

هو: الصحابي الجليل خالد بن زيد بن كليب الخزرجي المدني، من السابقين إلى الإسلام، شهد بيعة العقبة وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مهاجرًا، توفي بأرض الروم غازيًا سنة:(52 هـ). وقيل غير ذلك.

انظر: الإصابة (2/ 89)، أسد الغابة (2/ 94)، الاستيعاب (2/ 424).

ص: 428

مراحيض قد بنيت نحو القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل" يدل على أن العام في الأشخاص عام في المكان.

وتوسط الشيخ علاء الدين الباجي (1) بين المقالتين، وقال (2): "معنى كون العام في الأشخاص مطلقًا في الأزمان والأحوال، أنه إذا عمل به في الأشخاص في زمان ما، ومكان ما، وحالة ما، لا يعمل به في تلك الأشخاص مرة أخرى في زمان آخر ونحوه، أما في أشخاص أُخَر مما يتناوله ذلك اللفظ العام فيعمل به، لأنه لو لم يعمل به فيهم لزم التخصيص في الأشخاص، كما تقدم (3)، فالتوفية بعموم الأشخاص أن لا يبقى شخص ما في أي زمان ومكان وحال إلا حكم عليه، والتوفية بالإطلاق، أن لا يتكرر ذلك الحكم، فكل زان مثلًا، يجلد لعموم الآية، وإذا جلد مرة ولم يتكرر زناه بعد ذلك لا يجلد ثانية في زمان آخر أو مكان آخر، فإن المحكوم عليه وهو الزاني والمشرك ونحوه فيه أمران:

أحدهما: الشخص، والثاني: الصفة، كالزنا والشرك، فأداة

(1) هو: علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب المعروف بالباجي، له في المحافل مباحث مشهورة كان إمامًا في الأصلين والمنطق، فاضلًا فيما عداهما، صنّف مختصرات في علوم متعددة، واشتهرت وحفظت في حياته، وعقب موته، ثم إذ طفأت كأن لم تكن، توفي سنة:(714 هـ).

انظر: طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 137)، وطبقات الشافعية لابن السبكي (6/ 227).

(2)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 657).

(3)

أي في كلام ابن دقيق العيد.

ص: 429

العموم لما دخلت عليه أفادت عموم الأشخاص لا عموم الصفة، والصفة باقية على إطلاقها، فهذا معنى قولهم العام في الأشخاص مطلق في غيره.

قوله (1): مسألة: صيغة العموم عند القائلين بها هي: أسماء الشروط، والاستفهام، كـ "من" فيمن يعقل، و"ما" فيما لا يعقل. وفي الواضح عن الآخرين:"ما" لهما، في الخبر، والاستفهام، و "أين" و"حيث" للمكان، و"متى" للزمان، و"أي" للكل، وتعم "من" و"أي" المضافة إلى الشخص ضميرهما فاعلًا كان أو مفعولًا والموصولات.

الألفاظ التي يستفاد منها العموم أقسام منها:

أسماء الشروط، والاستفهام كـ"من" فيمن يعقل، كقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (2).

وقوله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضًا ميتة فهي له)(3). و"ما" فيما لا يعقل، {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (4){وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} (5)

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (107).

(2)

آية (2) من سورة الطلاق.

(3)

أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات برقم:(1379). وسنن أبي داود برقم: (3073).

(4)

آية (96) من سورة النحل.

(5)

آية (2) من سورة آل عمران.

ص: 430

(على اليد ما أخذت حتى تؤديه)(1)، فهذه إشارة إلى ما لا يعقل من المال والرزق.

ومنها: "من" و"ما" في الاستفهام. مثال الأولى: "من في الدار؟ " ومثال الثانية: "ما عندك وما معك؟ ".

وعلى ما حكاه في الواضح (2) عن آخرين أن "ما" لمن يعقل، ولمن لا يعقل، في الخبر، والاستفهام، فمن الخبر لمن يعقل:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ} (3) والاستفهام لمن يعقل إذا قلت: "ما معك؟ ومرادك من معك؟ " ومثال "أين": {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} (4){فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (5){وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (6) ومثال "حيث": {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (7) ومثال "متى"(8): قول الشاعر (9):

(1) أخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب تضمين العور برقم:(3561).

والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في أن العارية مؤداة برقم:(1266)، وقال: حسن صحيح.

(2)

انظر: الواضح (1/ 112).

(3)

آية (49) من سورة النمل.

(4)

آية (78) من سورة النساء.

(5)

آية (115) من سورة البقرة.

(6)

آية (4) من سورة الحديد.

(7)

آية (144) من سورة البقرة.

(8)

يشترط في "أين" و"متى" أن يكونا للمبهم أي: للزمان المبهم كما مثل الشارح، فلا يقال: متى طلعت الشمس؟

انظر: شرح الكوكب (3/ 121).

(9)

القائل الحطيئة. انظر: ديوانه ص (25).

ص: 431

متى تأته تعشوا إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

وأما " أي": فإنها للكل، لمن يعقل، ولغيره، وللزمان، والمكان، مثالها فيمن يعقل:{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} (1)، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (2) {أَيًّا مَا تَدْعُوا} (3) ومثالها فيما لا يعقل:"أي الدواب ركبت؟ ".

ومثالها في الزمان: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} (4)، ومثالها في المكان:"أي مكان لقيت زيدًا فأكرمه".

ويعم "من"، و"أي" المضاف إلى الشخص ضميرهما، فاعلًا كان أو مفعولًا. فلو قال:"من قام منكم، أو أيكم قام، أو من أقمته، أو أيكم أقمته فهو حر" فقاموا، أو أقاموا، عتقوا.

ومنها: الموصولات كـ "الذي" و"التي" و"اللذين" و"اللتين" و"الذين" و"اللائي" لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} (5)، {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} (6)، {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} (7)، {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} (8).

(1) آية (12) من سورة الكهف.

(2)

آية (7) من سورة هود.

(3)

آية (110) من سورة الإسراء.

(4)

آية (28) من سورة القصص.

(5)

آية (101) من سورة الأنبياء.

(6)

آية (16) من سورة النساء.

(7)

آية (34) من سورة النساء.

(8)

آية (4) من سورة الطلاق.

ص: 432

قال ابن السمعاني (1)، وابن الحاجب (2)، وغيرهما (3): إن الأسماء الموصولة من صيغ العموم، واحترزوا بالأسماء عن الحروف؟ كـ "إن" و"ما" المصدريتين فليست منها، ولم يذكر جمع (4) من الأصوليين الموصولات في الصيغ منهم الشيخ في الروضة (5) وابن حمدان في المقنع.

قوله (6): والجموع المعرفة تعريف جنس، وقيل: لا تعم، وقيل: تعم فقط. قال القاضي وغيره: والتعريف تصريف (7) الاسم إلى ما الإنسان به أعرف، فينصرف إليه، ولا يكون مجازًا، وإلا انصرف (8) إلى الجنس؛ لأنه به أعرف من أبعاضه، وقاله أبو الخطاب، وقال: لو قيل: "يصير الاسم مجازًا بقرينة العهد لجاز" وجزم به غيره.

(1) انظر: قواطع الأدلة (1/ 315).

(2)

انظر: منتهى الوصول والأمل ص (102، 103).

(3)

انظر: شرح التنقيح ص (180).

(4)

قال الإمام الزركشي: تنبيه: جعل الموصولات من صيغ العموم مشكل، لأن النحاة صرحوا بأن شرط الصلة أن تكون معهودة معلومة للمخاطب، ولهذا كانت معرفة للموصول، والمعهود لا عموم فيه. أ. هـ.

انظر: البحر المحيط (3/ 84)، النحو الوافي (1/ 375).

(5)

انظر: صيغ العموم من روضة الناظر (2/ 665 - 692).

قال الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 123): "ومن صرح بعدم عموم الموصولة البرمادي".

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (107).

(7)

في المطبوع "يعرف".

(8)

في المطبوع "والإنصراف" وهو خطأ.

ص: 433

ومنها الجمع المعرف بلام الجنس، سواء كان لمذكر، أو لمؤنث سالم، أو مكسر، جمع قلة، أو كثرة.

وجه عمومه: أن المفرد المعرف يعم، وهذا أولى.

وأيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس

الحديث) (1)، و (الأئمة من قريش)(2).

ولصحة الاستثناء، ولصحة توكيده.

والواقفية قالوا (3): بعدم العموم، وكذا أبو هاشم المعتزلي (4).

(1) ونصه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم".

رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب فإذا تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة برقم:(25).

رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله برقم: (22).

وجه الدلالة: احتجاج عمر على أبي بكر الصديق رضي الله عنهم لما همّ بقتال مانعي الزكاة بهذا الحديث وعدم الإنكار عليه، بل عدل أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى الاستثناء وقال: أليس قال عليه السلام: "إلا بحقها" وإن الزكاة من حقها.

انظر: نهاية الوصول (4/ 1297، 1298).

(2)

لم أجده بهذا اللفظ، وذكره أحمد بسند رجاله ثقات لكن فيه انقطاع أن أبا بكر قال لسعد - يعني ابن عبادة - لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش: أنتم ولاة هذا الأمر.

وجه الدلالة: احتجاج الصديق رضي الله عنه على الأنصار لما طلبوا الإمام بهذا وسلم له الكل هذا الاحتجاج.

(3)

انظر: المحصول (2/ 357).

(4)

انظر: المعتمد (1/ 223).

ص: 434

وقيل (1): يعم فقط؛ يعني: ولا يعم غيره من الأدوات.

وأما قول القاضي (2) وغيره: "إن التعريف يصرف الاسم إلى ما الإنسان به أعرف إلى آخره". معناه: إذا تقدم العهد كان التعريف عائدًا إليه، لأنه أعرف من الجنس عند السامع (3)، وإذا لم يتقدم العهد، انصرف التعريف إلى الجنس جميعه لأنه ليس بعضه أولى بذلك من بعض (4)، ثم في الحالين لا يكون ذلك مجازًا.

وأما ما نقله عن أبي الخطاب فإنه قال في التمهيد (5): "ولو قيل: إن حمل الاسم المعرف على العهد لقرينة وهي تقدم العهد [لجعل] (6) الاسم مجازًا لأنه اسم مخصوص لجاز ذلك على قول من جعل العموم المخصوص مجازًا".

قوله (7): والجموع المضافة.

(1) انظر: مختصر الروضة مع شرحها (2/ 476).

(2)

انظر: المسودة ص (113).

(3)

وهذا بلا خلاف قاله الرازي وصفي الدين الهندي وغيرهما. انظر: المحصول (2/ 356)، نهاية الوصول (4/ 1296).

(4)

وهو قول جماهير المعممين خلافًا لأبي هاشم منهم. قاله الهندي: وهذا إشارة منهم إلى محل الخلاف.

انظر: نهاية الوصول (4/ 1296)، المعتمد (1/ 223).

(5)

انظر: التمهيد (2/ 48).

(6)

في المخطوط [بجعل] وهي في نسخة من نسخ مخطوطة التمهيد، والمثبت من المطبوع.

(7)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (107).

ص: 435

ومنها: الجمع المضاف، كعبيدي أحرار، ونسائي طوالق، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر التشهد:("السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فإنكم إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض)(1).

وأيضًا: صحة الاستثناء، فإنه يصح أن يقول:"عبيدي أحرار إلا زيدًا" والاستثناء معيار العموم.

قوله (2): وأسماء التأكيد مثل: كل وأجمعون.

ومنها: أسماء التأكيد، ويقال توكيد (3)، وهي: كل.

قال بعضهم (4): هي أقوى صيغ العموم، والعجب من ابن الحاجب في إهمالها، واعتذر عنه القطب (5): بأنه إنما لم يتعرض لها؛ لكونها بمعنى الجموع المذكورة، ولهذا قال في المنتهى (6):"في الجموع المعرفة وما في معناها تعريف جنس" انتهى.

(1) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة، باب التشهد في الآخرة برقم:(797).

ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة برقم:(402).

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (107).

(3)

قال ابن منظور: "وبالواو أفصح". انظر: لسان العرب (15/ 382).

(4)

القائل: بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع (2/ 659).

(5)

القطب: هو: محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي الشيرازي الشافعي (قطب الدين) كان علامة ذكيًّا فقيهًا أصوليًّا مفسرًا حكيمًا بارعًا في فنون كثيرة، له مؤلفات كثيرة منها "شرح مختصر ابن الحاجب" في الأصول و"فتح المنان في تفسير القرآن" في نحو أربعين مجلدًا. توفي سنة:(710 هـ).

انظر: الدرر الكامنة (5/ 109)، الفتح المبين (2/ 109 - 110).

(6)

انظر: منتهى الوصول والأمل لابن الحاجب ص (103).

ص: 436

ولا فرق بين أن تقع مبتدأ بها نحو: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)} (1) أو تابعة نحو: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)} (2). وكذلك أجمعون تقول: "جاء القوم أجمعون".

قوله (3): واسم الجنس (4)(5) المعرف تعريف جنس.

ومنها: اسم الجنس المعرف تعريف جنس، كالناس، والحيوان، والماء، والتراب، والتمر، والشجر.

ومنع بعضهم: عموم ما يفرق بينه وبين واحده بالهاء؛ كتمرة وتمر، وشجرة وشجر؛ لأنه ليس بجمع (6). ولأنه يجمع. وزيّفه أبو المعالي (7): بأنه جمع، والجمع قد يجمع، وأنه قول الأكثر.

(1) آية (26) من سورة الرحمن.

(2)

آية (73) من سورة ص.

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (107).

(4)

اسم الجنس: ما لا واحد له من لفظه.

(5)

ذكر بعض الأصوليين أن من صيغ العموم "اسم الجنس المعرف تعريف جنس"، وقال بعضهم "المفرد المحلى بالألف واللام غير العهدية" وجعلها بعضهم صيغتين منفصلتين كما فعل الماتن. قال الإمام بدر الدين الزركشي في تشنيفه (2/ 670):"التعبير بالمفرد المحلى أعم لأن المفرد المحلى ينقسم إلى اسم جنس، واسم ليس بجنس".

انظر: العدة (2/ 484، 519)، التمهيد (2/ 53)، جمع الجوامع مع التشنيف (2/ 666)، الإحكام للآمدي (2/ 227).

(6)

استدلوا على ذلك بقوله تعالى: {مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ} .

(7)

انظر: البرهان (1/ 120 - 121).

ص: 437

قوله (1): ويعم عند الأكثر (2) الاسم المفرد المحلى بالألف واللام، إذا لم يسبق تنكير.

ومنها: الاسم المفرد المحلى بالألف واللام؛ كالرجل، والسارق، خلافًا لبعض الشافعية (3) والجبائية (4).

حملًا للتعريف على فائدة (5) لم تكن.

وللاستثناء منه، كقوله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} (6).

ولا يعم مع قرينة اتفاقًا (7)، كسبق تنكير؛ كما في قوله تعالى:{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (8).

ومع جهلها: يعم عندنا (9)، وعند الأكثر (10).

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه (107).

(2)

انظر: العدة (2/ 485 - 591)، المسودة ص (105)، تيسير التحرير (1/ 209)، الإشارة للباجي ص (185)، التبصرة ص (115).

(3)

انظر: المحصول (2/ 367).

(4)

انظر: المعتمد (1/ 227).

(5)

وهي: تعريف جميع الجنس؛ لأنه الظاهر كالجمع. انظر: أصول ابن مفلح (383)، شرح الكوكب (3/ 131).

(6)

آية (2، 3) من سورة العصر.

(7)

أي قرينة عهد. انظر: المسودة ص (105)، شرح الكوكب (3/ 132)، المغني للخبازي ص (116)، التقرير والتحبير (1/ 200)، التبصرة ص (115).

(8)

آية (16) من سورة المزمل، والتي قبلها "كما أرسلنا إلى فرعون رسولا" فيكون الرسول معهودا عند السامع وهو هنا موسى عليه السلام.

(9)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 770)، شرح الكوكب (3/ 132).

(10)

انظر: العدة (2/ 522)، أصول الفقه لابن مفلح (2/ 770)، شرح اللمع (1/ 315).

ص: 438

واختار أبو المعالي (1): الوقف.

أما إن عارض الاستغراق احتمال تعريف الجنس، والعرف، نحو:"الطلاق يلزمني" و"عليّ الطلاق"، فروايتان عن أحمد (2) هل تطلق ثلاثًا أو واحدة؟

قوله (3): والمفرد المضاف يعم، كزوجتي، وعبدي، عند أحمد (4)، وأصحابه (5)، ومالك (6)، تبعًا لابن عباس (7)، خلافًا للحنفية (8) والشافعية (9).

ومنها: المفرد المضاف؛ كقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (10)،

(1) انظر: البرهان (1/ 120).

(2)

قال المصنف في قواعده ص (196): "روايتان: لزوم الثلاث بناء على المحلى، ولزوم الوحدة بناء على تقديم المعهود على العموم. إذ معنى المعهود: سنّي وهو أن السنة يطلقها واحدة".

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (108).

(4)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية (200)، شرح الكوكب (3/ 136).

(5)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 771)، شرح مختصر الروضة (2/ 466).

(6)

انظر: شرح التنقيح ص (181).

(7)

في شرح الكوكب (3/ 136): تبعًا لعلي وابن عباس رضي الله عنهم.

روى عن ابن عباس رضي الله عنهما فيمن قال: "إن زوجتي طالق" وله أربع زوجات؛ أنه يقع على الأربع جميعًا.

(8)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 771).

(9)

الصحيح من مذهب الشافعية أنها للعموم. انظر: المحلى على جمع الجوامع (1/ 414)، تشنيف المسامع (2/ 669).

(10)

آية (36) من سورة الزمر، قرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف "عباده"، والباقون "عبده".=

ص: 439

وقوله تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} (1).

قوله (2): والنكرة المنفية تعم، وقيل لا عموم فيها إلا مع "مِن" ظاهرة أو مقدرة.

ومنها: النكرة في سياق النفي، كقوله تعالى:{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} (3)، {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} (4).

وعند بعضهم (5): تعم النكرة المنفية مع "مِن" ظاهرة، أو مقدرة، فعندهم لا يعم:"ما عندي رجل"، و"لا رجل في الدار" برفع رجل، واختاره أبو البقاء (6) في إعرابه (7) في: {لَا رَيْبَ

= انظر: الموضح في وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم (3/ 1113)، البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواتر لعبدالفتاح القاضي ص (274).

(1)

آية (12) من سورة التحريم، قرأ حفص والبصريان بضم الكاف على الجمع، والباقون بكسر الكاف وفتح التاء وألف بعدها على الإفراد.

انظر: الموضح في وجوه القراءات وعللها (3/ 1280)، البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة ص (321).

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (108).

(3)

آية (101) من سورة الأنعام.

(4)

آية (255) من سورة البقرة.

(5)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 673).

(6)

هو: محب الدين عبد الله بن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله العكبري، الفقيه الحنبلي الحاسب القرضي، النحوي الضرير، من مؤلفاته:"إعراب القرآن"، و"إعراب الحديث"، و"شرح الفصل" وغيرها كثير. توفي سنة:(616 هـ). انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 109)، إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين ص (163، 164)، الشذرات (5/ 67 - 69).

(7)

انظر: إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات ص (18).

ص: 440

فِيهِ} (1)، وذكره بعضهم (2): عن سيبويه (3) وغيره، وأنه إجماع؛ لأنه نفي الوحدة لا الماهية التي لا تنتفي إلا بجميع أفرادها، لأنه يحسن:"ما رأيت رجلا" و"ما عندي رجل بل رجلان".

ورد: للقرينة، ومع "من" العموم قطعي، فلا مجاز. والله تعالى أعلم.

قال أبو العباس (4): "إذا قال: "لا أكرم من دخل داري" أو "لا ألبس الثياب" فُهِم منه العموم في النفي، ولو قال: "لا أكرم كل عاقل دخل داري" لم يلزم أن يكرم كل واحد منهم، بل يجوز أن يكرم البعض دون البعض، هذا كلام القاضي، وأبي الحسين أيضًا فيما أظن وغيرهما، فجعلوا بعض ألفاظ العموم يكون نفيها عامًا، وبعضها يكون نفيًا للعموم لا عمومًا للنفي، وفَرْق بين عموم النفي وبين نفي العموم (5) ".

(1) آية (2) من سورة البقرة.

(2)

انظر: المسودة ص (103)، البرهان (1/ 56).

(3)

هو: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، إمام النحاة، وأول من بسط علم النحو، من مؤلفاته: الكتاب في النحو، توفي سنة:(180 هـ).

انظر: طبقات النحويين واللغويين ص (66)، إشارة التعيين (242 - 245)، تاريخ بغداد (12/ 195).

(4)

انظر: المسودة ص (114).

(5)

لو قال شخص: "ما كل عدد زوجًا". فهذا نفي للعموم وليس عموم النفي. أي: ليس حكمًا بالسلب على كل فرد من أفراد العدد، وإلا لم يكن فيه زوج، وذلك باطل، بل مقصودك إبطال قول من يقول: إن كل عدد زوج. فقلت أنت: ما كل عدد زوجًا، أي: ليست الكلية صادقة، =

ص: 441

فائدة: النكرة في سياق النهي تعم أيضًا، كالنكرة في سياق النفي؛ لأن النهي معناه: طلب نفي الفعل مع الجزم، كقوله تعالى:{لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} (1).

قوله (2): والنكرة في سياق الشرط تعم، ذكره أبو البركات، وإمام الحرمين، وفي المغني مما يقتضي خلافه.

وهل تفيد العموم لفظًا أو بطريق التعليل؟ فيه نظر، قاله أبو العباس (3).

ومنها: النكرة في سياق الشرط، كقولك:"من يأتني بأسير فله دينار"، قال أبو البركات في المسودة (4):"فهذا يعم كل أسير وكذا ما أشبهه". وذكره إمام الحرمين في البرهان (5)، وتابعه عليه الأبياري في شرحه (6)، وكلامه في المغني (7) في مسألة الرشد ما هو؟ يقتضي: أنها لا تعم.

= بل بعضها ليس كذلك. فهو السلب للحكم عن العموم، لا حكم بالسلب علي العموم.

انظر: القواعد والفوائد ص (203).

(1)

آية (108) من سورة التوبة.

(2)

انظر: المسودة ص (103).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (108).

(4)

انظر: المسودة ص (103).

(5)

انظر: البرهان (1/ 119).

(6)

التحقيق والبيان في شرح البرهان للأبياري (1/ 434)(آلة).

(7)

انظر: المغني (6/ 607) حيث قصر الرشد في قوله "فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم" على الصلاح في المال، وعمم بعضهم الرشد الصلاح في المال والدين.

ص: 442

فائدة: قال بعضهم: والنكرة في سياق الامتنان تعم، جزم به في تشنيف المسامع (1)، وكذا المصنف في قواعده (2)، أخذًا من استدلال الأصحاب:"إذا حلف لا يأكل فاكهة"، أنه يحنث بأكل التمر والرمان. بقوله تعالى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} (3)(4)، وذكره القاضي أبو الطيب (5).

قوله (6): أما الجمع المنكَّر (7) فليس بعام عند الأكثر (8)، وقال الجبائي (9) وبعض الحنفية (10) والشافعية (11) وذكره في التمهيد (12) وجهًا، وابن عقيل (13) والحلواني (14) رواية أنه عام. انتهت.

(1) انظر: تشنيف المسامع (2/ 696).

(2)

القواعد والفوائد الأصولية ص (204).

(3)

آية (68) من سورة الرحمن.

(4)

قال الأسنوي في التمهيد ص (325): وجه العموم: أن الامتنان مع العموم أكثر، إذ لو صدق بالنوع الواحد من الفاكهة، لم يكن في الامتنان بالجنتين كبير معنى.

(5)

ذكره في أوائل تعليقه.

انظر: التمهيد للأسنوي ص (325).

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (108).

(7)

محل الخلاف: في الجمع المنكر في الإثبات، وأما المنكر في النفي، فهو للعموم. انظر: قواطع الأدلة (1/ 318).

(8)

انظر: المسودة ص (106)، تيسير التحرير (1/ 205)، شرح التنقيح ص (191)، التبصرة ص (118).

(9)

انظر: المعتمد (1/ 229).

(10)

انظر: تيسير التحرير (1/ 205).

(11)

انظر: التبصرة ص (118).

(12)

انظر: التمهيد (2/ 50).

(13)

انظر: الواضح (3/ 358).

(14)

انظر: المسودة ص (106).

ص: 443

لنا لو قال: اضرب رجالًا، امتثل بأقل الجمع، ولو قال له عندي عبيد، قبل تفسيره بأقل الجمع ولأنه لو عم لم يسم نكرة ولو عم لصح تأكيده بكل ولم يحسن تأكيده بها كالمعرف باللام وإن كان مستند ابن عقيل والحلواني في نقل الرواية ما ذكره القاضي (1) فليس بظاهر فإنه قال: لأن أحمد احتج على تحريم الحرير على الصغير بقوله: (هذان حرام على ذكور أمتي)(2) ولا شك أن هذا مضاف وليس بنكرة، وأما قول المصنف "انتهت" فلعله أشار إلى أن صيغ العموم انتهت.

قوله (3): وأما سائر (4) فقال القاضي عبد الوهاب (5) ليست للعموم إذ معناها بعض الشيء لا جملته، وفي الصحاح (6) وغيرها، "هي (7): لجملة الشيء"، فتكون عامة، والله سبحانه أعلم.

(1) انظر: العدة (2/ 523 - 524)، المسودة ص (106).

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب في الحرير للنساء برقم:(4057).

وأخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال برقم:(5144)(5145).

وابن ماجه في كتاب اللباس، باب لبس الحرير والذهب للنساء برقم:(3595).

وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 305).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (108، 109).

(4)

مبنى الخلاف في سائر: هل هي من السؤر، وهو البقية فلا يعم، أو من سور المدنية المحيط بها، فيعم.

(5)

انظر: شرح تنقيح الفصول ص (190).

(6)

الصحاح: أحد معاجم اللغة القيمة، لإسماعيل بن حماد الجوهري، وهو أحد مطبوعات دار الكتب العربي بمصر بتحقيق: أحمد عبد الغفور عطار.

(7)

انظر: الصحاح (2/ 692): "وسائر الناس جميعهم".

ص: 444

أما سائر فهي مبنية على استعمالها إن استعملت للجميع فهي عامة، وإن استعملت للبعض فليست بعامة، وإن استعملت فيهما حقيقة فهي مشتركة (1)، ولا شك أن الفقهاء قد استعملوها فيهما (2).

قوله (3): ومعيار العموم الاستثناء.

فكل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام للزوم تناوله للمستثنى، وقد صح الاستثناء من الجمع المعرف وغيره مما تقدم من الصيغ، نحو جاء الرجال إلا زيدًا، ومن نفى العموم جعل الاستثناء قرينة على العموم.

قوله (4): مسألة: أبنية الجمع (5) لثلاثة حقيقة عند الأكثر (6).

(1) قال البرماوي في شرح الكوكب (3/ 159): لا تنافي بين القولين، فهو للعموم المطلق والعموم الباقي بحسب الاستعمال. وانظر: سلاسل الذهب (2319).

(2)

فمن استعمالها في باقي الشيء قوله عليه السلام: "وفارق سائرهن" أي باقيهن.

ومن استعمالها في جميع قولك: "اللهم اغفر لي ولسائر المسلمين".

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (109).

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (109).

(5)

مبنى الخلاف: قال ابن برهان: "وبناء المسألة على أن الجمع اللغوي ليس مشتقًا من الاجتماع عندنا، وعند المخالف مشتق منه".

انظر: سلاسل الذهب للزركشي ص (232).

(6)

انظر: المسودة ص (149)، نهاية الوصول (4/ 13479)، المحصول (2/ 3759).

ص: 445

وحكي عن المالكية (1)، وابن داود (2)(3) وبعض الشافعية (4)، والنحاة (5): لاثنين حقيقة.

وعلى الأول: هل يصح في الاثنين والواحد مجازًا؟ فيه أقوال ثالثها: يصح في الاثنين لا الواحد.

ليس محل النزاع في لفظ (ج م ع)، أعني: الجمع لغة، فهو ضم الشيء إلى شيء، فإن ذلك متحقق في الاثنين اتفاقًا (6).

ولا في ضمير المتكلم، نحن، فعلنا. ولا في نحو قوله تعالى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (7) مما في الإنسان منه شيء واحد؛ لاستثنائه

(1) انظر: شرح تنقيح الفصول ص (233).

(2)

هو: محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري، أبو بكر الأصبهاني، كان فقيهًا أديبًا مناظرًا، له تصانيف كثيرة منها:"الوصول إلى معرفة الأصول" و"الإنذار" و"الأعذار" و"الانتصار" وغيرها، وهو ابن داود الظاهري، صاحب المذهب الظاهري، صاحب المذهب الظاهري، توفي سنة:(297 هـ).

انظر ترجمته: تاريخ بغداد (5/ 256)، وفيات الأعيان (4/ 259).

(3)

انظر: الإحكام لابن حزم (4/ 503)، شرح اللمع (1/ 347).

(4)

انظر: التبصرة ص (127)، نهاية الوصول (4/ 1348).

(5)

منهم علي بن عيسى النحوي ونفطويه.

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 778)، القواعد ص (238)، شرح الكوكب (3/ 145)، شرح اللمع (1/ 347).

(6)

انظر: العدة (2/ 658)، ابن مفلح ص (392)، القواعد ص (238)، الكوكب (3/ 151)، فواتح الرحموت (1/ 270)، شرح التنقيح ص (233)، نهاية الوصول (4/ 1349)، الإبهاج (2/ 126).

(7)

آية (4) من سورة التحريم.

ص: 446

لغة (1)، وأيضًا: فإن قلوبكما تثنية معنوية، فجمع فرارًا من اجتماع تثنيتين في كلمة واحدة، وإنما محل الخلاف في نحو:"رجال ومسلمين"، وضمائر الخطاب والغيبة.

وقيل (2): جمع القلة من ثلاثة إلى عشرة حقيقة، وجمع

(1) قال القرطبي في تفسيره (6/ 173 - 174): "قال الخليل بن أحمد والفراء: كل شيء يوجد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع تقول: هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونها، و {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} .

ولهذا قال: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ولم يقل يديهما. والمراد فاقطعوا يمينًا من هذا ويمينًا من هذا. ويجوز في اللغة، فاقطعوا يديهما وهو الأصل، وقد قال الشاعر فجمع بين اللغتين:

ومَهْمَهَيْن قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنِ

ظُهراهما مِثلُ ظُهورِ التُّرْسيْنِ

وقيل فُعِل هذا لأنه لا يشكل .. إلخ.

وانظر: الكتاب (2/ 48، 3/ 622)، والبيان والتبيين (1/ 156).

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 780)، شرح التنقيح للقرافي ص (233).

قال الصبان في حاشيته على الأشموني: إن جمع القلة هو من الثلاثة إلى العشرة مع إدخال العشرة في الحكم، وجمعا لكثرة من الثلاثة إلى ما لا يتناهى، فالفرق بينهما من جهة النهاية بخلاف ما ذكره الشارح الأشموني. قال حسن عباس في النحو الوافي في هامش (3) (4/ 627): فقولنا مثلًا: ثلاثة بيوت، أربعة جداول، خمسة جبال، ست مدائن، سبع سفن .. ، فلو أخذنا بالرأي الأول - وهو أن جمع الكثرة ما زاد على عشرة - لكان العدد في هذه الأمثلة وأشباهها دالًا على شيء حسابي معين لا يزيد على عشرة مطلقًا، في حين يدل المعدود - وهو صيغة جمع الكثرة - على شيء يزيد على العشرة حتمًا. وهذا هو التعارض والتناقض. أما على الرأي الثاني السديد - وهو رأي الصبان - فلا وجود لهذا التعارض والتناقض.

وقال ابن عقيل في شرحه على الألفية (2/ 415): ويستعمل كل منهما في موضع الآخر مجازًا. =

ص: 447

الكثرة ما زاد على عشرة حقيقة، وحكاه بعضهم (1) عن أهل اللغة.

إذا عرف هذا فوجه الأول: سبق الثلاثة عند الإطلاق، ولا يصح نفي الصيغة عنها، وهما دليل الحقيقة، والمثنى بالعكس.

وروى جماعة، منهم ابن حزم (2) محتجًا به والبيهقي (3)(4)، بإسناد جيد إلى ابن أبي ذئب (5) عن شعبة (6) مولى ابن عباس عنه

= وقال الأسنوي في تمهيده ص (317): واعلم أنه لا فرق عند الأصوليين والفقهاء بين التعبير بجمع القلة كأفلس، أو بجمع الكثرة كفلوس، على خلاف طريقة النحويين.

(1)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 780)، النحو الوافي لحسن عباس (4/ 627).

(2)

انظر: المحلى (10/ 322 - 323) والإحكام له (1/ 421).

(3)

هو: أحمد بن الحسين بن علي النيسابوري، أبو بكر البيهقي، حافظ كبير، فقيه جليل، أصولي نحرير، من مصنفاته: السنن الكبرى، ومعرفة السنن والآثار، والأسماء والصفات، توفي سنة:(458 هـ).

انظر: طبقات الشافعية (4/ 8)، وفيات الأعيان (1/ 57)، شذرات الذهب (3/ 3049).

(4)

انظر: السنن الكبرى للبيهقي (6/ 227).

(5)

هو: أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة القرشي العامري، أحد الأعلام الثقات، توفي سنة:(159 هـ).

انظر: ميزان الاعتدال (3/ 620)، تهذيب التهذيب (9/ 303)، خلاصة تهذيب الكمال ص (248).

(6)

هو: أبو عبد الله - وقيل أبو يحيى - شعبة بن دينار - وقيل: إن يحيى المدني روى عن ابن عباس وعنه ابن أبي ذئب وغيره. قال ابن حجر في التقريب: صدوق سيء الحفظ.

انظر: ميزان الاعتدال (2/ 274)، تهذيب التهذيب (4/ 346)، التقريب (1/ 351).

ص: 448

أنه قال لعثمان: إن الأخوين لا يردان الأم إلى السدس، إنما قال الله هو {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} (1)، والأخوان - في لسان قومك - ليسوا بإخوة. فقال عثمان: لا أستطيع أن أنقض أمرًا كان قبلي وتوارثه الناس، ومضى في الأمصار.

قال أحمد (2) في شعبة: "ما أرى به بأسًا".

ولما حجب القوم الأم بالأخوين دل على أن الآية قصدت الأخوين فما فوق.

القائل حقيقة في الاثنين: استدل بهذه الآية، والأصل الحقيقة.

وعن زيد بن ثابت (3): "يسمى الأخوان إخوة"(4).

رد: بما سبق.

وإن صح قول زيد - فإن فيه عبد الرحمن (5) ابن أبي الزناد،

(1) آية (11) من سورة النساء.

(2)

انظر: الجرح والتعديل (2/ 1/ 367)، تهذيب التهذيب (4/ 346، 347).

(3)

هو الصحابي: زيد بن ثابت بن الضحاك، أبو سعيد الأنصاري، كاتب الوحي والمصحف، أسلم قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة، وكان أعلم الصحابة بالفرائض، توفي سنة:(54 هـ) وقيل غير ذلك.

انظر: الإصابة (3/ 22)، الاستيعاب (2/ 537).

(4)

انظر: سنن البيهقي (6/ 277)، والحاكم في المستدرك (4/ 335) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(5)

هو: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان القرشي بالولاء المدني توفي سنة: (174 هـ).

انظر: طبقات الحفاظ ص (106)، ميزان الاعتدال (2/ 575)، تهذيب التهذيب (6/ 170).

ص: 449

مختلف فيه (1) - فمراده له: مجازًا، وفي حجب الأم.

قالوا: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} (2) لموسى وهارون.

رد: ومن آمن من قومهما، أو فرعون أيضًا.

قالوا: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (3).

رد: الطائفة الجماعة لغة، ذكره الزجاج (4)(5) وابن الأنباري (6)(7)، وعلماؤنا (8)،

(1) قيل: ثقة، وقيل: ثقة صدوق في حديثه ضعف، وقيل: ضعيف لا يحتج بحديثه، وقيل: مضطرب الحديث، وقال الحافظ في التقريب: صدوق تغير حفظه.

انظر: يحيى بن معين وكتابه التأريخ (2/ 347)، تهذيب التهذيب (6/ 170)، تقريب التهذيب (1/ 479).

(2)

آية (15) من سورة الشعراء.

(3)

آية (9) من سورة الحجرات.

(4)

هو: أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل النحوي، كان إمامًا في العربية، من أهل الدين، له كتاب "معاني القرآن"، و"فعلت وأفعلت" وغيرها، توفي سنة إحدى عشر وثلاث مئة، وقيل: سنة ست عشرة.

انظر: إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين ص (12)، تاريخ بغداد (6/ 89 - 95).

(5)

انظر: معانى القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 435، 2/ 509).

(6)

هو: أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، عالم النحو والأدب، من مؤلفاته: الكافي في النحو، المقصور والممدود وغريب الحديث، وهاءات القرآن. توفي سنة:(328 هـ).

انظر: طبقات الحنابلة (2/ 69)، تاريخ بغداد (3/ 181)، إشارة التعيين ص (335 - 336).

(7)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 784).

(8)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح ص (395)، شرح الكوكب (3/ 148).

ص: 450

وغيرهم (1)، زاد الزجاج (2):"وأقل الجماعة اثنان"، واختاره صاحب التلخيص (3) من علمائنا، واختار غيره (4): ثلاثة.

وعن ابن عباس (5) وغيره (6): "الطائفة الواحد فما فوقه"، فإن صح فمجاز، أو لا يلزم مثله في الجمع قالوا: قال صلى الله عليه وسلم "الاثنان فما فوقهما جماعة"(7).

رد: خبر ضعيف، رواه ابن ماجه (8) من حديث أبي موسى (9)،

(1) انظر: نهاية الوصول للهندي (4/ 1357).

(2)

انظر: معاني القرآن للزجاج (1/ 435، 2/ 509).

(3)

هو: أبو عبد الله محمد بن الخضر بن محمد، ابن تيمية الحراني فقيه فسر، من مؤلفاته: التفسير الكبير، وفي الفروع تخليص المطلب في تلخيص المذهب، وترغيب القاصد في تقريب المقاصد، وبلغة الساغب وبقية الراغب. توفي سنة:(622 هـ).

انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 151 - 162).

(4)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (239).

(5)

انظر: تفسير الطبرى (18/ 54)، مصنف عبدالرزاق (7/ 367)، زاد المسير (6/ 8).

(6)

كمجاهد والنخعي. انظر: زاد المسير (6/ 8).

(7)

ترجم البخاري في صحيحه كتاب الأذان: "باب اثنان فما فوقهما جماعة" وساق حديث مالك بن الحويرث "فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما" برقم: (658).

(8)

أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الاثنان جماعة برقم:(972)، وانظر: نصب الراية (2/ 198)، والتلخيص الحبير (3/ 81).

وفيه: الربيع بن بدر، ووالده بدر، وهما ضعيفان.

(9)

هو الصحابي: عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى الأشعري، أسلم قبل الهجرة، =

ص: 451

والدارقطني (1) من حديث عمرو (2) بن شعيب عن أبيه (3) عن جده (4)، وأحمد (5) من حديث أبي أمامة (6)، ورواه - أيضًا (7) - عن هشام بن سعيد (8)

= وهاجر إلى الحبشة ثم المدينة بعد خيبر، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن وعدن، سكن الكوفة وتفقه أهلها به، توفي سنة:(42 هـ) وقيل (44 هـ).

انظر: الإصابة (4/ 121)، شذرات الذهب (1/ 53).

(1)

انظر: سنن الدارقطني (1/ 281)، وفيه عثمان بن عبد الرحمن بن سعد بن أبي وقاص: قال البخاري: تركوه.

(2)

هو: أبو إبراهيم عمر بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي توفي سنة: (118 هـ).

انظر: ميزان الاعتدال (3/ 263)، تهذيب التهذيب (8/ 48)، تقريب التهذيب (2/ 72).

(3)

هو: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي.

انظر ترجمته: التهذيب (4/ 356)، التقريب (1/ 353).

(4)

هو الصحابي: أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن - عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي، توفى بالشام سنة (65 هـ). انظر: الإصابة (4/ 111)، الاستيعاب (3/ 956).

(5)

المسند (5/ 254)، برقم:(269): وفيه عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد الألهاني، وهما ضعيفان.

انظر: ميزان الاعتدال (3/ 6، 161).

(6)

هو الصحابي: صديّ بن عجلان الباهلي، مشهور بكنيته، توفي سنة:(86 هـ).

انظر: الاستيعاب (2/ 736)، الإصابة (3/ 240).

(7)

انظر: المسند (5/ 269).

(8)

هو: أبو أحمد البزار الطالقاني، نزيل بغداد، ذكره ابن حبان في الثقات، =

ص: 452

عن ابن المبارك (1) عن ثور بن يزيد (2) عن الوليد بن [أبي](3) مالك (4) مرفوعًا، كلهم ثقات، والوليد غير تابعي.

ثم: المراد: في الفضيلة لتعريفه الشرع لا اللغة (5).

= وقال النسائي: ليس به بأس. وكان ابن معين لا يروي عنه. قال ابن حجر في التقريب: صدوق.

انظر: ميزان الاعتدال (4/ 299)، تهذيب التهذيب (11/ 41)، تقريب التهذيب (2/ 318).

(1)

هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء التميمي المروزي، حافظ مجاهد فقيه، من مؤلفاته: الرقائق، وكتاب الجهاد، توفي سنة:(181 هـ).

انظر: حلية الأولياء (8/ 162)، تاريخ بغداد (10/ 152)، وفيات الأعيان (3/ 32).

(2)

هو: أبو خالد الحمصي، حافظ توفي سنة:(150 هـ)، قال عنه ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر. انظر: ميزان الاعتدال (1/ 374)، التهذيب (2/ 33)، التقريب (1/ 121).

(3)

ما بين معقوفين ليست في المخطوط، والصواب ما أثبت.

(4)

هو: أبو العباس الوليد بن عبد الرحمن بن أبي مالك هانئ الهمداني الدمشقي، نزل الكوفة، توفي سنة:(125 هـ). وثقه أحمد والعجلي ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني، لا بأس به. وقال يعقوب بن شيبة: في حديثه ضعف. قال ابن حجر في التقريب: ثقة.

انظر: تهذيب التهذيب (11/ 139)، التقريب (2/ 333).

(5)

قال الطوفي في شرح المختصر (2/ 498): الاثنان جماعة في حصول الفضيلة حكمًا لا لفظًا، إذ الشارع بيَّن الأحكام لا اللغات.

وقال العضد في شرحه على ابن الحاجب (2/ 106): واعلم أن هذا الدليل وإن سلم، فليس في محل النزاع لما مر أنه ليس النزاع في (ج، م، ع)، وإنما النزاع في صيغ الجمع.

ص: 453

وقال ابن عقيل (1): لو كان جمعا لغة لما بينه؛ للتسوية فيها (2).

القائل لا يصح مجازًا: قول ابن عباس السابق (3).

رد: أراد حقيقة لما سبق، ولهذا: عنه (4) وعن جماعة من المفسرين وأهل اللغة - في {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ} (5) - المراد محمد صلى الله عليه وسلم وحده.

وقال ابن الأنباري (6) - عن قول مجاهد (7) في: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً} (8): المراد آدم عليه السلام: العرب توقع الجمع على الواحد.

قالوا: لا يصح: رجلان عاقلون، ولا رجال عاقلان.

رد: مراعاة [للفظ](9) في الصفة للتبعية.

(1) انظر: الواضح (3/ 431).

(2)

أي: لما بين الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ذلك لأنهم في اللغة مثله، فلم يبق إلا أنه بين ما يخصه ولا يشاركونه فيه وهو الحكم، فكأنه بين أن ذلك جمع في الصلاة.

(3)

انظر: ص (210).

(4)

انظر: زاد المسير لابن الجوزي (5/ 477).

(5)

آية (51) من سورة المؤمنون.

(6)

انظر: زاد المسير (1/ 213)، تفسير القرطبي (4/ 277).

(7)

هو: أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي، تابعي مفسر، من مؤلفاته كتاب في التفسير، توفي بالكوفة سنة (104 هـ).

انظر: ميزان الاعتدال (3/ 439)، شذرات الذهب (1/ 125).

(8)

آية (213) من سورة البقرة.

(9)

في المخطوط [اللفظ] وهو في بعض نسخ أصول الفقه لابن مفلح، والمثبت من المطبوع.

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 979).

ص: 454

قال إمام الحرمين في البرهان (1)، ذكر بعض الأصوليين من فوائد الخلاف أنه لو أقر بدراهم، هل تحمل على ثلاثة أو على اثنين وما أظن الفقهاء يسمحون بهذا. قال جماعة حتى من الشافعية (2) وهو عجيب، فإن الخلاف عند الشافعية حكاه الهروي (3) في الإشراف (4) وجهين، ما على هذا الأصل وذكره الماوردي (5) في الحاوي (6) أيضًا.

القائل تصدق على الواحد: استدل بقوله: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} (7) والمرسل إليه سليمان عليه السلام وحده، وكذا قوله:{بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (8)، والرسول واحد بدليل. {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} (9)،

(1) انظر: البرهان (1/ 126).

(2)

القائل: بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع (2/ 681).

(3)

هو: القاضي أبو سعد محمد بن أحمد بن أبي يوسف الهروي، تفقه على عاصم العبادي، وشرح تصنيفه في أدب القضاء، وهو شرح مفيد سماه (الإشراف) توفي سنة:(488 هـ).

انظر: طبقات هداية الله ص (66).

(4)

انظر: التمهيد للأسنوي ص (317).

(5)

هو: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي كان حافظًا للمذهب، له تصانيف في أصول الفقه وفروعه منها "الحاوي" و"الأحكام السلطانية" و"التفسير" وغيرها، توفي سنة:(450 هـ).

انظر: طبقات الشافعية للأسنوي ص (415)، ولابن قاضي شهبة (1/ 230 - 232).

(6)

انظر: الحاوي الكبير للماوردي (8/ 275)، التمهيد للأسنوي ص (317).

(7)

آية (35) من سورة النمل.

(8)

آية (35) من سورة النمل.

(9)

آية (37) من سورة النمل.

ص: 455

وقوله: {مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} (1)، والمراد [أم] (2) المؤمنين عائشة رضي الله عنها وحدها وفيها ثلاث كلمات للعموم وهي:{أُولَئِكَ} ، {مُبَرَّءُونَ} ، {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} .

قوله: مسألة: العام بعد التخصيص: حقيقة عند القاضي (3) وابن عقيل (4) وغيرهما (5)، مجاز عند أبي الخطاب (6) وغيره (7).

أبو بكر الرازي (8): حقيقة إن كان الباقي جمعًا.

الكرخي (9) وأبو الحسين (10): حقيقة إن خص بما لا يستقل من شرط أو صفة أو استثناء.

ابن الباقلاني (11): إن خص بشرط أو استثناء.

عبد الجبار (12): إن خص بشرط أو صفة.

(1) آية (26) من سورة النور.

(2)

ما بين معقوفين ليس في المخطوط، والسياق يقتضيها.

(3)

انظر: العدة (2/ 533).

(4)

انظر: الواضح (3/ 365).

(5)

انظر: شرح الكوكب (3/ 160).

(6)

انظر: التمهيد (2/ 138 وما بعدها).

(7)

انظر: المسودة ص (115)، الإحكام (2/ 248).

(8)

انظر: تيسير التحرير (1/ 308)، فواتح الرحموت (1/ 311).

(9)

انظر: فواتح الرحموت (1/ 311).

(10)

انظر: المعتمد (1/ 264).

(11)

انظر: التقريب والإرشاد للباقلاني (3/ 67).

(12)

انظر: المعتمد (1/ 262).

ص: 456

وقيل (1): إن خص بدليل لفظي.

الإمام (2): حقيقة في تناوبه، مجاز في الاقتصار عليه (3).

وجه الأول: التناول باق، وكان حقيقة فكذا بعده.

قال ابن عقيل (4): هو مع المخصص موضوع للخصوص.

رد: كان مع غيره (5).

قالوا: يسبق إلى الفهم.

رد: بقرينة.

وجه الثاني: حقيقة في الاستغراق، فلو كان حقيقة فيه (6) لم يفتقر إلى قرينة (7). ويلزم الاشتراك (8). وقال بهذا القول، أكثر المعتزلة (9) والأشعرية (10).

(1) انظر: منتهى الوصول والأمل ص (106).

(2)

انظر: البرهان (1/ 150).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (109).

(4)

انظر: الواضح (3/ 370) ولفظه: "لفظ العموم مع دلالة التخصيص موضوع للخصوص، لا للعموم، فما استعمل إلا فيما وضع له".

(5)

أي: كان حقيقة مع غيره، والآن يتناوله وحده، فاستعمل في غير ما وضع له.

(6)

أي: في الباقي بعد التخصيص.

(7)

وقد افتقر إلى قرينة المخصص، فكان مجازًا.

(8)

لكونه حقيقة في معنيين مختلفين.

(9)

انظر: المعتمد (1/ 262 - 265)، ونسبه الآمدي في الإحكام لأكثرهم (2/ 247)، والباقلاني في التقريب (3/ 66) للجبائي وابنه.

(10)

انظر: الإحكام (2/ 247 - 248).

ص: 457

وللحنفية (1)، والشافعية (2) كالقولين.

وجه الثالث: بقاء معنى العموم إذا كان الباقي غير منحصر.

رد: بالمنع (3).

وجه الرابع: لو كان التقييد بما لا يستقل لوجب تجوزًا في نحو: الرجال، المسلمون من المقيد بالصفة، وأكرم بني تميم إن دخلوا من المقيد بالشرط، وكان نحو:"مسلمون" للجماعة مجاز، ولكان "المسلم" للجنس، أو للعهد مجازًا، ولكان نحو:{أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (4) مجازًا، واللوازم الثلاثة باطلة باتفاق (5).

بيان الملازمة أن كل واحد من المذكورات يقيد بقيد هو كالجزء له، وقد صار به غير ما وضع له أولا، وهي بدونه للمنقول عنه ومعه، وللمنقول إليه، ولا يحتمل غيره، وقد جعلتم ذلك موجبًا للتجوز، فالفرق تحكم.

الجواب: إن ما ذكرتم من الصور ليس شيء منها عاما مقيدًا، فإن "الواو" في مسلمون كألف "ضارب" وواو

(1) انظر: تيسير التحرير (1/ 308)، فواتح الرحموت (1/ 311).

(2)

انظر: الإحكام (2/ 247).

(3)

في بيان المختصر (2/ 36): "لأن المراد من العام قبل التخصيص هو جميع ما تناوله اللفظ وبعد التخصيص بعض ما تناوله، فلا يكون باقيًا على الحقيقة".

(4)

آية (14) من سورة العنكبوت.

(5)

انظر: بيان المختصر (2/ 137).

ص: 458

"مضروب" جزء الكلمة، والمجموع لفظ واحد، والألف واللام في "المسلم" وإن كانت كلمة، سواء كان اسمًا، وهو ما كان بمعنى "الذي" أو حرفًا، وهو ما سماه في المجموع الدال، وهو الجنس، والقيد، لا أن "مسلما" للجنس، والألف واللام للقيد (1). والاستثناء سيأتي أنه إخراج.

وكذا وجه الخامس، إلا أن الصفة كمستقلة؛ لجواز استعمالها دون موصوفها.

وكذا وجه السادس، إلا أن الاستثناء ليس تخصيصًا، لمنافاته المستثنى منه حكمًا.

وجه السابق: لو أوجبت القرينة اللفظية تجوزًا لزم كون "المسلمين" مجازًا؛ لأن الواو قرينة لفظية تفهم الجمع.

وهو أضعف مما قبله لاستقلاله (2).

وجه الثامن: العام كتكرير الآحاد، فمعنى "الرجال": زيد وعمرو وخالد، فإخراج بعضها لا يخرج الباقي عن حقيقته في تناوله، وإنما اختصر (3).

رد: العام ظاهر في الجميع، فبتخصيصه خرج عن وضعه

(1) فلام الجنس أو العهد جزء الصيغة، فالمجموع هو الدال.

(2)

قال في بيان المختصر (2/ 140) في وجه كونه أضعف من السابق: "لأن الجامع في دليل أبي الحسين هو كون القرائن اللفظية غير مستقلة، وههنا هو كون القرائن اللفظية أعم من أن تكون مستقلة أو غيرها، والجامع ثم أخص من الجامع ههنا وكلما كان الجامع أعم كان القياس أضعف".

(3)

فاستغنى بـ (الرجال) عن: زيد وعمرو وخالد .. إلخ.

ص: 459

الأول (1)، والمكرر نص في مدلوله (2).

وجزم في المسودة (3) أن هذا القول معنى كونه مجازًا فإنه قال: "ومعنى كونه مجازًا في الاقتصار به على البعض الباقي، لا في تناوله له".

قوله: مسألة: العام بعد التخصيص بمبين حجة عند الأكثر (4).

وعن بعض أصحابنا (5) وغيرهم (6): ليس بحجة، والمراد "إلا في الاستثناء بمعلوم"، فإنه حجة بالاتفاق، ذكره القاضي (7) وغيره.

وفهم الآمدي (8)، وغيره (9): الإطلاق (10).

وقيل (11): حجة في أقل الجمع (12).

(1) وهو معنى المجاز.

(2)

فاستعمل كل واحد في كل واحد نصا، وإذا خرج بعض عن الإرادة بقي الباقي نصًّا فيما يتناوله ولم يتغير عن وضعه أصلًا.

(3)

انظر: المسودة ص (116).

(4)

انظر: العدة (2/ 533)، التمهيد (2/ 142)، روضة الناظر (2/ 706) فواتح الرحموت (1/ 308)، إحكام الفصول ص (247)، شرح اللمع (1/ 344).

(5)

انظر: المسودة ص (116).

(6)

انظر: التمهيد (1/ 142)، روضة الناظر (2/ 706)، المحصول (3/ 17).

(7)

انظر: العدة (2/ 542)، أصول الفقه لابن مفلح (2/ 794).

(8)

انظر: الإحكام (2/ 252).

(9)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (2/ 146).

(10)

أي: سواء خص بمتصل أو منفصل.

(11)

انظر: شرح الكوكب (3/ 162)، الإحكام (2/ 253)، بيان المختصر (2/ 144).

(12)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (109، 110).

ص: 460

لنا: ما سبق في إثبات العموم (1).

ولو قال: "أكرم بني تميم ولا تكرم فلانًا" - فترك - عصى قطعا.

ولأنه كان حجة، والأصل بقاؤه.

ولأن دلالته على بعض (2) لا تتوقف على بعض (3) آخر للدور.

وقالوا: لو خص بمجهول لم يكن حجة، "اقتلوا المشركين إلا بعضهم" لم يبق حجة اتفاقًا، قاله الآمدي (4) وغيره (5)، وجزم به في التمهيد (6)، والواضح (7)، وغيرهما، فكذا بمعلوم (8).

(1) من استدلال الصحابة بالعمومات مع التخصيص.

انظر: ص (188).

(2)

أي: على الباقي مثلا.

(3)

أي: على ما خرج مثلا.

(4)

انظر: الإحكام (2/ 253).

(5)

انظر: نهاية الوصول للهندي (4/ 1486)، قال ابن السبكي في إبهاجه (2/ 137 - 138):"هذا وقد ادعى جماعة فيه الاتفاق، وهي دعوى غير مسموعة، فقد صرح ابن برهان في الوجيز، بأن محل الخلاف فيما إذا خص بمبهم، فإن عبارته: العام إذا دخله التخصيص لم يصر مجملًا".

(6)

انظر: التمهيد (2/ 146).

(7)

قال ابن عقيل في الواضح (4/ 74): "فأما قوله: لا تقتلوا بعض المشركين، وقوله:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} لا يدري به أي المشركين، ومن البعض، ولا يدري أي الظنون يتعلق به المأثم، فوزانه من العموم المخصوص، أن نقول: الظن كله إثم، ثم نخرج بدلالة ظنا مخصوصًا، فتبقى جميع الظنون ما عدا المخرج يتعلق بها الإثم.

(8)

قال السرخسي في أصوله (1/ 158): كان أبو الحسن الكرخي رحمه الله=

ص: 461

رد: ما الجامع؟ ثم: للجهل به.

ثم: يحتمل أنه حجة، وقاله بعضهم (1)، واختاره صاحب المحصول (2)، وأشار إليه في التمهيد (3)؛ فإنه قال:"ألا ترى، لو أقر بعشرة إلا درهما لزمه تسعة، ولو قال: "إلا شيئًا" "إلا عددًا" جعلنا الباقي، فلم يكن الحكم به (4).

فعلى هذا: يقف على البيان. وقيل يسقط، ويعتبر العموم.

وجه قول من قال إنه ليس بحجة: لاحتمال أن يكون قد خص بغير ما ظهر، فيشك فيما يراد منه، فلا يتبين هذا إذا لم يكن المخصوص استثناء، وأما الاستثناء المعلوم فإن الباقي حجة بالاتفاق، قاله القاضي في العدة (5)، فإنه قال: "وأيضًا: فإن دلالة التخصيص بمنزلة الاستثناء المتصل بالجملة، فلما كان الاستثناء غير مانع من بقاء دلالة اللفظ فيما بقي، وصارت الجملة مع الاستثناء عبارة عن الباقي بالاتفاق، كذلك لفظ العموم، يصير

= يقول: العام إذا لحقه خصوص لا يبقى حجة بل يجب التوقف فيه إلى البيان سواء كان دليل الخصوص معلومًا أو مجهولًا، إلا أنه يجب به أخص الخصوص إذا كان معلومًا.

(1)

منهم فخر الإسلام البزدوي. انظر: كشف الأسرار (1/ 308).

(2)

الصواب أن صاحب المحصول اختار أنه ليس بحجة، ولكن المؤلف تابع في ذلك ابن مفلح - والله أعلم.

انظر: المحصول (3/ 17)، أصول ابن مفلح (2/ 798).

(3)

انظر: التمهيد (2/ 148).

(4)

يعني: بالاستثناء.

(5)

انظر: العدة (2/ 542).

ص: 462

مع دلالة التخصيص عبارة عما عدا الخصوص" (1).

وقال في المسودة (2): "فإننا لا نعلم خلافًا بين مثبتي العموم في أن الاستثناء لا (3) يجعل الباقي وهو المستثنى منه مجملا، بل يؤكد عمومه، نعم الخلاف في كونه مجازًا (4) ربما أمكن، وهو بعيد؛ لأنه يلزم منه أن كل استثناء مجاز".

فعلى قول القاضي، ومن وافقه، تكون هذه الصورة خارجة عن محل الخلاف، وعند من فهم الإطلاق، كالآمدي، هي داخله أيضًا.

وجه أنه حجة في أقل الجمع: لأنه المتيقن، وما عداه مشكوك فيه لاحتمال أن يكون قد خص، وهذا مبني على قول من يقول لا يجوز التخصيص إلى أن يبقى أقل من أقل الجمع مطلقًا (5).

قوله (6): مسألة: العام المستقل (7) على سبب خاص (8)

(1) في المخطوط [المخصوص] وكلاهما صحيح - والله أعلم.

(2)

انظر: المسودة ص (116).

(3)

في المطبوع "أن الاستثناء يجعل" بالإثبات وهو خطأ.

(4)

أي: أن إطلاق لفظ العموم المستغرق لأفراده على المستثنى منه فقط مجاز.

(5)

انظر: نهاية الوصول للهندي (4/ 1488).

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (110).

(7)

المراد بالمستقل: الوافي بالمقصود مع قطع النظر عن السبب سواء كان سؤالًا أو حادثة.

انظر: تيسير التحرير (1/ 264).

(8)

أي: الوارد على سبب خاص.

ص: 463

بسؤال وبغير سؤال، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، عند أحمد (1) وأصحابه (2) والحنفية (3).

وروي عن أحمد (4)، وقاله بعض أصحابنا (5): العبرة بخصوص السبب.

وللمالكية (6) والشافعية (7) قولان.

وصورة السبب قطعية الدخول عند الأكثر (8) فلا تخص بالاجتهاد.

(1) انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (240)، شرح الكوكب (3/ 177).

(2)

المصدر السابق.

(3)

انظر: تيسير التحرير (1/ 264)، فواتح الرحموت (1/ 290).

(4)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (240).

(5)

انظر: القواعد (240)، شرح الكوكب (3/ 178).

(6)

انظر: شرح تنقيح الفصول ص (216).

(7)

انظر: التبصرة ص (144 - 145)، الإحكام (2/ 258)، التمهيد للأسنوي ص (410 - 411).

(8)

قال ابن اللحام في قواعده: "إجماعًا قاله غير واحد، ولكن نقل ناقلون عن أبي حنيفة جواز إخراج السبب، وقال أبو المعالي الجويني: وما نقل عنه - أي أبي حنيفة - على أن الحديثين حديث اللعان على الحمل وحديث عبد بن زمعة - لم يبلغاه بكما لهما. قال - أي الجويني -: فقد كان ضعيف القيام بالأحاديث.

ويرى صاحب تيسير التحرير أن أبا حنيفة لم يخصص السبب، وأوَّلَ ما قاله أبو حنيفة بتأويلات" أ. هـ.

انظر: القواعد والفوائد (242)، شرح الكوكب (3/ 187)، تيسير التحرير (1/ 265)، البرهان (1/ 136).

ص: 464

لنا: أن الصحابة ومن بعدهم استدلوا على التعميم مع السبب الخاص ولم ينكر، كآية اللعان (1) - وهي في هلال بن أمية (2) في الصحيحين (3) - وآية الظهار (4) في أوس بن الصامت (5). رواه أحمد (6) وأبو داود (7) وغيرهما (8)، ومعناه في البخاري (9)، وقضية عائشة في الإفك في الصحيحين (10)، وغير ذلك (11) فكذا هنا.

(1) من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلى قوله: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} .

(2)

هو: الصحابي هلال بن أمية بن عامر الأنصاري المدني، شهد بدرًا وأحدًا وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وتاب الله عليهم.

انظر: الإصابة (6/ 76)، الاستيعاب (4/ 1542).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الطلاق باب يبدأ الرجل بالتلاعن برقم: (5307).

(4)

وهي قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}

إلى قوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

(5)

هو: الصحابي أوس بن الصامت بن قيس الأنصاري، أخو عبادة بن الصامت، شهد بدرًا والمشاهد كلها، توفي بالرملة (34 هـ) وقيل غير ذلك.

انظر: الإصابة (1/ 87)، الاستيعاب (1/ 118).

(6)

انظر: المسند (6/ 410 - 411).

(7)

أخرجه أبو داود في كتاب الطلاق باب الظهار برقم: (2214).

(8)

كالدارقطني في سننه (3/ 316)، وابن حبان في صحيحه (10/ 107)، والطبراني في المعجم الكبير (1/ 225).

(9)

ذكره البخاري في كتاب الطلاق باب الظهار. ومسلم في كتاب التوبة باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف برقم: (2770).

(10)

البخاري كتاب الحدود في باب رمي المحصنات.

(11)

أخرجه أبو داود في كتاب الحدود باب في حد القذف برقم: (4474).=

ص: 465

وقوله صلى الله عليه وسلم في بئر بضاعة (1) لما سئل عنها: (الماء طهور لا ينجسه شيء)(2)[](3) هذا في السؤال.

وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وهو جنب: (سبحان الله إن المؤمن لا ينجس) وهو في الصحيح (4)، وقوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة (5):(أيما إهاب دبغ فقد طهر) هذا من غير سؤال. ولأن اللفظ عام بوضعه والاعتبار به (6)، بدليل ما لو كان أخص (7) والأصل عدم مانع.

= والترمذي في التفسير تفسير سورة النور برقم: (3180) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وابن ماجه في الحدود باب حد القذف برقم: (2567).

(1)

بضاعة: بالضم وقد كسره بعضهم، والأول أكثر، وهي دار بني ساعدة بالمدينة وبئرها معروفة.

انظر: معجم البلدان (1/ 524).

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة باب ما جاء في بئر بضاعة رقم (66، 67).

والترمذي: كتاب أبواب الطهارة عن رسول الله، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء رقم (66).

والنسائي: كتاب المياه باب ذكر بئر بضاعة رقم (326).

(3)

ما بين معقوفين بياض في المخطوط.

(4)

وهو في صحيح مسلم كتاب الحيض باب الدليل على أن المسلم لا ينجسه رقم (371).

(5)

هي: أم المؤمنين كان اسمها "برة" فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم "ميمونة" وهي بنت الحارث الهلالية، توفيت سنة (49 هـ). انظر: الإصابة (8/ 28).

(6)

أي: باللفظ الوارد في الجواب.

(7)

أي: الجواب، وحينئذ يحمل على خصوصه، فكذا إذا كان أعم يحمل على عمومه.

ص: 466

قالوا: لو عم جاز تخصيص السبب بالاجتهاد كغيره.

رد: السبب مراد قطعًا بقرينة خارجية لورود الخطاب بيانا له، وغيره ظاهر، ولهذا: لو سألته امرأة من نسائه طلاقها، فقال:"نسائي طوالق"، طلقت - ذكره ابن عقيل إجماعًا (1) وأنه لا يجوز تخصيصه - والأشهر عندنا: ولو استثناها بقلبه، لكن يديّن ووجه فيه خلاف، ولو استثنى غيرها لم تطلق، على أنه منع في "الإرشاد (2)، والمبهج (3)، والفصول (4) " المعتمر المحصر من التحلل مع أن سبب الآية (5) في حصر الحديبية (6)، وكانوا معتمرين، وحكي هذا عن مالك (7)، وأنه لا هدي أيضًا.

(1) انظر: الواضح (3/ 414).

(2)

انظر: الإرشاد لابن أبي موسى ص (173 - 174).

(3)

وهو لأبي الفرج عبد الواحد الشيرازي. انظر: طبقات الحنابلة (2/ 248).

في القواعد (الممتع)، والتصويب من أصول الفقه لابن مفلح وشرح الكوكب (3/ 181).

(4)

وهو لابن عقيل.

(5)

وهي قوله تعالى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} .

وانظر في سببه تفسير الطبري (2/ 125)، تفسير القرطبي (2/ 373)، تفسير ابن كثير (1/ 231).

(6)

الحديبية: بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة وياء اختلفوا فيها؛ فمنهم من شددها ومنهم من خففها. وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، بينها وبين مكة مرحلة، وبعضها في الحل وبعضها في الحرم.

انظر: معجم البلدان (2/ 265).

(7)

انظر: التفريع لأبي القاسم ابن الجلاب (1/ 351)، تفسير القرطبي (2/ 373).

ص: 467

وعن أحمد (1): أنه حمل ما في الصحيحين (2) من حديث أبي هريرة: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) على أمر الآخرة مع أن سببه (3) أمر الدنيا، قال بعضهم (4): فيحتمل أنه لم يصح عنده سببه.

والأصح عن أحمد (5): أنه لا يصح اللعان على حمل. وقاله أبو حنيفة (6)، وهو سبب آية اللعان، واللعان عليه في الصحيحين، لكن ضعفه أحمد، ولهذا في الصحيحين (7)"أنه لاعن بعد الوضع".

قالوا: لو عم لم ينقل السبب لعدم الفائدة.

رد: فائدته منع تخصيصه ومعرفة الأسباب.

(1) انظر: القواعد والفوائد ص (242)، أصول ابن مفلح (414).

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين برقم:(5782) بلفظ من جحر واحد.

ومسلم في كتاب الزهد والرقائق باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين برقم: (2998) بلفظ من جحر واحد.

(3)

سبب الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر أبا عزة الجمحي الشاعر يوم بدر فشكا عائلة وفقارًا، فمنَّ عليه وعاهده أن لا يحرص عليه ولا يهجوه، أطلقه، فلحق بقومه ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أحد، فسأله المن فقال النبي ذلك.

انظر: فتح الباري (10/ 530)، السيرة لابن هشام (3/ 56).

(4)

القائل ابن مفلح في أصوله (2/ 809).

(5)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 810)، القواعد والفوائد ص (243).

(6)

انظر: الهداية شرح البداية للمرغياني (2/ 25).

(7)

أخرجه البخاري في كتاب الطلاق باب قول الإمام: اللهم بين برقم: (5316).

ومسلم في كتاب اللعان برقم: (1497).

ص: 468

قالوا: لو عم لم يطابق الجواب السؤال.

رد: طابق وزاد.

تنبيه: قد ظن طائفة أن معنى قصر العام على سببه، القصر العيني، أي: يخص الأحكام لمن نزلت فيهم، وهذا غلط اتفاقا، بل المراد الاختصاص النوعي لا العيني، وقال كيا الهراسي (1): إنما الخلاف في كون اللفظ أعم منه في الحكم، كقوله صلى الله عليه وسلم (الخراج (2) بالضمان) (3) فعندهم لا يتناول كل بيع وكل مضمون (4).

(1) انظر: البحر المحيط للزركشي (3/ 203).

(2)

الخراج: هو ما يحصل من غلة العين المبتاعة عبدًا كان أو أمة.

انظر: لسان العرب (4/ 54).

(3)

أخرجه أبو داود، كتاب الإجارة، باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا برقم:(3508).

والترمذي، كتاب البيوع عن رسول الله، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ثم يستعمله ثم يجد فيه عيبًا برقم:(1285). وقال: حديث حسن صحيح.

والنسائي، كتاب البيوع باب الخراج بالضمان برقم:(4490).

وابن ماجه، كتاب التجارات باب الخراج بالضمان برقم:(2243).

(4)

بل هو خاص بالبيع والضمان الذي ورد الحديث بسببه - وهو استخدام العبد دون الأرض والدابة -، وهو كما جاء في الحديث عند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا ابتاع غلامًا، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبًا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله قد اشتغل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الخراج بالضمان).

أخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا برقم:(3504).

ومعنى الحديث: أن المبيع إذا كان له دخل وغلة فإن مالك الرقبة الذي هو ضامن لها يملك خراجها لضمان أصلها، فإذا ابتاع رجل أرضًا فاستعملها، =

ص: 469

قوله (1): مسألة: يجوز أن يراد بالمشترك معنياه معًا، والحقيقة (2) والمجاز (3) من لفظ واحد (4)، ويحمل عليهما عند القاضي وابن عقيل والحلواني وغيرهم.

ثم: هل هو ظاهر في ذلك مع عدم قرينة كالعام، أم مجمل (5)، فيرجع إلى مخصص خارج؟ الأول قول الشافعي، وهو كثير في كلام القاضي وأصحابه في المباحث، لكن صرح القاضي وابن عقيل بالثاني.

وقيل: لا يجوز.

= أو ماشية فنتجها، أو دابة فركبها، أو عبدًا فاستخدمه، ثم وجد به عيبًا فله أن يرد الرقبة ولا شيء عليه فيما انتفع به؛ لأنها لو تلفت ما بين مدة الفسخ والعقد لكانت في ضمان المشتري، فوجب أن يكون الخراج له.

(1)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (110 - 111).

(2)

الحقيقة: "هو اللفظ المستعمل في موضوعه الأصلي" انظر: الإيضاح لقوانين الاصطلاح ص (28).

(3)

المجاز: "هو اللفظ المستعمل في غير موضوعه الأصلي لمقاربة بينهما صورة أو معنى". انظر: الإيضاح لقوانين الاصطلاح ص (29).

(4)

قال بعضهم: إن صدر من متكلم واحد في وقت واحد. انظر: الإحكام للآمدي (2/ 261)، المعتمد (1/ 300).

وخرج بقوله (من لفظ واحد) ما كان عن اللفظين؛ فإنه يصح أن يراد بهما معنيان إجماعًا ويخرج بقوله (من متكلم واحد) ما كان عن المتكلمين؛ لأنه يجوز أن يريد أحدهما باللفظ المشترك لمعنيين في وقتين، فإن ذلك جائز إجماعًا. فيقول:"رأيت عينا"، ويريد الباصرة، وفي وقت آخر يقول:"رأيت عينا" ويريد الجارية.

(5)

المجمل: ما لا يفهم المراد به من لفظه، ويفتقر في بيانه إلى غيره. انظر: الحدود للباجي ص (45).

ص: 470

وقيل: يمتنع في المشترك في اللفظ الواحد (1)، ويجوز في التثنية والجمع لتعدده.

وقيل: يجوز في النفي لا الإثبات.

ذكر المصنف مسألة المشترك ومسألة الحقيقة والمجاز، وذكر حكمهما واحد، وهو تابع في ذلك لابن مفلح (2) وغيره (3). لكن المصنف قال: يجوز أن يراد بالمشترك معنياه معا ولم يذكر هل هو حقيقة أو مجاز وقد ذكر غيره (4) في المسألة قولين.

قال ابن مفلح (5): "وأطلق بعضهم (6): يجوز مجازًا. وعن ابن الباقلاني (6) والمعتزلة (6): حقيقة إن جاز الجمع كالعين، لا كالقرء.

وقال التاج السبكي في المشترك (7): يصح إطلاقه على معنييه معًا مجازًا.

وعن الشافعي والقاضي والمعتزلة حقيقة.

(1) في المطبوع [المفرد].

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 814).

(3)

انظر: الإحكام (2/ 261)، المسودة ص (166)، منتهى الوصول والأمل ص (109).

(4)

انظر: العدة (1/ 188 - 189)، المسودة ص (166، 171)، المستصفى (2/ 141، 142).

(5)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 817).

(6)

سيأتي بيان الشارح لها مع تحقيقها. انظر: ص (244).

(7)

تعريف المشترك: "هو اللفظ المفرد الدال على مسميات، المفهوم منها يختلف اختلافًا لا تشابه فيه، كلفظ "العين" الواقع على منبع الماء والعضو الباصر وغيرهما من مسميات لفظ العين".

انظر: الإيضاح لقوانين الاصطلاح ص (14).

ص: 471

وزاد الشافعي (1): وظاهر فيهما عند التجرد عن القرائن، فيحمل عليهما.

وعن القاضي (2): مجمل، ولكن يحمل احتياطًا.

إذا علم هذا ففي المسألة مذاهب، أحدها: الجواز فلا يمتنع أن يقول: "العين مخلوقة" ويريد جميع محاملها، قال الشيخ مجد الدين (3): "يجوز أن يتناول اللفظ الواحد للحقيقة والمجاز جميعًا، ذكره القاضي (4) وابن عقيل (5)، ومثلاه بقوله:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} (6) هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد، فيحمل عليهما، ونحو ذلك، ولم يذكرا مخالفًا، وكذلك ذكر الحلواني وحكاه عن الشافعية (7) وأبي علي الجبائي (8)، قال: خلافًا لأصحاب أبي حنيفة (9) وأبي هاشم (10) لا يجوز ذلك،

(1) انظر: تشنيف المسامع (1/ 430).

(2)

انظر: المسودة ص (171).

(3)

انظر: المسودة ص (166).

(4)

انظر: العدة (2/ 703 - 704).

(5)

انظر: الواضح (4/ 65).

(6)

آية (22) من سورة النساء.

(7)

في المخطوط كتب هكذا [الشافعي /فعية]، والاختيار من المسودة ص (166) حيث إنه تابع لكلام المجد وحكاه الآمدي عن الشافعي وجماعة من أصحابه. انظر: الإحكام (2/ 261).

(8)

انظر: المعتمد (1/ 301)، وقال:"إلا أن يتنافى ذلك نحو استعمال لفظة "افعل" في الأمر بالشيء والتهديد عنه".

(9)

انظر: تيسير التحرير (1/ 235)، فواتح الرحموت (1/ 201).

(10)

انظر: المعتمد (1/ 300).

ص: 472

وكذلك ذكر ابن عقيل (1) في موضع آخر مسألة المشترك صريحًا، وحكى الخلاف كما نقل الحلواني.

وذكر القاضي (2) في أوائل العدة: أنه قد قيل - أنه لا يجوز حمل اللفظ الواحد على حقيقتين مختلفتين، ولا على الحقيقة والمجاز، ونصر ذلك واستدل بإجماع الصحابة في عدم حمل القرء على الأمرين، ولو حمل اللفظ عليهما لم يمتنعوا منه من غير دلالة، ولو قال: "أوصيت لموالي فلان، وله مولى أعلى ومولى أسفل، لم يحمل عليهما، لتنافي معناهما، لأن أحدهما منعم، والآخر منعم عليه، ولا يجوز حمل الاسم على معنيين مختلفين أحدهما حقيقي والآخر مجاز، ولا يحمل على الصريح والكناية (3).

وقال القاضي (4) أيضًا وابن عقيل (5): اللمس حقيقة في اللمس باليد، مجاز في الجماع، فيحمل عليهما، ويجب الوضوء منهما جميعا؛ لأنه لا تدافع بينهما.

وقال صاحب المحرر (6) في قوله صلى الله عليه وسلم (اقرأوا يس على

(1) انظر: الواضح (4/ 65 - 66).

(2)

انظر: العدة (1/ 188 - 189).

(3)

الكناية هي: "أن يعبر عن شيء لفظًا كان أو معنى، بلفظ غير صريح من الدلالة عليه، لغرض من الأغراض، كالإبهام على السامع، نحو: جاء فلان، أو لنوع فصاحة، نحو: فلان كثير الرماد، أي: كثير القرى".

انظر: التعريفات ص (132).

(4)

انظر: العدة (2/ 704).

(5)

انظر: الواضح (4/ 69).

(6)

فبعد الموت حقيقة وقبله مجاز. انظر: المحرر في الفقه (1/ 182).

ص: 473

موتاكم) (1): "يشمل المحتضر والميت، قبل الدفن وبعده".

ثم اختلف المجوزون كما تقدم هل هو حقيقة أو مجاز؟ والمختار عند ابن الحاجب (2)، والتاج السبكي (3): أنه مجاز، وإليه ميل إمام الحرمين (4)، فإنه صرح أنه لا يستعمل في الجميع إذا تجرد عن القرائن، وبالجواز مع قرينة متصلة، وعلل المنع بكون الواضح إنما وضعه لهما على البدل لا على الجمع.

وقيل: بطريق الحقيقة، ونقله الآمدي (5) عن الشافعي والقاضي (6)، وتابعه التاج السبكي (7)، هكذا ذكر بعضهم هذا

(1) أخرجه ابن ماجة في كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض. بلفظ "لقنوا" برقم:(1448).

وأبو داود في كتاب الجنائز، باب القراءة عند الميت برقم:(3121)، وهو ضعيف. انظر: الإرواء ص (688).

(2)

انظر: منتهى الوصول والأمل ص (109).

(3)

انظر: جمع الجوامع مع شرح المحلى (1/ 296).

(4)

انظر: البرهان (1/ 121، 122).

(5)

انظر: الإحكام (2/ 261).

(6)

صرح القاضي في التقريب بأنه لا يجوز حمله عليهما ولا على واحد منهما إلا بقرينة، قال: وهكذا كل محتمل من القول وليس بموضوع في الأصل لأحد محتمليه.

قال الزركشي في التشنيف: "فكان الصواب أن يقول: وقال القاضي بالوقف فلا يحمل على شيء إلا بدليل، وهكذا حكاه الأستاذ منصور.

وقال: إنه قول الواقفية في صيغ العموم أي: وفيهم القاضي" أ. هـ.

انظر: التقريب والإرشاد (1/ 427)، تشنيف المسامع (1/ 431).

(7)

انظر: جمع الجوامع مع شرح المحلى (1/ 296).

ص: 474

النقل، وبعضهم قيد النقل عن القاضي كابن الحاجب (1) فإنه قال:"وعن القاضي والمعتزلة (2) يصح حقيقة إن صح الجمع". يعني يصح إطلاقه على معنييه حقيقة إن صح الجمع بين معنييه كإطلاق "العين" على الجارية، والباصرة، وإن لم يصح الجمع بين معنييه كإطلاق "افعل" على الأمر بالشيء، والتهديد عليه، لم يصح.

واختلف المجوزون للاستعمال أيضًا: هل يجب حمله عليهما إذا تجرد عن قرينة صارفة؟ فقيل لا يجب ويكون مجملًا وعزاه الهندي (3) للأكثرين لأن اللفظ كما هو حقيقة في المجموع، فكذا هو حقيقة في أحدهما على البدل أيضًا، فلو قلنا بوجوب الحمل عليهما عند تجرده عن القرينة، لكان ذلك ترجيحًا لأحد المفهومين على الآخر من غير [مرجح](4).

ونقل (5) عن الشافعي وجوبه، وليس ذلك ترجيحًا بلا مرجح، بل بمرجح، وهو تكثير الفائدة، ودفع الإجمال، وهو من باب العموم فيكون ظاهرًا فيهما دون أحدهما، فيحمل عند التجرد

(1) انظر: منتهى الوصول والأمل ص (109).

(2)

انظر: المعتمد (1/ 301).

(3)

قال: بشرط ألا يمتنع الجمع لأمر خارج كما في الضدين والنقيضين إن جوز ذلك.

انظر: نهاية الوصول في دراية الأصول للهندي (1/ 249).

(4)

في المخطوط [من غير ترجيح]، والتصويب من التشنيف. انظر: تشنيف المسامع (1/ 430).

(5)

انظر: الإحكام للآمدي (2/ 261)، تشنيف المسامع (1/ 430)، نهاية الوصول للهندي (1/ 249).

ص: 475

عليهما، ولا يحمل على أحدهما خاصة إلا بقرينة وهذا معنى المشترك.

المذهب الثاني: المنع هو قول المصنف (1): "وقيل لا يجوز" وذكره القاضي أول العدة كما تقدم (2)، ونصره في التمهيد (3)، وقاله الحنفية (4) وأبو هاشم (5) وأبو عبد الله البصري (6) وغيرهما (7) من المعتزلة، وذكره أبو المعالي (8) عن ابن الباقلاني ونصره ابن الصباغ (9) في العدة (10)، والإمام في المحصول (11).

واختلف المانعون في سبب المنع فمنهم (12) من قال: سببه الوضع؛ يعني: أن الواضع لم يضع اللفظ لهما على الجمع بل على البدل.

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (111).

(2)

انظر: ص (224).

(3)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (2/ 238).

(4)

انظر: تيسير التحرير (1/ 235).

(5)

انظر: المعتمد ص (300).

(6)

انظر: المصدر السابق.

(7)

كأبي الحسن. انظر: المصدر السابق.

(8)

انظر: البرهان (1/ 121).

(9)

هو: أبو نصر، عبد السيد بن أبي ظاهر محمد بن عبد الواحد بن محمد البغدادي المعروف بابن الصباغ، برع حتى رجحوه في المذهب على الشيخ أبي إسحاق، توفي سنة سبع وسبعين وأربعمائة.

انظر: طبقات الشافعية للأسنوي (2/ 39)، وفيات الأعيان (3/ 217).

(10)

انظر: تشنيف المسامع (1/ 428).

(11)

انظر: المحصول (1/ 269).

(12)

انظر: المصدر السابق (1/ 269) واختاره، تشنيف المسامع (1/ 428).

ص: 476

ومنهم (1)[من](2) قال: سببه أمر يرجع إلى القصد، لأن إرادة كل واحد منهما مستلزمة لعدم إرادة الآخر؛ لأنه تقرر أنه موضوع لهما على البدلية، لا على المعية فلو كانا مرادين معًا، لزم أن لا يكونا مرادين معا، وهو محال.

المذهب الثالث (3): يمتنع في المشترك في اللفظ المفرد، ويجوز في التثنية والجمع؛ لتعدده.

واعلم أن الأكثر (4) ذهبوا إلى أن جمع المشترك باعتبار معنييه، كالأقراء للحيض والأطهار مبني على المفرد، والحجاج فيه متفرع على الحجاج في المفرد؛ لأن جمع الاسم يفيد جمع ما اقتضاه الاسم، فإذا كان الاسم متناولًا لمعنييه كان الجمع كذلك، وإن كان لا يفيد سوى أحد المعنيين فكذلك أيضًا جمعه، وكذلك التثنية أيضًا.

وذهب الأقلون (5) إلى جوازه في الجمع والتثنية دون المفرد مصيرًا منهم إلى أن الجمع والتثنية معناهما تعديد الأفراد، وإذا كان كذلك جاز أن يعاد به الكل لا كما في المفردات (6).

(1) انظر: المحصول (1/ 269)، تشنيف المسامع (1/ 428، 429).

(2)

ما بين معقوفين ليست في المخطوط، والإضافة من التشنيف (1/ 428).

(3)

انظر: المسودة ص (168)، تشنيف المسامع (1/ 431).

(4)

انظر: الإحكام (2/ 261)، جمع الجوامع مع شرح المحلى (1/ 298).

(5)

انظر: تشنيف المسامع (1/ 432).

(6)

أي أن المشترك إذا كان جمعا يكون بمثابة تكرار المفرد وتعدده، ويكون كل لفظ من الألفاظ المفردة مرادًا به معنى من المعاني، وهذا قدر متفق عليه، لكن إذا كان اللفظ مفردًا لم يتحقق فيه ما تحقق في الجمع فامتنع أن يراد به الجميع.

انظر: أصول الفقه لمحمد أبو النور زهير (2/ 243).

ص: 477

رد: لا نسلم أن الجمع معناه تعديد الأفراد، وإن سلمنا فهو تعديد أفراد نوع واحد، لا تعديد الأفراد مطلقًا (1) على ما دل عليه استقراء لغة العرب.

المذهب الرابع: يجوز في النفي لا في الإثبات كما لو قال: الحامل لا قرء لها تعتد به، لأن النكرة في سياق النفي تعم، فيجوز أن يراد به مدلولاته المختلفة، وإليه ذهب صاحب الهداية (2) من الحنفية في باب الوصية (3).

المذهب الخامس - ولم يذكره المصنف، مذهب أبي الحسين (4) والغزالي (5) -: يصح أن يراد باللفظ الواحد معنياه

(1) أي أن لفظة "عيون" يلزم لحملها على جميع معانيها أن تكون مفرداتها المجموعة من نوع واحد هو الذهب مثلًا أو الجارية، ولا يصح أن يكون مردًا بعين الذهب، وبأخرى الباصرة وبالثالثة الجارية وهذا هو المشهور عند جمهور النحويين.

انظر: أصول الفقه لمحمد أبو النور زهير (2/ 244).

(2)

هو: شيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، العلامة المحقق، من مصنفاته: المنتقى، نشر المذهب، التجنيس والمزيد، بداية المبتدي جمع فيه مسائل القدوري والجامع الصغير ثم شرحه شرحًا كبيرًا أطنب فيه سماه كفاية المنتهى ثم أعاد شرحه مختصرًا وأسماه (الهداية) وهو أشهر كتبه، وبه عرف، توفي سنة:(593 هـ).

انظر: الفوائد البهية ص (141).

(3)

انظر: الهداية مع شرح فتح القدير (10/ 452 - 453).

(4)

انظر: المعتمد (1/ 301).

(5)

قال الغزالي في المستصفى (2/ 142): فنقول: "إن قصد باللفظ الدلالة على المعنيين جميعًا بالمرة الواحدة فهذا ممكن، لكن يكون قد خالف الوضع".

ص: 478

بوضع جديد (1)، ولا مانع من القصد لكن ليس من اللغة، فإن اللغة منعت منه ولولا منعها منه لم يمنع منه العقل (2).

قوله (3): مسألة: نفي المساواة، مثل {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (4) للعموم عند أصحابنا (5) والشافعية (6).

وعند الحنفية (7): يكفي نفيها في شيء واحد.

ومنه: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} (8) و {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} (9) و {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (10) فالآية الأولى تمسك بها الشافعي (11) رحمه الله على أن المسلم لا يقتل

(1) بخطاب جديد في وقت واحد. فيرى أنه لا يمتنع إرادة الاعتداد بالطهارة وإرادة الاعتداد بالحيض إذا تكلم المتكلم باسم القرء وكذا لفظ النكاح في الوطء والعقد. لأن الكلام لا يجعل ما ليس بممتنع ممتنعًا، إذا كان لا يكسب الإرادات وغيرها تنافيًا ولا ما يجري مجراه. انظر: المعتمد (1/ 301).

(2)

في تشنيف المسامع (1/ 431): "لم يمتنع منه النقل".

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (111).

(4)

آية (20) من سورة الحشر.

(5)

انظر: المسودة ص (106)، شرح الكوكب (3/ 207).

(6)

انظر: الإحكام (2/ 266).

(7)

انظر: تيسير التحرير (1/ 250)، فواتح الرحموت (1/ 289).

(8)

آية (18) من سورة السجدة.

(9)

آية (29) من سورة الزمر.

(10)

آية (9) من سورة الزمر.

(11)

قال الإمام الشافعي في أحكام القرآن (1/ 284): دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل مؤمن بكافر، مع ما فرق الله بين المؤمنين والكافرين. =

ص: 479

بالكافر؛ لأن نفي الاستواء يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه، فلو قتل المسلم بالكافر لاستويا في القصاص، إذ القصاص مبني على المساواة.

واستدلوا بالآية الثانية: على أن الفاسق لا يلي عقد النكاح.

وقال القاضي أبو يعلى (1) في الآية الرابعة توجب المنع من التساوي بينهم (2) في جميع الحالات، والمخالف يسوي بينهما في ولاية القضاء والحكم.

وجه الأول: نفي على نكرة كغيره (3)، فينتفي مسماها.

قالوا: المساواة مطلقًا أعم منها بوجه خاص، لانقسامها (4) إلى المساواة من كل وجه، وإلى المساواة من وجه دون وجه، والأعم لا يدل على الأخص (5).

رد: في الإثبات (6)،

= واستدل في كتابه الأم على عدم قتل المسلم بالكافر بالحديث، ونسب الاستدلال بالآية للشافعية مجموعة منهم الرازي والزركشي.

انظر: الأم (6/ 56 - 57)، التفسير الكبير للرازي (29/ 254)، تشنيف المسامع (2/ 686).

(1)

لم أجده في العدة. انظره في المسودة ص (106، 107).

(2)

في المسودة ص (التسوية بينها).

(3)

أي: فوجب التعميم كغيره من النكرات.

(4)

أي: المساواة.

(5)

فلو قال: "رأيت حيوانًا"، فإنه لا يدل على أنه رأى إنسانًا.

(6)

أي: أن العام إنما لا يشعر بالخاص في جانب الإثبات. وأما في جانب النفي فيشعر به، فإن نفي العام يستلزم نفي الخاص.

انظر: بيان المختصر (2/ 172).

ص: 480

وإلا لم يعم نفي (1)، ولهذا يعد كاذبًا من قال:"لم أر حيوانًا" وقد رأى إنسانًا أو غيره.

تنبيه: قولنا في التعليل نفي على نكرة، لأن النفي دخل على الفعل المضارع وهو "يسوي" والأفعال كلها نكرات، حكى الزجاج (2) إجماع النحاة على ذلك؛ لأنها لا تخلو من الفاعلين، والفعل والفاعل جملة، والجمل نكرات كلها، هذا في ظاهر اللفظ.

ومنهم من جعلها: مقدرة تقديرها "لا مساواة"(3)، ولهذا قال القطب (4):"ولا يخفى عليك التمثيل بـ {لَا يَسْتَوِي} ليس بحسن؛ لأن المراد من النكرة اسم الجنس، ويستوي ليس كذلك"، ولكن المتخاصمين لا يفرقون بينهما، ويسلمون أن النفي، في {لَا يَسْتَوِي} دخل على نكرة أيضًا، ولكن تقديرًا لا صريحًا.

(1) أي: لو لم يكن نفي العام مستلزمًا لنفي الخاص - لم يكن نفي العموم أصلا؛ لأنه حينئذ يجوز أن لا ينتفي الخصوص على تقدير انتفاء العام، فلا يتحقق نفي العموم. انظر: بيان المختصر (2/ 172).

(2)

ولهذا جعلوا الجمل بعد النكرات صفات، وجعلوها بعد المعارف أحوالا، لأن النكرة توصف بالنكرة، ولأن المعرفة لا توصف بالنكرة. قال أبو حيان في البحر المحيط (2/ 478): والجملة لا تكون نكرة.

انظر: الصفوة: للدكتور عبدالكريم بكار.

(3)

لأن الحرف إذا دخل على الفعل، يقتضي نفي جنس المصدر الذي تضمنه الفعل، فيكون نفيًا واردًا على نكرة، فيكون مقتضيًا للعموم.

انظر: بيان المختصر (2/ 170).

(4)

انظر: شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 114).

ص: 481

قوله (1): مسألة: دلالة الإضمار (2) عامة (3) عند أصحابنا (4)، وأكثر المالكية (5)، خلافًا لأكثر الشافعية (6) والحنفية (7).

مثل ما روى (8) الطبراني (9) والدارقطني (10) بإسناد جيد إلى ابن عباس مرفوعًا (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فهذا يحتمل أحد تقديرات لاستقامة الكلام، فالمقدر عام على الأول (11)، وعلى الثاني هو لنفي الإثم.

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (111).

(2)

دلالة الإضمار هي دلالة الاقتضاء وهي دلالة الكلام على مسكوت عنه يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته شرعا. انظر: المحلى على جمع الجوامع بحاشية البناني (1/ 239)، وأصول الفقه الإسلامي للأستاذ زكي الدين شعبان ص (285).

(3)

ومعنى عموم دلالة الإضمار أن العلماء اختلفوا فيما لو توقف صدق المنطوق أو صحته على أكثر من مقدر؛ فقال بعضهم: تقدر جميع المحذوفات التي يتوقف عليها المنطوق، وهذا معنى العموم فيه.

(4)

انظر: العدة (2/ 513)، المسودة ص (90)، شرح الكوكب (3/ 197).

(5)

انظر: مفتاح الوصول للتلمساني ص (53)، ونقل الزركشي في التشنيف (2/ 692) عن القاضي عبد الوهاب أنه نقل مذهب أكثر المالكية عدم العموم كالشافعية.

(6)

انظر: شرح اللمع (1/ 359، 360)، زوائد الأصول للأسنوي ص (251).

(7)

انظر: تيسير التحرير (1/ 242)، فواتح الرحموت (1/ 295).

(8)

هو الإمام الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبراني، مسند الدنيا، توفي سنة:(360 هـ). وقد استكمل مائة عام وعشرة أشهر.

انظر: تذكرة الحفاظ (3/ 912)، شذرات الذهب (3/ 30).

(9)

انظر: معجم الطبراني (2/ 94).

(10)

انظر: سنن الدارقطني (3/ 170، 171).

(11)

في المأثم والحكم به.

ص: 482

وجه الأول: أنه لم يرد رفع الفعل الواقع، بل ما تعلق به، فاللفظ محمول عليه بنفسه لا بدليل. احتج به القاضي (1)، وغيره (2).

قال الإمام أحمد (3): "حرم الله الميتة والجلد من الميتة، فلا يطهر بدبغه".

وحمل أبو الخطاب (4) والشيخ (5) التحريم على ما يشهد به العرف، إن كان مأكولًا على الأكل، كتحريم الميتة تحريم أكلها، وتحريم الأمهات تحريم نكاحهن.

وقيل (6): مجمل.

قالوا: لكن يصح ادعاء العموم فيها، حتى لو تعين أحدهما أو كلها بالدليل قيل به.

(1) انظر: العدة (2/ 517).

(2)

انظر: المسودة ص (91)، أصول الفقه لابن مفلح (2/ 833).

(3)

انظر: شرح الزركشي على مختصر الخراقي (1/ 151 - 152). وهذا لأنه يمنع صحة الأحاديث الواردة في الدباغ، قال في رواية ابنه صالح: ليس عندي في الدباغ حديث صحيح، وحديث ابن حكيم أصحها وهو قوله قبل موته بشهر "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب".

وهو مردود بقوله عليه الصلاة والسلام لما أباح الانتفاع بإهاب الميتة قيل له: إنها ميتة فقال: (إنما حرم من الميتة أكلها).

رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب جلود الميتة برقم:(5531).

ومسلم في كتاب الحيض باب طهارة جلود الميتة بالدباغ برقم: (363).

(4)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (2/ 2319).

(5)

انظر: روضة الناظر (2/ 758 - 579).

(6)

انظر: العدة (1/ 145)، المسودة ص (91)، شرح اللمع (1/ 360).

ص: 483

فإن قلت: كيف يصح ادعاء العموم مع كونه مقدرًا، والعموم من عوارض الألفاظ.

قلنا: المقدر لفظ. ولو سلم أنه معنى فقد سبق أنه من عوارض المعاني أيضًا.

قوله (1): مسألة (2): الفعل المتعدي إلى مفعول، نحو: "والله لا آكل، أو إن أكلت فعبدي حر، يعم مفعولاته، فيقبل تخصيصه، فلو نوى مأكولًا معينًا لم يحنث بغيره باطنًا عند الأكثر، خلافًا لابن البنا وأبي حنيفة.

فعلى الأول في قبوله حكما روايتان.

لنا: عمومه (3) وإطلاقه بالنسبة إلى الأكل، ولا يعقل إلا به، فثبت فيه حكمه (4).

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (111).

(2)

تحرير محل النزاع. اتفقوا على أنه إذا حلف على الأكل وتلفظ بشيء معين كقوله "الله لا آكل التمر" فإنه لا يحنث بأكل غيره اتفاقًا. وكذلك إذا لم يتلفظ به لكنه أتى بمصدر، ونوى به شيئًا معينًا كقوله:"والله لا آكل أكلا" فإنه لا يحنث بأكل غير ما نواه.

واختلفوا إذا لم يتلفظ بالمأكول، ولم يأت بالمصدر ووقع الفعل في سياق النفي أو الشرط هل يكون الفعل عاما في المفعول به ويقبل التخصيص؟ أو لا يكون عامًا منه فلا يقبل التخصيص؟ على قولين.

انظر: الإبهاج (2/ 116 - 117).

(3)

أي: الفعل المنفي.

(4)

أي: قبوله للتخصيص.

ص: 484

وكقوله: "لا آكل أكلًا"(1).

وفرق الحنفية (2) بأن "أكلا" يدل على التوحيد (3).

رد: هو تأكيد، فالواحد والجمع سواء (4).

واحتج القاضي (5): بصحة الاستثناء فيه، فكذا تخصيصه.

قالوا: المأكول لم يلفظ به، فلا عموم كالزمان والمكان (6).

رد: الحكم واحد (7) عندنا (8) وعند المالكية (9).

(1) وهذا إلزام من الجمهور لأبي حنيفة بأن "لا آكل أكلًا" قابل للتخصيص بالنية، فكذا قولنا:"لا آكل" يدل على نفي حقيقة الأكل الذي تضمنه الفعل.

(2)

انظر: فواتح الرحموت (1/ 286، 288).

(3)

أي: على المرة الواحدة، وحينئذ يصح تفسير ذلك الواحد بالنية، فلهذا لا يحنث بغيره. انظر: نهاية السول (2/ 356).

(4)

لأن "أكلا" مصدر مؤكد بلا نزاع، والمصدر المؤكد يطلق على الواحد والجمع، ولا يفيد فائدة زائدة على فائدة المؤكد، فلا فرق حينئذ بين "لا آكل" و"أكلا". انظر: نهاية السول (2/ 356 - 357).

(5)

انظر: أصول ابن مفلح (2/ 839).

(6)

الفعل المتعدي يستلزم أمورًا: المفعول وهو المأكول، والزمان، والمكان، والفعل المتعدي لا يعم بالنسبة للزمان والمكان، لأنه لو عم فيهما لكان قابلًا للتخصيص فيهما وإذا كان لا يعم فيهما فهو لا يعم في المفعول وهو المدعي.

انظر: إتحاف الأنام للحفناوي ص (128).

(7)

أي: يعم في الزمان والمكان.

(8)

انظر: أصول ابن مفلح (2/ 839).

(9)

انظر: نفائس الأصول (4/ 1895).

ص: 485

ووجه احتمال بالفرق، كقول الشافعية، وجزم به الآمدي (1)؛ لأنهما لا يدل عليهما اللفظ بل من ضرورة الفعل بخلاف المأكول (2).

قالوا: الأكل مطلق كلي لا يشعر بالمخصص، فلا يصح تفسيره به (3).

رد: الكلي غير مراد لاستحالته خارجًا، بل المقيد المطابق له، ولهذا يحنث به إجماعًا (4).

فلو نوى (5) مأكولًا معينًا لم يحنث بغيره باطنًا عند علمائنا (6) ومالك (7) والشافعي (8)؛ لأنه عام، والعام يقبل التخصيص.

(1) انظر: الإحكام (2/ 271).

(2)

أي: أن الفعل المتعدي لا يتصور بدون مفعوله، إذ لا يتصور ضرب بدون مضروب، ولا أكل بدون مأكول، أما الزمان والمكان فيتصور الفعل بدونها، وإن كان كل منهما ضروريًّا لتحقق الفعل فيه.

انظر: إتحاف الأنام بتخصيص العام للحفناوي ص (129).

(3)

لأن الكلي يستحيل وجوده في الخارج، بخلاف الأكل المقيد المطابق فإنه يجوز تفسيره بمخصص.

انظر: بيان المختصر (2/ 182).

(4)

انظر: أصول ابن مفلح (2/ 839).

(5)

هذا إشارة منه إلى ثمرة الخلاف.

(6)

انظر: شرح الكوكب (3/ 202).

(7)

انظر: التنقيح مع شرحه ص (179، 184).

(8)

انظر: الإحكام (2/ 270).

ص: 486

وقال أبو حنيفة (1) وابن البنا (2) من علمائنا: لا يقبل باطنًا، لأنه نفى مطلق الأكل فلا عموم، وقد تقدم جوابه.

وهل يقبل حكمًا (3)، كقول مالك وأبي يوسف (4) ومحمد (5) كما قبل باطنًا أم لا، كقول الشافعية؟ فيه عن أحمد (6) روايتان، وهذا مفرع على قبوله باطنًا، وإلا إذا لم يقبل باطنًا فلا يقبل حكمًا.

قوله (7): مسألة: الفعل (8) الواقع (9) لا يعم أقسامه (10) وجهاته (11)، كصلاته صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة (12) لا تعم الفرض والنفل.

(1) انظر: بدائع الصنائع (3/ 68).

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 838).

(3)

أي: قضاء.

(4)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 68).

(5)

المصدر السابق.

(6)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 838).

(7)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (11 - 112).

(8)

أي: فعل النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: شرح الكوكب (3/ 215).

(9)

أي: من النبي صلى الله عليه وسلم.

(10)

كالفرض والنفل في صلاته داخل الكعبة.

(11)

كالوقت وغيره فلا يعم الشفق وقت الحمرة والبياض.

(12)

سبق تخريجه ص (101).

وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب قوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وفي كتاب الحج باب إغلاق البيت ويصلي .. إلخ برقم:(1598).

ومسلم في كتاب الحج باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلها برقم: (1329).

ص: 487

وقول الراوي: (صلى صلى الله عليه وسلم بعد الشفق) لا يعم الشفقين إلا عند من حمل المشترك على معنييه. وقوله: (كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر) لا يعم وقتيهما، ولا سفر النسك وغيره.

وهل تكرُّرُ الجمع منه مبني على (كان)؟ والذي ذكره القاضي وأصحابه: أن (كان) لدوام الفعل وتكراره.

وذكر في الكفاية قولًا لا تفيد التكرار.

فإن قلنا: لا يعم الفرض والنفل، فإنه لا يحتج به (1) على جوازهما فيها وإنما قلنا: لا يعم، لأن الفعل المثبت لا عموم له بالنسبة إلى الأحوال التي يمكن أن يقع عليها العموم، لاحتمال أن يقع عليهما أو على وجه واحد، ومع الشك لا يثبت العموم.

وأما قول الراوي (صلى بعد الشفق)(2) إن قلنا: يحمل المشترك على معنييه عم الشفقين (3)، وإلا فلا (4).

وقوله (كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر)(5) لا يعم

(1) أي: الفعل الواقع.

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب المواقيت برقم: (393).

والترمذي في أبواب الصلاة باب ما جاء في مواقيت الصلاة .. إلخ برقم: (149).

(3)

الحمرة والبياض.

(4)

لكن العموم لم يثبت له حينئذ، من حيث إنه فعل، بل من دلالة اللفظ، فالعموم حينئذ للقول لا للفعل.

انظر: نهاية الوصول (4/ 132).

(5)

أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب برقم:(1112).=

ص: 488

جمع التقديم والتأخير، ولا يعم سفر النسك وغيره؛ لأن الفعل نكرة وهو في سياق الإثبات فلا يعم.

وأما تكرر الجمع منه صلى الله عليه وسلم فمبني على "كان" إن قلنا هي لدوام الفعل وتكراره، كما ذكره القاضي (1) وأصحابه (2) في مواضع، منها: ما ذكره في التعليق (3) في قول بلال (4)(كان يمسح على الموقين (5) والخمار) (6) كان إخبارًا عن دوام الفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يداوم على ما لا يجوز، وهذا يمنع تأويله على أنه كان هناك عذر؛ لأن "كان" للدوام، ولم ينقل أنه دام به عذر

= مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر برقم: (703).

(1)

انظر: القواعد والفوائد ص (237).

(2)

انظر: شرح الكوكب (3/ 215).

(3)

انظر: المسودة ص (115).

(4)

هو: بلال بن رباح الحبشي المؤذن، اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين وأعتقه، فلزم النبي وأذن له وشهد معه جميع المشاهد، مات بالشام.

انظر: الإصابة (1/ 172).

(5)

الموق: الذي يلبس فوق الخف، فارسي معرب، وقيل: الموق: الخف. قال في المحكم: والموق ضرب من الخفاف، والجمع أمواق عربي صحيح. انظر: لسان العرب (13/ 223).

(6)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 340).

المراد بالخمار العمامة، لأن الرجل يغطي رأسه كما تغطيه المرأة بخمارها، وذلك إذا كان قد اعتمّ عمة العرب فأدارها تحت الحنك فلا يستطيع نزعها في كل وقت فتصير كالموقين فيمسح عليها.

انظر: لسان العرب (4/ 212 - 213).

ص: 489

منعه من المسح، وقال أيضًا (1) في حديث عبد الله بن زيد (2) في صفة مسح الرأس (3):"وهذا إخبار عن دوام فعله، لأنه سأله (4): كيف كان يتوضأ؟ وإنما يداوم على الواجب".

وفي المغني (5) في اعتبار التكرار للعادة (6): ""كان" لدوام الفعل وتكراره".

وجزم به الآمدي (7) وغيره (8)؛ لأنه العرف، كقول القائل:"كان فلان يكرم الضيف".

وهي (9) لغة (10) لمطلق الفعل في الماضي كسائر الأفعال، تكرر، أو انقطع، أو لا (11)،

(1) انظر: المسودة ص (115).

(2)

هو: عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري شهد أحدًا، وهو الذي قتل مسيلمة مع وحشي، قتل يوم الحرة سنة (63 هـ) انظر: الإصابة (4/ 73)، الاستيعاب (3/ 913).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب مسح الرأس مرة برقم: (192). ومسلم في كتاب الطهارة باب صفة الوضوء برقم: (235).

(4)

في المسودة ص (115): (سئل).

(5)

انظر: المغني (1/ 397).

(6)

أي: عادة الحيض.

(7)

انظر: الإحكام (2/ 273).

(8)

انظر: منتهى الوصول والأمل ص (112).

(9)

أي: كان.

(10)

انظر: شرح التنقيح (189).

(11)

أي: لم ينقطع أو لم يتكرر. قال القرافي في شرح التنقيح (189): وأما "كان" فأصلها أن تكون في اللغة كسائر الأفعال لا تدل على مطلق =

ص: 490

فلهذا قال جماعة (1): يصح ويصدق على وجود الله "كان" كما في الصحيحين (2): (كان الله ولا شيء قبله) ومنعه جماعة (3)؛ لشعوره بالتقضي والعدم (4). قال بعضهم (5): "ولعل المراد عرفًا".

ونحو {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (6) أي: لم يزل (7). قال بعضهم (8): للقرينة. وزعم الجوهري (9) زيادتها.

فإن قلنا: يقتضي التكرار، تكرر الجمع، وإلا فلا، كما

= وقوع الفعل في الزمان الماضي، وهو أعم من كونه تكرر بعد ذلك أو لم يتكرر، انقطع بعد ذلك أو لم ينقطع.

(1)

انظر: شرح التنقيح (190).

(2)

أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} برقم: (7418) بلفظ: "كان الله ولم يكن شيء قبله". ولم أعثر عليه في مسلم.

(3)

انظر: شرح التنقيح ص (190) ورجح جوازه.

(4)

قال ابن بري: كان تكون بمعنى مضى وتقضى، وهي التامة، وتأتي بمعنى اتصال الزمان من غير انقطاع، وهي الناقصة، ويعبر عنها بالزائدة أيضًا، وتأتي زائدة، وتأتي بمعنى يكون في المستقبل من الزمان، وتكون بمعنى الحدوث والوقوع.

انظر: لسان العرب (12/ 193).

(5)

القائل ابن مفلح في أصوله (2/ 844)، وانظر: شرح التنقيح ص (190).

(6)

آية (96) من سورة النساء.

(7)

ذكره ابن بري - في شواهد "كان" بمعنى اتصال الزمان من غير انقطاع - هذه الآية وقال: أي لم يزل.

انظر: لسان العرب (12/ 194).

(8)

انظر: شرح التنقيح ص (190).

(9)

انظر: الصحاح (6/ 2190).

ص: 491

ذكره القاضي (1) في الكفاية قولًا.

وفي الصحيحين (2) قول عائشة: (كنت أفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم). ولمسلم (3) عن جابر بن سمرة (4): (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصوم عاشوراء). وله (5) عن جابر بن عبد الله (6)(كنا نتمتع مع النبي صلى الله عليه وسلم).

قال بعض الشافعية (7): فيه دليل للأصح للأصوليين: لا تكرار، والله أعلم (8).

قوله (9): مسألة (10): نحو قول الصحابي: (نهى عن بيع

(1) انظر: المسودة ص (115).

(2)

أخرجه البخاري كتاب الحج، باب تقليد الغنم برقم:(1615 - 1616).

ومسلم كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم برقم:(132).

(3)

أخرجه مسلم في كتاب الصيام باب استحباب صوم عاشوراء رقم (125).

(4)

هو: جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير العامري نزل الكوفة توفي سنة: (74 هـ).

انظر: الإصابة (1/ 221).

(5)

أخرجه مسلم في كتاب الحج باب الاشتراك في الهدي وأجزاء البقرة والبدنة برقم: (355).

(6)

هو: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، شهد العقبة وما بعدها، مات سنة (78 هـ)، وقيل سنة (73 هـ). انظر: الإصابة (1/ 222).

(7)

وهو النووي. انظر: شرح النووي على مسلم (9/ 440).

(8)

هكذا في أصول الفقه لابن مفلح (2/ 847).

(9)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (112 - 113).

(10)

هذه مسألة خلافية عند من يجوز رواية الحديث بالمعنى. انظر: شرح التنقيح ص (189).

ص: 492

الغرر) (1) و (المخابرة)(2)(3) و (قضى بالشفعة فيما لم يقسم)(4) يعم كل غرر ومخابرة وجار عندنا (5)، واختاره الآمدي (6) وغيره (7) خلافًا للأكثر (8).

لنا: إجماع الصحابة في رجوعهم إلى هذا اللفظ في عموم الصور، كرجوع ابن عمر إلى حديث (9)

(1) رواه مسلم في كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة، والبيع الذي فيه الغرر برقم:(1513) ولفظه "نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر".

(2)

المخابرة: هي مزارعة الأرض على الثلث أو الربع. انظر: المغني (7/ 557).

(3)

أخرجه مسلم كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة برقم:(1536) ولفظه "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة .. " الحديث.

(4)

أخرجه البخاري كتاب الشفعة باب الشفعة فيما لم يقسم برقم: (2257) ولفظه "قضى رسول الله بالشفعة في كل ما لم يقسم".

(5)

انظر: روضة الناظر (2/ 698)، المسودة ص (102)، شرح الكوكب (3/ 230 - 231).

(6)

لم ينص الآمدي على ترجيح أحدهما، وفي كلامه ما يدل على هذا الاختيار حيث قال: وإن كانت هذه الاحتمالات منقدحة، غير أن الصحابي الراوي من أهل العدالة والمعرفة باللغة، فالظاهر أنه لم ينقل صيغة العموم إلا وقد سمع صيغة لا يشك في عمومها .. إلخ.

انظر: الإحكام (2/ 274).

وقال الزركشي في التشنيف (2/ 795): "وإنما ذكره الآمدي بحثًا فأقامه ابن الحاجب مذهبًا وارتضاه".

(7)

انظر: منتهى الوصول والأمل ص (112).

(8)

انظر: الإحكام (2/ 274)، منتهى الوصول ص (112).

(9)

رواه البخاري في كتاب المزارعة، باب ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضًا في المزارعة والثمرة برقم:(2218).

ومسلم في كتاب البيوع باب كراه الأرض برقم: (1547).

ص: 493

رافع (1)، واحتجاجهم بهذا اللفظ في النهي عن المحاقلة (2) والمزابنة (3)، ونهيه عن الغرر (4)، واتفاق السلف على نقل هذه الألفاظ دليل على وجوب العمل بها، ولو كانت القضية في شخص واحد لوجب التعميم بما نذكره.

ولأن الصحابي عدل عارف باللغة، فوجب صدقه والرجوع إلى قوله.

قالوا: الحجة في المحكي لا في الحكاية (5)، فيحتمل سماعه صيغة خاصة فتوهم الاحتجاج.

(1) هو الصحابي: رافع بن خديج بن عدي بن يزيد بن جشم الأنصاري الأوسي، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغره، وأجازه يوم أحد، استوطن المدينة ومات بها سنة (74 هـ).

انظر: الإصابة (2/ 186).

(2)

هو: بيع الزرع بحب من جنسه. انظر: المغني (6/ 299).

(3)

هي: بيع الرطب على النخيل بتمر مجذوذة، مثل كيله، تقديرًا. انظر: التعريفات ص (147).

(4)

بيع الغرر: هو ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول.

انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 355).

(5)

بيان ذلك: أن حكاية الراوي لما شاهده، فيها احتمالات:

1 -

أن يكون شهد أمرًا خاصًا، ولكنه فهم العموم فحكاه بصيغة العموم.

2 -

أن يكون سمع لفظًا خاصًا فظنه عامًا فحكى العموم.

3 -

أن يكون سمع لفظًا عامًا فحكاه كما سمع.

وهذه الاحتمالات الثلاثة لا رجحان لأحدها على الآخر، فلا يحتج بالعموم، لأن الدليل متى تطرق إليه الاحتمالات سقط به الاستدلال، والحجة في المحكي وليست في الحكاية.

ص: 494

قلنا: خلاف الظاهر لرجوع الصحابة والسلف، وعدالة الراوي، وعلمه بالعربية.

تنبيه: قول المصنف: "قضى بالشفعة فيما لم يقسم يعم كل غرر ومخابر وجار" ليس بجيد، لأن اللفظ الأول الذي ذكره ليس فيه ذكر جار، وإنما الذي مثل به السيف الآمدي (1) وابن الحاجب (2) وغيرهما (3)(قضى بالشفعة للجار) وهو مثال مطابق، ولكن المصنف تابع ابن مفلح (4) لأن المعروف في الحديث (قضى بالشفعة فيما لم يقسم) لكن لو قال كما قال الشيخ في الروضة (5) كان أحسن فإنه قال:" (قضى بالشفعة فيما لم يقسم) يقتضي العموم"، فإنه ذكر العموم ولم يذكر الجار.

قوله (6): مسألة: الأكثر (7): أن المفهوم له عموم.

(1) انظر: الإحكام (2/ 274).

(2)

انظر: منتهى الوصول والأمل ص (112).

(3)

انظر: شرح الكوكب (3/ 230 - 231).

(4)

قلت: قد ورد لفظ "الجار" في أكثر النسخ الخطية لأصول ابن مفلح. قال محقق أصول ابن مفلح [للجار]: ما بين المعقوفين لم يرد في (ح).

انظر: هامش أصول الفقه لابن مفلح (6)(2/ 849).

(5)

انظر: روضة الناظر (2/ 698).

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (113).

(7)

قال الزركشي في التشنيف (2/ 677): "والحاصل أنه نزاع يعود إلى تفسير العام، بأنه ما يستغرق في محل النطق أو ما يستغرق في الجملة".

وقال العضد في شرح المختصر (2/ 120) محررًا النزاع: "إن فرض النزاع في أن مفهومي الموافقة والمخالفة يثبت بهما الحكم في جميع ما سوى =

ص: 495

واختار ابن عقيل والمقدسي وأبو العباس: أنه لا عموم له، وأنه يكفي فيه المخالفة في صورة ما.

وادعى بعضهم: أن الخلاف لا يتحقق.

فعلى الأول يجوز تخصيصه بما يجوز به تخصيص العام، ورفع كله تخصيص أيضًا، لإفادة اللفظ في منطوقه ومفهومه، فهو كبعض العام، ذكره أبو الخطاب وغيره.

عموم المفهوم أثبته الأكثرون (1) لعموم موجبه كما سبق (2). والمراد هنا مفهوم المخالفة (3). والقول الثاني لا يعم اختاره الشيخ موفق الدين في المغني (4) في بحث القلتين (5)، وابن عقيل في عمدة

= المنطوق به من الصور أو لا؟ فالحق الإثبات، وهو مراد الأكثرين، والغزالي لا يخالفهم فيه، وإن فرض ثبوت الحكم فيهما بالمنطوق أو لا؟ فالحق النفي، وهو مراد الغزالي وهم لا يخالفونه فيه. ولا ثالث هنا يمكن فرضه محلًا للنزاع". وسيأتي بيان الشارح لذلك.

(1)

انظر: القواعد والفوائد ص (237)، شرح الكوكب (3/ 210)، تشنيف المسامع (2/ 677).

(2)

أي: في كونه حجة أم لا؟ لأن كون المفهوم هل له عموم فرع على أن المفهوم هل هو حجة؟

(3)

مفهوم المخالفة: هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفًا لمدلوله في محل النطق ويسمى دليل الخطاب.

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 1065).

(4)

انظر: المغني (1/ 38).

(5)

القُلة: الحَبُّ العظيم، وقيل: الجرة العظيمة، وقيل: الجرة عامة، وقيل: الكوز الصغير، والجمع قُلل وقلال، وقيل: هو إناء للعرب كالجرة الكبيرة. =

ص: 496

الأدلة (1). قال شارح الورقات (2) من الشافعية: الصحيح من مذهب الشافعي والأصوليين أنه لا عموم للمفهوم سواء كان مفهوم موافقة كالضرب للتأفيف أو مفهوم مخالفة كالمعلوفة والمسائمة، وبه قال الغزالي (3) لأن العام لفظ والمفهوم ليس بلفظ.

وقال الآمدي (4) ومن تبعه (5): الخلاف في أن المفهوم له عموم لا يتحقق؛ لأن مفهوم المخالفة عام في ما سوى المنطوق به لا يختلفون فيه.

ومن نفى العموم - كالغزالي - أراد: أن العموم لم يثبت بالمنطوق. ولا يختلفون فيه أيضًا.

وقال صاحب المحصول (6):

= قال أبو عبيد في قوله في الحديث "قلتين": يعني هذه الحباب العظام واحدتها قلة، وهي معروفة بالحجاز وقد تكون بالشام.

انظر: لسان العرب (11/ 288).

(1)

انظر: القواعد والفوائد ص (237).

(2)

لم أقف على المراد منه.

(3)

انظر: المستصفى (2/ 140).

(4)

انظر: الإحكام (2/ 276).

(5)

انظر: منتهى الوصول لابن الحاجب ص (113).

(6)

انظر: المحصول (2/ 401) ونص كلامه: قال بعد أن ساق كلام الغزالي: "إن كنت لا تسميه عمومًا، لأنك لا تطلق لفظ العام إلا على الألفاظ: فالنزاع لفظي.

وإن كنت تعني: أنه لا يعرف منه انتفاء الحكم عن جميع ما عداه فباطل، لأن البحث عن أن المفهوم هل له عموم أم لا؟ فرع على أن المفهوم حجة، =

ص: 497

إن عنى (1) لا يسمى عامًا لفظيًّا فقريب، وإن عنى لا يفيد انتفاء عموم الحكم، فدليل كون المفهوم حجة ينفيه.

فإذا قلنا بأنه: عام، فيجوز تخصيصه بما يجوز به تخصيص العام؛ لأنه قد صار من جملة العام، ورفع الكل تخصيص أيضًا؛ لإفادة اللفظ في منطوقه ومفهومه، فهو كبعض العام.

وقيل لأبي الخطاب وغيره (2): ولو كان حجة لما خص؛ لأنه مستنبط من اللفظ (3) كالعلة.

فأجابوا (4): بالمنع وأن اللفظ بنفسه دل عليه بمقتضى اللغة، فخص (5) كالنطق.

وقد قال الإمام أحمد (6) في المُحرِم: يقتل السبع والذئب والغراب ونحوه، واحتج بقوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} (7) الآية.

أما مفهوم الموافقة فهل يعمه النطق؟ فيه خلاف يأتي.

= ومتى ثبت كونه حجة لزم القطع بانتفاء الحكم عما عداه، لأنه لو ثبت الحكم في غير المذكور، لم يكن لتخصيصه بالذكر فائدة. والله أعلم". أ. هـ.

(1)

أي: الغزالي.

(2)

انظر: أصول ابن مفلح (2/ 852).

(3)

وما استنبط من اللفظ لا يجوز تخصيصه كالعلة.

(4)

انظر: التمهيد (2/ 227).

(5)

أي: فجاز تخصيصه.

(6)

انظر: شرح الكوكب المنير (3/ 210).

(7)

آية (95) من سورة المائدة، وجه الدلالة أن السبع والذئب والغراب ليست من الصيد فيحل قتلها بمفهوم المخالفة للمحرم.

ص: 498

قوله (1): مسألة: لا يلزم من إضمار شيء في المعطوف أن يضمر في المعطوف عليه، ذكره أبو الخطاب (2) وفاقًا للشافعية (3)، خلافًا للحنفية (4)، والقاضي (5) في الكفاية.

وتترجم هذه المسألة أيضًا بأن عطف الخاص على العام لا يقتضي تخصيصه.

لنا: قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده)(6) قالوا: معناه بكافر (7)، والذي لا يقتل به ذو العهد هو

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (113).

(2)

انظر: التمهيد (2/ 172).

(3)

انظر: الإحكام (2/ 277).

(4)

انظر: تيسير التحرير (1/ 261).

(5)

انظر: المسودة ص (140) وأشار إليه في العدة ورجح الأول (2/ 614 - 615).

(6)

أخرجه أبو داود في سننه كتاب الديات باب إيقاد المسلم بالكافر برقم: (4530).

والنسائي كتاب القسامة باب سقوط القود من المسلم للكافر في ثلاثة أحاديث برقم: (4759).

وأخرجه البخاري كتاب الديات باب العاقلة وباب لا يقتل مسلم بكافر برقم: (6903)، (6915) بدون زيادة "ولا ذو عهد في عهده".

(7)

أي: ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر، والكافر هنا نقدره بالحربي لأنه أدنى من المعاهد، والإجماع قائم على قتله بمثله وهو المعاهد، وبأعلى منه وهو الذمي، لأن عقد الذمة يدوم للذرية بخلاف عقد المعاهدة، وحينئذ يجب أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي أيضًا

تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه.

انظر: تنقيح الفصول ص (222)، نهاية السول (2/ 487).

ص: 499

الكافر الحربي، فيخص آخر الحديث أوله، ويكون معنى المعطوف عليه: لا يقتل مسلم بكافر حربي ضرورة تخصيص آخره؛ لأن الأدنى يقتل بالأعلى وبالمساوي.

وهل يقتل بالأدنى؟ محل الخلاف، والقاعدة مقتضية لتسوية المعطوف بالمعطوف عليه.

ولنا أن العطف إن صح هنا فهو للأصل دون توابعه (1)، ولو صح ما ذكروه (2) لكان:{وَبُعُولَتُهُنَّ} (3) للرجعية والبائن.

فإن قيل: المعطوف الثاني خص بالدليل (4).

قلنا: إنما يتخصص بناء على ما ذكرتم وهو ممنوع.

وأيضًا: لو كان لكان: "ضربت زيدًا يوم الجمعة وعمرًا" أي: يوم الجمعة.

فإن أجيب بالتزامه، قلنا: خلاف العربية.

(1) المراد- والله أعلم- أنه إن صح العطف فيكون للأصل وهو الحكم- وهو قتل المعاهد بالكافر - دون تابعه وهي الصفة - أي دون كونه ذميًا أو حربيًا.

(2)

وهو أنه يلزم من إضمار شيء في المعطوف أن يضمر في المعطوف عليه.

(3)

آية (228) من سورة البقرة، والمراد: أن الضمير في الآية عائد إليهما، ومذهب الحنفية أن الضمير إذا رجع إلى بعض العام المتقدم لا يخصصه، ولكنهم خصصوه في هذه الآية؟

(4)

أي: إن البائن خص بالدليل، لأن الزوج لا يملك رد البائن فأصبح كالأجنبي بالإجماع. انظر: شرح التنقيح ص (191).

ص: 500

فإن قيل: يضربه في غير يوم الجمعة لا يمتنع بخلاف (ذو عهد في عهده) لفساد إبقائه على عمومه فجوابه من أوجه (1):

أحدهما: منع كون "الواو" عاطفًا، بل للاستئناف فلا يلزم التشريك.

الثاني: لو سلم لكان العطف مقتضاه التشريك في أصل الحكم، فلو قلت:"مررت بزيد قائمًا وعمرو" لم يلزم أن تكون مررت بعمرو أيضًا قائمًا، بل أصل المرور فقط، وكذلك جميع التوابع من المتعلقات (2) وغيرها، فيقتضي العطف هنا أنه لا يقتل، أما تعيين من يقتل به الآخر فلا، إذ الذي يقتل به من توابع الحكم.

الثالث: لا نعلم (3) أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم (ولا ذو عهد في عهده) بحربي، بل معناه السببية، فإن "في" قد تكون للسببية كما تكون للظرفية، فمعناه: لا يقتل بسبب المعاهدة، فيفيد أن المعاهدة سبب موجب للعصمة (4).

الرابع: أن معناه نفي الوهم عن من يعتقد أن عقد المعاهدة كعقد الذمة يدوم، فنبه (5) على أن أثر ذلك العهد إنما هو في

(1) انظرها في شرح التنقيح ص (223).

(2)

كالصفة والحال والشرط وغيرها.

(3)

في شرح التنقيح ص (223): [لا نسلم].

(4)

أي: وليس المراد أنه يقتص منه ولا غير ذلك. انظر: المصدر السابق.

(5)

أي: الرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 501

ذلك الزمن خاصة لم يتعداه إلى [ما](1) بعده، وتكون "في" للظرفية هنا، كغالب أحوالها.

وقال الشافعي (2) - رحمه الله تعالى-: "لما نفى صلى الله عليه وسلم قتل المسلم بالكافر نهى بعد ذلك عن قتل المعاهد؛ لأن له عهدًا قطعًا لتوهم جوازه".

قال أبو البركات (3): "ومقتضى بحث أبي الخطاب أن [المعطوف إن قيد بقيد غير قيد المعطوف] (4) عليه لم يضمر فيه، وإن أطلق أضمر فيه"، لأنه احتج يعني أبو الخطاب (5) فقال:"المعطوف إذا قيد بصفة لم يجب أن يضمر فيه من المعطوف عليه إلا ما يصير به مستقلًا، ألا ترى أن رجلًا لو قال: لا تقتل اليهود بالحديد ولا النصارى في الشهر الحرام لم يضمر فيه إلا القتل"، فشرّك بينهما في القتل وخالف بينهما في كيفيته.

قوله (6): مسألة: القِران بين شيئين في اللفظ لا يقتضي التسوية بينهما في الحكم غير المذكور إلا بدليل خارج؛ ذكره أبو

(1) ما بين معقوفين ليست بالمخطوط، والإضافة من شرح التنقيح. انظر: المصدر السابق.

(2)

انظر: أحكام القرآن للشافعي (1/ 284).

(3)

انظر: المسودة ص (140).

(4)

في المخطوط [أن قيد المعطوف وبغير قيد المعطوف] والتصويب من المصدر السابق.

(5)

انظر: التمهيد (2/ 173).

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (113).

ص: 502

البركات (1) وفاقًا للحنفية (2) والشافعية (3)، خلافًا لأبي يوسف.

وافق أبا يوسف (4) على التسوية المزني (5)، وأبو داود (6) وقاله الحلواني (7) والقاضي (8) مع أنه ذكر معنى الأول أيضًا (9).

وجه الأول: الأصل عدم الشركة ودليلها، ومسألته قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه منل جنابة)(10) إذ لا يلزم من تنجيسه بالبول تنجيسه بالاغتسال.

(1) انظر: المسودة ص (140).

(2)

انظر: ميزان الأصول للسمرقندي ص (415).

(3)

انظر: التبصرة ص (229)، التمهيد للأسنوي ص (273).

(4)

انظر: المسودة ص (140)، وأصول الفقه لابن مفلح (2/ 857).

(5)

انظر: التبصرة ص (229).

(6)

وهو الذي ذهب إليه ابن حزم في أصوله. انظر: الإحكام لابن حزم (1/ 357).

(7)

انظر: المسودة ص (141).

(8)

قال القاضي في العدة (4/ 420): "الاستدلال بالقرآن يجوز وهو: أن يذكر الله تعالى أشياء في لفظ واحد ويعطف بعضها على بعض. نحو قوله {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فيكون اللمس ها هنا موجب الوضوء، لأنه عطف على المجيء من الغائط".

(9)

قال في المسودة ص (141): وقد ذكر معناه القاضي في التعليق في مواضع وغيره.

(10)

أخرجه البخاري كتاب الوضوء باب البول في الماء الدائم برقم: (239) بلفظ "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه".

ومسلم كتاب الطهارة باب النهي عن البول في الماء الراكد برقم: (281) بلفظ "ثم يغتسل منه".

ص: 503

ومنه قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ} (1)، فإن الأول: مندوب (2)، والثاني: واجب.

ووجه الثاني: قول الصديق (3) رضي الله عنه: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة)، واستدلال ابن عباس (4) لوجوب العمرة، بأنها قرينة الحج في كتاب الله (5).

ردّ: أما الأول: فلدليل (6)، وأما الثاني: فمراده قرينته في الأمر بالإتمام.

قوله (7): مسألة: الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، نحو:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (8) عام للأمة إلا بدليل يخصه عند الأكثر (9)، خلافًا للتميمي (10)

(1) آية (141) من سورة الأنعام.

(2)

بل هو مباح. انظر: شرح الكوكب (3/ 260).

(3)

رواه البخاري في كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة وقول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} برقم: (1400). ومسلم في كتاب الإيمان في باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة .. الخ برقم: (20).

(4)

انظر: سنن البيهقي (4/ 351).

(5)

وهي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} .

(6)

قال الشيرازي في التبصرة ص (230): "والجواب أن أبا بكر رضي الله عنه أراد: لا أفرق بين ما جمع الله في الإيجاب بالأمر، فكان الاحتجاج في الحقيقة بظاهر الأمر، لا بالاقتران".

(7)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (114).

(8)

آية (1) من سورة المزمل.

(9)

انظر: العدة (1/ 318)، تيسير التحرير (1/ 251)، المسودة ص (31).

(10)

انظر: المسودة ص (31).

ص: 504

وأبي الخطاب (1) وأكثر الشافعية (2).

وكذا إذا توجه خطاب الله للصحابة: هل يعمه صلى الله عليه وسلم؟

وفي الواضح: النفي هنا عن الأكثر؛ بناء على أنه لا يأمر نفسه كالسيد مع عبيده.

وحكم فعله صلى الله عليه وسلم في تعديه إلى أمته، يخرج على [الخلاف في](3) الخطاب المتوجه إليه عند الأكثر.

وفرق أبو المعالي وغيره وقالوا: يتعدى فعله.

احتج الأول: بفهم أهل اللغة من الأمر للأمير بالركوب لكسر العدو ونحوه: أنه أمر لأتباعه معه.

رد: بالمنع ولهذا يقال: "أمر الأمير لا أتباعه"، قال الآمدي (4): ولو حلف: "لا يأمر أتباعه"، لم يحنث إجماعًا. كذا قال.

ثم: فهم لتوقف المقصود على المشاركة بخلاف هذا.

قالوا: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} (5).

(1) انظر: التمهيد (1/ 275).

(2)

انظر: الإحكام (2/ 279)، المحصول (2/ 379).

(3)

ما بين معقوفين ليست في المخطوط وهي ساقطة من بعض نسخ المختصر والمثبت من المطبوع.

(4)

في الإحكام (2/ 281) قال الآمدي: "لو حلف أنه لم يأمر الأتباع لم يحنث بالإجماع، ولو كان أمره للمقدم أمرًا لاتباعه لحنث".

(5)

آية (1) من سورة الطلاق.

ص: 505

رد: عام، وذكر صلى الله عليه وسلم أولا لتشريفه.

ثم: لو عم اكتفى بالمفرد مع مناسبته أول الآية.

قالوا: {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا} (1)، ولو خص لم يصح التعليل.

رد: للإلحاق بقياسهم عليه.

قالوا: لا يكون لتخصيصه صلى الله عليه وسلم ببعض الأحكام نحو: {خَالِصَةً لَكَ} (2) و {نَافِلَةً لَكَ} (3) فائدة.

رد: فائدته قطع الإلحاق به قياسًا.

احتج الثاني: بأن المفرد لا يعم غيره، كالأمر بعبادة والسيد ببعض عبيده إجماعًا.

ولفظ العموم لا يحمل على الخصوص بلا دليل، فكذا عكسه.

ويحتمل أنه مصلحة له لا لأمته.

رد: لفظ الشارع أدخل في العموم؛ لتعديه بالعلة.

والخطاب له خطاب لأمته شرعًا؛ لوجوب اتباعه والتأسي به (4).

واحتج علماؤنا في المسألة: برجوع الصحابة إلى أفعاله.

(1) آية (37) من سورة الأحزاب.

(2)

آية (50) من سورة الأحزاب.

(3)

آية (79) من سورة الإسراء.

(4)

قال الرازي: "هذا خروج عن المسألة، لأن الحكم عنده إنما وجب على الأمة، لا بمجرد الخطاب المتناول للنبي فقط؛ بل بالدليل الآخر".

انظر: المحصول (2/ 380).

ص: 506

فأجاب أبو الخطاب (1) وغيره: "لدليل". فدل على التسوية.

وكذا إذا توجه خطاب الله عز وجل للصحابة هل يهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ على ما تقدم (2). وفي الواضح (3) لابن عقيل النفي هنا عن أكثر الفقهاء والمتكلمين (4)؟ بناء على أنه لا يأمر نفسه كالسيد مع عبيده.

رد: بأنه مخبر بأمر الله تعالى.

وأما حكم فعله صلى الله عليه وسلم فقال: خلاف ما تعبدنا بالتأسي به إلا في العبادات دون غيرها من المناكحات والعقود والأكل والشرب وغير ذلك.

وقال القاضي (5) في الكفاية: وما تعبد الإنسان بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم المباحات كالأكل والشرب والقيام والقعود وإنما تعبد في العبادات خلافًا للمعتزلة (6) في قولهم هو متعبد بجميع ذلك.

واحتج أبو الخطاب (7): بآيات وظواهر، وبأن الأمة اجتمعت على الرجوع إلى أفعاله.

(1) انظر: التمهيد (1/ 280).

(2)

في مسألة الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم هل هو عام لأمته؟

(3)

انظر: الواضح (3/ 114 - 116).

(4)

انظر: المسودة ص (66).

(5)

انظر: التمهيد (2/ 314 - 315).

(6)

انظر: المعتمد (1/ 353 - 354).

(7)

اتظر: التمهيد (2/ 316 - 317).

ص: 507

واحتج الخصم بأنه يجوز أن تكون مصلحة له دوننا. وقال مجيبًا: "قلنا يجوز أن تكون مصلحة لنا، وقد أمرنا باتباعه فوجب ذلك؛ لأن الظاهر أن المصلحة في الفعل تعمه وإيانا إلا أن يرد دليل يخصه.

وقال الشيخ مجد الدين (1): "فعله حجة شرعًا فيما ظهر وجهه: إن كان واجبًا وجب علينا، وإن كان ندبًا ندب لنا، وإن كان مباحًا أبيح لنا، وهو قول الجمهور".

وتوقف أبو المعالي (2) وغيره وقالوا: يتعدى فعله وإن لم يتعد الخطاب المتوجه إليه؛ لأننا مأمورون بالتأسي به، ومن جملته التأسي بأفعاله، بخلاف الخطاب له فقط لأنه قد يكون خاصًّا به.

قوله (3): مسألة: خطابه عليه السلام لواحد من الأمة: هل يعم

(1) انظر: المسودة ص (186).

(2)

في البرهان (1/ 185) قال الجويني: "إن رُدِدْنا إلى الفعل ومقتضاه أو إلى مدلول المعجزة، فإنما يفضيان إلى الوقف كما قال الواقفية، ولكن تأكد عندنا من عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التأسي به في كيفية أفعاله في قربه، فليحمل هذا على الإجماع ولا يقطع به في مقتضى العقل والمعجزة. وكل ذلك فيما ظهر وقوعه على قصد القربة من الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأما فعله المرسل الذي لا يظهر وقوعه منه على قصد القربة (مثل المباح)

فالواقفية يطردون مذاهبهم في الوقف، ومذهبهم في هذه الصورة أظهر".

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (114).

ص: 508

غيره؟ فيه الخلاف السابق. وعند الحنفية: لا يعم (1) لأنه لو عمّ في التي قبلها لفهم الإتباع؛ لأنه متبع وهنا متبع.

واختار أبو المعالي (2): يعم هنا.

الدليل والجواب كما سبق.

وأيضًا: لو اختص لم يكن صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى الجميع.

رد: بالمنع؛ فإن معناه تعريف كل أحد ما يختص به، ولا يلزم شركة الجميع في الجميع.

قالوا: وهو إجماع الصحابة لرجوعهم إلى قصة (3) ماعز (4) وبروع بنت واشق (5)،

(1) انظر: بديع النظام (2/ 472)، تيسير التحرير (1/ 252).

(2)

انظر: البرهان (1/ 133).

(3)

قصته: أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فرجمه النبي صلى الله عليه وسلم.

انظرها في: البخاري في كتاب المحاربين باب رجم المحصن برقم: (6429).

مسلم كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى برقم: (1692).

(4)

هو الصحابي: أبو عبد الله ماعز بن مالك الأسلمي، قصته بالزنا مشهورة قال عنه صلى الله عليه وسلم:(لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزأت عنهم).

انظر: الإصابة (6/ 16)، الاستيعاب (1/ 345).

(5)

هي: بروع بنت واشق الرواسية الكلابية الأشجعية وهي زوجة هلال بن مرة، قصتها أنها نكحت رجلًا وفوضت إليه مقدار المهر فتوفي قبل أن يجامعها، فقضى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدق نسائها.

انظر: الإصابة (8/ 59)، الاستيعاب (4/ 1795).

وانظر حديثها في: سنن أبي داود كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقًا حتى مات برقم:(2114).=

ص: 509

وأخذه الجزية من مجوس هجر (1)(2)، وغير ذلك (3).

رد: بدليل هو التساوي في السبب.

قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة (4)(ولا يجزي عن أحد بعدك)(5) فلولا أن الإطلاق يقتضي المشاركة لم يخص، وكذلك تخصيص خزيمة (6)

=والترمذي كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها برقم:(1144). قال الترمذي حديث حسن صحيح.

والنسائي كتاب النكاح، باب إباحة التزوج بغير صداق برقم:(3364).

وابن ماجة كتاب النكاح، باب الرجل يتزوج ولا يفرض لها فيموت على ذلك برقم:(1893).

(1)

هجر: الهجر: بلغة حمير والعرب العاربة القرية، والمراد بها - والله أعلم - المدينة التي فتحت في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، قيل سنة (8 هـ) وقيل في سنة (10 هـ) على يد العلاء بن الحضرمي، وقد ذكر ذلك في البحرين.

قال ابن موسى: هجر قصبة بلاد البحرين. انظر: معجم البلدان (5/ 452 - 453).

(2)

رواه البخاري في كتاب أبواب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب برقم:(2987).

(3)

انظر: العدة (1/ 319)، شرح الكوكب (3/ 227).

(4)

هو: الصحابي الجليل هانئ بن نيار بن عمر بن عبيد، الأنصاري، من حلفاء الأوس، صحابي جليل شهد العقبة وبدرًا وبقي إلى عهد معاوية توفي سنة:(45 هـ).

(5)

أخرجه البخاري في كتاب العيدين باب الأكل يوم النحر برقم: (912).

ومسلم في كتاب الأضاحي باب وقتها برقم: (1961).

(6)

هو: خزيمة بن ثابت بن الفاكة بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من الأوس يعرف بذي الشهادتين، شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد، قتل في صفين سنة سبع وثلاثين وكان مع علي رضي الله عنه. انظر: الاستيعاب (2/ 448).

ص: 510

بجعل شهادته كشهادتين (1).

قوله (2): مسألة: جمع " الرجال " لا يعم النساء، ولا بالعكس إجماعًا (3).

ويعم " الناس" ونحوه الجميع إجماعًا (4).

ونحو: "المسلمين" و"فعلوا"، مما يغلب فيه المذكر -يعم النساء تبعًا، عند أصحابنا (5) وأكثر الحنفية (6)، خلافًا لأبي الخطاب (7) والأكثر (8).

(1) لحديث (من شهد له خزيمة أو أشهد عليه فهو حسبه). انظر: معجم الطبراني (4/ 87).

وحديث (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين). أخرجه النسائي في كتاب البيوع باب بيع المشاع برقم: (4657).

وذكر البخاري ضمن حديث لزيد بن ثابت بلفظ (لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين).

أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} برقم: (4505).

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (114).

(3)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 864)، منتهى الوصول ص (115).

(4)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (864/ 2)، منتهى الوصول ص (115).

(5)

انظر: العدة (2/ 351)، روضة الناظر (2/ 703 - 704).

(6)

انظر: التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (1/ 210)، تيسير التحرير (1/ 234)، فواتح الرحموت (1/ 273).

(7)

انظر: التمهيد (1/ 291)، قال أبو الخطاب:"وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لا يدخل المؤنث في ذلك وهو الأقوى عندي ولكن ننصر قول شيخنا".

(8)

انظر: العدة (2/ 353)، التمهيد (1/ 291)، منتهى الوصول والأمل ص (115)، الإحكام للآمدي (2/ 285).

ص: 511

واحتج أصحابنا بأن قوله: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} (1) عام للذكر والأنثى.

وفي القياس من الواضح (2): "لا يقع "مؤمن" على الأنثى، فالتكفير (3) في قتلها قياسًا، وخص الله تعالى الحجب بالأخوة (4)، فعداه القياسيون إلى الأخوات بالمعنى".

وفي الوقف (5) من المغني (6): الإخوة والعمومة للذكر والأنثى.

وافقنا على العموم بعض الشافعية (7) وابن داود (8) وهو ظاهر كلام أحمد (9).

(1) آية (187) من سورة البقرة.

(2)

انظر: الواضح (2/ 116 - 117).

(3)

وذلك في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} قال ابن عقيل: فنص على الذكر؛ لأن لفظ (مؤمن) لا يقع إلى على الذكر، وهو نكرة أيضًا، فلا يعم الذكر والأنثى، ووجب في قتل المؤمنة تحرير رقبة قياسًا على المؤمن.

(4)

قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} ، فجعلوا الأخوات كالإخوة في حجب الأم من الثلث إلى السدس، بعلة أنهم أولاد أب وأولاد أم.

(5)

أي: في كتاب الوقف.

(6)

انظر: المغني (8/ 451) لم أجده في كتاب الوقف ووجدته في كتاب الوصايا.

(7)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 706 - 707).

(8)

انظر: الإحكام لابن حزم (1/ 324).

(9)

انظر: العدة (2/ 351).

ص: 512

وذكر أبو محمد التميمي (1). أنه لا يعمهن إلا بدليل عند أحمد، وأن أصحابه اختلفوا.

وجه الأول: مشاركة الذكور في الأحكام لظاهر اللفظ.

رد: بالمنع بالدليل ولهذا لم يعمهن الجهاد والجمعة وغيرهما.

أجيب: بالمنع، ثم: لو كان لعرف، والأصل عدمه، وخروجهن من بعض الأحكام لا يمنع كبعض الذكور (2).

ولأن أهل اللغة (3) غلبوا المذكر باتفاق بدليل: {اهْبِطُوا} (4) لآدم وحواء وإبليس.

رد: بقصد المتكلم (5)، ويكون مجازًا.

أجيب: لم يشرط أحد من أهل اللغة العلم بقصده.

ثم: لو لم يعمهن لما عم بالقصد، بدليل جمع "الرجال".

والأصل الحقيقة، ولو كان مجازًا لم يعد العدول عنه عيا (6).

(1) انظر: المسودة ص (22).

(2)

مثل الصغار والضعاف والعبيد.

(3)

انظر. منتهى الوصول والأمل ص (115).

(4)

آية (36) من سورة البقرة.

(5)

أي: إذا قصد المتكلم المذكر والمؤنث جميعًا وعبر عنهما بعبارة واحدة من العبارتين نحو "المسلمين" و"فعلوا".

(6)

قال ابن منظور في لسان العرب (9/ 510 - 511): عي بالأمر عيا عجز عنه ولم يطق إحكامه. والرجل يتكلف عملا فيعيا به وعنه إذا لم يهتد لوجه عمله. والمعاياة أن تأتي بكلام لا يهتدى له.=

ص: 513

قالوا: ولو عمهن لما حسن {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} (1).

رد: تنصيص وتأكيد لما سبق، وإن كان التأسيس أولى.

والعطف لا يمنع؛ بدليل عطف: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} على {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ} (2)، وقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} (3).

وقد ذكر المصنف ما استدل به الأصحاب وكلام ابن عقيل والشيخ.

تنبيه: ما ذكره المصنف من أن "الناس" ونحوه يعم الجميع إجماعًا تابع فيه جماعة منهم ابن مفلح، لكن قال ابن قاضي الجبل في أصوله: الجمهور على الدخول. وحكى الزاغوني عن بعضهم عدم دخول النساء فيه.

قوله (4): "من " الشرطية تعم المؤنث عند الأكثر (5)، ونفاه بعض الحنفية (6).

=قلت: والمراد -والله أعلم- أن نحو "المسلمين" و "فعلوا " العدول عن كونها للذكر والأنثى يعتبر عيا في الكلام، ولو كانت مجازًا لم يعتبر العدول عنها عيا.

(1)

آية (35) من سورة الأحزاب.

(2)

آية (98) من سورة البقرة.

(3)

آية (7) من سورة الأحزاب.

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (115).

(5)

انظر: العدة (2/ 351 - 352)، المسودة ص (104 - 105)، منتهى الوصول ص (116)، الإحكام (2/ 288).

(6)

لم أقف على هذا القول في كتب الأحناف، بل نقل السمرقندي في=

ص: 514

ذكروه في مسألة المرتدة (1).

لنا: استعمال الكتاب (2) والسنة (3) واللغة.

ولو قال: "من دخل داري فأكرمه، أو فهو حر" وجب الإكرام وعتق بالدخول، والأصل الحقيقة.

واعترض لقرينة دخول الدار كالزائر (4).

رد: لو قال: "فأهنه" أو "من قال لك: "ألِفٌ" فقل له: "ب"" فالحكم سواء.

= ميزان الأصول ص (277): إجماع أهل اللغة على دخول الإناث في ذلك. والله أعلم.

(1)

في قوله عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه) فهل تكون متناولة للأنثى المرتدة أم لا؟

أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين، باب حكم المرتد برقم:(6922).

(2)

كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} .

قال الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 240): فالتفسير بالذكر والأنثى دل على تناول القسمين.

(3)

كقوله عليه السلام: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ ففهمت أم سلمة دخول النساء في "مَنْ" وأقرها الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم.

انظر الحديث في: البخاري كتاب اللباس، باب من جر إزاره من غير خيلاء برقم:(5447).

مسلم كتاب اللباس، باب تحريم جر الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز إخفاؤه إليه وما يستحب برقم:(2085).

(4)

فيكون مجازًا.

ص: 515

قوله (1): مسألة الخطاب العام كـ "الناس والمؤمنون" ونحوهما يشمل العبد عند الأكثر (2).

وقال الرازي (3) الحنفي: إن كان لحق الله تعالى.

لنا: أن العبد من الناس والمؤمنين قطعًا، فوجب العموم قطعًا، وكونه عبدًا لا يصلح مانعًا لذلك.

قالوا: أولًا قد ثبت بالإجماع صرف منافع العبد إلى سيده، فلو كلف بالخطاب لكان صرفًا لمنافعه إلى غير سيده، وذلك تناقض، ويمنع الإجماع، وينزل الظاهر.

الجواب: لا نسلم صرف منافعه إلى سيده عمومًا، بل قد استثنى من ذلك وقت تضايق العبادات، حتى لو أمره سيده في آخر وقت الظهر بحيث لو أطاعه فاتت، وجبت عليه الصلاة وعدم صرف منفعته في ذلك الوقت إلى السيد، وإذا ثبت هذا فالتعبد بالعبادة ليس مناقضًا لقولهم:"تصرف منافعه إلى السيد إلا في وقت تضايق العبادة"، فاندفع ما ذكرتم.

قالوا: ثانيًا خرج العبد عن خطاب الجهاد والجمعة والعمرة والحج والتبرعات والأقارير، ولو كان الخطاب متناولًا له بعمومه لزم التخصيص وإلا قبل عدمه (4).

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (115).

(2)

في العدة (2/ 348)، التمهيد (1/ 281)، المسودة ص (34)، القواعد والفوائد ص (209)، فواتح الرحموت (1/ 276)، منتهى الوصول ص (116)، شرح التنقيح ص (196)، التبصرة ص (75).

(3)

انظر: تيسير التحرير (1/ 253).

(4)

أي: عدم التخصيص وهو العموم.

ص: 516

الجواب: أن خروجه بدليل اقتضى خروجه، وذلك كخروج المريض والمسافر والحائض من العمومات الدالة على وجوب الصوم والصلاة والجهاد، وذلك لا يدل على عدم تناولها لهم اتفاقًا، غايته خلاف الأصل ارتكبت لدليل وهو جائز.

قوله (1): مسألة: مثل {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} (2)، {يَاعِبَادِ} (3) يشمل الرسول عند الأكثر (4).

قال الصيرفي (5)(6) والحليمي (7)(8): إلا أن يكون معه "قل".

لنا: ما سبق، ولأن الصحابة فهموه؛ فإنهم كانوا يسألونه إذا ترك، فيذكر المخصص كفسخ الحج إلى العمرة (9).

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (115).

(2)

آية (21) من سورة البقرة.

(3)

آية (172) من سورة البقرة.

(4)

انظر: المسودة ص (133)، أصول الفقه لابن مفلح (2/ 872)، تيسير التحرير (1/ 254)، شرح التنقيح ص (197)، البرهان (1/ 131)، الإحكام (2/ 292).

(5)

هو: محمد بن عبد الله البغدادي المعروف بالصيرفي كان إمامًا في الفقه والأصول، له تصانيف منها شرح الرسالة، مات سنة (330 هـ).

انظر: طبقات الاسنوي (2/ 33)، وفيات الأعياني (4/ 199).

(6)

انظر: البرهان (1/ 131)، الإحكام (2/ 292).

(7)

الحليمي: هو أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الجرجاني، فقيه شافعي من تصانيفه: المنهاج في شعب الإيمان، توفي سنة:(403 هـ).

(8)

انظر: البرهان (1/ 131)، الإحكام (2/ 292).

(9)

رواه البخاري كتاب الحج باب التمتع والإقران والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه الهدي برقم:(1486) وما بعدها.=

ص: 517

قالوا: هو آمر فلا يكون مأمورًا، وكيف يبلغ نفسه!

رد: الآمر الله، وجبريل مبلغ، وهو مبلغ للأمة.

قالوا: له خصائص.

رد: لا يمنع دخوله في العموم كمريض ومسافر.

واحتج الثالث: بأن الأمر بالتبليغ قرينة عدم دخوله، وهذا القول زيفه إمام الحرمين (1) وغيره.

قوله (2): مسألة: في تناول الخطاب العام من صدر منه من الخلق، فيه ثلاثة أقوال، ثالثها: يتناول، إلا في الأمر، واختاره أبو الخطاب.

أحدها: يدخل مطلقًا سواء كان خبرًا أو أمرًا أو نهيًا لعموم الصيغة، ولا مانع. والأصل عدمه لقوله صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله خالصًا من قبله دخل الجنة) (3) وقول القائل:"من أحسن إليك فأكرمه أو فلا تهنه" كذا قال في المحصول (4) وعزاه للأكثرين،

= ومسلم كتاب الحج باب بيان وجوه الإحرام

وجواز إدخال الحج على العمرة .. بر قم: (216/ 1431).

(1)

انظر: البرهان (1/ 131).

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (115 - 116).

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (5/ 236)، والهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 18) كلاهما بلفظ:[مخلصًا] وصححه الألباني- رحمه الله، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2355)، والجامع الصغير برقم:(6309).

(4)

قال الإمام الرازي في المحصول (3/ 132): "وأما في الأمر جعل جزاء -كقوله: "من دخل داري فأكرمه"- فيشبه أن يكون كونه أمرًا قرينة مخصصة. والله أعلم".

ص: 518

واختاره القاضي أبو يعلى (1) والشيخ موفق الدين (2).

والثاني (3): لا يدخل نظرًا للقرينة (4).

والثالث: التفصيل بين الخبر فيدخل تحته [أو] الأمر فلا، وهو اختيار أبي الخطاب (5)، قال: والفرق بينهما، أن الأمر استدعاء الفعل على جهة الاستعلاء، فلو دخل المتكلم تحت ما يأمر به غيره لكان مستدعيًا من نفسه مستعليًا وهو محال.

تنبيه: قول المصنف: "في تناول الخطاب العام من صدر منه من الخلق فيه ثلاثة أقوال"، كذا هو في النسخ، والظاهر أن لفظة "فيه" زائدة ويبقى في تناول الخطاب العام من صدر منه من الخلق ثلاثة أقوال، والله تعالى أعلم.

قوله (6): مسألة: مثل {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (7) يقتضي أخذ الصدقة من كل نوع من المال عند الأكثر (8).

(1) انظر: العدة (1/ 339).

(2)

انظر: روضة الناظر (2/ 714).

(3)

انظر: المسودة ص (32)، شرح الكوكب (3/ 253)، التبصرة ص (73)، شرح المحلى على الجمع (1/ 430).

(4)

فلو قال: "أنا ضارب من في البيت" لم يدخل للقرينة.

(5)

انظر: التمهيد (1/ 272).

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (116).

(7)

آية (103) من سورة التوبة.

(8)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 877)، تيسير التحرير (1/ 257)، منتهى الوصول والأمل ص (118)، الإحكام (2/ 297).

ص: 519

المخالف الكرخي (1)، واختاره ابن الحاجب (2) وقالا: مقتضاه أخذ صدقة واحدة من نوع واحد.

حجة الأكثر الإضافة إلى أموال الجميع، والجمع المضاف للعموم، فمعناه: من كل أموالهم.

حجة الكرخي: "من" للتبعيض المطلق، والواحد من الجميع يصدق عليها ذلك.

وأيضًا: نكرة في إثبات فلا تعم، ولهذا لا يجب أخذ الصدقة من خصوص كل دينار وكل درهم إجماعًا.

قيل: إذا حملنا "من" على التبعيض من كل جنس لم يكن التخصيص فيه كالتخصيص على البعض من جنس واحد، ففي حملنا "من" على التبعيض من كل جنس وفاء بالعموم مع التبعيض.

قوله (3): مسألة: العام إذا تضمن مدحًا أو ذمًّا مثل {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} (4)، لا يمنع عمومه عند الأئمة الأربعة (5).

(1) انظر: تيسير التحرير (1/ 257)، فواتح الرحموت (1/ 282)، الأقوال الأصولية للإمام أبي الحسن الكرخي ص (65).

(2)

انظر: منتهى الوصول والأمل ص (118).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (116).

(4)

آية (13، 14) من سورة الانفطار.

(5)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 879).

ص: 520

ومنعه قوم (1) ونقل عن الشافعي (2) أيضًا.

قالوا: القصد المبالغة في الحث والزجر، فلم يعم.

رد: العموم أبلغ في ذلك، ولا منافاة فعمّ للمقتضى وانتفاء المانع.

قوله (3): مسألة: قول الشافعي (4): "ترك الإستفصال من الرسول عليه الصلاة والسلام في حكاية الأحوال [ينزل] (5) منزلة العموم في المقال". قال أبو البركات: "وهذا ظاهر كلام أحمد - رحمهُ الله تعالى-".

هذه العبارة اعتمد عليها الشافعي (6) في أنكحة الكفار وفي

(1) انظر: المسودة ص (133)، أصول الفقه لابن مفلح (2/ 1879)، شرح الكوكب (3/ 254)، فواتح الرحموت (1/ 283)، شرح التنقيح ص (221)، البحر المحيط (3/ 195 - 196).

(2)

فلذا منع من التمسك به في وجوب زكاة الحلي مصيرًا منه إلى أن العموم لم يقع مقصودًا في الكلام، وإنما سبق لقصد المدح والذم مبالغة في الحث على الفعل أو الزجر عنه. انظر: الأم (3/ 145).

وقال ابن السبكي في رفع الحاجب (3/ 223 - 224): الثابت عن الشافعي الصحيح من مذهبه العموم.

انظر: الإحكام (2/ 298)، الوصول إلى الأصول لابن برهان (1/ 308).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (116).

(4)

انظر: المحصول (2/ 386)، تشنيف المسامع (2/ 698)، نهاية السول (2/ 367).

(5)

في المخطوط [بين] والتصويب من المصادر السابقة.

(6)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 698).

ص: 521

الإسلام على أكثر من أربع. فإن غيلان (1) أسلم على عشرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإمساك أربع ولم يسأله عن كيفية ورود العقد عليهن في الجمع والترتيب، فكان إطلاق القول دلالة على أنه لا فرق، واستحسنه محمد بن الحسن (2)، على خلاف ما يقوله أبو حنيفة (3) من أن العقد إذا ترتب تعينت الأربع الأوائل.

قال الشيخ مجد الدين في المسودة (4) -بعد أن ذكر كلام الشافعي المتقدم-: "وهذا ظاهر كلام أحمد؛ لأنه قد احتج في مواضع كثيرة بمثل ذلك، وكذلك أصحابنا، وأمثلة ذلك كثيرة". انتهى.

واعلم أنه قد جاء عن الشافعي (5) عبارة أخرى وهي: "حكاية الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب [الإجمال] (6) وسقط منها الاستدلال".

(1) هو الصحابي: غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي أبو عمر، كان أحد أشراف ثقيف ومقدميهم أسلم بعد فتح الطائف.

انظر: الإصابة (6/ 229)، الاستيعاب (3/ 1256).

(2)

انظر: قوله هذا في كتاب المبسوط للسرخسي (5/ 53)، أما في كتابه الحجة (3/ 399 - 401) نجده يدافع وينتصر لإمامه.

(3)

انظر: الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن (3/ 396 - 397)، المبسوط للسرخسي (5/ 53).

(4)

انظر: المسودة ص (109).

(5)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 699)، نهاية السول (2/ 370).

(6)

في المخطوط [الإجماع] والصواب المثبت.

ص: 522

واختلفت أجوبة الفضلاء عن ذلك فمنهم من أثبت للشافعي في المسألة قولين (1).

وجمع القرافي بينهما في كتبه (2) فقال: الاحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع على السواء فتقدح، وتارة تكون في محل مدلول اللفظ فلا تقدح، فحيث قال الشافعي:"سقط منها الاستدلال" مراده إذا استوت الاحتمالات في كلام الشارع، وحيث قال:"تنزل منزلة العموم في المقال" مراده إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل، والصواب حمل الثانية على الفعل المحتمل الوقوع على وجوه مختلفة فلا يعم لأنه فعل، والأولى على ما إذا أطلق اللفظ جوابًا على سائله فإنه يعم أحوال السائل؛ لأنه قول، والعموم من عوارض الأقوال دون الأفعال.

قوله (3): التخصيص (4) قصر العام (5) على بعض أجزائه.

وهو جائز عند الأكثر خبرًا كان أو أمرًا.

وقيل: لا يجوز في الخبر ..

(1) انظر: تشنيف المسامع (2/ 699 - 700).

(2)

انظر: شرح تنقيح الفصول ص (187)، الفروق (2/ 88 - 90).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (116).

(4)

انظر: مختصر التحرير مع شرحه الكوكب المنير (3/ 267).

(5)

قال المرداوي في التحبير شرح التحرير ص (896) آلة: "المراد من قصر العام قصر حكمه، وإن كان لفظ العام باقيًا على عمومه، لكن لفظًا لا حكمًا، فبذلك يخرج إطلاق العام وإرادة الخاص، فإن ذلك قصر دلالة لفظ العام لا قصر حكمه".

ص: 523

لما فرغ من العام شرع يتكلم على التخصيص فقال: "قصر العام" ولم يقل اللفظ العام، ليتناول ما عمومه عرفي أو عملي، والمفهوم على ما سبق (1)، فإنه يدخله التخصيص، مع أنه ليس بلفظ.

وقوله: "على بعض أجزائه" لعله مراد من قال: "مسمياته " قال ابن مفلح (2).

وقال ابن قاضي الجبل (3): التخصيص: قصر العام على بعض مسماه، والمعرف كذلك هو المخصص.

وقد أطلق المخصص على المتكلم به، والمستدل على تخصيصه.

ابن الحاجب (4): "قصره على بعض مسمياته (5) " وهو باطل، إذ لا مسميات للفظ العام، بل مسماه واحد، وهو المجموع من حيث هو مجموع.

وعند المعتزلي (6): "إخراج بعض ما تناوله الخطاب عن الخطاب"، لشموله -بتقدير وجود المخصص- جميع الأفراد في نفسه، والمخصص: إخراج بعضها عنه.

(1) انظر: ص (239).

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 880).

(3)

انظر: شرح الكوكب (3/ 269) بلفظ: [قصر العام .. ].

(4)

انظر: المنتهى لابن الحاجب ص (119).

(5)

أي: بعض أجزائه.

(6)

انظر: المعتمد (1/ 234).

ص: 524

وقيل (1): "أراد ما تناوله بتقدير عدم المخصص" نحو قولهم: خص العام (2). فيرد إذن دور لا جواب عنه. وهو جائز مطلقًا (3) نحو: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (4){خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (5){وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (6){تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} (7).

ومنعه شذوذ (8) في الخبر؛ لإيهام الكذب، وبعضهم في الأمر؛ لإيهام البداء (9)، ودليل التخصيص يمنع الإيهام.

قوله (10): مسألة: تخصيص العام إلى أن يبقى واحد جائز عند أصحابنا (11).

(1) انظر: أصول ابن مفلح (3/ 880)، المنتهى ص (119).

(2)

ولا شك أن ما خص ليس بعام، لكن المراد به كونه عامًا لولا تخصيصه.

(3)

قال الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 269): أي: سواء كان العام أمرا أو نهيًا أو خبرا.

انظر: العدة (2/ 595)، المسودة ص (130).

(4)

آية (5) من سورة التوبة.

(5)

آية (62) من سورة الزمر.

(6)

آية (23) من سورة النمل.

(7)

آية (25) من سورة الأحقاف.

(8)

انظر: العدة (2/ 595)، المسودة ص (131)، شرح الكوكب (3/ 269 - 270)، الإحكام (2/ 167).

(9)

البداء: ظهور الرأي بعد أن لم يكن، أو ظهور المصلحة بعد خفائها.

انظر: التعريفات ص (33)، لسان العرب (1/ 348).

(10)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (116 - 117).

(11)

انظر: روضة الناظر (2/ 712)، المسودة ص (116)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 883).

ص: 525

ومنع أبو البركات (1) وغيره: النقص من أقل الجمع.

واختار بعض أصحابنا (2) وغيرهم (3): بقاء جمع يقرب من مدلول اللفظ.

وجه الأول: لو امتنع لكان (4): لأنه مجاز، أو لاستعماله في غير موضوعه، فيمتنع تخصيصه مطلقًا.

واعترض: المنع لعدم استعماله فيه لغة.

وجوابه: بالمنع، ثم: لا فرق.

وأيضًا: أكرم الناس إلا الجهال، عندما يكون العالم واحدًا.

قيل: مخصوص بالاستثناء (5)، ولا يعم.

وجوابه: المعروف التسوية (6)، ثم: لا فرق.

واستدل بقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} (7)، وأريد (8):

(1) انظر: المسودة ص (117).

(2)

انظر: المسودة ص (117)، شرح الكوكب (3/ 273).

(3)

انظر: المعتمد (1/ 236)، الإحكام (2/ 302).

(4)

أي: الامتناع.

(5)

أي: إن جواز التخصيص بالاستثناء إلى الواحد خاص بالاستثناء، ولا يعم بقية المخصصات.

(6)

أي: بين المخصصات في الجواز.

(7)

آية (173) من سورة آل عمران.

(8)

وقيل: غير ذلك. انظر: زاد المسير لابن الجوزي (1/ 504 - 505)، تفسير القرطبي (4/ 279 - 280).

ص: 526

نعيم بن مسعود (1).

ورد: ليس العام، لأنه لمعهود.

واستدل: بقوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2).

وأجيب: أطلق الجمع عليه للتعظيم، ومحل النزاع في الإخراج منه.

واستدل: نحو (3): "إن أكلت الخبز وشربت الماء" لأقل.

رد: المراد بعض مطابق لمعهود ذهني (4).

القائل بالكثرة -وهو معنى قول المصنف: " "بقاء جمع يقرب من مدلول اللفظ"-: قال بعضهم (5): والمراد "بالقرب" كون الباقي أكثر من النصف.

وجهه لو قال: "قتلت كل من في البلد"، أو "أكلت كل رمانة"، أو "من دخل فأكرمه"، وفسره بثلاثة عد قبيحًا لغة.

(1) هو الصحابي: نعيم بن مسعود الأشجعي هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء وقعة الخندق، وكان له دور كبير في التخذيل بين الأحزاب، توفي في خلافة عثمان.

انظر: الاستيعاب (4/ 1508)، الإصابة (6/ 93).

(2)

آية (9) من سورة الحجر.

(3)

في أصول الفقه لابن مفلح (3/ 885): [يجوز].

(4)

فليس في محل النزاع.

(5)

انظر: التقرير والتحبير (1/ 290).

ص: 527

أجاب الآمدي (1): بالمنع مع قرينة (2)؛ بدليل ما سبق من إرادة نعيم بن مسعود بـ {النَّاسِ} ، وصحة:"أكلت الخبز" لأقل.

قوله (3): المخصص المُخْرج، وهو إرادة المتكلم، واستعماله في الدليل المخصص مجاز.

وهو: متصل، ومنفصل.

وخصه بعض أصحابنا بالمنفصل، وقال: هو اصطلاح كثير من الأصوليين؛ لأن الاتصال منعه العموم فلم يدل إلا منفصلًا (4)، فلا يسمى عامًا مخصوصًا.

والمتصل: الاستثناء المتصل، والشرط، والصفة، والغاية.

وزاد بعضهم (5): بدل البعض، ولم يذكره الأكثر (6).

(1) انظر: الإحكام (2/ 304).

(2)

أي: منع كونه قبيحًا مع اقترانه بقرينة وهو الدليل.

قال الآمدي: نعم إذا أطلق اللفظ العام، وكان الظاهر منه إرادة الكل، أو ما يقاربه في الكثرة، وهو مريد للواحد البعيد من ظاهر اللفظ. من غير اقتران دليل به يدل عليه فإنه يكون مستهجنًا".

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (117).

(4)

في أصول الفقه لابن مفلح (3/ 887): [متصلًا] وهو خطأ.

(5)

انظر: ابن الحاجب في المنتهى ص (120)، وابن السبكي في جمع الجوامع (2/ 248).

قال الأصفهاني في شرح المختصر (2/ 248): "وفيه نظر، فإن المبدل في حكم المطرح والبدل قد أقيم مقامه فلا يكون مخصصًا له، وخص المصنف بدل البعض بكونه مخصصًا دون الأبدال الباقية لكونها غير متناهية".

(6)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 887)، بديع النظام (2/ 482)، شرح التنقيح ص (202)، تشنيف المسامع (3/ 730).

ص: 528

المخصص: اسم فاعل: هو المخرج. والمخرج إن أطلقناه على إرادة المتكلم فهو حقيقة، وإن أطلقناه على ما دل عليه وهو الدليل المخصص بالكسر فهو مجاز، وهو المراد هنا.

وينقسم إلى قسمين؛ إلى متصل، ومنفصل عند الأكثر (1).

وخصه بعض علمائنا (2) بالمنفصل كما تقدم.

وذكر المصنف المتصل خمسة أشياء، على خلاف في الخامس، ويأتي الكلام على كل واحد على انفراده إن شاء الله تعالى.

تنبيه: جعل المصنف المخصِّص -بكسر الصاد- الذي هو اسم فاعل: على نفس الإرادة، وهو في ذلك متابع لابن مفلح (3)، وكذا قاله في تشنيف المسامع (4). وأما الطوفي فقال في مختصره (5):"المخصص هو المتكلم بالخاص وموجده، وكذا في شرحه (6) له فقال: "المخصص حقيقة هو المتكلم بالخاص، وهو الله تعالى ورسوله إذا صدر ذلك عنهما ووجد منهما".

(1) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 887)، بديع النظام (2/ 482)، شرح التنقيح ص (202 وما بعدها)، المنتهى ص (120)، تشنيف المسامع (2/ 730).

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (8873).

(3)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (8863).

(4)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 730).

(5)

انظر: مختصر الطوفي مع شرحه (2/ 550).

(6)

انظر: شرح مختصر الطوفي (2/ 552).

ص: 529

قوله (1): مسألة: الاستثناء (2): "إخراج بعض الجملة بـ "إلا" أو ما قام مقامها"، وهو: غير، وسوى، وعدا، وليس، ولا يكون، وحاشا، وخلا، من متكلم واحد. وقيل: مطلقا.

أحد المخصصات المتصلة الاستثناء.

وقوله: "إخراج بعض الجملة": جنس يندرج تحته كل المخصصات، وقوله:"بإلا أو ما قام مقامها": فصل يخرج به ما عدا الاستثناء.

و"إلا" هي أصل أدوات الاستثناء.

واعتبر جماعة من الأصوليين (3) في الاتصال: كونه من متكلم واحد، ليخرج ما لو قال الله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم على الاتصال: "إلا أهل الذمة"، فهو منفصل.

وقيل: مطلقًا.

ونزلوا استثناء النبي صلى الله عليه وسلم منزلة الاستثناء المصرح به في كلام الله تعالى، وجعلوه متصلًا، هذا معنى ما في تشنيف المسامع (4). وقال المحلي في شرحه (5): إن هذا استثناء قطعًا؛

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (117).

(2)

الاستثناء في اللغة: بمعنى العطف والعود كقولهم: "ثنيت الحبل إذا عطفت بعضه على بعض"، وقيل: بمعنى الصرف والصد من قولهم: "ثنيت فلانًا عن رأيه". انظر: لسان العرب (2/ 135 - 136).

(3)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 230 - 773)، جمع الجوامع (2/ 11).

(4)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 732 - 733).

(5)

انظر: شرح المحلى على جمع الجوامع (2/ 11).

ص: 530

لأنه مبلغ عن الله تعالى وإن لم يكن قرآنًا، وإنما الخلاف في غيره، كقول القائل:"إلا زيدًا" عقب قول غيره: "جاء الرجال"، فهو استثناء على الثاني لغو على الأقل.

قوله (1): وهو: "إخراج ما لولاه لوجب دخوله لغة" عند الأكثر (2)، وقال قوم لجاز (3).

احتج الأكثر: باللغة، وبأنه لا يصح الاستثناء من جمع منكر كـ "اضرب رجالًا إلا زيدًا" وهذا حده على المرجح من أن الاستثناء من غير الجنس لا يصح، أما إذا صححناه وقلنا بالاشتراك، أو المجاز، فلا يمكن جمع الاستثنائين في حد واحد؛ لأن أحدهما: مخرج من حيث المعنى، والآخر: غير مخرج، فإذا اختلفا في الحقيقة تعذر جمعهما بحد واحد.

نعم يمكن حدهما بحد واحد باعتبار اللفظ، وهو أن يقال:"هو المذكور بعد "إلا" وأخواتها"، هكذا ذكره ابن الحاجب (4).

وقال في العدة (5): "الاستثناء: كلام ذو صيغ محصورة، تدل على أن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول".

ولا يلزم عليه القول المتصعل بلفظ العموم نحو قولهم:

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (117).

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 899)، القواعد والفوائد ص (246).

(3)

انظر: المصدر السابق.

(4)

انظر: منتهى الوصول والأمل ص (121).

(5)

انظر: العدة (2/ 659 - 660).

ص: 531

"رأيت المؤمنين وما رأيت زيدًا ولم أر عمرًا"، لقولنا:"كلام ذو صيغ محصورة".

وحروف الاستثناء محصورة وليس "الواو" منها.

قال أبو العباس (1): "هذا الاستثناء في اصطلاح النحاة، وأما الاستثناء في عرف الفقهاء فهذا منها (2)، ولهذا لو قال: له هذه الدار ولي منها هذا البيت، كان هذا استثناء عندهم، فالاستثناء قد يكون بمفرد وهو الاستثناء الخاص، وقد يكون بما هو أعم من ذلك كالجملة، وهو العام، كما أن [الاشتراط بالمشيئة] (3) هو استثناء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والفقهاء، وليس استثناء في العرف النحوي".

قوله (4): وقد اختلف في تقدير الدلالة في الاستثناء فالأكثر المراد بعشرة في قولك: "عشرة إلا ثلاثة"، سبعة، و"إلا" قرينة، كالتخصيص بغيره.

وقال ابن الباقلاني (5): "عشرة إلا ثلاثة" بإزاء سبعة، كاسمين مركب ومفرد.

(1) انظر: المسودة ص (154).

(2)

انظر: المصدر السابق.

(3)

في المخطوط [لاستثناء بالمشبه] وهو في إحدى نسخ المسودة.

قال محقق المسودة محمد محيي الدين عبد الحميد (154): "في: ب، د": ""كما أن الاستثناء بالمشبه" تحريف والاشتراط بالمشيئة: أن يقول المتكلم: "إن شاء الله".

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (117).

(5)

انظر: المنتهى لابن الحاجب ص (122).

ص: 532

فالاستثناء على قول الأكثر تخصيص، وعلى قول ابن الباقلاني ليس بتخصيص.

اختلف في تقدير دلالة الاستثناء على مذاهب.

أحدها: وهو الذي عزي للأكثر (1) أن المراد بعشرة، سبعة، [وإلا](2) قرينة تبين أن الكل استعمل، وأريد الجزء مجازًا وعلى هذا فالاستثناء مبين لغرض المتكلم بالمستثني منه فإذا قال:"عليّ عشرة"، كان ظاهرًا في الجميع، ويحتمل إرادة بعضها مجازًا، فإذا قال:"إلا ثلاثة"، فقد بين أن مراده بالعشرة، سبعة فقط كما في سائر التخصيصات.

الثاني (3): أن المستثنى والمستثني منه جميعًا وضعا لمعنى واحد (4)، حتى كأن العرب وضعت اسمين لمعنى السبعة، أحدها: مفرد، وهو سبعة، والثاني: مركب، وهو عشرة إلا ثلاثة.

الثالث: وهو الذي صححه ابن الحاجب (5) والتاج السبكي (6): أن المستثنى منه يراد به جميع أفراده، ولكن لا يحكم بالإسناد حتى يخرج منه ما يريد إخراجه بالأداة، فإذا خرج منه ما

(1) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 896)، المنتهى ص (122).

(2)

في المخطوط [لا]، والتصويب من تشنيف المسامع (2/ 739).

(3)

انظر: المنتهى لابن الحاجب ص (122).

(4)

وهو ما يفهم من الكلام آخرًا.

(5)

انظر: المنتهى ص (122).

(6)

انظر: جمع الجوامع بشرح المحلى (2/ 14).

ص: 533

أراد فحينئذ يحكم بالإسناد، فإذا قال:"له علي عشرة إلا ثلاثة"، فالمراد بالعشرة، عشرة باعتبار الأفراد، ولكن لا يحكم بإسناد الخبر ونقوله إلى المبتدأ وهو عشرة إلا بعد إخراج الثلاثة منه، ففي اللفظ استند إلى عشرة وفي المعنى استند إلى سبعة، والإسناد بعد الإخراج، فلم يستند [إلا](1) إلى سبعة، فعلى هذا قيل: يحتمل أن الاستثناء تخصيص كالمذهب الأول؛ لقصر لفظ المستثنى منه بعد الإسناد على بعض مسماه، ويحتمل: لا، كالمذهب الثاني؛ لأنه أريد به تمام مسماه.

وجه الأول: لو أريد عشرة كاملة امتنع مثل: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (2)؛ لأنه يلزم كذب أحدهما، ولم نقطع بأنه إنما أقر بسبعة (3).

رد: ذلك بأن الصدق والكذب والحكم بالإقرار باعتبار الإسناد لا باعتبار العشرة، والإسناد بعد الإخراج.

ووجه الثاني: ما سبق (4)

ووجه الثالث: أن الاستثناء من النفي إئبات وبالعكس -لما يأتي- فوجب كونه معارضًا لصدر الجملة في بعض.

(1) ما بين معقوفين سقط من المخطوط والإكمال من التشنيف (2/ 739).

(2)

آية (14) من سورة العنكبوت.

(3)

والواقع أنا قطعنا بذلك.

(4)

وهو أن مدلوله سبعة لكن له لفظان مركب وهو "عشرة إلا ثلاثة" وغير مركب وهو "سبعة".

ص: 534

رد: معارض بقولهم: تكلم (1) بالباقي بعد الثني (2)(3).

قوله (4): مسألة: لا يصح الاستثناء من غير الجنس عند أحمد (5) وأصحابه، خلافًا لبعض الشافعية (6) ومالك (7).

والأشهر عن أبي حنيفة: صحته في مكبل أو موزون من أحدهما فقط.

وفي صحة أحد النقدين من الآخر روايتان.

وفي المغني: يمكن حمل الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه.

وخرّج أبو الخطاب منها صحة الاستثناء من غير الجنس مطلقًا.

وجه الأول (8): أن الاستثناء صرف اللفظ بحرفه (9) عما يقتضيه لولاه، أو إخراج (10)؛ لأنه مأخوذ من الثني من قولهم: ثنيت فلانًا عن رأيه، وثنيت عنان دابتي.

(1) أي: الاستثناء.

(2)

أي: بعد الاستثناء، وهو اسم من أسماء الاستثناء. انظر: لسان العرب (2/ 136).

(3)

وهذا معارض كونه من الإثبات نفيًا، ومن النفي إثباتًا.

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (117 - 118).

(5)

انظر: العدة (2/ 673)، التمهيد (2/ 85)، روضة الناظر (2/ 747).

(6)

انظر: الإحكام (2/ 313).

(7)

انظر: أحكام الفصول ص (275)، شرح التنقيح ص (241، 242).

(8)

أي: القائل بعدم صحة الاستثناء من غير الجنس.

(9)

أي: بحرف الاستثناء.

(10)

أي: إخراج بعض ما تناوله المستثنى منه.

ص: 535

ولأن الاستثناء إنما يصح لتعلقه بالأول، لعدم استقلاله وإلا لصح كل شيء [من كل شيء](1)، لاشتراكهما في معنى عام.

ولأنه لو قال: "جاء الناس إلا الكلاب أو إلا الحمير" عد قبيحًا لغة وعرفًا (2).

ورد الأول (3): لأنه محل النزاع، وبأنه مشتق من التثنية كأنه ثنى الكلام به، ولا يلزم من الاشتقاق لمعنى نفي كونه حقيقة لمعنى آخر ولا الاطراد (4).

وقبح ما ذكر لا يمنع لغة (5).

واحتج علماؤنا وغيرهم: بأنه تخصيص فلا يصح في غير داخل.

ووجه الثاني (6): وقوعه كقوله: {إِلَّا رَمْزًا} (7)، {أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} (8)، {مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (9)، {مِنْ سُلْطَانٍ

(1) ما بين معكوفين ساقط من المخطوط، والإكمال من أصول الفقه لابن مفلح (3/ 890).

(2)

انظر: المصدر السابق.

(3)

وهو أن الاستثناء صرف اللفظ بحرفه

"ثنيت عنان دابتي".

(4)

أي: لا يلزم أن يكون كل شيء وجد فيه معنى التثنية أنه استثناء.

(5)

أي: لا يمنع الجواز لغة.

(6)

أي: القائل بصحة الاستثناء من غير الجنس.

(7)

آية (41) من سورة آل عمران.

(8)

آية (92) من سورة النساء.

(9)

آية (157) من سورة النساء.

ص: 536

إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ} (1)، [وقول العرب: ] (2)"ما بالدار أحد إلا الوتد، وما جاءني زيد إلا عمرو".

ولأنه لو أقر بمائة درهم إلا ثوبًا لغا على الأول، مع إمكان تصحيحه بأن معناه:"قيمة ثوب"، لا سيما إن أراده.

رد: أن "إلا" في ذلك بمعنى "لكن" وعند النحاة، منهم: الزجاج (3) وابن (4) قتيبة (5)، وقال: هو قول سيبويه (6) وهو استدراك ولهذا لم يأت (7) إلا بعد نفي أو بعد إثبات بعده جملة (8) ولا مدخل للاستدراك في إقراره (9)، فبطل ولو مع جملة بعده

(1) آية (22) من سورة إبراهيم.

(2)

ما بين معكوفين ساقط من المخطوط، والإكمال من أصول الفقه لابن مفلح (3/ 891).

(3)

انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (2/ 97، 140)، ونقله أبو الخطاب عنه (2/ 88)، من أمالي الزجاج.

(4)

في كتابه "الجامع في النحو". انظر: العدة (2/ 676 - 677)، الواضح (3/ 488).

(5)

هو: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المحدث الأديب اللغوي المقرئ، من تصانيفه: غريب القرآن، وعيون الأخبار، والجامع في النحو، توفي سنة:(270 هـ) وقيل (276 هـ).

انظر: تاريخ بغداد (10/ 170)، سير أعلام النبلاء (13/ 296)، إشارة التعيين ص (172).

(6)

انظر: الكتاب (1/ 325، 366).

(7)

أي: الاستثناء في الكتاب العزيز من غير الجنس.

(8)

أي: ولم يأت في الإثبات إلا إذا كان بعده جملة.

(9)

لأنه إثبات للمقر به، فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلًا.

ص: 537

كقوله: [له](1) مائة درهم إلا ثوبًا لي عليه"، فيصح إقراره وتبطل دعواه، كتصريحه بذلك بغير استثناء.

والمذهب الأول (2): أظهر؛ لسبق المتصل إلى الفهم، وهو دليل الحقيقة (3)، لكن عند تعذره في العمل بالمنقطع نظر.

وعلى المذهب الثاني (4): قال قوم (5): مشترك؛ لأن [المتصل [(6) إخراج، والمنقطع مخالفة (7)، فلا اشتراك معنوي بينهما، وإنما هو لفظي بمعنى أنه موضوع لكل واحد منهما أولا.

وقال قوم (8): متواطئ، أي مقول بالاشتراك المعنوي لتقسيم الاستثناء إليهما، والأصل عدم الاشتراك اللفظي والمجاز.

وأما استثناء نقد من آخر ففيه روايتان (9). أحدهما: لا يصح لأنه من غير الجنس فهو جار على القاعدة.

(1) ما بين معكوفين ساقطة من المخطوط والإكمال من أصول الفقه لابن مفلح (3/ 892).

(2)

القائل: بعدم صحة الاستثناء من غير الجنس، ولا يسمى استثناء إلا تجوزًا، وإنما هو استدراك.

(3)

أي: فيكون حقيقة فيه مجازًا في المنقطع.

(4)

القائل: بصحة الاستثناء من غير الجنس، ويطلق الاستثناء عليه حقيقة.

(5)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 892)، المنتهى ص (121)، رفع الحاجب (3/ 237).

(6)

في المخطوط [الأصل]، والصواب ما أثبت.

(7)

أي: من غير إخراج.

(8)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 892)، المنتهى ص (121)، رفع الحاجب (3/ 237).

(9)

انظر: العدة (2/ 677 - 768).

ص: 538

والثانية: يصح. قال (1) في روضة الفقه (2) لبعض الحنابلة: بناه على أنهما جنس أو جنسان. فيؤخذ من كلامه على أن في المذهب خلافًا أنهما جنس واحد. فعلى هذا إن حكمنا بأنهما جنس واحد صححنا وإلا فلا.

قال المصنف في قواعده (3): "وما قاله صاحب الروضة غلط، إلا أن يريد أنهما كالجنس الواحد [في الاستثناء] (4) كما قال في العدة (5) والواضح (6)، فإنهما قالا: أجريا مجرى الجنس الواحد في أشياء مثل كونهما قيم الأشياء والأروش وغير ذلك".

وفي المغني (7): يمكن حملها على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر، أو يعلم قدره منه، لأنه إذا استقر أن الدينار بخمسين مثلًا، لم يزد عليها ولم ينقص، علم أن الألف درهم في مقابلة عشرين دينارًا، ولهذا يقع في العرف كثيرًا البيع بدراهم وأخذ الذهب عنها، وكذا العكس من غير نكير، ولا منازعة بين الخصمين، وهذا مما يقوي أنهما كالجنس الواحد.

(1) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 888)، والقواعد والفوائد الأصولية ص (256).

(2)

كتاب في الفقه، جعله المرداوي من مصادره في كتاب الإنصاف ونسبه لبعض الأصحاب.

انظر: الإنصاف (2/ 244)، (2/ 345)، (3/ 467).

(3)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (256).

(4)

ما بين معكوفين ليست في المخطوط، والإضافة من المصدر السابق.

(5)

انظر: العدة (2/ 677، 768).

(6)

انظر: الواضح (3/ 490).

(7)

انظر: المغني (7/ 270).

ص: 539

فعلى ما قاله القاضي وابن عقيل يختص الخلاف بالنقدين، وعلى ما قاله في المغني يجيء الخلاف في كل شيء (1).

كذلك فإنه حمل رواية البطلان على ما إذا انتفى معرفة قدر أحدهما من الآخر، ولم يعبر به عنه.

ولما نظر أبو الخطاب إلى أنها مخالفة في الجنس وقد صح استثناؤها من غير الجنس خرج (2) صحة الاستثناء من غير الجنس مطلقًا سواء كان الجنس مرئيًا أو معينًا نظرًا إلى صحة استثناء جنس من آخر.

وأما أبو حنيفة فحكى جماعة عنه (3): عدم صحته مطلقًا. ولكن الأشهر عنه (4): صحته في مكيل أو موزون من أحدهما فقط.

(1) قال ابن قدامة في المغني (7/ 270): ومتى أمكن حمل الكلام على وجه صحيح، لم يجز إلغاؤه.

(2)

انظر: المغني (7/ 270).

(3)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 889).

(4)

قال ابن قدامة في المغني (7/ 268): "أي: إذا استثنى مكيلًا أو موزونًا جاز، وإن استثنى عبدًا أو ثوبًا من مكيل أو موزون لم يجز".

قال الكاساني في بدائع الصنائع (7/ 311): إذا كان المستثنى من خلاف جنس المستثنى منه ينظر، إن كان المستثنى مما يثبت دينًا في الذمة مطلقًا كالثوب لا يصح الاستثناء، وعليه جميع مما أقر به عندنا بأن قال: له علي عشرة دراهم إلا ثوبًا .. وإن كان المستثنى مما يثبت دينًا في الذمة مطلقًا من المكيل والموزون والعدوى المتقارب بأن قال: لفلان عليّ عشرة إلا درهم أو إلا قفيز حنطة أو مائة دينار إلا عشرة دراهم أو دينار إلا مائة جوزه.

يصح الاستثناء عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهما، ويطرح مما أقرّ به قدر قيمة المستثنى، وعند محمد وزفر رحمهما الله لا يصح الاستثناء أصلًا.

ص: 540

قوله (1): ولا يصح الاستثناء من جمع منكر عند الأكثر (2).

وسلم القاضي وابن عقيل صحته مطلقًا (3).

لأن الجمع المنكر لا يعم فلا يستثنى منه.

قال أبو العباس (4): "لا يصح الاستثناء من النكرات كما يصح من المعارف، ذكره ابن عقيل (5) محل وفاق محتجًا به على أن الاستثناء يخرج ما دخل لا ما صح دخوله".

وسلم القاضي (6) وابن عقيل (7) صحته (8)؛ لأنه قد يكون إخراج بعض من بعض الذي هو أقل الجمع.

قوله (9): وبجوز الاستثناء في كلام الله تعالى وكلام المخلوق عند الأكثر.

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (118).

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 900)، البحر المحيط (3/ 1349.

(3)

كلمة [مطلقًا] ليست في المطبوع.

(4)

انظر: المسودة ص (159).

(5)

قال ابن عقيل في الواضح (3/ 359): "لا يجوز الاستثناء من لفظ الجموع إذا تجردت عن الألف واللام، فلا نقول: رجالًا إلا زيدًا أو عمرًا.

على أنا لو سلمنا توسعة الكلام، فإن الاستثناء يخرج البعض من الكل، ويخرج البعض من البعض، ومهما كان الجمع متحملًا لإخراج بعضه، صح الاستثناء منه بحسبه، ولا يعطى هذا استغراق الجنس".

(6)

انظر: العدة (2/ 525).

(7)

انظر: الواضح (3/ 359).

(8)

أي: صحة الاستثناء من الجمع المنكر.

(9)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (118).

ص: 541

وشذ بعضهم وقال: لا يجوز الاستثناء إلا في كلام الله تعالى خاصة.

الأكثر على جواز الاستثناء في كلام الله عز وجل وكلام المخلوق. والدليل عليه وقوعه في الكتاب والسنة وكلام العرب.

وشذ بعضهم (1) فقال: إن كان في كلام الله تعالى فيجوز؛ لأن الله عز وجل لا يغيب عنه شيء فهو مراد له بخلاف غيره.

قوله (2): مسألة: شرط الاستثناء الاتصال لفظًا أو حكمًا، -كانقطاعه بتنفس أو سعال ونحوه- عند الأكثر (3)، كسائر التوابع.

وعن ابن عباس إلى شهر.

وقيل سنة.

وقيل: أبدا.

وعن سعيد بن جبير (4): أربعة أشهر.

وعن (5) عطاء والحسن: في المجلس، وأومأ إليه إمامنا في الاستثناء في اليمين.

(1) انظر: شرح الكوكب المنير (3/ 301)، المنتهى ص (124)، الإحكام (2/ 310).

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (118).

(3)

انظر: العدة (2/ 660)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 901)، بديع النظام (2/ 517)، فواتح الرحموت (1/ 321)، شرح التنقيح ص (242)، الإحكام (2/ 310).

(4)

انظر: شرح الكوكب (3/ 300).

(5)

انظر: التمهيد (2/ 74)، المسودة ص (152).

ص: 542

وقيل: ما لم يأخذ في كلام آخر.

لنا قوله صلى الله عليه وسلم: (من حَلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه) متفق عليه (1). احتج به أحمد (2) والأئمة (3).

فلو صح لم يعين الكفارة وأرشده إلى الاستثناء؛ لأنه أسهل لعدم (4) حنثه (5). وعن ابن عمر مرفوعًا (من حلف فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) رواه أحمد (6) والنسائي (7) والترمذي (8) وحسنه وإسناده جيد.

فال بعضهم (9): والأشهر وقفه.

والفاء للتعقيب، وإلا كانت الواو أولى؛ لكثرة الفائدة ولعدم اللبس.

(1) أخرجه البخاري في كتاب كفارات الأيمان، باب الاستثناء في الأيمان برقم:(6340).

ومسلم في كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه برقم:(1650).

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 904).

(3)

انظر: بديع النظام (2/ 518)، المنتهى ص (124)، الإحكام (2/ 310).

(4)

أي: لأنه لا حنث بالاستثناء.

(5)

الحنث: نقضها والنكث فيها. انظر: لسان العرب (3/ 353).

(6)

انظر: المسند (2/ 6، 48، 153).

(7)

أخرجه النسائي في كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء برقم:(3838)(3839) بلفظ: (من حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى).

(8)

أخرجه الترمذي في كتاب النذور والأيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الاستثناء في اليمين برقم:(1533).

(9)

القائل: ابن مفلح في أصوله (3/ 905). وانظر: المصنف لعبد الرزاق (8/ 515 - 516).

ص: 543

ولما تم إقراره ولا طلاق ولا عتاق.

ولما علم صدق ولا كذب لإمكان الاستثناء.

ولأنه غير مستعمل لغة.

ولأنه غير مستقل كالجزاء مع الشرط والخبر مع المبتدأ (1).

وجوزه بعض علمائنا (2) فيهما (3) بزمن يسير.

قالوا: لو لم يصح لم يفعله صلى الله عليه وسلم في: (لأغزون قريشًا) ثم سكت، ثم قال:(إن شاء الله) ثم لم يغزهم. رواه أبو داود (4) عن ابن عباس مرسلًا وموصولًا.

رد: إن صح فسكوته لعارض أو التقدير" "أفعل إن شاء الله".

قالوا: لولا صحته لم يقل به ابن عباس.

رد: قال ابن عمر: بخلافه رواه سعيد (5).

(1) فلو قال: زيد. ثم قال بعد شهر أو يوم: قام، لم يُعدَّ متكلمًا بالمبتدأ والخبر، بل ينقطع الخبر عن الابتداء، وكذا لو قال: أكرم خالدًا. ثم قال بعد شهر: إن حفظ القرآن. لأن كل جملة واحدة، فلا يفصل بعضها عن بعض.

(2)

انظر: المسودة ص (153).

(3)

أي: في المبتدأ والخبر، والشرط والجزاء.

(4)

أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت برقم:(3285)(3286).

ورجَّح أبو حاتم إرساله. انظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 440).

(5)

لم أجده في سنن سعيد بن منصور المطبوع، انظر: مصنف عبد الرزاق (8/ 515 - 516).

ص: 544

ثم: إن صح فلعل مراده: "أفعل إن شاء الله"(1)، أو ما سبق. وذكر الآمدي (2) اتفاق أهل اللغة -سواه- على إبطاله.

وقال الإمام أحمد (3): "قول ابن عباس إذا استثناه بعد سنة فله ثنياه. ليس هو في الأيمان إنما تأويله قول الله تعالى {(22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} (4) (5) فهذا استثناء من الكذب؛ لأن الكذب ليس فيه كفارة".

وابن عباس حكي عنه ثلاثة أقوال، فالذي رواه عنه سعيد (6) أنه كان يرى الاستثناء جائزًا ولو بعد سنة، فيه الأعمش وهو مدلس (7).

(1) أي: إن صح ذلك فلعله كان يعتقد صحة إضمار الاستثناء، ويدين المكلف بذلك فيما بينه وبين الله تعالى، وإن تأخر الاستثناء لفظًا، وهو غير ما نحن فيه.

(2)

انظر: الإحكام (2/ 312) ولفظه: "واتفاق أهل اللغة على إبطاله ممن سواه".

(3)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (251).

وقال أيضًا ص (252): "قلت: مراد أحمد رضي الله عنه والله أعلم- إنه إذا نسي أن يقول: أفعل كذا إن شاء الله تعالى. فيقول متى ذكر. وعليه يحمل مذهب ابن عباس".

(4)

آية (23، 24) من سورة الكهف.

(5)

أي: إذا نسيت أن تستثني عند القول فاستثن بعد ذلك، ولم يحدد سبحانه وتعالى لذلك غاية.

(6)

انظر: تفسير الطبري (17/ 645).

(7)

يدلس الأعمش إذا عنعن كما في هذا الخبر.=

ص: 545

وحكى عنه (1): جوازه إلى شهر.

وحكى عنه (2): أبدًا.

وحكى عن مجاهد (3): جوازه إلى سنتين.

وعن الإمام أحمد (4) الاستثناء في اليمين يصح منفصلًا في زمن يسير، ولم يختلط كلامه بغيره.

وعنه (5) أيضًا: وفي المجلس، وذكره في الإرشاد (6) قول بعض علمائنا. وفي المبهج (7): ولو تكلم.

قال أبو العباس (8): "هاتان الروايتان عن أحمد يجب إجراؤها في جميع صلات الكلام المغيرة له، من التخصيصات

= قال الذهبي: "ومتى قال "عن" تطرق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وابن أبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا المصنف محمولة على الاتصال".

انظر: ميزان الاعتدال (2/ 224)، سير أعلام النبلاء (6/ 226).

(1)

انظر: المسودة ص (136)، القواعد والفوائد الأصولية ص (251)، البحر المحيط (3/ 284).

(2)

انظر: المستدرك (4/ 303).

(3)

انظر: معالم السنن للخطابي (3/ 590)، القواعد والفوائد الأصولية ص (251).

(4)

انظر: العدة (2/ 661)، التمهيد (2/ 74).

(5)

انظر: المصدر السابق.

(6)

انظر: الإرشاد لابن أبي موسى ص (408).

(7)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 903).

(8)

انظر: المسودة ص (152 - 153).

ص: 546

والتقييدات، كالشرط والاستثناء والصفات والأبدال والأحوال ونحو ذلك. والأحكام تدل على ذلك، فإن الفاتحة لو سكت في أثنائها سكوتا يسيرًا لم يخل بالمتابعة الواجبة، ولو طال أو فصل بأجنبي أخل، مع أن بعضها صفات وبعضها بدل، بخلاف كلمات الأذان فإنها جمل مستقلة، هذا فيما إذا كان المتبوع مستقلًا والتابع غير مستقل، فأما إن كان مستقلين كالتخصيصات المنفصلة جاز انفصالها لكن في قبوله في الحكم تفصيل" .. انتهى.

وكما يشترط الاتصال المعتاد في الاستثناء فكذا يشترط في سائر التوابع اللفظية من المبتدأ والخبر والشرط والجزاء ونحوهما، فكما لا يجوز أن يقال:"له عشرة" ثم بعد شهر يقول "إلا درهمًا: فكذا لا يجوز أن يقال: "زيد" ثم بعد مدة يقال: "قائم" ولا "أكرم زيدا" ثم بعد مدة "إن فعل كذا" والله أعلم.

قوله (1): وتشترط نية الاستثناء عند الأكثر (2).

وهل تشترط قبل تكميل المستثنى منه، أو من أول الكلام أو تصح ولو بعده؟ أقوال.

أما اشتراط النية فلأن تعلق الكلام بعضه ببعض يحتاج إلى القصد والإرادة، ومتى لم يقصد التعليق كان الثاني غير الأول، لكن هل تشترط النية قبل تكميل المستثنى منه كما جزم به أبو

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (119).

(2)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (252)، شرح الكوكب المنير (3/ 303 - 304)، فواتح الرحموت (1/ 326)، البحر المحيط (3/ 293).

ص: 547

البركات في المحرر (1)؛ لأنه إذا لم يكمل الأول فهو منه وإذا كان فيه صح قصد تعلق الثاني به.

أو تشترط النية من أول الكلام لأنه إذا نوى تعلق الثاني بالأول من أول الكلام فهو أقوى في "تصيير" الجملتين جملة واحدة.

أو تصح النية ولو بعد فراغ الأول؛ - لأننا قد اشترطنا على الاتصال؛ فالكلام الأول حكمه باق، فهو كما لو قصد - فيه أقوال (2).

قوله (3): مسألة: لا يصح الاستثناء إلا نطقًا عند الأكثر (4) إلا في اليمين (5) لخائف من نطقه.

وقال بعض المالكية: قياس مذهب مالك صحته بالنية (6).

(1) انظر: المحرر (2/ 60).

(2)

قال ابن اللحام في قواعده ص (252 - 253): "وإذا قلنا بالمذهب - وهو اشتراط نية الاستثناء - فما محلها في ذلك؟ ثلاثة أقوال ..

أحدها: أنه يتوجه أن يكون محله في أول الكلام.

والثاني: أنه يصح، ولو بعده، وقال أبو العباس: لا يضر فصل يسير بالنية وبالاستثناء.

والثالث: محله قبل تكميل المستثنى منه".

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (119).

(4)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 911)، شرح الكوكب المنير (3/ 304).

(5)

في المطبوع [يمين].

(6)

في المدونة (2/ 109): قال مالك: وإن استثنى في نفسه ولم يحرك به لسانه لم ينتفع بذلك.

ص: 548

ويجوز تقديمه عند الأئمة الأربعة (1)، كقوله عليه السلام (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) الحديث متفق عليه.

لأنه قد تقدم أن الاستثناء إخراج بعض الجملة بإلا أو ما قام مقامها. وإلا وأخواتها حروف لا بد لها من نطق، فتعين النطق إلا في اليمين إذا كان مظلومًا، وخاف من نطقه ضررًا، فإن النطق لا يتعين هنا دفعًا للضرر.

ومراده - والله أعلم - إذا كان المستثنى منه عددًا صريحًا بخلاف ما إذا كان المستثنى منه عامًا، فإنه يصح الاستثناء منه بالنية على ما ذكره الفقهاء فإنهم قالوا: إذا قال: "أنت طالق ثلاثًا" واستثنى بقلبه "إلا واحدة" فإنه لا يديّن على المقدم. خلافًا لأبي الخطاب (2)، وإذا قال:"نسائي طوالق" واستثنى بقلبه واحدة فإنه يديّن؛ لأن نسائي عام بخلاف الأول فإنه صريح. وكذا إذا قال: "نسائي الأربع" لم يدين على المقدم لكونه صرح بالعدد بقوله: "الأربع". وأما الحديث (3) فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) أو (أتيت الذي هو خير وكفرت

(1) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 911)، شرح الكوكب (3/ 304).

(2)

انظر: الهداية لأبي الخطاب (2/ 12).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب كفارات الأيمان، باب الاستثناء في الأيمان برقم:(6718).

ومسلم في كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه برقم:(1649).

ص: 549

عن يميني) ومثله قول (1) الكميت (2):

فما لي إلا آل أحمد شيعة ....

قوله (3): مسألة: استثناء الكل باطل إجماعًا ثم إذا استثنى بعده، فهل يبطل الجميع لأن الثاني فرع الأول أم يرجع إلى ما قبله لأن الباطل كالعدم، أم (4) يعتبر ما تؤول إليه الاستثناءات؟ فيه أقوال.

هذه الأقوال: لنا (5) وللعلماء (6). وتعليل الثالث هو: أن الكلام لا يتم إلا بآخره وبعض الكلام لا حكم له فلا بد من تمامه.

(1) وعجزه:

وما لي إلا مشعب الحق مشعب

وأصل كلامه من غير تقديم ولا تأخير: وما لي شيعة إلا آل أحمد

وما لي مشعب إلا مشعب الحق

والشيعة: الأعوان، والمشعب: الطريق.

(2)

هو: أبو المستهل، وقيل: أبو السهيل الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي، شاعر كبير من العصر الأموي، شيعي على عصبيته لمضر، أجود شعره ما قاله في مدح بني هاشم.

انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة (2/ 581)، سير أعلام النبلاء (5/ 388).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (119).

(4)

في المطبوع "أو".

(5)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 912)، القواعد والفوائد الأصولية (247 - 248).

(6)

انظر: بديع النظام (2/ 519)، المنتهى ص (125)، البحر المحيط (3/ 287).

ص: 550

والإجماع (1) المتقدم حكاه الغزالي (2) والشيرازي (3) وابن الحاجب (4)، ونقضه القرافي (5)، كما حكي (6) عن ابن طلحة الأندلسي (7) المالكي في كتاب المدخل في الفقه (8) إذا قال لامرأته: "أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا: قولين: أحدهما: أنها - لا تلزمه.

قال بعض المالكية (9): عدمه (10) يقتضي استثناء الجميع (11).

(1) قيد الحنفية البطلان بما إذا كان الاستثناء بلفظ المصدر نحو: "عبيدي أحرار إلا عبيدي" أو كان بلفظ مساوية في المفهوم نحو: "عبيدي أحرار إلا مماليكي"، وأما الاستثناء المستغرق بغيرهما نحو:"عبيدي أحرار إلا هؤلاء" أو "إلا سالما وغانمًا وراشدًا" والحال أنهم هم الكل من العبيد، فعند الحنفية لا يمتنع.

انظر: فواتح الرحموت (1/ 323 - 324).

(2)

لم ينص على ذلك في المستصفى (2/ 183)، والمنخول ص (233).

(3)

لم أره تعرض لذلك، انظر: اللمع ص (97)، التبصرة ص (168).

(4)

قال: "باتفاق". انظر: المنتهى ص (125).

(5)

انظر: شرح تنقيح الفصول ص (245).

(6)

انظر: شرح تنقيح الفصول ص (244).

(7)

في المخطوط [ابن أبي طلحة]، والتصويب من شرح التنقيح (244) ومصادر ترجمته. وهو: أبو بكر عبد الله بن طلحة بن محمد الإشبيلي المالكي المفسر الفقيه الأصولي اللغوي، من تصانيفه: المدخل في الفقه، وسيف الإسلام على مذهب مالك، مات سنة (523 هـ).

انظر: شجرة النور الزكية ص (130)، الفتح المبين (2/ 21).

(8)

انظر: نسبة هذا الكتاب له: شرح تنقيح الفصول ص (244)، والفتح المبين (2/ 21).

(9)

انظر: شرح تنقيح الفصول ص (244 - 245).

(10)

أي: عدم اللزوم.

(11)

أي: استثناء الجميع من الجميع.

ص: 551

قال أبو العباس (1): "وليس كذلك وإنما هذا على قول مالك يتمشى. وبيَّض لذلك"(2).

قوله (3): واستثناء الأكثر من عدد مسمى باطل عند أحمد (4) وأصحابه (5) وأكثر النحاة (6)، خلافًا لأبي بكر الخلال (7) والأكثر (8).

وفي صحة استثناء النصف وجهان.

أما استثناء الأكثر فقال في المسودة (9): "لا خلاف في جوازه إذا كانت الكثرة من دليل خارج، لا من اللفظ.

فأما إن كان من عدد مسمى فهو محل الخلاف وقال في الروضة (10): "وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين يجوز استثناء الأكثر".

ولنا: أن الاستثناء لغة، وأهل اللغة نفوا ذلك وأنكروه.

(1) انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (248).

(2)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (248).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (119).

(4)

انظر: العدة (2/ 666).

(5)

انظر: المسودة ص (154)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 913).

(6)

انظر: همع الهوامع (1/ 228)، المسودة ص (154)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 913).

(7)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 914).

(8)

انظر: بديع النظام (2/ 519)، شرح تنقيح الفصول ص (244)، الإحكام (2/ 318).

(9)

انظر: المسودة ص (155).

(10)

انظر: روضة الناظر (2/ 752).

ص: 552

قال أبو إسحاق الزجاج (1): لم يأت الاستثناء إلا في الأقل من الأكثر.

وقال ابن جني (2): لو قال القائل: "مائة إلا تسعة وتسعين" ما كان متكلمًا بالعربية وكان كلامه عيا من الكلام ولكنة (3).

قالوا: وقع في قوله {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (4)، وقوله {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)} (5) وأيهما كان أكثر فقد استثناه، أو أن الغاوين أكثر بقوله:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} (6).

رد: الخلاف في الاستثناء من عدد وهذا تخصيص بصفة، وفرق بينهما؛ لأنه يستثنى بالصفة مجهولًا من معلوم ومن مجهول، والجميع (7) أيضًا؛ فلو قال:"اقتل من في الدار إلا بني تميم أو إلا البيض" -فكانوا كلهم بني تميم، أو بيضًا- لم يجز قتلهم، بخلاف العدد.

(1) في كتابه معاني القرآن وإعرابه. انظر: العدة (2/ 667)، ونقله عنه النحاس في إعراب القرآن (2/ 565).

(2)

انظر: العدة (2/ 667)، ونفائس الأصول للقرافي (2/ 1360).

(3)

اللكنة: عجمة في اللسان. وعي، والألكن: الذي لا يقيم العربية من عجمة في لسانه.

انظر: لسان العرب (12/ 323).

(4)

آية (42) من سورة الحجر.

(5)

آية (40) من سورة الحجر.

(6)

آية (103) من سورة يوسف.

(7)

أي: ويستثنى الجميع أيضًا.

ص: 553

ثم: الجنس ظاهر والعدد صريح، فلهذا فرقت اللغة بينهما.

ثم: هو استثناء منقطع أي: لكن ثم: قوله: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ} (1) يعني: ولد آدم عليه السلام، وفي الآية الأخرى (2) أضاف العباد إليه، والملائكة منهم، فاستثنى الأقل فيهما.

واعتمد في العدة (3) والتمهيد (4) وغيرهما على الجواب الأول، وبه يجاب عن قوله "كلكم جائع إلا من أطعمته" رواه مسلم (5) من حديث أبي ذر (6).

وأما استثناء النصف ففيه وجهان لنا (7)، وذكر (8) ابن هبيرة (9) الصحة ظاهر المذهب.

(1) وهي قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} .

(2)

آية (40) من سورة الحجر.

(3)

انظر: العدة (2/ 669 - 670).

(4)

انظر: التمهيد (2/ 77 - 78).

(5)

في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم برقم:(2577).

(6)

هو الصحابي: جندب بن جنادة بن سفيان الغفاري الحجازي، أبو ذر، اختلف في اسمه، كان من السابقين إلى الإسلام، هاجر وصحب النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي، كان زاهد متقللًا من الدنيا، توفي بالربذة سنة:(32 هـ).

انظر: الإصابة (4/ 63)، الاستيعاب (4/ 61).

(7)

انظر: العدة (2/ 670)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 918).

(8)

انظر: الإفصاح (2/ 17).

(9)

هو: يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعد، عون الدين، أبو المظفر، العالم الوزير العادل، من تصانيفه: الإفصاح عن معاني الصحاح، والمقصد في النحو وغيرهما، توفي سنة:(560 هـ).

انظر: ذيل طبقات الحنابلة (1/ 251)، شذرات الذهب (4/ 191).

ص: 554

والمنع قول أكثر البصريين (1) وابن الباقلاني (2) وذكره أبو الطيب (3) الشافعي عن أحمد لقول الزجاج: "لم يأت إلا في القليل".

وجه الأول لقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} (4) و {نِصْفَهُ} بدل من "قليل"؛ لأنه لو كان بدلًا من {اللَّيْلَ} كان الاستثناء منه فقوله: {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (5) الهاء فيهما للنصف، - أي: انقص من نصفه قليلًا أي: عن الباقي - والقليل المستثنى ليس بمقدار فيعقل (6) النقصان منه. وقيل: "نصفه إلا قليلا"{أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} (7) معناهما واحد. كذا قيل.

وعن جماعة من أهل اللغة (8): لا يصح استثناء عقد كـ "عشرة" من "مائة"، بل بعضه كـ" خمسة".

قوله (9): مسألة: الاستثناء إذا تعقب جملًا (10) بالواو

(1) انظر: التسهيل لابن مالك ص (103)، همع الهوامع (1/ 228).

(2)

انظر: التقريب والإرشاد (3/ 143 - 144).

(3)

انظر: المسودة ص (155)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 918 - 919).

(4)

آية (2، 3) من سورة المزمل.

(5)

آية (3، 4) من سورة المزمل.

(6)

أي: حتى يعقل النقصان منه.

(7)

آية (3) من سورة المزمل.

(8)

انظر: المسودة ص (155)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 920)، البحر المحيط (3/ 293).

(9)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (119 - 120).

(10)

قال الأسنوي في تمهيده ص (399): "واعلم أن التعبير بالجمل قد وقع =

ص: 555

العاطفة عاد إلى جميعها عند الأكثر (1). وإلى الأخير عند الحنفية (2).

وقال جماعة من المعتزلة (3): ومعناه قول القاضى (4) في الكفاية: "إن تبين إضراب عن الأول فللأخيرة وإلا فللجميع".

وحكى عن الأشعرية (5): الوقف. قال أبو البركات (6): "وعندي حاصل قول الأشاعرة يرجع إلى قول الحنفية".

وقال المرتضى (7): بالاشتراك اللفظي، كالقرء والعين.

وجه الأول: أن العطف يجعل الجميع كواحد.

رد: هذا في المفردات وفي الجمل محل النزاع.

قالوا: كالشرط فإنه للجميع.

رد: بالمنع (8) ثم: قياس في اللغة.

= على الغائب، وإلا فلا فرق بينها وبين المفردات .. فإذا قال: حفصة وعمرة طالقتان إن شاء الله، فإن من باب الاستثناء عقب الجمل".

(1)

انظر: العدة (2/ 678)، المسودة ص (156)، تيسير التحرير (1/ 302)، شرح التنقيح ص (249)، التبصرة ص (172).

(2)

انظر: تيسير التحرير (1/ 302)، فواتح الرحموت (1/ 332).

(3)

كالقاضي عبد الجبار، وقريب منه قول أبي الحسين البصري.

انظر: المعتمد (1/ 246)، الوصول إلى الأصول (1/ 252).

(4)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (257).

(5)

انظر: الإحكام (2/ 323)، العدة (2/ 679).

(6)

انظر: المسودة ص (156).

(7)

انظر: الإحكام (2/ 323).

(8)

أي: منع أنه كالشرط.

ص: 556

ثم: الشرط رتبته التقديم لغة بلا شك (1).

قالوا: "خمسة وخمسة إلا ستة" للجميع إجماعًا، ذكره في التمهيد (2) فدل أن المراد بالجمل ما يقبل الاستثناء، لا الجمل النحوية، ولهذا ذكر القاضي (3) وغيره (4) الأعداد من صورها وسوى بين قوله:"رجل ورجل" وقوله: "رجلين".

وقال في المسودة (5): "لفظ الجمل يراد به ما فيه شمول لا يراد به الجمل النحوية"، ومن أمثلة المسألة قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يؤمن الرجل [الرجل] (6) في أهله، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) (7) قال الإمام أحمد (8):"أرجو أن يكون الاستثناء على كله".

وأما قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (9) فقيل: منقطع بمعنى: لكن ما ذكيتم من غير ما ذكر.

وقيل: متصل يعود على النطيحة وما بعدها.

(1) قال ابن مفلح في أصول (3/ 922): "فالجمل هي الشرط، والجزاء لها".

(2)

قال أبو الخطاب في التمهيد (2/ 95): "لو رجع الاستثناء إلى ما يليه لكان إذا قال: "له عليه خمسة وخمسة وخمسة إلا سبعة" أن يلغوا الاستثناء ويلزمه خمسة عشرة، فلما اجتمعنا على أنه يلزمه ثمانية دل على أن الاستثناء يرجع إلى الجميع".

(3)

انظر: العدة (2/ 680).

(4)

و (5) انظر: المسودة ص (156).

(6)

ما بين معكوفين ساقط من المخطوط.

(7)

أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب من أحق بالإمامة برقم: (673).

(8)

انظر: العدة (2/ 678 - 679)، التمهيد (2/ 91)، المسودة ص (156).

(9)

آية (3) من سورة المائدة.

ص: 557

القائل "يختص بالجملة الأخيرة": لم يرجع في آية القذف (1) إلى الجلد، فكذا غيرها دفعًا للاشتراك والمجاز.

رد: بالمنع في رواية عن أحمد (2).

ثم: لأنه حق آدمي فلا يسقط بتوبته، ولهذا عاد إلى غيره.

وهذا القول قواه في المسودة (3) واختاره ابن الخطيب (4) في المعالم (5).

القول الثالث: إن تبين إضراب عن الأول فللأخيرة وإلا فللجميع.

والإضراب على أربعة أقسام: الأول: أن يختلفا نوعًا (6)، كالأمر والخبر نحو:"أكرم بني تميم، وجاء القوم إلا الطوال".

الثاني: أن يتحدا نوعًا ويختلفا اسمًا (7) وحكمًا نحو: "أكرم بني تميم وأهن بني زيد إلا الطوال" إذ هما أمران.

(1) آية (4، 5) من سورة النور.

(2)

انظر: الإنصاف (10/ 200، 12/ 59)، القواعد والفوائد الأصولية ص (260).

(3)

انظر: المسودة ص (156).

(4)

انظر: المعالم ص (93).

(5)

المعالم في علم أصول الفقه، طبع ضمن مطبوعات دار عالم المعرفة- مصر عام (1414 هـ) بتحقيق كلٍّ من الشيخ / عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ / علي محمد معوض.

(6)

بأن تكون إحداهما طلبًا كالأمر، والأخرى خبرًا.

(7)

ولا يكون الاسم في الجملة الثانية ضميرًا للاسم في الجملة الأولى، مثل "أكرم بني تميم، واستأجرهم إلا الصغار".

ص: 558

الثالث: أن يتحدا نوعا ويشتركا حكمًا لا اسما نحو: "سلم على بني تميم، وسلم على بني ربيعة إلا الطوال".

الرابع: أن يتحدا نوعًا ويشتركا اسما لا حكمًا، ولا يشترط الحكمان في غرض من الأغراض (1) نحو:"سلم على بني تميم واستأجر بني تميم إلا الطوال".

القول الرابع: الوقف (2). قال ابن عقيل، وغيره: وهو محدث بعد الإجماع.

والخامس: الاشتراك، لحسن الاستفهام عن عوده.

رد: لعدم العلم (3)، أو لدفع الاحتمال.

قالوا: أطلق، والأصل الحقيقة.

رد: سبق تعارض الاشتراك والمجاز (4).

تنبيه: هذا كله إذا كان يصلح عود الاستثناء على كل واحدة منها، ولم يمنع مانع، أما إذا لم يصلح إلا واحدة، فإنه يعود إليها، كقوله تعالى {إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً} (5) فإنه يعود على الجملة الأولى لأن المناسبة تقتضيه.

(1) قال المرداوي في التحبير ص (971): "ومثال الاشتراك دي غرض من الأغراض: "أكرم الضعيف، وتصدق على الفقير"، فإنهما مشتركان في غرض وهذا الحمل.

(2)

حتى تقول قرينة تصرفه للكل، أو للأخيرة، أو للأولى، أو الوسطى.

(3)

أي: للجهل بحقيقته.

(4)

انظر: (1/ 181)(آلة).

(5)

آية (249) من سورة البقرة.

ص: 559

وقوله: "واو العطف" يخرج واو الاستئناف وغيرها من حروف العطف، كـ "الفاء" و"ثم"، لأنه إذا أتى بـ "الفاء" أو "ثم" فقد أفرد الأخيرة عما قبلها، فاختص بالاستثناء، وهكذا ذكره القاضي (1) في العدة وأبو الخطاب في التمهيد (2) والآمدي (3) وابن الحاجب (4)، لكن قال أبو العباس (5):"موجب ما ذكره أصحابنا وغيرهم أنه لا فرق بين العطف بالواو، وبالفاء، أو بثمّ على عموم كلامهم، وقد ذكروا في قوله: "أنت طالق ثم طالق إن دخلت الدار" وجهين.

قال القاضي (6) في مقدمة المجرد: "الاستثناء إذا تعقب جملًا وصلح أن يعود إلى كل واحد منها لو انفرد فإنه يعود إلى جميعها فيرفعه، وكذلك الشرط والمشيئة مثل آية القذف، نصَّ عليه أحمد في طاعة الرسول".

قوله (7): مسألة: مثل: "بني تميم وربيعة أكرمهم إلا الطوال" للجميع جعله في التمهيد أصلًا للمسألة قبلها.

قال بعض أصحابنا: ولو قال: "أدخل بني هاشم ثم بني المطلب ثم سائر قريش وأكرمهم" فالضمير للجميع.

(1) انظر: العدة (2/ 680، 683).

(2)

انظر: التمهيد (2/ 94).

(3)

انظر: الإحكام (2/ 323).

(4)

انظر: المنتهى ص (126).

(5)

انظر: المسودة ص (158).

(6)

انظر: المسودة ص (158).

(7)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (120).

ص: 560

قال في التمهيد (1): "لو قال قائل: "بنو تميم وبنو وبيعة أكرمهم إلا الطوال" فإنه لا فرق بين تقدم الآخر وتأخره" انتهى.

وأبو الخطاب نصبه دليلًا في المسألة المتقدمة، فدل على أن الخصم يسلمه، لكن قال ابن مفلح (2) في أصوله (3):"كذا قال".

وفيه إشارة إلى توهين قوله.

ومنها: إذا قال: "أدخل بني هاشم ثم بني المطلب ثم سائر قريش وأكرمهم"، فالضمير للجميع؛ لأنه (4) موضوع لما تقدم (5) وليس من المسألة قبلها (6).

قوله (7): مسألة: الاستثناء من النفي إثبات (8) وبالعكس،

(1) انظر: التمهيد (2/ 95).

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 930).

(3)

طبع في أربعة أجزاء ضمن مطبوعات مكتبة العبيكان بتحقيق الدكتور: فهد بن محمد السدحان.

(4)

أي: الضمير.

(5)

أي: في الجملة.

(6)

أي: مسألة الاستثناء المتعقب جملًا.

(7)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (120).

(8)

قال القرافي في قولهم: "الاستثناء من النفي إثبات" ليس على الإطلاق؛ لأن الاستثناء يقع من الأحكام نحو: ما قام القوم إلا زيدًا.

ومن الموانع نحو: "لا تسقط الصلاة عن المرأة إلا بالحيض".

ومن الشروط نحو: "لا صلاة بغير طهور"، فالاستثناء من الشروط مستثنى من كلام العلماء، فإنه لا يلزم من القضاء بالنَّفي لأجل عدم الشرط =

ص: 561

عند الأكثر (1) خلافًا للحنفية (2) في الأولى (3)، وسوى بعض الحنفية بينهما (4).

لنا: اللغة (5) وأن قول القائل: "لا إله إلا الله توحيد"، وتبادر فهم كل من سمع:"لا عالم إلا زيد" و"ليس لك عليّ شيء إلا درهم" إلى علمه وإقراره.

فإن قيل: فلو قال: "ليس له علي عشرة إلا خمسة".

= القضاء بالوجود لأجل وجود الشرط؛ لأن الشرط لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم؛ فقول العلماء: "الاستثناء من النفي إثبات" يختص بما عدا الشرط، لأنه لم يقل أحد من العلماء أنه يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، وبهذه القاعدة يحصل الجواب عن شبهة الحنفية لأنهم قالوا: لو كان الاستثناء من النفي إثباتًا لزم ثبوت صحة الصلاة عند الطهور، وصحة النكاح عند وجود الولي، وهو خلاف الإجماع، ولأن تخلف المدلول عن الدليل خلاف الأصل، فإن النصوص التي ألزمنا إياها كلها من باب الشروط، وهي ليست من صور النزاع فلا تلزمنا".

انظر: شرح تنقيح الفصول ص (248، 256 - 257).

(1)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 930)، تيسير التحرير (1/ 295)، شرح تنقيح الفصول ص (247)، الإحكام (2/ 330).

(2)

لمعظم الحنفية، وقد وافق الجمهور السرخسي والدبوسي والبزدوي.

انظر: فواتح الرحموت (1/ 326 - 327).

(3)

أي: في أن الاستثناء من النفي إثبات.

(4)

أي: إن الاستثناء من النفي ليس بإثبات، ولا عكسه.

انظر: فواتح الرحموت (1/ 327)، التحبير شرح التحرير للمرداوي ص (981).

(5)

أي: النقل عن أهل العربية أنه كذلك، وهو المعتمد في إثبات مدلولات الألفاظ.

ص: 562

قيل: لنا (1) وللشافعية (2) خلاف.

قيل: لا يلزمه شيء؛ لأن قصده نفي الخمسة، وإلا لأتى بكلام العرب:"ليس له إلا خمسة".

وقيل: يلزمه خمسة؛ لأنه إثبات من نفي؛ ولأن التقدير: "ليس له عشرة لكن خمسة".

قالوا: لو كان لزم من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بطهور)(3) ثبوتها بالطهارة، ومثله:(لا نكاح إلا بولي)(4) و (لا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء).

(1) انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (263).

(2)

انظر: التمهيد للأسنوي (393)، رفع الحاجب (3/ 292 - 293).

(3)

قال ابن السبكي في رفع الحاجب (3/ 292): "لا صلاة إلا بطهور" يذكره الأصوليون على أنه حديث، وهو لا يعرف، فلو أبدل بما صح وثبت من قوله صلى الله عليه وسلم:(لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) كان جيدًا. أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها

برقم: (756).

ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة

برقم: (394).

- ملاحظة: ورد في صحيح مسلم حديث بلفظ: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة برقم:(224).

(4)

أخرجه: أبو داود في كتاب النكاح، باب في الولي برقم:(2085).

وابن ماجة في كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي برقم:(1882).

والترمذي في كتاب النكاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي برقم:(1099).

وصححه الحاكم في المستدرك (2/ 171 - 172).

ص: 563

رد: لا يلزم؛ لأنه استثناء من غير الجنس، وإنما سيق لبيان اشتراط الطهور للصلاة، ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط.

وأيضًا: ادعينا أن الاستثناء من النفي إثبات والنفي أعم من الإثبات العام، وإذا قال (لا صلاة إلا بطهور) اقتضى نفي كل صلاة عند عدم الطهارة مطلقًا. وقوله:(إلا بطهور) مستلزم ولو في صورة فيصدق أن الاستثناء من النفي إثبات.

قوله (1): مسألة: والشرط المخصص يخرج ما لولاه لدخل كـ "أكرم بني تميم إن دخلوا" فيقصره الشرط على من دخل ..

الثاني من المخصصات المتصلة، وقد تقدم الكلام (2) على حده لغة وشرعًا، وإنما الكلام هنا في كونه مخصصًا، وإنما كان مخصصًا؛ لأنه مخرج ما لولاه لدخل، مثاله قوله:"أكرم بني تميم" فإنه يقتضي إكرام الجميع، فلما قال:"إن دخلوا الدار" فورًا خرج الشرط كل من لم يدخل الدار، فلولا الشرط لدخل الجميع في الإكرام، والشرط كالاستثناء في اعتبار اتصاله بالمشروط، ويحسن التقييد به، وإن كان الخارج أكثر من الباقي.

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (121).

(2)

انظر: ص (2/ 341)، القسم الأول (آلة).

قلت: المراد به هنا: الشرط اللغوي -وهو صيغ التعليق بكلمة "إن" ونحوها- وهو ما اصطلح علماء اللغة على تسميته شرطًا في الجملة التي لها فعل وجواب، أما الشرط المصطلح عليه عند الأصوليين والفقهاء فهو الذي سبق بحثه في خطاب الوضع.

انظر: البحر المحيط (3/ 327).

ص: 564

ويجوز تقديمه لفظًا وتأخيره.

واختار ابن الخطيب (1) التأخير، جمعًا بين الطبعي والوضعي خلافًا للغزالي (2).

تنبيه: هل يحصل المشروط مع الشرط أو بعده؟ وكذلك قوله "بعتك أو وهبتك" هل يحصل مع الكاف، أو بعدها؟ على قوليق:

الأكثرون (3) من المتكلمين على أنه معها، وهو اختيار ابن عبد السلام (4).

والثاني: بعده.

قال ابن قاضي الجبل (5): وهو الصحيح.

قاس الأولون الشرط على العلة العقلية.

قال (6): والتحقيق المنع فيهما، ولهذا يدخل الفاء في:"كسرته فانكسر" إلى غير ذلك.

(1) قال الإمام الرازي في المحصول (3/ 63): "لا نزاع في جواز تقديم الشرط وتأخيره؛ وإنما النزاع في الأولى.

ويشبه أن يكون الأولى - هو التقدم لأن الشرط متقدم - في الرتبة - على الجزاء؛ لأنه شرط تأثير المؤثر فيه، وما يستحق التقديم - طبعًا - يستحق التقديم وضعًا.

(2)

انظر: المستصفى (2/ 181).

(3)

انظر: شرح الكوكب المنير (3/ 346).

(4)

المصدر السابق.

(5)

المصدر السابق.

(6)

أي: ابن قاضي الجبل.

ص: 565

قوله (1): والشرط إذا تعقب جملًا متعاطفة فللجميع ذكره في التمهيد (2) إجماعًا، وفي الروضة (3): سلمة الأكثر، وخصه بعض النحاة بالجملة التي تليه، متقدمة كانت أو متأخرة ..

أطلق جماعة (4) العطف لكن أحالوه على الاستثناء.

وصرح بعضهم (5) بـ "الواو"، وسبق كلام أبي العباس في الاستثناء (6).

وفيه أيضًا (7): "لو حلف لأضربنّ زيدًا، ثم عمرًا، ثم بكرًا إن شاء الله" كان للجميع. وإن قال -لمدخول بها-: "إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق" - فدخلت - وقع ثلاثًا إجماعًا (8).

وإن أتى بـ "ثم" فكذلك عند جماعة من الحنابلة (9) والشافعية (10) وأبي يوسف (11) ومحمد (12).

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (121).

(2)

انظر: التمهيد (2/ 92).

(3)

انظر: روضة الناظر (2/ 759).

(4)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 940).

(5)

انظر: المصدر السابق.

(6)

انظر: ص (281).

(7)

انظر: مجموع الفتاوى (31/ 148 - 149، 150 - 151، 155).

(8)

انظر: المغني (10/ 498)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 940).

(9)

انظر: المصدر السابق.

(10)

انظر: التمهيد للأسنوي ص (402).

(11)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 201).

(12)

انظر: المصدر السابق.

ص: 566

وذكر القاضي (1) وجماعة من علمائنا: وقعت الثانية والثالثة في الحال، وتعلقت الأولى بالدخول؛ لأن "ثم" للتراخي، فكأنه سكت ثم قال:"أنت طالق".

وغير المدخول بها: إن دخلت وقع بالفاء واحدة فقط للترتيب.

وعند أبي يوسف ومحمد (2): ثلاث كـ "الواو" خلافًا لأبي حنيفة (3) فيهما (4)، فكذا يقع بـ "ثم" واحدة عند جماعة من علمائنا (5).

وعند القاضي (6) وجماعة (7): إن أخر الشرط فواحدة في الحال، وبطل ما بعدها، وإن قدمه تعلقت الأولى بالدخول، ووقعت الثانية بالحال، وبطلت الثانية، بناء على أن "ثم" كسكتة.

(1) انظر: المغني (10/ 498)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 940).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 201).

(3)

انظر: المصدر السابق.

(4)

أي: فيما إذا أتى بالواو أو بالفاء، فقال: يقع واحدة.

(5)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 940).

(6)

قال ابن قدامة في المغني (10/ 498): "وهو ظاهر الفساد - أي قول القاضي - فإنه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف، دون المعطوف عليه، ويعلق به ما يبعد عنه، دون ما يليه، ويجعل جزاءه ما لم توجد فيه الفاء التي يجازي بها، دون ما وجدت فيه، تحكمًا لا يعرف عليه دليلًا ولا نعلم له نظير".

وانظر: مجموع الفتاوى (31/ 151).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 200 - 201).

ص: 567

قد يرد الكلام عريًّا عن الشرط مع كونه مرادًا، كقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} (1) مشروط بقوله تعالى: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (2) فيُردُّ مطلق هذا إلى مقيده، وقد يدل السياق على الشرط وإن لم يذكر بلفظه، كقوله تعالى:{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)} (3) ثم قال تعالى: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} (4) فدل على أن الأول مشروط بعدم الأكل من الشجرة.

قوله (5): قال أبو العباس: التوابع المخصصة، كالبدل وعطف البيان ونحوهما، كالاستثناء ..

قال الشيخ تقي الدين (6): "فأما الصفات وعطف البيان والتوكيد والبدل ونحو ذلك من الأسماء المخصصة فينبغي أن تكون بمنزلة الاستثناء".

فعلى قوله يجيء فيها الخلاف الذي تقدم (7) في الاستثناء إذا تعقب جملًا.

قال أبو العباس (8): "فإذا قال: "أكرم بني تميم وبني أسد

(1) آية (20) من سورة الشورى.

(2)

آية (18) من سورة الإسراء.

(3)

آية (118) من سورة طه.

(4)

آية (22) من سورة الأعراف.

(5)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (121).

(6)

انظر: المسودة ص (157).

(7)

انظر: ص (278).

(8)

انظر: المسودة ص (157).

ص: 568

وغطفان المجاهدين"، أمكن أن يكون "المجاهدين" تامًا (1) لغطفان فقط".

قوله (2): والشروط [المعنونة](3) بحرف الجر كقوله: "بشرط أنه" أو "على أنه" أو بحرف العطف كقوله "ومن شرطه كذا" فهو كالشرط اللفظي.

فإذا قال: "أكرم بني تميم وبني أسد وبني بكر" بشرط كونهم مؤمنين أو على أنهم مؤمنون، أو من شروطهم الإيمان فإن هذا متعلق بالإكرام وهو متناول للجميع تناولًا واحدًا بمنزلة قوله "إن كانوا مؤمنين".

قال أبو العباس (4): "فيجب أن يفرق بين ما يكون متعلقًا بالاسم وما يكون متعلقًا بالكلام، وهذا فرق محقق يجب اعتباره".

وقال أيضًا (5): والوقف على جمل أجنبيات - كالوقف على أولاده ثم أولاد فلان ثم المساكين، على أنه لا يعطي منهم إلا

(1) في المطبوع "تمامًا".

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (121).

(3)

في المخطوط [المعنوية] وكذا في التحرير ص (1009)، وفي إحدى نسخ أصول الفقه لابن مفلح. ورد في نسخ شرح الكوكب (3/ 355): اللفظين وما أثبت مأخوذ من النسخة التي اعتمد عليها محقق أصول الفقه لابن مفلح (3/ 942) وهي الأصوب. والله أعلم.

(4)

انظر: المسودة ص (157)، مجموع الفتاوى (31/ 100، 157).

(5)

انظر: مجموع الفتاوى (31/ 157).

ص: 569

صاحب عيال - يقوى اختصاص الشرط بالجملة الأخيرة؛ لأنها أجنبية من الأولى.

قوله (1): والتخصيص بالصفة كـ "أكرم بني تميم الداخلين" فيقتصر عليهم، قاله غير (2) واحد وهي كالاستثناء، وفي الروضة سلمه الأكثر.

الثالث من المخصصات المتصلة: الصفة (3) كـ "أكرم بني تميم الداخلين" فإن الكلام يقتضي الاقتصار على الداخلين كالشرط والاستثناء (4).

قال ابن حمدان: وهل يعود إلى الكل أو إلى الجملة الأخيرة. فيه مذهبان.

وفي الروضة (5) سلم الأكثر: تعود إلى الجميع.

قوله (6): والتخصيص بالغاية كـ "أكرم بني تميم حتى أو إلى أن يدخلوا" فيقتصر على غيرهم (7).

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (121).

(2)

انظر: المسودة ص (157)، الإحكام (2/ 336).

(3)

المراد بالصفة: ما أشعر بمعنى يتصف به أفراد العام سواء كان الوصف نعتًا، أو عطف بيان، أو حالًا، وسواء كان مفردًا أو جملةً أو شبهها، وهو الظرف، والجار والمجرور، ولو كان جامدًا أو مؤولًا بمشتق.

انظر: شوح الكوكب المنير (3/ 347).

(4)

أي: في عودها إلى الجمل المذكورة قبلها.

(5)

انظر: روضة الناظر (2/ 759).

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (121).

(7)

أي: غير الداخلين.

ص: 570

الرابع من المخصصات: الغاية؛ لأن ما بعدها يخالف ما قبلها (1)، وإلا لم تكن غاية بل وسطا بلا فائدة.

قوله (2): وهي كالاستثناء بعد جمل، قاله غير واحد.

إذا تعقبت الغاية جملا كقوله: "أكرم بني تميم وبني أسد وبني بكر إلى أن يدخلوا"، فهل تعود الغاية إلى الكل أو إلى الجملة الأخيرة، فيه قولان، كالاستثناء، وممن صرح بالخلاف ابن حمدان في مقنعه، والآمدي في أحكامه (3)، وابن الحاجب (4).

قوله (5): والإشارة بلفظة "ذلك" بعد الجمل تعود إلى الكل ذكره القاضي وأبو الوفاء وأبو يعلى الصغير وأبو البقاء.

قال ابن الجوزي (6) - في قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (7) - قيل: الإشارة إلى أجرة الرضاع والنفقة. وقيل: إلى النهي عن الضرار. وقيل إلى الجميع (8) - اختاره القاضي (9) - لأنه على المولود له، وهذا معطوف عليه فيجب الجميع".

(1) أي: محكوم عليه بنقيض حكمه، كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، فليس شيء من الليل داخلًا قطعًا.

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (121).

(3)

انظر: الإحكام (2/ 338).

(4)

انظر: المنتهى (128).

(5)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (121 - 122).

(6)

انظر: زاد المسير لابن الجوزي (1/ 273).

(7)

آية (233) من سورة البقرة.

(8)

أي: النفقة والكسوة وعدم الضرار.

(9)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 944).

ص: 571

وقال ابن عقيل (1) - في الوعد والوعيد من الإرشاد (2) في قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (3) -: "يجب عوده إلى جميع ما تقدم، وعوده إلى بعضه ليس بلغة العرب (4) ".

وذكره أيضًا في الواضح (5) في مخاطبة الكفار وقال: "إذا عاد إلى الجميع فالمؤاخذة بكل من الجمل (6)، فالخلود للكفر؛ والمضاعفة في قدر العذاب لما ذكره من الذنوب".

وقال أبو يعلى الصغير (7) في قتل مانعي الزكاة في آية الفرقان المذكورة (8): "ظاهر اللفظ يقتضي عود العذاب والتخليد إلى الجميع، وكل واحد منه لكن قام دليل على أن التخليد لا يكون إلا بالكفر، فخصته الآية".

وقال أبو البقاء (9) - في {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} (10) -: "أشار إلى

(1) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 943)، شرح الكوكب (3/ 356).

(2)

هو: الإرشاد في أصول الدين. انظر: ذيل طبقات الحنابلة (1/ 156).

(3)

آية (68) من سورة الفرقان.

(4)

وتتمة كلامه: "ولهذا لو قال: "من دخل وخدمني وأكرمني فله درهم" لم يعد إلى الدخول فقط".

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 944).

(5)

انظر: الواضح (3/ 134).

(6)

المذكورة.

(7)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 945)، شرح الكوكب (3/ 357).

(8)

آية (68) من سورة الفرقان.

(9)

انظر: إملاء ما منَّ به الرحمن لأبي البقاء (1/ 207).

(10)

آية (3) من سورة المائدة.

ص: 572

الجميع، ويجوز أن يرجع إلى الاستقسام" (1).

قوله (2): والتمييز بعد جمل فيقتضي كلام النحاة وجماعة من الأصوليين (3) عوده إلى الجميع، ولنا: خلاف في الفروع.

من فروع المسألة (4) إذا قال: "له علي ألف وخمسون درهمًا هل يكون الألف دراهم (5) أو يرجع في تفسيرها إليه .. في المسألة وجهان، الصحيح الأول. والثاني: قول (6) أبي الحسن التميمي (7).

تنبيه: لم يذكر المصنف المخصص الخامس وهو بدل البعض؛ لأنه متابع للأكثر (8)، وقد ذكره الآمدي (9) وابن

(1) أي: الاستقسام بالأزلام، والأزلام هي القداح، فكانوا إذا أرادوا أن يقتسموا شيئًا بينهم - فأحبوا أن يعرفوا قسم كل امرئ - تعرفوا ذلك منها، فأخذ الاستقسام من القسم وهو النصيب.

انظر: زاد المسير (2/ 284).

(2)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (122).

(3)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (262)، شرح الكوكب المنير (3/ 356)، البحر المحيط (3/ 352)، التمهيد للأسنوي (408).

(4)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (262 - 263)، الإنصاف (2/ 217).

(5)

أي: كالخمسين.

(6)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (263).

(7)

هو: أبو الحسن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي الحنبلي، تتلمذ على الخرقي وغلام الخلال، وبرع في الفقه والأصول، توفي سنة:(371 هـ).

انظر: طبقات الحنابلة (2/ 139)، تاريخ بغداد (10/ 461).

(8)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 768).

(9)

لم أقف على كلامه هذا.

ص: 573

الحاجب (1)، ومثاله:"أكرم الناس العلماء"، وإنما لم يذكره الأكثر؛ لأن المبدل منه في نية الطرح، فلم يتحقق فيه معنى الإخراج، والتخصيص لا بد فيه من الإخراج على ما تقدم تعريفه، ألا ترى أن قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) تقديره: ولله حج البيت على من استطاع إليه سبيلا.

وأيضًا: لو لم يكن البدل مستغنى به في التقدير، لم يكن تسميته بدلًا معنى؛ لأن حق البدل أن لا يجتمع مع المبدل منه، فإذا اجتمعا فلا أقل من تقدير عدم اجتماعهما وفاء بمقتضى التسوية.

وأيضًا: فإن كلامنا في العام المخصوص لا في المراد به الخصوص.

قوله (3): التخصيص بالمنفصل.

لما تكلم على التخصيص بالمتصل وفرغ منه شرع يتكلم على التخصيص بالمنفصل، وهو:"ما استقل بنفسه ولم يحتج في ثبوته إلى ذكر لفظ العام معه"، بخلاف المتصل وهو ثلاثة.

قوله (4): مسألة: يجوز التخصيص بالعقل عند الأكثر (5) والنزاع لفظي.

(1) انظر: المنتهى: ص (120).

(2)

آية (97) من سورة آل عمران.

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (122).

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (122).

(5)

انظر: العدة (2/ 547)، التمهيد (2/ 101)، تيسير التحرير (1/ 273)، فواتح الرحموت (1/ 301)، المنتهى ص (129)، شرح التنقيح ص (202)، البرهان (1/ 149)، البحر المحيط (3/ 355).

ص: 574

لسواء كان دليل العقل ضروريًّا أو نظريًّا، فالأول كقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (1) وإنما كان هذا تخصيصًا بالعقل؛ لقيام الدليل الدال على خروج الذات والصفات العلية.

والثاني كتخصيص {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) بغير الطفل والمجنون لعدم فهمهما الخطاب.

وقال قوم (3): لا يجوز ذلك وهو من المتكلمين.

قال الجويني (4): "منع بعض الناشئة تسمية ذلك تخصيصًا وهي مسألة قليلة الفائدة ولست أراها خلافية". وأشار إلى أنه نزاع في عبارة، وأنهم جعلوا ذلك بيانًا.

يقال لهم (5): بل التخصيص بيان.

قال أبو العباس (6): "قلت الذين لم يجعلوا (7) العقل

(1) آية (16) من سورة الرعد، وآية (62) من سورة الزمر.

(2)

آية (97) من سورة آل عمران.

(3)

وبعضهم جعله ظاهر قول الشافعي، وبعضهم قال بأن الشافعي نص عليه، وحكاه أبو منصور عن أصحاب الشافعي.

انظر: البحر المحيط (3/ 356)، التحصيل من المحصول للآمدي (1/ 386).

(4)

انظر: البرهان (1/ 149).

(5)

المصدر السابق.

(6)

انظر: المسودة ص (118).

(7)

في المطبوع "يجعلون" وهو خطأ، والتصويب من أصول ابن مفلح (3/ 946).

ص: 575

مخصصًا كأنه - والله أعلم - لأن العقل من قبيل التخصيصات المتصلة".

وقد ذكر القرافي (1) والتاج السبكي (2) أيضًا أن الخلاف لفظي.

قال القرافي (3): "لأن خروج هذه الأمور من هذا العموم لا ينازع فيه مسلم، غير أنه لا يسمى التخصيص إلا ما كان باللفظ، أما بقاء العموم على عمومه فلا يقوله أحد".

قوله (4): مسألة: وبجوز تخصيص بالحس نحو {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (5).

الحس المراد به: الواقع بالمشاهدة؛ لأنها لم تؤت (6) السموات والأرض، ولا ملك سليمان.

ومنه قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} (7) فإنها لم تدمر السموات والأرض؟

قوله (8): مسألة: يجوز التخصيص بالنص، وسواء كان العام

(1) انظر: شرح التنقيح (202).

(2)

انظر: الإبهاج (2/ 165).

(3)

انظر: شرح التنقيح (202)

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (123).

(5)

آية (23) من سورة النمل.

(6)

أي: بلقيس ملكة سبأ.

(7)

آية (25) من سورة الأحقاف.

(8)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (123).

ص: 576

كتابًا أو سنة، متقدمًا أو متأخرًا، لقوة الخاص، وهو قول الشافعية.

وعن أحمد: يقدم المتأخر، خاصًا كان أو عامًا، وهو قول الحنفية. فإن جهل التاريخ تعارضا عند الحنفية.

وقال بعض الشافعية: لا يخص عموم السنة بالكتاب. وذكره ابن حامد والقاضي رواية عن أحمد.

وقال ابن أبان: يخصص المخصص دون غيره ..

الثالث من المخصص المنفصل النص، وهو إما كتاب أو سنة، وكذا العام (1)، فتحصّل أربعة أقسام.

أحدها: تخصيص الكتاب بالكتاب، فإن اقترن الخاص والعام قدم الخاص عند عامة الفقهاء والمتكلمين (2).

وعن بعضهم (3): تعارض الخاص بما قابله من العام.

وإن لم يقترنا قدم الخاص مطلقًا في ظاهر كلام أحمد (4) في مواضع، وعليه أصحابه (5) والشافعي (6) وأصحابه (7) وجماعة

(1) أي: يكون كتابًا أو سنة.

(2)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 949).

(3)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 950).

(4)

انظر: العدة (2/ 615).

(5)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 950).

(6)

انظر: الرسالة ص (56 - 57، 62).

(7)

انظر: المحصول (3/ 77)، الإحكام (2/ 342).

ص: 577

من الحنفية (1).

وعند أكثر الحنفية (2) والمعتزلة (3) وابن الباقلاني (4) وأبي المعالي (5): إن تأخر العام نسخ، أو الخاص نسخ العام بقدره، والوقف إن جهل التاريخ.

وقال أحمد في رواية عبد الله (6) - بعد كلام طويل -: "يؤخذ بهما (7) حتى تأتي دلالة بأن الخبر قبل الخبر فيكون الأخير أولى".

قال بعض علمائنا (8): "منصوص أحمد تقديم الخاص إن جهل التاريخ".

ومنع بعض الناس (9) من تخصيص الكتاب بالكتاب مطلقًا.

(1) انظر: تيسير التحرير (1/ 272)، فواتح الرحموت (1/ 345).

(2)

انظر: المصدر السابق.

(3)

انظر: المعتمد (1/ 257).

(4)

انظر: المنتهى ص (129).

(5)

انظر: الإحكام (2/ 343).

(6)

انظر: مسائل الإمام أحمد رواية عبد الله ص (15).

(7)

أي: بالعام والخاص.

(8)

انظر: المسودة ص (136).

(9)

نسبه بعض العلماء إلى بعض الظاهرية، أما ابن حزم فقد رد هذا القول.

وحجة من قال بهذا القول هو: أن التخصيص بيان للمراد باللفظ، فلا يكون إلا بالسنة لقوله سبحانه وتعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].

انظر: الإحكام لابن حزم (1/ 403 - 404)، شرح الكوكب المنير (3/ 360)، شرح التنقيح ص (202)، البحر المحيط (3/ 361).

ص: 578

وجه الأول: أن: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (1) خُصّ {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} (2).

قال ابن الجوزي (3): "على هذا عامة الفقهاء، وروى معناه عن عثمان وطلحة (4) وحذيفة (5) وجابر وابن عباس رضي الله عنهم".

وأيضًا: الخاص قاطع وأشد تصريحًا وأقل احتمالًا.

الثاني: تخصيص السنة بالسنة كما تقدم في الكتاب (6).

قالوا: عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم (أنه صام في سفر ثم أفطر قال: وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره) رواه مسلم (7).

(1) آية (5) من سورة المائدة.

(2)

آية (221) من سورة البقرة.

(3)

انظر: زاد المسير (1/ 247).

(4)

هو الصحابي الجليل: أبو محمد طلحة بن عبيد الله التميمي القرشي، أحد السابقين الأولين والعشرة المبشرين، وأحد الستة الذين ترك لهم عمر الأمر، شهد المشاهد، قتل في وقعة الجمل سنة (36 هـ).

انظر: الاستيعاب (2/ 764)، سير أعلام النبلاء (1/ 23).

(5)

هو الصحابي الجليل: حذيفة بن اليمان، أبو عبد الله، أصله من اليمن، وهاجر إلى الرسول، وشهد أحدًا والخندق وما بعدها، كان صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين، ولاه عمر المدائن، فتوفي فيها سنة (36 هـ).

انظر: الإصابة (8/ 165)، الاستيعاب (1/ 334).

(6)

أي: الخلاف فيه كما تقدم في تخصيص الكتاب بالكتاب.

(7)

أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر .. برقم:(1113).

ص: 579

وفي البخاري (1) عن الزهري "وإنما يؤخذ من أمره صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر".

واحتج به أحمد في رواية عبد الله السابقة (2).

رد: بحمله على غير المخصص جمعًا بين الأدلة.

الثالث: تخصيص السنة بالكتاب فيجوز عند الجمهور (3)، خلافًا لبعض علمائنا (4) وبعض الشافعية (5) وبعض المتكلمين (6)، وذكره ابن حامد (7) والقاضي (8) رواية عن أحمد وهو مقتضى قول (9) مكحول (10) ويحيى بن أبي كثير:"السنة تقضي على الكتاب، والكتاب لا يقضي على السنة".

(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان برقم:(47) وقد أخرجه معلقًا بصيغة الجزم.

ومسلم في كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر .. برقم:(1113).

(2)

انظر: ص (294).

(3)

انظر: العدة (2/ 569)، فواتح الرحموت (1/ 349)، المنتهى (130)، الإحكام (2/ 346).

(4)

انظر: المسودة ص (122)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 956).

(5)

انظر: البحر المحيط (3/ 362).

(6)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 956)، الإحكام (2/ 346)، البحر المحيط (3/ 362).

(7)

انظر: العدة (2/ 570)، المسودة ص (122).

(8)

انظر: العدة (2/ 570).

(9)

انظر: المسودة ص (123).

(10)

هو: أبو عبد الله مكحول بن عبد الله الدمشقي، تابعي فقيه، قال ابن حجر في التقريب:"ثقة كثير الإرسال"، توفي سنة:(112 هـ).

انظر: تذكرة الحفاظ (7/ 101)، تقريب التهذيب (2/ 273).

ص: 580

ووجه قول الجمهور إن الكتاب أقوى فخصص به.

الرابع: تخصيص الكتاب بمتواتر السنة فيجوز إجماعًا (1) وكذا بخبر الواحد (2) عند أحمد (3) والشافعي (4) وأصحابهما والمالكية (5) وذكر عن كثير من الحنفية.

وعن أحمد (6) المنع (7) ذكره ابن شهاب العكبري (8) في مسألة الدباغ، وقاله بعض المتكلمين (9).

وعند الحنفية (10): إن كان خص بدليل مجمع عليه جاز وإلا فلا.

(1) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 957).

(2)

أي: يخص الكتاب بخبر الواحد.

(3)

انظر: العدة (2/ 551).

(4)

انظر: التبصرة ص (132).

(5)

انظر: شرح التنقيح ص (206).

(6)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 957).

(7)

أي: منع تخصيص القرآن بخبر الواحد.

(8)

هو: أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن، فقيه محدث، أديب، ولد بعكبرا، سمع الحديث على كبر السن، برع في المذهب، وكان من أئمة الفقه والعربية، من مصنفاته: رسالة في أصول الفقه، والمبسوط، قال فيه: أودعناه أحكام الفقه وأصوله ومذاهب الأصوليين، توفي سنة:(428 هـ).

انظر: تاريخ بغداد (7/ 329)، طبقات الحنابلة (2/ 186)، سير أعلام النبلاء (17/ 542).

(9)

انظر: المسودة ص (119)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 958).

(10)

انظر: تيسير التحرير (1/ 267)، فواتح الرحموت (1/ 349).

ص: 581

وعن الكرخي (1): إن كان خص بمنفصل جاز.

ووقف القاضي (2).

وقيل: لم يقع.

لنا: أنه إجماع الصحابة كما خصوا {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (3) بحديث أبي هريرة (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) متفق عليه (4)، وآية السرقة (5) بما دون النصاب (6) وقتل المشركين بإخراج المجوس وغير ذلك.

قالوا: رد عمر خبر (7)

(1) انظر: الأقوال الأصولية للإمام الكرخي ص (60).

(2)

المراد به هنا ابن الباقلاني، لأن أبا يعلى يقول بالجواز، وقد صرح بذلك ابن السبكي في رفع الحاجب والمرداوي في التحبير.

انظر: العدة (2/ 550)، المنتهى لابن الحاجب ص (131)، رفع الحاجب (3/ 317)، التحبير شرح التحرير ص (1033).

(3)

آية (24) من سورة النساء.

(4)

أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، برقم:(5109)(5110).

ومسلم في كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، برقم:(1408).

(5)

وهي قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].

(6)

كحديث: (تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا).

أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وفي كم تقطع.

ومسلم في كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، برقم:(1684).

(7)

أخرجه أبو داود في كتاب الطلاق، باب في نفقة المبتوتة، برقم:(2288). =

ص: 582

فاطمة بنت قيس (1) أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة لتخصيصه لقوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ} (2) ولهذا قال: كيف نترك كتاب الله تعالى لقول امرأة!

رد: لتردده في صحته أو مخالفته سنة عنده، ولهذا في مسلم (3):(لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة، لعلها حفظت أو نسيت) مع أن أحمد ضعفه (4).

وذكر ابن عقيل (5) عنه (6) أنه أجاب بأنه احتياط منه.

وضعف الدارقطني (7) قوله: (وسنة نبينا) ولا يصح (صدقت أو كذبت)(8).

= الترمذي في كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في المطلقة ثلاثًا لا سكنى ولا نفقة برقم:(1180) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(1)

آية (6) من سورة الطلاق.

(2)

هي: فاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة الفهرية، صحابية، كانت من المهاجرات الأول، توفيت في خلافة معاوية رضي الله تعالى عنها.

انظر: الاستيعاب (4/ 1901)، الإصابة (8/ 164).

(3)

أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها برقم:(1480).

(4)

انظر: مسائل الإمام أحمد لأبي داود (302)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 960).

(5)

انظر: الواضح (3/ 380).

(6)

أي: عن الإمام أحمد.

(7)

أخرجه الدارقطني في سننه (4/ 26).

(8)

قال السبكي في رفع الحاجب (3/ 322): وإنما روي بإسناد ضعيف مظلم.

ص: 583

قالوا: العام قطعي (1) والخبر ظني (2)، لا سيما إن خص ضعف بتخصيصه.

رد: دلالته ظنية. والتخصيص فيها، والخبر دلالته قطعية.

القائل بالوقف: كلاهما قطعي من وجه، ظني من وجه.

رد: الجمع أولى.

وقول ابن (3) أبان: "يخصص المخصص" معناه أن الخبر يخصص الكتاب إذا كان الكتاب قد خصص بغير هذا الخبر.

قوله (4): مسألة: الجمهور (5) أن الإجماع مخصص، ولو عمل أهل الإجماع بخلاف نص خاص تضمن ناسخًا.

يعني أن الإجماع تضمن المخصص، لا أنه في نفسه مخصص؛ لأنه لا يعتبر زمن الوحي، كما أن معنى كونه ناسخًا تضمنه دليلًا ناسخًا.

وإذا عمل أهل الإجماع بخلاف نص خاص: تضمن عملهم ناسخًا لذلك النص؛ لأنهم معصومون من الخطأ، وكذا النص فإذا ضمن ناسخًا فقد حصل المقصود، يقدم القدح في واحد منهما.

(1) العام قطعي: المراد به هنا القرآن، والقطيعة هنا ثبوته.

(2)

والخبر: أي: الحديث المخصص ظني ثبوته.

(3)

وقد اختاره الحنفية. انظر: بديع النظام (2/ 487 - 488). فواتح الرحموت (1/ 349)، البحر المحيط (3/ 363).

(4)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (123).

(5)

انظر: العدة (2/ 578)، التمهيد (2/ 117)، فواتح الرحموت (1/ 352)، المنتهى ص (131).

ص: 584

قال بعضهم (1): مثال تخصيص الإجماع للعموم قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (2) خرج منه الأخت بالرضاعة وغيرها من موطوآت الآباء والأبناء، ومنه إجماع الصحابة على تخصيص قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} (3) بنصف الجلد في حق العبد، ذكره بعضهم (4)، وجعله آخرون (5) من باب القياس.

قوله (6): مسألة: العام يخص بالمفهوم (7) عند القائلين به خلافًا لبعض أصحابنا.

المخالف هنا: القاضي في الكفاية (8)، وأبو الخطاب (9) والمالكية (10) وابن حزم (11).

(1) انظر: شرح تنقيح الفصول ص (205).

(2)

آية (3) من سورة النساء.

(3)

آية (2) من سورة النور.

(4)

انظر: شرح الكوكب (3/ 370).

(5)

انظر: المصدر المسابق.

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (123).

(7)

أي: مفهوم المخالفة، أما مفهوم الموافقة فيخص به اتفاقًا.

(8)

انظر: المسودة ص (127)، وذهب في العدة (2/ 578) إلى جوازه.

(9)

لم يخالف هنا أبو الخطاب وإنما نقل هذا القول عن البعض.

انظر: التمهيد (2/ 118، 178).

(10)

هذا مذهب بعض المالكية، أما أكثرهم فإنهم يقولون بتخصيص المفهوم للعام.

انظر: المنتهى ص (132)، مفتاح الوصول للتلمساني ص (73، 74)، شرح التنقيح ص (215).

(11)

انظر: النبذ في أصول الفقه لابن حزم ص (112، 113).

ص: 585

لنا: أنَّه (1) خاص. وفيه جمع بينهما، فكان أولى.

قالوا: العام مجمع على دلالته. رد. بالمنع، ثمَّ: الفرض أن المفهوم حجة، ولأجل هذا قال المصنف:"عند القائلين به"، أي القائلين بأنّه حجة فإن كان المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق فهو التنبيه (2)، وهو أولى من المفهوم كما قال:"كل من دخل داري فاضربه"، ثمَّ قال:"إن دخل زيد فلا تقل له أف" فإنَّه يدلّ على منعه من ضرب زيد، وإخراجه عن العموم.

ومثال المفهوم المخصص للعموم من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (في سائمة الغنم الزكاة)(3) روى البخاري (4) معناه؛ لأنه قال: (وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة) الحديث.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها) الحديث رواه البخاري (5)، فإن مفهوم الأوّل مخصص لعموم الثاني.

(1) أي: مفهوم المخالفة.

(2)

أي: فحوى الخطاب أو مفهوم الموافقة.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم برقم:(1454).

وأبو داود في كتاب الزكاة باب في زكاة السائمة برقم: (1567) بلفظ: (وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة).

والنسائيُّ في كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم برقم:(2447) بلفظ: (وفي صدقة الغنم، في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة. . .).

(4)

أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم برقم:(1454).

(5)

أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب زكاة البقر برقم:(1460).

ومسلم في كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة برقم:(990).

ص: 586

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء) وفي رواية (لم يحمل الخبث) وبدل "بلغ""كان" رواه أبو داود (1) والترمذي (2) والنسائيُّ (3) وقوله صلى الله عليه وسلم: (الماء طهور لا ينجسه شيء) رواه أبو داود (4)، فإن مفهوم الأوّل مخصص لعموم الثاني.

قال أبو العباس (5): "تخصيص العموم بالمفهوم إنما هو في كلامين منفصلين من متكلم واحد، أو في حكم الواحد، ككلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا في كلام واحد متصل، ولا متكلمين يجب اتحاد مقصودهما كبينة شهدت أن جميع الدار لزيد، وأخرى أن الموضع الفلاني منها لعمرو؛ فإنهما يتعارضان في ذلك الموضع". قال: "وغلط بعض الناس فجمع بينهما؛ لأنه من باب العام والخاص، كما غلط بعضهم في كلام متكلم متصل".

(1) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء برقم:(63) بلفظ: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث).

(2)

أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء برقم:(66) بلفظ أبي داود.

(3)

أخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب التوقيت في الماء برقم:(52) بلفظ أبي داود.

وأخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة، باب مقدار الماء الذي لا ينجس برقم:(517) بلفظ: (لم ينجسه شيء).

(4)

أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء برقم:(66).

والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء برقم:(65)، وقال الترمذي: حديث حسن.

(5)

لم أقف عليه في المسودة، انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 965).

ص: 587

قوله (1): مسألة: فعله عليه السلام يخص العموم عند الأئمة (2).

لأنَّ فعله عليه السلام كقوله في الدلالة، فاستويا في التخصيص، والظاهر أنَّه وأمته سواء فيه.

وقد خص أحمد (3) قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (4) بفعله عليه السلام (5) وقال (6): دلّ على أنَّه أراد الجماع.

ومنعه الكرخي (7) وابن برهان (8) وغيرهما مخصصا، لدليل الاتباع العام (9) بهذا جمعًا بينهما.

قوله (10): مسألة: تقريره عليه السلام ما فعل واحد من أمته

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (123).

(2)

انظر: العدة (2/ 573)، التمهيد (2/ 116)، فواتح الرحموت (1/ 354)، المنتهى ص (132)، الإحكام (2/ 354)، البحر المحيط (3/ 387).

(3)

انظر: العدة (2/ 574).

(4)

آية (222) من سورة البقرة.

(5)

حيث كان يباشر صلى الله عليه وسلم زوجته وهي حائض، وهي متزرة كما في صحيح البخاري، كتاب الحيض باب مباشرة الحائض برقم:(300).

ومسلم في كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار برقم:(293).

(6)

أي: الإمام أحمد.

(7)

انظر: بديع النظام (2/ 494).

(8)

انظر: البحر المحيط (3/ 387).

(9)

وهو وجوب التأسي به: كما في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

(10)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (123).

ص: 588

بحضرته مخالفًا للعموم، ولم ينكره مع علمه، مخصص عند الجمهور (1)، وهو أقرب من نسخه مطلقًا أو عن فاعله.

لنا دليل جوازه، وإلا لوجب إنكاره.

قالوا: التقرير لا صيغة له، فلا يقابل الصيغة (2).

رد: بأنّه حجة في جواز الفعل. زاد الآمدي (3): "قاطعة (4) نفيا للخطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم"(5).

قوله (6): مسألة: مذهب الصحابي يخص العموم، إن قيل هو حجة، وإلا فلا عند الأكثر (7).

ومنعه بعض الشافعية مطلقًا.

وقال أبو العباس (8): يخصه إن سمع العام وخالفه، وإلا فمحتمل.

(1) انظر: العدة (2/ 573)، فواتح الرحموت (1/ 354)، شرح تنقيح الفصول ص (210)، الإحكام (2/ 356).

(2)

أي: صيغة العام، وبالتالي لا يكون مخصصًا للعموم.

(3)

انظر: الإحكام (2/ 357).

(4)

أي: في جواز الفعل.

(5)

بخلاف العام فإنَّه ظني يحتمل للتخصيص، فكان موجبًا لتخصيصه.

انظر: الإحكام (2/ 357).

(6)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (123 - 124).

(7)

انظر: العدة (2/ 579)، التمهيد (2/ 119)، فواتح الرحموت (1/ 355)، المنتهى ص (132)، شرح التنقيح ص (219)، البحر المحيط (3/ 398).

(8)

انظر: المسودة ص (127).

ص: 589

إن قلنا بأن مذهب الصحابي حجة فيخصص العموم؛ لأنه حجة خاصة، فقدمت على العموم كغيرها.

وإن قلنا ليس بحجة فلا يخصص؛ لأنَّ التخصيص لا يكون إلا بحجة، وكونه حجة أو لا، يأتي الكلام عليه - إن شاء الله تعالى - في الأصول المختلف فيها.

ومنعه بعض الشافعية (1) مطلقًا؛ لأنه يترك مذهبه للعموم، كترك ابن عمر المخابرة لخبر رافع (2).

وأجاب علماؤنا لا نتركه إلا لنص؛ لأنَّ قوله عن دليل نص أو قياس - ويخص بهما العموم - أو عن عموم فالترجيح.

وما قاله أبو العباس ظاهر.

وترجم بعض علمائنا (3)، وبعض الحنفية (4)، وابن برهان (5) المسألة:"هل يخص العموم بمذهب الراوي (6) ".

(1) انظر: الإحكام (2/ 357)، البحر المحيط (3/ 398).

(2)

سبق تخريجه، انظر: ص (237).

(3)

انظر: المسودة ص (127)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 971).

(4)

انظر: بديع النظام (2/ 492).

(5)

انظر: الوصول إلى الأصول (1/ 492).

(6)

قال المرداوي في التحبير شرح التحرير ص (1055): "وقال البرماوي: في موضع المسألة اضطراب، فمرة يقال: مذهب الصحابي هل يخص به، أو لا؟ سواء كان هو الراوي أو غيره.

ومرة يقال: مخالفة الراوي في بعض ما رواه، هل هو تخصيص، أو لا؟ أي: ولو كان صحابيًّا.

والأول هو ظاهر كلام ابن الحاجب والقرافي".

ص: 590

قوله (1): مسألة: العادة (2) الفعلية (3) لا تخص العموم ولا تقيد المطلق نحو: "حرمت الربا في الطعام"، وعادتهم تناول البر عند الأكثر (4)، خلافًا للحنفية (5) والمالكية (6).

وقد وافق القاضي الحنفية والمالكية في مواضع (7)، فقال (8) في النقض بالنوم: المراد به النوم المعتاد، وهو المضطجع؛ لأنه المعقول من قولك:"نام فلان"، وقاله - أيضًا - بعض علمائنا (9)، وقال (10): "إن كتب القاضي التي في الفقه على هذا،

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (124).

(2)

العادة: ما استمر الناس عليه على حكم المعقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى.

انظر: التعريفات للجرجاني (104).

(3)

أخرجه العادة القولية: قال الأسنوي في شرح المنهاج (2/ 469 - 470): "لا إشكال أن العادة القولية تخصص العموم".

(4)

انظر: المسودة ص (2/ 593)، التمهيد (2/ 158)، فواتح الرحموت (1/ 345)، المنتهى ص (133)، وشرح التنقيح ص (211)، البحر المحيط (3/ 391).

(5)

انظر: تيسير التحرير (1/ 317)، فواتح الرحموت (1/ 345).

وقال العالمي من الحنفية: العادة الفعلية لا تكون مخصصة إلا أن تجمع الأمة على استحسانها.

انظر: التحبير شرح التحرير ص (1070 - 1071).

(6)

انظر: شرح التنقيح ص (211)، أحكام الفصول ص (269).

(7)

أي في اعتبار العادة.

(8)

انظر: الإنصاف (1/ 201).

(9)

القائل: الشيخ تقي الدين.

انظر: المسودة ص (124).

(10)

انظر: المصدر السابق.

ص: 591

وأنه ذكر في الوصية لأقاربه، وبعض مسائل الأيمان: أن العام يخص بعادة المتكلم وغيره في الفعل (1).

وجه الأوّل: العموم لغة وعرفًا (2)، والأصل عدم مخصّص.

قالوا: المراد ظاهر عرفًا فيخصص به (3) كالدابة (4).

رد: بما سبق (5).

قال بعض علمائنا (6): ومثل المسألة: قصر الحكم على المعتاد زمنه صلى الله عليه وسلم، ومنه قصر أحمد لـ (نهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم)(7) على غير المصانع المحدثة، وله نظائر، ولا شك أنَّه لم يرد كل ماء، فلم يخالف الأصحاب أحمد في هذا.

تنبيه: تقييد المصنف العادة بالفعلية تبع فيه ابن دقيق العيد، فإنَّه قال (8): الصواب التفصيل بين العادة الراجعة إلى الفعل وإلى القول، فما رجع إلى الفعل يمكن أن يرجع فيه العموم على العادة، مثل أن يحرم بيع الطعام بالطعام وتكون العادة بيع البر، فلا يخص عموم اللفظ بهذه العادة الفعلية.

(1) أي: لا في الخطاب.

انظر: المصدر السابق.

(2)

أي: اللفظ عام لغة وعرفًا.

(3)

أي: بالعرف.

(4)

خصت بالعرف بذوات الأربع.

(5)

من أن اللفظ عام لغة وعرفًا.

(6)

انظر: المسودة ص (125).

(7)

سبق تخريجه، انظر: ص (243).

(8)

انظر: تشنيف المسامع (2/ 794 - 795)، البحر المحيط (3/ 395 - 396).

ص: 592

وأما ما يرجع إلى القول فمثل أن يكون أهل العرف اعتادوا تخصيص اللفظ ببعض موارده اعتبارًا يسبق الذهن فيه إلى ذلك الخاص، فإذا أطلق اللفظ العام فيقوى تنزيله على الخاص المعتاد؛ لأنَّ الظاهر أنَّه إنما يدلّ باللفظ على ما شاع استعماله فيه؛ لأنه المتبادر إلى الذهن.

قوله (1)؛ مسألة: العام لا يخصص بمقصوده (2) عند الجمهور (3) خلافًا للقاضي عبد الوهاب (4) وأبي البركات (5) وحفيده.

أما كونه لا يخص بالمقصود فلما سبق من أنَّه عموم لغة وعرفًا، والأصل عدم مخصص.

وقال صاحب المحرر (6): "المتبادر إلى الفهم من لمس النساء (7) ما يقصد منهن غالبًا من الشهوة. ثمَّ: لو عمت خصت به". وخصه أبو العباس (8) أيضًا بالمقصود وكذا قاله في آية

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (124).

(2)

أي: لا يقصر العام على مقصوده، بل يحمل على عموم لفظه.

(3)

انظر: المسودة ص (132)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 975)، البحر المحيط (3/ 58).

(4)

انظر: المسودة ص (132)، البحر المحيط (3/ 58).

(5)

انظر: المسودة ص (132).

(6)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 975).

(7)

آية (6) من سورة المائدة وهي قوله تعالى: . . . {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} .

(8)

انظر: مجموع الفتاوى (31/ 349).

ص: 593

المواريث (1): مقصودها بيان مقدار أنصباء المذكورين إذا كانوا ورثة، وقوله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (2) قصده الفرق بينه وبين الربا. و: (فيما سقت السماء العشر)(3) قصده ما يجب فيه العشر ونصفه، وكذا قاله بعض علمائنا (4)، فلا يحتج بعمومه.

قوله (5): مسألة: رجوع الضمير إلى بعض العام المتقدم لا يخصصه عند أكثر أصحابنا (6) والشافعية (7) كقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ} ، {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} ، {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} وقال القاضي يكون مخصصًا.

لما قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (8) ثمَّ قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (9) فإن ذلك مختص بالرجعيات فلا يوجب تخصيص التربص بهن بل يعم البائن والرجعية.

وقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ

(1) آية (11، 12) من سورة النساء.

(2)

آية (275) من سورة البقرة.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء البخاري برقم: (1483).

(4)

انظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/ 976).

(5)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (124).

(6)

انظر: التمهيد (2/ 167)، المسودة ص (139)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 977).

(7)

انظر: الإحكام (2/ 360).

(8)

آية (228) من سورة البقرة.

(9)

آية (228) من سورة البقرة. وهي مثال للتقييد بحكم آخر.

ص: 594

لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (1) فإن العفو يختص بمن هي من أهل العفو وهي العاقلة البالغة الرشيدة، فلا يوجب تخصيص نصف المهر المتقدم لهن.

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2) ثمَّ قال تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (3) في معناه: لعله أن يحدث رغبة في مراجعتهن، وهذا لا يتأتى في البائن، فلا يختص الطلاق الأوّل بالرجعية.

وجه الأوّل أن المظهر عام، والأصل بقاؤه، فلا يلزم من تخصيص المضمر تخصيصه.

قالوا: يلزم وإلا لم يطابقه.

رد: لا يلزم كرجوعه مظهرًا.

والثاني: ذكره القاضي (4) وأبو الخطاب (5) عن أحمد، كقوله في رواية أبي طالب:"يأخذون بأول الآية ويدعون آخرها".

وذكره (6) في الواضح (7) المذهب وخطَّأ من خالفه؛ لأنه أقرب من آية أخرى.

(1) آية (237) من سورة البقرة. وهي مثال للتقييد بالاستثناء.

(2)

آية (1) من سورة الطلاق.

(3)

آية (1) من سورة الطلاق. وهي مثال للتقييد بالصفة.

(4)

انظر: العدة (2/ 614).

(5)

انظر: التمهيد (2/ 169).

(6)

أي: حمل العام على الخاص.

(7)

انظر: الواضح (3/ 433).

ص: 595

وتوقف أبو المعالي (1) وأبو الحسين البصري (2)؛ لأنهما تعارضا ولا ترجيح.

رد: الأوّل أولى؛ لأنَّ دلالة الظاهر على العموم أقوى من المضمر.

قوله (3): مسألة: يخص العام بالقياس (4) عند الأكثر (5) ومنعه ابن حامد (6) وابن شاقلاء (7)(8)، وجوزه ابن سريج (9) إن كان القياس جليًّا، وابن أبان (10) إن كان العام مخصصًا.

(1) انظر: الإحكام (2/ 360).

(2)

انظر: المعتمد (1/ 283).

(3)

انظر: المختصر في أصول الفقه ص (124 - 125).

(4)

المراد به هنا: القياس الظني، أما القياس القطعي فإنَّه يخص به العام بلا خلاف.

نقله المرداوي عن الأبياري شارح البرهان. انظر: التحبير شرح التحرير للمرداوي ص (1057).

(5)

انظر: العدة (2/ 559)، التمهيد (2/ 120)، تيسير التحرير (1/ 322)، المنتهى ص (134)، شرح التنقيح ص (203)، البحر المحيط (3/ 369).

(6)

انظر: العدة (2/ 562)، أصول الفقه لابن مفلح (3/ 980).

(7)

انظر: العدة (2/ 562)، التمهيد (2/ 121).

(8)

هو: إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا، أبو إسحاق البزاز فقيه حنبلي، جليل القدر، كثير الرواية حسن الكلام في الأصول والفروع توفي سنة:(369 هـ). انظر: طبقات الحنابلة (2/ 128)، شذرات الذهب (3/ 68).

(9)

انظر: البحر المحيط (3/ 369)، الإمام أبو العباس بن سريج وآراؤه الأصولية ص (26).

(10)

هذا مذهب الحنفية. =

ص: 596

ذكر القاضي (1) المنع رواية.

وجه الأوّل: إن القياس يتناول الحكم بخصوصه، والعموم يتناوله بعمومه، فيجب أن يخص الأعم بالأخص، كما لو كان الأخص كتابًا أو سنة.

وادعى أبو الخطاب (2) إجماع الصحابة عليه.

قال بعضهم (3): وليس كذلك.

ومن صوره حدّ العبد فإنَّه نصف حدّ الحر بالقياس على الأمة؛ لأنَّ الله تعالى قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (4) فهو عام في الحر والعبد، وقال تعالى في الإماء {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (5) فخصوا العبد من الآية أولى بالقياس على الأمة. وأيضًا فإن فيه جمعًا بين الدليلين.

ووجه الثاني: إن عموم الكتاب دليل مقطوع به والقياس أمارة مظنونة فلا يجوز الاعتراض بالمظنون على المقطوع.

= انظر: تيسير التحرير (1/ 322)، فواتح الرحموت (1/ 357)، بديع النظام (2/ 495)، ونسبه لابن أبان الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 379)، والزركشي في البحر المحيط (3/ 371)، والآمدي في الإحكام (2/ 361).

(1)

انظر: العدة (2/ 562، 563) وأطلق في الكفاية روايتين، انظر: المسودة ص (119).

(2)

انظر: التمهيد (2/ 122).

(3)

القائل ابن مفلح في أصوله (3/ 982).

(4)

آية (2) من سورة النور.

(5)

آية (25) من سورة النساء.

ص: 597

رد: بما سبق (1) في أن العموم هل يخص بخبر الواحد أم لا؟ وأيضًا فإن ذلك عند إبطال أحدهما، والتخصيص إعمال لهما.

ووجه الثالث: أن القياس الجلي (2) أقوى من الخفي (3) فجاز بالقوي لأنه أقوى من العموم.

ووجه الرابع: أن العام إذا دخله التخصيص ضعف فجاز تخصيصه بالقياس، وإلا فلا.

* * *

(1) انظر: ص (296).

(2)

القياس الجلي: ما كانت العلة فيه منصوصة أو غير منصوصة غير أن الفارق بين الأصل والفرع مقطوع بنفي تأثيره. فالأول كإلحاق ضرب الوالدين بتحريم التأفيف لهما بعلة كف الأذى عنهما، والثاني: كإلحاق الأمة بالعبد في تقويم النصيب إذ لا فارق بينهما سوى الذكورة في الأصل والأنوثة في الفرع ولم يلتفت الشَّارع إلى ذلك في أحكام العتق خاصة.

(3)

القياس: الحنفي: ما كانت العلة فيه مستنبطة، ولا يقطع بنفي الفارق بين الأصل والفرع، كقياس المثقل على المحدد في القود.

ص: 598