الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: (الضمان الثاني عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيد الرجل
.
من ضمانات حقوق المرأة الزوجية، أن تدوم الحياة الزوجية، فتستمر في الحصول على مصالحها، إلا أن تلك الحياة قد يعتريها ما يوجب إنهاءها من نزاع وشقاق بين الزوجين، وأمور لا يمكن معالجتها إلا بذاك، فشرع الله سبحانه وتعالى لذلك الطلاق.
وبما أن الأصل لتحقيق مصالح المرأة - وكذلك الزوج - أن تستمر العلاقة الزوجية بينهما، فإن مما يضمن استمرارها، أن جعل الله سبحانه وتعالى أمر إنهائها في يد الرجل لحِكَم علمها العليم الحكيم، ولم تخف على العاقل البصير.
وسأذكر فيما يلي - بعون الله تعالى - مشروعية الطلاق وكونه في يد الزوج، وحكمة ذلك.
أولا: مشروعية الطلاق:
الطلاق مشروع وثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب فآيات منها:
قول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} 1.
وأما السنة، فأحاديث منها:
- ما رواه أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلاقُ "2.
- وما رواه ابن ماجه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ"3.
وأجمع المسلمون على جواز إيقاع الطلاق في الجملة4.
1 من الآية 231 من سورة النساء.
2 سنن أبي داود (2/ 631-632) وابن ماجه (1/650) . قال الألباني في الإرواء (7/106) : "ضعيف".
3 سنن ابن ماجه، (1/672)، قال في الزوائد: في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. وحسّن إسناده الألباني في الإرواء (7/108) بمجموع طرقه.
4 انظر: الإجماع لابن المنذر ص43، ومراتب الإجماع لابن حزم، ص 71.
كما اتفقوا أن طلاق المسلم العاقل البالغ الذي ليس سكراناً ولا مكرها ولا غضباناً ولا محجورا ولا مريضا، لزوجته التي قد تزوجها زواجا صحيحا جائز
…
الخ1.
ثانيا: حكمة كون الطلاق في يد الرجل، وأنه ضمان للمرأة.
جعل الشارع الطلاق علاجا نهائيا، لمشاكل الحياة الزوجية، "فالطلاق محظور نظرا إلى الأصل، ومباح نظرا إلى الحاجة"2.
ولسنا بصدد ذكر حكمة تشريع الطلاق، إذ ليس هذا مجاله، وإنما القصد بيان ما في الطلاق من ضياع للمرأة وحقوقها، وأن مصلحتها في استمرار الحياة الزوجية، ما بقيت قابلة للاستمرار، وأن الشارع جعل من أسباب ضمان استمرار الحياة الزوجية، ومن ثمَّ ضمان الحقوق الزوجية، أن جعل أمر الطلاق بيد الزوج، لا بيد الزوجة.
وبيان ذلك أن من مقاصد الشريعة أن تستمر الحياة الزوجية بين الزوج وزوجته مدى الحياة، ولا تنقطع هذه العلاقة الشرعية إلا بموت أحدهما، وفي ذلك مصلحة الزوجين، وضمان لحقوق المرأة الزوجية بصفة خاصة.
1 مراتب الإجماع لابن حزم، ص 71.
2 الفتاوى الهندية (1/348) .
إلا أن الحياة الزوجية لا يتوقع منها أن تدوم على نمط واحد، فيعتريها الدفء والبرودة في العلاقات، والحماس والفتور كذلك، كما يتخللها خلافات بين الزوجين، غيُر خافية.
وهذه الخلافات قد لا تكون عميقة، لدرجة يضطر فيها الزوجان إلى إنهاء حياتهما الزوجية، إلا أن طبيعة المرأة العاطفية، وقصر نظرها في إدراك الأمور، وأحاسيسها المرهفة _ والتي لا تكون في الغالب طويلة الأمد _ قد تعرض حياتها الزوجية للخطر والانتهاء، لو كان أمر إنهائها بيدها، فكان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل أمر الطلاق بيد الرجل الذي يتثبت من كل الأمور والعواقب، ويحسب كل حساباته، قبل الإقدام على الطلاق.
ذلكم أن الرجل قد تكلف من أمواله ومساعيه في دفع المهر، وتكاليف الزواج، وتأسيس بيت الزوجية الشيء الكثير، فهو يفكر مليًّا قبل تدمير ذلك البيت الذي كلفه كل ذاك، ويعلم أن الأمر لن يتوقف عند ذلك الحد، بل عليه بعد ذلك أن ينفق على زوجته أيام العدة، وأن يدفع لها ما تبقى من مهرها المؤجل، وأنه هو الذي يقع عليه العبء الأكبر لمعاناة الأطفال بسبب الفراق، مع يجب عليه من نفقتهم كاملة، فلا يقدم على الطلاق إلا إذا انسدت أمامه السبل الأخرى لحل مشاكله الزوجية.
وفي ذلك ضمان لحقوق المرأة ومصلحتها، وزوجها، بالمحافظة على بيت الزوجية.