الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَصِفَةُ تَرْتِيبِهِمْ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ وَهُمْ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ، فَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالسِّنِّ قُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ أَعْلَمُهُمْ ثُمَّ أَفْضَلُهُمْ ثُمَّ أَسَنُّهُمْ. وَقُدِّمَ الْأَعْلَمُ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَزِيَّةٌ يُقْطَعُ بِهَا وَزِيَادَةُ الْفَضْلِ مَزِيَّةٌ لَا يُقْطَعُ عَلَيْهَا، ثُمَّ الصِّبْيَانُ الْأَحْرَارُ فَإِنْ تَفَاضَلُوا أَيْضًا فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالسِّنِّ قُدِّمَ ذُو الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمْ عَلَى الَّذِي عُرِفَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمْ عَلَى صَاحِبِهِ مَزِيَّةٌ قُدِّمَ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْعَبِيدُ الْكِبَارُ فَإِنْ تَفَاضَلُوا فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحْرَارِ ثُمَّ الْعَبِيدُ الصِّغَارُ كَذَلِكَ ثُمَّ الْخَنَاثَى الْمُشْكِلُونَ الْأَحْرَارُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْخَنَاثَى الْأَحْرَارُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْخَنَاثَى الْعَبِيدُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْخَنَاثَى الْعَبِيدُ الصِّغَارُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْأَحْرَارُ الْكِبَارُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْأَحْرَارُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الصِّغَارُ (وَفِي الصَّفِّ أَيْضًا الصَّفُّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ كَثُرَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ. أَوْ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، فَانْظُرْ إنْ كَانَ يَعْنِي أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ امْرَأَةٌ.
[زِيَارَةُ الْقُبُورِ]
(وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ بِلَا حَدٍّ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْجُلُوسِ إلَيْهَا وَالسَّلَامِ عَلَيْهَا عِنْدَ الْمُرُورِ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ: لَا بَأْسَ بِزِيَارَتِهَا وَلَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ. عِيَاضٌ: سَهَّلَ الْقَرَوِيُّونَ زِيَارَةَ مَرَّةٍ أَوَّلَ سَابِعِ الْمَيِّتِ وَمَنَعَهُ الْأَنْدَلُسِيُّونَ وَشَدَّدُوا كَرَاهَةَ بِدْعَتِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: يُذْهَبُ بِرُوحِ الْمُؤْمِنِ بَعْدَ فِتْنَتِهِ فِي قَبْرِهِ إلَى عِلِّيِّينَ وَفِيهَا مُجْتَمَعُ
أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً تَطْلُعُ قُبُورَهَا وَمَوَاضِعَ رَمِيمِ أَجْسَادِهَا ذَاهِبَةً وَرَاجِعَةً ثُمَّ تَأْوِي إلَى جَنَّةِ الْمَأْوَى تَكْرِمَةً مِنْ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ «أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْقُبُورِ وَبِزِيَارَتِهَا» ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ سَفَرٍ فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتِ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ إذَا خَرَجَ إلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: أَلَّا تُسَلِّمُونَ عَلَى الشُّهَدَاءِ فَيَرُدُّونَ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْأَخْبَارِ وَذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عليه السلام: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ» اُنْظُرْهُ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ إلَى الْقُبُورِ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» . وَانْظُرْ بَقِيَ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ أَعْنِي مِنْ الْجَائِزَاتِ الدَّفْنُ لَيْلًا قَالَ مُطَرِّفٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لَيْلًا وَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ لَيْلًا وَقَدْ دُفِنَ الصِّدِّيقُ لَيْلًا وَكَذَلِكَ فَاطِمَةُ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَبَّلَ وَجْهُ الْمَيِّتِ فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «وَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِابْنِ مَظْعُونٍ» .
(وَكُرِهَ حَلْقُ شَعَرِهِ وَقَلْمُ ظُفْرِهِ وَهُوَ بِدْعَةٌ وَضُمَّ
مَعَهُ إنْ فُعِلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُتْبَعَ الْمَيِّتُ بِمِجْمَرٍ أَوْ يُقَلَّمَ أَظْفَارُهُ أَوْ تُحْلَقَ عَانَتُهُ، وَرَأَى ذَلِكَ بِدْعَةً مِمَّنْ يَفْعَلُهُ. الْبَاجِيُّ: وَلَا يُحْلَقُ لَهُ شَعَرٌ وَلَا يُخْتَنُ وَلَا تُقَلَّمُ أَظْفَارُهُ وَيُنَقَّى الْوَسَخُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ أَشْهَبُ: وَمَا سَقَطَ لَهُ مِنْ شَعَرٍ أَوْ غَيْرِهِ جُعِلَ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ (وَلَا تُنْكَأُ قُرُوحُهُ وَيَأْخُذُ عَفْوَهَا) الْجَلَّابُ: إنْ كَانَتْ بِهِ قُرُوحٌ أَخَذَ عَفْوَهَا وَلَمْ يَنْكَأْهَا (وَقِرَاءَةٌ عِنْدَ مَوْتِهِ كَتَحْمِيرِ الدَّارِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: لَيْسَتْ الْقِرَاءَةُ وَالْبَخُورُ مِنْ الْعَمَلِ. ابْنُ رُشْدٍ: اسْتَحَبَّ ذَلِكَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ مَنْ قَرَأَ يس أَوْ قُرِئَتْ عِنْدَهُ وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا إلَى مَلَكِ الْمَوْتِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى عَبْدِي الْمَوْتَ» .
وَقَالَ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ اسْتِنَانًا. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَرَّبَ مِنْهُ إذَا اُحْتُضِرَ رَائِحَةُ طِيبٍ مِنْ بَخُورٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِ " يس " أَوْ غَيْرِهَا وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ فَلَمْ يَكْرَهْهُ وَإِنَّمَا كَرِهَ أَنْ يُعْمَلَ ذَلِكَ اسْتِنَانًا.
انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَأَمَّا اللَّخْمِيِّ فَمَا عَوَّلَ عَلَى السَّمَاعِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّدْبَ خَاصَّةً (وَبَعْدَهُ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا (وَعَلَى قَبْرِهِ) لَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا مَا نَصُّهُ قِبَلَ عِيَاضٍ: اسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ لِحَدِيثِ الْجَرِيدَتَيْنِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَفِي الْإِحْيَاءِ: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ. عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى قَالَ: كُنْت مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي جِنَازَةٍ وَابْنُ قُدَامَةَ مَعَنَا فَلَمَّا دُفِنَ الْمَيِّتُ جَاءَ رَجُلٌ ضَرِيرٌ يَقْرَأُ عِنْدَ الْقَبْرِ فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: إنَّ هَذَا بِدْعَةٌ. فَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ لِأَحْمَدَ: مَا تَقُولُ فِي بِشْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ؟ قَالَ: ثِقَةٌ
قَالَ: هَلْ كَتَبْت عَنْهُ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ إنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَبِخَاتِمَتِهَا. قَالَ: وَسَمِعْت ابْنَ عَمٍّ يُوصِي بِذَلِكَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: فَارْجِعْ إلَى الرَّجُلِ فَقُلْ لَهُ يَقْرَأُ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَيُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ: إذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ
قَبْرَهُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَهُوَ فِعْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الصَّالِحِينَ مِنْ الْأَخْيَارِ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذْكِيرِ بِاَللَّهِ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَائِكَةِ
(وَصِيَاحٌ خَلْفَهَا وَقَوْلُ اسْتَغْفِرُوا لَهَا) ابْنُ يُونُسَ: لَا يُصَاحُ خَلْفَ الْمَيِّتِ وَسَمِعَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الَّذِي يَقُولُ اسْتَغْفِرُوا لَهُ لَا غَفَرَ اللَّهُ لَك. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنِدَاءٌ بِهِ بِمَسْجِدٍ ".
(وَانْصِرَافٌ عَنْهَا بِلَا صَلَاةٍ أَوْ بِلَا أَذَانٍ إنْ لَمْ يُطَوِّلُوا) ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمَنْ شَهِدَ جِنَازَةً أَنْ يَنْصَرِفَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ. وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاسِعُ الْمَقَامِ إذَا وُضِعَتْ لِتُدْفَنَ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ دَفْنِهَا وَالِانْصِرَافُ قَبْلَ الدَّفْنِ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: إذَا بَلَغَتْ الْقَبْرَ وَلَمْ تُقْبَرْ أَنَّ الِانْصِرَافَ جَائِزٌ إذَا بَقِيَ مَعَهَا مَنْ يَلِي أَمْرَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الدَّفْنَ عِبَادَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ مُخْتَصَّةٌ بِمَا لَهَا مِنْ الْأَجْرِ.
وَفِي الْجَلَّابِ: مَنْ حَضَرَ جِنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى تَوَارَى إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يُطَوِّلُوا ذَلِكَ فَيَنْصَرِفُ قَبْلَ الْإِذْنِ. انْتَهَى فَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.
(وَحَمْلُهَا بِلَا وُضُوءٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَرَادَ أَنْ يَحْمِلَ لِمَوْضِعِ الْأَجْرِ وَلَا يُصَلِّي.
قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ الْعَمَلِ أَنْ يَحْمِلَ رَجُلٌ وَلَا يُصَلِّي. ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الْجِنَازَةَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ.
(وَإِدْخَالُهُ بِمَسْجِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي الْمَسْجِدِ (وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ وُضِعَتْ قُرْبَ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ بِالْمَسْجِدِ عَلَيْهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا ضَاقَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ فِي كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَازَةُ فِيهِ أَوْ خَارِجَةً عَنْهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. فَعَلَى هَذَا فَلَا يَأْثَمُ فِي صَلَاتِهِ وَلَا يُؤْجَرُ وَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أُجِرَ لِأَنَّ هَذَا هُوَ حَدُّ الْمَكْرُوهِ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ.
(وَتَكْرَارُهَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ
وَغَيْرُهُ: مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْقَبْرِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ: يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مُبَاحٌ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَفِعْلُ الْخَيْرِ لَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ إلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ: فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّجَاشِيِّ دَلِيلٌ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ.
قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمُحَمَّدٍ. قُلْنَا: مَا عَمِلَهُ مُحَمَّدٌ يُعْمَلُ وَتَعْمَلُ بِهِ أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ. فَإِنْ قِيلَ: أُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْنَا رَبَّنَا تبارك وتعالى عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ وَنَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ أَهْلٌ وَلَكِنْ لَا نُقِرُّ بِهِ لِأَنَّكُمْ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.
(وَتَغْسِيلُ جُنُبٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ لِلْحَائِضِ أَنْ تُغَسِّلَ الْمَيِّتَ وَلَا أُحِبُّ لِلْجُنُبِ أَنْ يُغَسِّلَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ طُهْرَهُ.
(كَسِقْطٍ وَتَحْنِيطُهُ وَتَسْمِيَتُهُ وَصَلَاةٌ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى الْمَوْلُودِ وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُحَنَّطُ وَلَا يُسَمَّى وَلَا يُورَثُ وَلَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا بِالصَّوْتِ. انْتَهَى نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يَبْقَى النَّظَرُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا لَكِنَّهُ تَحَرَّكَ وَرَضَعَ وَعَطَسَ أَوْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهُوَ حَيٌّ يَتَنَفَّسُ وَيَفْتَحُ عَيْنَيْهِ أَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ تَمَّ خُرُوجُهُ بَعْدَ أَنْ مَاتَ كَالْحَامِلِ تُجْرَحُ فَيَخْرُجُ بَعْضُ الْجَنِينِ وَهِيَ حَيَّةٌ وَبَعْضُهُ بَعْدَمَا مَاتَتْ. وَهَلْ فِيهِ غُرَّةٌ؟ أَكْثَرُهُمْ يَذْكُرُ هَذَا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ (وَدَفْنُهُ بِدَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ شِهَابٌ: السُّنَّةُ أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَى السِّقْطِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ أُمِّهِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُدْفَنَ السِّقْطُ فِي الدَّارِ. الْقَابِسِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْبَشَ مَعَ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ.
وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: جَائِزٌ أَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلُ فِي دَارِهِ.
(وَلَيْسَ عَيْبًا بِخِلَافِ الْكَبِيرِ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الدَّارَ فَيَجِدُ فِيهَا قَبْرًا قَدْ كَانَ الْبَائِعُ دَفَنَهُ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَبْرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ كَأَنَّهُ حَبْسٌ. قِيلَ لِمَالِكٍ: إنْ وَجَدَ فِيهَا الْمُشْتَرِي قَبْرَ سِقْطٍ؟ قَالَ: لَا أَرَى السِّقْطَ عَيْبًا لِأَنَّ السِّقْطَ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَوْتَى. قِيلَ: أَفَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِمَوْضِعِ السِّقْطِ؟ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ. اُنْظُرْ قَوْلَ مَالِكٍ: أَرَى أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ. اعْتَرَضَهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يَسِيرٌ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ.
قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَاَلَّذِي فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَيْبٌ لَازِمٌ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا بَعْضُ أَهْلِ الْخَيْرِ بَنَى دَارًا لَهُ فَوَجَدَ فِي بُقْعَةٍ مِنْهَا عِظَامَ آدَمِيٍّ يَكُونُ مَوْضِعُهُ حَبْسًا لَا يُنْتَفَعُ لَهُ وَلَا بِهَوَاهُ فَتَرَكَهُ وَهَوَاهُ بَرْحًا (وَلَا حَائِضٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَغْسِيلُ جُنُبٍ ".
(وَصَلَاةُ فَاضِلٍ عَلَى بِدْعِيٍّ أَوْ مُظْهِرِ كَبِيرَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ وَيُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَيُوَرَّثُ وَإِثْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ ابْنُ يُونُسَ: إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ وَلِأَهْلِ
الْفَضْلِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْبُغَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا مِنْ بَابِ الرَّدْعِ. قَالَ: وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ النَّاسُ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَهِرُ بِالْمَعَاصِي وَمَنْ قُتِلَ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَلَا أَهْلُ الْفَضْلِ (وَالْإِمَامِ عَلَى مَنْ حَدُّهُ الْقَتْلُ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ وَإِنْ تَوَلَّاهُ النَّاسُ دُونَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ النَّاسُ غَيْرَ الْإِمَامِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مُحَارَبٌ قَتَلَهُ النَّاسُ دُونَ الْإِمَامِ لِأَنَّ حَدَّهُ الْقَتْلُ. فَأَمَّا مَنْ جَلَدَهُ الْإِمَامُ فِي زِنًا فَمَاتَ مِنْهُ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَدَّهُ الْجَلْدُ لَا الْقَتْلُ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَتَرَدُّدٌ) الَّذِي لِلَّخْمِيِّ: أَرَى فِيمَنْ حُكْمُهُ الْأَدَبُ أَوْ الْقَتْلُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدَّبَ بِذَلِكَ أَنْ يَجْتَنِبَ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ رَدْعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْيَاءِ.
(وَتَكْفِينٌ بِحَرِيرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ فِي أَكْفَانِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْخَزَّ لِأَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَكَرِهَ فِي الْأَكْفَانِ الْحَرِيرَ مَحْضًا. ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا الْعَلَمَ مِنْ الْحَرِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي كَفَنِ الرَّجُلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَنَجَسٍ) الْكَافِي: لَا يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ إلَّا أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَشْهَبَ.
(كَأَخْضَرَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَكَرِهَ السَّوَادَ لِأَجْلِ التَّفَاؤُلِ، وَمَنَعَ اللَّخْمِيِّ الْأَخْضَرَ وَالْأَزْرَقَ وَالْأَسْوَدَ (وَمُعَصْفَرٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ (أَمْكَنَ غَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ مِنْ مَتْرُوكِ فِعْلٍ (وَزِيَادَةُ رَجُلٍ عَلَى خَمْسَةٍ) الَّذِي لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ (وَاجْتِمَاعُ نِسَاءٍ لِبُكَاءٍ وَلَوْ سِرًّا) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبُكَاءٌ عِنْدَ مَوْتِهِ ".
(وَتَكْبِيرُ نَعْشٍ وَفَرْشُهُ بِحَرِيرٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ إعْظَامُ
النَّعْشِ وَأَنْ يُفْرَشَ تَحْتَ الْمَيِّتِ قَطِيفَةُ حَرِيرٍ أَوْ خَزٍّ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْرَشُ إلَّا ثَوْبٌ طَاهِرٌ (وَإِتْبَاعُهُ بِنَارٍ) هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكُرِهَ حَلْقُ شَعْرٍ ".
(وَنِدَاءٌ بِهِ بِمَسْجِدٍ أَوْ بَابِهِ لَا بِكَحَلْقٍ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْجَنَائِزِ يُؤَذَّنُ بِهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يُصَاحَ فِي الْمَسْجِدِ بِالْجِنَازَةِ وَيُؤَذَّنُ بِهَا. وَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ. وَقَالَ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُدَارِ فِي الْحِلَقِ يُؤَذِّنُ النَّاسَ بِهَا وَلَا يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا النِّدَاءُ بِالْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ لِكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ كُرِهَ ذَلِكَ حَتَّى فِي الْعِلْمِ. وَأَمَّا النِّدَاءُ بِهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ هُنَا وَرَآهُ مِنْ النَّعْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ مَاتَ فُلَانٌ فَاشْهَدُوا جِنَازَتَهُ. وَأَمَّا الْأَذَانُ وَالْإِعْلَامُ مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ وَقَدْ «قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ. أَفَلَا آذَنْتُمُونِي بِهَا» . وَاسْتَخَفَّ ابْنُ وَهْبٍ أَنْ يُنَادَى بِالْجِنَازَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ. أَبُو عُمَرَ: فِي حَدِيثِ السَّوْدَاءِ جَوَازُ الْإِذْنِ بِالْجِنَازَةِ وَذَلِكَ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ لَا فِيمَا خَالَفَهَا. وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ النَّاسِ يَبْلُغُونَ مِائَةً فَيَشْفَعُونَ
لَهُ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ الْإِشْعَارِ بِالْجِنَازَةِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ بِالدُّعَاءِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ شُهُودَ الْجَنَائِزِ خَيْرٌ وَعَمَلُ بِرٍّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْخَيْرِ مِنْ الْخَيْرِ. الْبَاجِيُّ: أَمَرَتْ عَائِشَةُ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِجِنَازَةِ سَعْدٍ أَرَادَتْ أَنْ تَدْعُوَ لَهُ بِحَضْرَتِهِ لِأَنَّ مُشَاهَدَتَهُ تَدْعُو إلَى الْإِشْفَاقِ وَالِاجْتِهَادِ لَهُ وَلِذَلِكَ يُسْعَى إلَى الْجِنَازَةِ وَلَا يُجْتَزَأ بِمَا يُدْعَى لَهُ فِي الْمَنْزِلِ.
(وَقِيَامٌ لَهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: نُسِخَ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ وَفِي كَوْنِهِ نَسْخَ وُجُوبٍ لِنَدْبٍ أَوْ لِإِبَاحَةٍ؟ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لِإِبَاحَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَى الْجِنَازَةِ حَتَّى تُدْفَنَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نُسِخَ.
(وَتَطْيِينُ قَبْرٍ أَوْ تَبْيِيضُهُ وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ أَوْ تَحْوِيزٌ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ تَجْصِيصَ الْقُبُورِ وَالْبِنَاءَ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ تَجْصِيصِهَا. الْمَازِرِيُّ: مَعْنَاهُ تَبْيَضُّ بِالْجِيرِ أَوْ بِالتُّرَابِ الْأَبْيَضِ وَالْقَصَّةُ الْجِيرُ وَهُوَ الْجَصُّ. انْتَهَى نَصُّ الْمَازِرِيِّ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا. ابْنُ رُشْدٍ: الْبِنَاءُ عَلَى نَفْسِ الْقَبْرِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الْبِنَاءُ حَوَالَيْهِ فَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ جِهَةِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْأَمْلَاكِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا بَأْسَ بِالْحَائِطِ الْيَسِيرِ الِارْتِفَاعِ لِيَكُونَ حَاجِزًا بَيْنَ الْقُبُورِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ عَلَى النَّاسِ مَوْتَاهُمْ مَعَ غَيْرِهِ لِيُتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ وَيُجْمَعَ إلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفِنَ فِي مَقْبَرَةِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ فَلَا يُمْنَعُ لِأَنَّ الْجَبَّانَةَ أَحْبَاسٌ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا. وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
الرَّوْضَاتِ وَالْقِبَابِ إلَّا إنْ كَانَ فِي مِلْكِ بَانِيهَا فَلَا يُمْنَعُ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَتْ حَيْثُ لَا يَأْوِي إلَيْهَا أَهْلُ الْفَسَادِ.
(وَجَازَ لِلتَّمْيِيزِ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ بِلَا نَقْشٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ أَوْ عُودٌ يَعْرِفُ بِهِ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِي ذَلِكَ، وَلَا أَرَى قَوْلَ عُمَرَ:" لَا تَجْعَلُوا عَلَى قَبْرِي حَجَرًا " إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ فَوْقِهِ عَلَى مَعْنَى الْبِنَاءِ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ فِي طَرَفِ الْقَبْرِ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ لِئَلَّا يَخْفَى مَوْضِعُهُ إذَا عَفَا أَثَرُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْحَاكِمُ: لَيْسَ، الْعَمَلُ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْبِنَاءِ وَالْكَتْبِ عَلَى
الْقَبْرِ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ.
(وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الشَّهِيدُ فِي الْمُعْتَرَكِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُحَنَّطُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ بِثِيَابِهِ (فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا أَوْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي الْمُعْتَرَكِ أَوْ مَاتَ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي دَفْعِهِ إيَّاهُمْ عَنْ حَرِيمِهِ. ابْنُ سَحْنُونٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُعْتَرَكِ مُسْلِمًا ظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَمَا دَرَسَتْ الْخَيْلُ مِنْ الرَّجَّالَةِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ.
(وَلَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ) سُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يُغِيرُونَ عَلَى بَعْضِ ثُغُورِ الْإِسْلَامِ فَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي غَيْرِ مُعْتَرَكٍ وَلَا مُجْتَمَعٍ وَلَا مُلَاقَاةٍ. فَقَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَؤُلَاءِ: يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ. فَسَأَلْت ابْنَ وَهْبٍ فَقَالَ لِي: هُمْ شُهَدَاءُ. وَهُوَ رَأْيٌ. قِيلَ لِأَصْبَغَ: وَسَوَاءٌ قَتَلُوهُمْ غَافِلِينَ أَوْ مُغَافَصَةً قَالَ: نَعَمْ هُمْ شُهَدَاءُ. قِيلَ: فَإِنْ قَتَلُوا امْرَأَةً أَوْ صَبِيَّةً صَغِيرَةً أَهُمْ عِنْدَك مِثْلُ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ وَبِأَيِّ قِتْلَةٍ قُتِلُوا بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِ سِلَاحٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ هُمْ عِنْدِي سَوَاءٌ يُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالشُّهَدَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: بِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَقُولُ وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَهُوَ وِفَاقٌ لِلْمُدَوِّنَةِ. سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ صَبِيَّةً. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ بِحَجَرٍ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ قَتَلَهُ أَيَّ قِتْلَةٍ فِي مَعْرَكَةٍ أَوْ غَيْرِ مَعْرَكَةٍ فَهُوَ كَالشَّهِيدِ فِي الْمَعْرَكَةِ
وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ وَرَمَوْهُ إلَيْنَا فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ أَمَّنُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَجْنَبَ عَلَى الْأَحْسَنِ) أَشْهَبُ: لَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ. وَرَشَّحَ ابْنُ رُشْدٍ تَرْكَ غَسْلِ الْجُنُبِ وَمَا ذُكِرَ قَوْلُ سَحْنُونٍ. (لَا إنْ رُفِعَ حَيًّا وَإِنْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ إلَّا الْمَغْمُورَ) الَّذِي فِي الْكَافِي وَنَحْوِهِ فِي الْمَعُونَةِ: إنْ حُمِلَ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ فِي الْمُعْتَرَكِ وَنَحْوُ هَذَا أَيْضًا مُقْتَضَى مَا حَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ. ثُمَّ قَالَ الْبَاجِيُّ: فَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنْ لَا يُغَسَّلَ عُمَرُ رضي الله عنه وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ رضي الله عنه قَدْ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ بِهِ رَمَقٌ وَهُوَ فِي غَمْرَةِ الْمَوْتِ كَمُجَهَّزٍ عَلَيْهِ وَمَنْ بَقِيَتْ لَهُ حَيَاةٌ بَيِّنَةٌ فَكَغَيْرِهِ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا ابْنُ يُونُسَ وَلَا الْمَازِرِيُّ نُفُوذَ مَقْتَلٍ فَانْظُرْ أَنْتَ فِي هَذَا كُلِّهِ.
(وَدُفِنَ بِثِيَابِهِ إنْ سَتَرَتْهُ وَإِلَّا زِيدَ بِخُفٍّ وَقَلَنْسُوَةٍ وَمِنْطَقَةٍ قَلَّ ثَمَنُهَا وَخَاتَمٍ قَلَّ فَصُّهُ لَا دِرْعٍ وَسِلَاحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصْنَعُ بِقُبُورِ الشُّهَدَاءِ مَا يُصْنَعُ بِقُبُورِ الْمَوْتَى مِنْ الْحَفْرِ وَاللَّحْدِ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ وَلَا فَرْوٍ وَلَا خُفٍّ وَلَا قَلَنْسُوَةٍ.
قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَا خَاتَمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفِيسَ الْفَصِّ وَلَا مِنْطَقَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا خَطَرٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُنْزَعُ عَنْهُ الدِّرْعُ وَالسَّيْفُ وَجَمِيعُ السِّلَاحِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُزَادُ فِي كَفَنِهِ شَيْءٌ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَا يُوَارِيهِ وَسُلِبَ مَا كَانَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَشَاءَ وَلِيُّهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا فَذَلِكَ وَاسِعٌ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ رُشْدٍ مَنْ عَرَّاهُ الْعَدُوُّ: لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِ تَكْفِينَهُ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ. «كَفَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشُّهَدَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ اثْنَانِ فِي ثَوْبٍ» . وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ثِيَابِهِ إذَا كَانَ فِيهَا مَا يَجْزِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَعْرِفْ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا ابْنُ يُونُسَ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَاَلَّذِي نَقَلَ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَرَادَ وَلِيُّهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا عَلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَا لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ سُتِرَ بَقِيَّةُ جَسَدِهِ (وَلَا دُونَ الْجُلِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ رَأْسٍ وَلَا عَلَى الرَّأْسِ مَعَ الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْبَدَنِ صُلِّيَ عَلَيْهِ يُرِيدُ بَعْدَ غُسْلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: يُصَلَّى عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ وَيُنْوَى بِذَلِكَ الْمَيِّتُ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهِ أَقُولُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَائِبٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَرِيقٍ أَوْ قَتِيلٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: يُصَلَّى عَلَيْهِ.
(وَلَا مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى مَوْتَى الْقَدَرِيَّةِ.
قَالَ سَحْنُونَ: أَدَبًا لَهُمْ فَإِذَا خِيفَ أَنْ يُضَيَّعُوا غُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ. وَكَذَا فِي التَّلْقِينِ وَكَذَا فَسَّرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُدَوَّنَةَ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي
قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ» هَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْطَعَ أَحَدٌ عَنْ الْخَوَارِجِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ بِالْخُرُوجِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي الْخَوَارِجِ فَقَالَ: إنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ الْقَوْمِ أَنْ يَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا قَطْعِ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَذْهَبُوا حَيْثُ شَاءُوا، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُمْ الْقِتَالَ فَوَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَبْكَارِي خَرَجُوا رَغْمَةً عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَأَرَّقْتهَا. أَبُو عُمَرَ: إلَى تَرْكِ قِتَالِهِمْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
(وَإِنْ صَغِيرًا ارْتَدَّ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي وَلَدِ الْمُسْلِمِ يَرْتَدُّ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ.
(أَوْ نَوَى بِهِ شَائِبَةَ الْإِسْلَامِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الصَّغِيرِ مِنْ وَلَدِ أَهْلِ الْكِتَابِ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَهُوَ مِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ؛ فَقِيلَ هُوَ عَلَى حُكْمِ الْكَافِرِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُجِيبَ إلَى الْإِسْلَامِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَدْ عَقَلَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ لَمْ يَكُونَا، وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ حَرْبِيٍّ، قَدِمَ بِهِ أَوْ تَوَالَدَ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ مِنْ عَبْدَيْهِ النَّصْرَانِيِّينَ، وَكَانَ مِنْ نِيَّةِ صَاحِبِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ لَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ صَغِيرٌ أَوْ اشْتَرَاهُ فَمَاتَ صَغِيرًا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى بِهِ سَيِّدُهُ الْإِسْلَامَ إلَّا أَنْ يُجِيبَ إلَى الْإِسْلَامِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ أَنَّهُ عَقَلَهُ.
ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ كَبِيرًا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَيَعْرِفُ مَا أَجَابَ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ (كَأَنْ أَسْلَمَ) اللَّخْمِيِّ: إذَا أَسْلَمَ ابْنُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً: هُوَ إسْلَامٌ وَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً جَازَ وَطْؤُهَا. فَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَتْ يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ أَنَّ لِمَنْ ارْتَدَّ حُكْمَ الْكَافِرِ وَلِمَنْ أَسْلَمَ حُكْمَ الْمُسْلِمِ.
وَقَدْ كَانَ إسْلَامُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَبْلَ الْبُلُوغِ. (وَنَفَرَ مِنْ أَبَوَيْهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا أَسْلَمَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَنَفَرَ مِنْ أَبَوَيْهِ فَفِي قَبُولِ إسْلَامِهِ قَوْلَانِ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَفَرَ مِنْ أَبَوَيْهِ وَلَا اللَّخْمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ. الْمَازِرِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ مَقْطُوعٌ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَمَا بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّتِهِ حُكْمَ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ بَيَانًا يَقْطَعُ مَجِيئُهُ الْعُذْرَ.
ثُمَّ نُقِلَ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا يَزَالُ أَمْرُهَا مُتَقَارِبًا أَوْ مُوَاتِيًا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ. وَعَنْ ابْنِ عَوْنٍ: كُنْت عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَاذَا كَانَ بَيْنَ قَتَادَةَ وَبَيْنَ حَفْصٍ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ رَبِيعَةُ. فَقَالَ الْقَاسِمُ: إذَا اللَّهُ انْتَهَى عِنْدَ شَيْءٍ فَانْتَهُوا وَقِفُوا عِنْدَهُ. قَالَ: فَكَأَنَّمَا كَانَتْ نَارٌ فَأُطْفِئَتْ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ أَسْلَمَ الْأَبُ حُكِمَ لِوَلَدِهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ دِينَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْأُمُّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الشُّيُوخِ: وَالْوَلَدُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَتَابِعٌ لِوَالِدِهِ فِي الدِّينِ.
(وَإِنْ اخْتَلَطُوا غُسِّلُوا وَكُفِّنُوا وَمُيِّزَ الْمُسْلِمُ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ)
سَمِعَ مُوسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ مُشْرِكٌ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بَيْتٌ فَهَلَكُوا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ يُغَسَّلُوا وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَتَكُونُ نِيَّتُهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ نَفَرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ مُسْلِمٌ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَتَكُونُ نِيَّتُهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ. وَأَمَّا إنْ وُجِدَ مَيِّتٌ بِفَلَاةٍ لَا يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَ: وَأَرَى أَنْ يُوَارَى. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي مَدِينَةٍ مِنْ الْمَدَائِنِ فِي زُقَاقٍ وَلَا يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ مَخْتُونًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ يَخْتَتِنُونَ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِنْ النَّصَارَى أَيْضًا مَنْ يَخْتَتِنُ (وَلَا سِقْطٌ لَمْ يَسْتَهِلَّ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَسِقْطٍ "(وَلَوْ تَحَرَّكَ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الْحَرَكَةِ وَالرَّضَاعِ وَالْعُطَاسِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ حُكْمُ الْحَيَاةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ أَقَامَ يَوْمًا يَتَنَفَّسُ وَيَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَيَتَحَرَّك حَتَّى يُسْمَعَ لَهُ صَوْتٌ. وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا قَالَ إسْمَاعِيلُ: وَحَرَكَتُهُ كَحَرَكَتِهِ فِي الْبَطْنِ لَا يُحْكَمُ لَهُ فِيهَا بِحَيَاةٍ.
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَقَدْ يَتَحَرَّك الْمَقْتُولُ (أَوْ عَطَسَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ (أَوْ بَالَ) ابْنُ عَرَفَةَ: بَوْلُهُ لَغْوٌ (أَوْ رَضَعَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَارَضَ هَذَا الْمَازِرِيُّ وَقَالَ: لَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ دَلَالَةَ الرَّضَاعِ عَلَى الْحَيَاةِ لِأَنَّا نَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّهُ مُحَالٌ بِالْعَادَةِ أَنْ يَرْضَعَ الْمَيِّتُ وَلَيْسَ الرَّضَاعُ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَكُونُ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الطَّبِيعَةِ وَالِاخْتِيَارِيَّة كَمَا قَالَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: إنَّ الْعُطَاسَ يَكُونُ مِنْ الرِّيحِ وَالْبَوْلُ مِنْ اسْتِرْخَاءِ الْمَوَاسِكِ لِأَنَّ الرَّضَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْقَصْدِ إلَيْهِ، وَالتَّشَكُّكُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْحَيَاةِ يُطْرِقُ إلَى هَدْمِ قَوَاعِدَ ضَرُورِيَّةٍ.
وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَالِاسْتِهْلَالِ بِالصُّرَاخِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا الْبَحْثَ مِنْ الْإِمَامِ فَقَدْ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه لَمَّا طُعِنَ مَعْدُودًا فِي الْأَمْوَاتِ لَوْ مَاتَ لَهُ مَوْرُوثٌ لَمَا وَرِثَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِم. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَئِذٍ لَمَا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ عُمَرَ حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ وَيَعْهَدُ. وَفَرْقٌ بَيْنَ وَلَدِ الْبَقَرَةِ مَثَلًا تَزْلِقُهُ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ، وَبَيْنَ الْمَرِيضَةِ الَّتِي أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا. هَذِهِ يُرَاعَى الِاسْتِصْحَابُ فَتُحْسَبُ حَيَّةً وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْمُزْلَقِ (إلَّا أَنْ تَتَحَقَّقَ الْحَيَاةُ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُصَلَّى عَلَى مَنْ وُلِدَ إنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ، وَإِنْ جُهِلَتْ فَكَالسِّقْطِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (وَغُسِلَ دَمُهُ وَلُفَّ بِخِرْقَةٍ) تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ عَلِيٍّ بِهَذَا وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَتَلَازُمًا "(وُورِيَ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدَفْنُهُ بِدَارٍ ".
(وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ إلَّا أَنْ يُدْفَنَ بِغَيْرِهَا) الرِّسَالَةُ: وَمَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وُورِيَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَإِنْ دُفِنَ فَعَلَى
الْقَبْرِ " (وَلَا غَائِبٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا دُونَ الْجُلِّ " (وَلَا تُكَرَّرُ) قَدْ تَقَدَّمَ.
(وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ وَصِيٌّ رُجِيَ خَيْرُهُ ثُمَّ الْخَلِيفَةُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: (قَاعِدَةٌ) ضَبْطُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَاجِبٌ وَلَا تَنْضَبِطُ إلَّا بِعَظَمَةِ الْأَئِمَّةِ فِي نُفُوسِ الرَّعِيَّةِ وَمَهْمَا أُهِينُوا تَعَذَّرَتْ الْمَصْلَحَةُ، فَلِذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِأَئِمَّتِهِمْ. وَرَوَى ابْنُ غَانِمٍ: وَصِيُّ الْمَيِّتِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَحَقُّ مِنْ الْوَلِيِّ.
وَرَوَى سَحْنُونَ: إنْ كَانَ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّهِ فَالْوَلِيُّ أَحَقُّ. سَحْنُونَ: وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيفَةِ وَالْخَلِيفَةُ أَحَقُّ مِنْ الْوَلِيِّ. (لَا فَرْعُهُ إلَّا مَعَ الْخُطْبَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَكُونُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتِهِمْ إلَّا الْأَمِيرَ أَوْ قَاضِيَهُ أَوْ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ أَوْ مُؤَمِّرَهُ عَلَى الْجُنْدِ إذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنْ انْفَرَدَ بِالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ دُونَ أَنْ يَكُونَ إلَيْهِ حُكْمٌ بِقَضَاءٍ أَوْ شُرْطَةٍ أَوْ إمَارَةٍ عَلَى الْجُنْدِ وَانْفَرَدَ بِالْحُكْمِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الشُّرْطَةِ أَوْ الْإِمَارَةِ عَلَى الْجُنْدِ دُونَ أَنْ تَكُونَ إلَيْهِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ حَقٌّ وَكُلُّ مَنْ كَانَ إلَيْهِ مِنْهُمْ الْحُكْمُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَالصَّلَاةِ فَوَكِيلُهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِمَنْزِلَتِهِ فِي أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ
الْأَوْلِيَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ وَكِيلُهُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ دُونَ الْحُكْمِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَتْ إلَيْهِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ الْحُكْمُ. (ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ) . ابْنُ رُشْدٍ: أَوْلَى الْأَوْلِيَاءِ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَالسِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا لِحَدِيثِ:«إنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الصَّائِمِ بِالْهَوَاجِرِ» فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي ذَلِكَ وَتَشَاحُّوا فِي الصَّلَاةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ أَرَادَ الْأَحَقُّ أَنْ يُقَدِّمَ أَجْنَبِيًّا مِنْ النَّاسِ أَوْ بَعِيدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ لِمَنْ يَشَاءُ.
قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَصْبَغَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبْد الْحَكَمِ.
(وَأَفْضَلُ وَلِيٍّ وَلَوْ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ) ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْجِنَازَتَيْنِ تَحْضُرَانِ جَمِيعًا جِنَازَةِ رَجُلٍ وَجِنَازَةِ امْرَأَةٍ لَيْسَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ وَلَا لِأَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ وَلَكِنْ يُنْظَرُ إلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالسِّنِّ فَيُقَدَّمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ أَحَقُّ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ قَدَّمَ الْحُسَيْنُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لِلصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةِ أُخْتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ وَابْنِهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدَّمَهُ لِسِنِّهِ وَلِإِقْرَارِهِ يَفْضُلُهُ لَا لِأَنَّهُ أَحَقُّ.
(وَصَلَّى النِّسَاءُ دَفْعَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ رَجُلٌ فِي نِسَاءٍ لَا رِجَالَ مَعَهُمْ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا وَلَا تَؤُمُّهُنَّ إحْدَاهُنَّ.
قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: أَفْذَاذًا مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِلَّا كَانَ إعَادَةً لِلصَّلَاةِ وَرَدَّهُ الْقَابِسِيُّ بِرِوَايَةِ الْعَسَّالِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ (وَصُحِّحَ تَرَتُّبُهُنَّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْأَصَحُّ أَنْ يُصَلِّينَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ.
(وَالْقَبْرُ حَبْسٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَبْرُ غَيْرِ السِّقْطِ حَبْسٌ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ عَيْبًا (لَا يُمْشَى عَلَيْهِ) . الْمَازِرِيُّ: عِنْدَنَا أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الْقَبْرِ جَائِزٌ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ كَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَتَوَسَّدُهَا وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِالْمَشْيِ عَلَيْهَا إذَا عَفَتْ. وَأَمَّا الْقَبْرُ مُسَنَّمٌ وَالطَّرِيقُ دُونَهُ فَلَا أُحِبُّهُ فِي ذَلِكَ تَكْسِيرُ تَسْنِيمِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ: تُحْرَثُ الْمَقْبَرَةُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ إنْ ضَاقَتْ عَنْ الدَّفْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ حَجَرِ الْمَقَابِرِ الْعَافِيَةِ وَلَا لِبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَعَلَى
هَذَا لَا يَجُوزُ حَرْثُهَا. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ حُرِثَتْ جُعِلَ كِرَاؤُهَا فِي مُؤْنَةِ دَفْنِ الْفُقَرَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا بِنَاءُ مَسْجِدٍ عَلَى الْمَقْبَرَةِ الْعَافِيَةِ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ الْقَبْرَ وَالْمَسْجِدَ حَبْسَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَدَفْنُ مَوْتَاهُمْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدَافُنُ وَاحْتِيجَ أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِ ذَلِكَ عَلَى مَا النَّفْعُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالنَّاسُ أَحْوَجُ إلَيْهِ.
(وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ) تَقَدَّمَتْ فُتْيَا شُيُوخِ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَيْسَ عَيْبًا ". وَانْظُرْ فِي حَدِيثٍ، ثَالِثٍ لِمَالِكٍ عَنْ أَبِي الرَّحَّالِ مِنْ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ
النَّبْشُ لِعُذْرٍ، وَإِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَخْرَجَ أَبَاهُ مِنْ قَبْرِهِ وَدَفَنَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ مُعَاوِيَةُ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ عَلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: نَقْلُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ لَيْسَ بِحَسَنٍ وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ تَأْثِيمَ فَاعِلِهِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أُحْدِثَتْ قُبُورٌ بِفِنَاءِ قَوْمٍ فِي غَيْبَتِهِمْ ثُمَّ قَدِمُوا فَلَهُمْ تَسْوِيَةُ قَدِيمِهَا بِالرَّمْيِ عَلَيْهَا وَلَا أُحِبُّ تَسْوِيَةَ جَدِيدِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَهُ فِي الْجَدِيدَةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَفْنِيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْمِلْكِ الْمُحَوَّزِ لَمْ يَكْرَهْهُ بَلْ لَهُمْ نَبْشُهَا وَتَحْوِيلُهَا إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ كَفِعْلِ مُعَاوِيَةَ.
ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِفِعْلِ مُعَاوِيَةَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ
لِمَصْلَحَةٍ
عَامَّةٍ حَاجِيَّةٍ كَبَيْعِ الْحَبْسِ لِتَوْسِيعِ جَامِعِ الْخُطْبَةِ. ابْنُ سَهْلٍ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْمَشْيِ عَلَى أَسْنِمَةِ الْقُبُورِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشُقُّ الْمَقَابِرَ عَلَى أَسْنِمَتِهَا لَا بَيْنَهَا» . وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَشْيُ عَلَى الْمَقَابِرِ لِمَنْ لَهُ قَبْرٌ ضَرُورَةً وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَفُّظِ أَنْ لَا يَهْدِمَهَا وَلِلضَّرُورَةِ أَحْكَامٌ (إلَّا أَنْ يَشِحَّ رَبُّ كَفَنٍ غُصِبَهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ دُفِنَ بِثَوْبٍ لِغَيْرِهِ نَبَشَ لِأَخْذِهِ رَبُّهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ أَوْ يَرُوحَ الْمَيِّتُ. سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ صَدَّقَهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَقَطَ خَاتَمُهُ فِي الْقَبْرِ أَوْ دَنَانِيرُ كَانَتْ فِي كُمِّهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَيِّتُ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ نَسِيَ فِي الْقَبْرِ كِيسًا أَوْ ثَوْبًا نُبِشَ وَإِنْ طَالَ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْوَرَثَةُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ (أَوْ قَبْرٍ بِمِلْكِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَوْضِعُ الْقَبْرِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الدَّفْنِ فَلَا يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِ الْمَالِكِ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، فَإِنْ حَفَرَ قَبْرًا فَجَاءَ غَيْرُهُ وَدَفَنَ فِيهِ وَأَرَادَ الْمَالِكُ إخْرَاجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطُولَ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: لَهُ الِانْتِفَاعُ بِظَاهِرِ أَرْضِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ نَحْوَ هَذَا هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ ". وَأَمَّا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلدَّفْنِ فَهُوَ حَبْسٌ فَإِنْ حَفَرَ فِيهِ وَجَاءَ غَيْرُهُ فَدُفِنَ فِيهِ فَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ وَيَبْقَى مَا الَّذِي يَجِبُ لِحَافِرِ الْقَبْرِ فَقِيلَ ثَانٍ وَقِيلَ قِيمَةُ الْحَفْرِ.
قَالَهُ ابْنُ اللَّبَّادِ، وَقِيلَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ، وَقِيلَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا قَالَهُ اللَّخْمِيِّ قَالَ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ (أَوْ نَسِي مَعَهُ مَالٌ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ سَحْنُونٍ (وَإِنْ كَانَ بِمَا يَمْلِكُ فِيهِ الدَّفْنَ بَقِيَ وَعَلَيْهِمْ قِيمَتُهُ) تَقَدَّمَ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.
(وَأَقَلُّهُ مَنْعُ رَائِحَتِهِ وَحَرَسِهِ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ عَاتٍ مَنْ رَأَى تَعْمِيقَ الْقَبْرِ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ النَّبْشُ.
(وَبُقِرَ عَنْ مَالِ كَثُرَ وَلَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) سَحْنُونَ يُبْقَرُ عَنْ دَنَانِيرَ فِي بَطْنِ الْمَيِّتِ لَا عَلَى مَا قَلَّ. عَبْدُ الْحَقِّ: فِي كَوْنِ مَا قَلَّ دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ نِصَابِ الزَّكَاةِ خِلَافٌ. وَأَجَابَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ مُقِيمِ شَاهِدٍ عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يُدْفَنْ أَنَّهُ بَلَعَ دَنَانِيرَ يَحْلِفُ لِيَبْقُرَ بَطْنَهُ قَائِلًا اُخْتُلِفَ فِي الْقِصَاصِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ (لَا عَنْ جَنِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَبْقُرُ بَطْنَ الْمَيِّتَةِ إذَا كَانَ جَنِينُهَا يَضْطَرِبُ فِي بَطْنِهَا.
وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ كَمُلَتْ حَيَاتُهُ وَرُجِيَ خَلَاصُهُ بَقَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: رَأَيْت رَجُلًا مَبْقُورًا عَلَى نَاقَةٍ مَبْقُورَةٍ قَالَ سَنَدٌ: وَإِذَا بَقَرَ فَمِنْ خَاصِرَتِهَا الْيُسْرَى. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ عِنْدِي الْبَقْرُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَأْلَمُهُ. وَقَدْ رَأَى أَهْلُ الْعِلْمِ قَطْعَ الصَّلَاةِ خَوْفَ وُقُوعِ صَبِيٍّ أَوْ أَعْمَى
فِي بِئْرٍ وَقَطْعُ الصَّلَاةِ فِيهِ إثْمٌ وَلَكِنْ أُبِيحَ لِإِحْيَاءِ نَفْسٍ فَكَذَلِكَ يُبَاحُ بَقْرُ الْمَيِّتَةِ لِإِحْيَاءِ وَلَدِهَا الَّذِي يَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ إنْ تُرِكَ وَالْوَاقِعَ فِي الْبِئْرِ قَدْ يَحْيَى فَكَانَ الْبَقْرُ أَوْلَى. وَيُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ: " كَسْرُ عِظَامِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهَا حَيًّا " إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَبَثًا وَأَمَّا لِأَمْرٍ هُوَ وَاجِبٌ فَلَا.
أَلَا تَرَى الْحَيَّ لَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ فِي جَوْفِهِ يَتَحَقَّقُ أَنَّ حَيَاتَهُ بِاسْتِخْرَاجِهِ لَبَقَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ آثِمًا فِي فِعْلِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ؟ قَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْجَنِينُ فِي وَقْتٍ لَوْ أَسْقَطَتْهُ وَهِيَ حَيَّةٌ لَمْ يَعِشْ لَمْ يُبْقَرْ، وَإِنْ كَانَ فِي شَهْرٍ يَعِيشُ فِيهِ الْوَلَدُ إذَا وَضَعَتْهُ كَاَلَّتِي دَخَلَتْ فِي السَّابِعِ أَوْ التَّاسِعِ أَوْ الْعَاشِرِ وَكَانَ مَتَى بُقِرَ عَلَيْهِ رُجِيَتْ حَيَاتُهُ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُبْقَرُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: يُبْقَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَإِحْيَاءُ نَفْسٍ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ مَيِّتٍ (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى الْبَقْرِ إنْ رُجِيَ) أَمَّا اللَّخْمِيِّ وَابْنُ يُونُسَ فَقَدْ اخْتَارَ الْبَقْرَ كَمَا تَقَدَّمَ مُصَرِّحَيْنِ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (وَإِنْ قُدِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ مَحِلِّهِ فُعِلَ) قَالَ مَالِكٌ: إنْ قُدِرَ عَلَى أَنْ يُسْتَخْرَجَ الْوَلَدُ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ فِي الْحَيَاةِ فُعِلَ. اللَّخْمِيِّ: هَذَا لَا يُمْكِنُ (وَالنَّصُّ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِهِ لِمُضْطَرٍّ) ابْنُ الْقَصَّارِ: الْمُضْطَرُّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ لَا يَجِدُ إلَّا لَحْمَ آدَمِيٍّ لَا يَأْكُلْهُ وَإِنْ خَافَ التَّلَفَ.
ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَيْسَ بِنَجَسٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّى الْمَيْتَاتِ رِجْسًا وَالْمَيِّتُ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يُسَمَّى مَيْتَةً فَلَيْسَ بِرِجْسٍ وَلَا نَجَسٍ وَلَا حَرُمَ أَكْلُهُ لِنَجَاسَتِهِ وَإِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهُ إكْرَامًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسَمَّ مَيْتَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَهُ بِإِبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ (وَصُحِّحَ أَكْلُهُ)، ابْنُ عَرَفَةَ: تَعَقَّبَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ قَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةَ آدَمِيٍّ وَتَخْرِيجُهُ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى الْبَقْرِ مَرْدُودٌ.
(وَدُفِنَتْ مُشْرِكَةٌ حَمَلَتْ مِنْ مُسْلِمٍ بِمَقْبَرَتِهِمْ وَلَا تَسْتَقْبِلُ قِبْلَتَنَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ) رَوَى عَلِيٌّ: الْكِتَابِيَّةُ تَمُوتُ بِحَمْلٍ مِنْ مُسْلِمٍ يَلِي دَفْنَهَا أَهْلُ دِينِهَا بِمَقْبَرَتِهِمْ.
وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ قَائِلًا، إنَّمَا وَلَدُهَا عُضْوٌ مِنْهَا. وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ رِوَايَةَ عَلِيٍّ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَنَقَلَ ابْنُ غَلَّابٍ تُدْفَنُ بِطَرَفِ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهْمٌ انْتَهَى.
وَقَدْ تَحَصَّلَ بِهَذَا أَنَّ الْكَافِرَةَ الْحَامِلَةَ مِنْ الْمُسْلِمِ أَنَّ أَهْلَ دِينِهَا يَلُونَ دَفْنَهَا وَلَا حُكْمَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِ. فَقَوْلُهُ: " وَلَا يَسْتَقْبِلُ قِبْلَتَنَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ " مُقْحَمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إنَّمَا مَوْضِعُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " فَلْيُوَارِهِ " حَسْبَمَا يَتَقَرَّرُ.
(وَرُمِيَ مَيِّتُ الْبَحْرِ بِهِ مُكَفَّنًا إنْ لَمْ يُرْجَ الْبَرُّ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَيِّتُ الْبَحْرِ إنْ طَمِعُوا بِالْبَرِّ مِنْ يَوْمِهِمْ وَشِبْهِ ذَلِكَ حَبَسُوهُ حَتَّى يَدْفِنُوهُ بِالْبَرِّ وَإِلَّا غُسِّلَ فِي الْحِينِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَشُدَّ كَفَنُهُ عَلَيْهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُلْقُونَهُ فِي إلْقَائِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُحَرَّفًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ.
قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: وَلَا يُثَقِّلُوا رِجْلَيْهِ بِشَيْءٍ لِيَغْرَقَ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَحَقٌّ عَلَى
وَاجِدِهِ بِالْبَرِّ دَفْنُهُ وَقَالَ سَحْنُونَ يُثَقَّلُ.
(وَلَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءٍ لَمْ يُوصِ بِهِ) فِي الصَّحِيحِ: «إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» الْمَازِرِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ: التَّأْوِيلُ الثَّانِي مَا نَصُّهُ: قِيلَ مَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ فَيُعَذَّبُ إنْ نُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ.
قَالَ عِيَاضٌ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِسَمَاعِ بُكَاءِ أَهْلِهِ وَيَرِقُّ لَهُمْ وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُفَسَّرًا فِي حَدِيثٍ وَإِلَيْهِ نَحَا الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ.
(وَلَا يُتْرَكُ مُسْلِمٌ لِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ مَاتَ الِابْنُ الْمُسْلِمُ فَلَا يُوَكَّلُ إلَى أَبِيهِ الْكَافِرِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ مِنْ غُسْلٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَأَمَّا سَيْرُهُ مَعَهُ وَدُعَاؤُهُ لَهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ (وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ أَبًا كَافِرًا وَلَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ إلَّا أَنْ يَضِيعَ فَلْيُوَارِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ وَلَا يَتْبَعُهُ وَلَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ فَلْيُوَارِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ كَافِرٌ بَيْنَ مُسْلِمِينَ وَلَا كَافِرَ مَعَهُمْ لَفُّوهُ فِي شَيْءٍ وَوَارُوهُ.
قَالَ اللَّيْثُ وَرَبِيعَةُ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ قِبْلَتَنَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ.
(وَالصَّلَاةُ أَحَبُّ مِنْ النَّفْلِ إذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ إنْ كَانَ كَجَارٍ أَوْ صَالِحًا) ابْنُ رُشْدٍ: ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّوَافِلِ وَالْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِ الْجَنَائِزِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. مَاتَ
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَانْقَطَعَ النَّاسُ لِجِنَازَتِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَشْهَدُ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي الْبَيْتِ الصَّالِحِ؟ فَقَالَ: لَئِنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْهَدَ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي الْبَيْتِ الصَّالِحِ. وَسُئِلَ أَيْضًا: أَشُهُودُ الْجَنَائِزِ عِنْدَك أَفْضَلُ أَمْ الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ: الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ ابْنُ يَسَارٍ: شُهُودُ الْجَنَائِزِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ هُوَ عَيْنُ الْفِقْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت مَالِكًا فَقُلْت: أَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ إلَيْك الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ شُهُودُ الْجَنَائِزِ؟ فَقَالَ: بَلْ قُعُودٌ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ أَحَدٌ يُرْجَى بَرَكَةُ شُهُودِهِ يُرِيدُ فِي فَضْلِهِ فَلْيَحْضُرْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ. ابْنُ شَاسٍ.