المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان الأصناف الثمانية وكيفية الصرف إليهم] - التاج والإكليل لمختصر خليل - جـ ٣

[محمد بن يوسف المواق]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌حُكْم غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيل أَحَد الزَّوْجَيْنِ صَاحِبه]

- ‌[أَرْكَان صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الْكَفَن]

- ‌[كَيْفِيَّة غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[التَّعْزِيَةِ]

- ‌[صفة الْقَبْر]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌أَنْوَاع الزَّكَاة] [

- ‌زَكَاة النَّعَم]

- ‌[زَكَاة الْإِبِل]

- ‌[زَكَاة الْبَقَر]

- ‌[زَكَاة الْغَنَم]

- ‌[زَكَاةُ الْمُعَشَّرَاتِ]

- ‌[زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ]

- ‌‌‌[زَكَاةُ التِّجَارَةِوَالْفَوَائِدِ وَالدُّيُونِ]

- ‌[زَكَاةُ التِّجَارَةِ

- ‌[زَكَاةِ الْفَوَائِدِ]

- ‌[زَكَاةِ الدُّيُونِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن وَخُمُس الرِّكَاز]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ] [

- ‌بَيَانِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَكَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌بَاب فِي أَحْكَام الصِّيَام]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ وَصِحَّةِ فِعْلِهِ]

- ‌[مُبْطِلَاتُ الصِّيَامِ]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌مقدمات وَمَقَاصِد الْحَجّ] [

- ‌بَاب فِي وُجُوب أَدَاء النسكين]

- ‌[شَرَائِط الْحَجّ]

الفصل: ‌بيان الأصناف الثمانية وكيفية الصرف إليهم]

[فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ] [

‌بَيَانِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَكَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ]

فَصْلٌ

ابْنُ شَاسٍ: خَاتِمَةٌ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ وَهِيَ بَابَانِ: الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ. الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ. وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ التَّضْيِيقَ فِي صَرْفِ الزَّكَاةِ قَالَ: وَلَعَلَّ مَنْ لَا يُدْرِكُ غَرَضَ الشَّافِعِيِّ يَتَسَاهَلُ وَيُلَاحِظُ الْمَقْصُودَ مِنْ سَدِّ الْخَلَّةِ وَمَا أَبْعَدَهُ عَنْ التَّحْصِيلِ، فَإِنَّ وَاجِبَاتِ الشَّرْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمُ تَعَبُّدٍ مَحْضٍ لَا مَدْخَلَ لِلْحُظُوظِ وَالْأَغْرَاضِ فِيهِ وَذَلِكَ كَرَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْحَجِّ، وَقِسْمٌ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حَظٌّ مَعْقُولٌ وَلَيْسَ يُقْصَدُ مِنْهُ التَّعَبُّدُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَقِسْمٌ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَمْرُ أَنَّ: حَظَّ الْعِبَادِ وَامْتِحَانَ الْمُكَلَّفِ بِالِاسْتِعْبَادِ، وَالزَّكَاةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

فَحَظُّ الْفَقِيرِ مَقْصُودٌ فِي سَدِّ الْخَلَّةِ وَهُوَ جَلِيٌّ سَابِقٌ إلَى الْفَهْمِ، وَحَقُّ التَّعَبُّدِ فِي اتِّبَاعِ التَّفَاصِيلِ مَقْصُودُ الشَّرْعِ.

قَالَ هَذَا مُرَشِّحًا لِمَنْعِ الشَّافِعِيِّ إخْرَاجَ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ. وَمِنْ نَحْوِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ ذَبَحَ شَاةَ زَكَاتِهِ فَجَزَّأَهَا وَفَرَّقَهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخْرَجَ عَنْ الْعَيْنِ عَرْضًا انْتَهَى.

وَانْظُرْ إذَا دَفَعَ الشَّاةَ لِمَنْ يَذْبَحُهَا لِلْمَسَاكِينِ يُفَرِّقُهَا عَلَيْهِمْ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ يَدَ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ، لَكِنْ اتَّفَقَ لِلْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ دَقِيقًا عُجِنَ بِمَاءٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا بِالْوَرَعِ مِنْ أَكْلِهِ فَانْبَخَسَ ثَمَنُهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَدَفَعَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ زَكَاتِهِ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ: صَرْفُهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَك وَإِنْ ظَهَرَ لَك أَنْ تَصْرِفَهُ لِأَهْلِ السِّجْنِ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جِيَاعًا وَكَانَ زَمَنَ مَسْغَبَةٍ. (وَمَصْرِفُهَا فَقِيرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَصْرِفُهَا الثَّمَانِيَةُ فِي آيَةِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60](وَمِسْكِينٌ هُوَ أَحْوَجُ) أَبُو عُمَرَ عَنْ كُلِّ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَعَ الْجَلَّابِ: الْفَقِيرُ مُرَادِفٌ لِلْمِسْكِينِ ابْنُ بَشِيرٍ عَنْ الْأَكْثَرِ: الْفَقِيرُ غَيْرُ الْمِسْكِينِ وَرَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ. وَعَلَى هَذَا رَوَى أَبُو عُمَرَ الْفَقِيرُ ذُو بُلْغَةٍ وَالْمِسْكِينُ لَا شَيْءَ لَهُ.

ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ عَكْسُ هَذَا. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ مَقْصُودًا طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فَلَا تُضَيِّعُ زَمَانَك فِي هَذِهِ الْمَعَانِي فَإِنَّ التَّحْقِيقَ فِيهِ قَلِيلٌ وَالْكَلَامُ فِيهِ عَنَاءٌ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلٍ إذْ كِلَاهُمَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ (وَصُدِّقَا إلَّا لِرِيبَةٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الْفَقْرِ. اللَّخْمِيِّ: مَا لَمْ

ص: 219

يَكُنْ مَعْرُوفَ الْمَلَأِ فَيُكَلَّفُ إثْبَاتَ ذَهَابِهِ وَلَوْ ادَّعَى عِيَالًا صَدَقَ الطَّارِئُ وَمَنْ تَعَذَّرَ كَشْفُهُ انْتَهَى.

اُنْظُرْ تَعُمُّ الْبَلْوَى بِهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمُتَوَلِّي تَفْرِيقَ الْكَفَّارَةِ وَالْأَمْرُ لَا شَكَّ فِيهَا أَضْيَقُ لِأَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ لِرَأْسَيْنِ وَهُوَ بِرَأْسِهِ وَحْدَهُ لَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. الشَّعْبِيُّ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّجُلِ إنَّ عِنْدَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ كَانَ فَاضِلًا دَيْنًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ تَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ (إنْ أَسْلَمَ وَتَحَرَّرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ.

وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُعْطَى أَهْلُ الْأَهْوَاءِ إنْ احْتَاجُوا هُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ خَفَّ هَوَاهُمْ كَتَفْضِيلِ عَلِيٍّ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا.

قَالَ عِيَاضٌ: الْأَوْلَى سَدَّ هَذَا الْبَابَ. ذَكَرَ هَذَا حِينَ عَرَفَ بِأَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَأَنَّ مِحْنَتَهُ بِسَبَبِ أَنْ جَعَلَ تَفَرُّقَهُ رَاجِعُ الْمَدَارِكَ. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَالْمُصَلِّي أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَيُعْطَى غَيْرُ الْمُصَلِّي إذَا كَانَ ذَا حَاجَةٍ بِبَيِّنَةٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ» فَمِنْ الْحَقِّ الْأَفْضَلِ أَنْ تَعْتَمِدَ بِمَعْرُوفِك أَهْلَ التُّقَى، وَأَمَّا مَنْ لَا يُصَلِّي فَعَنْهُ أَجْوِبَةٌ مِنْهَا: أَنَّ الذِّمِّيَّ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مَعَ كُفْرِهِ وَلَا نُسَلِّمُهُ إلَى الْهَلَكَةِ فَكَيْفَ نُسَلِّمُ مَنْ يَلْفِظُ بِالشَّهَادَةِ وَلَهَا مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَهَا وَقَدْ عَلِمْتُمْ مِثَالَهَا. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَاسِي بِرُوحِهِ فَيُؤْمَرُ بِالطَّاعَةِ.

وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ لِلسَّائِلِ عَنْ هَذِهِ النَّازِلَةِ أَلَّا تَسْتَحْيِيَ مِنْ اللَّهِ تُجْرِي الرِّزْقَ الرَّغْدَ وَالْكِسْوَةَ السَّابِغَةَ عَلَى أَهْلِك وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ، ثُمَّ تَعْتَذِرُ فِي الْمُحْتَاجِ بِمَا لَا تَفْعَلُهُ مَعَ مَنْ تَحَوَّطَ إنَّ هَذَا لَهُوَ النِّفَاقُ الْعَظِيمُ. وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُ وَكَأَنَّك لَمْ تَرَ مِنْ الْمُنْكَرِ إلَّا ظُلْمَ هَذَا لِنَفْسِهِ حَتَّى تَحْتَمِيَ نَفْسُك هَذِهِ الْحَمِيَّةَ لَهُ. أَيْنَ ظُلْمُ الْغَيْرِ لِلْغَيْرِ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ ابْدَأْ بِهِ وَاغْضَبْ لَهُ وَاهْجُرْ فَاعِلَهُ وَلَا تَصِلْهُ بِمَالِك وَلَا بِبَشَرِك، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَتَرَدَّدُ فِي هَذَا الَّذِي هُوَ يَمُوتُ جُوعًا هَيْهَاتَ إنَّمَا هَذَا تَعَلُّلٌ عَلَى الصَّدَقَةِ حِرْصًا عَلَى الْبُخْلِ.

(وَعَدِمَ كِفَايَةً بِقَلِيلٍ أَوْ إنْفَاقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا إنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ لِكَثْرَةِ عِيَالٍ وَنَحْوِهِ.

قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ لَا فَضْلَ فِي ثَمَنِهِمَا عَنْ سِوَاهُمَا أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ. زَادَ الشَّيْخُ عَنْ مَالِكٍ: وَفَرَسٌ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إنْ كَانَ يَفْضُلُ مِنْ ثَمَنِ الدَّارِ وَالْخَادِمِ عِشْرُونَ دِينَارًا لَمْ يُعْطَ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ مَلَكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ عَدْلَ ذَلِكَ سِوَى مَا يَحْتَاجُ إلَى سُكْنَاهُ أَوْ اسْتِخْدَامُهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَثُرَ عِيَالُهُ (أَوْ صَنْعَةٍ) أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطَى الشَّابُّ الصَّحِيحُ

ص: 220

مِنْ الزَّكَاةِ.

وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ لِلصَّحِيحِ صِنَاعَةٌ تَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ لَمْ يُعْطَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا بِمَالٍ أَوْ صَنْعَةٍ يَقُومُ مِنْهَا عَيْشُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِفَايَةٌ أُعْطِيَ تَمَامَ كِفَايَتِهِ، وَإِنْ كَسَدَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ ذَا صَنْعَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَحْتَرِفُ بِهِ أُعْطِيَ وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مَا يَحْتَرِفُ بِهِ لَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كَانَ مَوْضِعَ الْخِلَافِ. (وَعَدَمِ بُنُوَّةٍ لِهَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي حَدِيثِ:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ» .

إنَّمَا ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَلَيْسَ فِي التَّطَوُّعِ وَإِنَّمَا هُوَ بَنُو هَاشِمٍ أَنْفُسِهِمْ قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى لِمَوَالِيهِمْ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَدْخُلُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ مِنْ فَوْقِ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي قُصَيٍّ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ دُونَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنِي بَنِيهِمْ

ص: 223

مَا تَنَاسَلُوا إلَى الْيَوْمِ.

(كَحَسَبٍ عَلَى عَدِيمٍ) فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى فَقِيرٍ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَحْسُبَهُ عَلَيْهِ فِي زَكَاتِهِ. قَالَ غَيْرُهُ عَنْهُ: لِأَنَّهُ تَاوٍ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ لَهُ قِيمَةُ دُونٍ. ابْنُ عَرَفَةَ:

ص: 224

حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ كَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ بِعَدَمِ إجْرَائِهِ (وَجَازَ لِمَوْلَاهُمْ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَدَمِ بُنُوَّةٍ لِهَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ ".

(وَقَادِرٍ عَلَى الْكَسْبِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ صَنْعَةٍ "(وَمَالِكِ نِصَابٍ) قَالَ الْمُغِيرَةُ: لَا يُعْطَى مَنْ لَهُ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ فَضْلٌ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ إذْ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا عَلَى الصَّدَقَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَيَضَعَهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» ، وَالْفَقِيرُ مَنْ تُوضَعُ فِيهِ وَالْغَنِيُّ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا مَعْنَى لِمَنْ قَالَ مَالِكُ النِّصَابِ غَنِيٌّ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ شَعِيرٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقِيرٌ مِسْكِينٌ غَيْرُ غَنِيٍّ، فَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٍ

ص: 225

وَالشَّافِعِيُّ أَوْلَى بِالصَّوَابِ.

ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: مَنْ كَانَ لَهُ نِصْفُ نِصَابٍ عَيْنًا وَمِنْ الْعُرُوضِ مَا يُسَاوِي النِّصْفَ الْآخَرَ فَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ طَعَامٍ وَلَمْ تُسَاوِ نِصَابَ الْعَيْنِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ سَاوَاهُ فَلَا يُعْطَى بِخِلَافِ الْكُتُبِ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ كُتُبُ فِقْهٍ قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ نِصَابٍ بِأَنَّهُ يُعْطَى لِأَنَّهُ لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا، ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ كَانَتْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَا يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ تَكُونَ كُتُبُهُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ خَاصَّةً فَتُلْغَى. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ بِالْكَرَاهَةِ فَالشَّرْعُ لَا يُجْبِرُ عَلَى مَكْرُوهٍ. رَاجِعْ نَوَازِلَ السَّيِّدِ مُفْتِي تُونِسَ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ: وَهَذَا كَتَزْوِيجِ أُمِّ الْوَلَدِ لِعُسْرِ سَيِّدِهَا وَمَغِيبِهِ وَقَدْ قَالَ نَحْوَ هَذَا عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِي الْحُكْمِ بِالْإِجَارَةِ عَلَى الصَّلَاةِ.

اللَّخْمِيِّ: قِيلَ مَنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصَابٍ وَلَا كِفَايَةَ فِيهِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ. وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي اسْمِ الْفُقَرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَعِيشُ إلَى ذَهَابِ مَا فِي يَدَيْهِ؟ وَلَا خِلَافَ فِيمَا بَيْنَ الْأَمَةِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ وَهُوَ ذُو عِيَالٍ وَلَا يَكْفِيهِ لَهُمْ مَا فِي يَدَيْهِ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي

ص: 226

عَدَدِ الْأَغْنِيَاءِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُعْطَى انْتَهَى، اُنْظُرْ أَنْتَ هَذِهِ النُّصُوصَ وَانْظُرْ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَعِيشُ فَمِنْ نَحْوِ هَذَا أَيْضًا إعْطَاءُ الْيَتَامَى لِشُوَارٍ. وَقَدْ نَصَّ شَارِحُ الرِّسَالَةِ ابْنُ الْفَخَّارِ أَنَّهُ لَا يُجْهَرُ عَلَى الْيَتَامَى مِنْ الزَّكَاةِ.

(وَدَفْعُ أَكْثَرَ مِنْهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ يُمْنَعُ إعْطَاءَ نِصَابٍ.

وَفِي الْجَلَّابِ: أَجَازَ مَالِكٌ إعْطَاءَ مَا يُغْنِيهِ نِصَابًا فَمَا فَوْقَهُ. اللَّخْمِيِّ: أَرَى إنْ كَانَ يُخْرِجُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ زَكَاةً وَاحِدَةً فِي الْعَامِ وُسِّعَ لَهُ فِي الْعَطَاءِ مَا يُرَى أَنَّهُ يُغْنِيهِ لِذَلِكَ الْوَقْتِ (وَكِفَايَةِ سَنَةٍ) مَا

ص: 228

وَجَدْت هُنَا إلَّا مَا ذَكَرْته مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ أَرَى إلَى آخِرِهِ.

(وَفِي جَوَازِ دَفْعِهَا لِمَدِينٍ ثُمَّ أَخْذِهَا تَرَدُّدٌ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ أَعْطَاهَا مَدِينًا لَهُ جَازَ أَخْذُهَا مِنْهُ فِي دَيْنِهِ. مَالِكٌ: يُمْنَعُ إعْطَاءُ الزَّوْجَةِ زَكَاتَهَا لِزَوْجِهَا. الْبَاجِيُّ: مُنِعَ هَذَا لِأَنَّهُ كَمَنْ دَفَعَ صَدَقَتَهُ لِغَرِيمِهِ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَنَّ أَخْذَهُ بَعْدَ إعْطَائِهِ بِطَوْعِ الْفَقِيرِ دُونَ تَقَدُّمِ شَرْطِهِ أَجْزَأَهُ،

ص: 229

وَكَرِهَا كَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مَا يُوَارِيهِ وَعَيْشُهُ الْأَيَّامُ وَإِلَّا فَلَا وَبِشَرْطٍ فَكَمَا لَمْ يُعْطِهِ.

(وَجَابٍ وَمُفَرِّقٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْعَامِلُونَ هُمْ جُبَاتُهَا وَمُوَصِّلُوهَا إلَى الْإِمَامِ حَتَّى يُفَرِّقَهَا أَوْ يَتَوَلَّوْنَ تَصْرِيفَهَا.

قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا الْأَكْلُ مِنْهَا وَلَا الِاسْتِنْفَاقُ وَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهَا إلَّا مُكْرَهًا انْتَهَى.

وَلَمْ يَلِ قَطُّ زَمَنَ شَيْخِي ابْنِ سِرَاجٍ رحمه الله عَدْلٌ صَيْفِيٌّ. وَقَالَ لِبَعْضِهِمْ: إنْ قَبِلْت صَيْفِيًّا قَطَعْت شَهَادَتَك.

(حُرٌّ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى الزَّكَاةِ عَبْدٌ وَلَا نَصْرَانِيٌّ فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُمَا مَا أَخَذَا وَأُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ عَنَائِهِمَا. مُحَمَّدٌ: مِنْ حَيْثُ يُعْطَى الْعُمَّالُ وَالْوُلَاةُ وَذَلِكَ مِنْ الْفَيْءِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَرْتَزِقَ الْقُضَاةُ وَالْعُمَّالُ مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا الْعَامِلَ عَلَيْهَا (عَدْلٌ عَالِمٌ بِحُكْمِهَا) . ابْنُ مُحْرِزٍ: لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَلَا صَبِيٌّ (غَيْرُ هَاشِمِيٍّ) اللَّخْمِيِّ: لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا مَنْ كَانَ مِنْ آلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ أَخْذَهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَيْهَا وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ وَعَنْ الْإِذْلَالِ فِي الْخِدْمَةِ لَهَا وَفِي سَبَبِهَا (وَكَافِرٍ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " عَدْلٌ عَالِمٌ "(وَإِنْ غَنِيًّا) اللَّخْمِيِّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا غَنِيٌّ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ بِوَجْهِ الْأُجْرَةِ. أَبُو عُمَرَ: وَتَكُونُ مَعْلُومَةً بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ بِجُزْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ فَرَّقَ إنْسَانٌ زَكَاةَ مَالِهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَأْخُذُ أَجْرًا.

(وَبُدِئَ بِهِ) اللَّخْمِيِّ: يُبْدَأُ مِنْ الزَّكَاةِ بِأَجْرِ الْعَامِلِينَ ثُمَّ بِالْفُقَرَاءِ عَلَى الْعِتْقِ لِأَنَّ سَدَّ خَلَّةِ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُؤَلَّفَةٌ

ص: 230

بُدِئَ بِهِمْ لِأَنَّ اسْتِنْقَاذَهُمْ مِنْ النَّارِ بِإِدْخَالِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَتَثْبِيتِهِمْ عَلَيْهِ إنْ كَانُوا أَسْلَمُوا أَفْضَلُ مِنْ إطْعَامِ فَقِيرٍ. وَإِذَا خُشِيَ عَلَى النَّاسِ بُدِئَ بِالْغَزْوِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَحَبُّ الْأَصْنَافِ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَأَرْجَى لِلْأَجْرِ الْفُقَرَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَزْوٌ قَدْ حَلَّ فَالْغَزْوُ بِهَا أَفْضَلُ.

(وَأَخَذَ الْفَقِيرُ بِوَصْفِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَى الزَّكَاةِ فَقِيرٌ أُعْطِيَ بِحَقِّ الْفَقْرِ وَالِاسْتِعْمَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ لَمْ يُغْنِهِ حَظُّ عَمَلِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ الْعَامِلُ مَدِينًا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا لِغُرْمِهِ إلَّا بِإِعْطَاءِ الْإِمَامِ بِالِاجْتِهَادِ. وَانْظُرْ رَسْمَ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْبَضَائِعِ: أَجَازَ مَالِكٌ لِمَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِمَالٍ لِلْمُنْقَطِعِينَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إذَا احْتَاجَ.

(وَلَا يُعْطَى جُلُوسُ الْفِطْرَةِ مِنْهَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يُعْطَى مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَنْ يُخْرِجُهَا وَلِيُعْطَ مِنْ غَيْرِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ:" بِأُجْرَةٍ مِنْ الْفَيْءِ ".

(وَمُؤَلَّفٌ كَافِرٌ لِيُسْلِمَ وَحُكْمُهُ بَاقٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بَاقٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَكِنْ لَا يُعْطُونَ إلَّا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِمْ فَقِيلَ هُمْ صِنْفٌ مِنْ الْكُفَّارِ يُعْطُونَ لِيَتَأَلَّقُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْإِسْلَامُ فِي قُلُوبِهِمْ فَيُعْطُونَ لِيَتَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمُوا وَلَهُمْ أَتْبَاعٌ يُعْطُونَ لِيَتَأَلَّقُوا أَتْبَاعَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَالْقَصْدُ بِجَمِيعِهَا الْإِعْطَاءُ لِمَنْ لَا يَتَكَلَّمُ إسْلَامُهُ حَقِيقَةً إلَّا بِالْإِعْطَاءِ فَكَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْجِهَادِ. وَقَدْ عَلِمَتْ الشَّرِيعَةُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يَرْجِعُ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ وَإِظْهَارِ الْبُرْهَانِ، وَصِنْفٌ بِالْقَهْرِ وَالسَّيْفِ، وَصِنْفٌ بِالْإِعْطَاءِ وَالْإِحْسَانِ، فَلْيَسْتَعْمِلْ الْإِمَامُ النَّاظِرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ كُلِّ صِنْفٍ مَا يَكُونُ سَبَبَ نَجَاتِهِ وَخَلَاصِهِ مِنْ الْكُفْرِ. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَالثَّانِي لِلْبَاجِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَالثَّالِثُ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ.

(وَرَقِيقٌ) قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الْإِمَامُ مِنْ الزَّكَاةِ رِقَابًا يُعْتِقُهُمْ وَوَلَاؤُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَلِيّ صَدَقَةَ نَفْسِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً فَيُعْتِقَهَا كَمَا يُعْتِقُهَا الْوَالِي وَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ تُجْزِهِ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ ثَانِيَةً لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ. اُنْظُرْ هَلْ يَعْمَلُ قِيمَةً لِمَمْلُوكِهِ وَيُعْتِقُهُ عَنْ زَكَاتِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَوَقَعَ فِيهَا نِزَاعٌ.

(مُؤْمِنٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا مِنْ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ إلَّا لِمُؤْمِنٍ حُرٍّ كَمَا لَا يُعْتَقُ

ص: 231

مِنْهَا إلَّا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ (وَلَوْ بِعَيْبٍ) الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: يُجْزِئُ الْمَعِيبُ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ (يُعْتَقُ مِنْهَا) اُنْظُرْ هَلْ يَكُونُ هَذَا حَالًا مِنْ رَقِيقٍ مُؤْمِنٍ.

(لَا عَقْدَ حُرِّيَّةٍ فِيهِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْتِقَ مِنْ زَكَاتِهِ مُكَاتَبَهُ وَلَا مُدَبَّرَهُ وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ انْتَهَى.

وَانْظُرْ هَلْ يَعْتِقُ مِنْ زَكَاتِهِ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ أَوْ مُدَبَّرُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ.

قَالَ أَصْبَغُ: إنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَانَ بِهَا مُكَاتَبٌ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِهَا عِتْقَهُ قَالَ أَصْبَغُ: فَإِنْ فَعَلَ فَلْيُعِدْ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا أُوجِبُهُ لِلِاخْتِلَافِ (وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَقِيقٌ ".

(وَإِنْ اشْتَرَطَهُ لَهُ أَوْ فَكَّ بِهَا أَسِيرًا لَمْ تُجْزِهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ اشْتَرَطَ الْوَلَاءَ لِنَفْسِهِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ اشْتَرَى رَقَبَةً مِنْ زَكَاتِهِ ثُمَّ قَالَ هِيَ حُرَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلِي وَلَاؤُهَا كَانَ وَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ هُوَ حُرٌّ عَنِّي وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِئُهُ. وَأَمَّا فَكُّ الْأَسِيرِ فَقَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يُفَكُّ الْأَسِيرُ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا رَقَبَةٌ قَدْ مُلِكَتْ بِمِلْكِ الرِّقِّ فَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ رِقٍّ إلَى عِتْقٍ بَلْ ذَلِكَ أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنْ فِكَاكِ الرِّقَابِ الَّتِي بِأَيْدِينَا. ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ حَارِثٍ: لَوْ أُطْلِقَ أَسِيرٌ بِفِدَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ غَارِمٌ.

(وَمَدِينٌ) ابْنُ يُونُسَ: الْغَارِمُ مَنْ لَهُ مَالٌ بِإِزَاءِ دَيْنِهِ وَإِلَّا فَهُوَ غَارِمٌ فَقِيرٌ يُعْطَى بِالْوَصْفَيْنِ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي تُصْرَفُ لَهُمْ الزَّكَاةُ الْغَارِمُ وَهُوَ مَدِينُ آدَمِيٍّ لَا فِي فَسَادِ الْقَاضِي وَلَا فِي سَفَهٍ فَإِنْ أَدَانَ بِفَسَادٍ وَلَمْ يَتُبْ مَنَعَ اللَّخْمِيِّ اتِّفَاقًا، فَإِنْ تَابَ فَقَوْلَانِ، وَصَوَّبَ اللَّخْمِيِّ مَنْعَ صَرْفِهَا لِمَدِينِ زَكَاةِ فَرَّطَ فِيهَا وَأُعْدِمَ لِأَنَّهَا غَصُوبٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَدَيْنُ الْكَفَّارَةِ الزَّكَاةُ.

(وَلَوْ مَاتَ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي صَرْفِهَا فِي

ص: 232

دَيْنِ مَيِّتٍ قَوْلَانِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٍ. (يُحْبَسُ فِيهِ) اللَّخْمِيِّ: يُعْطَى الْغَارِمُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِآدَمِيٍّ وَمِمَّا يُحْبَسُ فِيهِ (لَا فِي فَسَادٍ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ مَاتَ "(وَلَا لِأَخْذِهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ اسْتَدَانَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهَا (وَإِلَّا أَنْ يَتُوبَ عَلَى الْأَحْسَنِ) قَالَ اللَّخْمِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا حَسُنَتْ حَالَةُ مَنْ تَدَايَنَ فِي فَسَادٍ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَقِيلَ لَا يُعْطَى.

(إنْ أَعْطَى مَا بِيَدِهِ مِنْ عَيْنٍ وَفَضْلِ غَيْرِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بِيَدِهِ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفَانِ وَلَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ لَا فَضْلَ فِيهِمَا يُسَاوِيَانِ أَلْفَيْنِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ فِي دَيْنِهِ فَيَتَبَقَّى عَلَيْهِ أَلْفٌ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى وَيَكُونُ مِنْ الْغَارِمِينَ.

(وَمُجَاهِدٌ وَآلَتُهُ وَلَوْ غَنِيًّا) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْأَصْنَافِ الَّتِي تُصْرَفُ الزَّكَاةُ فِيهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَبُو عُمَرَ: وَذَلِكَ الْجِهَادُ وَالرِّبَاطُ. اللَّخْمِيِّ: وَيُعْطَى الْغَازِي الْفَقِيرُ حَيْثُ غَزْوُهُ الْغَنِيَّ بِبَلَدِهِ وَيُعْطَى الْغُزَاةُ الْمُقِيمُونَ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ حَيْثُ غَزْوُهُمْ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ غَنِيًّا بِالْمَوْضِعِ

ص: 233

الَّذِي هُوَ بِهِ فَقِيلَ يُعْطَى لِحَدِيثِ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ» الْحَدِيثَ.

وَلِأَنَّ أَخْذَهُ فِي مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ وَالْأُجْرَةِ إذَا كَانَ أَوْقَفَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِي إعْطَائِهِ ضَرْبًا مِنْ الِاسْتِئْلَافِ لِمَشَقَّةِ مَا يُكَلَّفُونَ مِنْ بَذْلِ النُّفُوسِ. وَقِيلَ: لَا يُعْطَى إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ كَابْنِ السَّبِيلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتُرَدّ مِمَّنْ أَخَذَهَا لِيَغْزُوَ بِهَا فَجَلَسَ وَنَحْوُ هَذَا قَالُوا فِي الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ فِي السَّبِيلِ.

وَفِي الرِّوَايَةِ: وَلَا يُعْطَى مِنْ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ فِي السَّبِيلِ إلَّا لِمَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ لَا لِمَنْ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِمَا يُعْطَى. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا خَوْفُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ وَلَا يَخْرُجُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: لَا يَأْخُذُ الْفَرَسَ الْمُعْطَى فِي السَّبِيلِ إلَّا مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ عَلَى التَّقَدُّمِ لِلْأَسِنَّةِ. وَلَمْ يَنْقُلْ اللَّخْمِيِّ غَيْرَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُجْعَلُ مِنْ الزَّكَاةِ نَصِيبٌ فِي الْحِمْلَانِ وَالسِّلَاحِ وَيَشْتَرِي مِنْهَا الْقِسِيَّ وَالْمَسَاحِي وَالْحِبَالَ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِحَفْرِ الْخَنَادِقِ والمنجنيقات لِلْحُصُونِ وَتُنْشَأُ مِنْهَا الْمَرَاكِبُ لِلْغَزْوِ وَكِرَاءِ النَّوَاتِيَّةِ، وَيُعْطَى مِنْهَا لِلْجَوَاسِيسِ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِأَخْبَارِ الْعَدُوِّ، مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ نَصَارَى، وَيُبْنَى مِنْهَا حِصْنٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ لَا يُعْطَى مِنْهَا فِي بِنَاءِ الْأَسْوَارِ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا مَعَرَّةُ الْعَدُوِّ، وَلَا فِي إنْشَاءِ الْأَسَاطِيلِ الْمَقْصُودِ بِهَا مُجَرَّدُ الْغَزْوِ وَلَا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الْآلَاتِ انْتَهَى.

اُنْظُرْ جَعْلَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَعْزُهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ اللَّخْمِيِّ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ: فَرْقٌ بَيْنَ بِنَاءِ سُوَرٍ لِمَدِينَةٍ يُتَّقَى بِهَا مَعَرَّةَ الْعَدُوِّ، وَبَيْنَ بِنَاءِ حِصْنٍ لِلرِّبَاطِ يُقِيمُ بِهِ أَهْلُهُ لِلذَّبِّ عَنْ جَمِيعِ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. فَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: لَا شَيْءَ لِمَنْ خَرَجَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَدِينَةُ لِغَزْوٍ مُحْرَسًا مِثْلَ مَحَارِسِ الْمُنَسْتِيرِ وَالْحُصُونِ الَّتِي عَلَى سَاحِلِنَا وَمِثْلَ بَعْضِ مَوَاضِعِ الْأَنْدَلُسِ، فَالْغَنِيمَةُ لِمَنْ بَرَزَ وَلِمَنْ لَمْ يَبْرُزْ، قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، رَآهُ الْعَدُوُّ أَوْ لَمْ يَرَهُ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَجَيْشٍ مُجْتَمِعٍ.

وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْجِهَادِ: وَخَرَاجُهَا أَنَّ الْفَيْءَ يُبْدَأُ مِنْهُ إصْلَاحُ حُصُونِ السَّوَاحِلِ وَيُشْتَرَى مِنْهُ السِّلَاحُ وَالْكُرَاعُ. (كَجَاسُوسٍ لَا سُورٍ وَمَرْكَبٍ) مَا نَقَلَ اللَّخْمِيِّ فِي السُّورِ وَالْمَرْكَبِ وَالْجَاسُوسِ إلَّا الْجَوَازَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْزُوٌّ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَانْظُرْ أَنْتَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السُّورِ وَالْجَاسُوسِ قَبْلَ ابْنِ بَشِيرٍ.

(وَغَرِيبٌ) . ابْنُ يُونُسَ: ابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْغَرِيبُ الْمُنْقَطِعُ يُدْفَعُ إلَيْهِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا إذَا صَارَ إلَى بَلَدِهِ (مُحْتَاجٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُعْطَى مِنْهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ (لِمَا يُوَصِّلُهُ) .

ابْنُ بَشِيرٍ: يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى بَلَدِهِ أَوْ عَلَى اسْتِدَامَةِ سَفَرِهِ (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) . اللَّخْمِيِّ: يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ (وَلَمْ يَجِدْ مُسَلِّفًا) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَجَدَ ابْنُ السَّبِيلِ

ص: 234

مُسَلِّفًا فَلَا يُعْطَى.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعْطَى. (وَهُوَ مَلِيءٌ بِبَلَدِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: يُعْطَى وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ (وَصُدِّقَ) رَوَى مُحَمَّدٌ: يُصَدَّقُ ذُو هَيْئَةِ الْفَقْرِ أَنَّهُ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْمُقِيمُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ يَقُولُ: أَقَمْت لِفَقْرٍ مَا أَتَحَمَّلُ بِهِ إنْ عُرِفَ صِدْقُهُ أُعْطِيَ أَخَافُ أَنْ يَأْخُذَ وَيُقِيمَ.

(وَإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ كَغَازٍ وَفِي غَارِمٍ يَسْتَغْنِي تَرَدُّدٌ) . اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَخَذَ زَكَاةً لِفَقْرِهِ لَمْ يَرُدَّهَا إنْ اسْتَغْنَى قَبْلَ إتْلَافِهَا وَإِنْ أَخَذَهَا لِيَغْزُوَ بِهَا فَجَلَسَ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ لِأَنَّ الْغَزْوَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا لَمْ يُوَفِّ بِهِ رُدَّتْ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ يَأْخُذُ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ فَلَا يَفْعَلُ تُنْتَزَعُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَسُوغُ لَهُ لِفَقْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْنَ السَّبِيلِ.

وَفِي الْغَارِمِ يَأْخُذُ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ ثُمَّ يَسْتَغْنِي قَبْلَ أَدَائِهِ إشْكَالٌ. وَلَوْ قِيلَ يُنْتَزَعُ مِنْهُ لَكَانَ وَجْهًا (وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ دُونَ عُمُومِ الْأَصْنَافِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ

ص: 235

كُلَّهَا آثَرَ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قِسْمٌ مُسَمًّى.

قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى مُصَدِّقٍ لَهُ: اقْسِمْ نِصْفَهَا.

قَالَ أَشْهَبُ: تَأَوَّلْنَا فِعْلَ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ مِنْ الْحَاجَةِ أَوَّلَ عَامٍ.

ص: 236

كَحَاجَتِهِمْ فِي الثَّانِي. (وَالِاسْتِنَابَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَلِيَ أَحَدٌ قَسْمَ صَدَقَتِهِ خَوْفَ الْمَحْمَدَةِ وَالثَّنَاءِ وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ، وَلَكِنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ فَيُقَسِّمُهُ فَإِنْ وَلِيَهَا هُوَ فَلَا يُعْطِيهَا لِأَحَدٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَقَدْ تَجِبُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْأَوْلَى الِاسْتِنَابَةُ وَقَدْ تَجِبُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُهُ: " وَقَدْ تَجِبُ " يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَعْدِلُ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا أَنْ يُفَرِّقَ زَكَاةَ مَالِهِ النَّاضِّ وَلَا غَيْرَهُ وَلْيَدْفَعْ زَكَاةَ النَّاضِّ إلَى الْإِمَامِ.

قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ طُلِبَ فَقَالَ قَدْ أَخْرَجْتهَا فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ كَانَ صَالِحًا.

(وَكُرِهَ لَهُ حِينَئِذٍ تَخْصِيصُ قَرِيبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرَابَتِهِ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَلِيَ هُوَ عَطَاءَهُمْ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَنْ يَلِي تَفْرِقَتَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا يُعْطِي غَيْرَهُمْ إنْ كَانُوا لَهَا أَهْلًا. اللَّخْمِيِّ: كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

قَالَ مُطَرِّفٌ: وَحَضَرْت مَالِكًا يُعْطِي زَكَاتَهُ قَرَابَتَهُ.

وَنَقَلَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَفْضَلُ مَنْ وَضَعْت فِيهِ زَكَاتَك قَرَابَتُك الَّذِي لَا تَعُولُ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجَانِبِ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا. فَإِنْ قِيلَ: يُخَافُ الْمَحْمَدَةُ. قُلْنَا: لَا بُدَّ أَنْ يُحْمَدَ الرَّجُلُ عَلَى مَا

ص: 237

فَعَلَ مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا الْمَذْمُومُ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ. وَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ إلَى ذِي رَحِمِهِ الَّذِي لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَقَدْ فَعَلَ خَصْلَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ: أَدَّى الزَّكَاةَ وَوَصَلَ رَحِمَهُ.

(وَهَلْ يُمْنَعُ إعْطَاءُ زَوْجَةٍ زَوْجَهَا أَوْ يُكْرَهُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تُعْطِي الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا. حَمَلَهَا ابْنُ زَرْقُونٍ وَغَيْرُهُ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَحَمَلَهَا ابْنُ الْقَصَّارِ عَلَى الْكَرَاهَةِ.

قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ أَعْطَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ جَازَ.

(وَجَازَ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ بِصَرْفِ وَقْتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ دَنَانِيرُ وَتِبْرٌ مَكْسُورٌ وَوَزْنُ جَمِيعِ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا زَكَّى وَيُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ صِنْفٍ، وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَالنُّقَرُ قَالَ: وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ فِي زَكَاةِ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ بِقِيمَتِهَا وَيُخْرِجَ عَنْ الْوَرِقِ ذَهَبًا بِقِيمَتِهِ، ابْنُ الْمَوَّازِ: قَلَّتْ الْقِيمَةُ أَوْ كَثُرَتْ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقٍّ فَكَانَتْ بِالْقِيمَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ.

قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْفِضَّةِ الرَّدِيئَةِ قِيمَتَهَا دَرَاهِمَ جِيَادًا فَلَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ أَقَلَّ مِنْ الْوَزْنِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُخْرِجُ مِنْهَا بِعَيْنِهَا أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ انْتَهَى.

وَانْظُرْ لَمْ أَجِدْ نَصًّا فِي إخْرَاجِ الْفُلُوسِ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَدْ آلَ الْحَالُ بِنَا فِي زَمَانِنَا الْمِسْكِينُ لَا يَجِدُ بِأَيْدِينَا إلَّا دَنَانِيرَ النُّحَاسِ وَنُسَمِّيهَا ذَهَبًا بِهَا نَشْتَرِي الذَّهَبَ وَبِهَا نَشْتَرِي الْفِضَّةَ، وَمِنْ

ص: 239

قَائِلٍ يَقُولُ فِيهَا نَوَايَةُ ذَهَبٍ، وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ لَيْسَ فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ شَيْءٌ إنَّمَا فِيهِ قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ مِنْ فِضَّةٍ، وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ إنَّهَا نُحَاسٌ خَالِصٌ مَا تَحَمَّلْت مِنْ عُهْدَتِهَا شَيْئًا لَا مِنْ بَيْعِهَا بِفِضَّةٍ وَلَا بِذَهَبٍ، وَلَا تَحَمَّلْت عُهْدَةً رُدَّ عَلَيْهَا وَلَا إخْرَاجَهَا فِي زَكَاةِ عَنْ ذَهَبٍ وَلَا عَنْ فِضَّةٍ إلَى إنْ عَثَرْت عَلَى نَصٍّ رَشَّحَ مَأْخَذِي حَكَاهُ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ السُّيُورِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِسِكَّةٍ كَانَ عَمَلُهَا مَقْصُورًا عَلَى ظَالِمٍ.

إذَا تُمُكِّنَ مِنْ الضَّرْبِ الْقَدِيمِ، فَلَوْ تَعَذَّرَ بِكُلِّ وَجْهٍ فَتَكُونُ هَذِهِ السِّكَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ تُقِيمُ أَوْدَهُ مِنْهَا فِي مَقَامِهِ وَلَا يَحُجُّ بِهَا. انْتَهَى مَوْضِعُ الْحَاجَةِ. فَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي هَذَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا عَنْ زَكَاةِ ذَهَبِهِ أَوْ فِضَّتِهِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ فِضَّةٍ وَلَا فِضَّةٍ عَنْ ذَهَبٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَشَّحَهُ بِمَا نَقَلْته عَنْهُ قَبْلَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ:" وَمَصْرِفُهَا ".

وَقَالَ الْبَاجِيُّ مَا نَصُّهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ غَيْرُهُمَا. (مُطْلَقًا) . عَبْدُ الْوَهَّابِ: قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ: " قَلَّتْ الْقِيمَةُ أَوْ كَثُرَتْ " هُوَ الصَّوَابُ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُخْرِجُ قِيمَةَ الدِّينَارِ مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَا يَنْقُصُ (بِقِيمَةِ السِّكَّةِ) .

اللَّخْمِيِّ: إذَا أَخْرَجَ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةً أَوْ عَنْ الْفِضَّةِ ذَهَبًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَةَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ كَالشُّرَكَاءِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمَا كَانَ يَبِيعُهُ الْفَقِيرُ لَوْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا مَسْكُوكَةً أَخْرَجَ دِينَارًا مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَصْحَاحًا كَانَ بِالْخِيَارِ فَإِنْ أَحَبَّ أَخْرَجَ قِيمَةَ نِصْفِ دِينَارٍ مَسَكُوك أَوْ أَخْرَجَ دِينَارًا فَبَاعَهُ وَأَعْطَى الْمَسَاكِينَ نِصْفَ ثَمَنِهِ وَأَمْسَكَ لِنَفْسِهِ نِصْفَهُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْهَا مَسْكُوكًا أَوْ مِثْلَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا نِصْفَ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَةَ نِصْفِهِ مَسْكُوكًا.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يُخْرِجُ عَنْ رَدِيءٍ قِيمَتَهُ مِنْ نَوْعِهِ جَيِّدًا بَلْ قِيمَةُ رَدِيءِ الذَّهَبِ فِضَّةً وَقِيمَةُ رَدِيءِ الْفِضَّةِ ذَهَبًا وَإِلَّا أَخْرَجَ مِنْهُ.

(وَلَوْ فِي نَوْعٍ لَا صِيَاغَةَ فِيهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ زَكَاةُ نُقَرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ ذَلِكَ مِنْهُ إنْ شَاءَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَا كَرَاهِيَةَ فِي قَطْعِ النُّقَرَةِ أَوْ الْحُلِيِّ بِخِلَافِ الدَّنَانِيرِ الْقَائِمَةِ.

ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ قَطْعُ الْحُلِيِّ فَسَادًا فَفِيهِ نَظَرٌ (وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ) رَاجِعْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ كَانَ مَعْنَاهُ هَذَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ

ص: 240

وَجَازَ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ بِصَرْفِ وَقْتِهِ مُطْلَقًا مَسْكُوكًا كَانَ أَوْ مَصُوغًا أَوْ غَيْرَهُمَا بِقِيمَةِ السِّكَّةِ وَفِي تَقْوِيمِ الصِّيَاغَةِ تَرَدُّدٌ، لَنَاسَبَ مَا تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ وَالسَّمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَا يَتَقَرَّرُ لِابْنِ يُونُسَ عَنْ الْقَابِسِيِّ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: مَنْ لَهُ حُلِيٌّ وَزْنُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ قِيمَتِهِ عَلَى أَنَّهُ مَصُوغٌ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ شُرَكَاؤُهُ لَهُمْ رُبْعُ عُشْرِهِ فَيَأْخُذُونَ قِيمَةَ ذَلِكَ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ.

ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فِضَّةً وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِثْلَ وَزْنِ ذَلِكَ تِبْرًا هُوَ أَنْقَصُ فِي الْقِيمَةِ مِنْ رُبْعِ عُشْرِ قِيمَةِ الْمَسْكُوكِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ وَلَكِنْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ.

وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: إذَا كَانَ فِي وَزْنِ الْحُلِيِّ عِشْرُونَ دِينَارًا وَهُوَ لِلتِّجَارَةِ وَقِيمَتُهُ لِصِيَاغَتِهِ ثَلَاثُونَ فَالْأَشْبَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ وَيُؤَخِّرَ الْإِخْرَاجَ عَنْ بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ إنْ كَانَ لَا يُدِيرُ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ كَعَرْضٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا بِالْبَيْعِ (لَا كَسْرَ مَسْكُوكٍ إلَّا لِسَبْكٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ فِي نَوْعٍ " وَلِابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا مَا هُوَ مَثَاقِيلُ قَائِمَةٌ لَا تُقْطَعُ وَيُخْرِجُ عَنْ زَكَاتِهَا قِيمَةَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مَنْ قَدِمَ بَلَدًا تَجُوزُ فِيهَا الدَّرَاهِمُ النَّقْصُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ دَرَاهِمَهُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا قَطْعُ الدَّنَانِيرِ حُلِيًّا لِنِسَائِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ (وَوَجَبَ نِيَّتُهُمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ مِنْ مَالِهِ لَا يَحْسُبُهُ مِنْ زَكَاتِهِ إذَا نَوَى بِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ أَوْ أَعْطَاهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي تَطَوُّعٍ وَلَا زَكَاةٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا قُلْنَا إنَّ الْمَسَاكِينَ شُرَكَاءُ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ وَإِنَّهَا

ص: 241

تَكُونُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَإِنْ غَلَّبْنَا عَلَيْهَا حُكْمَ الْعِبَادَةِ افْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ، وَلَكِنْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُهَا مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُهُ وَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ.

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ فَإِذَا أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ مَعَ عِلْمِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ الْمَقْصُودِ بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَجْرَاهُ اللَّخْمِيِّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَنْ إنْسَانٍ فِي كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِيمَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا تُجْزِئُ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كُرْهًا لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فِي الْمَالِ، فَإِذَا أَخَذَهَا مِنْهُ مَنْ إلَيْهِ أَخَذَهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ كَمَا تُجْزِئُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذَا أُخِذَتْ مِنْ أَمْوَالِهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُمَا النِّيَّةُ فِي تِلْكَ الْحَالِ. (وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبِهِ إلَّا لِأَعْدَمَ فَأَكْثَرُهَا لَهُ) مِنْ

ص: 243

الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْعَمَلُ فِي الصَّدَقَةِ أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ مَوْضِعٍ جُبِيَتْ مِنْهُ كَانَتْ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُمْ فَضْلَةٌ فَتُجْعَلُ فِي أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ، وَإِنْ بَلَغَهُ عَنْ بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَنَّ سَنَةً وَحَاجَةً نَزَلَتْ بِهِمْ فَيُنْقَلُ إلَيْهِمْ جُلُّ تِلْكَ الصَّدَقَةِ رَأَيْت ذَلِكَ صَوَابًا لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أُسْوَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ إذَا نَزَلَتْ الْحَاجَةُ.

وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ مَا عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَحِلِّهَا كَمَحِلِّهَا. سَحْنُونَ: وَكَذَا مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. (بِأُجْرَةٍ مِنْ الْفَيْءِ وَإِلَّا بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ مِثْلُهَا) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يُتَكَارَى عَلَى حَمْلِ الْعُشُورِ إلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ يَبِيعُهُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ طَعَامًا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يُرِيدُ قِسْمَتَهُ وَلَا يُتَكَارَى عَلَيْهِ مِنْ الْفَيْءِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى ذَلِكَ اجْتِهَادٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ.

وَالِاجْتِهَادُ فِي هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَنْتَقِصُهُ مِنْ الطَّعَامِ فِي بَيْعِهِ هُنَا وَاشْتِرَائِهِ هُنَاكَ، وَإِلَى مَا يُتَكَارَى بِهِ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ يُتَكَارَى عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ بَاعَهُ وَإِلَّا أَكْرَى عَلَيْهِ مِنْ الْفَيْءِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ: يُتَكَارَى عَلَيْهِ مِنْهُ وَالْوَجْهُ فِي هَذَا بَيِّنٌ إذْ كَمَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَنْ يُوَصِّلُهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فَيْءٌ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاكْتِرَاءِ عَلَى حَمْلِهَا مِنْهَا إنْ كَانَ أَرْشَدَ مِنْ بَيْعِهَا.

(كَعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ نَقْلُهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَحِلِّهَا مَصْرِفٌ لِلْأَقْرَبِ وَكَذَا إنْ فَضَلَ مِنْهَا عَلَى

ص: 244

أَهْلِ مَحِلِّهَا وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ رَاجِعْهُ فِيهِ.

(وَقُدِّمَ لِيَصِلَ عِنْدَ الْحَوْلِ) مُحَمَّدٌ: إذَا نُقِلَتْ الزَّكَاةُ وَجَبَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا الْقَدْرَ تَمَامُ حَوْلِهَا بِوُصُولِهَا.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَبْعَثُ بِهَا حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُهَا (وَإِنْ قَدَّمَ مُعَشَّرًا أَوْ دَيْنًا أَوْ

ص: 245

عَرْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ نُقِلَتْ لِدُونِهِمْ أَوْ دُفِعَتْ بِاجْتِهَادٍ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا إلَّا لِلْإِمَامِ أَوْ طَاعَ بِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ فِي صُوفِهَا أَوْ بِقِيمَةٍ لَمْ تَجُزْ) أَمَّا تَقْدِيمُ زَكَاةِ الْمُعَشَّرِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: زَكَاةُ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُمَا لِأَنَّهَا زَكَاةٌ عَمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاشِي عَلَى نَحْوِ مَا جَازَ فِي الْعَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُعَاةٌ.

وَأَمَّا زَكَاةُ الدَّيْنِ وَالْعَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةٍ عَنْ دَيْنٍ

ص: 246

قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ عَنْ عَرْضٍ قَبْلَ بَيْعِهِ وَقَدْ مَضَى حَوْلٌ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا إذَا نُقِلَتْ لِدُونِهِمْ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَحْوِهِ فِي الْكَافِي أَنَّهَا تُجْزِئُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَضَعَ زَكَاتَهُ فِي غَيْرِ قَرْيَتِهِ إذَا كَانَ فِي قَرْيَتِهِ ضُعَفَاءُ يُرِيدُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ زَرَعَ مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى ضُعَفَاءَ عِنْدَهُ بِالْحَاضِرَةِ.

وَقَالَ أَيْضًا: وَاسِعٌ أَنْ يَبْعَثَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى الْعِرَاقِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤْثِرَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ لِمَسَاكِينَ بِأَعْيَانِهِمْ فَتُضْمَنُ إنْ دُفِعَتْ إلَى غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُجْزِئُ إنْ دُفِعَتْ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ أَعْطَاهَا لِغَنِيٍّ أَوْ لِعَبْدٍ أَوْ لِنَصْرَانِيٍّ وَهُوَ عَالِمٌ لَمْ تَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَتْ قَائِمَةً بِأَيْدِيهِمْ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَصُرِفَتْ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا. فَإِنْ أَكَلُوهَا غَرِمُوهَا عَلَى الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ الْقَوْلِ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِهَا أَمْوَالَهُمْ، وَإِنْ هَلَكَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ غَرِمُوهَا إنْ غَرِمُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَغْرَمُوا لَمْ يَغْرَمُوهَا.

وَهَلْ يَغْرَمُهَا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا الْإِمَامُ وَمَنْ جُعِلَ لَهُ تَفْرِيقُهَا؟ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَبْلَهُمْ فِيمَنْ أَعْطَى مِنْ زَكَاتِهِ غَنِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ. قِيلَ: إنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا عَدَمُ إجْزَاءِ الزَّكَاةِ إنْ طَاعَ لِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ. فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْتَجِزَ مِنْ زَكَاتِهِ عَنْ الْوَالِي مَا يُعْطَى لِلْمُحْتَاجِ؟ قَوْلَانِ وَبِالْجَوَازِ أَقُولُ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِخْرَاجِ حَقِّ مُسْلِمٍ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ شَرْعًا. اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرُ عَدْلٍ وَمَكَّنَهُ صَاحِبُهُ مِنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إخْفَائِهَا عَنْهُ لَمْ تُجْزِهِ وَوَجَبَ إعَادَتُهَا انْتَهَى.

وَنَحْوُ هَذَا عِبَارَةُ التُّونِسِيِّ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصَحُّ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَصْبَغَ إنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْوُلَاةُ مِنْ الصَّدَقَاتِ تُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوهَا مَوْضِعَهَا لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِمْ وَاجِبٌ لِمَا فِي مَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَرْجِ وَالْفَسَادِ، فَإِذَا وَجَبَ أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِمْ وَجَبَ أَنْ تُجْزِئَ. وَانْظُرْ إذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْ التَّرِكَةِ ثِقَافًا هَلْ يَتَرَاجَعُ فِيهِ الْوَرَثَةُ؟ بِهَذَا جَرَتْ فُتْيَا ابْنِ لُبٍّ إلَى هَلُمَّ جَرًّا.

وَقَدْ أَشَارَ السَّيِّدُ الْبُرْزُلِيِّ إلَى تَرْشِيحِ هَذَا فِي نَوَازِلِهِ وَأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ لَهُمْ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فُتْيَا ابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ هَرَبَ فَأُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ لِلْوَالِي عَنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْهَارِبِ فَحُكِمَ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَرِيمِ قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا قَسْمُ الْغَاصِبِ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ:" إلَّا لِتَأَوُّلٍ عَلَى الْأَحْسَنِ " وَانْظُرْ أَيْضًا آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ.

رَوَى ابْنُ نَافِعٍ: مَنْ جَحَدَ نِصْفَ مَا عِنْدَهُ وَصُدِّقَ وَأَخَذَ بِزَكَاةِ ضَعْفِهِ ظَالِمٌ لَمْ يُجْزِهِ عَمَّا جَحَدَ. الْبُرْزُلِيِّ: هَذَا مَعْنَى فُتْيَا شُيُوخِنَا إذَا أَخَذَهَا الظَّالِمُ بِغَيْرِ اسْمِ الزَّكَاةِ فَلَا تُجْزِئُ، وَأَمَّا إنْ طَاعَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ جَبَرَهُ الْمُصَدِّقُ عَلَى إنْ أَدَّى فِي صَدَقَتِهِ دَرَاهِمَ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ عِنْدَ مَحِلِّهَا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَخَذَهُ بِزَكَاةِ زَرْعِهِ بَعْدَمَا يَبِسَ أَوْ بِزَكَاةِ غَنَمِهِ أَوْ مَالِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ مَحِلِّهَا أَجْزَأَهُ وَالزَّرْعُ أَبْيَنُهُ.

قَالَ عِيسَى: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْعَامِلِ يَقِفُ عَلَى الرَّجُلِ فِي زَكَاةِ زَرْعِهِ أَوْ صَدَقَةِ مَاشِيَتِهِ فَيُقَاطِعُهُ

ص: 247

مِنْهَا بِالدَّرَاهِمِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَةً مِنْ الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجْتَزِئُ بِهَا وَيُعْتَدَّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الْعُمَّالُ يَضَعُونَ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ مَوَاضِعَهَا، وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْعَامِلُ، وَإِنْ فَعَلَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا.

ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا دَفْعُ الْقِيمَةِ إلَيْهِمْ فَمَكْرُوهٌ لِوَجْهَيْنِ: لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ، وَلِئَلَّا تَكُونَ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ فَيَكُونَ قَدْ بَخَسَ الْمَسَاكِينَ حَقَّهُمْ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ الصَّدَقَةَ مِنْ الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ فَهُوَ أَخَفُّ فِي الْكَرَاهِيَةِ إذْ لَا يُكْرَهُ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ الرُّجُوعِ فِيهَا إلَّا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ الْمِسْكِينِ الَّذِي دَفَعَهَا إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا وَرَدَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَإِذَا أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ.

وَأَمَّا شِرَاؤُهُ مِنْ الْعَامِلِ مِنْ صَدَقَاتِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ جَائِزٌ إنْ كَانُوا يَضَعُونَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَهُ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَضَعُونَ ذَلِكَ مَوَاضِعَهُ فَقِيلَ: إنَّ الشِّرَاءَ مِنْهُمْ سَائِغٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَهُمْ جَائِزٌ إنَّمَا عَدَاؤُهُمْ عَلَى الْأَثْمَانِ.

قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَالِي يُغَرِّمُ الْعُمَّالَ الظَّلَمَةَ لِنَفْسِهِ فَيُلْجِئَهُمْ ذَلِكَ إلَى بَيْعِ أَمْتِعَتِهِمْ وَرَفِيقِهِمْ. وَالصَّحِيحُ مَا فِي هَذَا السَّمَاعِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَدَاءٍ إذْ الْوَاجِبُ أَنْ تُقَسَّمَ عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلَا تُبَاعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ نُظِرَ، وَمِثْلُ أَنْ يَحْتَاجَ الْإِمَامُ أَنْ يَنْقُلَ الزَّكَاةَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِحَاجَةٍ نَزَلَتْ بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَيُخَافُ أَنْ يَذْهَبَ الْكِرَاءُ بِبَعْضِهَا فَيَرَى أَنْ يُبَاعَ وَيُشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِالثَّمَنِ مِثْلُهُ فَيُقَسَّمُ أَوْ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ فِيهِ فَيَسُدُّ لِلْمَسَاكِينِ مَسَدَهُ، فَإِذَا بَاعَ الزَّكَاةَ يَسْتَأْثِرُ بِهَا أَوْ لِيَتَعَدَّى فِيهَا فَهُوَ كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِلْعَةِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ شِرَاؤُهَا.

(لَا إنْ أُكْرِهَ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ فَلَا بَأْسَ (أَوْ نُقِلَتْ لِمِثْلِهِمْ) أَمَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْكَافِي فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ تُجْزِئَ إذَا نُقِلَتْ لِمِثْلِهِمْ (أَوْ قُدِّمَتْ فِي عَيْنٍ) فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الَّذِي يُعَجِّلُ زَكَاةَ مَالِهِ أَنَّهُ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ الصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَلَيْسَ يُعِيدُ؟ قَالَ: فَكَذَلِكَ الَّذِي يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَى

ص: 248

مَالِهِ الْحَوْلُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَا تُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ قَرُبَ الْحَوْلُ.

قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: تُجْزِئُهُ إنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ عَشَرَةٍ. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ شَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ: الشَّهْرَانِ وَنَحْوُهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا تُجْزِيهِ إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ لِأَنَّ الْحَوْلَ تَوْسِعَةٌ فَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ (وَمَاشِيَةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ. الْمَوَاشِي فِي

ص: 249

تَقْدِيمِ زَكَاتِهَا مِثْلُ الْعَيْنِ فِي تَقْدِيمِ زَكَاتِهِ.

(فَإِنْ ضَاعَ الْمُقَدَّمُ فَعَنْ الْبَاقِي) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا وَهَلْ نَقَصَ هُنَا شَيْءٌ فَإِنَّمَا هَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ أَدَاءٌ فِي وَقْتٍ لَمْ يَجُزْ.

قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ بَعْدَ

ص: 250

الْحَوْلِ بِيَوْمٍ وَشَبَهِهِ فَتَلِفَتْ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا.

قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ فَتَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضُمُّهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَخْرَجَهَا فِيهِ لَأَجْزَأَتْهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا بَقِيَ لَا مَا تَلِفَ انْتَهَى. ثُمَّ أَطْلَعَنِي نَاسِخُ هَذَا الشَّرْحِ عَلَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّهُ مَتَى هَلَكَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَنَّهُ يُزَكِّي مَا بَقِيَ إنْ كَانَتْ فِيهِ زَكَاةٌ. كَذَا يَأْتِي عِنْدِي عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ. إنَّمَا تُجْزِئُهُ إذَا أَخْرَجَهَا كَالرُّخْصَةِ وَالتَّوْسِعَةِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ وَلَمْ تَصِلْ إلَى أَهْلِهَا وَلَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا فَإِنَّ الضَّمَانَ فِيهَا سَاقِطٌ وَيُؤَدِّي زَكَاةَ مَا بَقِيَ عِنْدَ حَوْلِهِ انْتَهَى.

وَعَلَى هَذَا النَّقْلِ كُنْت أَقْتَصِرُ لَوْ كُنْت اطَّلَعْت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي التَّنْبِيهَاتِ (وَإِنْ تَلِفَ جُزْءُ نِصَابٍ وَلَمْ يُمْكِنْ الْأَدَاءُ سَقَطَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى بِمَالٍ حَالَ حَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُزَكِّيَ خَادِمًا فَمَاتَ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ.

قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَّ حَوْلُ الْمَالِ بِيَدِهِ فَفَرَّطَ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ حَتَّى ضَاعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ زَكَاتَهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ حَتَّى ضَاعَ كُلُّهُ أَوْ بَقِيَ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: الْقِيَاسُ

ص: 251

قَوْلُ ابْنِ الْجَهْمِ أَنَّهُ يُزَكِّي التِّسْعَةَ عَشَرَ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَظُّهُمْ فِيهِ، وَلَمَّا ضَاعَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَقَدْ ضَاعَ قَبْلَ إمْكَانِ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَهُوَ كَضَيَاعِهِ قَبْلَ حَوْلِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِيمَا بَقِيَ

(كَعَزْلِهَا فَضَاعَتْ) مَالِكٌ: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ حِينَ وَجَبَتْ لِيَبْعَثَ بِهَا لِمَنْ يُفَرِّقُهَا فَسُرِقَتْ أَوْ بَعَثَ بِهَا فَسَقَطَتْ لَأَجْزَأَتْهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْمَالَ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَهَلَاكُ الزَّكَاةِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي وُصُولِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ كَتَلَفِهَا مَعَ جُمْلَةِ الْمَالِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ أَخْرَجَهَا قُرْبَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ إنْ وَجَدَهَا بَعْدَ أَنْ تَلِفَ مَالُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُنَفِّذْهَا مِنْ زَكَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الدَّيْنِ فِيهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ضَيَاعُهَا مِنْ الْمَسَاكِينِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ إذَا وُجِدَتْ (لَا إنْ ضَاعَ أَصْلُهَا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ فَسُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ وَبَقِيَتْ الزَّكَاةُ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَا يَحْبِسَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ وَإِنْ سُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ بِالْقُرْبِ فِي مَوْضِعِ الَّذِي لَوْ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ الزَّكَاةِ. وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى إخْرَاجَ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْمَالِ مِنْهُ دُونَهُمْ كَمَا يَكُونُ ضَمَانُ الزَّكَاةِ الْمُخَرَّجَةِ مِنْهُمْ دُونَهُ إلَّا أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا بِالتَّعَدِّي مِنْهُ فِي حَبْسِهَا، وَأَمَّا لَوْ سُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَمْ يَشْكُلْ أَنَّ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ. (وَضَمِنَ إنْ أَخَّرَهَا عَنْ الْحَوْلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ حَالَ الْحَوْلُ فَفَرَّطَ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ حَتَّى ضَاعَ ضَمِنَ الزَّكَاةَ.

(أَوْ أَدْخَلَ عُشْرَهُ مُفَرِّطًا لَا مُحَصَّنًا وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَصَدَ زَرْعَهُ وَجَذَّ ثَمَرَهُ فِيهِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَمْ يُدْخِلْهُ بَيْتَهُ حَتَّى ضَاعَ الْقَمْحُ مِنْ الْأَنْدَرِ وَالتَّمْرُ مِنْ الْجَرِينِ فَلَا يَضْمَنُ زَكَاتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَ عُشْرَ ذَلِكَ فِي أَنْدَرِهِ لِيُفَرِّقَهُ فَضَاعَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ عِنْدَ مَحِلِّهَا لِيُفَرِّقَهَا فَضَاعَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذَا.

قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ بَيْتَهُ قَبْلَ قُدُومِ الْمُصَدِّقِ فَضَاعَ ضَمِنَ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ ضَيَّعَ أَوْ فَرَّطَ حَتَّى تَلِفَ فَهُوَ ضَامِنٌ بِاتِّفَاقٍ، سَوَاءٌ أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ أَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ ضَاعَ جَمِيعُهُ أَوْ عُشْرُهُ.

وَقَالَ التُّونِسِيُّ: إنْ خَشِيَ عَلَى عُشْرِهِ فِي الْأَنْدَرِ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ عَلَى بَابِ الْحِرْزِ لَهُ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ عَلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، فَمَرَّةً ضَمَّنَهُ

ص: 253

وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ وَأَنَّهُ أَرَادَ حِرْزَهُ بِإِدْخَالِهِ مَنْزِلَهُ، وَمَرَّةً صَدَّقَهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ إنَّمَا كَانَ عَلَى النَّظَرِ فَأَسْقَطَ عَنْهُ الضَّمَانَ. هَذَا الَّذِي أَعْتَقِدُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ فِي الْكِتَابِ مُشْكِلَةٌ حَضَرْت الْمُنَاظَرَةَ فِيهَا عِنْدَ شَيْخِنَا أَبِي جَعْفَرٍ فَتَنَازَعْنَا فِيهَا نِزَاعًا شَدِيدًا وَكَثُرَ الْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ. (وَأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَلَا تُبْدَأُ إنْ أَوْصَى بِهَا ".

(وَكَرْهًا وَإِنْ بِقِتَالٍ وَأَدَبٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ أَقَرَّ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ وَمَنَعَهَا فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ كَرْهًا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ فِي جَمَاعَةٍ وَيَدْفَعَ بِقُوَّةٍ فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَيْهَا حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُمْ (وَدُفِعَتْ لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ وَإِنْ عَيْنًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَدْ تَجِبُ ".

(وَإِنْ غَرَّ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةٍ فَجِنَايَةٌ عَلَى الْأَرْجَحِ) إنْ غَرَّ عَبْدٌ فَقَالَ إنِّي حُرٌّ فَأُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ. هَلْ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، أَوْ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ هَذَا مُتَطَوِّعٌ بِالدَّفْعِ؟ ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ أَنَّهَا جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَطَوَّعْ لَهُ إلَّا لَمَّا أَعْلَمَهُ أَنَّهُ حُرٌّ وَغَرَّهُ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ.

(وَزَكَّى مُسَافِرٌ مَا مَعَهُ) . اللَّخْمِيِّ: عَلَى مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ أَنْ يُزَكِّيَ مَا مَعَهُ وَلَا يُؤَخِّرْهُ إلَى بَلَدِهِ.

(وَمَا غَابَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخْرِجٌ وَلَا ضَرُورَة) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي زَكَاةِ مَا خَلَفَهُ الْمُسَافِرُ فِي بَلَدِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُزَكِّيهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ وَلَا قُوتَ مَعَهُ فَلْيُؤَخِّرْ إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ فَيَسْتَلِفُ يُرِيدُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَيَتَسَلَّفُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.

وَقَالَ أَيْضًا: يُؤَخِّرُ زَكَاتَهُ حَتَّى يُقَسِّمَ فِي بِلَادِهِ وَهُوَ أَبْيَنُ أَنْ يَكُونَ فُقَرَاءُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْمَالُ أَحَقَّ بِزَكَاتِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الزَّكَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَالِ فَلَيْسَ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ انْتَهَى.

وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَّ عَلَيْهِ حَوْلٌ بِغَيْرِ بَلَدِهِ زَكَّى عَمَّا مَعَهُ وَعَمَّا خَلَفَ بِبَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ خَلَفَ مَالَهُ كُلَّهُ بِبَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَاجَةَ وَلَا يَجِدَ مُسَلِّفًا فَلْيُؤَخِّرْ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ

ص: 254