الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الفعل" فيكون حقيقة في الفعل عند الأقل؛ لأنه أطلق علمهما، والأصل الحقيقة وعزاه في المحصول (1) لبعض الفقهاء، وعزا ابن برهان (2) إلى كافة العلماء.
والفرق بين المشترك والمتواطئ أن المتواطئ تكون أفراده متساوية، والمشترك تكون أفراده متباينة لا يحمل على أحد أفراده إلا بدليل.
قوله (3): حد
الأمر
(4) قيل هو: "القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به"(5).
وقيل (6) استدعاء الفعل بالقول. والمختار استدعاء إيجاد الفعل بالقول أو ما قام مقامه.
(1) انظر: المحصول (2/ 9).
(2)
انظر: تشنيف المسامع (2/ 573)، ونهاية السول (2/ 239).
(3)
انظر: المختصر لابن اللحام ص (97).
(4)
تعريفه لغة: ضد النهي، وإذا كان النهي طلب الكف، فإن الأمر طلب الفعل.
انظر: القاموس المحيط (1/ 365)، تاج العروس (173).
(5)
وهو تعريف القاضي أبي بكر الباقلاني، نقله عنه الإمام الرازي في المحصول (2/ 16)، وقال: ارتضاه جمهور الأصحاب، ثم خطأه. انظر: التقريب والإرشاد (2/ 5).
واختاره إمام الحرمين في البرهان (1/ 63)، والغزالي في المستصفى (1/ 61).
(6)
وهو تعريف القاضي أبي يعلى في العدة (1/ 157)، وأبي الخطاب في التمهيد (1/ 124)، وابن قدامة في الروضة (2/ 594)، وصححه الإمام الرازي في المحصول (2/ 17).
وهل يشترط العلو والاستعلاء أولًا. أو العلو دون الاستعلاء أو عكسه أقوال.
والاستعلاء هو المطلب لا على وجه التذلل بل بغلظة ورفع الصوت، والعلو أن يكون الطالب أعلى مرتبة. قاله القرافي (1).
"فالقول" جنس يتناول الأمر، والنهي، وغيرها، من أقسام الكلام. "والمقتضي طاعة المأمور" فصل، يخرج ما ليس كذلك كالخبر، والتمني، والترجي، وغيرها. وقوله" بفعل المأمور به" فصل، يخرج النهي؛ لأنه وإن كان قولًا يقتضي طاعة المأمور، ولكن لا بفعل المأمور به، بل بالكف عن المنهي عنه.
لكن يلزم منه الدور؛ لأنه تعريف للأمر بالمأمور والمأمور به المتوقف معرفتهما على الأمر فصار تعريفًا للأمر بنفسه بواسطة المأمور والمأمور به (2)، فلهذا قال المصنف (3): "قيل وهو
(1) انظر: شرح التنقيح ص (137) ونصه: "الاستعلاء في هيئة الأمر من الترفع وإظهار القهر والعلو يرجع إلى هيئة الأمر من شرفه وعلو منزلته بالنسبة إلى المأمور".
(2)
انظر: الروضة (2/ 594)، شرح للطوفي (2/ 348 - 349)، المحصول (2/ 16).
وقال الإمام الرازي وابن الحاجب واللفظ له: وكذا الطاعة: موافقة الأمر، فيتوقف معرفته أيضًا على معرفة الأمر فيجيء الدور فيهما. أي في المأمور والطاعة.
(3)
لم أجد قوله هذا في المختصر، ولا في القواعد والفوائد الأصولية.
قلت" لفظة (قيل) تدل على ضعف نسبة القول إليهم وقد ثبت ذلك عنهم انظر المراجع اللاحقة.
منسوب إلى الباقلاني (1) والجويني (2) والغزالي (3) ".
والقول الثاني: استدعاء الفعل، وهو: طلبه فـ "الاستدعاء" جنس؛ لأنه يتناول الأمر، والشفاعة، والالتماس، والنهي (4). وقوله "الفعل" فصل، أخرج النهي، وقوله "بالقول" فصل، آخر أخرج غير القول؛ كالإشارة، والرمز، فإنه ليس بأمر، لما تقدم من أن الأمر حقيقة في القول المخصوص، وهذا هو قول أبي الخطاب (5)، لكنه زاد بجهة الاستعلاء ..
والقول الذي اختاره المصنف (6) أنه: "استدعاء إيجاد الفعل بالقول أو ما قام مقامه"، فزاد المصنف "إيجاد"، ولا شك أن طلب الفعل في الحقيقة هو طلب إيجاده، وقد تقدم الكلام على الاستدعاء، وعلى القول.
وقوله: "أو ما قام مقامه" أراد أن يدخل الإشارة والرمز، ونحوهما، وهذا تابع فيه الطوفي (7)، فإنه قال: وكذلك لو قيل:
(1) انظر: التلخيص للجويني (1/ 242) مسألة [185]، وكذا نقله الرازي عنه في المحصول (2/ 16).
(2)
البرهان (1/ 63).
(3)
المستصفى (2/ 61).
(4)
قال الطوفي: "لأن طلب الفعل إما أن يكون من الأدنى، وهو سؤال، أو من المساوي، وهو شفاعة والتماس، أو من الأعلى، وهو الأمر، أو استدعاء الترك وهو النهي".
انظر: شرح المختصر (2/ 349).
(5)
انظر: التمهيد (1/ 124).
(6)
انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (97).
(7)
انظر: شرح المختصر للطوفي (2/ 350).
الأمر: "استدعاء الفعل بالقول، أو ما قام مقامه على جهة الاستعلاء"، لاستقام أيضًا؛ لأن ما قام مقام القول، يتناول الإشارة والرمز، ونحوهما مما يكون به الأمر. وقد تقدم الجواب عن هذا (1).
ثم هل يشترط العلو والاستعلاء أم لا؟ على أربعة مذاهب.
أحدها: عدم اعتبارهما، صححه في تشنيف المسامع (2)، ونقله في المحصول (3) عن أصحابهم؛ لإمكان أن يقوم بذات الأدنى طلب من الأعلى كقول فرعون لمن دونه:{فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (4).
والثاني: يعتبران، وبه جزم ابن القشيري (5)، وحمل قول فرعون على الاستشارة، ولأنهم اتفقوا على تحميق العبد الآمر لسيده، وأيضًا: فيحتمل أن فرعون أخطأ لما دهمه من الأمر العظيم (6)، وهو أمر موسى عليه الصلاة والسلام. فإنه لما ألقى العصا، ورد أنه ازدحموا فقتل منهم كذا كذا ألفًا (7)، وأن فرعون
(1) أي بأن الأمر حقيقة في القول: فيكون مجازًا في غيره كالإشارة. انظر: ص (120).
(2)
انظر: تشنيف المسامع (2/ 577).
(3)
انظر: المحصول (2/ 30)، والذي صححه الإمام في المحصول (2/ 17) وجزم به في العالم ص (50) اشتراط الاستعلاء دون العلو.
(4)
آية (110) من سورة الأعراف.
(5)
انظر: تشنيف المسامع (2/ 577).
(6)
قال الطوفي في شرح المختصر (2/ 352): "أي: لعله لما رأى الهول، اختلط عقله، فقلب حقيقة الأمر، وأخل بشرطه وهو الاستعلاء".
(7)
قال الطوفي: هلك منهم خمسة وعشرون ألفًا.
وانظر: التفسير الكبير للرازي (14/ 195)، روح المعاني للألوسي (9/ 26).
كان لا يتردد إلى الخلاء إلا في كل أربعين يومًا مرّة، فتردد ذلك اليوم أربعين مرّة.
قال ابن قاضي الجبل: من الناس من شرط العلو، والاستعلاء، كقول أصحابنا (1)، وغيرهم، ومنهم من لم يشرطه، كقول الأشاعرة.
والثالث؛ يعتبر العلو، وبه قال المعتزلة (2)، وأبو إسحاق الشيرازي (3)، وابن الصباغ (4)، والسمعاني (5) (6) والقاضي في العدة (7) لأنه قال: وهو قول القائل لمن دونه: افعل كذا وكذا.
وقالوا: لا نصدق إلا به، أي بأن يكون الطالب أعلى رتبة من المطلوب منه، فإنه إن كان متساويًا سُمِّي التماسًا، وإن كان دونه فسؤالًا.
(1) لم أقف على من قال بهذا من الأصحاب، بل هم يدورون بين القول الثالث والرابع.
انظر: هامش (5، 10) ص (125).
(2)
خالفهم أبو الحسين كما سيأتي.
انظر: المعتمد (4311).
(3)
انظر: التبصرة (17)، شرح اللمع (1/ 151).
(4)
انظر: جمع الجوامع (1/ 370)، شرح المنهاج (2/ 6).
(5)
هو: أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، الحنفي ثم الشافعي، مفسر من العلماء بالحديث، أصولي سلفي العقيدة، من مصنفاته: تفسير القرآن، والاصطلام، وقواطع الأدلة في الأصول، توفي سنة:(489 هـ).
انظر: طبقات الشافعية للسبكي (4/ 21)، طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 321).
(6)
انظر: قواطع الأدلة (1/ 90).
(7)
انظر: العدة (1/ 157، 214).
والرابع: يعتبر الاستعلاء دون العلو، وبه قال أبو الحسين (1) والإمام (2) والآمدي (3) وابن الحاجب (4) وأبو الخطاب (5). وأفسد البيضاوي (6)(7) المذهبين (8) بقوله تعالى حكاية عن فرعون {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (9) ومعلوم انتفاء العلو [إذ](10) كان فرعون في تلك الحال أعلى رتبة منهم، وقد جعلهم آمرين له، وانتفاء الاستعلاء [إذ](11) لم يكونوا مستعلين عليه، وقد تقدم الجواب عن هذا (12).
وأفسد مذهب أبي الحسين (13) بأن كثيرًا من آيات الأمر في القرآن في غاية التلطف، ونهاية الاستجلاب بتذكير النعم، والوعد
(1) انظر: المعتمد (1/ 43).
(2)
انظر: المحصول" (2/ 17)، المعالم ص (50).
(3)
انظر: الإحكام (2/ 158).
(4)
انظر: منتهى الوصول والأمل ص (89).
(5)
انظر: التمهيد (1/ 124).
(6)
هو: عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي، كان مفسرًا أصوليًّا، من مصنفاته: منهاج الأصول، شرح مختصر ابن الحاجب، ومختصر الكشاف في التفسير، شرح التنبيه في الفقه، توفي سنة:(685 هـ).
انظر: طبقات الشافعية للسبكي (5/ 59)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 136).
(7)
انظر: منهاج الوصول للبيضاوي ص (71).
(8)
أي مذهب المعتزلة وأبي الحسين. انظر: الإبهاج (2/ 6).
(9)
آية (110) من سورة الأعراف.
(10)
في المخطوط (إذا) والتصويب من المطبوع.
(11)
في المخطوط (إذا) والتصويب من المطبوع.
(12)
انظر: ص: (. . .) من هذه الرسالة.
(13)
أي بخصوصه. انظر: الإبهاج (712).
بالنعم (1)، كما في قوله تعالى:{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (2)(3). وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (4) إلى غير ذلك من الآيات المنافية للاستعلاء.
وقد فسر المصنف العلو والاستعلاء، والحاصل: أن العلو من الصفات العارضة للناطق، والاستعلاء من صفات كلامه (5).
قوله (6): ولا يشترط في كون الأمر أمرًا إرادته (7)(8)، خلافًا
(1) في الإبهاج (2/ 7): "والوعيد بالنقم"، والصواب ما ذكره المؤلف بدليل قول ابن السبكي بعد ذلك:"إلى غير ذلك من الآيات المنافية لاشتراط الاستعلاء"، وانظر: تشنيف المسامع (2/ 578).
(2)
آية (21) من سورة البقرة.
(3)
انظر: الإبهاج شرح المنهاج (2/ 7)، وتشنيف المسامع (2/ 578).
(4)
آية (31) من سورة آل عمران.
(5)
قال في التشنيف (2/ 577): "والفرق بين العلو والاستعلاء: أن العلو كون الأمر في نفسه أعلى درجة، والاستعلاء: أن يجعل نفسه عاليًا بكبرياء أو غيره، وقد لا يكون نفس الأمر كذلك".
(6)
انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (97، 98).
(7)
الإرادة في اللغة: المشيئة. وقيل: صفة توجب للحي حالًا يقع فيه الفعل على وجه دون وجه، وأصله الواو، كقولك راوده، أي أراده على أن يفعل كذا.
انظر: لسان العرب (5/ 368)، والقاموس المحيط (1/ 269) مادة (ر ود).
(8)
قال الدكتور محمد العروسي: قلت: وهذه المسألة كلامية بين المعتزلة وبين الأشاعرة، وهي: هل يجوز أن يأمر الله بالشيء ولا يريده؟ أو لا يأمر بما يريد؟ وليست من أصول الفقه.
انظر: المسائل المشتركة ص (119).
للمعتزلة، فاعتبر الجبائي، وابنه، إرادة الدلالة، وبعضهم: إرادة الفعل ولا يشترط الإرادة لغة إجماعًا.
مذهب الفقهاء (1): أن الأمر أمر بصيغته، ولا يعتبر معه إرادة أخرى؛ لأن هذه الصيغة وضعت لمعنى، فلا يفتقر في إفادتها إفادة الإرادة، كسائر الألفاظ الدالة على معانيها.
واختلف المعتزلة بينهم، فذهب أبو علي الجبائي، وابنه أبو هاشم، وعبد الجبار (2)، وأبو الحسين (3)، إلى اعتبار إرادة الدلالة بها على الأمر، وعلى هذا قالوا: لا تكون صيغة التهديد أمرًا، ولا يكون المعلوم من الله تعالى موته على الكفر مأمورًا بالإيمان؛ لانتفاء الدلالة على المطلب، فإن شرط الدلالة على المطلب، كون المدلول عليه بالصيغة مراد، فحيث لم يرد، لم تكن الصيغة دالة على المطلب، لانتفاء شرطه، واحتجوا بأن الصيغة كما ترد للطلب ترد للتهديد مع خلوه عن المطلب، فلا بد من مميز بينهما، ولا مميز سوى الإرادة.
وأجيب: بأن المميز حاصل بدون الإرادة؛ لأن صيغة الأمر حقيقة فيه (4) مجاز في غيره، كالتهديد وأخواته، وهذا كاف في التميز.
(1) انظر: تشنيف المسامع (2/ 578 - 579).
(2)
انظر: المغني للقاضي عبد الجبار (17/ 107).
(3)
انظر: المعتمد (1/ 47).
(4)
أي: في القول - والقول هو الطالب وهو صيغة الأمر "افعل" - مجاز في الفعل.
انظر: تشنيف المسامع (2/ 579).
وأيضًا: فإن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده (1)، ولم يرد ذلك؛ لأنه لو أراده لفعل، فإنه سبحانه وتعالى فعّال لما يريد، فدل على أنه لم يرده.
تنيه: ذكر ابن برهان (2) أن الإرادات ثلاث، أحدها: إرادة إيجاد الصيغة، احترازًا عن النائم قال: وهو متفق على اعتباره.
وثانيها: إرادة صرف اللفظ عن غير جهة الأمر (3)، احتراز من التهديد، واختلف فيها فاعتبرها المتكلمون من أرباب مذهبه، ولم يعتبرها الفقهاء، وقالوا: الصيغة محمولة على الأمر (4).
وثالثها: إرادة فعل المأمور به والامتثال (5)(6)
(1) وذلك في قوله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102].
(2)
في كتابه "الأوسط" وهو مفقود، انظر قوله في تشنيف المسامع (2/ 580)، البحر المحيط (2/ 98).
(3)
إلى جهة الأمر. انظر: سلاسل الذهب ص (230، 240)، وتشنيف المسامع (2/ 580).
(4)
قال في البحر المحيط (2/ 98): إذا تجردت عن القرائن حملت عليه.
(5)
قال في سلاسل الذهب ص (204): فاتفق علماؤنا على أنها لا تعتبر، واعتبرها أكثر المعتزلة.
(6)
قال الزركشي: احتراز عن الحاكي المبلّغ. انظر: المصادر السابقة.
ونقل عن ابن برهان أنه قال: وهذا يبنى على أصل كبير بيننا وبينهم، وهو أن الكائنات بأسرها وما يجري في العالم عندنا لا يكون إلا بإرادة الله تعالى من خير وشر ونفع وضر وإيمان وكفر، وما لم يرده الله أن يكون لا يتصور تكونه، ولهذا أمر إبليس بالسجود ولم يرده، إذ لو أراده لسجد.
وعند المعتزلة: أمره وأراده منه، فلما لم يفعل عصى وكفر، وكذلك أمر الكفار بالإيمان. =
وقد تقدمت (1).
وأما أهل اللغة فإنهم مجمعون على عدم اشتراط الإرادة للأمر (2)؛ لأنهم رتبوا ذم المأمور وعقوبته على مخالفة مجرد الصيغة، ومدحه وإثابته على موافقتها، ولم يسألوا، ولم يستفصلوا، هل أراد الأمر الأمر، وامتثال المأمور أو لا؟ ولو كان ذلك مشترطًا عندهم، لما أهملوا السؤال عنه، ولما رتبوا أحكام الأمر عليه بدون تحققه، فلما أهملوا السؤال عنه، دل على أنه ليس شرطًا عندهم.
قوله (3): وللأمر عند الأكثر صيغة تدل بمجردها عليه لغة.
القائلون بالنفسي: اختلفوا في كون الأمر له صيغة تخصه، والخلاف عند المحققين منهم في صيغة "افعل".
= قال الزركشي: قلت: الحق أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية، ولا يستلزم الإرادة الكونية، فإنه سبحانه. لا يأمر بما يريده شرعًا ودينًا، وقد يأمر بما لا يريده كونًا، وفائدته العزم على الامتثال وتوطين النفس، ومن هنا قال بعض السلف: إن الله أراد من إبليس السجود ولم يرده منه.
إذًا إثبات إرادته في الأمر مطلقًا كما تقول المعتزلة خطأ، ونفيها عن الأمر مطلقًا كما تزعمه الأشاعرة خطأ، وإنما الصواب التفصيل المذكور.
انظر: العقيدة الطحاوية (1/ 79)، منهاج السنة (2/ 34)، الفتاوى (13/ 37)، المسودة ص (63)، شرح الكوكب (1/ 318)، المذكرة للشنقيطي (190)، المسائل المشتركة للعروسي ص (123 - 125)، معالم أهل السنة والجماعة في الأصول للجيزاني ص (409، 410).
(1)
انظر: ص (126) من هذه الرسالة.
(2)
انظر: شرح المختصر للطوفي (2/ 359، 360).
(3)
انظر: المختصر لابن اللحام ص (98).
أي: للأمر (1) لفظ يدل بمجرده عليه حقيقة بدون قرينة، كدلالة سائر الألفاظ الحقيقية على موضوعاتها، وهذا قول الجمهور (2).
ومنع ابن عقيل (3) أن يقال: للأمر صيغة، أو أن يقال: هي دالة عليه، كما قال في الخبر، وقد تقدم (4).
والقائلون بالنفسي - أي القائلون بالكلام النفسي -: اختلفوا هل للأمر صيغة، فمنهم من قال - وهم الأكثرون -: للأمر صيغة (5).
ومنهم من قال: لا صيغة له، بناء على إثبات الكلام النفسي، فإن الكلام النفسي معنى لا صيغة، وهذا قال به الأشعري (6)،
(1) في المخطوط [الأمير] ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
انظر: العدة (1/ 214)، روضة الناظر (2/ 595)، بديع النظام (1/ 398)، منتهى الوصول والأمل ص (90)، التبصرة ص (22).
(3)
قال ابن عقيل: "الصيغة الأمر، فالصيغة هي الأمر والشيء لا يدل على نفسه".
انظر: الواضح (2/ 457، 460، 487)، المسودة ص (4، 8، 9)، شرح الكوكب (3/ 13، 14).
(4)
انظر: ص: (. . .) من هذه الرسالة.
(5)
انظر: الإحكام للآمدي (2/ 158)، وتشنيف المسامع (2/ 583).
(6)
نسبه له إمام الحرمين والآمدي وابن برهان وغيرهم.
البرهان (1/ 66)، الإحكام للآمدي (2/ 158)، والوصول إلى الأصول (1/ 138، 139).
قال الطوفي (2/ 354): قلت: قول الأشعري: ليس للأمر النفسي صيغة تدل عليه، مع قوله: إن القرآن صيغ وعبارات مخلوقة، تدل على كلام الله عز وجل، القائم بنفسه، تناقض. =
ومن تبعه (1).
وقيل: مشتركة (2). وقيل: لا يدري (3).
وقال أبو المعالي (4) والغزالي (5): لا خلاف في أمرتك، وأنت مأمور، وأوجبت، وندبت (6)، وإنما الخلاف في صيغة "افعل"، لترددها، فإنها تستعمل في أشياء كما يأتي (7).
= والأشهر عنه: أن للكلام والأمر صيغًا تدل على معناه، فلعل ما حكاه الآمدي عنه، قول مرجوع عنه، أو أن المراد به غير ما ظهر لي، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.
(1)
انظر: الإحكام للآمدي (2/ 158).
(2)
و (3) اختلف في تنزيل مذهب أبي الحسن الأشعري: فقيل أراد الموقف على معنى لا يدري أي وضع جرى، فقول القائل:"افعل في اللسان" فهو مشكوك فيه على هذا الرأي.
وقيل: للاشتراك، فاللفظ صالح لجميع المحامل صلاحية اللفظ المشترك للمعاني التي يثبت اللفظ بها.
انظر: البرهان (1/ 67)، الإبهاج (2/ 16)، تشنيف المسامع (2/ 582).
(4)
البرهان (1/ 67).
(5)
المستصفى (2/ 66).
(6)
أي: ويعبر عن الندب بمثل: "ندبت لك". انظر: المحلى على جمع الجوامع (1/ 312).
(7)
قال الآمدي: واعلم أنه لا وجه لاستبعاد هذا الخلاف وقول القائل: "أمرتك، وأنت مأمور" لا يرفع هذا الخلاف إذ الخلاف إنما هو في صيغة الأمر الموضوعة للإنشاء، وأما مثل هذه الصيغ أمكن أن يقال إنها إخبارات عن الأمر لا إنشاءات، وإن كان الظاهر صحة استعمالها للإنشاء، فإنه لا مانع من استعمال صيغة الخبر للإنشاء، كما في قوله: طلقت وبعت واشتريت ونحوه. انظر: الإحكام (2/ 159).
قوله (1): وترد صيغة "افعل" لستة عشر معنى. الوجوب {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (2) الثاني: الندب {فَكَاتِبُوهُمْ} (3) الثالث: الإرشاد {وَأَشْهِدُوا} (4)، الرابع: الإباحة {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (5){فَاصْطَادُوا} (6)، الخامس: التهديد {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (7) ومنه {قُلْ تَمَتَّعُوا} (8)، السادس: الإمتنان {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (9)، السابع:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} (10)، الثامن: التسخير {كُونُوا قِرَدَةً} (11) التاسع: التعجيز {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} (12)، العاشر: الإهانة {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} (13) الحادي عشر: التسوية {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} (14)، الثاني عشر: الدعاء "اللهم اغفر لي"، الثالث عشر: التمني "ألا أيها الليل الطويل ألا
(1) انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (98، 99).
(2)
آية (43) من سورة البقرة.
(3)
آية (33) من سورة النور وتمام الآية {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} .
(4)
آية (282) من سورة البقرة وتمام الآية {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} .
(5)
آية (88) من سورة المائدة.
(6)
آية (2) من سورة المائدة وتمام الآية {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} .
(7)
آية (40) من سورة فصلت.
(8)
آية (30) من سورة إبراهيم وتمامها {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} .
(9)
آية (114) من سورة النحل.
(10)
آية (46) من سورة الحجر.
(11)
آية (65) من سورة البقرة.
(12)
آية (23) من سورة البقرة.
(13)
آية (49) من سورة الدخان.
(14)
آية (16) من سورة الطور.
انجلي" (1)، الرابع عشر: الاحتقار {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} (2)، الخامس عشر: التكوين {كُنْ فَيَكُونُ} (3)، السادس عشر: الخبر (فاصنع ما شئت)(4) وعكسه {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (5).
ذكر المصنف أنها ترد لستة عشر معنى، وذكر أمثلتها.
والفرق بين الندب والإرشاد (6): أن الندب مطلوب لثواب الآخرة، والإرشاد لمنافع الدنيا، إذ ليس في الإشهاد على البيع، ولا في تركه ثواب.
والعلاقة التي بين الوجوب، والندب، والإرشاد، هي المشابهة المعنوية، للإشتراك في المطلب، قال معناه في المحصول" (7)، والمستصفى (8)، ولهذا ذكره المصنف متبعًا فيه من غير فاصل ..
وذكر المصنف للتهديد مثالين: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} و {قُلْ تَمَتَّعُوا} ، وقد فرق جماعة (9) بينهما، فجعلوا الثاني قسمًا آخر، وسموه إنذارًا.
(1) انظر: ديوان امرؤ القيس ص (152).
(2)
آية (43) من سورة الشعراء.
(3)
آية (82) من سورة يس.
(4)
رواه البخاري في كتاب الأدب باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت برقم: (612).
(5)
آية (233) من سورة البقرة.
(6)
انظر: الإبهاج (2/ 17)، تشنيف المسامع (2/ 585).
(7)
انظر: المحصول (2/ 39).
(8)
انظر: المستصفى (2/ 68).
(9)
كالرازي في المحصول (2/ 40)، والبيضاوي انظر: نهاية السول (2/ 248).
قال في تشنيف المسامع (1): "والصواب تغايرهما، فإن التهديد: هو التخويف، والإنذار: هو الإبلاغ، لكن لا يكون إلا في المخوف".
والفرق بين الإباحة والإمتنان (2): أن الإباحة مجرد إذن، وأن الإمتنان لا بد فيه من اقتران بذكر احتياج الخلق إليه، وعدم قدرتهم عليه، ونحوه، وإن الإباحة قد يتقدمها حظر، مثل:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (3).
والفرق بين التسخير والتكوين (4): أن التكوين: سرعة الوجود [من](5) العدم، وليس فيه انتقال من حالة إلى حالة، والتسخير: هو الانتقال إلى حالة ممتهنة، إذ التسخير لغة (6): هو الذلة، والإمتهان في العمل، ومنه قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} (7)، أي: ذلله لنركبه، وقولهم فلان سخره السلطان، والباري سبحانه وتعالى خاطبهم بذلك في معرض التذليل (8)، والتعبير
(1) انظر: تشنيف المسامع (2/ 587)، ولفظه: والإنذار: هو الإبلاغ، لكن لا يكون إلا في الخوف.
(2)
انظر: تشنيف المسامع (2/ 588)، نهاية السول (2/ 248)، الإبهاج (1/ 19).
(3)
آية (2) من سورة المائدة.
(4)
انظر: نهاية السول (2/ 248)، والتشنيف (2/ 590)، والإبهاج (1/ 19).
(5)
في المخطوط [عن] ولعل الصواب ما أثبت.
(6)
انظر: لسان العرب (6/ 203) مادة [س خ ر].
(7)
آية (13) من سورة الزخرف.
(8)
انظر: المفردات للراغب ص (402)، وذلك كما في قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الجاثية: 13].
بالتسخير صرح به جماعة، منهم القفال (1)، والغزالي (2)، والشيخ موفق (3) الدين، وأتباعهم (4)، وادعى القرافي (5) أن الصواب السخرية، وهو الاستهزاء، ومنه قوله تعالى {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} (6).
قال الأسنوي (7): "هذا عجيب، فإن فيه ذهولًا عن المدلول الأول، وتغليطًا لهؤلاء الأئمة".
والشعر (8) المذكور لامرئ القيس (9) وتمامه:
(1) في كتابه "الإشارة" وهو مفقود. انظر: نهاية السول (2/ 249).
(2)
انظر: المستصفى (2/ 66).
(3)
انظر: روضة الناظر (2/ 598).
(4)
انظر: نهاية السول (2/ 249).
(5)
قال القرافي في نفائس الأصول" (3/ 1182): اللائق بهذا القسم أن يسمى سخرية لا تسخير، لأن السخرية الهزو كقوله تعالى:{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32]{إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38] فأما التسخير: فهو نعمة وإكرام لقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} .
(6)
آية (11) من سورة الحجرات.
(7)
انظر: نهاية السول (2/ 249).
(8)
انظر: ديوانه ص (152): وهي من معلقته المشهورة.
(9)
امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، أشعر شعراء العرب، يماني الأصل، واختلف المؤرخون في اسمه فقيل جُندُح، وقيل مليكة، وقيل عدي، توفي سنة:(80 ق. هـ).
انظر: الشعر والشعراء (1/ 52 - 86)، تهذيب الأسماء واللغات (1/ 125).
وهذا من معلقته المشهورة التي مطلعها:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
…
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
بصبح وما الإصباح منك بأمثل (1)
وتمنى انجلاءه عنه، لطوله عليه بدليل قوله قبله:
وليل كموج البحر أرخى سدوله
…
على بأنوع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بجوزه
…
وأردف أعجازًا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
…
....................
أي: لطوله علي فقلت له: أنا أتمنى انجلاءك عني، وإنما جعله المصنف متمنيًا، ولم يجعله مترجيًا، لأن الترجي يكون في الممكنات، والتمني في المستحيلات (2)، وليل المحب لطوله، كأنه مستحيل الإنجلاء.
ولهذا قال الشاعر:
....................
…
وليل المحب بلا آخر (3)
(1) تمطى: تمدد. بجوزه: بوسطه. الأرداف: الأتباع الأول ههنا. الأعجاز: المآخير. الكلكل: الصدر.
وتلخيص المعنى: قلت لليل لما أفرط طوله وناءت أوائله، وازدادت أواخره تطاولًا، وطول الليل ينجئ عن مقاسات الأحزان والشدائد والسهر المتولد منها؛ لأن المغموم يستطيل ليله والمسرور يستقصر ليله.
انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني ص (23).
(2)
وقد يكون للترجي إذا كان مترقبًا للإصباح.
انظر: شرح الكواكب (273).
(3)
البيت لخالد الكاتب وصدره:
رقدت ولم ترث للساهر
…
انظر: دلائل الإعجاز للجرجاني ص (376)، ومعجم شواهد العربية ص (193).
والفرق بين الاحتقار والإهانة (1): أن الإهانة إنما تكون لقول: أو فعل، أو ترك قول، أو ترك فعل، كترك إجابته، والقيام له عند سبق عادته، ولا تكون بمجرد الاعتقاد، والاحتقار قد يحصل بمجرد الاعتقاد، فإن من اعتقد في شيء أنه لا يعبأ به، ولا يلتفت إليه، يقال: إنه احتقره، ولا يقال: أهانه.
والحاصل: أن الإهانة هو الإنكار، كقوله تعالى {ذُقْ} (2)، والاحتقار عدم المبالاة كقوله {بَلْ أَلْقُواْ} (3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)(4) ومعناه إذا لم تستحِ، صنعت ما شئت على حد الأقوال (5)، ومعناه الخبر.
وقوله: "وعكسه: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} (6) " وجه العكس: أن {يُرْضِعْنَ} ، ورد بصيغة الخبر، ومعناه الأمر.
(1) انظر: الإبهاج (2/ 20)، نهاية السول (2/ 250).
(2)
آية (49) من سورة الدخان، وتمامها:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} .
(3)
آية (66) من سورة طه، وتمامها:{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} .
(4)
رواه البخاري في كتاب الأدب باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت برقم: (612).
(5)
قال في فتح الباري (10/ 641): قال الخطابي: "الحكمة في التعبير بلفظ الأمر دون الخبر في الحديث أن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء فإذا تركه صار كالمأمور طبعًا بارتكاب كل شيء.
وقيل: هو أمر تهديد، ومعناه إذا نزع الحياء فافعل ما شئت فإن الله مجازيك عليه. وفيه إشارة إلى تعظيم أمر الحياء".
(6)
آية (233) من سورة البقرة.
وتأتي صيغة افعل لمعان أخر غير ما ذكره المصنف منها الإيذاء وقد تقدم (1)، ومنها التأديب (كل مما يليك)(2) لإصلاح الأخلاق، النفسية [وهي](3) أخص من الندب (4)، ومنها: الإذن، كقولك لمن طرق الباب:"ادخل" وكأنه من قسم الإباحة (5).
ومنها: التفويض نحو: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (6)، ومنها التعجب، نحو:{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} (7)، ومنها التكذيب {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (8)، ومنها المشورة:{فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} (9)، ومنها الاعتبار:{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ} (10). أ. هـ.
(1) لعله يقصد أمثلة التهديد أو الاحتقار أو الإهانة أو التحقير، فكلها تدخل تحت الإيذاء، والله أعلم.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام والأكل باليمين برقم: (5061)، ومسلم كتاب الأشربة باب آداب الطعام والشراب وأحكامها برقم:(2022).
(3)
ما بين معقوفين ليست في المخطوط، والسياق يقتضيها.
(4)
قال الأسنوي: لأن الأدب متعلق بمحاسن الأخلاق، والمندوب أعم.
انظر: نهاية السول (2/ 247).
(5)
فيه إشارة إلى أن المراد بالإذن هنا غير الإباحة لأنها حكم شرعي، وبعضهم أدخله في الإباحة بناء على أنها رفع المنع من الفعل لا أحد الأحكام الخمسة
…
قاله المحلي في شرحه على جمع الجوامع (1/ 374).
(6)
آية (72) من سورة طه.
(7)
آية (48) من سورة الإسراء.
(8)
آية (93) من سورة ال عمران.
(9)
آية (102) من سورة الصافات.
(10)
آية (99) من سورة الأنعام.
قوله (1): الأمر المجرد عن قرينة، الحق أنه حقيقة في الوجوب (2)، وهو قول الأكثر، شرعًا، أو لغة، أو عقلًا، مذاهب. ولا يحسن الاستفهام، هل هو للوجوب أم لا؟ ذكره أصحابنا وغيرهم.
وقيل: حقيقة في الندب، وقيل: الإباحة. وقد ذكرت في المسألة خمسة عشر مذهبًا في القواعد (3).
أحدها: يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة تصرفه إلى غيره، نص عليه الإمام أحمد في مواضع (4)، وهو الحق، وبه قال عامة المالكية (5)، وجمهور الفقهاء (6). وقال إمام الحرمين في البرهان (7)، والآمدي في الإحكام (8)، وغيرهما: إنه مذهب الشافعي. وقال أبو إسحاق في شرح اللمع (9)، إن الأشعري نص عليه في أماليه، على أصحاب أبي إسحاق الإسفرائيني ببغداد.
لكن هل دل على الوجوب بوضع اللغة، أم بالشرع؟ فيه
(1) انظر: المختصر لابن اللحام ص (99).
(2)
اتفق الأصوليون على أن صيغة "افعل" تستعمل في المعاني السابقة، واختلفوا فيما تفيده هذه الصيغة من هذه المعاني حقيقة، وما تفيده منها مجازًا على أقوال.
(3)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية (159، 160).
(4)
انظر تلك المواضع في العدة (1/ 224 وما بعدها).
(5)
انظر: شرح التنقيح ص (127)، الإشارة للباجي ص (166).
(6)
انظر: شرح اللمع (1/ 171)، الإحكام (2/ 162)، بديع النظام (1/ 401).
(7)
انظر: البرهان (1/ 71).
(8)
انظر: الإحكام (2/ 162).
(9)
انظر: شرح اللمع (1/ 172).
مذهبان مذكوران في الشرح المذكور للمع (1)، ونقل الأول في البرهان (2) عن الشافعي، واختار هو الثاني.
وفي المستوعب للقيرواني (3) قول ثالث: أنه يدل بالعقل.
المذهب الثاني: حقيقة في الندب، حكاه الغزالي (4)، والآمدي (5)، قولًا للشافعي، وقاله بعض الشافعية (6)، وحكاه أبو البركات (7) عن المعتزلة.
(1) انظر: شرح اللمع (1/ 171).
(2)
انظر: البرهان (1/ 71).
(3)
انظر: البحر المحيط (2/ 367)، نهاية السول (2/ 251).
(4)
نقله الغزالي عن بعضهم عن الشافعي، انظر: المستصفى (2/ 72).
(5)
انظر: الإحكام (2/ 162).
(6)
انظر: شرح اللمع (1/ 171) المستصفى (2/ 72).
(7)
ذهب أبو الحسين وأبو علي الجبائي من المعتزلة في قوله له إلى أنه حقيقة في الوجوب.
وقال أبو الحسين: وقال قوم: إنها حقيقة في الندب ولم ينسبه لأحد من أصحابه.
ونسب القول - بأنه حقيقة في الندب - لأكثرهم الآمدي، ونسبه لأبي هاشم البيضاوي في منهاجه.
وقال أبو الحسين: إن أبا هاشم قال: إنها تقتضي الإرادة، ثم قال كلامًا يدل على أن أبا هاشم ذاهب إلى الندب، لذا قال الأسنوي: ونقله المصنف (أي البيضاوي) عن أبي هاشم وليس مخالفًا لما نقله عنه صاحب المعتمد كما ظنه بعض الشارحين فافهمه.
انظر: المسودة ص (5)، المعتمد (1/ 50، 51)، الإحكام (2/ 162)، نهاية السول (2/ 252).
المذهب الثالث (1): حقيقة في الإباحة؛ لأنها المحقق، والأصل عدم المطلب، لأن الإباحة أدنى الدرجات فهي متيقنة، والحمل على اليقين واجب.
المذهب الرابع: مشترك بين الوجوب والندب (2)، جزم به في المنتخب (3)، والتحصيل (4)، كلاهما في باب الإشتراك.
المذهب الخامس: مشترك بين هذين، وبين الإرشاد، نقله الآمدي في الإحكام (5) عن الشيعة وصححه (6)، ونقل عنهم في منتهى السول (7): المذهب الذي قبله (8).
المذهب السادس: حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو المطلب (9)،
(1) انظر هذا المذهب في المستصفى (2/ 68)، المحصول (2/ 41)، الإبهاج (2/ 23) ولم أجد من نسبه إلى أحد.
(2)
بالاشتراك اللفظي، انظر: المحصول (2/ 45).
(3)
انظر: نهاية السول (2/ 252)، والتمهيد للأسنوي ص (267).
(4)
انظر: التحصيل (1/ 218).
(5)
انظر: الإحكام (2/ 162).
(6)
الذي صححه في الإحكام القول بالوقف، قال الأسنوي. وصحح الآمدي التوقف لكن بين الوجوب والندب والإرشاد.
انظر: الإحكام (2/ 163)، نهاية السول (2/ 253).
(7)
انظر: منتهى السول (2/ 4).
(8)
ونسبه الرازي وابن السبكي للمرتضى منهم. انظر: المحصول (2/ 45)، الإنهاج (2/ 23).
(9)
وهو مذهب أبي منصور الماتريدي. قال الفتوحي: فيكون من المتواطي، وأشار إلى ذلك الجراعي كما سيأتي.
انظر: شرح الكوكب (3/ 42)، الإبهاج (2/ 23).
وفي المستوعب للقيرواني (1)، والمستصفى (2) للغزالي، أن الشافعي نص على أن الأمر متردد بين الوجوب، والندب، وهذا منه محتمل لهذا المذهب، والمذهب الرابع.
المذهب السابع (3): حقيقة إما في الوجوب" وإما في الندب (4)، ولكن لم يتعين لنا ذلك.
المذهب الثامن (5): مشترك (6) بين الوجوب، والندب، والإباحة.
المذهب التاسع: مشترك بين الثلاثة المذكورة، ولكن بالإشتراك المعنوي، وهو الإذن، حكاه ابن الحاجب (7) مع الذي قبله.
المذهب العاشر: مشترك بين خمسة، وهي الثلاثة المذكورة التي ذكرناها، والإرشاد، والتهديد، حكاه في المستصفى (8).
(1) انظر: نهاية السول (2/ 252).
(2)
انظر: المستصفى (2/ 72).
(3)
انظر: المستصفى (2/ 73)، الإحكام (2/ 163)، نهاية السول (2/ 252).
(4)
قال ابن السبكي في إبهاجه (2/ 23): تصريحه بتردد هذا المذهب بين شيئين، وليس كذلك بل بين ثلاثة، والثالث حقيقة فيهما.
(5)
انظر: منتهى الوصول والأمل ص (91).
(6)
بالاشتراك اللفظي كما سينص عليه المصنف. انظر: المحصول (2/ 41).
(7)
انظر: منتهى الوصول والأمل ص (91).
(8)
انظر: المستصفى (2/ 67، 68) وفي بعض النسخ ذكرت أربعة وجوه.
فحذفت التهديد، وبعضها خمسة وجوه بإضافتها.
انظر: تعليق المحقق / محمد سليمان الأشقر المصدر السابق.
المذهب الحادي عشر: مشترك بين الأحكام الخمسة، الوجوب، والندب، والإباحة، والتحريم، والكراهة، حكاه في البرهان (1)، والمحصول (2)، والإحكام، ونسب إلى الأشعري (3).
المذهب الثاني عشر: موضوع لواحد من هذه الخمسة ولا نعلمه، نقله في البرهان (4)، ونسب إلى الأشعري.
فإن قيل كيف يستعمل لفظ الأمر في التحريم أو الكراهة؛ قيل: لأنه يستعمل في التهديد، والمهدد عليه إما حرام، أو مكروه.
المذهب الثالث عشر: مشترك بين ستة الوجوب، والندب، والتهديد، والتعجيز، والإباحة، والتكوين، ونسب إلى الأشعري [مذاهب أخرى غير ما تقدم ولكن اتفق](5)(6) جمهور الأشعرية على أن مذهبه التوقف بين أمور (7).
(1) انظر: البرهان: (1/ 66).
(2)
انظر: المحصول (2/ 41).
(3)
انظر: الإمام أبو الحسن وآراؤه الأصولية لشيخنا الشيخ حسين الجبوري ص (18).
(4)
انظر: البرهان (1/ 67).
(5)
ما بين معقوفين ساقطة من المخطوط، والإكمال من القواعد والفوائد الأصولية ص (161).
(6)
في المخطوط [ونسب إلى الأشعري إلى جمهور الأشعرية].
(7)
تلك الأمور هي: إما أنه حقيقة في الوجوب وإما في الندب وإما فيهما جميعًا بالاشتراك اللفظي. قاله في الإبهاج (2/ 23). قلت ومن هنا يتبين لنا =
ويعبر عنه أيضًا بأن الأمر ليست له صيغة تخصه.
المذهب الرابع عشر: أمرُ الله تعالى للوجوب، وأمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم للندب، وحكي عن الأبهري (1)(2).
= أن الأقوال عن أبي الحسن الأشعري قد اضطربت، فمنهم من قال: إنه حمل الأمر المجرد عن القرينة للوجوب كما في القول الأول، ومنهم من قال إن مذهبه أنه مشترك بين الأحكام الخمسة كالقول الحادي عشر، ومنهم من نقل عنه أنه لواحد من الأحكام الخمسة لا نعلمه، كما في القول الثاني عشر، ومنهم من نقل عنه أنه مشترك بين ستة وجوه، كما في القول الثالث عشر. ومنهم من قال إنه قال بالوقف كالمذهب الثالث عشر والمذهب السابع. والراجح - والله أعلم -: أن مذهبه يحمل على الوجوب؛ لأنه نص على ذلك كما نقله عنه شارح اللمع، وأما بقية الأقوال فقد نقلت عنه بصيغة التضعيف (قيل) وإما بنسبتها إليه.
انظر: شرح اللمع (1/ 172)، الإبهاج (2/ 22).
(1)
قال الزركشي: حكاه القاضي عبد الوهاب في "الملخص" عن شيخه أبي بكر الأبهري. وكذا نقل أنه قول من أقواله القيرواني في المستوعب. وذكر المازري أن النقل اختلف عن الأبهري، فروى عنه هذا، وروى عنه أنه للندب مطلقًا. ونقل عن القاضي عبد الوهاب أنه قال: والصحيح - أي من أقوال الأبهري - هذا الذي كان يقوله آخر أمره، وأنه لا فرق بين أوامر الله تعالى وأوامر رسوله من كون جميعها على الوجوب. انظر: إحكام الفصول للباجي ص (83، 84) تشنيف المسامع (2/ 597، 598)، البحر المحيط (2/ 369، 370)، نهاية السول (2/ 253) القواعد لابن اللحام ص (161).
(2)
هو: محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح، أبو بكر التميمي الأبهري، شيخ المالكية في العراق، وكان من أئمة القراء من مصنفاته: كتاب الأصول، كتاب إجماع أهل المدينة، كتاب الرد على المزني، مات سنة (375 هـ).
انظر: تاريخ بغداد (5/ 462)، الوافي بالوفيات (3/ 308)، الفتح المبين (1/ 219 - 220).
المذهب الخامس عشر: أمر الشارع للوجوب دون غيره، اختاره أبو المعالي (1) وابن المنجا (2)، وبنى عليه: من أخَّر دفع مال، أمر بدفعه بلا عذر. قال: لا يضمن بناء على القاعدة (3). والله أعلم، انتهى ما قاله المصنف مختصرًا (4).
والفرق بين المذهب الرابع والسادس، أن الرابع من باب الاشتراك، والسادس من باب التواطؤ، وقد تقدم الفرق بين المشترك والمتواطي في الكلام على الأمر قريبًا.
وكذلك الفرق بين الثامن والتاسع، فإن الثامن من باب الاشتراك، ويسمى اشتراكًا لفظيًّا، والتاسع من باب التواطؤ، ويسمى اشتراكًا معنويًّا.
لنا على الوجوب: أن الذم يستلزمه، وقد ذم بالاتفاق، بقوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (5) وأراد قوله: {اسْجُدُوا} (6)
(1) انظر: البرهان (1/ 71).
(2)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (161).
(3)
في القواعد ص (161): بناء على اختصاص الوجوب بأمر الشرع، ثم قال: قلت: والمذهب يضمن بناء على القاعدة. والله أعلم. ا. هـ.
(4)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية (161).
(5)
والشاهد إلى قوله تعالى: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} من آية (12 - 18) من سورة الأعراف.
(6)
آية (11) من سورة الأعراف.
ووجه الممسك بهذه الآية، أنه تعالى لما أمر الملائكة وإبليس بالسجود لآدم، وترك إبليس المأمورية، إذ ليس المراد من قوله "ما منعك" =
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا} (1) وأيضًا {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (2){لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} (3) والتهديد يستلزمه، وقد قال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (4).
واعترض: يدل على وجوب أمر هدد فيه، أو حذر على مخالفته، أو سمي به عاصيًا، لا مطلقًا، وإلا لزم الندب (5).
ثم {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} مطلق؛ ثم: يلزم الندب؛ ثم: المخالفة اعتقاد غير موجبه من وجوب أو ندب.
رد: بأنه خلاف الظاهر، وأمره عام، ولا يلزم الندب، لقرينة فيه (6).
= الاستفهام بالاتفاق، لاستحالته على من يستحيل عليه الجهل، فيكون للذم، فيلزم أن يكون لأمر الوجوب.
انظر: بيان المختصر (2/ 24)، الإبهاج (2/ 28).
(1)
آية (48) من سورة المرسلات. قال ابن السبكي في الإبهاج (2/ 29): ليس المراد من قوله: "لا يركعون" الإعلام والإخبار، لأن ترك الركوع من المكذبين معلوم لكل أحد فيكون ذمًّا لهم.
(2)
آية (93) من سورة طه.
ووجه الدلالة أن تارك الأمر عاص، والعاصي يستحق النار، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23]، فيكون الأمر للوجوب، وإلا لما كان تاركه مستحقًّا للنار.
انظر: بيان المختصر (2/ 25).
(3)
آية (6) من سورة التحريم.
(4)
آية (63) من سورة النور.
(5)
لأن الندب مأمور به، وليس مهددًا على مخالفته.
(6)
أي: في الندب.
وقوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} (1) الآية. وقال صلى الله عليه وسلم لبريرة (2) عن زوجها [لو راجعتيه] قالت: تأمرني، قال:[لا إنما أشفع] قالت: فلا حاجة لي فيه. رواه البخاري (3)، فَهِمَتِ الوجوب من الأمر، وأقرها، وقبول شفاعته مستحب.
ودعا عليه السلام أبا سعيد بن المعلى (4) وهو يصلي، فلم يجبه، فاحتج عليه بقوله سبحانه وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} (5) رواه البخاري (6).
ولأن الصحابة والأئمة استدلوا بمطلقها على الوجوب، من غير بيان قرينة، من غير نكير، كما عملوا بالأخبار.
(1) آية (36) من سورة الأحزاب. وتتمة الآية: {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} فقضى أي: ألزم، وقوله أمرًا أي: مأمورًا، وما لا خيرة فيه من المأمورات لا يكون إلا واجبًا.
(2)
مولاة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، كانت لعتبة بن أبي لهب، وقيل لبعض بني هلال، فكاتبوها ثم باعوها، فاشترتها عائشة، وأعتقتها، وعاشت إلى زمن يزيد بن معاوية.
انظر: الاستيعاب (4/ 1795)، الإصابة (8/ 29).
(3)
في كتاب الطلاق باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة برقم: (5283).
(4)
هو: صحابي جليل: يقال اسمه رافع بن أوس، وقيل الحارث، ويقال ابن نفيع، مات سنة ثلاث وسبعين، وقيل غير ذلك.
انظر: الإصابة (8/ 205).
(5)
آية (24) من سورة الأنفال.
(6)
رواه البخاري في كتاب التفسير باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الآية سورة الأنفال برقم: (4647).
واعترض: بأنه ظن.
رد: بالمنع (1)، ثم يكفي في مدلول اللفظ، وإلا تعذر العمل بأكثر الظواهر.
القائل بالندب: قوله صلى الله عليه وسلم: [إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم](2) فرده صلى الله عليه وسلم إلى استطاعتنا، ولأنه اليقين.
رد الأول: بأن كل واجب كذلك (3)، والثاني: بأن الإباحة أولى، لتيقن نفي الحرج عن الفعل، بخلاف رجحان جانبه.
القائل بالإباحة: لتيقنها، لأن الأمر استعمل في الوجوب، والندب، والإباحة، وهي المتيقنة، فليكن الأمر حقيقة فيها، ولا نصرفه إلى الوجوب، أو الندب، إلا بدليل.
القائل بالإشتراك: اطلق، والأصل الحقيقة، ويحسن الاستفهام، والتقييد، "افعل واجبًا أو ندبًا أو مباحًا؟ ".
رد: خلاف الأصل، ومنع. علماؤنا، وغيرهم، حسن
(1) أي منع كونه يفيد الظن، بل يفيد القطع، لأن الإجماع قطعي.
انظر: بيان المختصر (2/ 24).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم:(7288)، ومسلم في كتاب الفضائل، باب اتباعه وتوقيره صلى الله عليه وسلم برقم:(2357).
(3)
أي: إن الإتيان بالواجب مفوض إلى استطاعتنا لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
انظر: بيان المختصر (2/ 28).
الاستفهام، وبأنه يبطل بأسماء الحقائق، والتقييد بالوجوب تأكيد، وبغيره قرينته صارفة.
وقول المصنف "الأمر المجرد عن قرينة" يقتضي أنه إذا اقترن بقرينة تدل على وجوب، أو ندب، أو إباحة، أنه يحمل عليها وهو كذلك.
تنبيه: قول المصنف: "الحق أنه حقيقة في الوجوب وهو قول الأكثر" يقتضي أنه مجاز في الندب على المرجح. وقوله وفيما تقدم في الندب (1)"وهو مأمور به حقيقة عند الأكثر، قال الحلواني وأبو الخطاب مجاز" يعارض هذا.
والجواب: أن المصنف ذكر في قواعده (2)، إنا إذا قلنا بالقول الأول المنصوص عن أحمد، يعني أنه حقيقة في الوجوب، فإن أريد بالأمر الندب فهو حقيقة فيه، على ظاهر كلام أحمد، واختاره أكثر أصحابنا، القاضي (3) وغيره (4) وهو نص الشافعي، حكاه أبو الطيب (5)، وقال هو الصحيح من مذهبه، وقال الكرخي (6)، والرازي (7) من الحنفية هو مجاز، واختاره
(1) انظر: القسم الأول المحقق من هذه الرسالة (2/ 319).
(2)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (164).
(3)
انظر: العدة (1/ 158، 248).
(4)
انظر: التمهيد (1/ 174)، روضة الناظر (2/ 605)، المسودة ص (16) شرح الكوكب (1/ 405).
(5)
وذلك في كتابه شرح الكفاية، انظر: سلاسل الذهب للزركشي (205).
(6)
انظر التقرير والتحبير (1/ 309)، تيسير التحرير (2/ 49)، الأقوال الأصولية للإمام الكرخي للجبوري ص (44).
(7)
انظر: الفصول في أصول الفقه (2/ 87، 89).
عبد الرحمن الحلواني من أصحابنا (1)، وعن الشافعية كالمذهبيين (2)، انتهى. فيحمل كلامه الأول على الإرادة، وبهذا يجمع بين الكلامين. والله تعالى أعلم أ. هـ.
قوله (3): فإن ورد بعد حظر فالوجوب، أو الوجوب إن كان بلفظ "أمرتكم أو أنت مأمور"، لا بلفظة "افعل"، أو الإباحة، أو الاستحباب، أو كما كان قبل الحظر أقوال.
الأمر بعد الحظر للإباحة عند علمائنا (4)، ومالك وأصحابه (5)، وذكره، أبو محمد التميمي (6) قول أحمد، وأن أصحابه اختلفوا، وذكره أبو الطيب (7) ظاهر مذهب الشافعي، وأنه قول أكثر الأصوليين، وذكره الآمدي (8) قول أكثر الفقهاء،
(1) انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (164).
(2)
انظر: شرح اللمع (1/ 158).
(3)
انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (100).
(4)
انظر: العدة (1/ 256)، التمهيد (1/ 179)، روضة الناظر (2/ 612).
(5)
قال القرافي في شرح التنقيح ص (140): "اقتضى الوجوب عند الباجي ومتقدمي أصحاب مالك".
انظر: الإشارة للباجي ص (169)، مفتاح الوصول لابن التلمساني ص (374، 375).
(6)
انظر: المسودة ص (22)، أصول ابن مفلح (2/ 704).
(7)
وكذا صاحب القواطع وأبو إسحاق في التبصرة، وقال التلمساني في شرح المعالم والأسنوي في نهاية السول: أن الشافعي نص على ذلك.
انظر: قواطع الأدلة (1/ 108، 109) التبصرة ص (38)، نهاية السول (2/ 272).
(8)
ونقل عن أكثر الحنابلة كأبي يعلى والمجد بن تيمية وابن قدامة أن قول=
واختياره (1) الوقف، كأبي المعالي (2).
وعن بعض علمائنا (3) كالأمر ابتداء، ولا أثر للحظر، وذكره في العدة (4) والتمهيد (5)، قول عامة الفقهاء، والمتكلمين، واختاره المعتزلة (6) وصاحب المحصول (7)، وذكر النجم (8) أن القاضي اختاره في إعادة الجماعة (9).
= أكثر الفقهاء والمتكلمين أنه بمنزلة الأمر المبتدأ في أنه يقتضي الوجوب على من قال بالوجوب، والندب على قول من قال بالندب.
انظر: "الإحكام (2/ 98)، العدة (1/ 257)، روضة الناظر (2/ 612)، المسودة ص (17).
(1)
انظر: الإحكام (2/ 198)، والحق أن الآمدي: تردد بينه وبين القول بالإباحة، حيث قال:"فيجب التوقف، كيف وأن احتمال الحمل على الإباحة أرجح".
(2)
انظر: البرهان (1/ 88)، وقال في المسودة ص (17):"الوقف بين الإباحة والوجوب".
(3)
انظر: المسودة ص (16).
(4)
انظر العدة (1/ 257).
(5)
انظر: التمهيد (1/ 179).
(6)
انظر: المعتمد (1/ 75).
(7)
انظر: المحصول (2/ 96).
(8)
انظر: أصول ابن مفلح (2/ 705)، القواعد والفوائد الأصولية ص (165).
(9)
أي في وقت النهي لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى الفجر إذا هو برجلين في آخر المسجد لم يصليا، فقال:(عليّ بهما) فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال:(ما منعكما أن تصليا معنا؟ ) قال: يا رسول الله إنا قد صلينا في رحالنا. فقال: (فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة).
وذكر أبو العباس (1) أنه ظاهر قول أحمد، {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (2){فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} (3) أكثر من سمعنا إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، كأنهم ذهبوا (4) لا يجب، وليسا على ظاهرهما.
قال أبو العباس (5): قلت هذا اللفظ يقتضي أن ظاهرهما الوجوب، وأنه من المواضع المعدولة عن الظاهر لدليل، ولذلك ذكره في الرد على المتمسك بالظاهر، واحتج به القاضي للإباحة" (6).
قال أبو العباس (7): "والتحقيق أن يقال صيغة "افعل" بعد الحظر، لرفع ذلك الحظر، وإعادة حال الفعل إلى ما كان قبل الحظر، فإن كان مباحًا كان مباحًا، وإن كان واجبًا، أو مستحبًا، كان كذلك، وعلى هذا يخرج قوله تعالى:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (8) فإن الصيغة رفعت الحظر، وأعادته إلى ما كان أولًا، وقد كان واجبًا، وقد قرر المزني (9).
(1) انظر: المسودة ص (17).
(2)
آية (2) من سورة المائدة وفي المخطوط (فإذا) بالفاء.
(3)
آية (10) من سورة الجمعة.
(4)
في المخطوط [يذهبوا] والتصحيح من العدة والمسودة.
(5)
انظر: المسودة ص (17).
(6)
انظر: العدة (1/ 256).
(7)
انظر: المسودة ص (18).
(8)
آية (5) من سورة التوبة.
(9)
هو: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني، صاحب الشافعي، =
هذا المعنى (1).
والقول بالاستحباب، ذكره القاضي حسين (2) من الشافعية في أول باب الكتابة من تعليقه.
والقول بالوجوب إذا كان بلفظ "أمرتكم" أو "أنت مأمور" حكاه الشيخ في الروضة (3).
قال أبو البركات (4): "فإن كان بعد الحظر أمر صريح بلفظ، كما لو قال: "أمرتكم بالصيد إذا حللتم" فحكى المقدسي عن قوم أنه يقتضي الوجوب، بخلاف صيغة "افعل" بعدما صدّر الكلام في المسألة بكلام مطلق، وهو يقتضي التسوية بينهما (5) عنده (6)، وعندي أن هذا التفصيل هو كل المذهب، وكلام القاضي (7) وغيره
= كان زاهدًا عالمًا مجتهدًا، قوي الحجة، من مصنفاته: المختصر والجماع الكبير والصغير، والترغيب في العلم، مات سنة (264 هـ).
انظر: طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 28)، وفيات الأعيان (1/ 217)، والفتح المبين (1/ 164 - 166).
(1)
قال الزركشي في البحر المحيط (2/ 380): وهذا ما اختاره بعض الحنابلة ونسبه للمزني.
(2)
انظر: التمهيد للأسنوي ص (271).
(3)
انظر: روضة الناظر (2/ 613).
(4)
انظر: المسودة ص (20).
(5)
أي بين الإباحة، وبين القول بأنها تفيد ما كانت لولا الحظر.
(6)
والحق أن ابن قدامة رجح القول بالإباحة.
انظر: روضة الناظر (2/ 612).
(7)
انظر: العدة (1/ 256).
يدل عليه، فإنه صرح بأن هذا ليس بأمر، إنما صيغته صيغة الأمر، وإنما هو إطلاق".
لنا: أن عرف الاستعمال في الأمر بعد الحظر الإباحة، بدليل أن أوامر الشرع (1) بعد الحظر للإباحة، كقوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (2){فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} (3){فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} (4) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فامسكوا ما بدا لكم)(5).
وفي العرف: أن السيد إذا قال لعبده: "لا تأكل هذا الطعام" ثم قال: "كله"، أو قال لأجنبي:"لا تدخل داري، ولا تأكل من ثماري" ثم قال: "ادخل داري، وكل من ثماري"، اقتضى ذلك رفع الحظر، دون الإيجاب، ولهذا لا يحسن اللوم والتوبيخ على تركه.
تنبيه: الضمير في قول المصنف "فإن ورط" هل يعود إلى الأمر، كما قاله الجمهور، أو إلى اللفظ "افعل" كما قاله القاضي (6) أبو بكر، فإنه رغب عن عبارة الجمهور وقال: الأولى
(1) بل أغلبها. انظر: الروضة (2/ 613).
(2)
آية (2) من سورة المائدة وفي المخطوط بالفاء (فإذا).
(3)
آية (10) من سورة الجمعة.
(4)
آية (222) من سورة الجمعة.
(5)
رواه مسلم في كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث. . . الخ. برقم:(1977).
(6)
انظر: التلخيص (1/ 285).
أن يقال افعل بعد الحظر، لأن أفعل تكون أمرًا تارة، وغير أمر، والمباح لا يكون مأمورًا به، وإنما هو مأذون فيه، انتهى (1).
وظاهر كلام المصنف الأول، لأنه في مسألة الأمر المجرد، وما قاله القاضي أبو بكر ظاهر. والله أعلم".
قوله (2): أما ورود النهي بعد الأمر (3)، فالتحريم، أو الكراهة، أو الإباحة أقوال.
هذه المسألة مفرعة على أحد الأقوال المتقدمة، وهو أن الأمر بعد الحظر للإباحة، قاله في المسودة (4) كما يأتي. أما كونه للتحريم، فحكاه الأسفرائيني إجماعًا (5)، قال الجويني (6):"ولست مسلِّمًا له ذلك، ولا أرى المخالفين يسلمونه، وأنا أسحب ذيل الوقف عليه".
(1) لفظة (انتهى) في المخطوط، وأقرب ما يكون أنه اقتبس النص السابق من تشنيف المسامع (2/ 602).
(2)
انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (100).
(3)
قال الفتوحي في شرح الكوكب (3/ 65، 66) " فرّق الجمهور بين الأمر بعد الحظر، والنهي بعد الأمر بوجوه: أحدها: أن مقتضى النهي، وهو الترك، موافق للأصل، بخلاف مقتضى الأمر، وهو الفعل.
الثاني: أن النهي لدفع مفسدة المنهي عنه، والأمر لتحصيل مصلحة المأمور به، واعتناء الشارع بدفع المفاسد أشد من طلب المصالح.
الثالث: إن القول بالإباحة في الأمر بعد التحريم سببه وروده في القرآن والسنة كثيرًا للإباحة، وهذا غير موجود في النهي بعد الوجوب.
(4)
انظر: المسودة ص (17).
(5)
انظر: البرهان (1/ 88)، سلاسل الذهب ص (208).
(6)
انظر: البرهان (1/ 88).
قال في المسودة (1): "صيغة النهي بعد سابقة الوجوب -إذا قلنا إن صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة- فيه وجهان: يفيد التنزيه دون التحريم. والثاني: يفيد التحريم، واختاره الحلواني، ذكرهما القاضي (2) إلى أن قال: "وقال ابن عقيل (3): لا يقتضي التحريم، ولا التنزيه، بل يقتضي الإسقاط لما أوجبه الأمر، وغلط من قال يقتضي التنزيه، فضلًا عن التحريم، فصارت على ثلاثة أوجه".
وجه الحظر: أنه نهى بعد أمر، فاقتضى الحظر، كما لو انفرد، فإن النهي يقتضي قبح المنهي عنه.
ووجه الكراهة: أنه إذا ورد بعد الأمر، فليس هو كما لو انفرد، بل هو أحط رتبة منه، والكراهة أحط رتبة من الحظر.
ووجه الإباحة: أن النهي إنما رفع الأمر المتقدم، والكراهة، والحظر، يحتاجان إلى دليل فاقتضى الإباحة، لأنها متيقنة، كما قلنا في الأمر بعد النهي.
قوله (4): قال ابن عقيل، وشيخه، والإمام: والأمر بعد الاستئذان للإباحة، وظاهر كلام جماعة خلافه.
قال المصنف (5): "إذا فرَّعنا على أن الأمر المجرد
(1) انظر: المسودة ص (83، 84).
(2)
انظر: العدة (1/ 262).
(3)
انظر: الواضح (2/ 529، 530).
(4)
انظر: المختصر لابن اللحام ص (100).
(5)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (170).
للوجوب، فوجد أمر بعد استئذان، فإنه لا يقتضي الوجوب، بل الإباحة. ذكره القاضي (1) محل وفاق". قال:"قلت: وكذلك ابن عقيل (2). وإطلاق جماعة (3) ظاهره يقتضي الوجوب".
قال القاضي في العدة (4) -في معرض بحث-: "كما إذا استأذنه عبده في فعل شيء فقال له: افعل حملناه على الإباحة بالأمرين جميعًا الإذن، والاستئذان".
ووجه الوجوب ظاهر، يدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (5) لما قيل له: أنتوضأ من لحوم الإبل قال: (نعم توضؤوا منها) وهو محمول على الوجوب عندنا.
وفي المغني (6) في صوم نذر عن ميت الجواب: يختلف باختلاف مقتضى سؤاله من إباحة، أو إجزاء، أو وجوب (7).
(1) انظر: العدة (1/ 258).
(2)
انظر: الواضح (2/ 527).
(3)
منهم الرازي كما في المحصول (2/ 92)، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (170).
(4)
انظر: العدة (1/ 262).
(5)
مسلم كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، برقم:(360) بلفظ: "أأتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: (نعم فتوضأ من لحوم الإبل) ".
(6)
انظر: المغني (13/ 656).
(7)
أي: إذا كان مقتضى سؤاله السؤال عن الإباحة؛ فالأمر في جوابه يقتضي الإباحة، وكذا الباقي.
انظر: المغني: (13/ 652).
قوله (1): والخبر بمعنى الأمر كالأمر (2). قال بعض أصحابنا لا يحتمل (3) الندب.
كما تقدم (4) في قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} (5){وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (6) ولا يحتمل الندب لأنه كالمحقق المستمر.
قوله (7): وإطلاق التواعد (8) على ترك الفعل، وإطلاق الفرض، أو الوجوب، نص في الوجوب لا يحتمل التأويل عند أبي البركات، خلافًا للقاضي. و"كتب عليكم" نص في الوجوب، ذكره القاضي.
هذا مفرع على أن الأمر المجرد عن القرينة يقتضي الوجوب، قال المصنف في قواعده (9). إذا عرف هذا فقال
(1) انظر: المختصر لابن اللحام ص (100).
(2)
قال الفتوحي: أي الأمر الذي بلفظ الخبر، حكمه حكم الأمر الصريح في جميع ما تقدم، لأن الحكم تابع للمعنى الذي دل عليه اللفظ، دون صورة اللفظ. انظر: شرح الكوكب (3/ 66).
(3)
في المخطوط [يحتمل]، والتصويب من المطبوع.
(4)
انظر: ص (133).
(5)
آية (233) من سورة البقرة.
(6)
آية (228) من سورة البقرة.
(7)
انظر: المختصر لابن اللحام ص (100).
(8)
في المطبوع: "إطلاق القواعد" وقال محقق المسودة، الدكتور الذروي: إن لفظة "القواعد" من نسخة "م" وبقية النسخ "التواعد" وهو الموافق لما في القواعد لابن اللحام.
انظر: المسودة ص (88) آلة، القواعد والفوائد الأصولية ص (162).
(9)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (162).
القاضي (1): "إطلاق التواعد يقتضي الوجوب لفعل ما توعد عليه، فإن عدلنا عنه في موضع فلدليل". وكلام ابن عقيل في [العمدة](2) يوافق ذلك، أجاب بهذا لما استدل على وجوب الوليمة بقوله (من لم يجب فقد عصى الله ورسوله)(3).
قال: "وهذا يدل على الوجوب، لأنه تواعد عليه بالمعصية"، فقيل له:[ألا يمتنع](4) أن يتواعد عليه على طريق الاستحباب، كما قال:(من سمع النداء فخرج من المسجد قبل أن يصلي، فقد عصى أبا القاسم)(5) وقال: (ليس منا من لم يوقر
(1) ولفظ القاضي كما في العدة (1/ 231) بعد قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، "فتواعد على مخالفة الأمر بالفتنة والعذاب، فلولا أن إطلاقه يقتضي الوجوب لم يتوعد عليه".
وكلام الشارح هنا نقله في المسودة ص (42) بنصه إلى قوله: "بمعنى قدر".
(2)
كتاب عمدة الأدلة لابن عقيل، وهو مفقود. انظر: الدر المنضد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد ص (25).
وفي المخطوط: [وكلام ابن عقيل في العبد] والتصويب من المسودة ص (42)، والقواعد الأصولية ص (163).
(3)
أبو داود، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة، برقم:(3742) بلفظ: "ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله".
ابن ماجة، كتاب النكاح، باب إجابة الداعي، برقم:(1913).
مسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، برقم:(1432) بلفظ: "فمن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله".
(4)
في المخطوط [ألا ينبغي] والتصحيح من المسودة ص (42).
(5)
مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن برقم:(655).
كبيرنا، ويرحم صغيرنا) (1) فأجاب لما تقدم.
وقد ذكر مثل ذلك في قوله {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} (2) قال أبو العباس (3): "هذا ضعيف، بل الوعيد، نص في الوجوب، لا يقبل التأويل، فإن خاصة الواجب ما توعد بالعقاب على تركه، ويمتنع وجود خاصة الشيء بدون ثبوته، إلا في كلام [مجاز] (4) ".
فأما لفظ الفرض فقد قيل: إنه يقبل التأويل، بمعنى التقدير، واختلفت الرواية عن أحمد في صدقة الفطر: هل تسمى فرضًا؟ على روايتين (5)، ومن قال:[ليست](6) بفرض، تأول قول ابن عمر. . (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر)(7) بمعنى قدّر.
قال في المسودة (8):
(1) رواه أبو داود بلفظ: "من لا يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا" كتاب الأدب، باب في الرحمة، برقم:(4943) وهو صحيح.
انظر: صحيح مسند أبي داود للألباني (4943).
(2)
آية (7) من سورة الماعون.
(3)
انظر: المسودة ص (42).
(4)
في المخطوط [مجازف]، والتصويب من المطبوع.
(5)
انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 526).
(6)
في المخطوط [ليس]، والتصويب من المطبوع، انظر: المسودة ص (42).
(7)
رواه البخاري في كتاب أبواب صدقة الفطر، باب صدقة الفطر على الصغير والكبير برقم:(1441).
ومسلم كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير برقم:(984).
(8)
انظر: المسودة ص (43).
"والأظهر أنها [نصّ] "(1) وقولهم: فرض القاضي النفقة، وفرض الصداق، لا يخرج عن معنى الوجوب، وإن انضمّ إليه التقدير.
وأما صيغة الوجوب، فقال في المسودة (2):"ينبغي أن تكون نصًّا في معنى الوجوب، وذهب طائفة من أصحابنا، وغيرهم، إلى أنها تحتمل توكيد الاستحباب، كما في قولهم: "حقك علي واجب". وذكر هذا التأويل في قوله: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)(3).
وأما "كتب عليكم" فنص في الوجوب، ذكره القاضي، كقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (4) الآية، وكقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (5) الآية.
وأما قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} (6) فإنها كانت واجبة، لكنها نسخت، كما ورد في صحيج البخاري (7).
(1) في المخطوط [والأظهر أنها فرض]، والتصويب من المطبوع. انظر: المسودة ص (43).
(2)
انظر: المسودة ص (42).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة، برقم:(879) ولفظه: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم".
ومسلم في كتاب الجمعة، وجوب غسل الجمعة على كل بالغ، برقم:(846) بلفظ: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم".
(4)
آية (178) من سورة البقرة.
(5)
آية (183) من سورة البقرة.
(6)
آية (180) من سورة البقرة.
(7)
رواه البخاري في كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، برقم:(2747).
قوله (1): وإذا صرف الأمر عن الوجوب، جاز الاحتجاج به في الندب، والإباحة (2)، خلافًا للتميمي (3).
لنا: أنه يتضمن الإذن، والإثابة، والعقاب (4)، فإذا صرف أحدهما نفى ما عداه، ومن هذا على رواية مرجوحة في المذهب (5)، استحباب صيام عاشوراء، بعد تقدم وجوبه، ونسخه، فإن المقدم في المذهب (6) أنه لم يكن واجبًا أولًا.
قوله (7): مسألة: الأمر المطلق للتكرار حسب الإمكان، ذكره ابن عقيل مذهب أحمد، وأصحابه.
وقال الأكثر: لا يقتضيه.
فعلى عدم التكرار، لا يقتضي إلا فعل مرة، أو يحتمل التكرار، أو لا يدل على المرة، والمرات أو الوقف فيما زاد على المرة، والمرات، أقوال.
الأمر المطلق: هو الذي لم يتقيد بشرط، ولا بمدة، ولا
(1) انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (100).
(2)
انظر: المسودة ص (16)، شرح الكوكب المنير (1/ 429)، الإشارة ص (172)، المحصول (2/ 203).
(3)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (163).
(4)
كلمة العقاب موجودة في المخطوط وأظنها إدراجًا من الناسخ.
(5)
انظر: الفروع لابن مفلح (3/ 112 - 113).
(6)
انظر: المصدر السابق.
(7)
انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (100 - 101).
بتكرار، ولا بمره، وإنما هو مطلق، ولم يقيد بشيء، وفيه مذاهب ذكرها المصنف في قواعده (1).
أحدها: وهو الذي ذكره ابق عقيل (2) مذهب أحمد وأصحابه وحكاه القاضي (3) في كتاب الروايتين والوجهين (4) عن شيخه أبي عبد الله بن حامد أنه يقتضي التكرار، وهو أشهر قولي القاضي (5) وقول أكثر أتباعه، وحكاه في المسودة (6) عن أكثر أصحابنا، وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني (7)، لكن بحسب الطاقة، والإمكان، كما قال أبو البركات، قال الآمدي (8)، وجماعة من
(1) انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (171 - 173).
(2)
انظر: الواضح لابن عقيل (2/ 545 - 546).
(3)
انظر: المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين ص (41).
(4)
طبع بتحقيق الدكتور عبد الكريم اللاحم، ضمن مطبوعات مكتبة المعارف، قال محققه (29): هو الوحيد من نوعه -حسب علمي- من حيث العناية بالروايات الواردة عن الإمام أحمد، جمعها وأفردها في مؤلف مستقل، جمع فيه ألف مسألة في الفقه والأصول والتوحيد، وذكر في كل مسألة روايتين أو وجهين.
يقع في (516) صفحة، المسائل الأصولية تقع في (30) صفحة. .
(5)
انظر: العدة (1/ 264).
(6)
انظر: المسودة ص (20).
(7)
انظر: الأحكام (1/ 173)، البحر المحيط (2/ 385).
(8)
قال الآمدي في إحكامه (1/ 173): "والمختار أن المرة الواحدة لا بد منها في الامتثال، وهو معلوم قطعًا، والتكرار محتمل، فإن اقترن به قرينة أشعرت بإرادة المتكلم التكرار حمل عليه، وإلا كان الاقتصار على المرة الواحدة كافيا.
الفقهاء، والمتكلمين (1)، وذكره ابن برهان (2) عن الحنفية (3)، وحكي (4) عن المزني.
المذهب الثاني: لا يقتضي التكرار، ولا يدل على المرة، ولا على التكرار، بل يفيد طلب الماهية، من غير إشعار بتكرار، أو مرة، إلا أنه لا يمكن إدخال تلك الماهية في الوجود بأقل من المرة الواحدة، فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به، وبه قال أكثر الفقهاء، والمتكلمين (5)، وذكر أبو محمد التميمي أنه قول أحمد (6) وأن أصحابه (7) اختلفوا.
المذهب الثالث: يدل على المرة اختاره أبو الخطاب (8)،
(1) انظر: الإحكام (1/ 173).
(2)
انظر: المسودة ص (20، 21)، أصول ابن مفلح (2/ 671). ولم ينسبه في كتابه "الوصول" إلى الحنفية، ونسب في كتابه "الأوسط" القول بأنه يحمل على المرة الواحدة لأبي حنيفة. كما نقله عنه في البحر المحيط (2/ 387).
(3)
نسبته إلى الحنفية مطلقًا فيه نظر، فقد ذهب أبو حنيفة إلى القول بأنه يحمل على مرة واحدة، ولا يحمل على ما زاد إلا بدليل. انظر مذهب الحنفية في: تيسير التحرير (1/ 351)، فواتح الرحموت (1/ 380).
(4)
انظر: البحر المحيط (2/ 386).
(5)
انظر: المحصول (2/ 98)، والإحكام (2/ 174).
(6)
قال أبو محمد: إن مذهب أحمد: أن الأمر لا يقتضي التكرار إلا بقرينة، ولم يفرق بين مطلق، ومعلق بشرط؛ لكن قد يكون التعليق عنده قرينة.
انظر قوله في القواعد والفوائد الأصولية ص (171).
(7)
فذهب القاضي في أشهر قوليه كما سبق إلى القول الأول، وذهب أبو الخطاب وابن قدامة والطوفي وغيرهم إلى القول الثالث كما سيأتي.
(8)
انظر: التمهيد (1/ 187).
وأكثر كلامه يحتمل التكرار، وهو قول أكثر أصحاب الشافعي، حكاه أبو إسحاق في شرح اللمع (1)، ونقل القيرواني (2) في المستوعب عن أبي حامد (3) أنه مقتضى قول الشافعي (4).
المذهب الرابع: التوقف (5) وعلى هذا قولان. أحدهما: التوقف لكونه مشتركًا بين المرة والتكرار. والثاني: لأنه لأحدهما ولا نعرفه.
وقال في المسودة (6): "إن إمام الحرمين (7) نصر التوقف فيما زاد على المرة الواحدة. وقال: لست أنفيه ولا أثبته".
قال في المسودة (8): "وحقيقة ذلك عندي يرجع إلى قول من قال: لا يقتضي التكرار".
(1) انظر: شرح اللمع (1/ 189).
(2)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية (172).
(3)
الإسفرائيني. انظر: شرح اللمع (1/ 189)، البحر المحيط (2/ 386).
(4)
قال الزركشي في البحر المحيط (2/ 386): بل نص عليه في "الرسالة" صريحًا في باب الفرائض المنصوصة التي سن رسول الله صلى الله عليه وسلم معها.
قال: "فكان ظاهر قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أقل ما يقع عليه اسم الغسل مرة، واحتمل أكثر، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء مرة فوافق ظاهر القرآن، ولو لم يرد الحديث به لاستغنى عنه بظاهر القرآن" انتهى. انظر: الرسالة ص (161، 164).
(5)
انظر: البحر المحيط (2/ 388).
(6)
قاله أبو البركات. انظر: المسودة ص (21).
(7)
انظر: البرهان (1/ 74).
(8)
قاله أبو البركات. انظر: المسودة ص (21).
وجه الأول: تكرار الصوم، والصلاة.
رد: التكرار بدليل (1). وعورض بالحج (2). وأيضًا كالنهي لأنهما طلب (3).
رد: قياس في اللغة، وبأن النهي يقتضي النفي (4)، وبأن التكرار في النهي لا يمنع من فعل غيره، بخلافه في الأمر (5).
وأيضًا: الأمر نهي عن ضده، والنهي يعم فيلزم تكرار المأمور به.
رد: بالمنع، وبأن النهي المستفاد من الأمر لا يعم، لأن عمومه فرع عموم الأمر (6).
(1) أي ليس مستفادًا من الأمر، بل بدليل خارجي وهو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
انظر: بيان المختصر (2/ 35).
(2)
أي إنه ورد الأمر بالحج وحمل على المرة، فلو كان مقتضيًا للتكرار لما حمل على المرة.
(3)
أي قوله "لا تصم" يقتضي التكرار، فوجب أن يقتضي الأمر، مثل "صم" التكرار، والجامع بينهما المطلب.
(4)
فلو قال: "لا تفعل كذا" مرة عم، أما الأمر فيقتضي الإثبات، وهو يحصل بمرة، ففارق الأمر النهي.
(5)
أي: إن تكرار الفعل يمنع من فعل غيره.
(6)
رد بالمنع، أي: لا نسلم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده وعلى تقدير التسليم، لا نسلم أن النهي الضمني يقتضي التكرار؛ لأن اقتضاء النهي الضمني فرع على اقتضاء الأمر التكرار. فلا يستدل بتكرار النهي الضمني على تكرار الأمر، وإلا كان مصادرة على المطلوب. انظر: بيان المختصر (2/ 35 - 36).
وأيضًا: قوله لعبده: "أكرم فلانًا، وأحسن عشرته، واحفظ كذا" للدوام.
رد: لقرينة إكرامه، وحفظه (1)، ولأنه يجب تكرار اعتقاد الوجوب، وعزم الامتثال، كذا الفعل.
ووجه المرة: لو قال: "افعل كذا"، ففعله مرة امتثل.
رد: [لفعل](2) المأمور به (3)، لأنها من ضرورته، لا أن الأمر ظاهر فيها ولا في التكرار.
ومنه ابن عقيل (4) أنه امتثل، وأنه دعوى. فقيل له: يحسن قوله "فعلت"، فقال:"للعرف، ووقوعه على شروعه فيه، ولهذا لو أمره بتكراره لم يقبح منه في الفعلة الواحدة".
فائدة: إذا تكرر الأمر، هل يتكرر الفعل، أم لا؟ قال الشيخ (5)، وأبو الخطاب (6): لا يتكرر، بل يحمل على التأكيد. واختلف كلام القاضي فقال (7) في كتاب الروايتين يقتضيه، ونقله
(1) لأن الإكرام والحفظ الأصل استدامتهما.
(2)
في المخطوط بين معقوفين [الفعل]، التصويب من أصول الفقه لابن مفلح (2/ 675).
(3)
أي إنما يُعد ممتثلًا لأنه أتى بفعل ما أمر به.
(4)
انظر: الواضح (2/ 557).
(5)
انظر: روضة النظر (2/ 618).
(6)
انظر: التمهيد (1/ 210).
(7)
انظر: المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى ص (42).
ابن برهان (1) عن الفقهاء قاطبة، وقال الباجي (2): لا يقتضي التكرار بتكرار الصيغة، وبه قال عبد الوهاب.
قوله (3): مسألة: إذا علق الأمر على علة ثابتة، وجب تكرره بتكررها اتفاقًا. وإن علق على شرط، أو صفة، فكالمسألة قبلها. واختار القاضي، وأبو البركات، وغيرهما، التكرار هنا.
الأمر المعلق على العلة الثابتة، يتكرر بتكررها اتفاقًا (4)، لاتباع العلة، لا للأمر، والعلة إذا أطلقها أهل الشرع، يريدون بها العلة الشرعية الكاملة، وقد تقدم (5) ذكرها، والكلام عليها، عند قول المصنف:"ثم استعيرت شرعًا لمعان".
وأما إذا علق على شرط، كقوله:"إذا زالت الشمس فصلوا". أو صفة، كقوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} (6){وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} (7) هل يقتضي التكرار بتكرار الشرط والصفة أم لا (8)؟
(1) في الوصول إلى الأصول (1/ 161) قال بالتكرار ولم ينسبه إلى الفقهاء، انظر قوله هذا في المسودة ص (23) وفي الرسالة المحققة للمسودة (1/ 44): بلفظ: "فالذي نقله ابن برهان أن القول بالتكرار هنا قول الفقهاء قاطبة".
(2)
انظر: إحكام الفصول ص (94).
(3)
انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (101).
(4)
انظر: الإحكام (2/ 181).
(5)
انظر: من القسم الأول من هذه الرسالة المحقق بتحقيق الدكتور عبد العزيز القايدي (2/ 336).
(6)
آية (2) من سورة النور.
(7)
آية (38) من سورة المائدة.
(8)
قال الزركشي في البحر المحيط (2/ 165): منشأ الخلاف في المسألة هو: هل تدل إضافة الحكم إلى الشرط على أن الشرط مؤثر كالعلة أم لا؟ =
قال جماعة (1): هي كالمسألة قبلها عند الجميع، واختار القاضي (2)، وصاحب المحرر (3)، وحفيده (4)، وبعض الحنفية (5)، والشافعية (6)، وكثير من المالكية (7) التكرار (8).
احتجوا: بأن الحكم يتكرر بتكرر العلة، فكذا الشرط،
= والصحيح أن الشرط لا يدل إلا على كونه أمارة على جواز الفعل، وأما العلة فقد وضعت مؤثرة وجالبة، بجعل الله تعالى لها ذلك.
(1)
انظر: أصول ابن مفلح (2/ 678)، قال الآمدي في الإحكام (2/ 180):"من قال إن الأمر المطلق يقتضي التكرار فهو ههنا أولى".
(2)
انظر: العدة (1/ 265).
(3)
انظر: المسودة ص (20).
(4)
انظر: المسودة ص (23).
(5)
قال السرخسي في أصوله (1/ 40): والصحيح عندي أن هذا ليس بمذهب علمائنا رحمهم الله.
ونسبه البزدوي إلى بعض مشائخ الحنفية، وذهب إليه أبو زيد الدبوسي منهم.
انظر: كشف الأسرار (1/ 122)، فواتح الرحموت (1/ 389)، تيسير التحرير (1/ 351).
(6)
انظر: شرح اللمع (1/ 200)، قواطع الأدلة (1/ 124)، الإبهاج (2/ 55).
(7)
انظر: شرح التنقيح ص (131).
(8)
وهناك أقوال آخر والراجح في المسألة -والله أعلم- قول من قال: لا يدل المعلق على الشرط على التكرار إلا بقرينة بدليل أن بعض الشروط تدل على التكرار، وبعضها لا تدل عليه. مثل "كلما جاء زيد فأكرمه" فيدل على التكرار، بخلاف "إن جاء زيد فأكرمه".
انظر: مذكرة الشيخ محمد الأمين ص (195).
أما المعلق بالصفة فإن كانت الصفة علة مثل قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فإنه يتكرر بتكررها. انظر: الإحكام (2/ 181)، شرح الكوكب المنير (3/ 46).
ولأنه تكرر شرعًا لدليل خارجي، ولذلك لم يتكرر الحج مع تعليقه بالاستطاعة، مع أن الآمدي (1) جعل الزنا علة، في أثناء كلامه فإنه قال:"وقبل الخوض في الحجاج لا بد من تخليص محل النزاع، فنقول ما علق به المأمور من الشرط والصفة إما أن يكون قد ثبت كونه علة في نفس الأمر، لوجوب الفعل المأمور به كالزنا، أو لا يكون كذلك، بل الحكم متوقف عليه من غير تأثير فيه، كالإحصان الذي يتوقف عليه الرجم في الزنا، فإن كان الأول: "فالاتفاق واقع على تكرار الفعل" لتكرره، نظرًا إلى تكرر العلة، لا إلى الأمر، وإن كان الثاني: فهو محل الخلاف، والمختار: أنه لا تكرار.
تنبيه: قال عبد الوهاب (2) موانع التكرار عقلية، كقتل المقتول، وكسر المكسور، وشرعية كتكرار العتق في عبد، وقد يمتنع لكون الأول مستغرقًا للجنس، فيحمل الثاني على الأول، انتهى.
وإذا استغرق الأول الجنس، وتناول الثاني بعضه، كقوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} دل على الاهتمام بالثاني، وإن كان الثاني أعم من الأول نحو:"اقتلوا أهل الأوثان واقتلوا جميع المشركين" فالصحيح أنه للاعتناء والتفخيم.
قوله (3): مسألة: من قال: "الأمر للتكرار" قال: للفور.
(1) انظر: الإحكام (2/ 180 - 181).
(2)
انظر: شرح التنقيح ص (132).
(3)
انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (101).
واختلف غيرهم: فذهب الأكثر للفور. وللتراخي عند أكثر الشافعية، وعن أحمد مثله. وقال الإمام: بالوقف لغة، فإن بادر امتثل. وقيل: بالوقف وإن بادر.
القائلون بالتكرار، قائلون بالفور (1). واختلف غيرهم: فظاهر مذهبنا (2): للفور، وقاله الكرخي (3) وغيره من الحنفية (4)، وحكاه جماعة عنهم (5)، وقاله المالكية (6)، والصيرفي (7)، وأبو حامد المروزي (8) وغيرهما من الشافعية، وبعض المعتزلة (9).
ولنا: رواية لا يقتضيه (10) - لقوله عن قضاء رمضان: يفرق؛ قال الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (11) - واختاره
(1) وهذا فيه إشارة إلى تحرير محل النزاع، فالخلاف كله إنما هو عند من يقول بأن الأمر لا يقتضي التكرار ولا يقتضي إلا مرة واحدة، وأما من قال بأن الأمر يقتضي التكرار فإنه يقتضي الفور باتفاق، لأن تعجيل المأمور به في أول أزمنة الإمكان مع تكراره يقتضي استقرار جميع الأزمنة حتى الزمان الفوري.
انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (179).
(2)
انظر: العدة (1/ 281)، التمهيد (1/ 215)، المسودة ص (24).
(3)
انظر: بديع النظام (1/ 414)، فواتح الرحموت (1/ 387).
(4)
انظر: تيسير التحرير (1/ 357).
(5)
انظر: أصول ابن مفلح (2/ 681)، شرح تنقيح الفصول ص (128)، البرهان (1/ 75).
(6)
انظر: شرح التنقيح ص (128).
(7)
انظر: التبصرة ص (52)، البحر المحيط (2/ 396).
(8)
المصدر السابق.
(9)
انظر: المعتمد (1/ 111).
(10)
انظر: العدة (1/ 283).
(11)
آية (184) من سورة البقرة.
أبو خازم (1) ولد القاضي أبي يعلى، وقاله أكثر الشافعية (2)، والجبائية (3)، وأبو الحسين المعتزلي (4)، وذكر السرخي (5): أنه الذي يصح عنده من مذهب علمائهم، ونصره ابن الباقلاني (6)، والآمدي (7).
ثم: في اعتبار العزم لجواز التأخير ما سبق في الموسع.
وقال أكثر الأشعرية (8): بالوقف، زاد إمام الحرمين (9):
(1) هو: محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف بن الفراء، الفقيه الزاهد، أبو خازم، ابن القاضي الإمام أبي يعلى، برع في معرفة المذهب والخلاف والأصول، من تصانيفه: التبصرة، ورؤوس المسائل، وشرح مختصر الخرقي، وغير ذلك، مات سنة (527 هـ).
انظر: ذيل طبقات الحنابلة (1/ 184)، شذرات الذهب (4/ 82).
(2)
انظر: التبصرة ص (52).
(3)
الجبائية: فرقة من فرق المعتزلة تنسب إلى أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي، وابنه أبي هاشم عبد السلام، وهما من معتزلة البصرة، انفردا عن أصحابهما بمسائل، وانفرد أحدهما عن صاحبه بمسائل، من تلك المسائل: أنهما حكما بكونه تعالى متكلمًا بكلام يخلقه في محل، وحقيقة الكلام عندهما أصوات مقطعة، وحروف منظومة، والمتكلم من فعل الكلام، لا من قام به الكلام.
انظر: المعتمد (1/ 111) وإلى تفصيل أقوالهم في الملل والنحل للشهرستاني (1/ 78 - 85).
(4)
انظر: المعتمد (1/ 111) وما بعدها.
(5)
انظر: أصول السرخسي (1/ 44).
(6)
انظر: التقريب والإرشاد (2/ 116، 117).
(7)
انظر: الإحكام (2/ 185).
(8)
انظر: شرح اللمع (1/ 245)، المسودة ص (25)، أصول ابن مفلح (2/ 687).
(9)
انظر: التلخيص (1/ 325).
لغة، فإن بادر امتثل، وقيل (1): بالوقف ولو بادر، وهو خلاف إجماع السلف (2).
احتج القائلون بالفور بقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (3) وبقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (4). فرد الأول: بأنه من جهة المسارعة لا للصيغة (5)، وإلا لم يكن مسارعًا، لجواز كونه للأفضلية لا للوجوب. لا أن الفور واجب.
سلمنا الوجوب لكن الفورية من حروف المسارعة والإستباق، لا من جهة صيغة الأمر، فلا يحصل المطلوب.
وأيضًا: المراد سبب الخيرات والمغفرة فدلالتهما دلالة الاقتضاء ولا عموم.
والتوبة مراتب، والمغفرة إما من الشرك، أو من المعاصي، وكلاهما على الفور، وبقوله تعالى لإبليس -لعنه الله- {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} .
فرد: بأنه ذمه للإستكبار، وهي واقعة عين.
فأجيب: بأن قوله {إِذْ أَمَرْتُكَ} (6) يمنعه.
(1) انظر: البرهان (1/ 75)، الإحكام (2/ 185).
(2)
انظر: أصول ابن مفلح (2/ 682)، الإحكام (2/ 185).
(3)
آية (133) من سورة آل عمران.
(4)
آية (148) من سورة البقرة.
(5)
لأن مدلول الأمر: طلب تحصيل الفعل، والفور والتراخي خارجان عن مفهومه، فلا يكون الأمر مقتضيًا للفور ولا للتراخي.
(6)
آية (133) من سورة آل عمران.
فقيل: ليس الأمر مطلقًا، بدليل {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} (1)، والفاء للتعقيب (2)، أو ذمه لمخالفته وإن كان متراخيًا، لعلمه عدم سجوده، أو لقرينة سجود الملائكة، ولو سلم لمقتضاها حملت أوامر الله على الفور، والنزاع في الوضع اللغوي لا في الحمل، وبأنه لو قال:"اسقني" فأخر عدّ عاصيًا.
فرد: للقرينة (3)، وبأنه طلب، فاقتضى الفور كالنهي (4)، وبأنه لو شرع التأخير لكان إلى غاية، وإلا لألحق بالمندوبات (5).
واحتج من قال بعدم الفور: بأن الأمر لمطلق الفعل لا إشعار له بالفور ولا بعدمه، وبأنه يحسن الاستفهام فيه، وبأنه لو حلف:"ليفعلن" لم يجب فور، وبالقياس على النذور، والكفارات.
فأجيب: بأن حسن الاستفهام للقطع بانتفاء
(1) آية (148) من سورة البقرة، وآية (48) من سورة المائدة.
(2)
أي: إنه مقيد بوقت التسوية، والمقيد بزمن يقع فيه الفعل ليس في محل النزاع.
(3)
وهي حاجة طالب الماء إليه سريعًا عادة. انظر: أصول ابن مفلح (2/ 682).
(4)
والنهي يقتضي الفور، فكذا الأمر قياسًا عليه. انظر: بيان المختصر (2/ 45).
(5)
والتالي باطل. بيان الملازمة: أنه لو لم يكن التأخير إلى وقت معين عند المكلف، لزم تكليف ما لا يطاق، لأن الله تعالى كلف المكلف بالفعل وأوجب عليه أن لا يؤخر عن وقته، مع أن المكلف لم يعلم ذلك الوقت.
انظر: بيان المختصر (2/ 46).
الاحتمال، والحلف لا يوجب، ثم قد يختار التكفير، والكفارات والنذور على الفور، فلا نقض.
تنبيه: ليس كون الأمر على الفور وجوب الفورية في الحج وغيره متلازمين، فقد يقول بفورية الحج من لا يعتقد أن مطلق الأمر على الفور، لأدلة تخصه، وقد يقول بأن الحج على التراخي من يعتقد كون الأمر المطلق على الفور، لأدلة تخصه.
فمذهب أحمد (1): الزكاة والحج على الفور، ومذهب الشافعي (2): الزكاة على الفور، والحج على التراخي، وعند أبي حنيفة (3): الزكاة على التراخي، وعنه (4) في الحج روايتان.
أحدهما يتعين السنة الأولى كقول أبي يوسف، والثانية لا كقول محمد، أ. هـ.
قوله (5): مسألة: الأمر بشيء معين (6) نهي عن ضده من
(1) انظر: كشاف القناع (2/ 912)، الفروع (3/ 242).
(2)
انظر: روضة الطالبين (2/ 204)، المهذب مع شرحه المجموع (7/ 102).
(3)
لم أقف على رأي أبي حنيفة، أما أصحابه فقد اختلفوا في ذلك، فمذهب البلخي والجصاص وروي عن أبي يوسف القول بالتراخي وذهب غيرهم إلى القول بالفورية.
انظر: الهداية وشرحه فتح القدير (3/ 155) وشرحها البناية (3/ 12).
(4)
انظر: فتح القدير (2/ 412)، البناية (3/ 428، 429).
(5)
انظر: المختصر في أصول الفقه ص (101).
(6)
قال الأصفهاني في بيان المختصر (2/ 49 - 50): قيل: فائدته الاحتراز من الأمر بالضدين على سبيل البدل؛ فإنه في تلك الصورة ليس نهيًا عن ضده.
وقيل: فائدته الاحتراز عن مثل قول القائل: "افعل شيئًا" فإن المأمور به =
حيث المعنى، لا اللفظ، عند الأكثر (1).
وعند أكثر الأشاعرة (2) من جهة اللفظ، بناء على أن الأمر والنهي لا صيغة لهما.
وعند المعتزلة (3) لا يكون نهيًا عن ضده، لا لفظًا، ولا معنى، بناءً على إرادة المتكلم وليست معلومة.
= في مثل هذه الصورة لا ضد له، وعلى تقدير أن يكون له ضد، لا يكون الأمر بمثله نهيًا عن ضده.
وقال الزركشي في تشنيف المسامع (2/ 621): احترز بقوله "معينا" عن الواجب الموسع والمخبر، فإن الأمر بهما ليس نهيًا عن الضد، والمسألة مقصورة على الواجب على التعيين، صرح بذلك الشيح أبو حامد الإسفرائيني والقاضي في التقريب وغيرهما.
(1)
انظر: العدة (1/ 370)، شرح الكوكب (3/ 52)، شرح التنقيح ص (135)، التبصرة ص (89).
(2)
قال الغزالي في المستصفى (1/ 154): اختلفوا في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟ وللمسألة طرفان:
أحدهما: يتعلق بالصيغة، ولا يستقيم ذلك عند من لا يرى للأمر صيغة، ومن رأى ذلك فلا شك أن قوله "قم" غير قوله "لا تقعد" فإنهما صورتان مختلفتان، فيجب عليهم الرد إلى المعنى، وهو أن قوله "قم" له مفهومان، أحدهما: طلب القيام، والآخر: ترك القعود، فهو دال على المعنيين، فالمعنيان المنهومان منه متحدان، أو أحدهما غير الآخر، فوجب الرد إلى المعنى.
والطرف الثاني: البحث عن المعنى القائم بالنفس: وهو طلب القيام هل هو بعينه طلب ترك القعود أم لا؟ وقد أطلق المعتزلة أنه ليس الأمر بالشيء نهيًا عن ضده.
(3)
انظر: المعتمد (1/ 97) وأثبته أبو الحسين من حيث المعنى، وهو اقتضاء الأمر إيجاد والفعل والمنع من كل مانع.
وجه الأول كما قال القاضي (1)، وغيره: بناء على أصلنا، أن مطلق الأمر للفور. وأيضًا: فإن الأمر الإيجاب: طلب فعل يذم تاركه إجماعًا، ولا ذم على فعل، وهو الكف عنه، أو الضد، فيستلزم النهي عن ضده، أو النهي عن الكف عنه. وقوله:"من حيث المعنى لا اللفظ" يعني: أن قوله: "قم" غير قوله: "لا تقعد"، وقوله:"تحرك" غير قوله: "لا تسكن" لفظًا، لكن يلزم من قيامه أن لا يقعد، أو من حركته أن لا يسكن، لاستحالة اجتماع الضدين.
ومن يقول: هو نهي من جهة اللفظ، يريد أن قوله:"قم" يستفاد منه استفادة لفظية عدم القعود، لا استفادة التزامية، أن: إن طلب القيام بعينه هو طلب عدم القعود، وعند التحقيق يرجع هؤلاء إلى الأول.
وأما قول المعتزلة فإنهم بنوه على مذهبهم، وهو اشتراط الإرادة ووجودها غير معلوم.
قوله (2): وأمر الندب كالإيجاب عند الأكثر، [إن](3) قيل مأمور به حقيقة.
إن قيل مأمور به حقيقة فهو كالإيجاب، بمعنى هل هو نهي عن ضده على طريق الندب من جهة اللفظ، أو المعنى، أولا يكون نهيًا عن ضده؟ فيه الخلاف المتقدم.
(1) انظر: العدة (2/ 368).
(2)
انظر: المختصر في أصول الفقه ص (102).
(3)
ما بين معقوفين ليست في المخطوط، والإكمال من المطبوع.
قال أبو العباس (1): والإثبات قول ابن الباقلاني (2)، والنفي قول الأشعري (3) مع موافقته في أمر الإيجاب.
قوله (4): والنهي عن الشيء هل هو أمر بأحد أضداده؟ على الخلاف.
الخلاف الجاري في مسألة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده جار هنا أيضًا، فيكون المقدم هنا أن النهي عن الشيء أمر بضده من حيث المعنى، لا اللفظ كما تقدم (5).
ولنا: خلاف في حنث من قال: "إن أمرتك فخالفتيني فأنت طالق" فنهاها، فخالفته ولا نية، بناء على ذلك (6).
قوله (7): مسألة: الإجزاء: امتثال الأمر. ففِعلُ المأمور به بشرطه يحققه إجماعًا. وكذا إن فسر الإجزاء [بسقوط](8) القضاء عند الأكثر، خلافًا لعبد الجبار، وابن الباقلاني.
(1) انظر: المسودة ص (50).
(2)
انظر: التقريب والإرشاد (2/ 199).
(3)
انظر: شرح الكوكب المنير (3/ 51)، الإمام أبو الحسن الأشعري. وآراؤه الأصولية ص (25).
(4)
انظر: المختصر في أصول الفقه ص (102).
(5)
انظر: ص (158).
(6)
قال ابن اللحام في قواعده ص (184): إن كان الحالف عارفًا بحقيقة الأمر والنهي لم يحنث، وإلا حنث.
وقال: ولعل هذا أقرب إلى الققه والتحقيق.
(7)
انظر: المختصر في أصول الفقه ص (102).
(8)
هكذا في المطبوع، وفي المخطوط [سقوط].
الإجزاء قد يفسر بالامتثال، وقد يفسر بإسقاط القضاء (1)، فإن فسر بالأول فلا خلاف (2) في أن إتيان المأمور به على وجهة يحققه (3)، وإن فسر بالثاني فكذلك (4) عندنا (5) وعند عامة الفقهاء والمتكلمين (6). وعند عبد الجبار وغيره من المعتزلة (7). وابن الباقلاني (8) لا يستلزم الإجزاء.
وجه الأول أنه لا يجوز قوله لعبده: "افعل كذا، فإذا فعلت كما أمرتك لم يجزئك وعليك القضاء للتناقض.
قوله (9): مسألة: الواجب المؤقت يسقط بذهاب وقته عند الأكثر (10) خلافًا للقاضي (11) والمقدسي (12).
(1) قال الزركشي في تشنيف المسامع (2/ 611، 612): والخلاف مبني على تفسير الإجزاء.
(2)
انظر: أصول ابن مفلح (2/ 700)، بيان المختصر (2/ 69)، تشنيف المسامع (2/ 612).
(3)
أي: يحقق الإجزاء.
(4)
أي يحقق الإجزاء، لأن الإتيان بالمأمور به على الوجه الذي أمر به يستلزم الإجزاء.
(5)
انظر: العدة (1/ 300)، التمهيد (1/ 306).
(6)
انظر: تشنيف المسامع (2/ 611).
(7)
انظر: المغني للقاضي عبد الجبار (71/ 120، 125).
(8)
انظر: التقريب والإرشاد (2/ 171، 172).
(9)
انظر: المختصر في أصول الفقه ص (102).
(10)
انظر: العدة (1/ 293)، المسودة ص (27)، تيسير التحرير (2/ 200).
(11)
انظر: العدة (1/ 293).
(12)
انظر: روضة الناظر (2/ 629).
والحلواني (1) وبعض الشافعية (2) فالقضاء بأمر جديد على الأول، وبالأمر السابق على الثاني.
وإن لم يقيد الأمر بوقت. وقل: هو على الفور. فالقضاء بالأمر الأول عند الأكثر، وقال أبو الفرج المالكي والكرخي: هو كالمؤقت.
وجه قول القاضي ومن وافقه: أن بالأمر ثبت وجوب العبادة في ذمة المكلف، وكلما ثبت وجوبه في ذمة المكلف لا يسقط عنه إلا بالأداء، أو الإبراء، أو النسخ، وبخروج الوقت لم يحصل شيء من ذلك، فلم يسقط الوجوب.
فإن قيل: الوجوب إنما ثبت بشرط الوقت، فإذا خرج الوقت سقط الوجوب، لأن شرطه قد زال.
قيل: الوجوب من مقتضى الأمر، والوقت ظرف لإيقاع الفعل فيه، وبعدم الظرف لا يسقط الوجوب.
جواب آخر: لو جعل خروج الوقت مسقطًا للوجوب، لكان للمكلف أن يسقطه عن نفسه، بترك فعله حتى يخرج الوقت. ألا ترى أن الفعل لما كان مسقطًا للوجوب، كان للمكلف أن يسقط الوجوب عن ذمته بإيجاد الفعل، ولما لم يجز أن يقال أن للمكلف أن يسقط عن نفسه بالترك، دل على أن الترك لا يسقط الوجوب.
(1) انظر: المسودة ص (27).
(2)
انظر: التبصرة للشيرازي ص (64).
ووجه الأول إنما بعد الوقت لم يتناوله الأمر، فلم يجب فيه الفعل كما قبل الوقت.
رد: أن أردت لم يتناوله بلفظ فصحيح، وهذا لا يمنع إيجاب الفعل، كالأمر المطلق لم يتناول بلفظه وقتًا بعينه، ويجب الفعل. وإن أردت لم يتناوله بلفظه ولا بمعناه لم نسلم، لأن حكم الأمر الوجوب، وهو ثابت في ذمته لا يسقط الأمر من المتقدم ذكره وليس هذا منها، وفارق قبل الوقت، لأنه لم يجب عليه فعل الأمور به بحال.
واحتجوا: بأن تخصيصه بالوقت كتخصيصه بالمكان، ولو علق بمكان وتعذر لم يفعل في غيره، فكذا الزمان.
والجواب: ليس الزمان كالمكان (1)، ثم المكان لا يفوت بخلاف الزمان، فوجب القضاء في غيره، فلو قدر تعذر المكان، بأن يصير في لجة بحر وما أشبهه، جاز الفعل في غيره.
قالوا: الحج الفاسد يجب المضي فيه، ويجب القضاء.
قلنا: المفسد لحجه لا يقضي الفاسد، إنما هو مأمور بحج خالٍ عن الفساد، وقد أفسد على نفسه، فيبقى في عهدة الأمر، ويؤمر بالمضي في الفاسد ضرورة الخروج عن الإحرام.
فإن قلنا بعدم السقوط فالقضاء بالأمر الأول. وإن قلنا بالسقوط فالقضاء بأمر جديد.
(1) قال ابن قدامة في الروضة (2/ 630): والفرق بين الزمان والمكان: أن الزمن الثاني تابع للأول، فما ثبت فيه انسحب على جميع الأزمنة التي بعده، بخلاف الأمكنة والأشخاص.
وأما الأمر المطلق إذا لم يفعل في أول أوقات إمكانه، وقلنا هو على الفور فإنه يفعل بالأمر الأول، لأن الأمر لم يقيد بوقت فهو متناول للمأمور إلى حين الفعل.
وذهب (1) أبو الفرج المالكي (2)، والكرخي (3) إلى أنه كالموقت، وإن الخلاف الذي هناك جار هنا، لأنه باقتضائه الفور صار كالمؤقت (4).
قوله (5): مسألة: الأمر بالأمر بشيء ليس أمرًا بذلك الشيء عند الأكثر (6).
ونقل (7) العالمي (8) من الحنفية أنه أمر.
لنا: لو كان أمرًا لكان "مر عبدك بكذا: تعديًا على ملك
(1) انظر: المسودة ص (26)، أصول ابن مفلح (2/ 711).
(2)
هو: عمرو بن محمد بن عمرو الليثي البغدادي، فقيه أصولي، تولى قضاء طرطوس وغيرها، من مصنفاته: الحاوي في الفروع، واللمع في أصول الفقه، مات سنة (331 هـ).
انظر: الديباج المذهب ص (215)، وشجرة النور الزكية ص (79).
(3)
انظر: الفصول في الأصول (2/ 166)، أصول السرخسي (1/ 44).
(4)
أي: يسقط ولا يجب القضاء إلا بأمر جديد.
(5)
انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (102).
(6)
انظر: أصول ابن مفلح (2/ 717)، تيسير التحرير (1/ 361)، شرح التنقيح (148)، البحر المحيط (2/ 411).
(7)
في البحر المحيط (2/ 411): "ونقل العالمي عن بعضهم أنه أمر".
(8)
لم أقف على ترجمة له.
غيره، ولتناقض قول السيد لعبده غانم:"مرْ سالمًا بكذا"، مع قوله لسالم:"لا تطعه"، ولكان:(مروهم للصلاة لسبع)(1) أمر إيجاب للصبيان. وهذا فيه نظر لقيام المانع (2).
قالوا: فُهِم ذلك من أمر الله تعالى ورسوله (3)، ومن قول السلطان لوزيره: قل لفلان: افعل كذا.
ردّ: لأنه مبلغ لا آمر.
قوله (4): مسألة: الأمر بالماهية ليس أمرًا بشيء من جزئياتها عند ابن الخطيب وغيره، خلافًا للآمدي.
مثاله الأمر بالبيع قال ابن الخطيب (5) لا يكون أمرًا بالبيع بالغبن الفاحش، ولا بثمن المثل، إذ هما متفقان في مسمى البيع، ومختلفان بصفتيهما. والأمر إنما تعلق بالقدر المشترك وهو غير مستلزم لما تخصص له كل واحد من الأمرين، فلا يكون
(1) رواه الدارقطني في سننه (1/ 231).
ورواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل برقم:(495) بلفظ "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع"، ورواه الترمذي في كتاب أبواب الصلاة، باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة برقم:(407) بلفظ: "علموا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين"، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(2)
وهو عدم تكليف الصبيان.
(3)
هكذا في المخطوط، ولعل الصواب: أمر الله تعالى رسوله، أي: أمره أن يأمرنا.
(4)
انظر: المختصر في أصول الفقه ص (102).
(5)
انظر: المحصول (2/ 254).
الأمر المتعلق بالأعم متعلقًا بالأخص، اللهم إلا أن تدل القرينة على إرادة أحد الأمرين، ولذلك قلنا إن الوكيل في البيع المطلق لا يملك البيع بالغبن الفاحش.
قال الآمدي (1): "وهو غير صحيح"، لأن الأمر طلب إيقاع الفعل، وذلك يستدعى كونه متصورًا (2)، وإيقاع المعنى الكلي (3) في الأعيان غير متصور في نفسه، فلا يكون متصورًا في نفس الطالب، فلا يكون مأمورًا به (4) ولأنه يلزم منه التكليف بما لا يطاق (5)، فإذًا: الأمر لا يكون بغير الجزئيات الواقعة في الأعيان، لا بمعنى الكلي، وبطل ما ذكره. وإن سلم أن الأمر متعلق بالمعنى المشترك وهو المسمى بالبيع، فإذا أتى المأمور ببعض الجزئيات، كالبيع بالغبن الفاحش، فقد أتى بما هو مسمى البيع المأمور به، الموكل فيه، فوجب أن يصح نظرًا إلى مقتضى صيغة الأمر المطلق بالبيع. وإن قيل بالبطلان فلا يكون ذلك، لعدم دلالة الأمر عليه (6)، بل لدليل معارض" انتهى.
(1) انظر: الإحكام للآمدي (2/ 205).
(2)
أي: في نفس الطالب.
(3)
الكلي: هو ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه كالإنسان.
انظر: التعريفات (131)، شرح الكوكب المنير (3/ 113).
(4)
في المطبوع من الإحكام: "فلا يكون آمرًا به".
(5)
قال ابن مفلح في أصوله (2/ 720): وجه هذا: أن ماهية الفعل المطلق كلي لاشتراكهما بين كثيرين، فيستحيل وجودها خارجًا، وإلا لتشخص، فيكون كليًا وجزئيًا، معًا، وهو محال، فلم يكن مطلوبًا بالأمر، وإلا كان تكليفًا بالمحال.
(6)
في الإحكام (2/ 205): "به".
أما عندنا فإنه إذا قال لوكيله: "بع هذا" فعند علمائنا (1): "يتناول البيع بغبن فاحش، واعتبر ثمن المثل للعرف والاحتياط للموكل.
ثم: هل يصح العقد ويضمن الوكيل النقص أم لا، كقول المالكية (2) والشافعية (3)؛ فيه روايتان عند الإمام أحمد (4). وعند الحنفية (5): لا يعتبر ثمن المثل، واعتبروه في الوكيل في الشراء.
وقال بعض علمائنا (6) وبعض الشافعية (7): الأمر بالماهية الكلية إذا أتى بمسماها امتثل، ولم يتناول اللفظ للجزئيات، ولم ينفها، فهي مما لا يتم الواجب إلا به، [وجبت] (8) عقلًا لا قصدًا أي: بالقصد الأول، بل بالثاني. ثم ذكر (9) كلام ابن الخطيب.
قوله (10): مسألة: الأمران المتعاقبان بمتماثلين ولا مانع
(1) انظر: المغني (7/ 247).
(2)
انظر: أسهل المدارك للكشناوي (2/ 154)، شرح تنقيح الفصول ص (145).
(3)
انظر: روضة الطالبين (4/ 303).
(4)
انظر: المغني (7/ 247)، الفروع (4/ 358)، الإنصاف (5/ 379).
(5)
انظر: تكملة فتح القدير (8/ 30).
(6)
انظر: أصول ابن مفلح (2/ 719).
(7)
انظر: الإحكام للآمدي (2/ 204).
(8)
في المخطوط [وجب]، والتصويب والتصحيح من أصول ابن مفلح (2/ 719).
(9)
أي: ابن مفلح. انظر: أصول ابن مفلح (2/ 719).
(10)
انظر: المختصر في أصول الفقه ص (103).
عادة من التكرار من تعريف، أو غيره والثاني غير معطوف، مثل:"صل ركعتين، صل ركعتين"، قيل. معمول بهما، اختاره القاضي وأبو البركات، وأكثر الشافعية.
وقيل: تأكيد، واختاره أبو الخطاب والمقدسي.
وقيل: بالوقف.
إذا أمر السيد عبده مرة عقب أخرى، فإن اختلفا عمل بهما إجماعًا (1) على الاختلاف في مقتضى الأمر كما سبق (2) كقوله:"صل ركعتين، صم يومين".
فإن تماثلا، فإن لم يقبل التكرار كـ"صم يوم الجمعة، صم يوم الجمعة"، أو قبله ومنحت العادة كـ "اسقني ماءً، اسقني ماء"[أو](3) الثاني معرف فهو مؤكد للأول إجماعًا (4).
فإن لم تمنع، ولم يتعرف كـ "صم صم" أو "صلّ صلّ" أو "أعط زيدًا درهمًا، أعط زيدًا درهمًا -هي مسألة المصنف- فالثاني تأسيس، عند ابن عقيل (5)، والقاضي (6)، وذكره هو (7)
(1) انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 721).
(2)
انظر: ص (134).
(3)
في المخطوط [و] والتصويب من أصول الفقه لابن مفلح (2/ 721).
(4)
انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 721).
(5)
انظر: الواضح (103).
(6)
في كتابه "المجرد" انظر: المسودة ص (23)، واختار في العدة (1/ 279، 280): أنه للتأكيد.
(7)
أي: القاضي، انظر: العدة (1/ 278).
وغيره (1) عن الحنفية (2) كبعد امتثال الأول (3).
قال صاحب المحرر (4): "وهو أشبه بمذهبنا لقولنا فيمن قال لزوجته: "أنت طالق أنت طالق. يلزمه طلقتان"، وذكره ابن برهان (5) عن الفقهاء قاطبة، وقاله عبد الجبار (6)، والجبائي (7)، وابن الباقلاني (8)، والآمدي (9)، لأن الأصل التأسيس.
وفي التمهيد (10): الثاني: تأكيد؛ لئلا يجب فعل بالشك (11)، ولا ترجيح، ومنع أن تغاير اللفظ يفيد تغاير المعنى، ثم سلمه والتأكيد فائدة (12).
وذكر أبو محمد التميمي (13) عن أحمد: الثاني تأكيد، واختلف أصحابه.
(1) انظر: الواضح (3/ 10).
(2)
انظر: بديع النظام (1/ 428)، تيسير التحرير (1/ 361 - 362).
(3)
أي: إن الصيغة الثانية لو وردت بعد امتثال الأمر الأول دلت على فعل مبتدأ، وكذا إذا لم يتقدم الامتثال.
(4)
انظر: المسودة ص (23).
(5)
انظر: المصدر السابق.
(6)
انظر: المغني (17/ 128)، المعتمد (1/ 161).
(7)
انظر: إرشاد الفحول (1/ 403).
(8)
انظر: الإرشاد والتقريب للباقلاني (2/ 139).
(9)
انظر: الإحكام (2/ 206).
(10)
انظر: التمهيد (1/ 211).
(11)
لأن الثاني يحتمل الاستئناف ويحتمل التأكيد.
(12)
قال أبو الخطاب (1/ 213): "وإن سُلِم فقد حملنا الثاني على فائدة وهي التأكيد".
(13)
انظر: المسودة ص (22)، أصول الفقه لابن مفلح (2/ 723).
وللشافعية (1) كالقولين.
وثالث: الوقف، وقاله أبو الحسين البصري (2) كما سبق (3) ولمخالفته البراءة الأصلية (4).
وعورض: يلزم من الوقف مخالفة مقتضى الأمر، فيسلم الترجيح بالتأسيس.
وإن كان الثاني معطوفًا: فإن اختلفا عمل بهما. وإن تماثلا -ولم يقبل تكرارًا - فتأكيد بلا خلاف (5).
وإن قَبِلَه - ولم تمنع منه عادة، ولا الثاني معرّف - فالأقوال الثلاثة، مع ترجيح آخر (6) وهو العطف (7).
وإن منعت العادة تعارضًا (8)، والأقوال الثلاثة، وجزم بعض علمائنا (9) بالتكرار.
وإن تعرّف الثاني - كـ "صل ركعتين" و"صل الركعتين"
(1) انظر: التبصرة ص (50).
(2)
انظر: المعتمد (1/ 162).
(3)
من أنه يحتمل الاستئناف ويحتمل التأكيد، فوجب الوقف.
(4)
أي: لمخالفة التأسيس للبراءة.
(5)
انظر: أصول ابن مفلح (2/ 724).
(6)
أي: مع ترجيح آخر للتأسيس.
(7)
لأن الظاهر من العطف المغايرة.
(8)
أي: الظاهر من حروف العطف مع منع العادة من التكرار.
(9)
انظر: المسودة ص (24).
أو "الصلاة" - فتأكيد، ذكره القاضي (1) وأبو الفرج المقدسي (2).
واختار أبو الحسين البصري (3): الوقف، لمعارضة لام العهد للعطف.
واختار صاحب المحصول (4): التغاير؛ لأن لام الجنس كما هي للعهد تكون لبيان حقيقة الجنس (5).
قوله (6): مسألة: يجوز أن يرد الأمر معلقًا باختيار المأمور، ذكره القاضي (7) وابن عقيل.
بناه ابن عقيل (8) على أن الخيرة في المندوب (9)، مع كونه مأمورًا به خلافًا للمعتزلة (10)، وهذه تشبه القول للمجتهد:"احكم بما شئت".
قال أبو العباس (11): "بحث الأصحاب يدل على إرادة أمر
(1) انظر: المسودة ص (24).
(2)
انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 724).
(3)
انظر: المعتمد (1/ 161).
(4)
انظر: المحصول (2/ 153).
(5)
نحو: اشتر الخبز واللحم.
(6)
انظر: المختصر في أصول الفقه ص (103).
(7)
انظر: العدة (2/ 396).
(8)
انظر: الواضح (3/ 189).
(9)
إن الاختيار يكون في المندوبات.
(10)
رأي المعتزلة مبني على أصلهم في وجوب رعاية الأصلح على الله تبارك وتعالى.
انظر: المعتمد (2/ 329)، آراء المعتزلة الأصولية ص (491).
(11)
انظر: المسودة ص (54 - 55).
الإيجاب، فلا يصح البناء على المندوب، بل حرف المسألة مسألتان: جواز عدم التكليف، وتكليف ما يشاؤه العبد، فذكر ابن عقيل ما يدل على أنهم يمنعون أن يؤمر المكلف بما يشاء، وأن يأمره بما يراه بعقله، بخلاف ما يراه من الأدلة السمعية فيكون الخلاف معهم في أن يأمره بما يعتقده أو بما يريده. وأصحابنا جوزوا القسمين، وهذه إن قيل فيها بالجواز العقلي فقريب، وأما الوقوع ففيها نوع مخالفه لمسألة كل مجتهد مصيب مع إمكان الجمع".
قوله (1): مسألة: يجوز أن يرد الأمر والنهي دائمًا إلى غير غاية، فيقول:"صلوا ما بقيتم أبدًا" عند الأكثر (2)، خلافًا للمعتزلة.
قالت المعتزلة (3): متى ورد اللفظ بذلك لم يقتض الدوام وإنما هو حث على التمسك بالفعل.
قال أبو العباس (4): "وحرف المسألة أنهم لا يمنعون الدوام في الدنيا، وإنما يمنعون الدوام مطلقًا، ويقولون: لا بد من دار ثواب غير دار التكليف، وجوبًا على الله عز وجل، فيكون قوله "أبدًا" مجازًا، وموجب قولهم: "إن الملائكة غير مكلفين" واستدل ابن عقيل (5): باستبعاد الملائكة وإبليس".
(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (103).
(2)
انظر: العدة (2/ 398)، المسودة ص (55).
(3)
انظر: المعتمد (1/ 382)، المغني (11/ 516، 520).
(4)
انظر: المسودة ص (55).
(5)
استدل ابن عقيل باستبعاد الملائكة ولم يذكر إبليس، والله أعلم. انظر: الواضح (3/ 195).
قوله (1): مسألة: الأمر بالصفة أمر بالموصوف نص عليه إمامنا.
إذا ورد الأمر بهيئة أو صفة لفعل، ودل الدليل على استحبابها، ساغ التمسك به على أصل الفعل، لتضمنه الأمر به، لأن مقتضاه وجوبها، فإذا خولف في الصريح بقي المتضمن على أصل الاقتضاء، ذكره علماؤنا (2)، ونص عليه إمامنا (3) حيث تمسك بالأمر بالمبالغة (4) على وجوب الاستنشاق، خلافًا للحنفية (5).
لا يبقى دليلًا على وجوب الأصل، حكاه الجرجاني (6)(7).
(1) انظر: المختصر في أصول الفقه ص (103).
(2)
انظر: المسودة ص (59)، شرح الكوكب المنير (3/ 69).
(3)
انظر: المسودة ص (59)، شرح الكوكب المنير (3/ 69).
(4)
ورد الأمر بالمبالغة في حديث لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال:(أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا).
أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الاستنثار برقم:(142).
والنسائي في كتاب الطهارة باب المبالغة في الاستنشاق برقم: (87).
وابن ماجه في كتاب الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار برقم:(407).
(5)
انظر: شرح فتح القدير (1/ 22).
(6)
هو: محمد بن يحيى بن مهدي، أبو عبد الله الجرجاني من أعلام الحنفية من مؤلفاته "ترجيح مذهب أبي حنيفة" و"القول المنصور في زيارة القبور" توفي سنة:(397 هـ) وقيل غير ذلك.
انظر: الجواهر المضيئة (2/ 143)، تاريخ بغداد (3/ 433)، الفوائد البهية ص (202).
(7)
انظر: المسودة ص (59)، شرح الكوكب المنير (3/ 69).