المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في أحكام الصيام] - التاج والإكليل لمختصر خليل - جـ ٣

[محمد بن يوسف المواق]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌حُكْم غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيل أَحَد الزَّوْجَيْنِ صَاحِبه]

- ‌[أَرْكَان صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الْكَفَن]

- ‌[كَيْفِيَّة غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[التَّعْزِيَةِ]

- ‌[صفة الْقَبْر]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌أَنْوَاع الزَّكَاة] [

- ‌زَكَاة النَّعَم]

- ‌[زَكَاة الْإِبِل]

- ‌[زَكَاة الْبَقَر]

- ‌[زَكَاة الْغَنَم]

- ‌[زَكَاةُ الْمُعَشَّرَاتِ]

- ‌[زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ]

- ‌‌‌[زَكَاةُ التِّجَارَةِوَالْفَوَائِدِ وَالدُّيُونِ]

- ‌[زَكَاةُ التِّجَارَةِ

- ‌[زَكَاةِ الْفَوَائِدِ]

- ‌[زَكَاةِ الدُّيُونِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن وَخُمُس الرِّكَاز]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ] [

- ‌بَيَانِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَكَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌بَاب فِي أَحْكَام الصِّيَام]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ وَصِحَّةِ فِعْلِهِ]

- ‌[مُبْطِلَاتُ الصِّيَامِ]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌مقدمات وَمَقَاصِد الْحَجّ] [

- ‌بَاب فِي وُجُوب أَدَاء النسكين]

- ‌[شَرَائِط الْحَجّ]

الفصل: ‌باب في أحكام الصيام]

[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

‌بَاب فِي أَحْكَام الصِّيَام]

ابْنُ شَاسٍ: يُنْظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ. أَمَّا الصَّوْمُ فَالنَّظَرُ فِي سَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ

ص: 275

وَسُنِّيَّتِهِ. وَأَمَّا الْفِطْرُ فَالنَّظَرُ فِي مُبِيحَاتِهِ وَمُوجِبَاتِهِ. (وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ) ابْنُ يُونُسَ: لِلْعِلْمِ

ص: 277

بِدُخُولِ رَمَضَانَ ثَلَاثُ طُرُقٍ وَهِيَ: الرُّؤْيَةُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُوصَلْ إلَى ذَلِكَ فَإِكْمَالُ عِدَّةِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

(أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَثْبُتُ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ فِي مِصْرٍ صَغِيرٍ مُطْلَقًا وَكَبِيرٍ فِي غَيْمٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَامُ وَلَا يُفْطَرُ وَلَا يُقَامُ الْمَوْسِمُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ، وَلَا شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا.

قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا صُمْت وَلَا أَفْطَرْت بِشَهَادَتِهِ. اللَّخْمِيِّ: مَنَعَ مَالِكٌ أَنْ يُصَامَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ لَا عَلَى وَجْهِ

ص: 279

الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى النَّدْبِ وَلَا عَلَى الْإِبَاحَةِ.

قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَثْبُتُ فِي الْبَدَنِ فَلَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَاحِدٌ أَصْلُهُ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ.

ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ لَغْوُ رُؤْيَةِ الْعَدْلِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ابْنُ حَارِثٍ: اتِّفَاقًا وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ قَبُولُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مُيَسَّرٍ وَالشَّيْخِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُرَدُّ بِالْمَشَقَّةِ انْتَهَى. فَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ مُيَسَّرٍ وَالشَّيْخِ مُوَافِقٌ لِلْمَشْهُورِ. وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا كَانَ النَّاسُ مَعَ إمَامٍ يُضَيِّعُ أَمْرَ الْهِلَالِ فَلَا يَدَعُوا ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

فَمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ صَامَ عَلَيْهِ وَأَفْطَرَ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ. اللَّخْمِيِّ: أَجَازَ فِي هَذَا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِصِدْقِ نَفْسِهِ، وَأَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثِقَةً عِنْدَهُ. فَإِذَا جَازَ أَنْ يَحْمِلَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ عَلَى الصَّوْمِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ عِنْدَ تَضْيِيعِ الْإِمَامِ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمَامِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ.

وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» . فَأَبَاحَ الْأَكْلَ بِقَوْلِ بِلَالٍ وَأَلْزَمَ الْإِمْسَاكَ بِقَوْلِ ابْنِ مَكْتُومٍ وَحْدِهِ، وَالْأَوَّلُ يُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي يُخْبِرُ عَمَّا يُخْبِرُ بِهِ غَيْرُهُ. وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْطَرَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُؤَذِّنُ فِي هَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّاسَ أَقَامُوهُ لِذَلِكَ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ. قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَجُوزَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْهِلَالِ إذَا أَقَامُوا وَاحِدًا لِالْتِمَاسِهِ لَهُمْ فَيَعْمَلُونَ عَلَى مَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ مِنْ هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالٍ.

رَاجِعْ اللَّخْمِيَّ وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا أَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصِّيَامِ إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ بِنَفْسِهِ كَذَلِكَ هُوَ مُخَاطَبٌ بِهِ إذَا أَخْبَرَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا قَدْ رَأَيَاهُ، وَهَذِهِ أَيْضًا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ. فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ فَلَا يَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إمَامٌ يَتَفَقَّدُ أَمْرَ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِشَهَادَتِهِ، وَهَذِهِ أَيْضًا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَائِلًا: لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا تَعَذَّرَتْ لِتَضْيِيعِ

ص: 280

الْإِمَامِ رَجَعَ إلَى إثْبَاتِهِ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ، وَكَمَا جَازَ قَبُولُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ بِالْفَجْرِ فِي طُلُوعٍ لِتَعَذُّرِ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْهِلَالِ دُونَ الْفَجْرِ أَنَّ الصِّيَامَ يَصِحُّ إيقَاعُ النِّيَّةِ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَا يَصِحُّ اعْتِقَادُ الصَّوْمِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِاسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا زَوَالُ الشَّمْسِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَا غُرُوبُ الشَّمْسِ لِلْفِطْرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُوقِنَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ بِغُرُوبِهَا. وَجْهٌ رَابِعٌ مِمَّا يُخَاطَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالصِّيَامِ إذَا أَخْبَرَهُ الْإِمَامُ أَنْ قَدْ ثَبَتَ رُؤْيَتُهُ عِنْدَهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا.

وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ عَنْ الْإِمَامِ بِذَلِكَ أَوْ عَنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ رُؤْيَةً عَامَّةً. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَلِكَ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِ كَذَا صَامُوا يَوْمَ كَذَا بِرُؤْيَةٍ عَامَّةٍ أَوْ بِثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ عِنْدَ قَاضِيهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَضَاءُ الْيَوْمِ.

قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: الْعَدْلُ إذَا أَخْبَرَ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ كَانُوا قَدْ بَعَثُوهُ لَزِمَهُمْ الْعَمَلُ عَلَى خَبَرِهِ وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْسِلُوهُ إلَى بَلَدٍ مُسْتَكْشِفًا فَيُخْبِرَهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ فِيهِ، أَوْ يُخْبِرَهُمْ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَقْلِ الْأَخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ نَقْلُ الرَّجُلِ إلَى أَهْلِهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ ضَعِيفٌ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا مَعْنَى عِنْدِي لِقَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ: " وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ دُونَ أَنْ يَبْعَثُوهُ أَوْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ " وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ عِنْدِي إذَا بَعَثَ الْإِمَامُ رَجُلًا إلَى أَهْلِ بَلَدٍ لِيُخْبِرَهُ إنْ كَانُوا رَأَوْا الْهِلَالَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَلِيَأْمُرْ الْإِمَامُ النَّاسَ بِالصِّيَامِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الصِّيَامُ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ آخَرُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ انْتَهَى.

اُنْظُرْ هَلْ يَلْزَمُ هَذَا الْمُخْبِرَ أَنْ يُخْبِرَ كُلَّ النَّاسِ إذْ الْإِمَامُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ بِخَبَرِهِ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ.

(وَلَوْ بِصَحْوٍ بِمِصْرٍ) اللَّخْمِيِّ: يَصِحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فِي الْغَيْمِ وَإِنْ عَظُمَ الْمِصْرُ وَفِي الصَّحْوِ فِي الْمِصْرِ الصَّغِيرِ. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الصَّحْوُ وَالْمِصْرُ كَبِيرًا، وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الْجَوَازُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.

(فَإِنْ لَمْ يُرَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ صَحْوًا كُذِّبَا) قَالَ مَالِكٌ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا فِي هِلَالِ شَعْبَانَ فَعُدَّ لِذَلِكَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ لَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ إحْدَى

ص: 282

وَثَلَاثِينَ وَالسَّمَاءُ صَاحِيَةٌ قَالَ مَالِكٌ: هَذَانِ شَاهِدَا سَوْءٍ.

(أَوْ مُسْتَفِيضَةً) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: قَدْ يَأْتِي مِنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَا يَشْتَهِرُ حَتَّى لَا يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى الشَّهَادَةِ وَالتَّعْدِيلِ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ كَبِيرَةً فَيَرَاهُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ فِيهِمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَلْزَمُ النَّاسَ الصَّوْمُ مِنْ بَابِ

ص: 283

اسْتِفَاضَةِ الْأَخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ.

(وَعَمَّ إنْ نُقِلَ بِهِمَا عَنْهُمَا لَا بِمُنْفَرِدٍ إلَّا كَأَهْلِهِ وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ

ص: 284

بِأَمْرِهِ) قَدْ لَخَّصْت مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنِ عَرَفَةَ مَا أَتَحَمَّلُ عُهْدَتَهُ إنْ أَفْتَيْت فَانْظُرْ أَنْتَ هَلْ يَتَنَزَّلُ كَلَامُهُ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ؟

(وَعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ رَفْعُ رُؤْيَتِهِ وَالْمُخْتَارُ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ أَفْطَرُوا فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ فَتَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ

ص: 288

وَحْدَهُ فَلْيُعْلِمْ الْإِمَامَ لَعَلَّ غَيْرَهُ رَآهُ مَعَهُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَلَزِمَهُ الصَّوْمُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ أَفْطَرَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَأَوِّلًا انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَذَكَرَ اللَّخْمِيِّ قَوْلَ أَشْهَبَ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَعْزُهُ.

وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ رَفْعُهُ. اللَّخْمِيِّ: الْقَوْلُ الْآخَرُ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ مِنْهُمْ مَا يَقَعُ بِقَوْلِهِمْ الْعِلْمُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى ظُهُورِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقِفُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ خَوْفَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى انْفِرَادِهِ انْتَهَى وَهَذَا كَمَا نَصُّوا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ بِرَأْسِهِ لَا يُسْقِطُهُ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْمُنْكِرِ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ إنْكَارَ الْقَلْبِ فَرْضٌ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ.

(لَا بِمُنَجِّمٍ) ابْنُ يُونُسَ: لَا يُنْظَرُ فِي الْهِلَالِ إلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى

ص: 289

الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ أَوْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ.

(وَلَا يُفْطِرُ مُنْفَرِدٌ بِشَوَّالٍ وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ إلَّا بِمُبِيحٍ) قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَلَا يُفْطِرُ.

قَالَ أَشْهَبُ: وَلْيَنْوِ الْفِطْرَ بِقَلْبِهِ وَيَكُفَّ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْأَكْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ شَيْءٌ لَكِنْ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ التَّغْرِيرِ بِنَفْسِهِ فِي هَتْكِ عِرْضِهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ فِي سَفَرٍ فِي

ص: 292

مَفَازٍ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ. اللَّخْمِيِّ: لَا يُمْنَعُ بِسَفَرٍ مُطْلَقًا.

(وَفِي تَلْفِيقِ شَاهِدِ أَوَّلِهِ لِآخَرَ آخِرَهُ، وَلُزُومِهِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ تَرَدُّدٌ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَقَالَ يَحْيَى: لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ وَآخَرُ عَلَى شَوَّالٍ لَمْ يُفْطَرْ بِشَهَادَتِهِمَا. انْتَهَى نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَأَمَّا ابْنُ رُشْدٍ فَنَقَلَ هَذَا ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى ذَلِكَ إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ أَنَّهُ رَآهُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ عَلَى هِلَالِ شَعْبَانَ إذْ لَيْسَ فِي شَهَادَةِ الثَّانِي تَصْدِيقٌ لِلشَّاهِدِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا لَوْ رَآهُ الشَّاهِدُ الثَّانِي بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ لَوَجَبَ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الشَّاهِدَ الثَّانِيَ يُصَدِّقُ الشَّاهِدَ الْأَوَّلَ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصْدُقَ الشَّاهِدُ الثَّانِي إلَّا وَالْأَوَّلُ صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ، يُرِيدُ فَيُصَامُ لِتَمَامٍ مِنْ رُؤْيَتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِبَيِّنٍ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّهُمَا جَمِيعًا يَتَخَرَّجَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مُتَّفِقَانِ عَلَى إيجَابِ الصِّيَامِ لِتَمَامٍ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ إذْ قَدْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي شَهَادَتِهِمَا وَاتَّفَقَا فِيمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ وَالْمَشْهُورُ أَنْ لَا تَجُوزَ.

وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ شَهِدَ الْأَوَّلُ

ص: 294

أَنَّهُ رَآهُ لَيْلَةَ الْأَحَدِ وَكَانَ الْغَيْمُ، فَإِنْ شَهِدَ الثَّانِي أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ الشَّهْرِ بَعْدَهُ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لُفِّقَتْ، وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ رَأَى لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لَمْ تُلَفَّقْ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا رَابِعُ الْأَقْوَالِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ لُزُومِ الصِّيَامِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ: لَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ بِالْوَاحِدِ لَمْ يُخَالَفْ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ فَتْوَى لَا حُكْمٌ. وَلَوْ كَانَ إمَامٌ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ بِهِ الْهِلَالَ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ.

(وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا لِلْقَابِلَةِ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا رَأَى الْهِلَالَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ لِغَدِهِ رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ، ابْنُ بَشِيرٍ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ (وَإِنْ ثَبَتَ نَهَارًا أَمْسَكَ وَإِلَّا كَفَّرَ إنْ انْتَهَكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ

ص: 296

مَالِكٌ: إنْ أَصْبَحَ يَنْوِي الْفِطْرَ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَهُ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ بَعْدَمَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيَكُفَّ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، ثُمَّ إنْ أَكَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهُ مُنْتَهِكًا لِحُرْمَتِهِ عَالِمًا بِمَا عَلَى مُتَعَمِّدِ الْفِطْرِ فِيهِ فَلْيُكَفِّرْ.

(وَإِنْ غَيَّمَتْ وَلَمْ يُرَ فَصَبِيحَتُهُ يَوْمَ الشَّكِّ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا الْتَمَسَ النَّاسُ الْهِلَالَ وَلَمْ يَرَوْهُ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ فَلَا شَكَّ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً فَالشَّكُّ حَاصِلٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّتَ الْإِمْسَاكُ لِيَسْتَبْرِئَ مَا يَأْتِي بِهِ النَّهَارُ مِنْ أَخْبَارِ السِّفَارِ، فَإِنْ ثَبَتَ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ عُوِّلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ثَبَتَ إثْبَاتُهَا اُسْتُدِيمَ الْإِمْسَاكُ.

(وَصِيمَ عَادَةً وَتَطَوُّعًا

ص: 297

وَقَضَاءً وَلِنَذْرٍ صَادَفَ لَا احْتِيَاطًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ الْيَوْمَ الَّذِي مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يُرِيدُ احْتِيَاطًا وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا.

قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَمَنْ صَامَهُ حَوْطَةً ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلْيُفْطِرْ مَتَى أَفَاقَ لِذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُصَامُ تَطَوُّعًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ فَلْيَصُمْهُ» . وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ صَامَهُ حَوْطَةً أَوْ تَطَوُّعًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَقْضِهِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.

وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ مَنْ نَذَرَهُ أَوْ مَنْ اسْتَدَامَ

ص: 298

الصَّوْمَ وَقَضَاهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ صَامَهُ قَضَاءً فَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَفِي إجْزَائِهِ خِلَافٌ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ " ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَى صَوْمِهِ نَذْرًا مُوَافَقَتُهُ أَيَّامًا نَذَرَهَا، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمَ الشَّكِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَكٌّ سَقَطَ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَوْنُهُ مَعْصِيَةً يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ كَرَاهَةِ صَوْمِهِ. (وَنُدِبَ إمْسَاكُهُ لَيُتَحَقَّقَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّتَ الْإِمْسَاكُ.

(لَا لِتَزْكِيَةِ

ص: 299

شَاهِدَيْنِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي الْهِلَالِ فَاحْتَاجَ الْقَاضِي أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمَا وَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ فَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِنْ زُكُّوا بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي الْفِطْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيمَا صَامُوا.

(أَوْ زَوَالِ عُذْرٍ مُبَاحٍ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، فَإِنْ كَانَ عُذْرًا يُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ كَالْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ، وَإِنْ كَانَ عُذْرًا إنَّمَا سَاغَ لَهُ الْفِطْرُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ أَكَلَ سَهْوًا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ، فَإِنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ مُوجِبٌ لِلْإِمْسَاكِ كَمُضْطَرٍّ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ مِنْ عَطَشٍ شَدِيدٍ أَوْ مَرَضٍ ثُمَّ تَلَذَّذَ فَأَصَابَ أَهْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَافُ عَلَيْهِ.

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ بَدَأَ بِإِصَابَةِ

ص: 300

أَهْلِهِ كَفَّرَ، وَإِنْ بَدَأَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لَمْ يُكَفِّرْ وَإِنْ أَصَابَ أَهْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ.

وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ اضْطَرَّهُ ظَمَأٌ فَشَرِبَ فَالْأَقْيَسُ قَوْلُ سَحْنُونٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَطَأَ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِوَجْهٍ مُبَاحٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَعَطِّشِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُوَافِي صِيَامَهُ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ فِي نَهَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ وَيَأْكُلَ وَيُصِيبَ أَهْلَهُ.

وَلَوْ كَانَ بِرَجُلٍ مَرَضٌ يَحْتَاجُ مِنْ الدَّوَاءِ فِي نَهَارِهِ إلَى الشَّيْءِ الْيَسِيرِ يَشْرَبُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالصِّيَامِ وَلَا بِالْكَفِّ عَمَّا سِوَى مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: رُوِيَ دَوَاءٌ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُفْطِرُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَرُدُّ رَمَقَهُ وَيُمْسِكُ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَنَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُعَالَجُ مِنْ صَنْعَتِهِ فَيَعْطَشُ فَيُفْطِرُ فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّفُوا مِنْ عِلَاجِ الصَّنْعَةِ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا شَدَّدَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ فِي كِفَايَةٍ مِنْ عَيْشِهِ أَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ مِنْ التَّسَبُّبِ مَا لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى الْفِطْرِ وَإِلَّا كُرِهَ لَهُ بِخِلَافِ رَبِّ الزَّرْعِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ.

وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: الْفَتْوَى عِنْدَنَا أَنَّ الْحَصَادَ الْمُحْتَاجَ لَهُ الْحَصَادُ

ص: 301

وَإِنْ أَدَّى إلَى الْفِطْرِ وَالْإِكْرَاهِ لَهُ بِخِلَافِ رَبِّ الزَّرْعِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِحِرَاسَةِ مَالِهِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ.

(فَلِقَادِمٍ وَطْءُ زَوْجَةٍ طَهُرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ عَلِمَ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلْيُصْبِحْ صَائِمًا، وَإِنْ أَصْبَحَ يَنْوِي الْإِفْطَارَ ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَنَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَيَطَأَ امْرَأَتَهُ إنْ وَجَدَهَا قَدْ طَهُرَتْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فَإِنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَهِيَ طَاهِرٌ فِي يَوْمِهَا فَلَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ فِيمَا تَرَكَتْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالصَّوْمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ.

(وَكَفُّ لِسَانٍ) الرِّسَالَةُ: يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ

ص: 302

أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ.

(وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ) الرِّسَالَةُ: مِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ. ابْنُ يُونُسَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَسَحَّرُ وَيَقُومُ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ. قَالَ أَنَسٌ: كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» .

أَشْهَبُ: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْمَسْحُورِ مَا لَمْ يَدْخُلْ إلَى الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ. الْقَبَّابُ: رَوَى ابْنُ نَافِعٍ

ص: 304

عَنْ مَالِكٍ: إذَا غَشِيَتْهُمْ الظُّلْمَةُ فَلَا يُفْطِرُوا حَتَّى يُوقِنُوا بِالْمَغْرِبِ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْفِطْرِ اسْتِنَانًا وَتَدَيُّنًا فَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا كَذَا قَالَ لِي أَصْحَابُ مَالِكٍ.

(وَصَوْمٌ بِسَفَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَحَبُّ إلَيَّ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَكُلٌّ وَاسِعٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا فِي الْجِهَادِ فَإِنَّ الْفِطْرَ فِي سَفَرِهِ أَفْضَلُ لِيَتَقَوَّى كَمَا فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَفْضَلُ لِلْحَاجِّ (وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْغَايَةَ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَقُولُ: النَّدْبُ مُسْتَصْحَبٌ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ أَوَّلَ النَّهَارِ إذْ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الصَّوْمَ حِينَئِذٍ

ص: 310

وَاجِبٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَحُجَّ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) . ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي صِيَامِ الْعَشْرِ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْ الْعَشْرِ كَصِيَامِ شَهْرَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ وَصِيَامَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَسَنَةٍ وَصِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَسَنَتَيْنِ. أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ: وَفِطْرُهُ أَفْضَلُ لِلْحَاجِّ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ.

ص: 311

(وَعَاشُورَاءَ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: فَصْلٌ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَرُغِّبَ فِيهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، وَفِيهِ تُكْسَى الْكَعْبَةُ كُلَّ عَامٍ وَقَدْ خُصَّ بِشَيْءٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ صَوْمَهُ وَحَتَّى أَصْبَحَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَصُومَهُ أَوْ بَاقِيهِ إنْ أَكَلَ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَجَاءَ التَّرْغِيبُ فِي النَّفَقَةِ فِيهِ عَلَى الْعِيَالِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ» وَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يَتَحَرَّوْنَ ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا النَّفَقَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَالتَّوْسِعَةُ فَمَخْلُوقَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَأَنَّهُ يُخْلِفُ اللَّهُ بِالدِّرْهَمِ عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ وَرَأَيْت لِابْنِ حَبِيبٍ:

لَا تَنْسَ لَا يَنْسَك الرَّحْمَنُ عَاشُورًا

وَاذْكُرْهُ لَا زِلْت فِي الْأَحْيَاءِ مَذْكُورًا

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَشْمَلُهُ قَوْلًا

وَجَدْنَا عَلَيْهِ الْحَقَّ وَالنُّورَا

أَوْسِعْ بِمَالِك فِي الْعَاشُورِ إنَّ لَهُ

فَضْلًا وَجَدْنَاهُ فِي الْآثَارِ مَأْثُورًا

مَنْ بَاتَ فِي لَيْلَةِ الْعَاشُورِ ذَا سَعَةٍ

يَكُنْ بِعِيشَتِهِ فِي الْحَوْلِ مَسْرُورًا

وَأَنْشَدَنِي شَيْخِي الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَنْثُورِيُّ جَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَحْمَتَهُ قَالَ: أَنْشَدَنِي الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرُ بْنُ جُزَيٍّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ: أَنْشَدَنِي الْخَطِيبُ أَبُو عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ: أَنْشَدَنِي الْخَطِيبُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ رَشِيدٍ لِنَفْسِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَذَكَرَ أَنَّ نَظْمَهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ:

صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَتَى فَضْلُهُ

فِي سُنَّةٍ مُحْكَمَةٍ قَاضِيَهْ

قَالَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى إنَّهُ

تَكْفِيرُ ذَنْبِ السَّنَةِ الْمَاضِيَهْ

وَمَنْ يُوَسِّعْ يَوْمَهُ لَمْ يَزَلْ

فِي عَامِهِ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَهْ

ص: 313

(وَتَاسُوعَاءَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ. ابْنُ شَاسٍ: وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ

ص: 317

تَاسُوعَاءَ. ابْنُ يُونُسَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُوَالِي صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ خَوْفًا أَنْ يَفُوتَهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَكَانَ يَصُومُهُ فِي السَّفَرِ وَنَقَلَهُ فِي الشِّهَابِ.

(وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ وَشَعْبَانَ) لَوْ قَالَ وَالْمُحَرَّمِ وَشَعْبَانَ لَوَافَقَ الْمَنْصُوصَ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: خَصَّ اللَّهُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَفَضَلَهَا وَهِيَ: الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ.

قَالَ: وَقَدْ رَغَّبَ فِي صِيَامِ شَعْبَانَ وَقِيلَ: فِيهِ تَرَفُّعُ الْأَعْمَالِ. وَرَغَّبَ فِي صِيَامِ يَوْمِ نِصْفِهِ وَقِيَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قِيلَ: وَرَغَّبَ أَيْضًا فِي صِيَامِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ فِيهِ بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَيَوْمِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ أُنْزِلَتْ الْكَعْبَةُ وَمَعَهَا

ص: 319

الرَّحْمَةُ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.

(وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِمَنْ أَسْلَمَ) أَشْهَبُ: مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلْيَصُمَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَشْرَبَ وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ خِلَافَ هَذَا. الْبَاجِيُّ: وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَاجِيُّ: وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ - أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ. (وَقَضَاؤُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى

ص: 327

وَلْيَصُمْ بَاقِيَهُ وَاسْتُحِبَّ لَهُ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ.

(وَتَعْجِيلُ الْقَضَاءِ وَمُتَابَعَتُهُ) اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا عَقِبَ صِحَّتِهِ أَوْ قُدُومِهِ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى امْتِثَالِ الطَّاعَاتِ أَوْلَى مِنْ التَّرَاخِي عَنْهَا، وَإِبْرَاءُ الذِّمَّةِ مِنْ الْفَرَائِضِ أَوْلَى، وَلْيَخْرُجْ عَنْ الْخِلَافِ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَلِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْقَضَاءُ مُتَتَابِعًا (كَكُلِّ صَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْ تَتَابُعُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ صِيَامِ الشُّهُورِ فَمُتَتَابِعٌ وَأَمَّا الْأَيَّامُ فَمِثْلُ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَصِيَامِ الْجَزَاءِ وَالْمُتْعَةِ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، فَالْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُتَابِعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ فَرَّقَهُ أَجْزَأَهُ.

(وَبَدَأَ بِكَصَوْمِ تَمَتُّعٍ إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ هَدْيٍ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ فَلْيَبْدَأْ بِصَوْمِ الْهَدْيِ إنْ لَمْ يُرْهِقْهُ رَمَضَانَ الثَّانِيَ فَلْيَقْضِ رَمَضَانَ ثُمَّ يَقْضِي صِيَامَ الْهَدْيِ بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِصَوْمِ الْهَدْيِ لِيَصِلَ صَوْمَهُ بِمَا كَانَ صَامَ فِي الْحَجِّ وَإِنَّ لَهُ تَأْخِيرَ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى شَعْبَانَ، وَإِنْ لَمْ يَصُمْ لِلْهَدْيِ وَلَا لِلْقَضَاءِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ الثَّانِي فَصَامَهُ فَلْيَبْدَأْ بَعْدَهُ بِصَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا، وَصَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ آكَدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِهِ.

(وَفِدْيَةُ هَرَمٍ أَوْ عَطَشٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ مَعَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَا يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ أَوْ كَانَ فِي زَمَنٍ لَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيهِ لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ كَانَ فِي شِدَّةِ حَرٍّ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَقَوِيَ عَلَى الصَّوْمِ أَفْطَرَ وَقَضَى إذَا صَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ بَلَغَ بِهِ الْكِبَرَ إلَى الْعَجْزِ جُمْلَةً أَفْطَرَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ إطْعَامٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْمُتَعَطِّشُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُوَفِّيَ بِالصَّوْمِ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ لِحَاجَتِهِ لِلشُّرْبِ لِعِلَّةٍ بِهِ أَفْطَرَ، فَإِنْ ذَهَبَتْ عَنْهُ تِلْكَ الْعِلَّةُ قَضَى وَإِلَّا فَلَا

ص: 328

شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّخْمِيِّ غَيْرَ هَذَا. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِمَ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ وَاسْتَحَبَّهُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ضَعْفُ بُنْيَةِ الصَّحِيحِ وَشَيْخُوخَتِهِ كَالْمَرِيضِ.

(وَصَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَكُرِهَ كَوْنُهَا الْبِيضَ) . اللَّخْمِيِّ: رَغَّبَ فِي صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا صُمْت مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ» ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَيَّامُ الْبِيضُ: الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَالِيَاهُ. وَرَوَى الشَّيْخُ كَرَاهَةَ تَعَوُّدِ صَوْمِهَا وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صَوْمَهَا لِسُرْعَةِ أَخْذِ النَّاسِ بِقَوْلِهِ فَيَظُنُّ الْجَاهِلُ وُجُوبَهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَصُومُهَا وَحَضَّ مَالِكٌ أَيْضًا الرَّشِيدَ عَلَى صِيَامِهَا.

(كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) مُطَرِّفٌ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِذِي الْجَهْلِ لَا مَنْ رَغِبَ فِي صِيَامِهَا لِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ. الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ

ص: 329

الشُّيُوخِ: لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا وَمَالَ اللَّخْمِيِّ لِاسْتِحْبَابِ صَوْمِهَا.

(وَذَوْقُ مِلْحٍ وَعِلْكٍ ثُمَّ يَمُجُّهُ

ص: 330

وَمُدَاوَاةُ حَفْرٍ زَمَنَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ لِلصَّائِمِ ذَوْقَ الْعَسَلِ وَالْمِلْحِ وَشَبَهِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهُ، وَكَرِهَ مَضْغَ الْعِلْكِ أَوْ مَضْغَ الطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ أَوْ يُدَاوِي الْحَفْرَ فِي فِيهِ وَيَمُجُّ الدَّوَاءَ، وَكَرِهَ لِلَّذِي يَعْمَلُ أَوْتَارَ الْعَقَبِ أَنْ يَمُرَّ ذَلِكَ فِي فِيهِ يَمْضُغُهُ أَوْ يَلْمِسُهُ بِفِيهِ. الْبَاجِيُّ: فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَمَجَّهُ فَقَدْ سَلِمَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَخَلَ جَوْفَهُ شَيْءٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَهُ مَالِكٌ. الْبُرْزُلِيِّ: وَغَزْلُ الْمَرْأَةِ الْكَتَّانَ الْمِصْرِيَّ جَائِزٌ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الدِّمْنِي فَيَسُوغُ لَهَا ذَلِكَ إنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً وَإِلَّا فَيُكْرَهُ.

(إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ) . أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ بِمُدَاوَاةِ الْحَفْرِ نَهَارًا إنْ كَانَ فِي صَبْرِهِ لِلَّيْلِ ضَرَرٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَقْضِي لِأَنَّ الدَّوَاءَ يَصِيرُ إلَى حَلْقِهِ. الْبَاجِيُّ: الَّذِي عِنْدِي إنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَنَذْرُ يَوْمٍ مُكَرَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ خَمِيسٍ يَأْتِي لَزِمَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ خَمِيسًا مُتَعَمِّدًا قَضَاهُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ

ص: 331

يَنْذُرَ صَوْمَ يَوْمٍ يُوَقِّتُهُ. الْبَاجِيُّ: وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ جَائِزٌ إجْمَاعًا.

(وَمُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ وَفِكْرٍ إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ وَإِلَّا حَرُمَتْ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: شَدَّدَ مَالِكٌ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ.

قَالَ أَشْهَبُ: وَلَمْسُ الْيَدِ أَيْسَرُ مِنْهَا، وَالْقُبْلَةُ أَيْسَرُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْمُبَاشَرَةُ أَيْسَرُ مِنْ الْعَبَثِ بِالْفَرْجِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ، وَتَرْكُ ذَلِكَ كُلُّهُ أَحَبُّ إلَيْنَا. وَمَالِكٌ يُشَدِّدُ فِي الْقُبْلَةِ فِي الْفَرِيضَةِ مَا لَا يُشَدِّدُ فِيهَا فِي التَّطَوُّعِ وَلَا يَقْضِي قُبْلَةً وَلَا جِسَةً وَإِنْ أَنْعَظَ حَتَّى يُمْذِيَ.

وَكَانَ الْأَفَاضِلُ يَتَجَنَّبُونَ مَنَازِلَهُمْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَاحْتِيَاطًا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ. اللَّخْمِيِّ: الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالْمُلَامَسَةُ غَيْرُ مُحَرَّمَاتٍ فِي أَنْفُسِهِنَّ وَأَمْرُهُنَّ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمُ بِمَا يَكُونُ عَنْهَا. فَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَنْهُ إنْزَالٌ وَلَا مَذْيٌ كَانَ مُبَاحًا، وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْزَالِ أَوْ يَسْلَمُ مَرَّةً وَلَا يَسْلَمُ أُخْرَى كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ قُبْلَةً وَاحِدَةً فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْإِمْذَاءِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَفْسَدَ بِهِ الصَّوْمَ كَانَ الْإِمْسَاكُ عَنْ مُسَبَّبِهِ وَاجِبًا، وَمَنْ لَمْ يَفْسُدْ بِهِ كَانَ الْإِمْسَاكُ مُسْتَحَبًّا، وَالْقَوْلُ إنَّ الْمَذْيَ لَا يُفْسِدُ أَحْسَنُ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْقُرْآنُ بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى، وَلَوْ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِمَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى لَفَسَدَ الصَّوْمُ بِمُجَرَّدِ الْقُبْلَةِ

ص: 332

وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْذِ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي عَمْدِهِ كَفَّارَةٌ وَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ إذَا كَانَ الصِّيَامُ ظِهَارًا أَوْ قَتْلَ نَفْسٍ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي «تَقْبِيلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ وَهُوَ صَائِمٌ» : إنَّ مَنْ أَمِنَ فَلَهُ ذَلِكَ وَمَنْ خَافَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يُخْفِهِ عَلَيْهَا نَبِيُّهَا فَقَدْ بَاءَ مِنْ التَّعَسُّفِ بِمَا لَا يَخْفَى، وَلَمَّا كَانَ التَّأَسِّي بِهِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ اسْتَحَالَ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ خُصُوصًا لَهُ وَيَسْكُتَ عَلَيْهِ (وَحِجَامَةُ مَرِيضٍ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ مِنْ مَوْضِعٍ خِيفَةَ التَّغْرِيرِ فَإِنْ احْتَجَمَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

الْبَاجِيُّ: فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ بِضَعْفٍ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَةَ نَفْسِهِ كُرِهَتْ لَهُ الْحِجَامَةُ، فَإِنْ احْتَجَمَ فَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ فَقَدْ أَوْقَعَ الْمَحْظُورَ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ كَفَّارَةٍ، وَإِنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ عَلَى ذَلِكَ فَالْحِجَامَةُ مُبَاحَةٌ لَهُ.

(وَتَطَوُّعٌ قَبْلَ نَذْرٍ) فِي الْمُوَطَّأِ: سُئِلَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَالَ: لِيَبْدَأْ بِالنَّذْرِ. الْبَاجِيُّ: النَّذْرُ هُوَ مَا يَنْذُرُهُ الْإِنْسَانُ وَيُلْزِمُهُ نَفْسَهُ بِالْقَوْلِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ، وَالتَّطَوُّعُ مَا لَا يَلْزَمُهُ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ اخْتِيَارًا فَيَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ إتْمَامُهُ. فَمِنْ النَّظَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا لَزِمَهُ يَبْدَأُ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَطَوَّعُ، فَإِنْ قَدَّمَ التَّطَوُّعَ صَحَّ صَوْمُهُ لِلتَّطَوُّعِ وَبَقِيَ النَّذْرُ فِي ذِمَّتِهِ. هَذَا إنْ كَانَ النَّذْرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَصَامَهُ تَطَوُّعًا أَثِمَ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ نَذْرِهِ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّذْرِ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ (أَوْ قَضَاءٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَعَسَى بِهِ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ ذَلِكَ كَرَاهِيَةً خَفِيفَةً فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِنْدَهُ أَنْ يَصُومَ فِي قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ انْتَهَى.

وَيُرَشِّحُ هَذَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ فَمَنْ كَانَ صَائِمًا لِفَرْضِهِ صَحَّ اعْتِكَافُهُ، وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا مَرِضَ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا فَمَنْ مَنَعَهُ مِنْ صِيَامِ عَاشُورَاءَ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ كَانَ كَمَنْ صَامَهُ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا اشْتَغَلَ بِصَوْمِ فَرْضِهِ، وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:«مَا تَقَرَّبَ عَبْدِي إلَيَّ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْت عَلَيْهِ» اُنْظُرْ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَرْبَابِ التَّصَوُّفِ عِنْدَهُمْ تَقْدِيمُ الْمُهِمِّ عَلَى الْأَهَمِّ حَظُّ نَفْسٍ وَرُؤْيَةٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ قَالُوا: كُلُّ عَمَلٍ اتَّصَلَتْ بِهِ رُؤْيَتُك فَلَا تَحْتَسِبْهُ. وَرَشَّحَ ابْنُ رُشْدٍ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَطَوُّعًا أَحْسَنُ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ

ص: 333

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» . وَانْظُرْ أَيْضًا مَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ الْفَارِطِ وَأَيَّامٍ أُخَرَ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَهُ بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ.

قَالَ أَشْهَبُ: يَبْدَأُ بِقَضَاءِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَيُجْزِئُهُ الْعَكْسُ.

(وَمَنْ لَا يُمْكِنُهُ رُؤْيَةٌ وَلَا غَيْرُهَا كَأَسِيرٍ كَمَّلَ الشُّهُورَ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا شَكَّ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا كَانَ مُطْلَقًا أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ فِي مَهْوَاةٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى الرُّؤْيَةِ بَنَى عَلَى الْعَدَدِ فَأَكْمَلَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا (وَإِنْ الْتَبَسَتْ وَظَنَّ شَهْرًا صَامَهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ اجْتَهَدَ وَبَنَى

ص: 334

عَلَى ظَنِّهِ (وَإِلَّا تَحَرَّى) ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَشْهَبُ: إنْ أَشْكَلَ رَمَضَانُ عَلَى أَسِيرٍ أَوْ تَاجِرٍ بِبَلَدٍ حُرٍّ تَحَرَّاهُ.

اللَّخْمِيِّ: صَامَ أَيَّ شَهْرٍ أَحَبَّ (وَأَجْزَأَ مَا بَعْدَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ الْتَبَسَتْ الشُّهُورُ عَلَى أَسِرْ أَوْ تَاجِرٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَصَامَ شَهْرًا يَنْوِي بِهِ رَمَضَانَ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَصَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ يُجْزِئُهُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَنَّهُ صَامَ قَبْلَهُ قَالَهُ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ إذْ لَا يَزُولُ فَرْضٌ بِغَيْرِ يَقِينٍ.

ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَهُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَهُوَ قَدْ اجْتَهَدَ وَصَامَ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَنْكَشِفَ خِلَافُهُ. أَصْلُهُ مَنْ اجْتَهَدَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَصَلَّى فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ. (بِالْعَدَدِ) مِنْ النُّكَتِ مِنْ كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا صَامَ شَوَّالًا فَلْيَقْضِ يَوْمَ الْفِطْرِ إنْ كَانَ رَمَضَانُ الَّذِي أَفْطَرَهُ مِثْلَ عَدَدِ شَوَّالٍ الَّذِي صَامَهُ مِنْ الْأَيَّامِ، وَإِنْ كَانَ شَوَّالٌ الَّذِي صَامَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَرَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ قَدْ صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا عِدَّةُ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ. (لَا قَبْلَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ (أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلَ قَوْلِهِ بِالْعَدَدِ (وَفِي مُصَادَفَتِهِ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا صَامَ عَلَى التَّحَرِّي ثُمَّ خَرَجَ وَعَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَهُ بِتَحَرِّيهِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُجْزِئُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ.

ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمْ أَجِدْ

ص: 335

مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَخْذُهُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى بَعِيدٌ، وَمَا ذَكَرَ اللَّخْمِيِّ إلَّا الْإِجْزَاءَ خَاصَّةً وَسَاقَهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَعْزُهُ. (وَصِحَّتُهُ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ كُلِّ صَوْمٍ نِيَّتُهُ لَيْلًا لَا بِشَرْطِ تُلُوِّهَا الْفَجْرَ وَالْمَشْهُورُ عَاشُورَاءُ كَغَيْرِهِ انْتَهَى.

وَقَدْ تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ فِي عَاشُورَاءَ خِلَافُ هَذَا وَمَا ذَكَرَ غَيْرَهُ.

(أَوْ مَعَ الْفَجْرِ) قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ إلَّا بِنِيَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ إيقَاعَ النِّيَّةِ مَعَ الْفَجْرِ مِمَّا يُجْزِئُ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ ابْنُ رُشْدٍ اللَّخْمِيَّ فِي هَذَا وَهُوَ مَرْدُودٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَكَأَكْلِهِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ "، وَانْظُرْ هَلْ يَكُونُ هَذَا كَقَوْلِهِمْ إذَا اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَعِيدٌ كَقَوْلِهِمْ إذَا بَلَغَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ، قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله: احْتَجْت هَذَا الْفَرْعَ لِمَسْأَلَةِ ابْنِ الْأُسْتَاذِ لَا بُدَّ أَنْ يَلْفِظَ بِالشَّهَادَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي إحْيَائِهِ. لَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ أَنْ يُقَدِّرَ وَقْتًا مُعَيَّنًا عَلَى التَّحْقِيقِ يَشْرَبُ فِيهِ مُتَسَحِّرًا وَيَقُومُ عَقِبَهُ لِيُصَلِّيَ

ص: 336

الصُّبْحَ فَلَيْسَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ الْبَشَرِ.

(وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ) اللَّخْمِيِّ: أَمَّا مَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ كَرَمَضَانَ وَشَهْرَيْ الظِّهَارِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَمَنْ نَذَرَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَمَنْ نَذَرَ مُتَابَعَةَ مَا لَيْسَ بِعَيْنِهِ فَالنِّيَّةُ فِي أَوَّلِهِ لِجَمِيعِهِ تُجْزِئُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الصِّيَامِ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ فِي السَّفَرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فَالْأَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ إذَا نَوَى مُتَابَعَةَ ذَلِكَ أَنْ تُجْزِئَهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ يَكُونُ حُكْمُهَا بَاقِيًا وَإِنْ زَالَ عَيْنُهَا مَا لَمْ يَقْطَعْهَا بِنِيَّةِ الْفِطْرِ عَامِدًا، وَأَمَّا مَا لَمْ يَنْوِ مُتَابَعَتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ تَجْدِيدَ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُجْزِئُ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ إلَّا بِتَبْيِيتِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، ابْنُ يُونُسَ: لِجَوَازِ الْفِطْرِ لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْجَهْمِ وَاَلَّذِي يَقْضِي رَمَضَانَ عَلَيْهِ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ اُنْظُرْ. ابْنَ يُونُسَ: فَإِنَّهُ رَشَّحَ هَذَا بِنَقْلِ نَحْوِهِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (لَا مَسْرُودٍ وَيَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَرُوِيَتْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِيهِمَا) ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَكِتَابُ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ شَأْنُهُ سَرْدُ الصِّيَامِ أَوْ شَأْنُهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ التَّبْيِيتُ لِكُلِّ يَوْمٍ.

الْأَبْهَرِيُّ: الْقِيَاسُ أَنَّ عَلَى مَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ وَعَلَى مَنْ شَأْنُهُ سَرْدُ الصَّوْمِ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِجَوَازِ فِطْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّ مَالِكًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِيمَنْ شَأْنُهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ أَوْ سَرْدُ الصِّيَامِ بِنَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فَإِذَا كَانَ بِنَذْرٍ نَذَرَهُ أَجَزَّأَتْهُ النِّيَّةُ الْأُولَى. ابْنُ رُشْدٍ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَحْتَاجَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّ شَأْنَهُ صَوْمُهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا إلَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّهُ رَدَّ

ص: 338

عَلَى ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ الْفِطْرِ.

وَسَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَأَصْبَحَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْأَحَدِ فَيَدْعُو بِالطَّعَامِ فَيُخْبَرُ أَنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ أَنَّهُ يُتِمُّ صِيَامَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا قَالَ أَشْهَبُ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّوَابُ الْآتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ تَطْهُرُ أَنَّ الصِّيَامَ لَا يُجْزِئُهَا إلَّا أَنَّ تُجَدِّدَ النِّيَّةُ، وَلَا يَجْتَزِئُ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى مِنْ أَجْلِ الْفِطْرِ الَّذِي تَخَلَّلَ الصِّيَامَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ لَوْ أَجْزَأَتْ النِّيَّةُ فِي الْأُولَى فِي الصِّيَامِ الثَّانِي وَلَمْ يُرَاعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفِطْرِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْتَاجَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ إلَى نِيَّةٍ لِتَقَدُّمِ النِّيَّةِ فِي صِيَامِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ انْتَهَى.

اُنْظُرْ التَّلْقِينَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى وَلِأَشْهَبَ وَمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ.

(لَا إنْ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِكَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ سَوَاءً نَوَى أَنْ يُتَابِعَ الصِّيَامَ فِي سَفَرِهِ أَمْ لَا. ابْنُ يُونُسَ: لِجَوَازِ الْفِطْرِ لَهُ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا لِلَّخْمِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ:

ص: 339