الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي اسْتَدْعَى الْقَيْءَ. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ اسْتَقَاءَ عَابِثًا لِغَيْرِ مَرَضٍ وَلَا عُذْرٍ فَرَجَعَ شَيْءٌ إلَى حَلْقِهِ فَلْيُكَفِّرْ وَإِلَّا فَلْيَقْضِ. الْبَاجِيُّ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَنْ أَمْسَكَ مَاءً فِي فِيهِ فَغَلَبَهُ وَدَخَلَ حَلْقَهُ يَقْضِي وَلَا يُكَفِّرُ.
[مُبْطِلَاتُ الصِّيَامِ]
(وَإِيصَالِ مُتَحَلِّلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُبْطِلُ الصَّوْمَ وُصُولُ غِذَاءٍ لِحَلْقٍ أَوْ مَعِدَةٍ مَنْفَذٌ وَاسِعٌ (أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الصَّائِمِ يَبْتَلِعُ الدِّرْهَمَ وَالْحَصَى فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ عَلَيْهِ فِي السَّهْوِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَمْدِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا فَيَقْضِي لِتَهَاوُنِهِ بِصَوْمِهِ. فَجَعْلُ الْقَضَاءِ مَعَ الْعَمْدِ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْحَصَى يَشْغَلُ الْمَعِدَةَ إشْغَالًا مَا. وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: بَلْعُ الدِّرْهَمِ وَالْحَصَى وَاللَّوْزَةِ بِقِشْرِهَا لَغْوٌ فِي النَّفْلِ وَلَوْ عَمْدًا وَالْفَرْضُ إنْ كَانَ سَهْوًا وَإِلَّا قَضَى، وَالْعَابِثُ بِنَوَاةٍ أَوْ طِينٍ تَنْزِلُ فِي حَلْقِهِ لَغْوٌ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا وَفِي الْفَرْضِ كَأَكْلٍ لِتَغْذِيَتِهِمَا وَإِنْ نَسِيَ قَضَى فَقَطْ.
(لِمَعِدَتِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا دَاوَى جَائِفَةً بِدَوَاءٍ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِ مَائِعٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِلُ إلَى مَدْخَلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَوْ وَصَلَ إلَيْهِ لَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ.
(بِحُقْنَةٍ بِمَائِعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الْحُقْنَةَ لِلصَّائِمِ فَإِنْ احْتَقَنَ فِي فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ بِشَيْءٍ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ فَلْيَقْضِ وَلَا يُكَفِّرُ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْفَتَائِلِ تُجْعَلُ لِلْحُقْنَةِ قَالَ: أَرَى ذَلِكَ خَفِيًّا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَطَّرَ الصَّائِمُ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ
أَخَفُّ مِنْ الْحُقْنَةِ. (أَوْ حَلْقٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِيصَالِ مُتَحَلِّلٍ ".
(وَإِنْ مِنْ أَنْفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَرِهَ مَالِكٌ السَّعُوطَ لِلصَّائِمِ أَشْهَبُ. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» أَشْهَبُ: وَرَأَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إذْ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَلْقِهِ.
(وَأُذُنٍ وَعَيْنٍ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْفِطْرِ بِمَا يَصِلُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْحَلْقِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالِاكْتِحَالُ جَائِزٌ لِمَنْ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ، فَإِنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَصِلُ مُنِعَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْقَعَ بِهِ الْفِطْرَ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ الْجَوَازُ وَقَالَ: مَا كَانَ النَّاسُ يُشَدِّدُونَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ هَكَذَا. وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْجَوَابُ فِيمَا يُقَطَّرُ فِي الْأُذُنِ فَيَجُوزُ إذَا كَانَ لَا يَصِلُ، وَيُخْتَلَفُ إذَا
كَانَ يَصِلُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَكْتَحِلُ مَنْ كَانَ يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ.
(وَبَخُورٍ) ابْنُ لُبَابَةَ: يُكْرَهُ اسْتِنْشَاقُ الْبَخُورِ وَلَا يُفْطِرُ. عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ السُّلَيْمَانِيَّةِ: مَنْ بَخَّرَ بِدَوَاءٍ فَوَجَدَ طَعْمَ الدُّخَانِ فِي حَلْقِهِ قَضَى، وَكَذَا إنْ وَجَدَ طَعْمَ دُهْنِ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي.
وَفِي التَّلْقِينِ: يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ مِمَّا يَنْمَاعُ أَوْ لَا يَنْمَاعُ ثُمَّ قَالَ: وَمِثْلُهَا الْكُحْلُ وَالدُّهْنُ وَالشُّمُومُ الْوَاصِلَةُ إلَى الْحَلْقِ وَإِنْ مِنْ الْأَنْفِ.
وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ حَكَّ الْحَنْظَلَ تَحْتَ رِجْلِهِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي فَمِهِ أَوْ قَبَضَ عَلَى الثَّلْجِ فَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي جَوْفِهِ لَمْ يُفْطِرْ.
(وَقَيْءٍ وَبَلْغَمٍ إنْ أَمْكَنَ طَرْحُهُ مُطْلَقًا) تَضَمَّنَ كَلَامُهُ صِحَّتَهُ بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ وَبِتَرْكِ جِمَاعٍ وَإِخْرَاجِ مَنِيٍّ وَإِيصَالِ قَيْءٍ وَبَلْغَمٍ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْقَيْءُ الْغَالِبُ إذَا عَرَفَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى حَلْقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى فِيهِ فَلْيَقْضِ فِي الْوَاجِبِ وَلَا يَقْضِي فِي التَّطَوُّعِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ رَجَعَ إلَى حَلْقِهِ قَبْلَ فُصُولِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ فُصُولِهِ مَغْلُوبًا أَوْ غَيْرَ مَغْلُوبٍ وَهُوَ نَاسٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.
وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا شَيْءَ فِي الْبَلْغَمِ إذَا نَزَلَ إلَى الْحَلْقِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَرْحِهِ. الْقَبَّابُ: بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا كَانَ يَتَكَلَّفُ فِي صَوْمِهِ إخْرَاجَ الْبَلْغَمِ مَهْمَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَحِقَتْهُ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ لِتَكَرُّرِهِ عَلَيْهِ.
وَفِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بَيَانُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى اللَّهَوَاتِ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَرْحِهِ.
اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا وَصَلَ إلَى اللَّهَوَاتِ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَنَخَّمَ ثُمَّ ابْتَلَعَ نُخَامَتَهُ مِنْ بَيْنِ لَهَوَاتِهِ أَوْ مِنْ بَعْدِ فُصُولِهَا إلَى طَرَفِ لِسَانِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ، لِأَنَّ النُّخَامَةَ لَيْسَتْ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَمَخْرَجُهَا مِنْ الرَّأْسِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَخْذَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ فِي فِيهِ مُعْتَادٌ كَالرِّيقِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ابْتِلَاعُهُ لِإِمْكَانِ الِانْفِكَاكِ عَنْهُ بِخِلَافِ الرِّيقِ. ابْنُ رُشْدٍ: رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ النُّخَامَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ابْتِلَاعِهِ إيَّاهَا عَامِدًا. الْقَبَّابُ: وَمَضَى عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ
وَهُوَ الرَّاجِحُ انْتَهَى.
اُنْظُرْ مَا عَزَاهُ الشُّيُوخُ لِابْنِ حَبِيبٍ قَدْ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ وَجَّهَهُ الشُّيُوخُ وَرَجَّحُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَسَكَتَ فِي الْكَفَّارَةِ فَانْظُرْ أَنْتَ قَوْلَ خَلِيلٍ: " إنْ أَمْكَنَ طَرْحُهُ مُطْلَقًا، وَانْظُرْ أَيْضًا " لَوْ قَلَسَ مَاءً أَوْ طَعَامًا ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى طَرَفِ لِسَانِهِ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ يُمْكِنُ طَرْحُهُ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي عَمْدِهِ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ وَمَخْرَجُهُ مِنْ الصَّدْرِ وَيَقْضِي فِي سَهْوِهِ. قَالَ: وَهُوَ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ إنْ فَعَلَهُ فِيهَا عَمْدًا كَمَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ بَيْنِ لَهَوَاتِهِ وَمِنْ مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُهُ طَرْحُهُ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْبَاجِيُّ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَلْسَ طَعَامٌ بِخِلَافِ النُّخَامَةِ.
قَالَ: وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَبْتَلِعُ الْقَلْسَ نَاسِيًا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي عَمْدِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا أَنَّهُ خَارِجٌ يَسِيرُ إلَى الْفَمِ فَأَشْبَهَ النُّخَامَةَ.
(أَوْ غَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ)
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الصَّائِمُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ مِنْ حَرٍّ يَجِدُهُ وَذَلِكَ يُعِينُهُ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ.
قَالَ: فَإِنْ تَمَضْمَضَ لِذَلِكَ أَوْ لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ فَلْيَقْضِ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ لَا يَقْضِي. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ بَلْعُ رِيقِهِ إذَا تَمَضْمَضَ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ بَعْدَ زَوَالِ طَعْمِ الْمَاءِ مِنْهُ.
(أَوْ سِوَاكٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُكْرَهُ السِّوَاكُ بِالرَّطْبِ يَتَحَلَّلُ فَإِنْ تَحَلَّلَ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ فَكَالْمَضْمَضَةِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ ".
(وَقَضَى فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَوَاجِبِ الصَّوْمِ الْمَضْمُونِ بِفِطْرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ مُكْرَهًا وَالْمُعَيَّنِ بِفِطْرِهِ عَمْدًا اخْتِيَارًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَفُّ الْمُفْطِرِ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَاجِبٌ.
(وَإِنْ بِصَبٍّ فِي حَلْقِهِ نَائِمًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أُكْرِهَ أَوْ كَانَ نَائِمًا فَصُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَإِنْ كَانَ صِيَامُهُ مُتَطَوِّعًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ.
(كَمُجَامَعَةِ نَائِمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ
فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ فَقَطْ لِأَنَّهُ كَالْإِكْرَاهِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَتَكُفُّ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا وَالْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا.
(وَكَأَكْلِهِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ لِمَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ أَنْ يَأْكُلَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ فَعَلَ فَبَانَ كَوْنُ أَكْلِهِ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْضِي. عِيَاضٌ: حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَ مَالِكٍ يَقْضِي عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: بَلْ الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي ذِمَّتِهِ يَبْقَى فَلَا يَزُولُ عَنْ ذِمَّتِهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ: " حَتَّى يَتَبَيَّنَ " يُرِيدُ حَتَّى تُقَارِبُوا بَيَانَ الْخَيْطِ كَمَا قَالَ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] يُرِيدُ قَارَبْنَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى يَدْخُلَ جُزْءٌ مِنْ اللَّيْلِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْكُلُ إلَى دُخُولِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ وَرُشِّحَ هَذَا بِأَبْلَغَ اُنْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْهُ.
(أَوْ طَرَأَ الشَّكُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ شَكَّ أَنْ يَكُونَ أَكَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. ابْنُ يُونُسَ: إذْ لَا يَرْتَفِعُ فَرْضٌ بِغَيْرِ يَقِينٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَمَا أَنَّ السُّنَّةَ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ كَذَلِكَ السُّنَّةُ تَقْدِيمُ الْإِمْسَاكِ إذَا قَرُبَ الْفَجْرُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصِّيَامِ. وَقَوْلُهُ عليه السلام: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَكَانَ رَجُلًا
أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت فَأَوَّلَهُ عُلَمَاؤُنَا قَارَبْت الصَّبَاحَ. اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ تَسَحَّرَ فِي تَطَوُّعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ كَانَ طَلَعَ فَإِنْ كَانَ بَيَّتَ الصِّيَامَ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَنْ يَقُومَ فَيَتَسَحَّرَ ثُمَّ يَعْقِدَ الصِّيَامَ بَعْدَ سُحُورِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ دَلِيلَهُ اقْتَدَى بِالْمُسْتَدِلِّ وَإِلَّا احْتَاطَ. ابْنُ بَشِيرٍ: مُرِيدُ الصَّوْمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى الْفَجْرِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْمُسْتَدِلِّ وَفِيهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ أَنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ الْحَدِيثَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ فَلَهُ التَّحَرِّي وَالْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ تَصْدِيقُ الْمُؤَذِّنِ الْعَارِفِ الْعَدْلِ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ. قَالَ: وَإِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْفَجْرِ فَلْيَكُفَّ وَيَسْأَلْ الْمُؤَذِّنَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلْيَعْمَلْ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا وَلَا عَارِفًا فَلْيَقْضِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَلْيَقْضِ وَمُبَاحٌ لَهُ فِطْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالتَّمَادِي.
(إلَّا الْمُعَيَّنَ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ) أَمَّا أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْمُعَيَّنَ لِمَرَضٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَهُ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ وَإِنْ أَفْطَرَهُ مُتَعَمِّدًا يُرِيدُ أَوْ نَاسِيًا قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَأَمَّا أَنَّهَا لَا تَقْضِي الْمُعَيَّنَ لِحَيْضٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَذَرَتْ امْرَأَةٌ صَوْمَ سَنَةٍ ثَمَانِينَ فَلَا تَقْضِي أَيَّامَ حَيْضَتِهَا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ كَالْمَرَضِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ نَذَرَتْ صَوْمَ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ مَا بَقِيَتْ فَحَاضَتْ فِيهِنَّ أَوْ مَرِضَتْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا.
قَالَ: وَأَمَّا السَّفَرُ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَأَنِّي رَأَيْته يَسْتَحِبُّ لَهُ الْقَضَاءَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ نَذَرَتْ صِيَامَ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا فِيهَا وَأَمَّا لَا يَقْضِي الْمُعَيَّنَ لِنِسْيَانٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ يُرِيدُ أَوْ نَاسِيًا، وَمِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَصُومَ غَدًا فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَأَكَلَ نَاسِيًا لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا لِيَمِينِهِ. وَمِنْ رَسْمِ جَاعَ: مَنْ نَذَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَأَصْبَحَ يَأْكُلُ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ يَكُفُّ عَنْ الطَّعَامِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ حُكْمُهُ حُكْمُ رَمَضَانَ إلَّا فِي الْكَفَّارَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ نِسْيَانًا فِي صَوْمِ نَذْرِ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ يَقْضِي انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ
لَا يَقْضِي الْمُعَيَّنَ إنْ أَفْطَرَهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ وَيَقْضِيهِ إنْ أَفْطَرَهُ نِسْيَانًا أَوْ سَفَرًا أَوْ عَمْدًا وَهَذَا رَابِعُ الْأَقْوَالِ.
(وَفِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ وَلَوْ بِطَلَاقٍ بَتَّ إلَّا لِوَجْهٍ كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا) . ابْنُ رُشْدٍ: فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِطْرِ إنْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُجِيزُهُ وَيَقُولُ: هَذَا الَّذِي هُوَ يَلْعَبُ بِصَوْمِهِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ: إنْ حَلَفَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُحَنِّثْهُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا، وَإِنْ حَلَفَ هُوَ فَلْيُكَفِّرْ وَلَا يُفْطِرُ، وَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْفِطْرِ فَلْيُطِعْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ رِقَّةً مِنْهُمَا عَلَيْهِ لِإِدَامَةِ صَوْمَهُ قَالَ ابْنُ غَالِبٍ: حُرْمَةُ شَيْخِهِ كَحُرْمَةِ وَالِدِيهِ.
وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ فِي مُوَافَقَاتِهِ: تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْكُبَرَاءِ مَطْلُوبٌ وَإِنَّهُ مُبْعَدٌ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالتِّلْمِيذِ حَتَّى قَالُوا: مَنْ قَالَ لِشَيْخِهِ لِمَ فَإِنَّهُ لَا يُفْلِحُ. ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةَ أَبِي يَزِيدَ فِي الشَّابِّ الَّذِي قَالُوا لَهُ كُلْ مَعَنَا فَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ أَبُو يَزِيدَ: دَعُوا مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ
فِي وَطْءِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ وَكُلُّ وَطْءٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَلَا يُحْصِنُ وَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ وَطِئَهَا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ لِأَيَّامٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا فَوَطْؤُهُ يَحِلُّ وَيُحْصِنُ إجْمَاعًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ نَذْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ سَاهِيًا جَازَ لَهُ فِطْرُ بَاقِيهِ إنْ شَاءَ وَيَقْضِيهِ.
(وَكَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ وَجَهْلٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ جِمَاعًا) . ابْنُ عَرَفَةَ:
تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ. الْكَافِي: وَكُلُّ وَاجِبٍ غَيْرُ رَمَضَانَ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُفْطِرِ فِيهِ عَامِدًا.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ جُلِدَ لِلْخَمْرِ ثَمَانِينَ ثُمَّ يُضْرَبُ لِلْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ يُفَرِّقَهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: فَإِنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَإِنْ قَرُبَ تَأْوِيلُهُ وَاسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ مَوْجُودٍ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهَذَا كَمَا مَثَّلَهُ فِي الْكِتَابِ فِيمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا، وَالْمَرْأَةُ تَرَى الطُّهْرَ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ فَلَا تَغْتَسِلُ فَتَظُنُّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ لَيْلًا فَلَا صَوْمَ لَهُ فَتَأْكُلُ، وَالرَّجُلُ يَدْخُلُ مِنْ سَفَرِهِ لَيْلًا فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا صَوْمَ لَهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ نَهَارًا فَيُفْطِرُ، وَالْعَبْدُ يَخْرُجُ رَاعِيًا عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَظَنَّ أَنَّهُ سَفَرٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى جَمِيعِ هَؤُلَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا رَأَيْت مَالِكًا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى التَّأْوِيلِ فَلَمْ أَرَهُ يَجْعَلُ فِيهِ كَفَّارَةً.
قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْجَاهِلِ كَذِي تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ. فَلَوْ جَامَعَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ لِظَنِّهِ قَصْرَ الصَّوْمِ عَلَى مَنْعِ الْغِذَاءِ لِعُذْرٍ.
قَالَ: وَعِلَّةُ الْمَذْهَبِ الِانْتِهَاكُ فَمَنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا صَدَقَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ صَدَقَ فِيمَا يُشْبِهُ وَلَزِمَتْهُ فِيمَا لَا يُشْبِهُ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: «وَأَوْجَبَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُنْتَهِكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ بِالْوَطْءِ الْكَفَّارَةَ» .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ طَاوَعَتْهُ امْرَأَتُهُ فِي الْوَطْءِ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ حَاضَتْ فِي آخِرِهِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمَ ثَلَاثِينَ جُرْأَةً ثُمَّ جَاءَ الثَّبْتُ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ.
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ لَا لِهَتْكٍ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ فَلَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ثُمَّ عَادَ ثَانِيَةً فِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُخْرَى.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَيُفْسِدُ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ.
ابْنُ يُونُسَ: أَنْهَى بَعْضُهُمْ هَذَا إلَى سِتِّينَ وَجْهًا، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ وَطْئًا وَإِنْزَالًا.
(أَوْ رَفْعَ نِيَّةٍ نَهَارًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصْبَحَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَنِيَّتُهُ الْإِفْطَارُ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَلْيَقْضِ وَلْيُكَفِّرْ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ يُرِيدُ لِأَنَّهُ بَيَّتَ الْفِطْرَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ نَوَى الْفِطْرَ بَعْدَمَا أَصْبَحَ نَهَارَهُ كُلَّهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا أَدْرِي قَالَ: الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ أَوْ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ.
وَمِنْ النُّكَتِ: مَنْ رَفَضَ صَلَاتَهُ أَوْ رَفَضَ صَوْمَهُ كَانَ رَافِضًا بِخِلَافِ مَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ أَوْ رَفَضَ وُضُوءَهُ بَعْدَ كَمَالِهِ أَوْ
فِي خِلَالِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ هَذَا فِيمَنْ حَالَتْ نِيَّتُهُ إلَى نَافِلَةٍ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ.
وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ سَهْوًا، فَأَمَّا الْعَابِثُ الْعَامِدُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ أَنْ يُفْسِدَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ أَشْهَبَ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ تَقَدَّمَتْ لَهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ ثُمَّ نَوَى الْفِطْرَ فَهَذَا لَا تَرْتَفِضُ النِّيَّةُ الْأُولَى عَنْهُ إلَّا بِالْفِعْلِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْفِطْرِ بِالنِّيَّةِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ بَعْدَ انْعِقَادِ الصَّوْمِ وَصِحَّتِهِ، فَجَعَلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُفْطِرًا وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ لَا يَكُونُ قُرْبَةً لِلَّهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَإِذَا أَحْدَثَ هَذَا نِيَّةً أَنَّهُ لَا يُمْسِكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ لِلَّهِ لَمْ يَكُنْ مُطِيعًا وَلَا مُتَقَرِّبًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى مِنْ الْفَرِيضَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَرِّبٍ لِلَّهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ عَمَلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ غَيْرُ نَاسٍ لِمَا دَخَلَ فِيهِ، أَوْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ أَتَمَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ يُفْطِرَ بِالْفِعْلِ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ وَأَتَمَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ، وَلَيْسَ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَوَى أَنْ يَكُونَ فِي إمْسَاكِهِ غَيْرَ مُتَقَرِّبٍ لِلَّهِ، وَهَذَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا يُفْطِرُ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَبَقِيَ عَلَى نِيَّةٍ الْقُرْبَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَ أَهْلَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ.
(أَوْ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا بِفَمٍ فَقَطْ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ بِمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ أَوْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْفَمِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِي الْوَاصِلِ إلَى الْمَعِدَةِ أَوْ الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ خِلَافًا لِأَبِي مُصْعَبٍ ظَنَّ أَنَّ الشَّرِيعَةَ عَلَّقَتْ الْكَفَّارَةَ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَى الْمَعِدَةِ مَعَ الْقَصْدِ وَالْعَمْدِ.
(وَإِنْ بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ جَهِلَ أَنْ يَمُجَّ مَا تَجَمَّعَ فِي فِيهِ مِنْ السِّوَاكِ الرَّطْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الْبَاجِيُّ: فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ الرِّيقَ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ، وَفِي التَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ الْقَضَاءُ فَقَطْ انْتَهَى. اُنْظُرْ أَغْرَبَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ مَنْ اسْتَاكَ بِالسِّوَاكِ الْمُتَّخَذِ مِنْ أُصُولِ الْجَوْزِ لَيْلًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: مَنْ اكْتَحَلَ لَيْلًا لَا يَضُرُّهُ هُبُوطُ الْكُحْلِ فِي مَعِدَتِهِ نَهَارًا.
(أَوْ مَنِيًّا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ وَطْئًا وَإِنْزَالًا. وَتَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: الْإِنْزَالُ بِاحْتِلَامٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلصِّيَامِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
(وَإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ فَكَّرَ فَالْتَذَّ بِقَلْبِهِ فَلَا حُكْمَ لِلَّذَّةِ، فَإِنْ أَنْعَظَ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ أَمَذَى نَظَرْت هَلْ اسْتَدَامَ أَوْ لَمْ يَسْتَدِمْ، فَإِنْ اسْتَدَامَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَمَذَى قَصْدًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ،
وَإِنْ أَمْنَى فَإِنْ اسْتَدَامَ قَضَى وَكَفَّرَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ قَضَى بِلَا كَفَّارَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَلَبَةً فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ (إلَّا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) اُنْظُرْ نَصَّ اللَّخْمِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُقَدِّمَةِ جِمَاعٍ ".
(وَإِنْ أَمْنَى بِتَعَمُّدِ نَظَرِهِ فَتَأْوِيلَانِ) . ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ نَظَرَ فَأَمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ اسْتَدَامَ النَّظَرَ فَأَلْزَمَهُ الْقَابِسِيُّ الْكَفَّارَةَ وَتَأَوَّلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَصَدَ إلَى النَّظَرِ وَرَأَى أَنَّ قَوْلَهُ بِالسُّقُوطِ إنَّمَا هُوَ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ. ابْنُ يُونُسَ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ الْقَابِسِيِّ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ وِفَاقٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ.
(بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلٍّ مُدٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يُعَرِّفْ مَالِكٌ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الْإِطْعَامَ وَهُوَ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُدًّا مُدًّا. الْبَاجِيُّ: بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُطْعِمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ
(وَهُوَ الْأَفْضَلُ) .
ابْنُ يُونُسَ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْإِطْعَامَ عَلَى الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا. ابْنُ عَرَفَةَ: بَادَرَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَمِيرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حِينَ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ وَطْئِهِ جَارِيَةً لَهُ فِي رَمَضَانَ لِكَفَّارَتِهِ بِصَوْمِهِ فَسَكَتَ حَاضِرُوهُ ثُمَّ سَأَلُوهُ لِمَ لَمْ يُخَيِّرْ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ؟ فَقَالَ: لَوْ خَيَّرْتُهُ وَطِئَ كُلَّ يَوْمٍ وَأَعْتَقَ فَلَمْ يُنْكِرُوا. وَتَعَقَّبْ هَذَا فَخْرُ الدِّينِ بِأَنَّهُ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ الشَّرْعِ إلْغَاؤُهُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إبْطَالِهِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُفْتِيَ بِذَلِكَ رَأَى أَنَّ الْأَمِيرَ فَقِيرٌ وَمَا بِيَدِهِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يُرَدُّ هَذَا بِتَعْلِيلِ الْمُفْتِي بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مُوحِشٌ. اُنْظُرْ قَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ الرَّشِيدَ حَنِثَ فِي يَمِينٍ. فَقَالَ لَهُ غَيْرُ مَالِكٍ: عَلَيْكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ. فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: عَلَيْك صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
فَقَالَ الرَّشِيدُ: قَدْ قَالَ اللَّهُ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] فَأَقَمْتنِي مُقَامَ الْمُعْدِمِ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّ مَا فِي يَدِك لَيْسَ لَكَ، عَلَيْكَ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ أَوْ عِتْقِ رَقَبَةٍ) فِي الْمُوَطَّأِ:«أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا» (كَالظِّهَارِ) . الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّخْيِيرُ بِخِلَافِ الظِّهَارِ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ وَاجِبٌ تَرْتِيبُهَا إلَّا أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ الْإِطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الصِّيَامِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ هِيَ إطْعَامُ سِتِّينَ مُدًّا مُدًّا كَالظِّهَارِ، مُوهِمٌ أَنَّهَا بِالْمُدِّ الْهَاشِمِيِّ: فَمُدُّ الظِّهَارِ غَيْرُ مُدِّ كَفَّارَةِ الصِّيَامِ.
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يُجْزِئُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الصِّيَامِ مِنْ كَوْنِ الرَّقَبَةِ كَامِلَةً غَيْرَ مُلَفَّقَةٍ سَلِيمَةً مُحَرَّرَةً
وَتَحْرِيرُهَا أَنْ يَبْتَدِئَ إعْتَاقَهَا. (وَعَنْ أَمَةٍ وَطِئَهَا) نَقَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ وَطِئَ أَمَتَهُ كَفَّرَ عَنْهَا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ لِأَنَّ طَوْعَهَا كَالْإِكْرَاهِ لِلرِّقِّ. ابْنُ يُونُسَ: إلَّا أَنْ تَطْلُبَهُ هِيَ فِي ذَلِكَ وَتَسْأَلَهُ فِيهِ فَيَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ.
(أَوْ زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَكْرَهَ امْرَأَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ عَنْهَا وَعَنْهُ الْكَفَّارَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَطِئَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَيَّامًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ وَطِئَهَا فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْسَدَ يَوْمًا وَاحِدًا.
قَالَ: وَإِنْ طَاوَعَتْهُ امْرَأَتُهُ فِي الْوَطْءِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَحَاضَتْ فِي آخِرِهِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ نِيَابَةً فَلَا يَصُومُ وَلَا يُعْتِقُ عَنْ أَمَةٍ وَإِنْ أَعْسَرَ كَفَّرَتْ وَرَجَعَتْ إنْ لَمْ تَصُمْ بِالْأَقَلِّ مِنْ الرَّقَبَةِ وَكَيْلِ الطَّعَامِ. ابْنُ يُونُسَ: إذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ خُيِّرَ فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ، وَإِذَا كَفَّرَ عَنْ زَوْجَتِهِ خُيِّرَ فِي وَجْهَيْنِ: الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ، وَإِذَا كَفَّرَ عَنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْإِطْعَامُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَهُ. النُّكَتُ: إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ مُكْرَهَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ فَكَفَّرَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا بِالْإِطْعَامِ رَجَعَتْ
عَلَى الزَّوْجِ بِالْأَقَلِّ مِنْ مَكِيلَةِ الطَّعَامِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَتْ بِهِ ذَلِكَ الطَّعَامَ أَوْ قِيمَةِ الْعِتْقِ أَيُّ ذَلِكَ أَقَلُّ رَجَعَتْ بِهِ، وَلَيْسَتْ كَالْحَمِيلِ يَشْتَرِي مَا يَحْمِلُ بِهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ لِلطَّالِبِ فَهَذَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْحَمِيلَ مَأْخُوذٌ بِذَلِكَ وَالزَّوْجَةُ لَمْ تَكُنْ مُضْطَرَّةً إلَى أَنْ تُكَفِّرَ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا مَأْخُوذَةً بِذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ كَأَجْنَبِيٍّ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ كَفَّرَتْ عَنْ نَفْسِهَا تَصُومُ لَمْ تَرْجِعْ بِشَيْءٍ.
(وَفِي تَكْفِيرِهِ عَنْهَا إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْقُبْلَةِ حَتَّى أَنْزَلَا تَأْوِيلَانِ) حَمْدِيسٌ: إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْقُبْلَةِ فَأَنْزَلَتْ كَفَّرَ عَنْهَا. عِيَاضٌ: بِهَذَا تَأَوَّلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْمُدَوَّنَةَ.
قَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا يُكَفِّرُ عَنْهَا. عِيَاضٌ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.
(وَفِي تَكْفِيرِ مُكْرِهِ رَجُلٍ لِيُجَامِعَ قَوْلَانِ) . الْبَاجِيُّ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ خَاصَّةً.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُلْتَذٌّ بِالْجِمَاعِ. الْبَاجِيُّ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الِالْتِذَاذَ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ عَاصِيًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَى مُكْرِهِ رَجُلٍ عَلَى وَطْءٍ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. أَمَّا نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ فَانْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمُجَامَعَةِ نَائِمَةٍ " وَأَمَّا نَصُّ اللَّخْمِيِّ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى الشُّرْبِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ جَامِع زَوْجَتَهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةً. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: " لَا كَفَّارَةَ عَلَى
الْمَرْأَةِ إذَا أُكْرِهَتْ بِالْوَطْءِ " أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ أَعْذَرُ مِنْ النَّاسِي وَيُكَفِّرُ الْمُكْرِهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ اجْتِرَائِهِ عَلَى انْتِهَاك صَوْمِ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفْسِدَ صَوْمَ نَفْسِهِ أَوْ صَوْمَ غَيْرِهِ.
(لَا إنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ أَوْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ) أَمَّا مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْإِبَاحَةَ فَتَمَادَى عَلَى فِطْرِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
فَانْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ "، وَانْظُرْ هُنَاكَ أَيْضًا مَسْأَلَةَ مَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا مَنْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ قَضَى وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ:" قُرْبَهُ ". وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ ". وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَوْمٍ رَأَوْا الْهِلَالَ يَوْمَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فِي
نِصْفِ النَّهَارِ فَأَفْطَرُوا إنَّمَا عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَفْطَرُوا عَلَى تَأْوِيلٍ (بِخِلَافِ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اسْتَنَدَ تَأْوِيلُهُ إلَى سَبَبٍ مَفْقُودٍ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ نَظَرًا إلَى الْحَالِ وَهَذَا كَمَسْأَلَةِ الْمُفْطِرَةِ تَعْوِيلًا عَلَى أَنَّ غَدًا يَوْمَ حَيْضَتِهَا (كِرَاءٍ وَلَمْ يُقْبَلْ) الظَّاهِرُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيِّ الْمَذْهَبَ اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ ".
(أَوْ لِحُمَّى ثُمَّ حُمَّ أَوْ لِحَيْضٍ ثُمَّ حَصَلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا رَأَيْت مَالِكًا يَجْعَلُ الْكَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى التَّأْوِيلِ إلَّا امْرَأَةً قَالَتْ غَدًا أَحِيضُ فَأَفْطَرَتْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَحَاضَتْ آخِرَهُ، وَاَلَّذِي قَالَ الْيَوْمَ أُحَمُّ فَأَفْطَرَ ثُمَّ حُمَّ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمَا تَأَوَّلَا أَمْرًا لَمْ يَنْزِلْ بِهِمَا بَعْدُ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَأَصْلُهُمْ فِي هَذَا أَنْ لَا حُكْمَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْأَقْيَسُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا يُعْذَرَانِ.
وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْكَفَّارَةُ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ لَا لِهَتْكِ الْحُرْمَةِ فَلَوْ كَرَّرَ الْفِطْرَ لَمْ تُكَرَّرْ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى الثَّبْتُ أَنَّهُ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ انْتِهَاءُ حَيْضَتِهَا بَقِيَّةَ الْيَوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ. قُلْت: وَكَذَا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَثَبَتَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ انْقَضَتْ غَرْو سَلِمَ. انْتَهَى نَصُّ الْبُرْزُلِيُّ فَانْظُرْ هَذَا النَّقْلَ مَعَ نَصِّ التَّلْقِينِ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى بِالْخُرُوجِ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ الْهَتْكِ لَا يُسْقِطُهَا عَنْ يَوْمِ وُجُوبِهَا طُرُوُّ عُذْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَرَضٍ أَوْ بِحَيْضٍ.
(أَوْ حِجَامَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ فَتَأَوَّلَ أَنَّ لَهُ
الْفِطْرَ فَأَكَلَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَوْجَبَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَهَذَا نَحْوُ مَنْ أَصْبَحَ فِي الْحَضَرِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَتَأَوَّلَ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ فَأَكَلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ ثُمَّ خَرَجَ فَسَافَرَ فَفِيهِ خِلَافٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءَ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ تَكْفِيرُ الذَّنْبِ وَمَنْ تَأَوَّلَ لَمْ يُذْنِبْ انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَسَائِلِ خَلِيلٍ.
(أَوْ غِيبَةٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُكَفِّرُ ذُو التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ كَأَنْ يَغْتَابَ فَيَتَأَوَّلَ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِذَلِكَ فَيَأْكُلُ.
(وَلَزِمَ مَعَهَا الْقَضَاءُ) التَّلْقِينُ:
يَلْزَمُ قَضَاءُ رَمَضَانَ بِإِفْسَادِهِ أَوْ بِتَرْكِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ (إنْ كَانَتْ لَهُ) اُنْظُرْ لَا
شَكَّ أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى عَنْ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ مَعَهَا الْقَضَاءُ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ فَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَيْرِ لَا عَلَى الْمُكَفِّرِ إذْ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ قَالَ: عَلَيْهِمَا مَعًا الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ وَحْدَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ وَعَنْهَا. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا ".
(وَالْقَضَاءُ فِي التَّطَوُّعِ لِمُوجِبِهَا) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَلْزَمُ فِي التَّطَوُّعِ لِمُوجِبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْغَرَضِ، وَهَلْ يَكُونُ هَذَا مُوَافِقًا لِلْكَافِي قَالَ مَا نَصُّهُ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَإِنْ كَانَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى النَّاسِي الْكَفُّ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ.
(وَلَا قَضَاءَ فِي غَالِبِ قَيْءٍ) التَّلْقِينُ: لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ذَرْعُ قَيْءٍ وَلَا حِجَامَةٌ وَلَا رُكُوبُ مَأْثَمٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ وَمُضِيِّهِ عَلَى بَيْتِهِ وَإِمْسَاكِهِ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْقَذْفِ.
(وَذُبَابٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الصَّائِمِ يَدْخُلُ حَلْقَهُ الذُّبَابُ أَوْ يَكُونُ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فِلْقَةُ حَبَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَبْلَعُهَا مَعَ رِيقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ صَلَاتَهُ.
(وَغُبَارِ طَرِيقٍ) قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فِي الْغُبَارِ يَكْثُرُ فِي حَلْقِ الصَّائِمِ حَتَّى يَتَجَاوَزَ إلَى جَوْفِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِيهِ شَيْئًا. (أَوْ دَقِيقٍ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: الْأَظْهَرُ فِي غُبَارِ الدَّقِيقِ لِصَانِعِهِ لَغْوُهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَعِبَارَةُ الْجَلَّابِ: مَنْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ غُبَارُ الدَّقِيقِ أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَشْهَبُ: الدَّقِيقُ يَدْخُلُ غُبَارُهُ فِي حَلْقِ الصَّائِمِ لَيَقْضِيَ فِي رَمَضَانَ وَالْوَاجِبِ وَلَا يَقْضِي فِي التَّطَوُّعِ (أَوْ كَيْلٍ) اُنْظُرْ أَنْتَ هَذَا (أَوْ جِبْسٍ) الْمَعْزُوُّ لِسَحْنُونٍ وَأَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ غُبَارَ الطَّرِيقِ عَفْوٌ لِغَلَبَتِهِ.
قَالَ
أَشْهَبُ: بِخِلَافِ الدَّقِيقِ يَبْقَى النَّظَرُ فِي غُبَارِ الْجَبَّاسِينَ.
قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا غُبَارُ الْجَبَّاسِينَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا لَا يُغَذِّي وَيَنْفَرِدُ بِالِاضْطِرَارِ إلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فَهَلْ يَكُونُ كَغُبَارِ الدَّقِيقِ أَوْ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ؟ فَإِنْ عَلَّلْنَا غُبَارَ الطَّرِيقِ بِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُغَذِّي فَهَذَا مِثْلُهُ، فَإِنْ عَلَّلْنَاهُ بِعُمُومِ الِاضْطِرَارِ فَهَذَا بِخِلَافِهِ.
وَقَالَ التُّونِسِيُّ: فِي لَغْوِ غُبَارِ الطَّرِيقِ وَالْجِبْسِ وَالدِّبَاغِ الصَّانِعَةِ نَظَرٌ لِضَرُورَةٍ لِصُنْعِهِ وَإِمْكَانِ غَيْرِهَا. الْبُرْزُلِيِّ: نَظِيرُ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْسَهُ فِي الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّهَابِ لِلصَّلَاةِ كَالْمُحْرِمِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ يَكُونُ الْحَمْلُ عَلَى رَأْسِهِ صَنْعَتَهُ. وَقَيَّدْت عَنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ يَسْتَأْجِرُهُ وَيَقُولُ لَهُ صَلِّ، وَمَنْ قَالَ لَهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ: لَا تَعْمَلُ لِي شَيْئًا فَهُوَ أَحْسَنُ (لِصَانِعِهِ) قَدْ قَرَّرْت مَا تَخَيَّرْته مِنْ النُّصُوصِ وَتَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمُضْطَرٍّ " فَانْظُرْهُ أَنْتَ (وَحُقْنَةٍ فِي إحْلِيلٍ أَوْ
دُهْنِ جَائِفَةٍ) الْإِحْلِيلُ مَجْرَى الْبَوْلِ وَتَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِحُقْنَةِ مَائِعٍ ".
(وَمَنِيِّ مُسْتَنْكِحٍ أَوْ مَذْيٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْزَالُ مُجَرَّدِ الْفِكْرَةِ دُونَ تَتَابُعٍ إنْ كَثُرَ لَغْوٌ لِلْمَشَقَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَالنَّظَرُ أَحْرَى اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الِاحْتِلَامَ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُبْطِلُ الصَّوْمَ الْمَنِيُّ بِلَذَّةٍ يَقِظَةً.
(وَنَزْعِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ أَوْ فَرْجٍ طُلُوعَ الْفَجْرِ) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ يَأْكُلُ فَلْيُلْقِ مَا فِي فِيهِ، وَلْيَنْزِلْ عَنْ امْرَأَتِهِ إنْ كَانَ يَطَأُ، وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يُخَضْخِضَ الْوَاطِئُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" أَوْ طَرَأَ الشَّكُّ ".
وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: يُلْقِي مَا فِي فِيهِ وَيَتَمَضْمَضُ.
وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَجَازَ سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْس بِالسِّوَاكِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ بِعُودٍ يَابِسٍ وَإِنْ بَلَّهُ بِالْمَاءِ وَأَكْرَهُهُ بِالْعُودِ الرَّطْبِ خَوْفَ تَحَلُّلِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا لِعَالِمٍ (وَمَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ غَالِبِ
مَضْمَضَةٍ ".
(وَإِصْبَاحٌ بِجَنَابَةٍ) الرِّسَالَةُ: لَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ الْوَطْءُ فِي لَيْلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا مِنْ
الْوَطْءِ.
(وَصَوْمُ دَهْرٍ) قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ وَقَدْ سَرَدَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ إلَّا الْأَيَّامَ الَّتِي مُنِعَ صَوْمُهَا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: حَسَنٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ فَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى ذِي مَشَقَّةٍ أَوْ تَعْمِيمٍ فِيمَا مُنِعَ.
(وَجُمُعَةٍ فَقَطْ) الْبَاجِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ صِيَامَهُ لِأَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ الْأُسْبُوعِ فَجَازَ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ صِيَامَهُ لِمَنْ لَمْ يَصِلْهُ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِلْحَدِيثِ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ: لَعَلَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ.
(وَفِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيَّ.
قَالَ فِي
الْمُخْتَصَرِ: وَإِنْ قَدِمَ بَلْدَةً نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ فَلْيُفْطِرْ حَتَّى يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَمَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ. (شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّ وَقْتَ انْعِقَادِ الصَّوْمِ كَانَ مُسَافِرًا فَكَانَ لَهُ الْفِطْرُ (وَلَمْ يَنْوِهِ فِيهِ وَإِلَّا قَضَى وَلَوْ تَطَوُّعًا وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصْبَحَ فِي حَضَرِهِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا فَلَا يُفْطِرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَا بَعْدَ خُرُوجِهِ، لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ أَنْ سَافَرَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي سَعَةٍ أَنْ يُفْطِرَ أَوْ يَصُومَ
فَلَمَّا صَامَ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا لِعُذْرٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَصْبَحَ فِي الْحَضَرِ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ وَصَامَ فِي السَّفَرِ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ أَفْطَرَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عُذْرٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيَقْضِ انْتَهَى.
وَأَظُنُّ أَنَّ لِهَذِهِ الْفُرُوعِ أَشَارَ خَلِيلٌ فَانْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ كَلَامُهُ عَلَيْهَا (كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فِي سَفَرِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا أَفْطَرَ بَعْدَ دُخُولِهِ فَغَيْرُ خَلِيلٍ يَأْتِي بِهَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ لِأَجْلِ ذِكْرِهِمْ الْخِلَافَ لِأَنَّ الْفَرْعَ الْأَوَّلَ خَالَفَ فِيهِ أَشْهَبُ، وَهَذَا الْفَرْعُ وَافَقَ عَلَيْهِ أَشْهَبُ، فَكَانَ خَلِيلٌ فِي غِنًى عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اسْتِيفَاءُ الْفُرُوعِ الْمَنْصُوصَةِ كَقَوْلِهِ:" فِي النَّضْحِ أَوْ فِيهِمَا ".
(أَوْ بِمَرَضٍ خَافَ: زِيَادَتَهُ أَوْ تَمَادِيهِ وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا، أَوْ شَدِيدَ أَذًى) اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ هَذَا عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ؟ قَالَ أَشْهَبُ: فِي مَرِيضٍ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ لِقَدْرٍ أَوْ الصَّلَاةَ قَائِمًا لِقَدْرٍ إلَّا أَنَّهُ بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ فَلْيُفْطِرْ وَلْيُصَلِّ جَالِسًا وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَكَأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لِهَذَا بَلْ اتَّبَعَهُ بِقَوْلِ
مَالِكٍ رَأَيْتُ رَبِيعَةَ أَفْطَرَ فِي مَرَضٍ بِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ قُلْتُ يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: صَوْمُ ذِي الْمَرَضِ إنْ لَمْ يَشُقَّ وَاجِبٌ وَإِنْ شَقَّ فَقَطْ خُيِّرَ، وَإِنْ خَافَ طُولَهُ أَوْ حُدُوثَ آخَرَ مُنِعَ فَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ.
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَيَحْرُمُ الصَّوْمُ مَعَ الْمَرَضِ إذَا أَدَّى إلَى التَّلَفِ أَوْ إلَى الْأَذَى الشَّدِيدِ (كَحَامِلٍ) اللَّخْمِيِّ: صَوْمُ الْحَامِلِ إنْ لَمْ يَشُقَّ وَاجِبٌ، وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ حُدُوثُ عِلَّةٍ عَلَيْهَا. أَوْ عَلَى وَلَدِهَا مُنِعَ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ يُجْهِدُهَا أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا وَلَا تَخْشَى إنْ هِيَ صَامَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ. وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا إنْ أَفْطَرَتْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي يَكُونُ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ لِأَجْلِهَا كَانَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ دُونَ إطْعَامٍ لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَسَاقَ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَرَضِهَا فِي ذَاتِهَا. يَبْقَى النَّظَرُ إذَا أَصْبَحَتْ صَائِمَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَشَمَّتْ رَائِحَةَ شَيْءٍ. وَقَدْ سُئِلْت قَدِيمًا وَأَنَا بِالْبَيَازِينَ عَنْ حَامِلٍ شَهَتْ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا وَالْعَامَّةُ تَشْهَدُ أَنَّ اضْطِرَارَهَا إلَيْهِ كَاضْطِرَارِ ذِي الْغُصَّةِ فَانْظُرْهُ.
وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْعَلَ فِي ثُقْبِ ضِرْسِهِ لَوَبَانًا لِيُسَكِّنَ وَجَعَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ هَذَا الْيَوْمَ.
(وَمُرْضِعٍ لَمْ يُمْكِنْهَا اسْتِئْجَارٌ وَلَا غَيْرُهُ) اللَّخْمِيِّ: الْمُرْضِعُ إذَا كَانَ الرَّضَاعُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا وَلَا بِوَلَدِهَا وَكَانَ مُضِرًّا بِهَا وَهُنَاكَ مَالٌ يُسْتَأْجَرُ مِنْهُ لِلِابْنِ أَوْ لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ وَالْوَلَدُ يَقْبَلُ غَيْرَهَا لَزِمَهَا الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِهَا تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَلَدُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا أَوْ يَقْبَلُ غَيْرَهَا وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُسْتَأْجَرُ أَوْ يُوجَدُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَالٌ يُسْتَأْجَرُ مِنْهُ لَزِمَهَا الْإِفْطَارُ، وَإِنْ كَانَ يُجْهِدُهَا الصَّوْمُ وَلَا تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَلَدُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَتَى أَفْطَرَتْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَضَتْ وَأَطْعَمَتْ. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: لَا إطْعَامَ عَلَيْهَا وَهُوَ أَحْسَنُ قِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ كِلَاهُمَا أَعْذَرُ مِنْ الْمُسَافِرِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ إيجَابُ فِطْرِهَا الْإِطْعَامُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَدَّ عَلَيْهَا الْحَرُّ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ وَتَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ، ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ كَرَمَضَانَ إلَّا فِي كَفَّارَةِ الِانْتِهَاكِ (خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: خَوْفُهُمَا عَلَى وَلَدِهِمَا كَخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَانْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ (وَالْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ ثُمَّ هَلْ فِي مَالِ الْأَبِ أَوْ مَالِهَا تَأْوِيلَانِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْإِجَارَةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِمَالِ الْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَالِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَالِ الْأُمِّ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ
غَيْرَ هَذَا.
(وَالْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَيَّامًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا عِدَّتُهَا، فَإِنْ أَفْطَرَ جَمِيعَ الشَّهْرِ وَابْتَدَأَ الْقَضَاءَ مُتَفَرِّقًا أَوْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ ثَانٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا عَدَدُ الْأَيَّامِ، فَإِنْ ابْتَدَأَ الْقَضَاءَ فِي شَهْرٍ وَعَوَّلَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ مِنْ أَوَّلِهِ فَإِنْ كَانَ كَعَدَدِ الْأَوَّلِ فَلَا شَكَّ فِي الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الثَّانِي أَكْمَلَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُ جَمِيعِهِ أَوْ كَانَ أَنْقَصَ فَهَلْ يَكْتَفِي بِهِ؟ فِي
الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ.
(بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ) اللَّخْمِيِّ: قَضَاءُ رَمَضَانَ يَصِحُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيِّ عَنْ صِيَامِهَا وَلَا فِي شَهْرٍ نَذَرَ صِيَامَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَصُومُ الْيَوْمَ الرَّابِعَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْ نَذْرِهِ أَوْ نَذْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا يَصُومُهُ مُتَطَوِّعًا وَلَا يَقْضِي فِيهِ رَمَضَانَ وَلَا يُبْتَدَأُ فِيهِ صِيَامٌ وَاجِبٌ مُتَتَابِعٌ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (غَيْرَ رَمَضَانَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الرَّجُلِ يَصُومُ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ قَضَاءَ رَمَضَانَ قَدْ كَانَ أَفْطَرَهُ فِي سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ: لَا يُجْزِئُ عَنْهُ صِيَامُ رَمَضَانَ عَامَّةَ ذَلِكَ وَلَا الَّذِي نَوَى صِيَامَهُ قَضَاءً عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ قَضَاءَ الشَّهْرِ الَّذِي أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِمَا نَوَى ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ الَّذِي كَانَ أَفْطَرَهُ فِي مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ الْآخَرَ حِينَ نَوَاهُ قَضَاءً لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ، وَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ، وَلَمْ يَجُزْ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَنْ غَيْرِهِ.
ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَعَلِيٍّ وَأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ قَضَاءً عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فَكَيْفَ بِمَنْ صَامَهُ عَنْهُ فِي حَضَرٍ. وَرَأَى غَيْرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَهُ فِطْرُهُ وَلَوْ نَوَاهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا لَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ عَنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ صَامَهُ عَمَّا
وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ لَهُ فَلَا تُفْسِدُ نِيَّتُهُ مَا زَادَ فِيهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ مِنْ نِيَّةِ الْقَضَاءِ.
وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.
(وَتَمَامُهُ إنْ ذَكَرَ قَضَاءَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ذَكَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَنَّهُ قَضَاهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ.
الشَّيْخُ: فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَاهُ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ فَصَادَفَهُمْ فِي آخِرِ سُجُودِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَدَخَلَ مَعَهُمْ فَلْيُسَلِّمْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ نَافِلَةً. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا خُفِّفَ لَهُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى نِيَّةِ النَّافِلَةِ وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ مَا لَمْ يَنْوِ.
(وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ خِلَافٌ) فِي كِتَابِ الضَّمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّمَا يَقْضِي يَوْمًا وَاحِدًا. وَرَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ فَلْيَقْضِ يَوْمَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يَقْضِي إذَا أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ يَوْمًا وَاحِدًا فَلِأَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَضَاءَ فَقَدْ صَحَّ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ لِرَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ.
(وَأُدِّبَ الْمُفْطِرُ عَمْدًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ تَائِبًا) اللَّخْمِيِّ: مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي رَمَضَانَ عُوقِبَ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى أَنَّ فِيهِ رَدْعًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الضَّرْبِ أَوْ السَّجْنِ أَوْ يُجْمَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ جَمِيعًا الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ، وَالْكَفَّارَةُ ثَابِتَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُخْتَلَفُ فِيمَنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ عُوقِبَ خَشِيتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ أَحَدٌ يَسْتَفْتِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَاقِبْ السَّائِلَ. وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ قِيَاسًا عَلَى شَاهِدِ الزُّورِ إذَا أَتَى تَائِبًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُعَاقَبُ.
(وَإِطْعَامُ مُدِّهِ عليه الصلاة والسلام لِمُفَرِّطٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِمِثْلِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ) ابْنُ يُونُسَ: كَفَّارَةُ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ قَدْرَ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ مُدٌّ نَبَوِيٌّ مُطْلَقًا. (وَلَا يُعْتَدُّ بِالزَّائِدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ أَمْدَادًا كَثِيرَةً لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَأَوْصَى أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ فَذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَرَثَةَ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ فِيهَا: " لَا يُجْزِئُ أَمْدَادًا كَثِيرَةً لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ " يُرِيدُ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ لِأَنَّ فِدْيَةَ الرَّمَضَانِ الْوَاحِدِ كَأَمْدَادِ الْيَمِينِ الْوَاحِدِ وَالرَّمَضَانَانِ كَالْيَمِينَيْنِ.
(إنْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهُ فِي شَعْبَانَ لَا إنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِمَرَضٍ
أَوْ سَفَرٍ ثُمَّ صَحَّ أَوْ قَدِمَ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي بِأَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ فَلَمْ يَصُمْهَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ الْمُقْبِلُ، فَعَلَيْهِ عَدَدُ هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا أَمْدَادٌ يُفَرِّقُهَا إذَا أَخَذَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ تَمَادَى بِهِ الْمَرَضُ أَوْ السَّفَرُ إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي فَلْيَصُمْ هَذَا الدَّاخِلَ ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ لَوْ صَحَّ أَوْ قَدِمَ بَعْدَ خُرُوجِ رَمَضَانَ فَمَادَتْ بِهِ الصِّحَّةُ أَوْ الْإِقَامَةُ حَتَّى دَخَلَ شَعْبَانُ فَمَرِضَهُ كُلُّهُ أَوْ سَافَرَ فِيهِ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ إلَى شَعْبَانَ، وَهَذَا كَمَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ إلَى قَدْرِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ، فَإِنَّهَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا لِذَلِكَ إذْ الْوَقْتُ قَائِمٌ بَعْدُ فَكَذَلِكَ هَذَا (مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ) لَوْ قَالَ مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُفَرِّقُ هَذِهِ الْأَمْدَادَ إذَا أَخَذَ فِي الْقَضَاءِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْهَا حَتَّى فَرَغَ فَلْيُفَرِّقْهَا بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْمُسْتَحَبُّ فِي تَفْرِيقِ هَذَا الطَّعَامِ كُلَّمَا صَامَ يَوْمًا أَطْعَمَ مِسْكِينًا.
قَالَ أَشْهَبُ: وَمَنْ عَجَّلَ كَفَّارَةَ التَّفْرِيطِ قَبْلَ وُجُوبِهَا لَمْ يُجْزِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ يَوْمًا فَلَمَّا بَقِيَ لِرَمَضَانَ الثَّانِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ كَفَّرَ عَنْ عِشْرِينَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِهِ مِنْهَا إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ.
(وَمَنْذُورُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ
الْوَفَاءُ بِنَذْرٍ جَائِزٍ (وَالْأَكْثَرُ إنْ احْتَمَلَهُ بِلَفْظِهِ بِلَا نِيَّةٍ كَشَهْرٍ فَثَلَاثِينَ إنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْهِلَالِ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْأَصْلُ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ الْتِزَامٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُحَاذِي فِيهِ قَصْدَهُ وَمَا نَصُّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَكَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الْأَقَلَّ وَالْأَكْثَرَ فَقِيلَ إنَّهُ يَلْزَمُ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ إلَّا بِهِ. وَقِيلَ يَبْرَأُ بِالْأَقَلِّ حَتَّى يَنُصُّ عَلَى الْأَكْثَرِ.
وَيَنْخَرِطُ فِي هَذَا السِّلْكِ أَنْ يَنْذُرَ صِيَامَ شَهْرٍ وَبَدَأَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَقِيلَ يُجْزِئُهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إكْمَالُ ثَلَاثِينَ لِأَنَّهَا الْأَكْمَلُ اهـ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شُهُورٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلْيَصُمْ عَدَدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ أَوْ فَرَّقَهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَقْصَى عِدَّةِ أَيَّامِهِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَتَابُعُهُ، أَصْلُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ شُهُورٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا مُتَتَابِعَةً فَلَهُ أَنْ يَصُومَهَا لِلْأَهِلَّةِ أَوْ لِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ، فَإِنْ صَامَهَا لِلْأَهِلَّةِ فَكَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَمَنْ صَامَهُ لِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى. اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةَ حَلِفِ نِسَاءِ زَمَانِنَا بِصِيَامِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله يُفْتِي فِيهَا بِصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ قَائِلًا: صَوْمُ الْمُسْلِمِينَ شَرْعًا وَعُرْفًا مِنْ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَانْظُرْ أَيْضًا الْحَالِفَ بِصَوْمِ عَامٍ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ قَلِيلًا مَنْ يَصُومُهُ. وَاَلَّذِي أَنَا أُفْتِي بِهِ أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ إنْ صَامَ بِطُولِ الْعَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالسِّتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ شَوَّالٍ وَأَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَمَدِينَ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَرَعِ، فَإِنْ تَرَكَ هَذَا الْمَأْخَذَ مِنْ صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَعَ الْإِطْعَامِ وَسَوَّفَ صِيَامَ الْعَامِ فَهُوَ مُجْتَرِئٌ عَلَى اللَّهِ.
أَمَّا صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَلِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ مَنْ صَامَهَا فَكَأَنَّمَا صَامَ الْعَامَ، وَأَمَّا مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنَّ مَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ لُبٍّ: إنَّ الْحَالِفَ بِصَوْمِ الْعَامِ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الِاجْتِزَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ.
وَحُكِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَجَّحَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ، وَانْظُرْ آخِرَ الْعَوَاصِمِ مِنْ الْقَوَاصِمِ فَإِنَّهُ قَدْ مَهَّدَ
هَذَا الْمَأْخَذَ وَعَزَاهُ أَيْضًا لِمَالِكٍ. وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ هَلْ لِلنِّسَاءِ رُخْصَةٌ إذَا حَنِثْنَ فِي صَوْمِ الْعَامِ؟ فَأَجَابَ: الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَوَاءٌ يُؤْمَرَانِ وَلَا يُجْبَرَانِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَمِينَ بِالصَّوْمِ لَمْ تَخْرُجْ بِقَصْدِ التَّبَرُّرِ وَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهَا. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ تَعْجِيلِ قَضَاءِ رَمَضَانَ؟ الظَّاهِرُ لَا، لِأَنَّ لَهَا أَنْ تُبَادِرَ لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهَا.
وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهَا إنْ تَلَبَّسَتْ بِصَلَاةِ تَطَوُّعٍ أَنَّ لَهُ قَطْعَهَا وَضَمَّهَا إلَيْهِ. وَلِلْمَازِرِيِّ أَيْضًا مَا يُذْكَرُ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الْكَفَّارَةِ عَنْ الْمَشْيِ لِلضَّرُورَةِ لَا يَنْقُضُ الْمَذْهَبَ وَيَبْقَى مَطْلُوبًا إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْكَفَّارَةُ بِالْإِطْعَامِ مَذْهَبٌ لِعَائِشَةَ لَا يُبَاعِدُهُ الْقِيَاسُ فَيُكَفِّرُ حَتَّى يَجِدَ السَّبِيلَ لِلْمَشْيِ وَنَحْوُهُ لِلسُّيُورِيِّ انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ بَشِيرٍ وَلِهَذَا أَشَارَ أَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ أَنَّ الْأَشْيَاخَ مَالُوا إلَى أَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَالَ: وَيَعُدُّونَهُ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ.
(وَابْتِدَاءُ سَنَةٍ وَقَضَى مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي سَنَةٍ) . اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامًا مَضْمُونًا أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَقَالَ مَالِكٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا صَامَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لَيْسَ فِيهَا رَمَضَانُ وَلَا يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا أَيَّامُ النَّحْرِ.
وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ: وَلَا أَيَّامُ مِنًى. وَهَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّهَا سَنَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَصَارَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ لَمْ يَنْذُرْهُ وَهُوَ لَا يَصُومُهُ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ نَذَرَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَمَا صَامَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الشُّهُورِ فَعَلَى الْأَهِلَّةِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا يُفْطِرُ مِثْلَ رَمَضَانَ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الذَّبْحِ أَفْطَرَهُ وَقَضَاهُ، وَيَجْعَلُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَقْضِي عَلَى هَذَا إذَا كَانَ شَوَّالٌ نَاقِصًا يَوْمَيْنِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ، وَانْظُرْ إذَا كَانَ ذُو الْحِجَّةِ نَاقِصًا فَنَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى مُقْتَضَى ابْنِ يُونُسَ يَقْضِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَهَا أَوْ يَقُولَ هَذِهِ وَيَنْوِيَ بَاقِيَهَا فَهُوَ وَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ) صَوَابُهُ أَوْ يَقُولُ هَذِهِ وَيَنْوِي بَاقِيَهَا. أَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا سَمَّى السَّنَةَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا صَامَهَا، وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَأَيَّامِ الذَّبْحِ وَيَصُومُ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ قَدْرُ نَذْرِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ وَلَا فِي رَمَضَانَ إلَّا وَإِنْ يَنْوِي قَضَاءَ ذَلِكَ كَمَنْ نَذْرُهُ صَلَاةُ يَوْمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي لَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِيهَا قَضَاءٌ وَإِنْ جَاءَ الْمَنْعُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا أَفْطَرَ مِنْ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ
أَفْطَرَ مِنْهَا شَهْرًا لِغَيْرِ عُذْرٍ قَضَاهُ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَتَابِعًا فَإِنْ فَرَّقَهُ أَجْزَأَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَرَضٍ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا قَالَ هَذِهِ وَنَوَى بَاقِيَهَا فَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ وَقَدْ مَضَى نِصْفُهَا قَالَ: عَلَيْهِ صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا. ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ السَّنَةِ فَتَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ قَالَهُ مَالِكٌ. وَاسْتَشْكَلَ اللَّخْمِيِّ هَذَا وَقَالَ: إنَّهُ مِثْلُ مَنْ قَالَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ هَذَا الْيَوْمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا صَلَاةُ مَا بَقِيَ مِنْهُ (بِخِلَافِ فِطْرِهِ لِسَفَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَقْضِي أَيَّامَ مَرَضِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَتْ صَوْمَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَقْضِي أَيَّامَ حَيْضَتِهَا، وَأَمَّا السَّفَرُ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَأَنِّي رَأَيْته يَسْتَحِبُّ لَهُ الْقَضَاءَ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا لِمُعَيَّنٍ ".
(وَصَبِيحَةُ الْقُدُومِ فِي يَوْمِ قُدُومِهِ إنْ قَدِمَ لَيْلَةً غَيْرَ عِيدٍ وَإِلَّا فَلَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلْيَصُمْ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَلَوْ قَدِمَ نَهَارًا وَنِيَّةُ النَّاذِرِ
الْفِرَارُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ. أَشْهَبُ: وَلَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَنَاذِرِ صَوْمِ غَدٍ فَكَانَ يَوْمُ غَدٍ يَوْمَ الْأَضْحَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ.
(وَصِيَامُ الْجُمُعَةِ إنْ نَسِيَ الْيَوْمَ) الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ سَحْنُونَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَنَسِيَهُ أَنَّهُ يَصُومُ الْجُمُعَةَ كُلَّهَا (عَلَى الْمُخْتَارِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ أَبَدًا فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ فَنَسِيَهُ فَلْيَصُمْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ الْجُمُعَةِ السَّبْتُ.
اللَّخْمِيِّ: آخِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يَصُومُ الدَّهْرَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ. ابْنُ رُشْدٍ: صِيَامُ الدَّهْرِ أَقْيَسُ لِيَأْتِيَ عَلَى شَكِّهِ (وَرَابِعُ النَّحْرِ لِنَاذِرِهِ وَإِنْ تَعْيِينًا) أَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ خِلَافٌ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَصُومُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَصُومُهُ انْتَهَى. فَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " وَإِنْ تَعْيِينًا " قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيَصُومُهُ أَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ مُتَتَابِعٍ وَلَا يَصُومُ الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ (لَا سَابِقَيْهِ إلَّا الْمُتَمَتِّعِ) . الْبَاجِيُّ: الَّذِي قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَصُومهَا إلَّا الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي لَا يَجِدُ هَدْيًا (لَا تَتَابُعُ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَيَّامٍ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَشَهْرٍ فَثَلَاثِينَ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَابْتَدَأَ سَنَةً "(وَإِنْ نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ غَيْرَهُ أَوْ قَضَاءَ الْخَارِجِ أَوْ نَوَاهُ وَنَذْرًا لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَمَّا إذَا نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ غَيْرَهُ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَأَمَّا إذَا نَوَى بِرَمَضَانَ فِي حَضَرِهِ غَيْرَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ فِي الْحَضَرِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ يَنْوِي بِهِمَا الظِّهَارَ لَمْ يُجْزِهِ رَمَضَانُ لِفَرْضِهِ وَلَا لِظِهَارِهِ، وَأَمَّا إذَا نَوَى
بِرَمَضَانَ فِي حَضَرِهِ قَضَاءَ الْخَارِجِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي حَضَرِهِ يَقْضِي بِهِ رَمَضَانَ كَانَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ لِهَذَا وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَوَّلِ.
اللَّخْمِيِّ: هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَتَى بِهِ ابْنُ يُونُسَ نَصًّا لِلْمُدَوِّنَةِ.
وَقَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ أَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ عَنْ الشَّهْرِ الَّذِي حَضَرَ وَيَقْضِي الْأَوَّلَ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْكِتَابِ.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: فَإِذَا أَجْزَأَهُ عَنْ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَعَلَيْهِ الْإِطْعَامُ عَنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ لِتَفْرِيطِهِ إلَى أَنْ دَخَلَ رَمَضَانُ ثَانٍ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي النَّظَرِ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَأَمَّا إذَا نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ قَضَاءَ الْخَارِجِ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ قَضَاءً عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " غَيْرَ رَمَضَانَ ". وَأَمَّا إذَا نَوَى فِي سَفَرِهِ رَمَضَانَ وَنَذَرَهُ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَأَمَّا إذَا نَوَى فِي حَضَرِهِ رَمَضَانَ وَنَذَرَهُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا قَضَى رَمَضَانَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يُجْزِيهِ لِهَذَا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَوَّلِ.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْجَوَابُ إذَا صَامَهُ قَضَاءً عَنْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرٍ مَضْمُونٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَجْرِي فِيهِمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَشْرَكَ فِي صَوْمِهِ. رَاجِعْ اللَّخْمِيَّ.
(وَلَيْسَ لِامْرَأَةٍ يَحْتَاجُ لَهَا زَوْجُهَا تَطَوُّعٌ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ عَلِمَتْ حَاجَةَ زَوْجِهَا لَمْ تَصُمْ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَمَهَا فَلَا بَأْسَ.
ابْنُ عَرَفَةَ