المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: (الضمان الخامس) : أن الشريعة حرمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة - ضمانات حقوق المرأة الزوجية

[محمد يعقوب الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المدخل

- ‌الفصل الأول: الصمانات العامة لحقوق المرأة الزوجية

- ‌المبحث الأول: (الضمان الأول) : أن حقوق المرأة الزوجية ثابتة بأحكام شرعية توعد الله من اعتدى عليها، أو قصر في أدائها

- ‌المبحث الثاني: (الضمان الثاني) : أن من الحقوق الزوجية، ما لا يمكن التنازل عنه شرعا

- ‌المبحث الثالث: (الضمان الثالث) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية إذا كان مشتملا على الإكراه أو الغرر

- ‌المبحث الرابع: (الضمان الرابع) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية مسبقا

- ‌المبحث الخامس: (الضمان الخامس) : أن الشريعة حرمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة

- ‌المبحث السادس: الضمان السادس) : أن الشريعة ألغت تصرفات الزوج الضارة بالمرأة مما كان سائداً في الجاهلية، وعاقبت عليها، كالظهار، والإيلاء

- ‌الفصل الثاني: الضمانات الخاصة لحقوق زوجية معينة

- ‌المبحث الأول: (الضمان السابع) : أن الشريعة منعت الولي من عضل موليته إن أرادت أن تنكح

- ‌المبحث الثاني: (الضمان الثامن) : أن الولاية تتحول من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد

- ‌المبحث الثالث: (الضمان التاسع) : أن الشريعة جعلت لها الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية ما فيه مصلحتها

- ‌المبحث الرابع: (الضمان العاشر) : أن المرأة لو زوِّجت من غير رضاها كان لها حق الفسخ

- ‌المبحث الخامس: (الضمان الحادي عشر) : أن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة مهرها، بأوجه عدة

- ‌المبحث السادس: (الضمان الثاني عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيد الرجل

- ‌المبحث السابع: (الضمان الثالث عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيدها بالاشتراط

- ‌المبحث الثامن: (الضمان الرابع عشر) : أن الشريعة جعلت لها الخيار، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج

- ‌المبحث التاسع: (الضمان الخامس عشر) : أن الشريعة أباحت للمرأة طلب الخلع إن لم تطق العيش مع زوجها

- ‌المبحث العاشر: (الضمان السادس عشر) : أن الشريعة أمرت ببعث الحكمين للإصلاح بين الزوجين

- ‌المبحث الحادي عشر: (الضمان السابع عشر) : أن الشريعة فرضت لها الميراث ولو طلقت طلاقا بائنا، إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس: (الضمان الخامس) : أن الشريعة حرمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة

‌المبحث الخامس: (الضمان الخامس) : أن الشريعة حرمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة

.

من الأمور المعلومة بالضرورة أن ميل الذكر والأنثى بعضهما إلى بعض ميل طبيعي وفطري، فيرغب كل من الجنسين في الاتصال بالآخر، وقد لا يتقيد هذا الميل والاتصال برعاية المصالح أو درء المفاسد المترتبة عليه، مما قد يؤدي إلى لحوق الضرر بهما، أو بأحدهما، ويكون للأنثى - في الغالب - النصيب الأكبر من هذا الضرر، وهو ما يعلمه الجميع، ويعتبر به أولو النهى، وحسب المرء ما يسمعه من أخبار وحوادث مؤسفة، ومؤلمة بسبب العلاقات غير الشرعية، والمشبوهة التي تقوم بين الرجال والنساء، في المجتمعات التي تنادي بالاختلاط والاندماج بين الذكور والإناث، {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأَبْصَارِ} 1.

ولمعالجة هذه العلاقة الطبيعية بين الذكر والأنثى، وتنظيمها لتكون صالحة في تحقيق مقاصد الشريعة في حفظ النسل والعرض، وعمارة الكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، شرع الله سبحانه وتعالى عقد النكاح؛ ليكون رابطة شرعية تنشئ العلاقة السليمة بين الذكر والأنثى،

1 من الآية 2 من سورة الحشر.

ص: 49

على أساس تبادل المصالح الفردية والمشتركة بينهما، وليقضي كل منهما وطره الفطري مع الآخر بالمودة والمحبة، والسكينة والرحمة، والاحتفاظ بالشرف والعزة، على سبيل الدوام والاستقرار.

ولتحقيق المصلحة المرجوة من النكاح، حرمت الشريعة بعض صور النكاح التي كانت معروفة في الجاهلية، والتي كانت مشتملة على أمور تضر بالحياة الزوجية، وفيها منافاة لمقصد النكاح الصحيح، كنكاح المتعة، ونكاح الشغار، ونكاح التحليل، ونكاح الاستبضاع، ونحو ذلك من الأنكحة التي ما كانت تفي بالغرض الصحيح المقصود من النكاح، فجاء الإسلام وحرم تلك الأنكحة، ضماناً لحقوق المرأة المشروعة مع الإبقاء على اتصالها بالرجل بالطريقة الصحيحة السليمة عبر عقد النكاح الشرعي المعروف بشروطه المعتبرة.

فمن أهم ضمانات حقوق المرأة الزوجية في الشريعة، أنها منعت تلك الأنكحة الفاسدة المشتملة على الضرر للمرأة من الناحية المادية أو المعنوية، بل إننا نجد أن الشريعة الإسلامية تمنع وجود صفات، أو شروط في عقد النكاح، قد تلحق الضرر بحقوق المرأة عامة والزوجية خاصة، فإن اشتمل العقد على شروط باطلة، أو فاسدة تضر بالمرأة، كالتأقيت، أو نفي المهر، ونحو ذلك، كان العقد ممنوعاً.

وسأذكر - بعون الله تعالى - ضمن هذا الوجه من الضمان، بعض الأنكحة الباطلة، أو الفاسدة،، كنكاح المتعة، ونكاح الشغار، ونكاح

ص: 50

التحليل، لتكون نماذج للتمثيل، مع بيان تعريفها وحكمها، والإشارة إلى ما فيها من الضرر الذي يلحق بالمرأة، إذ إن في تحريمها ضمان لحقوقها.

فمن الأنكحة الممنوعة شرعاً:

1-

نكاح المتعة:

تعريفه:

قال الجرجاني رحمه الله: هو أن يقول الرجل لامرأة: خذي هذه العشرة وأتمتع بك مدة معلومة، فقبلته1، فالحاصل لا بد من لفظ التمتع2.

وفي القاموس الفقهي: نكاح المتعة عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية: هو نكاح المرأة إلى أجل معلوم، أو مجهول3.

وهو عند الجعفرية، أصحاب هذا النوع من النكاح: هو عقد الرجل الزواج على امرأة مدة معلومة بمهر معلوم.

والمدة، هي ما تراضيا عليه طالت هذه المدة أم قصرت كالسنة والشهر واليوم. وينتهي هذا العقد بانتهاء مدته، إذ لا يقع فيه طلاق4.

1 التعريفات ص.246

2 أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء ص 146.

3 القاموس الفقهي ص 261.

4 النهاية للطوسي، ص 489، نقلا عن (المفصل في أحكام المرأة 6/163-188) ، وأنظر فيه تفصيل الكلام على نكاح المتعة، وأحكامه، ومناقشة أدلة المجيزين والمانعين.

ص: 51

حكمه:

اتفق الفقهاء من المسلمين من أهل السنة والجماعة على تحريم نكاح المتعة، وأنه نكاح باطل1.

قال ابن رشد رحمه الله: وأما نكاح المتعة: فإنه وإن تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمه، إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم

وأكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها2.

ويدل على تحريم نكاح المتعة في آخر الأمر إلى يوم القيامة، ما رواه مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَقَالَ أَلا إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ"3.

قال النووي رحمه الله مبيناً ومعقباً على الروايات الواردة في إباحة المتعة وتحريمها، ووقوع التكرار فيهما، قال: والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم

1 انظر: الاختيار لتعليل المختار (3/89) ، وحاشية الدسوقي (2/239) ، وروضة الطالبين (7/42) ، والمغني (10/46) .

2 بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/1036)(المحقق) .

3 صحيح مسلم بشرح النووي (9/189) .

ص: 52

أبيحت يوم فتح مكة،

ثم حرمت بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم

اهـ1.

حكمة تحريمه:

لا يخفى ما في هذا العقد من مضادة لقصد الشريعة من عقد النكاح، وضرر على المرأة، وضياع لحقوقها.

فلا يقصد بهذا النكاح الدوام في الحياة الزوجية، ولا العشرة بالمعروف المطلوب شرعا، ولا الولد المراد الأول من الزواج؛ ولا النفقة والسكنى الواجبة ديانة ومعاوضة، ولا التوارث بينهما، والذي يعد من مظاهر ديمومة عقد النكاح.

فالذين أباحوا نكاح المتعة، اشترطوا فيه التأقيت، بل أجازوا نكاح المرأة بالاتفاق على تحديد مرات الجماع، ودون الإشهاد، أو إعلان النكاح، أو التأكد من كونها متزوجة أم لا، ودون التقيد كذلك بعدد من النساء اللاتي يمكن نكاحهن نكاح متعة، في وقت واحد، ومن غير إيجاب للنفقة أو الميراث، ولا حاجةٍ إلى الطلاق للتفريق، بل يفترقان بمجرد انتهاء الأجل، كما صُرح بذلك في كتبهم2.

1 شرح النووي لمسلم (9/181) .

2 باختصار نقلا عن كتاب (المفصل في أحكام المرأة 6/175-1777) .

ص: 53

فإذا انتفى كل ذلك وهو من الأمور المعتبرة، والمطلوبة شرعا بعقد النكاح، فما الذي بقي بعد ذلك للتفريق بين هذا النوع من النكاح والسفاح.

ومما يجب ملاحظته، أن المتعة التي أبيحت في أول الإسلام، كانت إباحتها لوقت من الزمن، ولظروف مرت بالأمة و"إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين ونهى عنها"1، وبتحريمه انتهى أمره، ووجب على الأمة اجتنابه.

2-

نكاح الشغار:

تعريفه:

الشغار: مأخوذ من شَغَر البلد، شُغورا من باب قعد: إذا خلا عن حافظ يمنعه.

وشغر الكلب شَغْراً: من باب نفع، رفع إحدى رجليه ليبول، وشغرت المرأة: رفعت رجلها للنكاح.

وشاغر الرجلُ الرجلَ شغاراً، من باب قاتل: زوَّج كل واحد صاحبه حريمته على أن بضع كل واحدة صداق الأخرى، ولا مهر سوى ذلك2.

1 صحيح مسلم بشرح النووي (9/188) .

2 المصباح المنير ص 316، والمطلع على أبواب المقنع ص 323.

ص: 54

قال ابن الأثير رحمه الله: وهو نكاح معروف في الجاهلية، كان يقول الرجل للرجل: شاغرني: أي: زوجني أختك، أو بنتك أو من تلي أمرها، حتى أزوجك أختي أو بنتي، أو من ألي أمرها، ولا يكون بينهما مهر، ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الأخرى، وقيل له الشغار لارتفاع المهر بينهما، ولأن كل واحد منهما يسفر، أي: يرفع الرِجل للوطء، من شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول1.

وقد اتفق العلماء على هذا المعنى لنكاح الشغار2.

قال ابن قدامة رحمه الله: "إنما سمي شغاراً لقبحه، تشبيها برفع الكلب رجله ليبول، في القبح"3.

حكمه:

أجمع العلماء على تحريم نكاح الشغار، قال النووي رحمه الله:"وأجمع العلماء على أنه منهي عنه"4.

1 النهاية في الحديث والأثر (2/482) ، وطِلبة الطَلبة ص 102.

2 الفقه الإسلامي وأدلته (7/116) ذكر صاحب الفقه وأدلته اتفاق العلماء على التعريف المذكور، ولم أجد غيره من ذكر ذلك.

3 المغني (10/42) .

4 شرح النووي لمسلم (9/201) ، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/1035) ، (المحقق) .

ص: 55

ولكنهم اختلفوا بعد ذلك في حكم هذا النكاح إذا وقع، هل النهي الوارد يقتضي إبطال النكاح أم لا؟ اختلفوا في ذلك إلى قولين:

القول الأول: أن نكاح الشغار لا يصح، ويفسخ قبل الدخول وبعده.

وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة1.

وقد استدل الجمهور على بطلان نكاح الشغار، بأدلة منها:

1 -

ما رواه البخاري عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"نَهَى عَنِ الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ"2.

2 -

وما رواه مسلم عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "نَهَى عَنِ الشِّغَارِ "3.

3 -

وما رواه مسلم أيضا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

"لا شِغَارَ فِي الإِسْلامِ"4.

1 انظر: الشرح الكبير للدردير (2/239) ، وشرح النووي لصحيح مسلم (9/201) ، وتكملة المجموع (16/245) ، والمغني (10/44) .

2 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/162) .

3 صحيح مسلم بشرح النووي (9/200) .

4 صحيح مسلم بشرح النووي (9/200) .

ص: 56

ووجه الاستدلال من الحديث: أن الحديث ورد فيه النهي عن الشغار، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، فكان نكاح الشغار فاسداً1.

القول الثاني: يصح نكاح الشغار، ويفرض لكل منهما صداق المثل.

وهو قول الحنفية2.

وقد علل الحنفية لتصحيح نكاح الشغار مع فرض صداق المثل، بما ذكره ابن عابدين رحمه الله: بأن"متعلق النهي مسمى الشغار المأخوذ في مفهومه خلوّه عن المهر، وكون البضع صداقاً، ونحن قائلون بنفي هذه الماهية وما يصدق عليها شرعاً، فلا نثبت النكاح كذلك بل نبطله، فيبقى نكاحا مسمى فيه ما لا يصلح مهرا فينعقد موجبا لمهر المثل كالمسمى فيه خمر أو خنزير، لأن ما هو متعلق النهي به لم نثبته، وما أثبتناه لم يتعلق به، بل اقتضت العمومات صحته

" اهـ3.

وقد رد ابن قدامة رحمه الله على هذا التعليل بأن المفسد في نكاح الشغار ليس عدم التسوية، بدليل نكاح المفوضة، فدل على أن المفسد هو الشرط، وقد وُجد، ولأنه سلف في عقد، فلم يصح4.

1 شرح النووي لمسلم (9/201) .

2 انظر: رد المحتار على الدر المختار (3/106) .

3 رد المحتار على الدر المختار (3/106) .

4 المغني (10/44) .

ص: 57

وقريب من قول الحنفية ما حاء في تكملة المجموع: "فأما إذا قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك صح النكاحان، لأنه لم يحصل التشريك في البضع، وإنما حصل الفساد في الصداق، وهو أنه جعل الصداق أن يزوجه ابنته فبطل الصداق وصح النكاح"1.

حكمة تحريمه:

ولا يخفى ما في تحريم نكاح الشغار من حكمة؛ لأن المتلبس لنكاح الشغار إنما يقصد بهذا النكاح - في الغالب - التخفيف في المهر بتعويض الآخر ببضع موليته بدل مهر المثل، ويفعل الثاني مثل ذلك معه، فيلحق الضرر بالمرأتين، بهضم حقهما في مهر المثل، فكان في تحريم نكاح الشغار ضمان حق المرأة في مهرها.

وكذلك لأن الشغار يؤثر على سير الحياة الزوجية لكل منهما، تأثيرا سلبيا، لكون كل واحدة منهما قوبلت بالآخر في النكاح، فيلحق بإحداها الضرر إذا لحق ذلك الأخرى، وذلك معلوم لدى المطلعين على مثل هذا النكاح، والمفروض في الحياة الزوجية أن تكون مستقلة بنفسها بعيدة عن كل ما من شأنه أن يلحق بها الضرر، فكان هذا النوع من النكاح محرما، وفي ذلك ضمان لحقوق المرأة الزوجية.

1 تكملة المجموع (16/245) .

ص: 58

3-

نكاح التحليل

تعريفه:

المقصود من نكاح التحليل: أن ينكحها على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما، وأن يتزوجها على أن يحللها للزوج الأول1.حكمه:

نكاح المحلل حرام، عند عامة أهل العلم2، في الجملة، وله صور عدة.

وقد دل على تحريمه أدلة منها:

ما رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"3.

1 تكملة المجموع (16/249) ، وتحفة الأحوذي (4/264) .

2 المغني (10/49) ، تكملة المجموع (16/349) .

3 سنن الترمذي (4/262-263، التحفة) ، وسنن النسائي (6/49) ، وسنن الدارمي (2/211)، قَالَ الترمذي:" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". وقال ابن حجر في التلخيص (3/170) : " صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري". وقال الألباني في الإرواء (6/307) : " صحيح".

ص: 59

قال الصنعاني رحمه الله مبينا حكم نكاح التحليل، وصوره: "والحديث دليل على تحريم التحليل؛ لأنه لا يكون اللعن إلا على فاعل المحرم، وكل محرم منهي عنه، والنهي يقتضي فساد العقد،، واللعن وإن كان ذلك للفاعل لكنه عُلق بوصف يصح أن يكون علة الحكم.

وذكروا للتحليل صوراً منها:

- أن يقول له في العقد إذا أحللتها فلا نكاح وهذا مثل نكاح المتعة لأجل التوقيت.

- ومنها: أن يقول في العقد إذا أحللتها طلقتها.

- ومنها أن يكون مضمراً عند العقد، بأن يتواطئا على التحليل، ولا يكون الدائم هو المقصود، وظاهر شمول اللعن فساد العقد لجميع الصور، وفي بعضها خلاف بلا دليل ناهض فلا يُشتغل بها"1.

وقد اختلف العلماء في فسخه إذا تم، على قولين:

القول الأول: أنه يفسخ وهو قول مالك2، وأحمد3 رحمهما الله.

وتعليلهم لذلك أن النهي يقتضي الفساد، فهو نكاح فاسد للعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له.

القول الثاني: هو نكاح صحيح، ولا يفسخ.

1 سبل السلام (3/269-270) .

2 بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/1038) ، (المحقق)

3 المغني (10/54) .

ص: 60

وهو قول أبو حنيفة1 والشافعي2 رحمهما الله.

وتعليلهم لذلك، أن النكاح وُجد مكتملا لأركانه وشروطه، فصح، وأما النية فغير مؤثرة في النكاح.

وأما اللعن فالمقصود به التأثيم فقط.

الراجح:

والراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أنه يفسخ، وأنه نكاح باطل أصلاً؛ لكثرة الروايات الواردة عن الصحابة من التصريح بأن ذلك كان يعدّ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سفاحاً.

فقد روى الطبراني في الأوسط، عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلاً قال له: تزوجتها أحلُّها لزوجها، لم يأمرني ولم يعلم، قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها، فارقتها، قال: وإن كنّا نعدّه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً، وقال: لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلّها3.

1 بدائع الصنائع (3/187) .

2 الأم (5/80) .

3 قال الألباني: صحيح. إرواء الغليل (6/311) ، وذكر روايات أخرى صحيحة عن ابن عمر دلت على البطلان، وأنه سفاح.

ص: 61

حكمة تحريمه:

إن حكمة تحريم نكاح المحلل لها وجهان، وكلا الوجهين فيه ضمان لحقوق المرأة:

فأما الوجه الأول: فهو أن تحريم نكاح المحلل يؤدي إلى التقليل من حالات وقوع الطلاق.

وذلك لأن الزوج إذا علم أنه لن يتمكن من إعادة زوجته إذا طلقها الطلقة الثالثة؛ لأنها لن تحل له بعد ذلك، حتى تنكح زوجا غيره، ويبني بها، ويذوق عسيلتها، وتذوق عسيلته، ومع ذلك لن تعود إليه، إذا قصد ذلك المحلل، لكون نكاح التحليل حرام، وأن المحلل لن يحل له المرأة، لو قصد التحليل، أقول: لو علم ذلك كان أشد زجرا له، وأدعى لعدم تهوره في إيقاع الطلاق، وتريثه في الأمر قبل الإقدام على ما فيه ضرر لحياتهما الزوجية، وانفصام عراها، ولا يخفى ما في ذلك من ضمان للمرأة لحياتها الزوجية.

وقد دل على أن المرأة لن ترجع إلى الأول إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره على الصفة المذكورة، قول الحق تبارك تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ

ص: 62

مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 1.

وما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لا َيأْتِيهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلا مِثْلُ هُدْبَةٍ2 فَقَالَ: "لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ"3.

وأما الوجه الثاني: فإن الشريعة بتحريم نكاح المحلل، حرصت على ضمان وصيانة شرف المرأة، والحفاظ على كرامتها؛ إذ لا يخفى ما في نكاح التحليل من تعريض المرأة للابتذال، وتشهير بسمعتها، وجعلها متقلبة بين الرجال، وينتفي كل ذلك إذا كان القصد من الزواج صحيحا سليما ولو طلقت بعد ذلك وعادت إلى الزوج الأول، لأنه لا حياء في الدين، ولا غضاضة في الامتثال لأوامر الشرع الحكيم.

1 الآية 230 من سورة البقرة.

2 هُدبة: وهو طرف الثوب الذي لم ينسج، وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار (الفتح 9/465) .

3 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/464) .

ص: 63

قال الإمام ولي الله الدهلوي رحمه الله، مبينا حكمة تحريم نكاح التحليل:"أقول: لما كان من الناس من ينكح لمجرد التحليل من غير أن يقصد منها تعاونا في المعيشة، ولا يتم بذلك المصلحة المقصودة، وأيضا ففيه وقاحة وإهمال غيرة، وتسويغ ازدحام على الموطوءة، من غير أن يدخل في تضاعيف المعاونة، نهي عنه" اهـ1.

1 حجة الله البالغة (2/139) .

ص: 64