الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ابْتَاعَ أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ أَوْ زَرَعَهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ فَحَصَدَ زَرْعَهُ وَأَدَّى زَكَاتَهُ حَبًّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ لِلْإِدَارَةِ وَلَا فِي ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَيَسْتَقْبِلَ بِهِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ كَغَلَّةِ الرَّبْعِ وَالنَّخْلِ.
(وَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا زَكَّى ثُمَّ زَكَّى الثَّمَنَ بِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ اكْتَرَى وَزَرَعَ لِلتِّجَارَةِ ".
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى الثَّمَنَ عَلَى حَوْلِ أَصْلِ ذَلِكَ الْمَالِ قَبْلَ الْحَرْثِ وَلَا يَسْقُطُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ إلَّا إذَا وَجَدَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ.
[زَكَاةِ الدُّيُونِ]
. الْبَابُ الثَّالِثُ فِي زَكَاةِ الدُّيُونِ (وَإِنَّمَا يُزَكَّى دَيْنٌ إنْ كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ) . ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ دَيْنٍ ثَبَتَ فِي ذِمَّةٍ وَلَمْ يُخْرَجْ إلَيْهَا مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ لَهُ وَلَا بَدَلٌ عَنْهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَإِنْ خَرَجَ هُوَ أَوْ بَدَلٌ عَنْهُ لَيْسَ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ إلَى ذِمَّتِهِ فَلَا يُزَكِّيهِ مَا دَامَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ حَتَّى يَقْبِضَهُ بَعْدَ عَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ مَا لَمْ يَكُنْ مُدِيرًا.
وَقَدْ اسْتَوْفَى ابْنُ رُشْدٍ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ فَلْنَذْكُرْ مَا تَكُونُ بِهِ الْفَتْوَى فِي جَمِيعِ نَقْلِهِ مَجْمُوعًا لِتَتَبَيَّنَ الْفُرُوقُ بَيْنَ مَسَائِلِهِ، ثُمَّ أُحِيلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَقْرِيرِ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ. فَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الدُّيُونَ أَرْبَعَةً: دَيْنٌ مِنْ فَائِدَةٍ، وَدَيْنٌ مِنْ غَصْبٍ، وَدَيْنٌ مِنْ قَرْضٍ، وَدَيْنٌ مِنْ تِجَارَةٍ. فَأَمَّا الدَّيْنُ مِنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ مَهْرِ امْرَأَةٍ أَوْ ثَمَنِ خُلْعٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ الْقَبْضِ، وَلَا دَيْنَ عَلَى صَاحِبِهِ يُسْقِطُ عَنْهُ الزَّكَاةَ، وَإِنْ تَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الزَّكَاةَ فِيهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ أَفَادَهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ، فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَاعَهُ بِالنَّقْدِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. فَإِنْ تَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ تَخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: هَلْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِهِ أَوْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ؟ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ اشْتَرَاهُ بِنَاضٍّ عِنْدَهُ لِلْقِنْيَةِ، فَهَذَا إنْ كَانَ بَاعَهُ بِالنَّقْدِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِتَأْخِيرٍ فَقَبَضَهُ بَعْدَ حَوْلٍ زَكَّاهُ سَاعَةَ يَقْبِضُهُ، وَإِنْ تَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ وَلَا خِلَافَ فِي
وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ هَذَا الْقِسْمِ.
انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ. وَأَذْكُرُ هُنَا حِكَايَةً حَدَّثَنِي شَيْخِي الْأُسْتَاذُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّنَاعُ رحمه الله أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَرَّرَ فِي الْمِيعَادِ هَذَا الْقِسْمَ مُقَلِّدًا لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا لِلْقِنْيَةِ أَوْ قَرْيَةً أَوْ كَرْمًا ثُمَّ بَدَا لَهُ وَبَاعَهُ بِمَالٍ مُنَجَّمٍ زَكَّى كُلَّ نَجْمٍ سَاعَةَ يَقْبِضُهُ فَكَبُرَ هَذَا عَلَى الْعَامَّةِ فَقَالُوا: مَا عَمِلَ بِهَذَا أَحَدٌ وَلَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ: فَارْتَفَعَتْ الْمَسْأَلَةُ لِلَّذِي كَانَ لَهُ الظُّهُورُ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مُخْطِئٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدِي مُسَلَّمَةً هَكَذَا إلَى أَنْ طَالَعْتُ ابْنَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُهُ جَعَلَهَا طَرِيقَيْنِ. وَمُلَخَّصُ كَلَامِهِ أَنَّ حَوْلَ ثَمَنِ عَرْضِ الْقِنْيَةِ الْحَالِّ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ اتِّفَاقًا وَفِي الْمُتَأَجِّلِ طَرِيقَانِ: اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ كَذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ مَلَكَ لَا بِشِرَاءٍ بِنَاضٍّ، وَأَمَّا إنْ مَلَكَهُ بِشِرَاءِ نَاضٍّ فَحَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ بَاعَ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى.
فَانْظُرْ مَأْخَذَ هَذَا الْمُعْتَرِضِ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ وَهَذَا الْوَقَارُ الَّذِي الْتَزَمَهُ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَلَكِنْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ لِلْقِنْيَةِ دَارًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ السِّلَعِ ثُمَّ بَاعَهَا بِنَقْدٍ؛ فَمَطَلَ بِالنَّقْدِ أَوْ بَاعَهَا إلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ مَطَلَ بِالثَّمَنِ سِنِينَ أَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ ثُمَّ قَبَضَهُ، فَلْيَسْتَقْبِلْ بِهِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى كَانَ مُدِيرًا أَوْ غَيْرَ مُدِيرٍ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ:" وَلَوْ كَانَ أَوْ لَا لِلتِّجَارَةِ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ ".
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ، فَهَذَا إنْ كَانَ قَبَضَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ، مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَيَقْبِضَهَا مُعَجَّلَةً فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي هَذَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَسَيَأْتِي هَذَا.
قَالَ: الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُزَكِّي إذَا حَالَ الْحَوْلُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا لِأَنَّهَا قَدْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُنْذُ قَبَضَهَا حَوْلًا كَامِلًا، ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ مَا يَجِبُ لَهُ بِالْكِرَاءِ إلَى أَنْ يُزَكِّيَ جَمِيعَ السِّتِّينَ بِانْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَعْوَامِ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الدَّيْنُ مِنْ الْغَصْبِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ زَكَاةً وَاحِدَةً سَاعَةَ يَقْبِضُهُ، وَأَمَّا دَيْنٌ لِقَرْضٍ فَيُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَأَمَّا الْمُدِيرُ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُقَوِّمُ كُلَّ عَامٍ وَأَمَّا دَيْنُ التِّجَارَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ يُقَوِّمُهُ الْمُدِيرُ وَيُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ.
(وَقُبِضَ عَيْنًا) مِنْ ابْنِ يُونُسَ مَا مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَ وَلَا فِي الْعُرُوضِ حَتَّى تَصِيرَ عَيْنًا، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سِلْعَةٌ لِلتِّجَارَةِ فَبَاعَهَا بَعْدَ حَوْلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلْيُزَكِّهَا إذَا قَبَضَهَا مَكَانَهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْمِائَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا فَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى يَبِيعَهُ.
(وَلَوْ بِهِبَةٍ) أَمَّا إنْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَالرَّجُلِ مَثَلًا يُسَلِّفُ ابْنَهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَيُجْلِسُهُ فِي حَانُوتِهِ يُدِيرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى هَذَا الِابْنِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَالٍ اكْتَسَبَهُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ وَالِدُهُ بَعْدَ حَوْلٍ أَوْ أَحْوَالٍ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لَهُ أَحْوَالٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ. سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وُهِبَ لَهُ أَمْ لَا. وَأَمَّا
إنْ وَهَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بَعْدَ حَوْلٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الزَّكَاةُ فِيهِ عَلَى الْوَاهِبِ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَقَبْضِ الْوَاهِبِ (أَوْ إحَالَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَحَالَ بِمِائَةٍ عَلَيْهِ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ عَلَى مِائَةٍ لَهُ عَلَى غَرِيمٍ قَدْ حَالَ أَيْضًا عَلَيْهَا حَوْلٌ، أَنَّ عَلَى الْمُحِيلِ زَكَاتَهَا إذَا قَبَضَهَا الْمُحَالُ بِهَا وَعَلَى الْمُحَالِ بِهَا زَكَاتُهَا أَيْضًا. اللَّخْمِيِّ: فَيُزَكِّي هَذِهِ الْمِائَةَ اثْنَانِ (كَمُلَ بِنَفْسِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ مَضَى لَهُ حَوْلٌ فَاقْتَضَى مِنْهُ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي مَرَّةٍ أَوْ مِرَارٍ فَلَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُزَكِّيهِ يَوْمئِذٍ كُلَّهُ ثُمَّ يُزَكِّي قَلِيلَ مَا يَقْتَضِي وَكَثِيرَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُزَكِّ إذَا اقْتَضَى دُونَ الْعِشْرِينَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَقْتَضِي غَيْرَهَا أَمْ لَا، وَلَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ.
(وَلَوْ تَلِفَ الْمُتَمُّ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ أَنْفَقَ الْمُقْتَضِي مِنْ الدَّيْنِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ قَائِمَ الْعَيْنِ فَإِنْ
اقْتَضَى عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّى الْعِشْرِينَ جَمِيعًا. وَاخْتُلِفَ إنْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ عَشَرَةً فَضَاعَتْ ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: يُزَكِّي الْعِشْرِينَ جَمِيعًا. (أَوْ بِفَائِدَةٍ جَمَعَهُمَا مِلْكٌ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عِشْرُونَ دِينَارًا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ أَفَادَ عَشَرَةً فَبَقِيَتْ بِيَدِهِ حَوْلًا ثُمَّ أَنْفَقَهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً. زَكَّى عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ تُضَمُّ إلَى مَا اقْتَضَى بَعْدَهَا وَلَا تُضَمُّ لِمَا اقْتَضَى قَبْلَهَا؛ وَإِنْ اقْتَضَى عَشَرَةً أَوَّلًا فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ أَفَادَ عَشَرَةً فَأَقَامَتْ بِيَدِهِ حَوْلًا لَمْ تُضَمَّ لِلْأُولَى لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا مِلْكٌ وَحَوْلٌ، فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةً زَكَّى عَنْ ثَلَاثِينَ، فَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ أَوْجَبَتْ الزَّكَاةَ فِي الْعَشَرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَهُوَ عِشْرُونَ وَفِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْفَائِدَةُ، وَالْفَائِدَةُ تُضَافُ لِمَا اقْتَضَى بَعْدَهَا وَهُمَا عِشْرُونَ وَفِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الِاقْتِضَاءُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الِاقْتِضَاءُ الْأَخِيرُ خَمْسَةً لَمْ يَجِبْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ زَكَاةٌ لِأَنَّ جُمْلَةَ الِاقْتِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا. وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى الْفَائِدَةِ مَعَ مَا اقْتَضَى بَعْدَهَا وَجَدْتَهُ أَيْضًا خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا زَكَاةَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسَةً زَكَّى عَنْ الثَّلَاثِينَ.
(وَحَوْلٌ) اللَّخْمِيِّ: إنْ اقْتَضَى عَشَرَةً فَلَمْ يُنْفِقْهَا حَتَّى أَفَادَ عَشَرَةً ثُمَّ أَنْفَقَ عَشَرَةَ الِاقْتِضَاءِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَائِدَةِ لَزَكَّى عَنْ الْعِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ. لِأَنَّهُمَا قَدْ جَمَعَهُمَا الْمِلْكُ، وَلَمْ يُزَكِّهِمَا. عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا حَوْلٌ. (أَوْ بِمَعْدِنٍ) وَهُنَا مَسْأَلَتَانِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ نِصْفُ نِصَابٍ وَقَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي حَلَّ حَوْلُهُ نِصْفَ نِصَابٍ، أَوْ كَانَ بِيَدِهِ نِصْفُ نِصَابٍ فَائِدَةً حَلَّ حَوْلُهَا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: زَادَ عَبْدُ الْوَهَّابِ زِيَادَةً أَغْرَبَ بِهَا
وَأَحْسَنَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَضُمُّ مَا يَقْبِضُ مِنْ الدَّيْنِ لِمَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَعْدِنِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَعْتَبِرُ فِي زَكَاتِهِ الْحَوْلَ أَشْبَهَ مَا مَرَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَضُمَّ إلَى مَا اقْتَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَسَيَأْتِي قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ: " إنَّ فِي ضَمِّ فَائِدَةٍ لَهُ تَرَدُّدًا ".
وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ التَّرَدُّدَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَجَعَلَ التَّرَدُّدَ بَيْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَبَعْضِ الْأَشْيَاخِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَضْمُونَ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ يُزَكَّى بَعْدَ قَبْضِهِ إنْ كَمُلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفَائِدَةٍ أَوْ بِمَعْدِنٍ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ نِصَابٍ وَعِنْدَهُ مَا حَلَّ حَوْلُهُ ضَمَّهُمَا.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَلْزَمُ عَبْدَ الْوَهَّابِ عَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ لَهُ مِنْ الْمَعْدِنِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ النَّيْلُ ابْتَدَأَ نَيْلًا آخَرَ فَخَرَجَ مِنْهُ عَشَرَةٌ أُخْرَى وَالْعَشَرَةُ الْأُولَى بِيَدِهِ أَنْ يَضُمَّ ذَلِكَ وَيُزَكِّيَ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهُ عَشَرَةٌ حَلَّ حَوْلُهَا لَأَضَافَهَا. إلَى هَذِهِ الَّتِي خَرَجَتْ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ (عَلَى الْمَنْقُولِ) رَاجِعْ أَنْتَ الْمَازِرِيَّ فِي الْجَوَابِ الرَّابِعِ.
(لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ) تَضَمَّنَ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ إنْ كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَقَبَضَهُ عَيْنًا أَنَّهُ يُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ، فَدَخَلَ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ الْغَصْبِ وَدَيْنُ التِّجَارَةِ وَدَيْنُ الْقَرْضِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُدِيرِ إذْ هُوَ قَدْ ذَكَرَ دَيْنَ الْقَرْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُدِيرِ بَعْدَ هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ. وَخَرَجَ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ وَلَا عَرْضَ تِجَارَةٍ، وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ. وَخَرَجَ لَهُ أَيْضًا الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ أَفَادَهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ. وَيَخْرُجُ لَهُ أَيْضًا الدَّيْنُ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ سَيَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا. وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ اشْتَرَاهُ بِنَاضٍّ عِنْدَهُ لِلْقِنْيَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ أَنَّ أَصْلَهُ عَيْنٌ بِيَدِهِ وَقَبَضَهُ عَيْنًا فَعَلَى هَذَا يُزَكِّيهِ الْآنَ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ فَيَكُونُ هَذَا أَيْضًا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا (وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ إنْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ
أَرْشٍ) لَا يَشُكُّ مُنْصِفٌ أَنَّ مَأْخَذَ الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ الَّذِي أُخِذَ. فَلَوْ قَالَ: " وَإِنَّمَا يُزَكَّى دَيْنٌ إنْ كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا أَوْ كَذَا وَكَذَا لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرٍ كَمَا لَوْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ ". لِتَنْزِلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا.
(لَا عَنْ مُشْتَرًى لِلْقِنْيَةِ وَبَاعَهُ لِأَجَلٍ فَلِكُلٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ اشْتَرَاهُ بِنَاضٍّ عِنْدَهُ لِلْقِنْيَةِ وَبَاعَهُ وَتَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ بِلَا خِلَافٍ.
(وَعَنْ إجَارَةٍ أَوْ عَرْضٍ مُفَادٍ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ أَفَادَهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُقْبَضَ وَيَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ. ثُمَّ اسْتَدْرَكَ قَوْلَ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَكَأَنَّ الْفِقْهَ عِنْدَهُ مَا قُدِّمَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ تَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ تَخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُشْهِرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا عَزَاهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ:" أَوْ عَرْضٍ مُفَادٍ قَوْلَانِ " إذَا فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَوْلِهِ: " وَعَنْ إجَارَةٍ " لَمْ يَنُصَّ ابْنُ رُشْدٍ إذَا أَخَّرَ قَبْضَهَا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ لَكِنْ عِبَارَتُهُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ إجَارَةٍ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْخِدْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي فِي الْعَرْضِ الْمُفَادِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ.
(وَحَوْلُ الْمُتَمِّ مِنْ التَّمَامِ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى غَرِيمٍ ثَلَاثُونَ دِينَارًا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَإِنْ اقْتَضَى مِنْهَا عَشَرَةً لَمْ تَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ، فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ
عَشْرَةً أَوْ الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةَ زَكَّاهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ حَوْلُ الْجَمِيعِ مِنْ يَوْمِ اقْتَضَى الثَّانِيَةَ. (لَا إنْ نَقَصَ بَعْدَ الْوُجُوبِ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ اقْتَضَى فِي الْأُولَى عِشْرِينَ فَزَكَّاهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّاهَا أَيْضًا وَكَانَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ يَوْمَ اُقْتُضِيَتْ وَلَمْ يَجْمَعْهَا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَالشَّاذُّ أَنْ تُضَافَ إلَى مَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا نَقَصَتْ عَنْ النِّصَابِ بِالزَّكَاةِ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ تُرَاعَى الطَّوَارِئُ الْبَعِيدَةُ أَمْ لَا؟ فَمَنْ
لَمْ يُرَاعِهَا أَبْقَى النِّصَابَ الْأَوَّلَ الَّذِي نَقَصَ بِالزَّكَاةِ عَلَى حَوْلِهِ فَزَكَّاهُ إذَا حَلَّ، وَمَنْ رَاعَاهَا أَضَافَهُ إلَى مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَى مَا بَعْدَهُ التَّلَفَ، وَلَوْ تَلِفَ لَمْ يَجِبْ فِي الْأَوَّلِ زَكَاةٌ لِأَنَّهُ دُونَ النِّصَابِ (ثُمَّ زَكَّى الْمَقْبُوضَ وَإِنْ قَلَّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ يُزَكِّي قَلِيلَ مَا يَقْتَضِي وَكَثِيرَهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَيَكُونُ حَوْلُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ وَلَوْ كَانَ دِينَارًا وَاحِدًا.
(وَإِنْ اقْتَضَى دِينَارًا فَآخَرَ فَاشْتَرَى بِكُلٍّ سِلْعَةً بَاعَهَا بِعِشْرِينَ فَإِنْ بَاعَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى زَكَّى الْأَرْبَعِينَ وَإِلَّا إحْدَى وَعِشْرِينَ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إحْدَى عَشَرَةَ صُورَةً مِنْهَا: أَنْ يَقْتَضِيَ دِينَارًا ثُمَّ آخَرَ فَاشْتَرَى بِالْأَوَّلِ سِلْعَةً ثُمَّ اشْتَرَى بِالثَّانِي سِلْعَةً كَذَلِكَ، ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَتَيْنِ مَعًا كُلَّ وَاحِدَةٍ بِعِشْرِينَ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ بَشِيرٍ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمُغِيرَةِ وَحَوْلُ رِبْحِ الثَّانِي مِنْ يَوْمَئِذٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذِهِ الصُّورَةَ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ:
فَإِنْ بَاعَهُمَا " فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ اتَّبَعَ ابْنَ شَاسٍ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ. صُورَةٌ ثَانِيَةٌ: اشْتَرَى بِالثَّانِي قَبْلُ ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَتَيْنِ مَعًا.
حُكْمُ هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الصُّورَةِ قَبْلَهَا وَهِيَ أَيْضًا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: " فَإِنْ بَاعَهُمَا " فَمُقْتَضَى خَلِيلٍ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ أَيْضًا لِابْنِ شَاسٍ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. صُورَةٌ ثَالِثَةٌ: اشْتَرَى بِهِمَا مَعًا لِوَقْتٍ وَاحِدٍ وَبَاعَهُمَا مَعًا كُلًّا بِعِشْرِينَ فَيُزَكِّي أَرْبَعِينَ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " إنْ بَاعَهُمَا مَعًا أَرْبَعِينَ وَاضِحٌ " لَيْسَ وَاضِحًا انْتَهَى.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ: " فَإِنْ بَاعَهُمَا " فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. صُورَةٌ رَابِعَةٌ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ اشْتَرَى بِالْأَوَّلِ قَبْلَ شِرَائِهِ بِالثَّانِي ثُمَّ بَعْدَ شِرَائِهِ بِالثَّانِي بَاعَ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ عِشْرِينَ هَذِهِ التِّسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَالدِّينَارَ الثَّانِي الَّذِي هُوَ سِلْعَةٌ، ثُمَّ إنْ بَاعَ السِّلْعَةَ الثَّانِيَةَ لَمْ يُزَكِّ رِبْحَهَا إلَّا لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الدِّينَارَ الثَّانِيَ وَهُوَ يَوْمُ زَكَّى الْأَوَّلَ وَرِبْحَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ رِبْحُ دِينَارٍ مُزَكًّى انْتَهَى.
وَفِي مَسْأَلَةِ خَلِيلٍ يُزَكِّي عَنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ فَرَضَهَا فِي الْبَيْعِ بِعِشْرِينَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ اشْتَرَى بِكُلِّ سِلْعَةٍ ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَائِهِ بِالْأُخَرِ فَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. صُورَةٌ خَامِسَةٌ: اشْتَرَى بِالْأَوَّلِ قَبْلَ شِرَائِهِ بِالثَّانِي ثُمَّ قَبْلَ بَيْعِهِ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بَاعَ الثَّانِيَ بِتِسْعَةَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي حِينَئِذٍ هَذِهِ التِّسْعَةَ عَشَرَ وَالدِّينَارَ الْأَوَّلَ
الْمُقْتَضَى لِأَنَّهُ كَمَنْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ دِينَارًا ثُمَّ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، ثُمَّ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ الْأَوَّلَ زَكَّى الرِّبْحَ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الدِّينَارَ الْأَوَّلَ وَهُوَ يَوْمُ زَكَّى الثَّانِيَةَ وَرِبْحَهَا وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ: وَغَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ غَلَطٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ بِغَلَطٍ وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ اشْتَرَى بِكُلِّ سِلْعَةٍ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَائِهِ بِالْأُخْرَى. فَفِي مَسْأَلَةِ خَلِيلٍ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ الْفِقْهُ.
وَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّ هَذَا غَلَطٌ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. صُورَةٌ سَادِسَةٌ: اشْتَرَى بِالثَّانِي قَبْلَ شِرَائِهِ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ بَعْدَ شِرَائِهِ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ بَاعَ سِلْعَةَ الثَّانِي بِتِسْعَةَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي هَذِهِ التِّسْعَةَ عَشَرَ وَالدِّينَارَ الْأَوَّلَ الْمُقْتَضَى لِأَنَّ مَنْ اقْتَضَى دِينَارًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً ثُمَّ اقْتَضَى تِسْعَةَ عَشَرَ زَكَّى عِشْرِينَ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ حَوْلُ رِبْحِ الدِّينَارِ الْأَوَّلِ مِنْ يَوْمِئِذٍ.
انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ اشْتَرَى بِكُلٍّ سِلْعَةً بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى فَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. وَعَلَى مُقْتَضَى مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ فَاسْتَظْهِرْ أَنْتَ عَلَى هَذَا. صُورَةٌ سَابِعَةٌ: اشْتَرَى بِالثَّانِي قَبْلَ شِرَائِهِ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ قَبْلَ بَيْعِهِ سِلْعَةَ الثَّانِي بَاعَ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَجْرِي هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى فَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ.
وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ وَقَدْ بَحَثَ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. صُورَةٌ ثَامِنَةٌ: اقْتَضَى دِينَارًا ثُمَّ آخَرَ وَاشْتَرَى بِهِمَا سِلْعَتَيْنِ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَبْلَ بَيْعِهِ سِلْعَةَ الثَّانِي بَاعَ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يُزَكِّي عِشْرِينَ وَيُزَكِّي رِبْحَ الْآخَرِ يَوْمَ قَبَضَهُ كَعَرْضِ تَجْرٍ بِيعَ بَعْضُهُ بِنِصَابٍ ثُمَّ بَاقِيهِ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى فَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ.
وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ فَاسْتَظْهِرْ أَنْتَ عَلَى هَذَا. وَكَذَا أَيْضًا هُوَ الْحُكْمُ فِي صُورَةٍ تَاسِعَةٍ وَهِيَ: إذَا اقْتَضَى دِينَارًا ثُمَّ آخَرَ وَاشْتَرَى بِهِمَا سِلْعَتَيْنِ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَبْلَ بَيْعِهِ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بَاعَ سِلْعَةَ الثَّانِيَةِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ عِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَيُزَكِّي رِبْحَ الْأُخَرِ يَوْمَ قَبْضِهِ. فَعَلَى هَذَا يُزَكِّي فِي مَسْأَلَةِ خَلِيلٍ إحْدَى وَعِشْرِينَ قَالَ هُوَ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. صُورَةٌ عَاشِرَةٌ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنٍ لَهُ حَوْلٌ
دِينَارًا فَتَجَرَ بِهِ فَصَارَ عِشْرِينَ ثُمَّ اقْتَضَى دِينَارًا آخَرَ فَتَجَرَ فِيهِ فَصَارَ عِشْرِينَ فَلْيُزَكِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَقَطْ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ وَجَبَتْ فِي الدِّينَارِ الثَّانِي يَوْمَ قَبْضِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي رِبْحِهِ زَكَاةٌ كَمَنْ حَلَّتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَلَمْ يُزَكِّهَا حَتَّى تَجَرَ فِيهَا فَصَارَتْ أَرْبَعِينَ فَإِنَّمَا يُزَكِّي عِشْرِينَ ثُمَّ يَرْتَقِبُ الْحَوْلَ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ أَنَّهُ بَاعَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ شِرَاءِ الْأُخْرَى فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ وَإِلَّا إحْدَى وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ صَحِيحٌ. صُورَةٌ حَادِيَةَ عَشَرَ: اقْتَضَى دِينَارًا ثُمَّ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَى بِالثَّانِي سِلْعَةً بَاعَهَا بِعِشْرِينَ قَبْلَ شِرَائِهِ بِالْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ وَحَوْلُ رِبْحِ الْأَوَّلِ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ بَاعَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ شِرَائِهِ بِالْآخَرِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ وَإِلَّا إحْدَى وَعِشْرِينَ انْتَهَى.
وَهَذَا فَصْلٌ يَحْتَاجُ لِمَزِيدِ فَهْمٍ وَمُرَاجَعَةٍ. الْمَازِرِيُّ: وَالذَّخِيرَةُ وَابْنُ بَشِيرٍ لَمْ يَحْضُرْنِي وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ.
(وَضُمَّ لِاخْتِلَاطِ أَحْوَالِهِ آخَرُ لِأَوَّلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُزَكِّي مَا يَقْتَضِي مِنْ دَيْنِهِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيُزَكِّيهَا ثُمَّ يُزَكِّي قَلِيلَ مَا يَقْتَضِي وَكَثِيرَهُ، أَنْفَقَ مَا زَكَّى أَوْ أَبْقَاهُ. وَحَوْلُ مَا يَقْتَضِي مِنْ يَوْمِ مَا يُزَكِّيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ كِتَابٍ: إلَّا أَنْ يَكْثُرَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي وَيَخْتَلِطَ فَيُرَدُّ الْآخَرُ إلَى مَا قَبْلَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ حَلَّ حَوْلُهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهُ يُجْزِئُهُ فَلِذَلِكَ يُرَدُّ الْآخَرُ إلَى مَا قَبْلَهُ (عَكْسُ الْفَوَائِدِ) قَالَ سَحْنُونَ: وَأَمَّا فِي اخْتِلَاطِ الْفَوَائِدِ فَلْيُرَدَّ الْأَوَّلُ إلَى الْآخَرِ وَقَالَهُ مَالِكٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ آخِرَ الْفَوَائِدِ إلَى الْأَوَّلِ أَدَّى الزَّكَاةَ قَبْلَ حَوْلِهَا.
(وَالِاقْتِضَاءُ لِمِثْلِهِ مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: إنْ اقْتَضَى عَشَرَةً لَمْ تَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةً زَكَّى الْعِشْرِينَ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ يُزَكِّي مَا يَقْتَضِي وَكَثِيرَهُ (وَالْفَائِدَةُ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: الْفَائِدَةُ تُضَمُّ إلَى مَا اقْتَضَى بَعْدَهَا وَلَا تُضَمُّ إلَى مَا اقْتَضَى قَبْلَهَا. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ بِفَائِدَةٍ جَمَعَهُمَا مِلْكٌ ".
(فَإِنْ اقْتَضَى خَمْسَةً بَعْدَ حَوْلٍ ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشَرَةً وَأَنْفَقَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّى
الْعَشْرَتَيْنِ وَالْأُولَى إنْ اقْتَضَى خَمْسَةً) ابْنُ يُونُسَ: لَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ أَفَادَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَهَا بَعْدَ حَوْلٍ ثُمَّ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ عَشَرَةً أَيْضًا، فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا مَعَ الْعَشَرَةِ الْفَائِدَةِ الَّتِي أَنْفَقَ وَلَا يُزَكِّي الْخَمْسَةَ الَّتِي اقْتَضَى أَوَّلًا، لِأَنَّهَا إنَّمَا تُضَافُ إلَى الْعَشَرَةِ الْمُقْتَضَاةِ وَلَا تُضَافُ إلَى الْعَشَرَةِ الْفَائِدَةِ بَعْدَهَا، ثُمَّ إنْ اقْتَضَى خَمْسَةً أُخْرَى زَكَّاهَا مَعَ الْخَمْسَةِ الَّتِي اقْتَضَى أَوَّلًا لِأَنَّهُ قَدْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ بِهَا عِشْرِينَ.
(وَإِنَّمَا يُزَكَّى عَرْضٌ) ابْنُ شَاسٍ: عُرُوضُ التِّجَارَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تُرْصَدُ الْأَسْوَاقُ مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ حَتَّى تُبَاعَ وَيُزَكَّى الثَّمَنُ. الْوَجْهُ الثَّانِي: اكْتِسَابُ الْعُرُوضِ لِيُدِيرَهَا وَيَبِيعَ بِالسِّعْرِ الْحَاضِرِ وَيَخْلُفَهَا كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ، فَهَذَا يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ يَكُونُ حَوْلَهُ فَيُقَوِّمُ فِيهِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ وَيُضِيفُهَا إلَى مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ (لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ ".
(مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَرْضُ التَّجْرِ مَا مُلِكَ بِعِوَضٍ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لِلرِّبْحِ أَوْ بَدَلِهِ (بِنِيَّةِ تَجْرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَا اشْتَرَى مِنْ الْعُرُوضِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ لَا زَكَاةَ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ مَلَكَ عَرْضًا بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ زَكَاةٌ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التِّجَارَةَ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِمُعَاوَضَةٍ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ عَنْهُ عَيْنًا انْصَرَفَ بِالنِّيَّةِ إلَى مَا يَصْرِفُهُ بِالتِّجَارَةِ أَوْ الْقِنْيَةِ، وَإِنْ دَفَعَ عَنْهُ عَرْضًا فَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَهُوَ كَالْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لِلْقِنْيَةِ فَنَوَى الْمَأْخُوذُ عَنْهُ الْقِنْيَةَ فَلَا شَكَّ فِي انْصِرَافِهِ إلَيْهَا، وَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَهَلْ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِحُصُولِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَوْ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَنْ عَرْضِ قِنْيَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ؟ قَوْلَانِ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا قَوْلَهُ:" وَلَوْ بِهِبَةٍ ".
(أَوْ مَعَ نِيَّةِ غَلَّةٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ نَوَى بِشِرَاءِ الْعَرْضِ التِّجَارَةَ وَالْإِجَارَةَ كَانَ ذَلِكَ أَبْيَنَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَمِثْلُهُ إذَا نَوَى التِّجَارَةَ وَالِاسْتِمْتَاعَ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ نَوَى التِّجَارَةَ بِانْفِرَادِهَا يَسْتَمْتِعُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَالْكِرَاءِ إلَى أَنْ يَتَّفِقَ لَهُ الْبَيْعُ.
(أَوْ قِنْيَةٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ اشْتَرَى لِوَجْهَيْنِ كَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً لِلْوَطْءِ وَالْخِدْمَةِ وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنًا بَاعَ فَإِنَّ ثَمَنَهَا كَالْفَائِدَةِ. وَرَوَى أَشْهَبُ: يُزَكِّي ثَمَنَهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهَذَا أَقُولُ لِأَنَّ الْقِنْيَةَ وَالتِّجَارَةَ أَصْلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدٌ بِحُكْمِهِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ.
وَالْآخَرُ يَنْفِيهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ الْحُكْمُ لِلَّذِي يُوجِبُ الزَّكَاةَ احْتِيَاطًا كَشَهَادَةٍ تُثْبِتُ حَقًّا وَشَهَادَةٍ تَنْفِيهِ، وَكَقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ تَمَتَّعَ وَلَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِبَعْضِ الْآفَاقِ: إنَّهُ يُهْدِي احْتِيَاطًا فَهَذَا مِثْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ إذَا اشْتَرَى لِوَجْهَيْنِ لِلْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ فَغَلَّبَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقِنْيَةَ، وَغَلَّبَ أَشْهَبُ التِّجَارَةَ، ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ بِعِبَارَةِ ابْنِ يُونُسَ لَا يُشَكُّ أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ مِنْهُ (عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْمُرَجَّحِ) مَعْلُومٌ أَنَّ اللَّخْمِيَّ اخْتَارَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ إذَا اشْتَرَى لِتِجَارَةٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ لِتِجَارَةٍ وَقِنْيَةٍ إذْ هُوَ الَّذِي فَصَّلَ هَذَا التَّفْصِيلَ، إذْ جَعَلَ الْعُرُوضَ الْمُشْتَرَاةَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ. وَأَمَّا ابْنُ يُونُسَ فَإِنَّمَا ذَكَرَ مَعَ التِّجَارَةِ الْقِنْيَةَ خَاصَّةً وَلَكِنْ مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ الزَّكَاةَ فِي الْمُشْتَرِي لِلتِّجَارَةِ وَالْغَلَّةِ (لَا بِلَا نِيَّةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ فُقِدَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ.
(أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْعَيْنُ وَالْمَوَاشِي تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ كَانَا مِنْ شِرَاءِ أَوْ إرْثٍ، وَأَمَّا الْعُرُوض كَالدُّورِ وَالثِّيَابِ وَالطَّعَامِ وَالْحَيَوَانِ الَّذِي لَا تَجِبُ فِي رِقَابِهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ أَفَادَهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، فَإِنْ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ وَمَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ وَنَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِثَمَنِهِ (أَوْ غَلَّةٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَا اشْتَرَى لِلْغَلَّةِ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ حَوْلٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يُزَكِّي وَهُوَ كَالْفَائِدَةِ وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ لِلْغَلَّةِ هُوَ مَعْنًى مِنْ الْقِنْيَةِ لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ لِلْقِنْيَةِ إنَّمَا هُوَ لِوَجْهَيْنِ: إمَّا لِيَنْتَفِعَ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِخِدْمَةٍ أَوْ سُكْنَى وَنَحْوِهِ، وَإِمَّا لِيَغْتَلَّهُ فَشِرَاؤُهُ لِلْغَلَّةِ شِرَاءٌ لِلْقِنْيَةِ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ هُمَا) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ نَوَى الْقِنْيَةَ وَالْغَلَّةَ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُغْتَلِّ تَسْقُطُ عَنْهَا الزَّكَاةُ، وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُوجِبُهَا يَجْتَمِعُ هَاهُنَا مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ، فَقَدْ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَاعِيَ الْخِلَافَ (وَكَانَ كَأَصْلِهِ أَوْ عَيْنًا) اُنْظُرْ
عِبَارَةَ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ "(وَإِنْ قَلَّ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَضُمَّ الرِّبْحُ لِأَصْلِهِ ".
(وَبِيعَ بِعَيْنٍ)
ابْنُ بَشِيرٍ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يَبِيعُ الْعُرُوضَ بِالْعُرُوضِ وَلَا يُنَضُّ لَهُ عَيْنٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّقْوِيمُ. اُنْظُرْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَبَضَ عَيْنًا "(وَإِنْ لِاسْتِهْلَاكٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ لِلتِّجَارَةِ فَاسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ وَأَخَذَ مِنْهُ بِقِيمَتِهَا سِلْعَةً، فَإِنْ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ زَكَّى ثَمَنَهَا سَاعَةَ يَبِيعُهَا إنْ مَضَى لِأَصْلِ ثَمَنِ الدَّابَّةِ حَوْلٌ مَنْ يَوْمِ زَكَّاهُ، وَإِنْ نَوَى بِهَا حِينَ أَخَذَهَا الْقِنْيَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ بَاعَهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِهَا حَوْلٌ، مِنْ يَوْمِ بَاعَهَا، وَإِنْ أَخَذَ فِي قِيمَةِ الدَّابَّةِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ زَكَّاهَا سَاعَةَ يَقْبِضُهَا إنْ مَضَى لِلْأَصْلِ حَوْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ لَهُ حَوْلٌ فَلَا يُزَكِّيهَا. ثُمَّ إنْ اشْتَرَى بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ سِلْعَةً فَإِنْ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَهِيَ لِلتِّجَارَةِ. وَإِنْ نَوَى بِهَا الْقِنْيَةَ فَهِيَ لِلْقِنْيَةِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا إنْ بَاعَهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَحُولَ
عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهِ.
(فَكَالدَّيْنِ إنْ رَصَدَ بِهِ السُّوقَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: عَرْضُ التِّجَارَةِ أَنْ تَرَصَّدَ بِهِ
السُّوقَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُبَاعَ.
قَالَ فِي التَّلْقِينِ: فَإِذَا بِيعَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ أَقَامَ أَحْوَالًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ مَا دَامَ عَرْضًا فَإِذَا بِيعَ زَكَّى لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَإِلَّا زَكَّى عَيْنَهُ وَدَيْنَهُ النَّقْدَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: أَنَّ غَيْرَ الْمُتَرَصِّدِ وَهُوَ الْمُدِيرُ يُقَوِّمُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ وَيُضِيفُهُ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُقَوِّمُ عُرُوضَهُ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ وَيُزَكِّي ذَلِكَ مَعَ مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ.
قَالَ: وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ دَيْنٍ يَرْتَجِي قَضَاءَهُ زَكَّاهُ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ دَيْنِهِ وَبِيعَ عَرْضُهُ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ زَكَّاهُ أَيْضًا (الْحَالَّ الْمَرْجُوَّ وَإِلَّا قَوَّمَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُقَوِّمُ الْمُدِيرُ الدَّيْنَ مِنْ عَرْضٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ يَرْتَجِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْتَجِيهِ لَمْ يُقَوِّمْهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ فِي الدَّيْنِ يُقَوِّمُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْلَكُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْلَسَ فَبَاعَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فَثَمَنُهُ كَقِيمَتِهِ؟ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا كَانَ لَهُ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَلْيُقَوِّمْهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُزَكِّي الْمُدِيرُ دَيْنَهُ الْمُرْتَجَى وَإِنْ مَطَلَ بِهِ سِنِينَ لَمْ يَأْخُذْهُ وَيَحْسُبُ عَدَدَهُ لَا قِيمَتَهُ. ابْنُ يُونُسَ: صَوَابٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ يُزَكِّي قِيمَتَهُ لِأَنَّهَا الَّتِي مَلَكَ مِنْهُ الْآنَ وَأَمَّا الْحَالُّ فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَدَدَهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ الْآنَ عَلَى أَخْذِهِ فَكَأَنَّهُ بِيَدِهِ. وَقِيلَ: حُكْمُ الدَّيْنِ الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ حُكْمُ الْعَرْضِ يُقَوِّمُهُ الْمُدِيرُ اسْتَحْسَنَهُ
بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
(وَلَوْ طَعَامَ سَلَمٍ) ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْمُدِيرَ إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهُ وَلَيْسَ تَقْوِيمُهُ بَيْعًا لَهُ.
وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: لَا يُقَوِّمُهُ. (كَسِلْعَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُقَوِّمُ عُرُوضَهُ مَعَ مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ وَدَيْنٍ.
(وَلَوْ بَارَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ: إنْ تَأَخَّرَ بَيْعُ عَرْضِهِ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ زَكَّاهُ أَيْضًا. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا قَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَخَصَّصَهُمَا اللَّخْمِيِّ بِبَوَارِ الْيَسِيرِ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَوْ بَارَ مَا بِيَدِ الْمُدِيرِ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ جَمِيعُهُ لَمْ يُقَوِّمْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِذَا بَارَ أَقَلُّهُ قَوَّمَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ احْتِيَاطًا لِلزَّكَاةِ.
وَفِي حَدِّ الْبَوَارِ بِعَامَيْنِ أَوْ الْعَادَةِ قَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الْبَاجِيُّ (لَا إنْ لَمْ يَرْجُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَا يُرْتَجَى إذَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةُ نِصْفِ ثَمَنِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَنَّهُ يَحْسُبُ تِلْكَ الْقِيمَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّفْسِيرِ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ:" إنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَا يُرْتَجَى لَا يُزَكَّى " مَعْنَاهُ إذَا لَمْ
تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ.
(أَوْ كَانَ قَرْضًا وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِتَقْوِيمِ الْقَرْضِ) ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَابْنِ حَبِيبٍ: " أَنَّ دَيْنَ الْمُدِيرِ إنْ كَانَ قَرْضًا لَمْ يُزَكِّهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ " صَوَابٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَالِ الْإِدَارَةِ. الْبَاجِيُّ: يُقَوِّمُ الْمُدِيرُ عُرُوضَهُ قِيمَةَ عَدْلٍ بِمَا تُسَاوِي حِينَ تَقْوِيمِهَا لَا يُنْظَرُ إلَى شِرَائِهَا وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ دُونَ بَيْعِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُمْلَكُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْمُرَاعَى فِي الْأَمْوَالِ وَالنُّصُبِ حِينَ الزَّكَاةِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ، وَهَلْ يُزَكِّي دُيُونَهُ؟ أَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ التِّجَارَةَ كَالْقَرْضِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: دَيْنُ الْقَرْضِ يُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَأَمَّا الْمُدِيرُ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُقَوِّمُهُ.
(وَهَلْ حَوْلُهُ لِلْأَصْلِ أَوْ وَسَطٍ مِنْهُ وَمِنْ الْإِدَارَةِ تَأْوِيلَانِ) الْبَاجِيُّ: هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي يَجْعَلُهُ الْمُدِيرُ حَوْلَهُ هُوَ رَأْسُ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُدِيرَهُ أَوْ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ إنْ كَانَ حَوْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدًا، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُ فَعَلَى حَسَبِ ضَمِّ الْفَوَائِدِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا يُؤَيِّدُهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُقَوِّمُ فِيهِ الْمُدِيرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ فِي السَّنَةِ شَهْرًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُدِيرِ أَنْ يُقَوِّمَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِيمَا فِي يَدَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ عُرُوضًا كُلُّهُ فَلَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ، أَوْ يَكُونَ بَعْضُهُ نَاضًّا دُونَ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّقْوِيمِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، جَمِيعُ ذَلِكَ فَجَازَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ التَّقْوِيمَ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ التَّقْوِيمَ حِينَئِذٍ ظُلْمًا عَلَيْهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ لِحَوْلٍ آخَرَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ظُلْمًا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَأَمْرُهُ أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ شَهْرًا يَكُونُ عَدْلًا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ. وَإِنْ أَتَى رَأْسُ الْحَوْلِ وَفِي يَدَيْهِ نِصَابٌ مِنْ الْعَيْنِ زَكَّاهُ خَاصَّةً ثُمَّ يُزَكِّي مَا يَنِضُّ لَهُ، فَإِنْ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ جَعَلَ لِنَفْسِهِ شَهْرًا فَقَدْ يَكْثُرُ مَا يَنِضُّ لَهُ فَيَقْرَبُ شَهْرُهُ أَوْ يَقِلُّ فَيَبْعُدُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ تَنِضَّ لَهُ فِي سَائِرِ عَيْنٍ وَإِنَّمَا كَانَ يَبِيعُ بِالْعَرْضِ فَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ، ثُمَّ إنْ نَضَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ قَوَّمَ وَزَكَّى وَكَانَ يَوْمئِذٍ حَوْلَهُ وَأَلْغَى الْوَقْتَ الْأَوَّلَ. ابْنُ يُونُسَ: وَمَنْ أَقَامَ بِيَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَلَسَ بِهِ لِلْإِدَارَةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى الْأَشْهُرِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَبْلَ أَنْ يُدِيرَ مَالَهُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: يَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ أَخَذَ فِي الْإِدَارَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحْسَنُ.
(ثُمَّ زِيَادَتُهُ مُلْغَاةٌ بِخِلَافِ حُلِيِّ التَّحَرِّي وَالْقَمْحِ) قِيلَ لِأَبِي عِمْرَانَ: الْمُدِيرُ يُقَوِّمُ عَرْضَهُ فَيُزَكِّيهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: لَا يُزَكِّيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مَضَى وَهَذَا نَمَاءٌ حَادِثٌ. قِيلَ لَهُ: فَالْحُلِيُّ الْمَرْبُوطُ إذَا تَحَرَّى مَا فِيهِ ثُمَّ فَصَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَحَرَّى؟ فَقَالَ: هَذَا يُزَكِّي لِأَنَّهُ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مَالَهُ مِائَةً فَإِذَا هُوَ مِائَتَانِ.
(وَالْمُرْتَجِعُ مِنْ مُفْلِسٍ وَالْمُكَاتَبُ بِعَجْزٍ كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ وَكَاتَبَهُ ثُمَّ اقْتَضَى مِنْهُ مَالًا ثُمَّ عَجَزَ فَرَجَعَ رَقِيقًا فَبَاعَهُ مَكَانَهُ فَلْيَتْرُكْ ثَمَنَهُ وَيَرْجِعْ إلَى أَصْلِهِ عَلَى التِّجَارَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مِنْ رَجُلٍ فَفَلَّسَ الْمُبْتَاعُ فَأَخَذَ عَبْدَهُ أَوْ أَخَذَ عَبْدًا مِنْ غَرِيمِهِ فِي دَيْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ وَيَكُونُ لِلتِّجَارَةِ كَمَا كَانَ.
(وَإِنْ انْتَقَلَ الْمُدَارُ لِلِاحْتِكَارِ وَهُمَا لِلْقِنْيَةِ بِالنِّيَّةِ) أَمَّا انْتِقَالُ الْمُدِيرِ لِلِاحْتِكَارِ بِالنِّيَّةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ نَوَى حَرَكَتَهُ قَبْلَ حَوْلِهِ بِشَهْرٍ صَارَ مُحْتَكِرًا. وَتَعَقَّبَهُ الْمَازِرِيُّ بِتُهْمَةِ الْفِرَارِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَصْلَ سُقُوطُ زَكَاةِ الْعَرْضِ، وَأَمَّا انْتِقَالُهُمَا مَعًا لِلْقِنْيَةِ بِالنِّيَّةِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا زَكَاةَ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُرُوضِ الْقِنْيَةُ فَتَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ بِالنِّيَّةِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ غَيْرَ مُزَكًّى "(لَا الْعَكْسُ) الشَّيْخُ: لَا يَنْتَقِلُ مَا مُلِكَ لِقِنْيَةٍ وَلَوْ بِشِرَاءٍ بِالنِّيَّةِ لِلتِّجَارَةِ (وَلَوْ كَانَ أَوْلَى لِلتِّجَارَةِ) اُنْظُرْ مَنْ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ وَاَلَّذِي لِابْنِ بَشِيرٍ وَمَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَهُ أَنَّ عُرُوضَ الْقِنْيَةِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى التِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ، لَكِنْ إنْ نَوَى بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ الْقِنْيَةَ ثُمَّ عَادَ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَفِي رُجُوعِهَا إلَى ذَلِكَ قَوْلَانِ انْتَهَى.
(وَإِنْ اجْتَمَعَ إدَارَةٌ وَاحْتِكَارٌ وَتَسَاوَيَا أَوْ احْتَكَرَ الْأَكْثَرُ فَكُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ لِلْإِدَارَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ يُدِيرُ أَكْثَرَ مَالِهِ زَكَّاهُ كُلَّهُ عَلَى الْإِدَارَةِ، وَإِنْ أَدَارَ أَقَلَّهُ زَكَّى الْمُدَارَ فَقَطْ كُلَّ عَامٍ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَحْوَطُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ مُتَنَاصَفًا زَكَّى كُلَّ مَالٍ عَلَى جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ بِالْأَمْرِ الْمُتَبَايِنِ جِدًّا كَانَ الْأَقَلُّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَعْدَلُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ أَنْ يُزَكِّيَ كُلَّ مَالٍ عَلَى سَنَتِهِ كَانَا مُتَنَاصِفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِصَاحِبِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَهُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى غَيْرِ تَدْبِيرٍ وَلَا تَحْصِيلٍ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُزَكِّيَ مَا يُدَارُ عَلَى غَيْرِ الْإِدَارَةِ (وَلَا تُقَوَّمُ الْأَوَانِي)
اللَّخْمِيِّ: بَقَرُ حَرْثِ التِّجَارَةِ قِنْيَةٌ لِأَنَّ التِّجَارَةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا يُزْرَعُ. وَكَذَلِكَ آلَةُ الْعَطَّارِ يَسْتَأْنِفُ بِثَمَنِهَا حَوْلًا لِأَنَّ التَّجْرَ فِيمَا يَعْمَلُ فِيهِ لَيْسَ فِيمَا يَبِيعُ فِيهِ مِنْ مَنَافِعِهَا انْتَهَى.
وَانْظُرْ بِالنِّسْبَةِ إلَى السباطريين رَأَيْتُ فُتْيَا لِابْنِ لُبٍّ أَنَّهُمْ لَا يُقَوِّمُونَ صِنَاعَتِهِمْ بَلْ يَسْتَقْبِلُونَ بِأَثْمَانِهَا الْحَوْلَ لِأَنَّهُمَا فَوَائِدُ كَسْبِهِمْ اسْتَفَادُوهَا وَقْتَ بَيْعِهِمْ. وَانْظُرْ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي الذِّمِّيِّ يَقْدَمُ بِالْفِضَّةِ فَيَصُوغُهَا أَوْ بِالْغَزْلِ فَيَنْسِجُهُ، هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عُشْرُ الْحُلِيِّ وَالثَّوْبِ؟ .
(وَفِي تَقْوِيمِ الْكَافِرِ لِحَوْلٍ مِنْ إسْلَامِهِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ بِالثَّمَنِ قَوْلَانِ) ابْنُ حَارِثٍ: مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ عَرْضُ تَجْرِ احْتِكَارٍ اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهِ حَوْلًا.
قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: وَكَذَلِكَ الْمُدِيرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: حَوْلُ الْمُدِيرِ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمَ.
(وَالْقِرَاضُ الْحَاضِرُ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ إنْ أَدَارَ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْعَامِلُ حَاضِرًا مَعَ رَبِّ الْمَالِ فَكَانَا جَمِيعًا مُدِيرِينَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالُ وَيَتَفَاصَلَا وَإِنْ أَقَامَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَحْوَالًا. كَذَا رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِثْلُهُ
فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ. فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ زَكَّى لِكُلِّ سَنَةٍ قِيمَةَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَتَاعِ إنْ كَانَ قِيمَةُ مَا كَانَ بِيَدِهِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِائَةً، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ، زَكَّى لِأَوَّلِ سَنَةٍ مِائَةً، وَلِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ، وَلِلسَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ إلَّا مَنْ تَنْقُصُهُ الزَّكَاةُ.
وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ قِيمَةُ مَا بِيَدِهِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ ثَلَاثَمِائَةٍ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِائَةً. فَقِيلَ: يُزَكِّي لِكُلِّ سَنَةٍ مَا كَانَ بِيَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: يُزَكِّي مِائَةً كُلَّ سَنَةٍ وَهُوَ الْآتِي عَلَى مَا فِي الْوَاضِحَةِ. وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا إذْ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ إلَى حِينِ الْمُفَاصَلَةِ مَعَ حُضُورِ الْمَالِ إلَّا مَخَافَةَ النُّقْصَانِ انْتَهَى.
اُنْظُرْ قَوْلَهُ فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ زَكَّى لِكُلِّ سَنَةٍ وَزَادَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهِ الزَّكَاةَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مِثْلُ هَذَا عَنْ اللَّخْمِيِّ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ قَالَ عَنْهُمَا: لَا يُزَكِّي إلَّا عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُزَكِّي الْمَالَ وَيُخْرِجُ زَكَاةَ الْمَالِ مِنْ عِنْدَهُ لَا مِنْ الْقِرَاضِ.
قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: لَا يُزَكِّي الْعَالَمُ حِصَّتَهُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا رَبُّ الْمَالِ فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ شَهْرُ زَكَاتِهِ زَكَّى مَا لَهُ بِيَدِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْإِدَارَةِ وَيُقَوِّمُ سِلَعَ الْقِرَاضِ فَيُزَكِّي رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّةَ رِبْحِهِ.
ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فَيُزَكِّيهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ كَمَا تَأَوَّلْنَا فِي مَاشِيَةِ الْقِرَاضِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَعُجِّلَتْ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ "(أَوْ الْعَامِلُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْعَامِلُ مُدِيرًا وَرَبُّ الْمَالِ غَيْرَ مُدِيرٍ وَاَلَّذِي بِيَدِ الْعَامِلِ الْأَكْثَرُ أَوْ الْأَقَلُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمَالَيْنِ إذَا كَانَا يُدَارُ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُزَكَّى الْمُدَارُ عَلَى سَنَةِ الْإِدَارَةِ كَانَ الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ، فَالْحُكْمُ فِي هَذَا كُلِّهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَا مَعًا مُدِيرَيْنِ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا هُوَ الْحُكْمُ إذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ مُدِيرًا وَالْعَامِلُ غَيْرَ مُدِيرٍ وَاَلَّذِي بِيَدِهِ هُوَ الْأَقَلُّ (مِنْ غَيْرِهِ) هَذَا فَرْعُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ فَبَنَى عَلَى طَرِيقَةِ ابْنُ يُونُسَ وَعَلَى مَا عَزَاهُ اللَّخْمِيِّ لِابْنِ حَبِيبٍ وَلِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مَا عَوَّلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا.
(وَصَبَرَ إنْ غَابَ فَزَكَّى لِسَنَةِ الْفَضْلِ مَا فِيهَا وَسَقَطَ مَا زَادَ قَبْلَهَا وَإِنْ نَقَصَ فَلِكُلِّ مَا فِيهَا وَأَزْيَدَ وَأَنْقَصَ قُضِيَ بِالنَّقْصِ عَلَى مَا قَبْلَهُ) ابْنُ رُشْدٍ
إنْ كَانَ الْعَامِلُ غَائِبًا عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا لَهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ وَيَعْلَمَ أَمْرَهُ، فَإِنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَعْوَامٍ زَكَّى الْمُدِيرُ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَاضِرِ. وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ وَزَادَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: فَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ الزَّكَاةَ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ أَقَامَ الْمَالُ بِيَدِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَكَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِائَةً.
وَفِي الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ زَكَّى عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا مَا نَقَّصَتْ الزَّكَاةُ، وَلَوْ رَجَعَ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ مِائَةً لَمْ يُزَكِّ إلَّا عَنْ مِائَةٍ لِكُلِّ سَنَةٍ لَا مَا حَطَّتْ الزَّكَاةُ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ مِنْ الرِّبْحِ. (وَإِنْ احْتَكَرَا أَوْ الْعَامِلُ فَكَالدَّيْنِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ غَيْرَ مُدِيرَيْنِ أَوْ كَانَ الْعَامِلُ غَيْرَ مُدِيرٍ وَاَلَّذِي فِي يَدَيْهِ الْأَكْثَرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيمَا يَبْدَأُ الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَعْوَامٍ زَكَّاهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ فِي سِلَعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي بِيَدِ الْعَامِلِ هُوَ الْأَقَلُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَالدَّيْنِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَالْحُكْمِ إذَا كَانَا مَعًا مُدِيرَيْنِ.
وَفِي النُّكَتِ: الْمُقَارِضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّكَاةِ يَدُهُ كَيَدِ رَبِّ الْمَالِ.
(وَعُجِّلَتْ زَكَاةُ مَاشِيَةِ الْقِرَاضِ مُطْلَقًا وَحُسِبَتْ عَلَى رَبِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ غَنَمًا فَتَمَّ حَوْلُهَا وَهِيَ بِيَدِ الْمُقَارِضِ فَزَكَاتُهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْقِرَاضِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤْخَذُ هَذِهِ الشَّاةُ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ وَتُطْرَحُ قِيمَتُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ رَأْسَ الْمَالِ.
ابْنُ يُونُسَ: ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ غَابَ رَبُّ الْمَالِ أُخِذَتْ مِنْ غَنَمِ الْقِرَاضِ. (وَهَلْ عَبِيدُهُ كَذَلِكَ أَوْ تُلْغَى كَالنَّفَقَةِ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَلَيْسَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَأَمَّا نَفَقَتُهُمْ فَمَنْ مَاتَ الْقِرَاضُ وَنَحْوُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي عَبِيدِ
الْقِرَاضِ: إنَّ زَكَاتَهُمْ كَالنَّفَقَةِ مُلْغَاةٌ وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ. (وَزُكِّيَ رِبْحُ الْعَامِلِ) ابْنُ يُونُسَ: لَا يُزَكِّي الْعَامِلُ حِصَّتَهُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي الْمُدِيرَ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى غَيْرُهُ (وَإِنْ قَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ اقْتَسَمَا بَعْدَ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ فَنَابَ رَبُّ الْمَالِ بِرِبْحِهِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا كَانَ فِي حَظِّ الْعَامِلِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَحَظُّ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ. وَكَذَا إنْ اقْتَسَمَا قَبْلَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ أَخَذَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ وَيَسْتَأْنِفُ بِمَا أَخَذَ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ اقْتَسَمَا فَيُزَكِّيهِ إنْ كَانَ فِيهِ الزَّكَاةُ.
(وَإِنْ أَقَامَ بِيَدِهِ حَوْلًا وَكَانَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِلَا دَيْنٍ
وَحِصَّةُ رَبِّهِ بِرِبْحِهِ نِصَابٌ وَفِي كَوْنِهِ شَرِيكًا أَوْ أَجِيرًا خِلَافٌ) ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْعَامِلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِاجْتِمَاعِ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ: أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِلَا دَيْنٍ عَلَيْهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ وَحِصَّةُ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَأَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ بِالْمَالِ حَوْلًا. فَمَتَى سَقَطَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُزَكِّ الْعَامِلُ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا اسْتِحْسَانٌ رَآهُ مَرَّةً أَنَّ لَهُ حُكْمَ الشَّرِيكِ فِي وُجُوهٍ يَضْمَنُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَتَقَ، وَرَآهُ مَرَّةً أَنَّهُ لَيْسَ كَالشَّرِيكِ إذْ لَيْسَ فِي أَصْلِ الْمَالِ شِرْكٌ وَإِنْ رَبِحَ الْمَالَ مِنْهُ وَحَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ، فَلَمَّا تَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ
تَوَسَّطَ أَمْرَهُ.
(وَلَا تَسْقُطُ زَكَاةُ حَرْثٍ وَمَعْدِنٍ وَمَاشِيَةٍ بِدَيْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ وَالثِّمَارِ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْعَيْنِ فَقَطْ لَا زَكَاةَ مَاشِيَةٍ وَلَا حَبٍّ وَلَا مَعْدِنٍ وَلَا رِكَازٍ وَلَوْ كَانَ فِي إحْيَاءِ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ عَمَلِ مَعْدِنٍ. (أَوْ فَقْدٍ أَوْ أَسْرٍ) اللَّخْمِيِّ: الْأَسِيرُ وَالْمَفْقُودُ تُزَكَّى مَوَاشِيهِمَا وَثِمَارُهُمَا وَكَذَلِكَ مَنْ وَرِثَ مَاشِيَةً أَوْ نَخْلًا فَإِنَّهَا تُزَكَّى لِمَاضِي الْأَعْوَامِ، عَلِمَ الْوَارِثُ بِهَا أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، وُضِعَتْ عَلَى يَدِ عَدْلٍ أَمْ لَا، لِأَنَّ التَّنْمِيَةَ فِيهَا مَوْجُودَةٌ بِخِلَافِ الْعَيْنِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُمْ إنَّ التَّنْمِيَةَ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَعْدِنِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ قَالُوا: بِخِلَافِ الْعَيْنِ، فَالْمَفْقُودُ وَالْأَسِيرُ لَا يُزَكَّى مَالُهُمَا
مِنْ عَيْنٍ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لِإِمْكَانِ دَيْنٍ أَوْ مَوْتٍ إمْكَانُ الدَّيْنِ شَكٌّ فِي الْمَانِعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِمْكَانُ الْمَوْتِ شَكٌّ فِي الشَّرْطِ وَهُوَ قَوِيٌّ. وَنَصُّ السَّمَاعِ يُوقَفُ مَالُ الْمَفْقُودِ وَلَا تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةٌ لَعَلَّ عَلَيْهِ دَيْنًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ وَأَيْضًا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ مَاتَ (وَإِنْ سَاوَى مَا بِيَدِهِ) لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ حَبٍّ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا مَاثِلِهِ كَمَنْ لَهُ نِصَابُ غَنَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا. اللَّخْمِيِّ: الْقِيَاسُ الْإِسْقَاطُ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ غَارِمٌ.
(إلَّا زَكَاةَ فِطْرٍ عَنْ عَبْدٍ عَلَيْهِ مِثْلُهُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ عِنْدَهُ عَبْدٌ وَعَلَيْهِ عَبْدٌ مِثْلُهُ فَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةَ فِطْرٍ. (بِخِلَافِ الْعَيْنِ) يُقَدَّمُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ فَقْدٍ ".
(وَلَوْ دَيْنَ زَكَاةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ تَمَّ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ قَدْ فَرَّطَ فِيهَا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ لَمْ يُزَكِّ مَا فِي يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَبْقَى مَعَهُ بَعْدَ إخْرَاجِ مَا فَرَّطَ فِيهِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَيُزَكِّي، لِأَنَّ الزَّكَاةَ إذَا فَرَّطَ فِيهَا ضَمِنَهَا، وَإِنْ أَحَاطَتْ بِمَالِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا تَمَّ حَوْلُهَا فَلَمْ يُزَكِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ بِهَا سِلْعَةً فَبَاعَهَا لِتَمَامِ حَوْلٍ ثَانٍ بِأَرْبَعِينَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَرْضٌ يُسَاوِي نِصْفَ دِينَارٍ وَزَكَّى لِعَامِهِ الثَّانِي عَنْ أَرْبَعِينَ.
(أَوْ مُؤَجَّلًا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الدَّيْنُ وَلَوْ مُؤَجَّلًا يُسْقِطُ زَكَاةَ مِقْدَارِهِ مِنْ الْعَيْنِ انْتَهَى.
(أَوْ كَمَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ تَمَّ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ مَهْرٌ لِامْرَأَتِهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَتَحَاصَّ الْغُرَمَاءُ فِي فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُسْقِطُ الْمَهْرُ الزَّكَاةَ إذْ لَيْسَ الشَّأْنُ الْقِيَامَ بِالْمَهْرِ إلَّا فِي مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ وَعِنْدَمَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا (أَوْ نَفَقَةِ زَوْجِهِ مُطْلَقًا) ابْنُ عَرَفَةَ: نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا مُسْقِطَةٌ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا تَمَّ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ شَهْرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِزَوْجَتِهِ قَدْ فَرَضَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ أَوْ أَنْفَقَتْهَا عَلَى نَفْسِهَا شَهْرًا قَبْلَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ قَضِيَّةٍ ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِهَا، فَلْيَجْعَلْ نَفَقَتَهَا فِيمَا بِيَدِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَيَلْزَمُهُ مَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي يُسْرِهِ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، أَنْفَقَتْ مِنْ عِنْدِهَا أَوْ تَسَلَّفَتْ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يَضْمَنُ لَهَا مَا أَنْفَقَتْ.
(أَوْ وَلَدٍ إنْ حُكِمَ بِهِ) . عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ لَا تُسْقِطُ مُطْلَقًا.
وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُسْقِطُ إنْ قُضِيَ بِهَا وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْمُدَوَّنَةَ أَكْثَرُهُمْ (وَهَلْ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ يُسْرٌ تَأْوِيلَانِ) . عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّمَا أَلْغَى ابْنُ الْقَاسِمِ نَفَقَةَ الْوَلَدِ فِيمَنْ حَدَثَ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ لِعُسْرِهِ بَعْدَ يُسْرِهِ، عَبْدُ الْحَقِّ: وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ
لَغْوُهَا مُطْلَقًا (أَوْ وَالِدٍ بِحُكْمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَفَقَةُ الْوَالِدِ دُونَ قَضَاءٍ لَغْوٌ.
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: أَنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ لَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا بِقَضَاءٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ يُثْبِتُهَا فِي ذِمَّةِ الِابْنِ فَتَسْقُطُ بِهَا الزَّكَاةُ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا تُسْقِطُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءٍ (إنْ تَسَلَّفَ) . الْمَازِرِيُّ: أَوَّلَ الشَّيْخُ لَغْوَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ بِمَا أَنْفَقَاهُ بِتَحَيُّلٍ لَا بِسَلَفٍ (لَا بِدَيْنِ كَفَّارَةٍ أَوْ هَدْيٍ) . الْمَازِرِيُّ: دَيْنُ الْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيِ لَغْوٌ.
(إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مُعَشَّرٌ زَكَّى) فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنٌ وَعِنْدَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَحَالَ حَوْلٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَخَذَ السَّاعِي شَاةً، فَانْظُرْ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ التِّسْعَةِ وَالثَّلَاثِينَ شَاةً الْبَاقِيَةُ مِثْلَ قِيمَةِ مَا عَلَيْهِ فَأَكْثَرَ فَلِيُزَكِّ الْعِشْرِينَ دِينَارًا وَإِلَّا لَمْ يُزَكِّ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَ مِنْ زَرْعِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَزَكَّاهَا وَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْقَمْحِ فَيَجْعَلُهُ فِي دَيْنِهِ وَيُزَكِّي مَا قَابَلَ ذَلِكَ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي بِيَدِهِ.
(أَوْ مَعْدِنٌ) سَحْنُونَ: مَنْ وَجَدَ فِي الْمَعْدِنِ مِائَةَ دِينَارٍ فَزَكَّاهَا وَمَعَهُ مِائَةٌ أُخْرَى حَالَ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ مِائَةٌ دَيْنٌ فَلْيَجْعَلْ دَيْنَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمِائَةِ الْمَعْدِنِيَّةِ بَعْدَ الزَّكَاةِ وَيُزَكِّي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي بِيَدِهِ يُرِيدُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ سِوَى مَا بَقِيَ (أَوْ قِيمَةُ كِتَابَةٍ أَوْ رَقَبَةُ مُدَبَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجْعَلُ
دَيْنَهُ فِي قِيمَةِ رِقَابِ مُدَبِّرَيْهِ وَفِي قِيمَةِ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِينَ تُقَوَّمُ الْمُكَاتَبَةُ بِعَرْضٍ عَاجِلٍ ثُمَّ تُقَوَّمُ الْعُرُوض بِعَيْنٍ، فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ جَعَلَهُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْعَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا فَصَاعِدًا زَكَّى وَإِلَّا لَمْ يُزَكِّ (أَوْ خِدْمَةُ مُعْتَقٍ إلَى أَجَلٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: عَلَى قَوْلِهَا فِي الْمُدَبَّرِ يَجْعَلُ دَيْنَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي قِيمَةِ خِدْمَةِ مُعْتَقِهِ إلَى أَجَلٍ (أَوْ مُخْدِمٍ) . أَشْهَبُ: لَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَخْدَمَهُ عَبْدًا مُدَّةً حَسِبَ قِيمَةَ الْخِدْمَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فِي دَيْنِهِ (أَوْ رَقَبَتِهِ لِمَنْ مَرْجِعُهُ لَهُ) أَشْهَبُ: لَوْ أَخْدَمَ هُوَ عَبْدَهُ سِنِينَ أَوْ أَعْمَرَهُ قُوِّمَتْ رَقَبَتُهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُبْتَاعُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَحَسِبَ تِلْكَ الْقِيمَةَ فِي دَيْنِهِ.
(أَوْ عَدَدُ دَيْنٍ حَلَّ أَوْ قِيمَةُ مَرْجُوٍّ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنٌ فَلْيُزَكِّ الْمِائَةَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ وَيَكُونُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ إنْ كَانَ يَرْتَجِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَرْتَجِ قَضَاءَهُ فَلَا يُزَكِّي شَيْئًا. ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَحْسُبُ عَدَدَهُ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا، لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ لَحَلَّ الْمُؤَجَّلُ مِمَّا عَلَيْهِ وَصَارَ كَالْحَالِّ، وَأَمَّا مَالُهُ مِنْ الدَّيْنِ فَالْحَالُّ يَحْسُبُ عَدَدَهُ وَالْمُؤَجَّلُ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ لَبِيعَ الْمُؤَجَّلُ لِغُرَمَائِهِ وَهُوَ إنَّمَا يُجْعَلُ فِي دَيْنِهِ كُلُّ مَا يَبِيعُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ لَوْ فَلَّسَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَالْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(أَوْ عَرْضٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا تَمَّ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عُرُوضٌ فَلْيَجْعَلْ دَيْنَهُ فِي عُرُوضِهِ وَخَادِمَهُ وَخَاتَمَهُ وَسَرْجَهُ وَلِجَامَهُ وَسِلَاحَهُ وَكُلَّ مَا يَبِيعُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي دَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ وَفَاءُ دَيْنِهِ زَكَّى الْعِشْرِينَ النَّاضَّةَ، وَالْإِمَامُ يَبِيعُ عَلَيْهِ إذَا فَلَّسَ دَارِهِ وَعُرُوضَهُ كُلَّهَا مَا كَانَ لَهُ مِنْ خَادِمٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ثِيَابِ جَسَدِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ وَيَبِيعُ ثَوْبَيْ جُمُعَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تِلْكَ الْقِيمَةُ فَلَا يَبِيعُهُمَا.
(حَلَّ حَوْلُهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا يَجْعَلُ الدَّيْنَ فِيمَا مَلَكَ حَوْلًا. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ سَلَفًا وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا وَفَاءٌ فَأَقَامَتْ بِيَدِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَتَتْهُ فَائِدَةُ مِائَةِ دِينَارٍ عِنْدَ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ. فَقَالَ: يَسْتَقْبِلُ بِالْمِائَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ سَلَفًا سَنَةً مِنْ حِينِ كَانَ لَهُ مِنْهَا وَفَاءٌ وَلَا يَحْتَسِبُ فِي حَوْلِهَا بِشَيْءٍ مِمَّا مَضَى مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَفَاءٌ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ قَالَ: إنَّ الذَّهَبَ السَّلَفَ إذَا وُهِبَ لِلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ وَلَيْسَ لَهُ بِهَا وَفَاءٌ اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوهَبَ لَهُ الذَّهَبُ بَعْدَ أَنْ حَالَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ الْحَوْلُ أَوْ يَسْتَفِيدَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَائِدَةً يَكُونُ بِهَا وَفَاؤُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَا يَجْعَلُهُ وَفَاءً بِمَا عَلَيْهِ مِنْ السَّلَفِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مَالٌ لِاسْتِغْرَاقِ الدَّيْنِ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجْعَلُ فِي دَيْنِهِ مَا اسْتَفَادَهُ آخِرَ الْحَوْلِ مِنْ مَعْدِنٍ أَوْ زَرْعٍ مُزَكًّى، وَكَذَلِكَ أَيْضًا جَعْلُهُ الْمِائَةَ الرَّجَبِيَّةَ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ مَا يَجْعَلُ فِيهِ مِنْ مُحَرَّمٍ إلَى
رَجَبٍ.
(إنْ بِيعَ وَقُوِّمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مُفْلِسٍ) قَوْلُهُ: " عَلَى مُفْلِسٍ " مُتَعَلِّقٌ بِ " بِيعَ " قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجْعَلُ دَيْنَهُ فِي كُلِّ مَا يَبِيعُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي دَيْنِهِ إذَا فَلَّسَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَسْلَفَ مَالًا وَعِنْدَهُ عَرْضٌ لَا وَفَاءَ لَهُ بِهِ يَوْمَئِذٍ فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ حَتَّى صَارَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أَوْ انْتَقَصَ عِنْدَ الْحَوْلِ قَالَ: إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ حَلَّ الْحَوْلُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ كَرِبْحٍ فِيهِ وَحَوْلُ رِبْحِ الْمَالِ حَوْلُ أَصْلِهِ فَهُوَ خِلَافُ عَرْضٍ أَفَادَهُ الْيَوْمَ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا عُلِّلَ هَذَا بِهَذَا فَبِمَ يُعَلَّلُ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا الْفَرْعِ فَانْظُرْهُ أَنْتَ (لَا آبِقٌ وَإِنْ رُجِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُحْسَبُ دَيْنُهُ فِي قِيمَةِ عَبْدِهِ الْآبِقِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى غَرَرِهِ (أَوْ دَيْنٌ لَمْ يَرْجُ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " أَوْ قِيمَةُ مَرْجُوٍّ ".
(وَإِنْ وُهِبَ الدَّيْنُ أَوْ مَا يُجْعَلُ فِيهِ وَلَمْ يَحِلَّ حَوْلُهُ أَوْ مَرَّ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسِهِ بِسِتِّينَ دِينَارًا ثَلَاثَ سِنِينَ حَوْلٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ إنْ وُهِبَ الدَّيْنُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لَهُ أَحْوَالٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَتِمَّ عِنْدَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ وُهِبَ لَهُ. سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ عَرْضٌ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ، وُهِبَ لَهُ أَمْ لَا.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا وُهِبَ مَا يُجْعَلُ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ لَهُ مِائَةٌ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَأَفَادَ عَرْضًا قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ يَفِي بِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُزَكِّي حَتَّى يَكُونَ الْعَرْضُ عِنْدَهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا النَّقْلُ جَارٍ عَلَى رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ نَقْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ: " أَوْ مَرَّ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسِهِ " فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الدُّيُونُ فِي الزَّكَاةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ.
فَهَذَا إذَا كَانَ قَبَضَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ حُكْمَ ثَمَنِ الْعَرْضِ الْمُفَادِ بِإِرْثٍ وَنَحْوِهِ يَسْتَقْبِلُ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ، مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَيَقْبِضُهَا مُعَجَّلَةً فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يُزَكِّي إذَا حَالَ الْحَوْلُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُنْذُ قَبَضَهَا حَوْلًا كَامِلًا، ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ إلَى أَنْ يُزَكِّيَ جَمِيعَ السِّنِينَ بِانْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ.
وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُزَكِّي إذَا حَالَ الْحَوْلُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ دِينَارًا وَنِصْفَ دِينَارٍ. وَهَذَا نَصُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ السِّنِينَ حَتَّى يَمْضِيَ الْعَامُ الثَّانِي، فَإِذَا مَرَّ زَكَّى عِشْرِينَ انْتَهَى.
وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ لَمْ يُشْهِرْهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا عَزَاهُ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَيُرَشِّحُ هَذَا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ عَزَاهُ
أَيْضًا لِابْنِ الْمَوَّازِ قَائِلًا مَا نَصَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَنْ آجَرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ بِسِتِّينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا وَعَمِلَ سَنَةً وَهِيَ بِيَدِهِ فَلْيُزَكِّهِ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَ السِّتِّينَ أُجْرَتَهُ صَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَمَّا عَمِلَ حَوْلًا سَقَطَ عِشْرُونَ حِصَّتُهُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ وَبِيَدِهِ سِتُّونَ، فَجَعَلَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا فِي دَيْنِهِ وَزَكَّى عَنْ عِشْرِينَ انْتَهَى. فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا وَانْظُرْ لَفْظَ خَلِيلٍ فَإِنِّي لَمْ أَفْهَمْهُ. ثُمَّ أَطْلَعَنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى نَصِّ الْمُؤَلِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَرَضَ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ - الْمَسْأَلَةَ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَضَهَا فِي عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ لَكَانَ لَهُ شَيْءٌ يُجْعَلُ فِي دَيْنِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ.
قَالَ: وَالْقَوْلُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ يَعْنِي عِنْدَ تَمَامِ اللَّخْمِيِّ لِأَنَّ عِشْرِينَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُهُ لَهَا إلَّا الْآنَ وَالْأَرْبَعُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. انْتَهَى نَصُّهُ رحمه الله. وَبِهَذَا الْقَدْرِ كُنْت اكْتَفَيْت لَوْ كُنْت اطَّلَعْت عَلَيْهِ وَغَرَّنِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مَا عَزَا هَذَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَخَّرَهُ وَمَا رَشَّحَهُ مَعَ سُقُوطِ لَفْظِ غَيْرٍ مِنْ نُسْخَتِي مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ. وَهُنَا أَيْضًا فَرْعٌ آخَرُ وَهُوَ مَنْ أَكْرَى دَارِهِ خَمْسَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَتَعَجَّلَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَ الدَّارِ. فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْآتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُزَكِّي مِنْ الْمِائَةِ قَدْرَ قِيمَةِ الدَّارِ وَلَا يُزَكِّي مِمَّا وَجَبَ لِلْعَامِ الْمَاضِي وَلَا مِمَّا يَسْكُنُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ السُّكْنَى. وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَكِّيَ مِنْ الْمِائَةِ قَدْرَ قِيمَةِ الدَّارِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا عِنْدَهُ فِي هَذَا. لِأَنَّ الدَّارَ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَمِلْكُهَا لَهُ قَائِمٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي مَا لَهُ قَدْرٌ فَيُزَكِّي قَدْرَ مَا يَنُوبُ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَلَّلَ عَلَيْهِ الْحَوْلَ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْهُ، ثُمَّ إذَا مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَهُ قَدْرٌ زَكَّى مَا يَنُوبُ ذَلِكَ كَذَا أَبَدًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْعَامُ الثَّانِي فَيُزَكِّي بِانْقِضَائِهِ مَا بَقِيَ مِنْ وَاجِبِ الْعَامِ الْأَوَّلِ.
(وَمَدِينُ مِائَةٍ لَهُ مِائَةٌ مَحْرَمِيَّةٌ وَمِائَةٌ رَجَبِيَّةٌ يُزَكِّي الْأُولَى) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ مِائَتَا دِينَارٍ حَوْلُ كُلِّ مِائَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنُ مِائَةٍ فَلْيَتْرُكْ، فَإِذَا حَلَّ حَوْلُ الْأُولَى جَعَلَ الثَّانِيَةَ فِي دَيْنِهِ وَزَكَّى الْأُولَى.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يُزَكِّي الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَذْهَبُ بِأَحَدِهِمَا لَا بُدَّ. وَفِي كِتَابٍ ابْنِ حَبِيبٍ: يُزَكِّي كُلَّ مِائَةٍ فِي حَوْلِهَا وَيَجْعَلُ دَيْنَهُ فِي الْأُخْرَى. ابْنُ يُونُسَ: تَأْوِيلُ أَبِي مُحَمَّدٍ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ إذَا زَكَّى الْأُولَى جَعَلَ الثَّانِيَةَ فِي دَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ قَضَاهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُزَكِّي هَذِهِ الَّتِي حَالَ حَوْلُهَا وَيَجْعَلُ دَيْنَهُ فِيهَا أَنْ يُزَكِّيَهَا وَيَجْعَلَ دَيْنَهُ فِي الْأُولَى الَّتِي زَكَّاهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ يَلْزَم مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ.
(وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَأَتْبَارِهِمَا. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْبَسًا مَوْقُوفًا لِلِانْتِفَاعِ بِغَلَّتِهِ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً لِمُعَيَّنِينَ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْقَفَ مِائَةَ دِينَارٍ لِتَسَلُّفِ النَّاسِ أَوْ جَعَلَ إبِلًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا وَعَلَى نَسْلِهَا فَفِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ.
اللَّخْمِيِّ: وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ تُحْبَسُ لِتَسَلُّفِ النَّاسِ فَإِنَّهَا لَا تُزَكَّى إذَا أُسْلِفَتْ وَصَارَتْ دَيْنًا حَتَّى تُقْبَضَ، فَإِنْ قُبِضَ مِنْهَا نِصَابٌ زُكِّيَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ، وَإِذَا كَانَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ زَكَّى عَنْهَا مَنْ هِيَ فِي ذِمَّتِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَا يُوَفِّي بِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِذَا قُبِضَتْ زُكِّيَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ لِعَامٍ وَاحِدٍ (كَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ أَوْ نَسْلِهِ عَلَى مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِهَا مُعَيَّنِينَ كَعَلَيْهِمْ) أَمَّا تَحْبِيسُ النَّبَاتِ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَعَلَيْهِمْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تُؤَدَّى الزَّكَاةُ عَلَى الْحَوَائِطِ الْمُحْبَسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ.
قَالَ سَحْنُونَ: الْمُعَيَّنُونَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ إذَا أَخْرَجَ مِنْ الْجَمِيعِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَوَجْهٌ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ الْحَوَائِطَ مِلْكَ انْتِفَاعٍ لَا مِلْكَ ابْتِيَاعٍ وَلَا مِيرَاثٍ وَأَجَّرَهَا جَارٍ عَلَى الْمُحْبِسِ فَكَأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: حَوَائِطُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ مِثْلَ الْمَسَاكِينِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ثَمَرَتَهَا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي ثَمَرَتِهَا إذَا بَلَغَتْ جُمْلَتُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ مُحْبَسَةً لِمُعَيَّنِينَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا أَيْضًا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَرَجَعَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَّا تَحْبِيسُ الْحَيَوَانِ أَوْ نَسْلِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ جَعَلَ إبِلًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْحَبْسُ إبِلًا أَوْ غَنَمًا يَنْتَفِعُ بِأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا زَكَّى جَمِيعَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ إذَا كَانَ فِي جَمِيعِهَا نُصَابُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مَجْهُولٍ أَوْ مُعَيَّنٍ (إنْ تَوَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ وَإِلَّا إنْ حَصَلَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ هَذَا.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْحَائِطُ حَبْسًا
عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَكَانُوا هُمْ يَسْقُونَ وَيَلُونَ فَيُزَكِّي مَنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَمَنْ كَانَ نَصِيبُهُ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُزَكِّ. فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ يَسْقِي وَيَلِي وَيُقَسِّمُ الثَّمَرَةَ زُكِّيَتْ إذَا كَانَ فِي جُمْلَتِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ قَالَ: وَإِنْ حَبَسَ أَرْبَعِينَ شَاةً عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ بِأَعْيَانِهَا زُكِّيَتْ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَى الْمَنَافِعَ وَالرِّقَابُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَهُوَ بِخِلَافِ حَبْسِ النَّخْلِ فَإِنَّ النَّخْلَ لَا زَكَاةَ فِي رِقَابِهَا وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ فِي الثِّمَارِ وَهِيَ الْمُعْطَى فَصَحَّ أَنْ تُزَكَّى عَلَى مِلْكِهِمْ، وَالْغَنَمُ غَيْرُ مُعْطَاةٍ فَزُكِّيَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مُحْبَسًا عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَسَاجِدَ وَكَانَ فِي جُمْلَتِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زُكِّيَتْ وَإِنْ لَمْ يَنُبْ كُلَّ مَسْجِدٍ إلَّا وَسْقٌ.
وَقَالَ طَاوُسٌ وَمَكْحُولٌ: لَا زَكَاةَ فِيمَا حُبِسَ عَلَى مَسْجِدٍ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ لِأَنَّ الْمَيِّتَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالزَّكَاةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: صَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْمُحْبِسِ عَلَى حَبْسِهِ وَهُوَ لَازِمٌ وَتَزْكِيَةُ حَوَائِطِ الْأَحْبَاسِ عَلَى مِلْكِ مُحْبِسِهَا.
(وَفِي إلْحَاقِ وَلَدٍ فُلَانٍ بِالْمُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ: الْمُعَيَّنُونَ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ.
فَكَانَ خَلِيلٌ فِي غِنًى عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَذَا